- 'النهار'
الحل الاميركي المتاح في لبنان: سلام سوري ـ إسرائيلي
نيكولاس نوي'نيويورك تايمز'- ترجمة ن. ن.:
بعد ستّة أعوام بالتمام والكمال تقريباً من اندلاع ثورة الأرز التي أدّت إلى انسحاب سريع للقوات السورية من لبنان، يبدو أن حلم الولايات المتحدة بأن بإمكانها استعمال هذا البلد الهش منصّة لبناء شرق أوسط جديد – ذي نزعة موالية للولايات المتحدة بصورة مؤكّدة – قد انهار.يمكن القول بأنه انهار في تمام الساعة 11:58 من ظهر يوم الثلثاء [25 كانون الثاني] عندما دخل نائب مسيحي في البرلمان اللبناني يدعى نقولا فتوش من البقاع القصر الرئاسي وصوّت ضد رئيس الوزراء سعد الحريري. والأخير هو نجل رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق الذي يشكّل اغتياله في شباط 2005 أساساً للقرار الظنّي المتوقَّع صدوره قريباً عن المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشأتها الأمم المتحدة.على الرغم من أن رئيس الوزراء الجديد، نجيب ميقاتي، لم يكن بحاجة إلى دعم فتوش لهزم سعد الحريري – فقد منحته أصوات التنظيم الشيعي القتالي 'حزب الله' وأكبر كتلة مسيحية في مجلس النواب برئاسة الجنرال ميشال عون إلى جانب بعض المسلمين السنّة والدروز، التفوّق العددي – إلا أنه كانت لتصويت فتوش أهمية خاصة. فهو لم يكن حليفاً لسعد الحريري وحسب، بل إن السفيرة الأميركية مورا كونيلي كانت قد زارته قبل بضعة أيام فقط في دارته وحظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة.يطرح قيام شخصية غير ذات شأن كبير معروفة بمساوماتها السياسية بصدّ المحاولة التي بذلتها قوّة عظمى للاحتفاظ بصوتها لمصلحة الرجل الذي تدعمه هذه القوّة، علامة استفهام حول سوء الأداء الشديد الذي أظهرته سياسة 'الماكسيمالية' التي انتهجتها واشنطن – أي ممارسة ضغوط متقطّعة على حلفائها فيما ترفض التفاوض بجدّية مع خصومها – في لبنان والشرق الأوسط في شكل عام. تحتاج إدارة أوباما إلى مقاربة مختلفة كلياً للتعامل مع لبنان 'الجديد'.لكن لسوء الحظ، سيكون هذا التغيير أصعب بكثير الآن مما كان عليه قبل ستة أعوام عندما كان 'حزب الله' في مأزق سياسياً، إذ كان يفتقر إلى الدعم خارج قاعدته الشيعية وإلى الضمانات التي يؤمّنها له وجود القوات السورية في البلاد.في نيسان 2005، ذهب 'حزب الله' إلى حد إرسال أحد السياسيين التابعين له، طراد حماده، للاجتماع بالمسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية من أجل التوصّل إلى تسوية موقّتة. وقد غادر واشنطن صفر اليدين: كانت إدارة بوش تعتقد أن التأثير الأميركي يتنامى في لبنان وأنه يمكن حشر 'حزب الله' في الزاوية للموافقة على نزع سلاحه قبل إجراء أي مفاوضات فعلية. بدلاً من تقويض الدعم السياسي لـ'حزب الله' عبر توسيع التحالفات مع الشخصيات الموالية للولايات المتحدة في لبنان ومعالجة المخاوف التي يعبّر عنها عدد كبير من اللبنانيين – من أن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي لبنانية في الجنوب، ومن وجود لبنانيين في السجون الإسرائيلية، ومن أن البلاد بحاجة إلى دفاع وطني أقوى – اكتفت إدارة بوش بمجموعة ضيّقة من الحلفاء المحليين وطبّقت استراتيجيا 'إما معنا وإما ضدنا' التي هدفت إلى إلغاء 'حزب الله'. وفي أقل من عام، أسفرت هذه السياسة، ويا للأسف، عن اجتياح إسرائيلي فاشل أدّى إلى مقتل وإصابة آلاف المواطنين اللبنانيين، ومنح 'حزب الله' شعبية غير مسبوقة في المنطقة.حالياً، استعادت سوريا الجزء الأكبر من سيطرتها في البلاد – هذه المرّة من دون الكلفة المترتّبة عن نشر جنود – وتقع مجدداً في صميم السياسة الإقليمية. ويجمع الكل على أن قدرات 'حزب الله' العسكرية تعزّزت كثيراً، ويبدو أن هناك اعتقاداً خطراً لدى عدد كبير من قادته بأنّ بإمكانهم الفوز حكماً في مواجهة 'نهائية' مع إسرائيل. كما أن الحزب أبقى بدهاء على تحالفاته السياسية – وبينها تحالف مع حوالى نصف المسيحيين في البلاد – لا بل وسّعها، مما منحه القدرة على تغيير الحكومة بوسائل دستورية.ولعل أكثر ما يثير الإحباط هو أن 'حزب الله' نجح إلى حد كبير في تقويض شرعية المحكمة التابعة للأمم المتحدة في العالمَين العربي والإسلامي. وحظي في مجهوده هذا بمساعدة أميركية غير مقصودة. فكما ورد في تقرير صدر حديثاً عن 'مجموعة الأزمات الدولية'، أدّت الطريقة التي أنشئ بها التحقيق، 'بضغط من قوّتين غربيتين تملكان أهدافاً استراتيجية واضحة'، أي الولايات المتحدة وفرنسا، إلى 'تلويث' العملية.إذاً ما الذي تستطيع الولايات المتحدة فعله لوقف الزخم الجديد الذي اكتسبه 'حزب الله'؟ خياراتها محدودة. فنظراً إلى التغيير الحكومي، قد يحاول الكونغرس قطع المساعدات عن لبنان والجيش اللبناني. وعلى الأرجح أن إدارة أوباما سوف تُجدّد دعمها للمحكمة الدولية وتمارس ضغوطاً دعماً لأي قرار ظنّي يدين شخصيات من 'حزب الله'. بيد أن أياً من الخطوتين لن تمارس تأثيراً كبيراً على حسابات الحزب أو رغباته الأساسية. سوف يستمرّ 'حزب الله' في تعزيز قوّته العسكرية، ويقترب أكثر فأكثر مما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بـ'الخط الأحمر' من الإمكانات والقدرات التي من شأنها أن تدفع بإسرائيل إلى شن هجوم 'استباقي' واسع النطاق. وكما في عام 2006، من شأن هذه الخطوة أن تكون مدمِّرة للبنان، ولإسرائيل على الأرجح، وللمصالح الأميركية في المنطقة بكل تأكيد، لا سيما أن 'حزب الله' سوف يصمد في الغالب، لا بل قد يكتسب أتباعاً جدداً في أوساط الأشخاص الذين يتضرّرون من الهجمات الإسرائيلية على البنى التحتية والمناطق المدنية اللبنانية.لكن لا يزال المجال متاحاً أمام واشنطن لاستنباط بديل معقول وغير عنيف، من خلال الدفع باتّجاه الإنعاش الفوري لمحادثات السلام بين سوريا وإسرائيل. قبل أحد عشر عاماً، تداعى اتفاق سلام بين البلدين كان من شأنه أن يتضمّن نزع سلاح 'حزب الله'، والسبب الأساسي هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، وجد أنه من الصعوبة بمكان على الصعيد السياسي تسليم سوريا بضع مئات من الأمتار المتبقّية حول الزاوية الشمالية الشرقية لبحيرة طبريا عند حدود مرتفعات الجولان.على الرغم من أن التوصّل إلى اتفاق جديد حول الجولان لن يؤدّي إلى انتهاء 'حزب الله' في المدى المباشر، إلا أنه من شأنه أن يحدّ من قدرة التنظيم على استخدام العنف ورغبته في ذلك، إذ إنه سيكون على سوريا أن تتعهّد إغلاق الطرقات التي تُستعمَل الآن في تهريب الأسلحة الإيرانية (والسورية) إلى لبنان. وعندئذٍ سيجد 'حزب الله' المستضعف عسكرياً والذي فقد الدعم السوري أو لا يحظى بالكثير من الدعم السياسي في الداخل لمواصلة مهمّته من أجل تحرير القدس – سيجد إذاً صعوبة كبيرة في تهديد حدود إسرائيل الشمالية.لا شك في أن بعض الإسرائيليين يدركون منافع مثل هذا الاتفاق. قال إيلان مزراحي، وهو نائب سابق لرئيس 'الموساد' ومستشار الأمن القومي في إدارة رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، في مقابلة معه منذ فترة قصيرة إنه أوصى في أول يوم عمل له بأن يعقد أولمرت اتفاقاً مع سوريا لأن من شأنه 'تغيير الوضع الأمني في الشرق الأوسط'. وأضاف أنه لا يزال على رأيه هذا.ولدى سؤاله إذا كان الانسحاب يولّد تهديداً لإسرائيل في الجولان، أجاب مزراحي 'لا يعتقد رئيس الأركان عندنا ذلك. ولا رئيس الاستخبارات العسكرية... يقول خيرة الجنرالات الإسرائيليين إن بإمكاننا التفاوض على المسألة، وأنا أصدّقهم'.هل سيكون الضغط على إسرائيل كي تنسحب بالكامل من الجولان مسألة صعبة سياسياً بالنسبة إلى الرئيس أوباما؟ بالتأكيد، تماماً كما أن الانسحاب صعب سياسياً على رئيس الورزاء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكن نظراً إلى البدائل بالنسبة إلى لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة، فإن كل ما هو دون ذلك لن يعدو كونه مجرّد رفع سواتر موقّتة لتأخير كارثة إقليمية تلوح في الأفق.
- 'السفير'
محمد حسنين هيكل يكتب:
الجيش ومهمة فتح الطريق للتاريخ.. الحقــائــق العشــر والخطــوات الـسبــع
الحقائق العشر
1 ـ شعب في طليعة شبابه الذي فتح أفق المستقبل.
2 ـ وجيش يملك ميزان القوة، وهو نفسه جيش الشعب وابنه.
3 ـ وأزمة حكم سقط، ولا يريد أن يرحل. وفي سبيل البقاء، فهو يريد ـ بغزيرة وحش جريح ـ أن يتمسك بموقفه، وأن ينتقم، ولا يبالي في سبيل ذلك أن تحدث فتنة كبرى.
4 ـ وفي وسط الأزمة زحام من ساسة بغير سياسة، تحركهم أوهام قديمة أو أحلام مستجدة.
5 ـ وهناك في خضم هذا الزحام صفوة من الرجال والنساء لا يعرفون كيف يمكن أن يتحركوا في الأزمة، وكثيرون منهم يتحركون بقوة العاصفة لكن بدون بوصلة!
6 ـ لا يوجد من يستطيع بثقة أن يقول إنه يفهم، أو حتى يعرف ما هو المطلوب الآن، فليست هناك جهة أو هيئة سياسية تحظى بقدر من الشرعية أو المرجعية أو المصداقية ـ وأُولاها البرلمان المصنوع أخيراً بمجلسيه ـ بما يساعد هذه الجهة أو الهيئة على الإسهام في صنع المستقبل.
7 ـ وهناك عالم مهتم، ومن الصعب رد اهتمامه، لأنه موجود بالواقع وسط الأزمة، وهو يرى جيل الشباب ويستشعر إرادة الشعب، ويرى سلامة الجيش ويلمس مسؤوليته، ويرى ـ أيضاً ـ بجلاء أن هذا النظام لم يعد يقدر على أن يتعامل مع العالم، ولا عاد العالم قادراً على أن يتعامل معه، فضلاً عن ذلك فهناك أمة من المحيط للخليج تتابع وما زالت، وأيديها على قلوبها داعية وراجية.
8 ـ ومن سوء الحظ أن بعض عناصر هذا النظام تجرب عزل ثورة الشعب عن العالم، بمحاولة إضفاء طابع عليها، ينسب ما وقع في مصر إلى عنصر أو تيار أو جماعة معينة، وذلك خطأ وخطر، لكن بقايا النظام تحاول جاهدة ـ بمزيج من ضيق الأفق ومخزون الخبث ـ أن تدفع بهذا الانطباع إلى الواجهة.
كما أن بقايا النظام ـ بالتوازي مع ذلك ـ تتصور المراوغة بالحيلة المعروفة في الإلهاء السياسي، فتقطع بنفسها بعض ذيولها (ثلاثة أو أربعة من الوزراء السابقين، وثلاثة أو أربعة من الأنصار القدامى)، وتلقي بهم على الطريق، لعل مطارديها يتلهون بهم، وهذا خطأ في عالم السياسة والأخلاق، مما قد يجوز في العالم المظلم للجريمة وعصابات المافيا، لكن عالم السياسة والأخلاق يستدعي العدل قبل أن يفرض العقاب!!
9 ـ وعنصر الوقت ليس مع أحد، لكنه ضد الكل، من الأمن والاقتصاد إلى السياسة والقرار، إلى الأمن القومي، إلى ضرورة العودة إلى الأمة والعالم بعد أسبوعين من الفوران حتى درجة الغليان!!
10 ـ وعليه، فإن أصحاب الحل هذه اللحظة: شباب وجماهير شعب يعرفون ما لا يريدون، وأوله رحيل رجل واستقامة نظام، لكن هؤلاء الذين يعرفون ما لا يريدون، لا بد من أن تُتاح لهم الفرصة، كي يقرروا ماذا يريدون، وهم يقفون في ذلك صفاً موازياً وليس معارضاً، لجيش وطني موجود بقيمته ومسؤوليته، وهو بفكرة الدساتير بأسرها ـ منذ ظهورها وكتابتها ـ حامي الشرعية الوطنية، وحامي الأمن القومي.
ولا بد بين الشعب والجيش الآن من لقاء.
ولا يمكن لهذا اللقاء أن يتم إلا بضمانة من الثقة، لا بد من أن تتوفر، كي يتنفس الشعب بحرية، ويلتقط أنفاسه بهدوء، ويتكلم بأمان، ويقدّر مسار خطاه بوعي واقتدار.
وهنا، قبل الوصول إلى الحلول السبعة، تثور نقطة لا بد من أن تواجَه بأمانة وجد واحترام للنفس وللعصر ولحقائق الأشياء، وهي الكلام على إجراءات دستورية لترتيب الانتقال.
ذلك أن تطورات أحوال متلاحقة أصبحت تقتضي تحولات سياسية كبرى في الفكر والعقل، وليس صيغاً وعبارات تتزيا برداء القانون، وذلك لأسباب بدهية، بداهة طلوع الشمس وغروبها:
} بينها، أن الدستور المعمول به الآن، والذي جرى ترقيعه عدة مرات ليتسع لكل ما عاشته مصر من تضليل طوال سنوات بالعشرات، لم يعد يصلح قاعدة أو سنداً لأي ترتيبات لبداية جديدة، فلا أحد يستطيع تحويل الخرق البالية إلى ثوب جديد، إلا إذا كنا نريد البحث عن نافذة من سجن يهرب منها المستقبل خلال الأسوار، لأن المستقبل لا يهرب من نافذة سجن، وإنما ينطلق بإزاحة كل الأسوار.
} إن الشعب، وهو مصدر الشرعية، قال كلمته، وأظهر إرادته، ووضع الأساس لشرعية جديدة يمكن التعبير عنها بدستور جديد يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة بعد فترة انتقالية، تفتح الباب لعودة السياسة إلى الوطن مرة أخرى، وتسمح لأجيال جديدة من الشباب بأن تشارك في حوار المستقبل الذي يقيمه ويحصِّنه الدستور الجديد. ولقد كان الخطأ المتكرر في تاريخنا باستمرار هو أن مشروعات الدساتير كتبها قانونيون بطلب من الحُكَّام، ثم جرى عرضها على الشعب، وهذا استهتار بالسياق التاريخي في وضع الدساتير، فالدستور يختلف عن القانون، لأن الدستور عقد وطني سياسي واجتماعي، يعبر عن مشيئة الأمة. أما القانون فعملية تنظيم لاحتياجات الشعب وأمنه، وعلاقات الجماعات والأفراد ببعضهم، بما في ذلك خياراتهم في مجالات حياتهم المتنوعة، وضمان مستقبلهم المشترك.
} والقول بتعديل الدستور في عدة مواد ثار حولها اللغط، والترتيب للمستقبل على أساسها، أمر يتطلب مراجعة، لأنه ليس في مقدور أحد أن يسد ثغرة ما جرى بأي عملية &laqascii117o;ترقيع".
ـ فرئيس الدولة حامي ذلك الدستور انتهى سياسياً وعملياً.
ـ والدستور نفسه مهلهل.
ـ والمجلس المكلف إعادة ترميم بعض مواده المتهالكه، هو نفسه مجلس مزور.
وأن يكون لهذا المجلس الذي يُراد فتح باب الطعون في صحة عضوية من احتلوه بالتزوير، وهم لسوء الحظ أغلبية فيه، نوع من التلفيق بعد الترقيع وبعد التزوير، وفي مطلق الأحوال، فكيف يمكن أن يؤتمن على الدستور مجلس قام على التزوير؟ ـ وأقسم أعضاؤه اليمين على باطل؟ ـ وصفقوا جماعة لخطاب عرش تهاوت قوائمه؟
} وربما يقول قائل ـ وهو على حق ـ ان المرحلة الانتقالية نفسها لا بد من أن تكون لها ضمانات دستورية، وهنا فإنه يمكن للدستور الحالي أن يستمر حتى يحل بدله دستور من إملاء الشعب، لكن بعد إخلاء ما يكمن في مواده من أثقال على الحريات العامة، والقيود تعوق العمل السياسي، وعلى مطالب التفكير الحر والتعبير النزيه، وبدلاً من &laqascii117o;الترقيع" فإنه يمكن بجانب ذلك إعلان مبادئ ركيزتها إعلان حقوق الإنسان المؤكدة للحريات العامة، وفيها حرية التفكير والتعبير والتنظيم والكرامة المكفولة لكل إنسان، وأن يكون ذلك في وجود &laqascii117o;مجلس قانون" مكوَّن من المحكمة الدستورية العليا، والمحكمة الإدارية العليا لمجلس الدولة، وبمشاركة مجلس &laqascii117o;أمناء على الوطن" يتم اختيارهم بعيداً عن ذلك التسابق المهين لركوب الموج، وتلك ظاهرة عرفتها وعانت منها كل الثورات في التاريخ.
} أقول بذلك وأنا أعرف وأقدر وأحترم فكرة القانون، وأظنها ـ وقد قلت مراراً وتكراراً في كل الظروف ـ أفضل ما أنتجه الفكر الإنساني على طول العصور، فلولا فكرة القانون لما استقر مجتمع، ولا تقدم بشر، ولا تحرك زمان، لكن الدساتير وهي القانون الأعلى في المجتمعات ليست مسألة صياغة، وإنما هي مسألة إرادة، وليست مسألة نصوص وإنما مسألة قيم، وهنا فإن إرادة الشعب وقيمه هي الأصل، وليس الصياغة والنص.
ولنتذكر أنه بمنطق الصياغة والنص في الدستور فإن كل الملايين التي خرجت لتُسقط شرعية الحكم الشخصي، يعتبرون بمواده متمردين وعصاة، يصح تأديبهم أكثر مما تصح الاستجابة لطلباتهم.
ـ النص حق إذا كان تعبيراً عن حقيقة وإرادة خالصة لشعب.
ـ والنص باطل إذا جاء ليحقق شهوة في سلطة لا أحد يعرف من أين وإلى أين!
ـ والنص عاجز إذا كان مجرد كلمات وجمل ومواد يكتبها المبتدئون أو الراسخون في فن الصياغات.
انتقل الآن إلى سبع خطوات إلى المستقبل (بعد كل ما مضى مع عذاب الانتظار، وتكاليفه المادية والمعنوية).
1 ـ خروج الرئيس &laqascii117o;حسني مبارك" من رئاسة الدولة، وابتعاده عن الساحة، بدون إضاعة فرصة أو مداورة، وتعلل بالفوضى، وذلك حتى يرتفع ثقل وجوده عن المشهد كله. فاستمرار هذا الوجود تعقيد لا مبرر له، وتعطيل لما ينبغي بعده، فالشعب كله حاضر، والكنيسة مضاءة، والمسجد عامر، والشباب هناك، وأكثر من ذلك فإن ذلك الرئيس لم يعد قادراً على مواجهة طرف داخلي أو خارجي، ولا قادراً على أن يقدم أوراق اعتماده لطرف عربي و دولي يسمع له أو يقبل منه، كما أن القول بالانتظار والصبر لم يبق له مجال يحتمل الاستمرار، ولا داعي لهذا الوقوف، لأن هذا الوضع: ستة شهور من القلق والشك والتربص.
2 ـ إعلان من القوات المسلحة مسؤوليتها والتزامها حماية الشعب.
3 ـ إعلان قيام &laqascii117o;مجلس قانون" يمسك في يده بالشرائع والقواعد، ومعه ما يصلح من الدستور القائم، ومعه أيضاً ما هو مقبول ومعمول به في دنيا النور والحضارة.
4 ـ إعلان قيام مجلس لأمناء الشعب بتمثيل محقق للشباب.
5 ـ إعلان فترة انتقالية كافية لحوار جاد لا يضغط عليه دستور، تهاوت أسسه بتهاوي شرعية من أصدروه.
6 ـ تشكيل حكومة قوية تجمع بين الأفضل ممن يمكن الوثوق بهم ممن يعرفون الحقائق، إلى جانب من يمكن الاطمئنان إليهم ممن يحملون نبض الأمل، فلا يمكن لصالح هذا البلد (ولا هو وقع في كل الثورات من قبل) أن يكون هناك حائط من الفولاذ بين ما كان في وطن، وما ينبغي أن يكون فيه.
7 ـ وأضيف هنا انني أحترم العسكريين الأربعة الذين وضعتهم الأقدار الآن في موقع القرار: &laqascii117o;عمر سليمان" ـ و&laqascii117o;أحمد شفيق" ـ و&laqascii117o;محمد حسين طنطاوي" ـ و&laqascii117o;سامي عنان".
أحترمهم باعتبارهم من رجال هذا الجيش الذي لم يعد هناك الآن ـ بجانب أجيال الشباب وقوى الشعب العارف والواثق بنفسه ـ قوة مؤثرة وفاعلة في المستقبل غيره.
وأحترمهم وأنا أعرف أن مسيرة التاريخ المصري والمستقبل هذه الساعة في أيديهم، وفيها حياة الشعب ودمه، وفيها العصر ومستقبله.
أقول ذلك وأنا رجل يدرك المحاذير، ويقدر المسؤوليات، ويتفهم ـ بقدر ما هو إنساني ـ مشاق الاختيار ومزالقه في هذا الظرف من الزمان!!
وتحت درع القوات المسلحة تستطيع جموع هذا الوطن أن تهدأ، ويستطيع العقل أن يؤدي دوره، ويستطيع الأمل أن يجد أفقه بعيداً عن ضياع الساسة وتخبطهم، وصخب الإعلام وألوانه وأضوائه.
فلا بد من أن تُتاح للشعب فرصة أن يتكلم ويُسمع ويُطاع.
ولا بد من أن ينفتح الطريق للتاريخ.
} أقول ذلك كرجل لا يملك غير فكره.
ولا يطلب دوراً من أي نوع ودرجة، فهو بالطبيعة قرب الغروب وعلى حافته.
ولا يطلب أكثر من أن يطمئن على وطنه ويستريح، قبل أن يغمض عينيه وينام.
(ينشر بالتزامن مع &laqascii117o;مصر ـ اليوم" في القاهرة)
- 'الأخبار'
الثورة المصرية الكبرى: آفاق ومخاطر
عزمي بشارة:
كانت الثورة المصرية عفوية، وانضمت إليها القوى السياسية ذات الحيثية الشعبية طبيعياً. وهي الآن في طريقها نحو الهدف. ولم أسمع في تاريخ الثورات كلّها عن ثورة أخرجت هذا الكم من المتظاهرين ضد النظام في مدن عدّة وبالتزامن. لم تعد هذه الثورة بحاجة إلى أدلة على أنّها شعبية، لكنّها بحاجة إلى تصميم واستراتيجية للوصول إلى الهدف. فالنظام المصري يقاوم مصيره المحتوم بوسائل عدّة، من ضمنها ترويج الأكاذيب والتخويف من الفوضى وادعاؤه قبول مطالب المحتجين حين يلزم، وادعاؤه أنّهم جواسيس حين يلزم، وقمعهم حين يمكنه ذلك.ويخطئ من يعتقد أنّ المسألة مسألة عناد شخص، أو أنّها مسألة شخصية. ليس الموضوع طباع مبارك العنيدة ولا معاندته. وأستطيع أن أخاطر بالقول إنّه لم يعد يحكم مصر، وإنّ من يحكم مصر فعلياً الآن هم عمر سليمان ورئيس الحكومة المعيّن الجديد أحمد شفيق، وإنّهما يحاولان تثبيت نفسيهما في النخب الحاكمة وداخل الدولة رموزاً لنظام الحكم. ليس الموضوع عناد شخص وطباعه الشخصية بل إنّها زمرة حاكمة تحاول الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، وأن تنقذ نفسها في الصراع. إنّه صراع سياسي وليس شخصياً.يُحسم هذا الصراع عندما يعرف هذا النظام أنّه إما أن تستمر الثورة حتى تتحول تدريجاً بطبيعة الأمور إلى حالات من الصراع العنيف، أو عندما يقبل بعملية نقل للسلطة عبر مرحلة انتقالية والشروع بعملية تفاوض على كيفية تطبيق الشروط. ويمكن أن يجري التفاوض على كيفية تطبيق المرحلة الانتقالية لرحيل النظام مع أي كان.ليس الموضوع شخصياً، بل يكمن في اعتراف الحكام بأنّه لا بد من نقل السلطة سلمياً، وأنّ هذه العملية تحتاج إلى مرحلة انتقالية، وأنّ التفاوض معهم هو فقط على آليات المرحلة الانتقالية. هذا تفاوض وليس حواراً. إنّه تفاوض على نقل السلطة عبر آلية موثوقة. ولا يستطيع النظام نفسه أن يدير المرحلة الانتقالية. هذا صراع يحتاج إلى تصميم واستراتيجية وإلى فهم لطبيعة هذا الصراع.دخل النظام المصري في طور العزلة الدولية الكاملة. ويجب تعميق هذه العزلة لأنّه يضعف النظام ويضعف ارتباط أصحاب المصالح به. ولتعميق عزلته لا بدّ من الاستمرار ولا بدّ من الوضوح دولياً أن الثورة هي المنتصر، وقد يحصل ارتباك في ذلك إذا سُمِح للنظام بالتقاط أنفاسه. لقد أدركت الولايات المتحدة وأوروبا أنّ من الأفضل لها أن تتخلى عن رموز وشخصيات خاسرة في النظام على أن تخسر النظام برمّته وأن تعادي الشعوب العربية كافة، وهو ما لم تدركه في حالات إيران وتونس...(للقراءة).