- 'النهار'
من ضرب 'التسوية' الحريري أم 'الحزب' أم سوريا ؟
سركيس نعوم:
يحمِّل فريق 8 آذار قائد فريق 14 آذار الرئيس 'المُستقالة' حكومته مسؤولية ضرب المسعى السعودي – السوري المشترك الذي بدأ منذ اشهر طويلة بغية ايجاد حل نهائي للأزمة الداخلية التي شلّت الحكومة ومنعتها من العمل، والتي وضعت البلاد غير المستقرة اساساً على شفير صدام او فتنة للمذهبية منهما نصيب كبير. ويعرف الجميع أن السبب الاساسي لهذه الأزمة هو الخلاف بين الفريقين على 'المحكمة الخاصة بلبنان' التي انشأها مجلس الامن لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الآخرين او على الاقل بعضهم. ويتهمه الفريق نفسه بالخضوع لضغط خارجي، اميركي في معظمه، يريد اصحابه استمرار ارتباط لبنان بالمحكمة المشار اليها اعلاه، أولاً، لأنها في ظنه ستستهدف 'حزب الله' الموضوع اساساً على لائحة الارهاب الاميركية لأسباب متنوعة، منها مقاومته المستمرة لاسرائيل. وثانياً، لأنها وفي ظنه ايضاً ستكون – بل ستبقى سيفاً مصلتاً على رقبة كل من سوريا بشار الاسد والجمهورية الاسلامية الايرانية اللتين لا تزالان 'عاصيتين'، حتى الآن على الاقل على اميركا، رغم الضغوط المتنوعة التي مورست عليهما ورغم المغريات التي قدمت اليهما. ويعتقد فريق8 آذار نفسه ان تردد الرئيس الحريري، وعدم صدق رغبته في تسوية لأزمة المحكمة ترعاها السعودية وسوريا، احبطا تسوية كان تم التوصل اليها بين الدولتين الشقيقتين، وكانت حظيت بموافقة فريقي 8 و14 آذار بعموديهما الفقريين 'حزب الله' و'تيار المستقبل'. وهو يجزم بأن تصرف الحريري كان من ابرز اسباب 'استقالة' العربية السعودية وتحديداً عاهلها عبد الله بن عبد العزيز من المسعى المشترك مع سوريا.
في مقابل كل هذه الاتهامات التي وجّهها فريق 8 آذار الى فريق 14 آذار وقائده الرئيس الحريري، والتي عززها بمعلومات شبه تفصيلية عن مساعي 'السين – سين' والتسوية التي انتهت اليها، سرّبها احيانا قريبون منه، وتحدث عن بعضها احيانا اخرى قياديون كبار فيه، في مقابل كل ذلك اعتصم فريق 14 آذار او بالاحرى الطرف الأبرز فيه المعني مباشرة بالمساعي بل المشارك فيها والعارف كل تفاصيلها، اعتصم بالصمت. وباستثناء مواقف قليلة جداً اعلنها الحريري لكانت المعلومات المتوافرة عند اللبنانيين على تنوعهم وتناقضهم ذات مصدر واحد هو المعارضة التي صارت الآن موالاة اي غالبية. وأحد ابرز هذه المواقف هو قوله ان تعثر التسوية او فشلها يجب ان يُسأل عنه 'حزب الله' لأنها تضمنت التزامات عليه لم ينفذها. وكان طبيعياً ان يمتنع هو عن تنفيذ التزاماته. وقول الحريري هذا على غموضه، باعتبار انه لم يتضمن اي تفاصيل، يبدو صحيحا. ذلك ان الأمين العام لـ'حزب الله' السيد حسن نصرالله اعترف، في احدى اطلالاته التلفزيونية الاخيرة، بوجود التزامات على حزبه او على فريقه، منها ما يتعلق بشهود الزور، واعترف بأنه حصل نوع من التأخير فيها لأن درسها كان لا يزال متواصلاً. لكنه لم يعتبر هذا الامر مشكلة جوهرية تهدد التسوية.
طبعاً لم يبدد الموقف التوضيحي 'اليتيم' المذكور اعلاه للحريري الغموض الذي احاط بفشل تسوية 'السين – سين' وبالمسؤولية عنه. ذلك ان تدفق المعلومات عن هذا الموضوع استمر، ولكن من فريق واحد. وفي وضع كهذا لا يمكن انكار صحة الكثير من المعلومات التي سرِّبت الى اللبنانيين عبر وسائل الاعلام المتنوعة. لكن في الوقت نفسه لا يمكن الا التساؤل اذا كانت هذه المعلومات كاملة او مجتزأة الهدف منها تغليب وجهة نظر فريق على وجهة نظر فريق آخر. وهذا امر قد يكون مشروعا في الصراع السياسي وربما مبرراً، وخصوصا في بلاد مضطربة بل في منطقة تؤمن بالاعلام 'البروباغندي' اكثر من ايمانها بالاعلام الموضوعي، وتمارسه. لكن ما هو غير مشروع كان اعتصام 14 آذار وقائده بالصمت. علماً ان الصمت كاد ان يجعل عدداً من المحايدين بينه وبين الفريق 'الخصم'، على قلتهم، يتساءلون اذا كانت له مسؤولية ما عن تعثر التسوية، وتالياً عن تفجر الازمة وعن توجه البلاد في طريق غامضٍ مستقبلُه جراء 'الانقلاب الدستوري' الذي حصل.
لماذا يعتصم الحريري بالصمت؟
لا احد يعرف او بالأحرى انا لا اعرف. لكن من 'يفتش على ربه يلقاه' كما يقال في عاميتنا. ولذلك بدأت عملية الاستقصاء والبحث 'لاكمال الصورة' اذا جاز التعبير، وحرصاً على الموضوعية، او على الاقل لوضع الناس امام صورتين ولدفعهم الى محاولة جعلهما صورة واحدة. ولا ازعم هنا انني حصلت على كل ما اريد من جهات عدة متنوعة داخلية، وخارجية عليمة، وإن غير متورطة عملياً بكل ما جرى ويجري. الا انني حصلت على ما يكفي من معطيات اضعها امام الناس حرصا على التوازن ربما او على الموضوعية، علما انني سأستمر في البحث عن المزيد.
اول هذه المعلومات يفيد ان الصفحة من 'التسوية' التي أراها الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط للبنانيين لاقناعهم بوجودها وبموافقة الحريري عليها كان فيها 'اولاً' و'ثانياً' و'ثالثاً'، اي بنود تتضمن التزامات. والتزامات الحريري وفريقه كانت في 'ثالثاً'، الامر الذي يعني انه كان على 8 آذار و'حزب الله' البدء بتنفيذ الالتزامات الواردة في 'أولاً' أو 'ثانياً'. طبعاً كان على 'المستقبل' وفريقه ان يبادر الى نشر التسوية وان يضع الحقائق امام الناس، لكنه لم يفعل ولا اعرف لماذا، ولا ارى سبباً مقنعاً لذلك.
وثانية هذه المعلومات تفيد ان الاتصالات كانت مستمرة بين العاهل السعودي والرئيس السوري بواسطة نجل الاول الامير عبد العزيز، وكان هدفها بعد وضع التسوية الاستفسار عن التنفيذ وموعده. وكان الرئيس السوري يجيب بأن كل شيء على ما يرام وان التزام التسوية مستمر والتنفيذ قريب. الا ان الوعكة الصحية التي ألمت بالملك السعودي وأوجبت انتقاله الى نيويورك للمعالجة أخّرت الامور بعض الشيء. وبعد الجراحتين اللتين اجريتا له وبعد نجاحهما، طلب من نجله الاتصال بدمشق للاستفسار عن مصير التسوية، واسباب عدم تنفيذها. والجواب الذي حصل عليه كان مفاجئاً (وكان ذلك في آخر اتصال) اذ انطوى على نوع من التنصل منها، وعلى تأكيد ان التنفيذ لن يتم لأن لا ثقة بالرئيس سعد الحريري. ولم توضح المعلومات اذا كانت دمشق قالت انها هي التي لا تثق به او 'حزب الله'. لكن النتيجة في الحالتين واحدة. وهنا تفيد ثانية المعلومات ان العاهل السعودي طلب الابلاغ الى الرئيس السوري خروجه من 'السين – سين' اي من التسوية.
هل هذه المعلومات ناقصة او مجتزأة مثل المعلومات التي سربها وعلى مدى اشهر فريق 8 آذار وخصوصا بعد انهيار التسوية؟ والجواب ان كل شيء جائز. والحل الوحيد لجلاء التناقض هو اعلام المعنيين اللبنانيين بكل شيء علهم يعودون الى الهدوء والروية في الحكم بعضهم على بعض والى دفع زعاماتهم للعودة الى الحوار والتخلي عن المواجهة.
ـ 'النهار'
'ترف' التأليف يناقض تسارع خطوات المحكمة
والتشكيلة تنتظر حسم 'حزب الله' لمواجهة القرار
هيام القصيفي:
تتعامل القوى السياسية في لبنان مع تشكيل الحكومة على اساس أنه ' ترف' ديموقراطي في بلد تتنافس فيه الاحزاب السياسية الديموقراطية لتقديم الافضل لجمهورها. ويبدو تنازع الحصص والحقائب الوزارية بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقوى 8 آذار وحلفائها، وكأن ثمة استرخاء سياسيا اوصل البلاد الى بر الامان، لينصرف الجميع بناء على ذلك الى تقاسم الحقائب السيادية والخدماتية لإعادة لبنان الى ايام العز والرخاء السياسي والاقتصادي.
وترى مصادر سياسية وقانونية مواكبة ان عملية تشكيل الحكومة بالطريقة التي تقتسم فيها الحصص، تصح على فترة الخمسينات او الستينات، ولا تصح على فترة المخاض العسير في لبنان، والتي تنعكس بقوة على مستقبل المجموعات السياسية فيه.
فغرق القادة في توزيع الحقائب لا يشبه الواقع الحقيقي الذي يعيش لبنان تحت مندرجاته منذ عام 2005 على وقع المحكمة الدولية. فمنذ ذلك الحين وكل ما يحصل في لبنان يتم تحت سقف المحكمة، هكذا عاشت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وانسحب الوزراء الشيعة منها، واقيم اعتصام الـ 538 يوما في بيروت، ووقعت حوادث 7 ايار، وأقرّت تسوية الدوحة المرحلية، واجريت الانتخابات النيابية وشكلت حكومة الرئيس سعد الحريري، بعد اعتذار اول، لتسقط اخيرا، بفعل انسحاب وزراء المعارضة منها. لكن روزنامة الاحداث المتوالية على مدى ستة اعوام لم تتمكن من تغيير حرف واحد في مسار المحكمة الدولية، التي واصلت اعمالها وفق الخطوات القانونية المرسومة لها، استعدادا لاصدار القرار الاتهامي في وقت قريب.
في المقابل، فإن تعامل بعض اللبنانيين مع تشكيل الحكومة يعكس حالة من الاسترخاء لا تقارب ما يتم الإعداد له في لاهاي، فيما يقتصر الحد الادنى لبنانيا على رفع بورصة توزير شخصيات سياسية جوائز ترضية لهذا الطرف او ذاك.
وتفيد المعلومات المتوافرة انه اضافة الى استعجال بعض القوى اللبنانية تأليف الحكومة، فان دمشق تحاول ايضا كسب الوقت الضائع من اجل التعجيل في وتيرة التشكيل، بما يضمن وصول حلفائها الى السلطة التنفيذية قبل جنوح الاوضاع نحو مآزق غير محمودة النتائج.
لكن بين الاندفاعة للتوزير والساعة الصفر لصدور القرار الاتهامي، يكمن الموقف الاساسي لـ'حزب الله' الذي اسقط حكومة الحريري، وبدا واضحا في اكثر من مجال، لكونه صاحب القدرة الاكبر على المواجهة الميدانية، انه سائر في اتجاه الغاء حالة الحريري سياسيا، وليس ازاحته فحسب من رئاسة الحكومة.
من هنا خطورة الاسرار التي احيطت بفترة التغيير الاخيرة، بين استقالة الحريري والايحاء بمجيء الرئيس عمر كرامي، ومن ثم الانقلاب عليه والإتيان بميقاتي. وتشبّه مصادر مراقبة ما حدث تلك الفترة، بما حدث من اسرار لا تزال مجهولة بين 4 ايار عام 2008 و5 منه، والتي أدت الى حوادث 7 ايار. وكشف حقيقة ما جرى يلقي الضوء على خلفيات دقيقة تتعلق بدور مرجعيات واشخاص في فترة حساسة من تاريخ لبنان.
و'حزب الله' بدا متمايزا عن سائر حلفائه المحليين في التعامل مع اسقاط الحكومة ونزول القمصان السود الى الشارع في لحظة مصيرية. وانكفاء الحزب وصمته بدا صارخا في اللحظات التي تلت تكليف ميقاتي. وخلافا لما يعتبره البعض ان الحزب قال كلمته ومشى، وانه احكم سيطرته على البلد، ولا ضرورة لان يمسك مفاصل الحكومة، فان ثمة اعتقادا لدى المصادر المراقبة، ان الانكفاء الذي يعيشه 'حزب الله' منذ تلك اللحظات، ليس وليد لحظة تغيير تنحصر في إطاحة الحكومة واستبدالها بأخرى. فبوصلة الحزب تتجه الى لاهاي، والظاهر حتى الآن، ان الحزب لم يحسم بعد موقفه لجهة تشكيل الحكومة، ربطا بالقرار الاتهامي. والسؤال الاساسي المطروح هو هل الاصح مواجهة القرار في ظل وجود حكومة مضبوطة الايقاع والاسماء والتوجهات، ام الافضل ان يبقى الوضع على ما هو، في انتظار صدور القرار ليبنى على الشيء مقتضاه؟
والحزب يتخطّى بطبيعة الحال عملية تسمية وزراء او تسلّم حقائب معينة ما دام السقف الحقيقي للحكومة سيظلّ محكوما بما يدفع المجتمع الدولي في اتجاهه، من خلال القرار الاتهامي.
ودوائر 'حزب الله' ، كما يقرأ عارفوه، تابعت بدقة ما جرى في لايدشندام خلال الجلسة الاولى في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا سيما لجهة اعتماد القانون اللبناني توصيفات محددة في مجال الارهاب وتحديد مسؤولية الافراد والمجموعة في العمليات الارهابية، وهو ما اوحى أن ثمة محاولات لاستكمال البنية المحيطة بالقرار الاتهامي وتثبيتها 'لبنانيا' بما لا يحتمل اي التباسات، ولا سيما ان القرار بات في ايدي جهات قليلة كما قال المدعي العام دانيال بلمار، وهو ما يعني انه اصبح قيد التداول ولو لدى عدد محدود من العارفين.
وهذا يعني ان الحزب مدرك اكثر من سواه لطبيعة المرحلة المقبلة على المدى القريب، والتداعيات التي تترك اثرها عليه، وهنا اهمية القرار الذي يلجأ اليه اما لتسهيل تشكيل الحكومة، بالتي هي احسن، واقناع حلفائه بالتضحية ببعض المكاسب للتعجيل في المواجهة، وإما الابقاء على المسار الحالي للامور في انتظار كلمة سر لا يعرف كنهها الا الدوائر الخاصة في الحزب. واي اتجاه يسلكه 'حزب الله' في الموضوع الحكومي، سيكون له مردوده المباشر على كيفية مقاربة ارتدادات القرار الاتهامي. وحسابات الحزب هنا في واد وحسابات سوريا في واد آخر.
ـ 'النهار'
انه التلفون... أولاً وأخيراً /تلفون الميقاتي... الجديد
غسان حجار:
هدد 'التيار الوطني الحر' عبر قريبين منه في الإعلام والسياسة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بفتح ملف الهاتف الخليوي مجدداً، وصولاً الى بداية تاريخ هذا الهاتف في لبنان مع الرئيس ميقاتي وشقيقه طه اللذين أدخلا هذه التقنية الى العاصمة بيروت، مع شبكة تتسع لنحو ثلاثة آلاف خط، بيع عدد منها يضاعف قدرتها الإستيعابية حتى صارت الخطوط ضعيفة، على ما يروي أشخاص عايشوا تلك المرحلة، ولم أكن أنا منهم بالتأكيد. وفي ما عدا ذلك، لا أعلم بما يهدد التيار الرئيس المكلف، في حال لم يستجب لطلبات التوزير المكدسة على مكتبه من ألف حدب وصوب، اذ ان تقاسم الحصص مع قوى 14 آذار يفرض بعض اللياقة والمجاملة و'تقدير الظروف' أما والحال على ما هي عليه، فإن شهوة الوزارة تفتحت لدى الجميع، الجائعين الى الحكم بعد انقطاع، والراغبين في الإنتقام من خمس سنين انقضت.
لذا تسمع في صالونات قوى 8 آذار تأففاً، بل انزعاجاً، ليس من الرئيس ميقاتي فحسب، بل من 'حزب الله' تحديداً، الراعي الرسمي لمسلسل التأليف الحكومي، والراعي الأوحد لإنفراط عقد الحكومة، حكومة تصريف الأعمال حتى تاريخه.
صحيح ان للرئيس ميقاتي أعمالاً كثيرة، لكنها في أكثر من 90% منها خارج البلاد، بل ربما خارج دول المحور اللبناني السوري الإيراني السعودي، وهذا ما يتيح له حرية أكبر في العمل الإستثماري بعيداً من التداخل في المصالح بين العام والخاص.
واذكر ان برامج كثيرة ركزت على فساد القطاع، ووعدت 'المعارضة' بإعادة مبلغ الـ500 دولار أميركي الى كل لبناني اشترى خطه قديماً، اذ لا يمكن ان يكون الخط مباعاً ومؤجراً من الشخص نفسه في الوقت عينه، لكن معارضة الأمس، وضعت يدها على الوزارة، وهي تكمل ذلك في حكومة اللون الواحد المرتقبة، ولم تعد الى جيوبنا أي فلس.
انها الوعود المتكررة والكلام المعسول بغية السيطرة على قالب الجبن والتنعم بملذاته، وهو لذيذ مع كأس من النبيذ الأحمر.
اما تلفون الميقاتي القديم، فقد دخل في خبر كان، واعتمادنا اليوم على حرارة تلفونه الحالي لتفعيل حركة الاتصالات، فلا يصبح T&eacascii117te;l&eacascii117te;phone cass&eacascii117te; كل واحد ينقل كلامه وفق ما يشاء، وكل زائر يسمع عبره وعداً بتوزيره، فيذهب كل الكلام الوسطي هباء.
انه التلفون... أولاً وأخيراً.
ـ 'النهار'
لبنان في عصر الوصايتين!
علي حماده:
قضي الامر. صارت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على قاب قوسين او ادنى من ان تبصر النور. ومع ولادة الحكومة العتيدة إثر فشل المفاوضات مع الرئيس امين الجميل في شأن مشاركة القوى الاستقلالية في الحكومة لتصبح حكومة يتمثل فيها جناحا لبنان، سيدخل لبنان الاستقلال في مرحلة الهيمنة الداخلية لـ'حزب الله' والوصاية الخارجية السورية بتواطؤ داخلي، بعضه استقلالي الهوى، وكان في أصل الحركة الاستقلالية التي أخرجت الوصاية في 2005، وهو يعبّد لها الطريق لعودة في زمن كان يفترض ان يكون فيه لبنان اكثر منعة إزاء الوصايات الخارجية، وأكثر صمودا أمام نزعات الهيمنة الفئوية الداخلية.
انقضى الامر، ولم ينته لبنان، بل ان غالبيته استقلالية الهوى وستظل. ولكنها تنتظر اجوبة من القيادة الاستقلالية عن الكثير مما طرح ويطرح في هذه المرحلة في شأن الموقف مما يجري. هذه القاعدة الجماهيرية العريضة في لبنان والخارج تريد ان تعرف لماذا وصلت الامور الى هذا الدرك؟ وتريد ان تعرف الاسباب الحقيقية التي دعت الى التراجع المتواصل امام السلاح والارهاب من دون اجتراح وسائل خلاقة لمواجهتهما. ولماذا تمت المساومة على مسائل جوهرية مثل السلاح في الداخل، مع ان بيروت العاصمة بقيت حتى اليوم مدينة محتلة من الناحية العملية؟ وما هي اسباب التنازلات المتتالية التي قدمت الى سوريا لتبييض صفحتها في لبنان من دون ان تقدم الاخيرة مقابلا؟ والاهم لماذا جرت تبرئة سوريا سلفاً قبل صدور القرار الاتهامي؟ ولماذا صار مصير الاستقلال اللبناني مدار بحث ومساومة على طاولات مبعوثين من هنا ومن هناك ما كانوا مرة على صلة بحقائق لبنان؟ واخيرا وليس آخراً، تريد القاعدة المؤمنة بثوابت لم تتزحزح عنها ان تعرف لماذا عليها ان تكمل المسيرة خلف قياداتها، وبأي شروط؟
وبتشكيل الحكومة بالشروط العملية للوصايتين، سيكتشف ميقاتي ان هوامشه ستتقلص شيئا فشيئا، حتى لو اعطي في المرحلة الاولى مساحة ليتنفس فيها في اطار تسهيل مهمته في بيئته لمواجهة الاستقلاليين فيها. وعلى مسار مواز سيكتشف رئيس الجمهورية ميشال سليمان ان العد العكسي لإخراجه من الرئاسة قد بدأ حتى لو جرى تخديره بحصة في الحكومة العتيدة. فبإخراج الاستقلاليين من معادلة الحكم بتواطؤ من سليمان، يكون قد اسقط خط الدفاع الاساسي عن الشرعية الرئاسية وعنه شخصيا. ففي حكومة الوصايتين لن يكون له هامش المناورة الذي كان يتمتع به في الحكومات السابقة. وسيصبح معزولا ومعرضا بشكل مستمر لحملات من داخل مجلس الوزراء ومن خارجه، وربما أفاق ذات يوم ليجد نفسه خارج بعبدا. ولكن هذا شأنه. وهذا هو الثمن الذي سيدفعه في الاشهر القليلة المقبلة عندما يكتشف نتائج تواطئه في تثبيت الوصايتين في الحكم بشكل كامل لا عودة عنه.
ان الاوطان لا تموت. والشعوب لا تنام الى ما لا نهاية. والاذعان ليس قدراً. من هنا مسؤولية الاستقلاليين في مواجهة حكم الوصايتين، بتثبيت ايمان الناس بأن لبنان الاستقلال حقيقة تستحق النضال من اجلها، وليس وهماً كما يزعم المذعنون.
ـ 'الحياة'
زعيم افتراضي
حسان حيدر:
حتى الآن لم يعثر المتظاهرون الشبان في ميدان التحرير بوسط القاهرة وفي مدن مصر الاخرى، ومؤيدوهم ممن لم ينزلوا الى الشارع، على &laqascii117o;زعيم" يقود خطاهم الى &laqascii117o;انتصار نهائي" يحلمون به على نظام مبارك. اذ لا يزال يتنافس على ولاءات هؤلاء لفيفٌ من الشخصيات العامة ومسؤولي الاحزاب غير المعروفين لدى غالبية المصريين، والذين لم يظهر بينهم من يتمتع بالكاريزما الكافية ليقود الانتفاضة، على رغم الملايين المشاركين فيها.
هذا ما كشفته استجابة المصريين العاطفية لدموع وائل غنيم عندما بكى رفاقه القتلى في لقاء مباشر على شاشة التلفزيون، فاندفعوا في اليوم التالي ليعبروا عن تضامنهم ويرفدوا المحتجين بأعداد كبيرة إضافية، وليرتفع عدد المؤيدين على صفحته الالكترونية الى مئات الآلاف في غضون ساعات، بعدما رأوا في الشاب القادم من عالم الانترنت الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الشاشات، بديلاً، موقتاً بالطبع، من &laqascii117o;الزعيم" الذي ينتظرون ظهوره، والذي تزداد حاجتهم اليه مع ازدياد تنازلات النظام واقتراب يوم الحسم.
لكن فكرة &laqascii117o;الزعيم" تتناقض تماماً مع العالم المتقدم الذي جاءت منه الانترنت، وسيلة التعبئة المعتمدة في انتفاضة مصر والانتفاضات العربية الاخرى، ووسائل الاتصال الحديثة المماثلة. ففي الغرب الذي شهد آخر نزعاته الفردية المدمرة مع هتلر، لم يعد هناك من يستطيع اختصار بلد بكامله في شخصه وافكاره، ولا من يمكنه تطويع الدساتير والقفز على القوانين، ولا من يستطيع التهرب من المساءلة. وبكلام أوضح، سقطت نظرية &laqascii117o;المستبد العادل" الى غير رجعة. لكن الشعوب العربية لا تزال تتمسك بها وتنقاد لسحرها، ولهذا لم ينجح محمد البرادعي مثلاً في إلهاب مشاعر المصريين بتصريحاته ومقابلاته المتلفزة، لأنه لا يملك الصوت ولا الصورة المطلوبيْن. ولم يكن حظ قادة &laqascii117o;الاخوان" أفضل، وهم الذين لا يهتمون كثيراً بمظهرهم ويبدو الشظف على ملابسهم. وبالتأكيد لم تكن هناك أي فرصة امام &laqascii117o;البدلاء" الخارجيين مثل خامنئي ونصرالله اللذين خاطبا المصريين كأنهما وليّا امرهم، وبلهجة غير مصرية.
ربما كان الحذر الشعبي الفطري من الوصول الى &laqascii117o;المجهول" الذي تتكاثر التحذيرات منه، وراء رغبة المتظاهرين في قيادة واضحة تستطيع ان تجسد في السياسة ما يقومون به على الارض. وربما ان تجارب سابقة عايشوها او قرأوا عنها اظهرت ان الثورات سرعان ما &laqascii117o;تأكل ابناءها" بعد انتصارها، وأن طرفاً ما يسعى دوماً الى قطف ثمار ما شاركه فيه كثيرون وينكر على الآخرين حقهم في اقتسام نتائج الفوز، وهو ما حصل فعلاً بعد الثورة الايرانية في 1979 عندما كان شبان اليسار الايراني الليبيرالي في طليعة المتصدين لدبابات الشاه وقواه الامنية بعد سنوات طويلة من الكفاح السياسي والمسلح، نالهم خلالها القمع والسجن والقتل. لكنهم تعرضوا مجدداً للإقصاء الدامي والجذري بعد رحيل الشاه ووصول الخميني ورجاله، وحرموا بالقهر وبالفتاوى من المشاركة في صوغ مستقبل نظامهم، الذي عاد بعد عقود الى لعب دور الشاه نفسه في مواجهة الشباب الغاضب.
وقد يكون الحرص على استقرار مصر بعد انتهاء الفورة الحالية، هو الدافع وراء البحث عن قيادي ينجح في توحيد المطالب وفي بلورة صيغة تستجيب لمعظم توجهات المشاركين في الاحتجاجات من دون ان تدخل بلادهم في الفوضى. لكن هذا الشخص لا يزال طي الافتراض.