قضايا وآراء » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 14/2/2011

- 'الأخبار'
عودة الروح إلى &laqascii117o;اللغة الخشبيّة"
خالد صاغية:

مع سقوط حسني مبارك، لم يسقط رئيس عربيّ وحسب، بل سقطت معه أيضاً اللامبالاة التي كادت تنخر قلوب جيل بكامله. فمن تفتّح وعيه على آباء أحبطتهم النكسة، وكَوَتهم الحروب الأهليّة، وحاصرتهم الأنظمة الدكتاتوريّة، استسلم سريعاً لغواية العزلة أو لنوع من أنواع العبثيّة أو البحث عن خلاص فرديّ.لم يكن في المشهد ما يعاكس هذا التوجّه.الأحزاب في العالم العربي تحوّلت إلى ديناصورات لا تليق إلا للعرض في المتاحف، والنقابات هُشِّمت وضُربت حتّى باتت أشبه بكاريكاتور سخيف عن النضالات العمّاليّة، والمنظّمات غير الحكوميّة رضخت لإغراءات الأموال المربوطة بأجندات محدّدة ومجتزأة وغريبة غالباً عن هموم مجتمعاتها. أمّا شاشات الإنترنت، فمثّلت مخرجاً للاتّصال بالعالم والانفصال عنه في الآن نفسه، حيث بدت الأحداث السياسيّة التي تحصل فعلياً في العالم الحقيقي، كأنّها تحدث في عالم افتراضيّ، أو أنّ النظر إليها عبر العالم الافتراضي يجعل منها أحداثاً غير حقيقيّة. كان ذلك قبل &laqascii117o;فايسبوك" و&laqascii117o;تويتر" و&laqascii117o;يوتيوب"، قبل أن يتحوّل العالم الافتراضي إلى الوسيلة الوحيدة الممكنة للتواصل الاجتماعي حول قضايا عامّة.لكنّ العالم العربي المحكوم بالحديد والنار الذي لا تزيده التدخّلات السياسية والعسكرية الغربيّة إلا قهراً، وجدت اللامبالاة السياسيّة فيه سنداً في توجّهات باتت تسيطر على العالم أجمع. فقد أسهمت أدبيّات سياسيّة واقتصاديّة كثيرة في إقناع الأفراد حول العالم بأنّ ما يحدث لهم رهن بإمكاناتهم وطاقاتهم، وبأنّ النظام العالمي يتيح الصعود الاجتماعي، لكن للمستحقّين فحسب. وقلّصت الأدبيّات نفسها من دور الدولة، محمِّلةً المجتمع مسؤوليّة إدارة نفسه، إدارة آلت إلى مجموعة من المحتكرين الذين اختفت هويّاتهم تحت ستار الشركات العملاقة. أمّا ضحايا السوق والمرميّون على ضفافه بلا ضمانات ولا عمل، فلم يجدوا في أحسن الأحوال إلا &laqascii117o;بونات" الطعام وجمعيّات خيريّة تحوم حول دور العبادة.كان لتلك الأدبيّات من يروّجها. وكان للّامبالاة من يشجّعها. والمروّجون والمشجّعون هم من شنّوا حرباً على ما عدّوه &laqascii117o;لغة خشبيّة" كي يقنعوا أنفسهم بأنّهم من النخبة الطليعيّة أو من المثقّفين &laqascii117o;الكوووول" (cool). لكن، ها هي مصر تردّنا من جديد إلى تلك اللغة الجميلة. فمَن كان يحسب قبل أشهر أنّ كلمة &laqascii117o;ثورة" ستعود إلى التداول، وأنّ شعاراً بسيطاً كـ&laqascii117o;الشعب يريد إسقاط النظام" سينتهي فعلاً إلى إسقاط النظام؟ لقد أثبتت ثورة مصر أنّ ألسنةً قد يصيبها التخشُّب. أمّا إرادة الشعوب، فكلّ لغاتها حيّة.


- 'السفير'
الانتفاضة المصرية في نظرة استراتيجية
محمود ريا:

... وبالرغم من الحديث الذي ساد في الفترة الأخيرة عن ضعف الدور المصري في المنطقة وعن تقلص تأثير النظام في الأحداث التي تدور على امتداد الرقعة الجغرافية للإقليم، فإن هذا النظام حافظ على أدوار شديدة الحساسية وبالغة الفعالية، لم يكن غيره ـ ولن يكون ـ قادراً على القيام بها. فالنظام المصري كان يشكل على مدى العقود الماضية الركن الذي ترتكز عليه الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وهو بذلك لعب دوراً خارج إطار المنافسة بين أقرانه من الأنظمة القائمة. ويضاف إلى ذلك أن هذا النظام كان رأس جسر الاستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا دور فعّال، ولا يمكن الإنقاص من أهميته بأي حال. واستناداً إلى قيامه بهذين الدورين المحوريين، كان النظام المصري ينام على حرير الكثير من الأدوار الأخرى التفصيلية، والتي جعلت منه وكيلاً للإدارة الأميركية في الكثير من قضايا المنطقة، ومنفذاً للاستراتيجية الإسرائيلية على أكثر من ساحة. وفي استعراض سريع لهذه الأدوار (الثانوية) يمكن التوقف عند الدور المصري في القضية الفلسطينية مثلاً، حيث كانت السياسة المصرية ولا تزال تمثل العصا التي ترفعها الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، في وجه السلطة الفلسطينية لمنعها حتى من التفكير في التراجع عن السير في عملية التسوية، وفي وجه المقاومة الفلسطينية من خلال حصار غزة والتعاون مع المؤسسات الأمنية الصهيونية والأميركية لمحاصرة الحركات المقاومة وإضعافها. وفي لبنان كان الدور المصري دائماً يكمّل الدور الأميركي في الضغط على القوى الرافضة للانصياع لرغبات الإدارة الأميركية، وفي تقديم الدعم المطلق على مختلف المستويات السياسية والأمنية والعسكرية للقوى السائرة في المشروع الأميركي والمعادية للمقاومة. وعلى المستوى الإقليمي أيضاً كان النظام المصري رأس حربة أميركية صهيونية في مواجهة المشروع النووي الإيراني وفي الترويج للخطر الإيراني المزعوم على المنطقة. لكل ذلك، ولغيره، كان النظام المصري يلعب دوراً استراتيجياً حساساً لا يمكن إنكاره، وإن كان هذا الدور مخالفاً لرغبات شعوب المنطقة ولتطلعات أبناء أمتنا العربية والإسلامية. اليوم، تعرّض النظام لضربة قوية أطاحت برأسه وبعض ما به كذلك، وهذه الضربة ستنعكس على دوره الاستراتيجي في مختلف الساحات التي كان &laqascii117o;يلعب" عليها. ومع أن كل احتمال من الاحتمالات الثلاثة سيترك آثاراً مختلفة عن الآثار التي يتركها أي احتمال آخر، فإن المشترَك بين مختلف هذه الاحتمالات فإن مصر بحاجة لفترة طويلة جداً لكي تتمكن من استعادة موقعها الجيواستراتيجي، بما يسمح له بلعب الأدوار المطلوبة منها من جديد، وهذا سيترك بدوره آثاراً سلبية قاسية جداً على المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، هذا المشروع الذي سيفتقد وجود الحليف الأقوى في المنطقة، وسيفتقد أيضاً التدخلات التي كان يقوم بها هذا الحليف لمصلحة واشنطن وتل أبيب. إن مرحلة سقوط النظام هي المرحلة الأنسب للتفكير بالخيارات الاستراتيجية التي تمنع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من استعادة توازن مشروعهما الاستكباري، بما يؤدي فعلاً إلى دفع هذا المشروع قدماً نحو الانهيار، تمهيداً لتحرير أمتنا من ربقته، وتحقيق أهداف الحرية الحقيقية للأمة كل الأمة، بما فيها فلسطين المغتصبة. إن ما قام به شباب مصر حتى الآن يصنع جزءاً مشرقاً من تاريخ أمتنا، وإذا تمكن هؤلاء الشباب من إتمام المهمة المقدّسة الملقاة على عاتقهم، فهم سيرسمون فعلاً الخريطة الجديدة للمنطقة، وربما للعالم كله.


- 'الأخبار'
بين الديكتاتورية والإسلام السياسي
بشير البكر:

الديموقراطية، هذه الكلمة السحرية لا تزال غريبة في العالم العربي، ليس لأنّ الشعوب العربية لم تنضج لاستقبالها، كما زعم نائب الرئيس المصري عمر سليمان، بل لأنّ الغرب، أصلاً، لا يريد للعرب الديموقراطية. وإذا كان الغرب حريصاً على التشدق بهذه الوصفة، التي ليس، حتى الساعة، من وصفة أفضل وأكثر سحرية منها، فهو لا يريدها للعالم العربي، على عكس ما يروّج، وإلا فكيف قَبِل الدخول في صداقات حميمية مع نظامي مبارك وبن علي، مع علمه بسجلهما الدموي، وفسادهما ونفورهما الشديد من الديموقراطية وتقاسم السلطة، واحتقارهما الأشد لشعبيهما؟
كان الغرب يُبرّر الأمر بأنّ الديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي يمكنها أن تأتي بأصوليين إلى الحكم، وبالتالي بدء صراع حضارات وصراع ديانات. إذاً، كانت فزّاعة الإسلاميين سبباً رئيساً في تأييد الغرب لكلّ الديكتاتوريات العسكرية في العالمين العربي والإسلامي. كذلك فإنّ الغرب وأيديولوجييه أنتجوا أدبيات زاخرة تتحدث عن قوة الحركات الإسلامية، وتعمّم عداءها المَرَضيّ للغرب وأنماط حياته، وكذلك رغبتها في ضرب مصالحه وإخراجه النهائي من العالمين العربي والإسلامي. وقد استغلّت الديكتاتوريات العربية الأمر، فقدّمتْ خدماتها للغرب على هذه الطريقة، على أنها هي القادرة على وقف تحوّل الإسلام إلى سلاح هجومي على الغرب. ولعل البرقيات التي حملها &laqascii117o;ويكيليكس" عن اعترافات قادة عرب أمام دبلوماسيين غربيين صغار بالخطر الإسلامي، تثير القرف، بسبب نفاقها وكذبها. فها هو الرئيس مبارك المتهاوي يصرح للمسؤول الصهيوني ديفيد بن إليعازر عن تخوفه من سيطرة الإخوان المسلمين على الحكم في برّ مصر. كذلك فعل الجنرال عمر سليمان خلال تاريخه المشين في الاستخبارات. ولعل مؤتمر القمة العالمي في شرم الشيخ، المخصص لمحاربة ما يسمى الإرهاب، دليل على الخنوع العربي الرسمي للإملاءات الأميركية والغربية وللتفسير الغربي لمفهوم الإرهاب.
إنّ الجماهير العربية ونخبها المتنورة، لا تلك الملوثة بتقديم النصح للقادة العرب، تريد بالفعل الارتقاء إلى الديموقراطية الحقيقية، كما تُمارَس في الغرب. ولأنّ العالم أصبح قرية كونية، بسبب العولمة، وكل ما أتت به من وسائل إعلام واتصالات، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبقى العرب على الهامش. لا يمكن الشبيبة العربية أن تتفرج على الحرية من دون أن تعبّر عن رغبتها في تذوقها. الشباب العربي يسافر ويرى، وهو قد شبّ عن الطوق، ولم يَعُد يُريد أن يظل مشدوداً بين نظرة أصولية تكفيرية ماضوية، وبين أنظمة ثيوقراطية (دينية) وديكتاتورية وشمولية. الشبيبة العربية، من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ترى، حقاً، الخلاص في الديموقراطية، لكن الديموقراطية الحقيقية، كما تمارسها شبيبة الغرب، لا بوصفها حقل اختبار لنظريات أيديولوجيي الغرب ومسؤوليه الأمنيين والاستراتيجيين. وقد جاءت الثورتان التونسية والمصرية (ولعل ثورات أخرى قادمة)، لتمنحا هذه الشبيبة الإصرار والتصميم على ضرورة الوصول إلى الديموقراطية، وأيضاً لتفضح مسؤولي الغرب المنافقين والضالعين في الجريمة. جريمة شهادة الزور وحماية وكلائهم المسلطين على رقاب مواطني العالم العربي.
كان بن علي أكثر زعيم عربي يحرص على إظهار تهتكه وعلمانيته (وها هو الآن في أرض الحرَمَيْن، فلعله يتعلم هناك قراءة الفاتحة!)، ويهدد الغرب بأنّه الوحيد، الأوحد، الذي يستطيع منع الأصوليين من الوُصول إلى السلطة. وغض الغرب الطرف عن كلّ تجاوزات الديكتاتور التونسي وسرقاته، مع زوجته ليلى وحاشيته، لثروات البلاد والعباد (بل كان الساسة الغربيون يستمتعون بأريحية بن علي وحاشيته). لكن، لما جاءت الثورة وكنسته، لم يبدُ أيُّ وُجود قوي للإسلاميين، الذين طالما أثاروا خشية الغرب (عن جهل حيناً، وعن تهويل، حيناً آخر، وعن خداع، أحياناً أخرى). بل إنّ الإسلاميين، وخصوصاً حركة النهضة، اعترفوا بأنّهم لا يمتلكون القوة التي تُنسَب إليهم، وذكّروا الغرب بأنّ مئات من أعضائهم كانوا ضيوفاً ولاجئين في بلدانه، وقدموا ضمانة للغرب بأنّهم لن يقدّموا أي مرشح لهم لرئاسة الجمهورية. بدأ الغرب يكتشف، في المثال التونسي، أنّ الديكتاتور كان يكذبُ، وأنّ الدول الغربية كانت متواطئة، طوال هذه الفترة. لكن أهم شيء اكتشفه هذا الغرب هو أنّ الثورة التونسية هي ثورة شبابية عصرية، تقدم مطالب لا يمكن أحداً أن يكتشف فيها ملامح عدوانية وهجومية. الشباب يريد أن يتنفس ويسافر ويشتغل بحرية.
ولا يختلف المثال المصري عن نظيره التونسي. فالرئيس الديكتاتور المتربع على السلطة منذ ثلاثين سنة، سرق، مع زوجته وحاشيته، ثروات مصر، وقدم نفسه إلى الغرب قاصماً لكل الحركات الإسلامية، من الإخوان المسلمين في مصر إلى حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان. ها هو الغرب يواجه لحظة حرجة ولا يستطيع الدفاع عن هذا الوكيل، رغم كلّ خدماته، لأميركا والغرب وإسرائيل. ولم تعد الفزّاعة الإسلامية تخيف الغرب. وبدأ العالم الغربي يتواصَلُ مع الحركات الإسلامية، وخاصة مع الإخوان المسلمين. وأخذ يكتشف أنّهم على الرغم من تكرارهم الببّغائي لجملة &laqascii117o;الإسلام هو الحل"، راغبون في السلطة. ولعل لقاءهم السريع مع الجنرال عمر سليمان، في ما سُميَّ الحوار، دليل على رغبتهم في اعتراف السلطة المصرية بهم، حتى وإن كانت لا شرعية. ولعلهم بلغة الربح والخسارة، قد رَبِحوا اعترافاً رسمياً كانوا ينتظرونه، بعد طول سنوات من القمع والاعتقالات وحتى القتل. ولعل المراقبين، الذين يتأملون تظاهرات ساحة التحرير، أو ساحة الشهداء، يرون غياب الشعارات الإسلامية. شعارات كان ينتظرها الغربيون من أجل تشويه هذه الثورة، التي طالَت أحد وكلائهم الأوفياء ورجالاتهم في الشرق الأوسط. إنّ المطالب التي يعبّر عنها شباب التحرير، لا تختلف عن مطالب أي بلد في العالم، أي الحرية والديموقراطية والعمل. وليس غريباً أن تنتقل هذه الحركة إلى عدد كبير من الدول. ولم يَجد شباب الإخوان، بعد الانتقادات التي وُجّهت إليهم بسبب لقائهم مع الجنرال عمر سليمان، من تأكيدهم على رفضهم لأيّ حوار مع السلطة، وانسجامهم مع مطالب شباب ساحة التحرير. ومثلما فعل الإسلاميون في تونس، قرّر الإخوان المسلمون عدم تقديم مرشح لهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأكدوا أنّهم ليسوا بالقوة التي يمنحها البعض لهم، وأعلنوا احترامهم لحكومة مدنية وديموقراطية شعارها التداول السلمي للسلطة.
لا يمكن في مثل الظروف أن يغض الغرب المدافع عن إسرائيل (من بينهم رئيس حلف الناتو الذي هرع لزيارة تل أبيب) الطرف عن حقيقة هذه الثورات. ومن هنا يمكن تفسير تخبّط الخطابات الغربية، التي أشْكل عليها الأمر: هي تريد الثورة لهؤلاء الشباب لكنّها تخاف من خياراتها المستقبلية، وتريد الديموقراطية التي يطالب بها هؤلاء الشباب، لكنّها تخشى أن تحمل الديموقراطية منْ يرفُض وجود كيان صهيوني في أرض عربية. هنا تناقض الغرب. الديموقراطية ولكن! ولعل ألان فينكلكروت، المفكر الصهيوني الفرنسي، كان واضحاً في شرح الأمر، إذْ عبّر عن قلقه الشديد من رؤيته جموع مصر وهي تنادي بالحرية والديموقراطية، وفي الآن نفسه تلبّي نداء الصلاة (في خلط لم يتوقف منذ القرون الوسطى بين الإسلام بما هو ممارسة تعبّديّة، والإسلاموية بما هي توجُّه أيديولوجي وسياسي).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد