ـ 'النهار'
ميقاتي يرفض أن 'يترأس' عون حكومته !
سركيس نعوم:
صار ثابتاً على ما يقول متابعون لعملية تأليف الحكومة الجديدة، غير الناضجة حتى الآن، ان هناك عقبتين حقيقيتين وضخمتين، تحولان وبوضوح دون نجاح الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في انجاز مهمته. الأولى، يمثلها اصرار زعيم 'التيار الوطني الحر' العماد ميشال عون على ان يختار بنفسه، أو بالأحرى على أن يسمّي بنفسه، غالبية الوزراء المسيحيين، وتحديداً 12 منهم. (...)
ما هي العقبة الصعبة او الضخمة الثانية التي لا تزال تحول دون نجاح الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تأليف الحكومة الجديدة؟
'هي المحكمة الخاصة بلبنان'، التي يسمّيها اللبنانيون المحكمة الدولية. فالرئيس ميقاتي اعلن اكثر من مرة، منذ تكليفه تأليف الحكومة، سواء امام الاعلام اللبناني والعربي والاقليمي والعالمي، او امام سفراء الدول المعنية، من عربية واجنبية وغيرهم من الموفدين الديبلوماسيين، ان لهذه المحكمة شقاً خارجياً لا يستطيع ان يفعل حياله شيئاً. اي باختصار لا يستطيع ان يلغيها اي قرار يتخذه لبنان، وإن على اعلى المستويات المؤسساتية. واعلن ايضاً أن لها شقاً داخلياً، وأكد انه جاهز للعمل على ايجاد حل له عبر قنوات ثلاث تعمل معاً هي الحوار اللبناني – اللبناني، واجماع اللبنانيين والتغطية العربية. طبعاً يقول البعض ان ميقاتي أسر نفسه بهذا الاعلان، فهو من جهة التزم، وإن على نحو غير مباشر، امام المتمسكين بالمحكمة في الداخل والخارج بعدم 'الغائها'، أو بالاحرى بعدم فك ارتباط لبنان بها بقرار احادي يصدره مجلس وزراء لا يمثل اجماعاً وطنياً. لكنه من جهة اخرى كان التزم سابقاً وإن من دون أن يعلن ذلك، العمل على انجاز فك الارتباط المذكور، عندما قَبِل أن يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة من فريق لبناني يمتلك 'غالبية سياسية'، اسقط حكومة الرئيس الحريري لرفضها فك الارتباط هذا، وأيده هو (اي ميقاتي) اقتناعاً منه بأنه سينجز هذه المهمة.
ـ 'النهار'
ميقاتي واثق من تذليل العقبات في اللحظة الحاسمة الحكومة في انتظار معرفة موعد القرار الاتهامي ؟
سمير منصور:
تقول مصادر مواكبة لمساعي الرئيس المكلف ان موقفه واضح لا لبس فيه ويعرفه الجميع، فهو 'غير متهالك' على تأليف الحكومة، وهو غير مستعد أن يكون غطاء لأي خطوة لا تصب في مصلحة وحدة البلاد. وفي الوقت نفسه، هو منفتح على قوى 8 آذار و14 آذار، والجميع من دون استثناء، ولن يقدم على خطوة لا تكون موضع إجماع وطني وبغطاء عربي عند الضرورة، من هنا أهمية تشكيل حكومة جامعة تحظى بثقة الجميع ويطغى عليها طابع الوسطية بمعنى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وسط هذه الاجواء، تبدو الشروط والعقبات المحلية تفاصيل، ومن المبالغة الاعتقاد أن مطالب هذا الطرف او ذاك هي التي تحول دون ولادة الحكومة. واللافت ان الرئيس ميقاتي يبدو واثقا من تذليل كل العقبات عندما تحين اللحظة الحاسمة والمناسبة لاعلان الحكومة. ولعل ما يعزز هذه الثقة أن الاطراف القادرين على التعطيل لا مصلحة لهم في عرقلة مهمة الرئيس المكلف، وهم المتهمون بـ'الانقلاب' من الطرف الآخر، بل انهم قادرون على تذليل الكثير من العقبات إن لم يكن كلها، أقله عند المعارضة السابقة. وليس سرا ان 'حزب الله' معني بنجاح الرئيس المكلف في مهمته، وأنه 'يمون' في اللحظة المناسبة على حليفه رئيس 'تكتل التغيير والاصلاح' النائب ميشال عون للتخلي عن بعض شروطه ومطالبه، وهو المتهم بالاستقواء بـ'حزب الله' من الاكثرية السابقة. وكان لافتا أمس ان أوساطا قريبة من الرئيس المكلف تتبعت باهتمام ما نشر من تسريبات عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي اذا صحّت، لقلبت الامور رأسا على عقب، وبدت هذه الاوساط في انتظار خبر ما من خارج الحدود عن معلومات محددة في شأن القرار الاتهامي وموعد صدوره. خلاصة القول إن مساعي الرئيس المكلف لم تصل الى طريق مسدود، أقله حتى الآن، لذلك لا مبرر لأي حديث عن تفكيره في الاعتذار عن عدم متابعة مهمته، مع تأكيد دائم من المصادر القريبة منه أنه لن يقدم على خطوة لا يكون مقتنعا بها، والثابت عنده هو 'حكومة جامعة توحي الثقة وتطمئن الجميع'... (للقراءة).
ـ 'النهار'
14 آذار أمام رزمة تحدّيات إضافية استكمالاً للمراجعة وترجمة لخطاب 'البيال'
سابين عويس:
لا تبدي اوساط قريبة من تيار 'المستقبل' اقتناعها بأن ما تحقق من خطوات حتى الآن يعتبر كافياً. فـ'صحيح ان احتفال البيال فعل فعله في أوساط جمهوره كما في اوساط الجمهور المقابل بدليل أن توجيهات واضحة صدرت لقيادات هذا الفريق بعدم الرد والاستخفاف بالكلام الصادر منعاً لاحداث أي صدمة تؤدي الى تعويم الحريري والتعاطف معه، وهذه سياسة قرر فريق الثامن من آذار اتباعها خلال المرحلة المقبلة أقله قبل الرابع عشر من آذار لمنع استغلال مواقف المعارضة السابقة وتجييشها في التظاهرة، وقد تعلمت هذه القوى من تجربة 1998 - 2000 وهي ليست في وارد تكرارها.لكن هذه الاوساط ترى ان موقف الحريري لا بد ان يستكمل برزمة من الخطوات والمواقف والمحطات التي تشكل المحاور الاساسية لخطة العمل المرتقبة.'فلا بد من خطة عمل في المرحلة الاولى'، تستطرد هذه الاوساط بالقول، تقوم على اساس مجموعة من الاسئلة التي تتطلب أجوبة ملحة عليها:
- حسناً فعل فريقنا بالاعتراف بالاخطاء المرتكبة، فهذا يؤكد شفافيتنا في التعاطي السياسي والمصارحة حيال جمهورنا. ولكن هل الاعتراف بالخطأ كاف لبناء المرحلة الجديدة المقبلة؟ وهل المراجعة الجارية حاليا في أروقة بيت الوسط ومعراب وبكفيا كافية وكفيلة بالخروج بخطاب ورؤية موحدين حيال تحديات المرحلة تلتزمهما كل اطياف ثورة الارز؟ أو اننا سنعود لنشهد تفرداً بالقرارات والسياسات؟ - هل وصل فريقنا الى التوفيق بين قرار المعارضة أو المشاركة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بقطع النظر عن شكل هذه المشاركة وقد بدت شروطها واضحة حتى الآن، الا اذا كان لدينا الاقتناع بأن التريث والمماطلة يفقدان الرئيس المكلف زخم المبادرة ويبرزان أكثر فأكثر تردده في الاجابة على الاستيضاحات الدولية حول موقفه من المحكمة، وهو الشرط الاساسي لأي اعتراف دولي بشرعية حكومته العتيدة؟ أو ان التريث بدأ يضغط على قوى 14 آذار المدعوة الى حسم قرارها في شأن المشاركة في الحكومة سلبا او ايجابا لكي يبنى على هذا الاساس الخطاب المرتقب في ساحة الشهداء خصوصا انه لا يبدو على الرئيس المكلف اي ملامح تعب او نفاد صبر بل يستمر في الاعراب امام زواره عن ارتياحه وعدم استعجاله ضمانا لمشاركة كل القوى السياسية في الحكومة؟ ... (للقراءة).
ـ 'النهار'
لبنان 'خَدَم عسكريته' ؟
نبيل بومنصف:
في المقابل لم يوفر اللبنانيون مع تآلب الدهور عليهم أي ثورة أو انتفاضة أو حرب تحرير أو مقاومة إلا و'فعلوها'. كل من طوائف لبنان (ولا نقول شعب لبنان كاملاً) قامت بوفاء النذر على طريقتها وبفعل من تركيبته. حتى ان الثورات والمقاومات استنفدت أو كادت تستنفد أهدافها ولم تتعب الطوائف من مزيد ومزيد. بذلك يمكن التبرير للبنانيين هذا الشعور 'الشوفيني' ولو بدا للبعض بأنه خاطئ وخطير. ولكن سيصعب على اللائمين أن يقنعوا مواطني هذا 'الثغر' العربي، المتفرد أصلاً بديموقراطية خاصة به وبتركيبة عجائبية، بأنهم ليسوا محقين في الاسترسال في شعور ينبئهم بأن بلدهم، وعلى رغم مما لا يزال يعترضه من أزمات، أضحى القلعة الوحيدة العاصية على الإعصار العربي المتدحرج. بل لعل لسان حالهم يقول إنه فعلاً البلد الذي 'قوته في ضعفه' و'ضعفه في قوته'، بمعنى انه يستقوي بأنه صاحب الفضل الأول في الانتفاضات والمقاومات ولكن منظومته الطائفية – الديموقراطية، التي تشكل خاصرته الرخوة، هي ضمانه لوقف الدومينو عند حدود لبنان وعدم فتح الأبواب أمامه وتشريعها للفوضى. واقع الحال انه شعور المتعبين أكثر منه شعور المتفوقين، مهما أخضعت هذه الحقيقة لتجميل كاذب. ولكن من قال إنه لا يحق للبنانيين بأن يرتاحوا؟ ومن قال إن الاستقرار ليس سرهم الدفين بل حلمهم الهائم دائماً حتى لو جعلهم في هذا الزمن العربي التاريخي، الذي يصنع فجراً جديداً، ينطوون على بعض 'انعزال' ولو هتفت أصواتهم بالتهليل للشعوب الثائرة في مدّ الغضب على الاستبداد؟هل يعني ذلك ان لبنان عصي فعلاً على انعكاسات هذا المدّ الثائر؟ قطعاً لا، ومن الخطورة بمكان الاستكانة الى شعور من هذا النوع 'الوجداني'... وللبحث صلة.
ـ 'النهار'
ثورات عربية... تقوقع لبناني
عبد الوهاب بدرخان:
الخبر في وكالات الأنباء العالمية. واذا صح فهو مخز ومشين، إذ يقول إن '1500 عنصر من حزب الله اللبناني يشاركون في قمع التظاهرات في ايران' يومي 14 و20 شباط. مصدر الخبر منظمة ايرانية معارضة هي 'مجاهدي الشعب'، ولأنه مصدر وحيد يبقى الشك ضروريا والتحقيق من المعلومات واجبا. لكن، استنادا الى تجربة طويلة لوسائل الاعلام مع هذه المنظمة والاخبار التي تبثها، يمكن القول إنها تحاذر الاختراع والتلفيق مخافة ان ينقطع التعامل معها وأن ترمى بياناتها في القمامات. وفي بعض الاحيان كانت هذه المنظمة مصدرا لأخبار ايرانية أكثر أهمية ظهرت لاحقا في صحف طهران. وما يعنينا هنا ان شبانا لبنانيين موجودين في ايران، للتدرب على القتال في اطار المقاومة ضد اسرائيل، فاذا بهم يستخدمون هناك ايضا في الداخل، وفي دور بشع يفترض أنه ليس لهم وضد مواطنين ايرانيين يتظاهرون للمطالبة باصلاح النظام وبحرية التعبير، مستخدمين أكثر الوسائل مدنية وسلمية.
خلال الفترة ذاتها ظهر الامين العام لـ'حزب الله' على الشاشة ليمجد انجاز المعارضين الثوار في مصر بانتصارهم على بطش السلطة وقمعها ثم باسقاطهم النظام نفسه، رغم ان السيد حسن نصر الله لم يهتم كثيرا بالطابع السلمي الحضاري الذي ميز الثورة المصرية. لكن ما الذي يدعو 'حزب الله' الى الاعتقاد أن النظام الايراني الذي يدعمه هو بالضرورة أفضل من النظام المصري الذي يحتفل بسقوطه. فكلاهما طالب الشعب ويطالب باسقاطهما. ثم ان القمع هو القمع، سواء ارتكبه الحرس و'الباسيج' او 'الامن المركزي' و'البلطجية'. وأي 'حركة تحرر' تحترم دورها ومكانتها لا يمكن ان تميز بين قمع مقبول – بل تشارك فيه – وقمع آخر مرفوض بالضرورة.
هذا يعيدنا الى الواقع الممض الذي أغرق فيه لبنان، فاذا به أبعد ما يكون، للمرة الاولى في تاريخه المعاصر، عن الروح الجديدة المندفعة في شرايين الوطن العربي. ففي العادة يكون لبنان سباقا، واليوم لا يبدو حتى قادرا على ان يكون ملتحقا بالركب. فالقوى التي تعتبر نفسها طليعية ومتقدمة، بفضل نهج 'المقاومة' وفكرها، هي ذاتها التي تشد بلبنان الى التخلف والتراجع. في حين ان القوى المفترض أنها تقليدية رجعية وعملية للخارج تبدو – للمفارقة – هي التي تحاول أن تدفع بالبلد الى مواكبة المحيط العربي في طموح شبابه للحرية والكرامة والديموقراطية. وقد برهن هذا الشباب العربي، بتجاوزه القوالب السياسية التقليدية، أنه معبر عن روح استقلالية أصيلة قادرة حتى على وضع خطوط حمر للتدخلات الاجنبية أكثر مما تستطيعه أعتى الحركات السياسية المسلحة. ولأنه تمكن من اكتساب هذه القوة فقد بدا أيضا متمتعا بالرحابة لاستيعاب الجميع، بأديانهم وطوائفهم وايديولوجياتهم المختلفة... (للقراءة).
ـ 'النهار'
أسئلة إلى '14 آذار'؟
أيمن جزيني (منسق عام الإعلام في تيار 'المستقبل') :
في البداية قد يكون بعض المقارنة مفيدا للتذكر والتفكر: مشهد '14 آذار' في صالة المعارض الكبرى 'بيال' 2011 بدا أشبه ما يكون بمشهد تأسيس قوى '8 آذار' في عين التينة في ربيع العام 2005، حضور شيعي كاسح في عين التينة وحضور سني هزيل ومسيحي اكثر هزالاً فضلا عن حضور درزي رمزي. في العام 2011 حضور سني كاسح وحضور مسيحي إشكالي وحضور شيعي هزيل وحضور درزي رمزي.المعنى: في المرتين كان ثمة طائفتان أساسيتان تقرران الحجم وموارد القوة. الشيعة في '8 آذار' والسنة في '14 آذار'.ما الذي جرى للمسيحيين والدروز؟ سؤال يجدر ب '14 آذار' أن تجيب عليه أولاً، علماً أن الدور الذي لعبته قوى '8 آذار' في تهميش الدورين المسيحي والدرزي قد يكون أكثر خطورة على مستقبل هاتين الطائفتين في الآتي من أيام البلد.إنما يجدر بنا أن نتحدث في هذه اللحظة عن المعنى الكامن وراء هاتين الصورتين. في ربيع العام 2005 كان ثمة حكم (حالي) متهالك ويطالب بالمشاركة، وحكم (سابق) يستعد للإمساك بأعنة السلطة. لهذا كان الحشد في عين التينة هزيلاً على مستوى النصاب السياسي في البلد وكان حشد '14 آذار' صافياً وراجحاً على مستوى النصاب السياسي في البلد. وهذا ما جعل 'حزب الله' يومها، وأمينه العام السيد حسن نصر الله تحديداً يبدي لين عريكته حتى آخر حد.
ثمة فارق بين الفريقين الآذاريين يجدر بنا تسجيله لأنه بالغ الأهمية من حيث التطلب والتطلع والأهداف: فريق '14 آذار' كان على الدوام وفي معظم المحطات، إن لم نقل كلها، طالب تسوية. فريق '8 آذار' في معظم المحطات إن لم نقل كلها كان طالب استئثار. ولقد استأثر بقرار الحرب والسلم منذ البداية ولم يقبل أي مشاركة على هذا المستوى على الإطلاق حتى في أكثر لحظات ضعفه وضوحاً وحدة. العكس صحيح بالنسبة لفريق ' 14 آذار' وربما ليس مجدياً أن نتذكر محطات معينة لتأكيد ذلك. الخلاصة، وبناء على ما تقدم، وتأسيساً على تطلب التسوية بصفته مبدأ لم تحد '14 آذار' عنه أبداً، يجدر بنا أن نسجل ملاحظات عديدة، منها ما هو أخطاء كان يمكن تداركها، ومنها ما بدا خطيئات أسست في ما بعد لهذا الترهل الذي تعاني منه قوى '14 آذار' اليوم.
ما دمنا طلاب تسوية فيجدر بنا أن نعترف أن الخطيئة الأولى ومنذ البدايات تمثلت في توجه تظاهرة 22 شباط إلى البرلمان لإسقاط حكومة عمر كرامي. في ذلك الوقت كان السنة مفجوعين باغتيال أبرز زعمائهم، وزعيمان كبيران من زعماء المسيحيين خارج البلاد. لم يكن مفهوماً لعاقل يومها أن تركز موجة '14 آذار' العاتية هجومها على عمر كرامي. فعمر كرامي كان طوال زمن الهيمنة السورية على لبنان أقرب إلى روح معارضتها. وكان حرياً أن تتركز الهجمة على رأس السلطة الذي منذ توليه السلطة قرر تسليم مقاليد البلد كلها للسوريين. والحال، أهين زعيم سني، وتم تجاهل زعيم آخر هو سليم الحص واغتيل الزعيم الأهم. السنة بدوا في تلك اللحظة أيتاماً، فيما بدا المسيحيون يضعون رجلاً في الوطن ورجلاً في المنفى. هكذا آلت الزعامة إلى وليد جنبلاط. الأرجح أن جنبلاط فكر بأن هذه الزعامة ممكنة التحقق. أي قيادة السنة والمسيحيين والدروز معاً، وتحقيق الحلم الذي عجز والده عن تحقيقه رغم باع والده الطويل في السياسة والفكر والحضور. وعليه تأسست الخطيئة الأكبر: لقد أفردت '14 آذار' لجنبلاط حيزاً فضفاضا، وتالياً لم يتوان هو نفسه عن محاولة الإبقاء على الزعامة لهذا الفريق حتى لو أدى ذلك إلى ربح الفريق الآخر وخسارة فريقه.
كان موقفاً صحيحاً أن تسعى '14 آذار' في تلك اللحظة من انتصارها إلى محاولة ترتيب تسوية مع 'حزب الله' والشيعة عموماً. لكن الهجوم على النائب ميشال عون لم يكن ضرورياً البتة، بل كان خطيئة لا سبب لها على الإطلاق، ولم يكن ثمة من داع لحصولها. هذا وقد خيضت انتخابات العام 2005 على قاعدة السنة في مواجهة الموارنة، ولم يكن ذلك مستحباً أو مرغوباً، بل أكاد أجزم أنه كان خطأً فادحاً.خرج عون من الفريق الاستقلالي، والتحق بـ'حزب الله' -المنظمة الامنية والعسكرية - وخسر السنة احتمال تكتلهم الصلب.
والحق أن تجاهل سليم الحص والهجوم الحاد على عمر كرامي في تلك الأيام هو الرحم التي ولد منها سياسيون من أمثال ميقاتي والصفدي، يطمحون على الدوام إلى إيجاد مساحة سنية أخرى غير المساحة الطبيعية التي تمثلها الحالة الحريرية منذ التسعينات وإلى أجل غير معلوم، ذلك أن تاريخ السنة السياسية في البلد كان حافلا بقيادات متعددة من الرؤساء السابقين الذين قد يصبحون لاحقين. ومن جهة ثانية، لم يكن ممكناً، أو لنقل أنه كان صعباً، على ميقاتي أو غيره أن يخرج على طوع الطائفة، وهي على ما يقول النائب نهاد المشنوق (أهل الأمة) لو أن ثمة حيزاً سنياً ما على غرار اجتماع دار الافتاء يتيح التنوع في قلب الوحدة. الذي حصل أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان حريصاً دائماً على المحافظة على هذا التنوع، في حين أن تجربة العام 2005 بقيادة وليد جنبلاط لم تفعل غير قطع أواصر الصلات السنية على المستوى القيادي الأعلى.
اليوم ثمة أمل في ما جرى في دار الافتاء وهو أمل يجب تغذيته والمحافظة عليه بالرموش وتوسيعه ما أمكن.في المقابل، حتى السيد وئام وهاب لم يتم التخلي عنه، والسيد ناصر قنديل حوفظ عليه، وطبعاً حرص 'حزب الله' ورعاته على العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى تقديمه على غيره وإعطائه موقعاً لا يستحقه، بحسب موازين القوى وتوجهات الطرف الأقوى شيعياً، في حين كانت قوى '14 آذار' تفرط بقواها ومراكز قوتها.في السلوك السياسي العام طوال السنوات السابقة حرص 'حزب الله' وسوريا على استغلال هذه النقطة تحديداً، فلطالما أشاعوا أن الحريري ذاهب إلى التسوية من دون حلفائه، ولطالما شددوا على استبعاد رئيس الهيئة التنفيذية في 'القوات اللبنانية' الدكتور سمير جعجع ورئيس الجمهورية الاسبق أمين الجميل من أي معادلة، في محاولة للإيحاء أن '14 آذار' على وجه العموم لا تحافظ على مكتسباتها، وهذا لم يكن ممكناً تصديقه أو إشاعته في الوسط السياسي اللبناني لولا أن سلوك '14 آذار'، كان على الدوام أقل حرصاً على حلفائه من قوى '8 آذار'.
لنتذكر النائب السابق حبيب صادق الذي كان يمكنه تشكيل حالة شيعية ما في الجنوب، كيف تم التخلي عنه رويدا رويداً إلى الحد الذي جعله خارج المعادلة كلياً. والأهم من حبيب صادق هو اللقاء الشيعي: إذا لم يكن اللقاء الشيعي مهماً فلماذا جرى الحض على تأسيسه؟ ألم تخسر '14 آذار' شخصية اعتبارية كبرى تتمثل في السيد محمد حسن الامين لتربح أمثال أيمن جزيني (كاتب هذه الأسطر)؟ المسألة بهذه البساطة. '14 آذار' تخلت عن قواها وعن مصادر قوتها سعياً إلى التسوية مع الفريق الآخر. والأرجح أنها لم تغادر هذا السلوك بعد. أعود إلى التأكيد على تطلب التسوية عند فريق '14 آذار'، وهو فضيلة وليست نقيصة، لكن تطلب التسوية لا يعني في حال من الأحوال أن نقدم تنازلات كبرى. لماذا رضيت '14 آذار' بالثلث الضامن؟ لماذا قبلت بنبيه بري رئيساً؟ أنا لا أقول أنه كان يجب ان نأتي يومها بالوزير باسم السبع، بل اقول كان يجب أن نثبت لـ '8 آذار' أننا من يصنع رئيس المجلس وأنه مدين لنا حتى لو انقلب علينا.في موضوع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، فالسؤال: لماذا رفضت قوى '14 آذار' ترشيحه؟ ولماذا قبلت في ما بعد به؟ في موضوع العزوف عن التشكيل لماذا حصل ومن نصح به؟ إذا لم يكن ممكناً ان نستمر عازفين عن التشكيل فلماذا أقدمنا على الخطوة؟ في موضوع التسوية (س-س) لماذا حجبت قيادات '14 آذار' مضمون التسوية عن جمهورها؟ لماذا انفردت وسائل إعلام '8 آذار' بتسويق تسويات على ذوقها؟ ألم يترك هذا الحجب ارتباكا لدى قوى '14 آذار' كافة، أدى أحياناً إلى شعورها بالبكم التام؟
هذه عناوين عامة، وفي التفاصيل ثمة الكثير مما يمكن إيراده إنما يجدر بنا استخلاص التالي:
- 14 آذار تفتقر إلى الوفاء لمن ناصرها، خصوصاً حين يحاصر مناصروها من قبل أعدائها.
- 14 آذار تحجم عن الإفصاح السياسي أمام جمهورها ونخبها وتتركهم في عمى عن كل شيء.
- 14 آذار طالبة تسوية لكنها أحيانا تسلك مسلكاً طائفياً ضيقاً.
- 14 آذار تستهين بمواردها: في وقت كانت نخب البلد الفكرية والإعلامية أقرب إلى '14 آذار' منها إلى '8 آذار' وأجزم أنها ما زالت، إلا أن اصوات هؤلاء مغيبة تماماً حتى ليكاد صمتهم يصم الآذان.
وفي وقت تبدو قوى '14 آذار' هي المسؤولة عن النهوض بالاقتصاد الوطني، تخسر أمام مطالبات '8 آذار' الشعبوية لأنها لا تدافع عن حقوقها في هذا المجال. علينا أن نذكر دائماً أن الشؤون الاقتصادية تناقش من جهتين دائماً: جهة من يؤمن الوظائف والأرباح ورؤوس الأموال وجهة محدودي الدخل. نحن أيضاً نحب محدودي الدخل، فلنطالب السيد نصرالله بإنشاء مصانع وجامعات لتشغيل الناس ما دام يطالبنا بزيادة الأجور فحسب
ـ 'الأخبار'
ماذا في مقدور الولايات المتحدة أن تفعل؟
فداء عيتاني:
لم ينتهِ الدور الرئيسي للولايات المتحدة في العالم، ولم يصل إلى الحد الذي يمكن معه القول إن عصراً جديداً قد بدأ، ولكن لا بد من ملاحظة تراجعها إقليمياً ومحلياً. فليس العالم العربي وحده ما يتغيّر، بل العالم كله يتبدل، وبات في الإمكان قراءة الواقع الداخلي في ظل خريطة خارجية متغيرة. قد يكون للولايات المتحدة تداخل ما في ما يجري في العالم العربي، انطلاقاً من صفقة تقسيم السودان، ولكن لا شك في أنه لا إدارتها ولا أجهزة استخباراتها ولا دبلوماسيتها كانت على علم بما سيجري في تونس، وأن الموقف الذي أخذته واشنطن هناك أتى متأخراً ومستلحقاً، بعد أن نصحت في الأيام الأولى الرئيس التونسي بإصلاحات في النظام على وصفتها المعتادة &laqascii117o;المزيد من الديموقراطية للمواطنين الأصليين". ما كان يمكن أن تخيف الولايات المتحدة العالم به يتراجع. فلا الاستخبارات الأميركية تثبت فعاليتها، سواء في تونس أو مصر، وحتى في أفغانستان وبغداد، عدا عن انهيارات حليفها الجديد، القذافي، وحليفها الاستراتيجي في مكافحة تنظيم القاعدة، أي علي عبد الله صالح، ولا جيشها قادر على التدخل كما كان خلال النصف الأول من العقد الحالي وما قبله، ولا حليفتها في المنطقة قادرة على إثارة مخاوف الناس، بعد أن شاهدوا آلة الحرب الإسرائيلية تفشل في لبنان وتعجز عن الحصول على إنجازات مباشرة في غزة (اللهم إلا العمل الميداني الباهر وتطبيق خطط عمليات كلاسيكية على السكان المدنيين).
مالياً، تمسك الولايات المتحدة بدفتر شيكات، ولكنه يقلّ رصيده يوماً إثر آخر. فهي لديها ما يكفيها من مشكلات، وحلفاء الأمس يخافون اليوم على عروشهم، ويترددون في البذخ على الحركات المؤيّدة لهم في مشارق الأرض ومغاربها. واليوم، في لبنان، لم تصل بعد الإمدادات المالية لقوى 14 آذار لإسقاط حكومة لم تؤلف بعد، ولا لإقامة تظاهرات حاشدة، وقد تصل هذه الأموال، إلا أنها ليست بالحجم الذي يتوقعه المنظّمون. تراجعت الهيبة الأميركية إلى الحد الذي سمح لشخص كسلام فياض، وهو الذي صرّح محمود عباس مرة بأنه لا يمكنه إقالته من منصبه لأن واشنطن هي من عيّنه، وصل به الأمر إلى القول منذ أيام إن &laqascii117o;القرار الوطني المستقل ليس مرهوناً للمساعدات الأميركية".
وتراجعت الهيبة الأميركية إلى الحدّ الذي تضطر معه إلى أن ترسل موفدين وإشارات إلى الرئيس المكلف تأليف الحكومة، تفيده بأن &laqascii117o;واشنطن لن ترضى بأن ترى حكومة من لون واحد". ولكن، يبدو أن حفلة العلاقات العامة والتهديدات المبطّنة لن تنتج الكثير للولايات المتحدة. محور الشر لا ينتصر فقط، بل هناك دول تنهار في المنطقة. وإذا كان المشروع الأميركي بتفتيت الدول يتطلّب انهيار هذه الأنظمة، إلا أن التفتيت يبدو بعيداً، إلا عن دول كالمملكة العربية السعودية ولبنان، إذا تابع فريق 14 اذار نضاله في سبيل ضرب المقاومة والخضوع لأمنيات المحكمة الدولية.