- 'النهار'
الإنقلاب السوري على المشروع السعودي.. الأسد أسقط المصالحة اللبنانية بعد إسقاطه المصالحة الفلسطينية
بقلم عبد الكريم أبو النصر:
'إنهارت الجهود العربية الهادفة الى تحقيق المصالحة الوطنية بين الأفرقاء اللبنانيين والحل الشامل للمشاكل العالقة نتيجة الصدام بين 'المشروع السعودي' و'المشروع السوري'، الامر الذي أدى الى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتخلي حلفاء دمشق عن المشاركة الوطنية في الحكم ودفعهم الى تركيز جهودهم على تأليف حكومة جديدة يرئسها نجيب ميقاتي ويقودها فعلاً 'حزب الله' مهمتها الأساسية محاولة إعادة ربط لبنان بسوريا تدريجاً. فقد سعى الملك عبدالله بن عبد العزيز منذ تموز الماضي الى إنجاز مشروع شامل للمصالحة الوطنية والسلام في لبنان بالتعاون مع الرئيس بشار الأسد يذهب أبعد من إتفاق الدوحة ويستند في جوهره الى إتفاق الطائف، ويعالج بطريقة متوازنة ومقبولة لدى كل الأفرقاء القضايا الأساسية المختلف عليها ومنها قضية المحكمة الخاصة المكلفة النظر في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وفي جرائم أخرى مرتبطة بها. لكن هذا المسعى الكبير إنهار لأن الرئيس السوري أراد إستغلال المصالحة بينه وبين الملك عبدالله بن عبد العزيز وحواره معه من أجل تحقيق الأهداف السورية في لبنان وتعزيز نفوذه ونفوذ حلفائه وتعطيل عمل المحكمة الخاصة، وليس من أجل التوصل الى حل شامل ينقذ اللبنانيين من المشاكل التي يعانونها'.هذا ما ادلت به الينا مصادر ديبلوماسية أوروبية وأميركية بناء على المعلومات الخاصة التي حصلت عليها من جهات سعودية ولبنانية وعربية معنية بهذه القضية. وقالت ان إعلان سعد الحريري، للمرة الأولى، في الذكرى السنوية السادسة لاغتيال والده، مضمون المبادرة السعودية - السورية تم بالتفاهم المسبق مع المسؤولين السعوديين من أجل تحميل الطرف المعطل مسؤولية ما يجري وما يمكن أن يجري في لبنان، ومن أجل دفع الرئيس المكلف ميقاتي الى التفكير جلياً قبل تأليف حكومة يقودها حلفاء دمشق، ومن أجل كشف حقيقة هذه المبادرة التي يسرب 'حزب الله' وحلفاؤه معلومات غير صحيحة وغير دقيقة عنها. وأكد لنا مسؤول عربي مطلع ان المبادرة السعودية تركزت فعلاً، وفقاً لما قاله الحريري، على فكرة أساسية هي عقد مؤتمر مصالحة وطنية بين الأفرقاء اللبنانيين في الرياض في رعاية الملك عبدالله وحضور الرئيسين ميشال سليمان والأسد وعدد من الزعماء العرب وبمشاركة جامعة الدول العربية يؤدي الى 'مصالحة شاملة ومسامحة شاملة لكل الماضي' وبحيث 'تصير بعدها تداعيات القرار الإتهامي مسؤولية وطنية وعربية جامعة'. واوضحت هذه المصادر أن هدف مؤتمر المصالحة هذا ليس تأمين إجتماع الزعماء اللبنانيين في الرياض فحسب، بل إعلان التوصل الى ورقة تفاهم يوقعها كل الأفرقاء في لبنان وتعالج القضايا الأساسية العالقة وتنجز سلفا بالتعاون والتنسيق بين السعودية وسوريا، ثم تكرس في العاصمة السعودية في رعاية عربية رسمية.
أهداف المشروع السعودي
وأفادت المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة ان المشروع السعودي للمصالحة الوطنية الشاملة في لبنان يطمح الى تحقيق الأهداف الأساسية الآتية:
أولاً - مؤتمر الرياض يهدف الى تكريس وجود رعاية سعودية - عربية مدعومة دولياً للمساعي الجارية لحل المشاكل العالقة في لبنان ومنها تلك التي تهدد مصيره، وعدم ترك النظام السوري ينفرد مع حلفائه بالتحكم بمسار الأوضاع فيه، الامر الذي يشكل إستكمالاً لعملية إنهاء الهيمنة السورية على هذا البلد التي تحققت نتيجة إنتفاضة 14 اذار 2005 والدعم الدولي والعربي لها.
ثانياً - الذهاب أبعد من إتفاق الدوحة الموقع في أيار 2008 والذي ينص على 'تعهد الأطراف الإمتناع عن إستخدام السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية'، كما ينص على 'حظر اللجوء الى إستخدام السلاح أو العنف أو الإحتكام اليهما في ما قد يطرأ من خلافات وأيا تكن هذه الخلافات وتحت أي ظرف'. إذ ان المشروع السعودي يهدف الى إيجاد تفاهم لبناني - لبناني مدعوم عربياً يشمل إتخاذ إجراءات محددة وملموسة لمنع إستخدام اي فريق السلاح والعنف في الصراع السياسي الداخلي وتكريس ذلك في مؤتمر المصالحة الوطنية، على أساس انه ليس ممكناً تحقيق المصالحة الوطنية إذا لم يوضع حد نهائي لاستخدام السلاح في الداخل أو للإستقواء بالسلاح على اللبنانيين.
ثالثاً - الذهاب أبعد من إتفاق الدوحة الذي ينص على 'تطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كل المناطق اللبنانية بحيث لا تكون هناك مناطق يلوذ اليها الفارون من وجه العدالة إحتراماً لسيادة القانون'. ويهدف المشروع السعودي الى التوصل الى تفاهم لبناني - لبناني مدعوم عربياً يقضي بمنع وجود بؤر أو محميات أمنية خاضعة لسلطة تنظيمات مسلحة وببسط سلطة الدولة في كل المناطق اللبنانية مما يضمن الإستقرار والأمن ويعزز السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
رابعاً - إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات تطبيقاً لقرارات مؤتمر الحوار الوطني وهو سلاح تحتفظ به تنظيمات مرتبطة بدمشق، ووضع هذا السلاح تحت سلطة الجيش اللبناني لمنع إستخدامه في أي نزاعات فلسطينية - فلسطينية أو لبنانية - لبنانية.
خامساً - مؤتمر الرياض يهدف الى تكريس مبدأ المشاركة الوطنية في الحكم تعزيزاً للسلم الأهلي ولمنع أي فريق من الإستئثار بالسلطة وللحيلولة دون إتخاذ قرارات تتعلق بالقضايا الجوهرية وبمصير لبنان بعيداً من التوافق الوطني، مما يعمق الإنقسام بين اللبنانيين ويشكل تهديداً مستمراً لمسار الأوضاع في البلد. وتتحقق هذه المشاركة الوطنية من خلال تأليف حكومة وحدة وطنية واستبعاد فكرة تأليف حكومة يقودها فريق واحد.
سادساً - يهدف المشروع السعودي الى إنهاء دور لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع إسرائيل ومع دول أخرى مما يلحق اضرارا جسيمة بالبلد ويهدد المصالح الحيوية لابنائه. ويتحقق هذا الهدف في إشراف عربي ومن خلال إتخاذ إجراءات محددة في إطار هيئة الحوار الوطني، التي يرعى أعمالها الرئيس ميشال سليمان، تؤدي الى جعل سلاح المقاومة جزءاً من إستراتيجية دفاعية جديدة فيمتنع 'حزب الله' عن أن يتخذ وحده قرار المواجهة مع إسرائيل ومن دون علم الدولة كما حدث في صيف 2006.
سابعاً - التوصل الى تفاهم لبناني - لبناني يتم تكريسه عربياً في مؤتمر الرياض يقضي بالتعامل مع تداعيات القرار الإتهامي بطريقة تحقق العدالة والإستقرار معاً وتعزز السلم الأهلي وتمنع حدوث فتنة داخلية وتؤمن الحقوق المشروعة لكل الأفرقاء، من منطلق انه ليس ممكناً إتخاذ قرار لبناني أو عربي يدعو الى وقف عمل المحكمة، أو الى نزع الشرعية اللبنانية عنها لأن المحكمة هيئة قانونية دولية مستقلة خاضعة لسلطة مجلس الأمن وليس لإرادة هذا الفريق أو ذاك.
ثامناً - مواصلة تنفيذ إتفاق الطائف تدريجاً في أجواء من الإستقرار وفي ظل السلم الأهلي، على أساس تكريس قاعدة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتأمين مصالح كل الأفرقاء وليس مصالح فريق على حساب الآخرين، وإعطاء الأولوية لتعزيز دور الدولة ولبسط سلطتها على كل الأراضي اللبنانية.
الإنقلاب اللبناني بعد الإنقلاب الفلسطيني
وذكرت المصادر الأوروبية المطلعة ان الأسد وافق في البداية على التعاون مع السعودية لتنفيذ مشروع الحل الشامل مما شجع الحريري على إتخاذ مواقف وخطوات إنفتاحية جريئة حيال النظام السوري وعلى بذل كل الجهود لوقف المواجهة مع هذا النظام ولإقامة علاقات قوية ومتطورة بين لبنان وسوريا على أساس الإحترام المتبادل لإستقلال كلا البلدين وسيادتهما. ولكن إتضح للمعنيين بالأمر منذ تشرين الأول من العام الماضي ان النظام السوري ليس راغباً في إنجاز الحل الشامل بل انه يريد إستغلال الحوار القائم بينه وبين القيادة السعودية من أجل محاولة تأمين مصالحه وأهدافه في لبنان وتوسيع نطاق نفوذه فيه. وحين تأكدت القيادة السعودية فعلاً من ان نظام الأسد ليس راغباً في التعاون جدياً معها وفي الضغط على حلفائه لتنفيذ الحل الشامل وتحقيق المصالحة الوطنية بين الأفرقاء اللبنانيين، أوقفت تعاونها معه في كانون الثاني الماضي فردت دمشق على ذلك بإسقاط حكومة الحريري تمهيداً لتكليف ميقاتي تأليف حكومة جديدة يريد المسؤولون السوريون أن نخدم في الدرجة الأولى مخططاتهم.ورأت المصادر الديبلوماسية الأوروبية المطلعة في باريس ان النظام السوري تراجع عن دعم المشروع السعودي وأحاط بالكتمان الشديد فكرة عقد مؤتمر مصالحة وطنية في الرياض للأسباب الآتية :
أولاً - نظام الأسد يرفض أي رعاية عربية أو عربية - دولية لمسار الأوضاع في لبنان، كما يرفض أي حل عربي مدعوم دولياً للمشاكل العالقة فيه ولوكان شريكاً في هذا الحل، لأنه يريد أن يضطلع بالدور الأساسي في إدارة شؤون هذا البلد، سواء بالتفاهم مع السعودية أم من دون التفاهم معها.
ثانياً - نظام الأسد يعطي الأولوية لتحالفه مع إيران ولعلاقاته الوثيقة مع 'حزب الله' وليس للتوصل الى إتفاق مع السعودية يعزز إستقلال لبنان وسيادته وأمنه وإستقراره ويضمن مصالح كل الأفرقاء.
ثالثاً - نظام الأسد ليس مهتماً فعلاً بإنجاز مصالحة وطنية شاملة بين الأفرقاء اللبنانيين في رعاية عربية وفي مؤتمر سينعقد في الرياض بل انه مهتم بتعزيز نفوذه ونفوذ حلفائه، ولذلك يرفض أي مشروع حل يضعف دور 'حزب الله' وحلفائه ويفرض قيوداً على سلاح الحزب ويحد من قدرته على إستخدام هذا السلاح في الصراع السياسي الداخلي أو في المواجهة مع إسرائيل. فنظام الأسد يريد أن يظل 'حزب الله' قوة مسلحة ضاربة أساسية تخدم مصالح المحور السوري - الإيراني ومخططاته في هذا البلد وفي المنطقة.
رابعاً - نظام الأسد يريد أن يظل لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع إسرائيل يمتلك فيها 'حزب الله' القدرة على تفجير القتال في الوقت المناسب، على أساس أن هذا الوضع يعزز القدرات التفاوضية لسوريا وإيران مع أميركا ودول كبرى أخرى.
خامساً - نظام الأسد يرفض الإكتفاء بالتعامل مع تداعيات القرار الإتهامي بطريقة تحقق العدالة والإستقرار معاً إذ انه يريد تعطيل عمل المحكمة من خلال إتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً بفك إرتباط لبنان بالمحكمة ومحاولة نزع الشرعية اللبنانية عنها من أجل تأمين 'حماية ما' للأشخاص الذين يمكن أن يتهمهم المدعي العام الدولي دانيال بلمار بالتورط في جريمة إغتيال الحريري ورفاقه. وكما قال ديبلوماسي أوروبي مطلع، 'ان النظام السوري أراد أساساً من خلال تعاونه مع السعودية دفع سعد الحريري الى إتخاذ الإجراءات اللازمة لفك إرتباط لبنان بالمحكمة وتعطيل عملها، ولم يكن راغباً فعلاً في التوصل الى حل شامل في إشراف عربي للمشاكل العالقة في لبنان يؤمن مصالح كل الأفرقاء فيه وليس مصالح حلفاء دمشق وحدهم'.
وضمن هذا السياق قال لنا مسؤول عربي بارز: 'ان إقدام نظام الأسد على إحباط المشروع السعودي للمصالحة الوطنية الشاملة في لبنان يشبه تماماً ما قام به هذا النظام في الساحة الفلسطينية عام 2007 حين أحبط مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية الذي أنجزته السعودية. ففي شباط 2007 وقع إتفاق مكة للمصالحة الفلسطينية الشاملة نتيجة جهود سعودية مكثفة في حضور الملك عبد الله والرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي ﻟ'حماس' خالد مشعل، وهو إتفاق عارضته الإدارة الأميركية آنذاك وأدى الى تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية برئاسة إسماعيل هنية. لكن 'حماس' أسقطت هذا الإتفاق الذي رعته السعودية ونفذت إنقلابها في حزيران 2007 وفرضت سيطرتها على قطاع غزة وأحدثت إنشقاقاً فلسطينياً عميقاً لا يزال يتفاعل الى اليوم ويترك آثاره السلبية على الشعب الفلسطيني وقضيته. والمعلومات التي حصلت عليها جهات سعودية ومصرية وأردنية وفرنسية تؤكد ان 'حماس' أحبطت المشروع السعودي للمصالحة ونفذت إنقلابها على السلطة الوطنية الفلسطينية بتشجيع مباشر وقوي من النظامين السوري والإيراني الراغبين في الإمساك بورقة فلسطينية من خلال دعمهما 'دولة حماس في غزة' من اجل تعزيز قدراتهما التفاوضية مع أميركا ودول كبرى أخرى. وما حدث ان نظام الأسد فشل في إستثمار ورقته الفلسطينية هذه إذ انه لم يتمكن بواسطتها من تعزيز موقفه التفاوضي مع أميركا ودول كبرى أخرى، ولم يحقق أي مكاسب سياسية ولم يتمكن من فتح حوار بين 'حماس' والدول المؤثرة ولم يتمكن مع الإيرانيين من معالجة المشاكل الهائلة التي يعانيها أهالي غزة. لكن هذا الفشل الفلسطيني لم يمنع الرئيس السوري من تكرار التجربة في لبنان وإحباط المشروع السعودي الهادف الى عقد مؤتمر مصالحة وطنية في الرياض بين كل الأفرقاء اللبنانيين وإيجاد حل شامل ومتوازن للمشاكل العالقة يؤمن المصالح الحيوية للشعب اللبناني وليس لفريق على حساب آخر'.
- 'النهار'
ليس عون المعرقل وحده بل '8 آذار'
إيلي الحاج:
يسخر سياسي محنّك من مقولة إن الجنرال ميشال عون يعرقل تأليف حكومة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وإنه أصبح بتشدده ورفع سقف مطالبه يثير استياء لدى قيادتي 'حزب الله' وسوريا المتابعة من كثب للتفاصيل في لبنان . يلجأ السياسي إلى قلم وورقة ويعرض حساباً بسيطاً لتوزيعة حكومية مفترضة من 30 وزيراً، كالآتي: 6 شيعة لـ'حزب الله' وحركة 'أمل'+ 6 سنّة من ضمنهم ميقاتي الذي يصرّ على تسمية الوزير محمد الصفدي معه واثنين آخرين على الأقل فلا يتخلى لحلفاء '8 آذار' من طائفته إلا عن وزير واحد، ولرئيس الجمهورية ميشال سليمان عن وزير واحد أيضاً + 3 دروز اثنان منهم لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والثالث من حصة رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال إرسلان يكون محسوباً لـ '8 آذار'. فتكون حصة هذه القوى من الجانب الإسلامي 8 وزراء فقط من أصل 15 .ولكن جنبلاط انتقل إلى التحالف الذي يقوده 'حزب الله' أو هكذا يفترض، فلماذا لا يُحسب وزيراه من ضمن حصة '8 آذار'؟ السياسي الحاسب يقول إنهم يتحسبون، وربما عن حق بعد تجربة وأخذ عِبَر لاحتمال أن يُغيّر جنبلاط رأيه إذا تغيّرت المعادلات الدولية والإقليمية والداخلية مجدداً . ألا يفعلها 'وليد بك'؟ بلى يفعلها. ثم إن دوائر سياسية تتحدث علناً عن 'كتلة وسطية' تضم وزراء الرئيسين سليمان وميقاتي والنائب جنبلاط وتتمتع بالثلث المعطل وتالياً حق النقض. يجب أن تكون قيادة 'حزب الله' وسوريا أي قيادة '8 آذار' ساذجة لتقبل بإعطاء الثلث المعطل لجهة أخرى قد تكون لها حساباتها المختلفة في ظروف مغايرة عن الظروف السائدة حالياً.إذاً، من أين تأتي قوى 8 آذار بتكملة عدد وزرائها ليصبحوا 20 على الأقل؟ من الحصة المسيحية طبعاً. لذلك لا شك إنهم دفعوا ويدفعون الجنرال عون إلى عدم القبول في أيّ حال بحصة لـ 'تكتل التغيير والإصلاح' الذي يرئسه تقلّ عن 12 وزيراً حداً أدنى، ويمكن خفض العدد إلى 11 بشرط واحد هو إعطاء 'كتلة التنمية والتحرير' وزيراً مسيحياً. فيبقى 3 وزراء من أصل 15 في الضفة المسيحية من الحكومة، إثنان لسليمان وواحد لميقاتي أو العكس. وينضم هؤلاء الوزراء الثلاثة في حال تحققت نظرية 'الكتلة الوسطية' إلى الوزراء السنّة الخمسة (ضمنهم ميقاتي) والوزيرين الدرزيين الجنبلاطيين،علماً أن ثمة قائلين بإن توزير نائب إقليم الخروب الاشتراكي علاء ترو محسوم فتكون الكتلة الوزارية لرئيس التقدمي من ثلاثة. في هذه الحال لا يكون مع ميقاتي من الوزراء السنّة سوى الصفدي ووزير آخر. يختم السياسي حساباته البسيطة بخلاصة أبسط: 'يستخفون بعقولنا عندما يحاولون إقناعنا بأن العقدة هو الجنرال عون. إذا تنازل عون عن شرط الـ 12 وزيراً لتكتله فإنهم يفقدون الثلثين الضامنين لاتخاذ القرارات، وهم لم يُسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري في 12 كانون الثاني الماضي ليجلسوا مكانه ويعانوا ما عاناه في ظل الثلث المعطل'.ماذا عن عقدة وزارة الداخلية؟ ' المطلوب تفكيك المنظومة الأمنية الحالية، فرع المعلومات وغيره، والوزير زياد بارود لن يقوم بهذه المهمة فضلاً عن أن الرئيس ميقاتي لن يتجاوب مع هذا المطلب لأنه يؤذي صورته إلى حد كبير داخل طائفته، لذلك يجب أن 'يقاتل' الجنرال عون ليفوز بهذه الحقيبة المهمة جداً له ولحلفائه. وهو يُقاتل للفوز بها فعلاً. ولكن فليكفوا عن محاولة إقناعنا بأنه يغالي في مطالبته بها وهم منزعجون من تشدده'.
- 'السفير'
الثورات ستفرض صيغة جديدة لعلاقة العرب بالولايات المتحدة..الزلزال العربي &laqascii117o;لبنانياً": هل يتحوّل القرار الاتهامي إلى نص إنشائي؟
كلير شكر:
... النظام العالمي الأحادي القائم على هيمنة الولايات المتحدة الأميركية، الذي تكوّن منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي، يشهد اليوم، بحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية الدكتور هلال خشان، مرحلة إعادة التكوين، قد يتطلّب وقتاً. إذ أن &laqascii117o;مما لا شك فيه، أن الانتفاضات في المنطقة العربية ستحمل تداعيات دولية، وقد ظهرت أولى مؤشراتها في أكثر من بقعة من العالم، منها على سبيل المثال، الاعتصام الذي نفّذ في ولاية مينيسوتا الأميركية مطالباً بتغيير النظام الضريبي، حيث شبّه المعتصمون حاكم الولاية بالرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، كما شهدت الصين دعوات للتظاهر تأييداً لمصر ولتونس، حيث تحاول السلطات الصينية مراقبة الوضع في المنطقة العربية والحدّ من إطلاع جمهورها على ما يحصل في هذه البقعة من العالم". هذه الأحداث مرشّحة للتمدّد إلى خارج منطقتي الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. وبتقديره، فإن النظام العالمي الجديد لا يزال في مرحلة المخاض، وتكوين المتغيّرات التي ستتحكم بمساره. هي مرحلة تحوّلات ستؤدي إلى منظومة عالمية جديدة لم تنشأ بعد. أحادية الولايات المتحدة ونفوذها العالمي سيتأثران بالمتغيرات، ويدرك الأميركيون هذا الأمر، لأنهم كانوا يتوقعون سقوط هيمنة بلادهم على العالم بحلول سنة 2025. النفوذ الأميركي الأحادي قفز من وضعية &laqascii117o;صاحب القرار" إلى مادة نقاش على طاولة البحث. واحدة من النتائج غير المباشرة لانكسار الصورة. إذ &laqascii117o;لن يكون لهذه التحولات تأثير مباشر على نفوذ الولايات المتحدة، إلا أنّ تردداتها ستظهر في أنحاء أخرى من المعمورة، وستؤدي إلى تحولات عالمية، بما في ذلك تراجع النفوذ الأميركي". ويقول خشان: المطروح اليوم هو إعادة تحديد العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية، إذ لا جدوى من قطع العلاقات مع واشنطن، أو إيقاف نفوذها، بل يجب أن يكون هناك إعادة تعريف للعلاقة، بحيث تكون نديّة. النموذج التركي في التعاطي مع الولايات المتحدة، وهما حليفتان، يبرز النديّة في العلاقة، وهو ما يطلبه العرب، الذين لا ينشدون مقاطعة واشنطن لأن ذلك ضرب من ضروب الخيال. فالعالم متداخل، ولا طائل من الكلام عن قطع العلاقات، أو تحديد نفوذها، ولا بدّ من إيجاد صيغة جديدة للعلاقات". ارتدادات زلزال الثورات العربية، ستأخذ مداها، ولكن من غير المنطقي توقع عودة الهدوء إلى الدول التي تشهد انتفاضات، في وقت قريب، لا سيما وأنه يتوجّب على الحركة التغييرية الجذرية جملة تداعيات، أبرزها إعادة بناء النظام السياسي، ما يتطلب وقتاً. لكن المهم، بنظر خشان، هو أن فكرة التغيير كرّست مفهومها، وثمة زخم شعبي يحميها ويتمسّك بها. من الطبيعي أن يخلق التغيير حالة من عدم الاستقرار، لأنّ هدم نظام أسهل من إعادة البناء، فيما الفترة الفاصلة بينهما، تتسم بغياب الاستقرار، الذي ينخفض منسوبه كلما بدأ بناء منظومة سياسية جديدة يأخذ بعين الاعتبار الحصول على مشروعية من الشعب. ولكن للعملية الشاملة مداها. سيناريوهات ما بعد &laqascii117o;الثورات" لا تزال غامضة، وإن كان بعض عناوينها قد يكون مرجّحاً. إذ ثمة أمور لا بدّ أن تحصل، لو كانت الدول العربية ديموقراطية ومنفتحة على شعوبها، لاقتربت هذه الدول من بعضها. هذا لا يعني أن التغيير سيؤدي إلى نشوء دولة عربية وحدوية، وقد لا يكون هذا الأمر مطلوباً، ولكن من المتوقّع أنه في حال نشوء أنظمة سياسية ديموقراطية، أو على الأقل تأخذ بعين الاعتبار متطلبات شعبها، أن تنفتح المنطقة العربية على بعضها، وفق منطق الأمور، على قاعدة إعادة إحياء ما كان قائماً في الماضي. فالمنطقة العربية متداخلة اقتصادياً لكن التغييرات التي طرأت في السنوات الـ60 الأخيرة، أبعدتها عن بعضها. اليوم المطلوب أن تنال الشعوب قسطها من الحرية، وأن تكون الأنظمة السياسية التي يؤمل أن تنشأ بعد هذه المتغيرات، واعية للخطر الإقليمي وأن تتعاطى معه بصورة جماعية. إسرائيل، &laqascii117o;الجسم الغريب" في المنظومة العربية، تراقب عن بُعد وترصد النتائج. لكن استفادتها من وضع المنطقة هو تحصيل حاصل بحسب أستاذ العلوم السياسية، علماً بأنها تستفيد إلى أقصى حدود من الأنظمة القائمة، إلا أنه &laqascii117o;لن يكون هناك أنظمة أسوأ منها. وفي حال استفادت أكثر من حالة عدم الاستقرار، فإنها ستكون استفادة موقتة". وفي وقت يزداد الوضع العربي غلياناً، يسود هدوء مريب الساحة اللبنانية، يرخي جموداً على المشاورات الحكومية. إذ أنّ طبيعة تكوينه التعددية، تجعله حاضناً للتغيرات التي تحصل في المنطقة، من دون أن يكون مولداً لأيديولوجيات التغيير. فهو، برأي خشان، يتلقّى ويتقبّل الإشارات الآتية من الخارج، لكنه لا يصدّرها. لبنان أشبه بمرآة تعكس الوضع الإقليمي، فإذا استقرت المنطقة يتلقى الاستقرار، والعكس صحيح. أما اليوم، فلا تعوزه قلّة الاستقرار، بحسب خشان، لديه فائض من هذه الحالة. ولا يبدو أن ما يحصل في المنطقة العربية سيزيده من حالة عدم الاستقرار، لأن وضع الدول التي تتحكم بالقرار اللبناني، معروف، ومستقر حتى الآن. التغييرات في مصر وليبيا أو تونس، لن تهدد الوضع اللبناني، على اعتبار أنّ الدور المصري كان دوراً مكمّلاً لدور السعودية. انشغال الدول العربية في أزماتها الداخلية هل يعني انكفاء عن الملف اللبناني؟ يقول خشان: السعودية انكفأت أصلاً، ولبنان تأثر بالفعل. لحظة وصول الملك السعودي (عبد الله بن عبد العزيز) إلى بيروت برفقة الرئيس السوري (بشار الاسد)، كان الإقرار الفعلي للرياض بدور دمشق في لبنان. النتيجة الطبيعية لزلزال المنطقة هي تراجع نفوذ بعض الدول العربية، علماً بأن تطورات السنتين الأخيرتين زادتا النفوذ السوري على حساب الموقع السعودي، في مقابل انكفاء الدور المصري نهائياً. بالنتيجة، فإن الوضع الناشئ عن المتغيرات في العالم العربي، سيزيد النفوذ السوري ترسيخاً. على الرغم من الوقت الضائع الذي قد يفتح الباب أمام اشتعال الجبهة الجنوبية، إلا أن خشان لا يرى أي خطر إسرائيلي على لبنان خلال الفترة الحالية، لأن &laqascii117o;القيادة الإسرائيلية ليست بوارد مهاجمة لبنان، فهذا القرار مرتبط بالمشروع النووي الإيراني، ولا يبدو أن &laqascii117o;حزب الله" بوارد استفزاز إسرائيل. القوى المعنية غير مهتمة بالتصعيد على الجبهة الشمالية". إذ عندما يوتر اللبنانيون الوضع الداخلي بمعزل عن المنطقة، يكون أشبه بنثر فقاقيع الهواء. أما التوتر في الجنوب فلا يبدو أنه مرتبط بما يحصل في العالم العربي. المحكمة الدولية التي ستحكم المرحلة المقبلة لبنانياً، قد يكون مسارها واحداً من أثمان التغييرات الحاصلة. إذ أن إزاحة حكومة سعد الحريري وتكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة، حسما تأثير المحكمة الدولية على الوضع الداخلي، وفق خشان. فلبنان عُزل عن مسار المحكمة، ولا يبدو أن الحكومة اللبنانية العتيدة ستتعاطى مع تبعاتها، حتى لو صدر القرار الاتهامي، وبمعزل عن محتواه، فإنه سيبقى بشكل عام غير قابل للترجمة. ويقول: إذا نظرنا إلى الوضع القائم حالياً في المنطقة، للاحظنا أن الدول العربية غير مهتمة بملاحقة القرار وتبعاته، علماً بأنه كان من المرجّح أن يصدر قرار اتهامي غير قابل للتطبيق، لغياب أداة تفعيل محلية، فكيف بالحري بعد تغييرات المنطقة... فقد تحوّل إلى نصّ إنشائي. وبتقديره، فإن الحريري خرج من المنظومة السياسية بفعل أخطاء كثيرة ارتكبها في قواعد العمل السياسي، ولا يبدو أنه قادر على الاستفادة من التحولات الحاصلة في المنطقة، لتعزيز موقعه المعارض، لأنه &laqascii117o;إذا أخذنا بعين الاعتبار هذه التحولات، فسيكون لها تأثير سلبي على عودته إلى الحكومة... أو حتى على لجوئه إلى مقاعد المعارضة. فالتغييرات لا تصبّ لمصلحته".