ـ 'اللواء'
'حزب الله' يُعد ورشة قضائية هي الأولى من نوعها للإمساك بملف الدعاوى
ومصادره تؤكد أن وثائق 'وكيليكس' حول تورط لبنانيين قانونية ويُعتد بها
حسين زلغوط :
الخصومة السياسية مع <14 آذار> حملت الحزب على التريث في إعلان ما يملك من معطيات ومعلومات عن حرب تموز .
يستعد <حزب الله> لخوض غمار معركة جديدة مع فريق الرابع عشر من آذار بوابة العبور اليها ما كشفه عنه موقع <وكيليكس> من وثائق ذات صلة بالمرحلة التي سبقت ورافقت واعقبت الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز من العام 2006&bascii117ll;وقد أوعزت قيادة الحزب الى عدد من كوادرها تجميع هذه الوثائق واعداد الملفات اللازمة تمهيداً لتوكيل فريق من الحقوقيين والخبراء والبدء في تجميع تواقيع من الاشخاص الذين تضرروا نتيجة هذه الحرب على مستوى فقدان الارواح وتضرر الممتلكات وما إلى ذلك لتوكيل عدد من المحامين لملاحقة هذا الملف امام القضاء اللبناني&bascii117ll;وتؤكد مصادر متابعة ان <حزب الله> قد حسم خياره بالسير في هذا الملف حتى النهاية، وان كلام امينه العام السيد حسن نصر الله كان واضحا في خطابه الأخير في هذا المجال، بعد ان أعطى الفرصة تلو الفرصة للفريق الآخر لطي صفحة الماضي والولوج الى المستقبل بروح من التعاون والتعاضد بعيداً عن سياسة الإستئثار وعدم الركون الى مبدأ الشراكة والتوافق في الحكم، ولكن لم يتجاوب هذا الفريق مع هذه الدعوة واستمر في الهجوم الممنهج حتى وصل به الامر حد التهجم على السلاح ووضعه في البازار السياسي مادة تستخدم في الوقت الذي يظنونه مناسباً&bascii117ll;وفي اعتقاد هذه المصادر ان هذا الملف قد فتح ليس ليغلق بعد مدة، بل ان <حزب الله> من منطلق إلتزامه الاخلاقي مع الاشخاص المتضررين سيمد يد العون لهؤلاء في سبيل احقاق الحق وكشف الذين ساهموا وحرضوا وارتضوا بالعدوان الذي الحق بهم أشد الضرر&bascii117ll;
وتقول المصادر ان هناك اناس عاديين قد أثاروا هذا الملف مع قيادة <حزب الله> بعد الذي قرأوه في الصحف وسمعوا عنه في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، في سبيل محاسبة من جاءت على ذكرهم التقارير الاعلامية في هذا المجال امام القضاء اللبناني وأبعد من ذلك إذا اقتضى الامر&bascii117ll; وتقول المصادر ان لديها من المعلومات التي تفيد بأن هذا الملف سيزخم اكثر مع قابل الأيام على مستوى منظمات وأطر مختلفة وجمعيات وأفراد، وأن هذا الموضوع قد سلكه طريقه الصحيح وهو بانتظار استكمال ما هو مطلوب من وثائق يحتاجه هذا الملف&bascii117ll; وفي رأي المصادر بأن أهمية الملف الذي يتم اعداده انه سيستند إلى قرائن ووثائق أميركية وموقعة في غالبيتها من السفير جيفري فيلتمان وخلفه السفيرة ميشيل سيسون، وهذا يعني ان البرقيات والمستندات هي قانونية ويُعتدّ بها لدى القضاء&bascii117ll;وتنفي المصادر أن يكون <حزب الله> قد طرح هذا الملف من زاوية سياسية، بل من زاوية اخلاقية، وهو الذي يملك معطيات ومعلومات منذ اندلاع حرب تموز حول تورط بعض القيادات اللبنانية في مساندة إسرائيل في حربها ضد <حزب الله>، وقد ألمح السيّد نصر الله في أكثر من مناسبة لهذا الموضوع، وكان جواب الفريق الآخر دائماً: إذا كان لديكم من قرائن ومعلومات موثقة فقدموها للرأي العام، لكن <حزب الله> كان يعلم علم اليقين انه مهما أخرج من درجه من معلومات ومهما كانت قيمة فان فريق <14 اذار> سيشكك بها، بل وسيذهب إلى حد اتهام الحزب بفبركة ذلك، لأنه على خصومة معه، اما اليوم فان من يكشف هذه المعلومات لا هو شيعي ولا هو مسؤول في <حزب الله>&bascii117ll;
وحول التوقيت المحدد للبدء في التحرّك نحو القضاء؟ تجيب المصادر أن السيّد حسن نصر الله سبق وأعلن في خطابه الأخير أن تكوين الملف القضائي ليس توقيت زمني، لكن بالتأكيد هناك ورشة قضائية ربما تكون الأولى من نوعها على المستوى اللبناني ستمسك بهذا الملف، لأن هناك من سترد اسماؤهم في الملف القضائي يتسلحون بالحصانة النيابية، وهذا يعني أن المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ربما يفتح أبوابه في حال كانت بعض جوانب هذا الملف من اختصاصه&bascii117ll;وفي رأي المصادر، انه كان يتوجّب على القضاء اللبناني التحرّك منذ اللحظة الأولى التي نُشرت فيها وثائق ويكيليكس على صفحات إحدى الصحف&bascii117ll;ولم تستطع المصادر الإجابة عن مصير هذه الدعاوى في حال حصولها، تاركة للأيام أن تحكم في ظل ما هو موجود من صراعات سياسية وانقسامات على المستوى اللبناني&bascii117ll;
ـ 'النهار'
'غلبة السلاح' ضد البحرين
عبد الوهاب بدرخان:
عبثاً يحاول 'حزب الله' وضع نفسه في سياق الثورات العربية الراهنة. ولو قصر محاولاته على تجربته في المقاومة ضد اسرائيل لبقي مفهوماً ومحترماً. الا ان بروز ارتباطه العضوي بايران ومشاريعها بدّل النظرة اليه، لا لاسباب مذهبية وانما لان الشباب الذين يخوضون هذه الثورات ينفرون من طريقة تعامل النظام الايراني مع معارضته الاصلاحية، وبالتالي فهم لا يشعرون بأي قرابة فكرية او ايحائية بينهم وبين هذا النظام وتوابعه.
قد يكون الامين العام لـ'حزب الله' اصاب حين قال ان كل الكلام الاميركي عن حماية شعوب المنطقة واحترام حقوقها هو 'نفاق'. لكن السيد حسن نصرالله لم يدل برأيه في تصريحات متكرّرة ادلى بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني وحضا فيها الانظمة والحكومات العربية على 'الاصغاء لشعوبها' و'احترام مطالبها'، فيما كانت ميليشيات 'الباسيج' تنكل بالمتظاهرين في شوارع طهران، كما ان مجلس الشورى نفسه – وهو هيئة برلمانية – دعا الى اعدام الزعيمين المعارضين مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ولم يتردد احد اقطاب النظام في المطالبة بعزل كامل للرجلين ليحرما من رؤية افراد عائلتيهما ومن اي اتصال بخارج اقامتهما الجبرية، فلا هاتف ولا بريد الكترونياً.
ومن الواضح انه كلما اراد السيد نصرالله تجاوز الشأن اللبناني، حيث لـ'غلبة السلاح' وطأتها، لا يكون موفقاً، بل يجازف بارتكاب اخطاء لا مبرر لها. حدث ذلك بالنسبة الى مصر ابان حرب غزة، ورغم ان رأياً عاماً مصرياً كبيراً كان يشاركه انتقاداته لاداء النظام السابق في هذه الحرب، الا ان تطرقه الى الجيش المصري لم يكن مقبولاً وأحدث رد فعل معاكساً لما توخاه صاحبه. تماما كما حصل عندما علق مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي على 'ثورة 25 يناير' معتبراً انها من الهامات الثورة الايرانية، فكان ان تبرأ من كلامه اكثر المصريين قرباً من ايران وتعاطفاً معها.
وها قد تكرر الامر في حديث السيد نصرالله عن ازمة البحرين. فالاكيد انه اراد ان ينصر المعارضة الشيعية هناك وان يتضامن معها ويشد من أزرها. وليس مؤكداً انه وفّق في مسعاه. في المبدأ، هناك تفهم وتأييد لمطالب هذه المعارضة على المستوى العربي عموماً، وعلى المستوى الخليجي خصوصاً، بل ان المعارضين البحرينيين يحظون بتعاطف قديم متجدد وثابت، بصفتهم مواطنين متنورين واصحاب حق ويدركون طبيعة بلدهم والمنطقة التي يعيشون فيها. والامر الايجابي الذي سجل في الاعوام الاخيرة ان الحكم البحريني بدأ ينفتح رغم انه، هو ايضا، يعاني من ضغوط الاقليم ومن تراث طويل من التهديدات والهواجس. وفي الأزمة الراهنة، بمعزل عن التداعيات العنفية المؤسفة، كان ولا يزال باحثاً عن حل بالحوار. ولن يكون حل الا بالحوار.
لا مفر الآن من الاعتراف بأن خطأ استراتيجياً ارتكب في ادارة احتجاجات البحرين. جاء الخطأ خصوصاً من 'الاخ الاكبر' الايراني و'الاخ الاصغر' أي 'حزب الله'، اللذين اعتبرا ان الظروف نضجت للذهاب الى فرض منطق 'تغيير النظام' في البحرين، وقد اسديا النصح والتوجيه على هذا الاساس، بل ادارا الازمة راميين الى هذا الهدف. وبذلك استثارا التدخل الخليجي، الذي حصل في توقيت وبطريقة غير ملائمة لايران. كان السيد نصرالله محق حين قال ان معمر القذافي قد يذهب بليبيا الى 'لعبة الامم'، لكنه 'لعبة الامم' الاخرى التي حاولت ايران اخذ البحرين اليها. فهي و'حزب الله' استخدما شيعة البحرين للشروع في تحريك 'ورقة الشيعة' في الخليج، تفعيلاً لـ'النفوذ الايراني' الذي تتطلع طهران الى فرضه على الدول الكبرى في سياق المساومة على برنامجها النووي.
عدا الضرر الحاصل، ولو غير المقصود، للمعارضة البحرينية، فان السيد حسن نصرالله جنح الى مصادرة السياسة الخارجية للبنان والعبور بها الى افتعال خلاف بين الدولتين اللبنانية والبحرينية. كي يمكن بيروت ان تبرر للخارج ان زعيم حزب لبناني يقول انه يعرف قادة الانتفاضة في البحرين، بمعنى ان لهم علاقة بحزبه، وبالتالي يسمح لنفسه بالاساءة الى علاقة لبنان بدولة شقيقة. في الظروف العادية هذه مسألة تستوجب المحاسبة القضائية، لانها ليست مجرد رأي. أما في ظروف 'غلبة السلاح' فيصعب تصور موقف لبناني يليق بدولة.
في خطابه، السبت الماضي، خلال مهرجان التضامن مع الثورات العربية، انتقد السيد حسن الانظمة 'التابعة لاميركا' التي 'بدل' ان تبادر الى 'حوار صادق' واجراء اصلاحات حقيقية، تلجأ الى القمع. ومن الواضح انه يرفض عن حق، 'غلبة السلاح' في ليبيا واليمن والبحرين، لكنه لا يرى 'غلبة السلاح' في لبنان، ولا يرى ضرورة لـ'حوار صادق' في شأنها. وكما يخطىء في مقاربة المسائل الخارجية، بات يخطىء في الشأن الداخلي الى حد الاشارة الى ان التجمعات والخطابات (المقصود تظاهرة 13 آذار) تمت من دون ان يحصل أي أذى. ويؤمل بأن يكون صارماً في اللجوء الى القضاء لمحاسبة 'المتآمرين' في ما كشفته وثائق 'ويكيليكس'، لا ان يكون كلامه دعوة الى انتقامات اهلية. وفي أي حال، اصبح اللبنانيون يعرفون بفضل تلك الوثائق ما قاله فريق لبناني، لكنهم لن يعرفوا ابداً ما يقوله الفريق الآخر للذين 'يتآمر' معهم.
ـ 'السفير'
حملـة 'لا للسـلاح' مسـتمرة للـرد 'بالأسـلوب الموجـع' عندمـا يلمـس الحريـري أن 'المعارضـة أربـح وأريـح'!
دنيز عطاالله حداد:
لم يتخفف الرئيس سعد الحريري فقط من سترته يوم الاحد 13 آذار. كان يخلع معها فترة من الارتباك وتعثر الخطى. يومها حدد وجهته، وإن كان ما يزال يتلمس الطريق للوصول اليها. بدأ الحريري وفريقه يكتشفون الترجمة العملية لمقولة &laqascii117o;المعارضة أربح وأريح".
اختار شعار المرحلة &laqascii117o;لا للسلاح". وبغض النظر عن زيادة الانقسام الذي يولده هذا الشعار، وتشريعه للمزيد من ابواب الخلاف، الا ان &laqascii117o;الحريري مرتاح لكونه يقول خطاباً متماسكاً سياسياً وشعبياً، والأهم أنه ينسجم مع قناعاته في هذه المرحلة" على ما يشير مقربون منه.
نقاشات طويلة خيضت قبل اعتماد السياسة الحريرية الجديدة. يشرحها احد المطلعين عليها قائلا &laqascii117o;افترضنا ان تعالي الرئيس الحريري عن الجراح الشخصية والسياسية وترؤسه حكومة وحدة وطنية سيكون عنوانا لمرحلة جديدة. افترضنا ان للمحكمة الدولية مسارها، وان للبلد هموما ومصاعب تحتاج الى تكاتف الجميع. لكننا سرعان ما بدأنا نكتشف ان للشركاء المفترضين اجندتهم وأهدافهم وحتى أحقادهم".
يطيل في شرح محطات المرحلة السابقة، لا سيما المتعلقة منها بالمحكمة الدولية، وصولا إلى استقالة الحكومة ومن ثم ما يسميه &laqascii117o;انقلاب القمصان السود". لا ينكر القيادي نفسه أن &laqascii117o;خروج الحريري من الحكم بهذه الطريقة شكّل صدمة له ولجمهوره. هي ليست صدمة التخلي عن السلطة كما يروّج بعضهم، إنما من الدرك الذي وصل إليه البعض في فرض خياراته بعي/دا عن أية حساسية وطنية أو حرص على الشراكة". ويؤكد &laqascii117o;لقد استوعبنا الرسالة وأبعادها وقررنا الرد بالمستوى الموجع نفسه إنما على طريقتنا. فلا عنف ولا سلاح ولا استدعاء للقوة والتهديد والخطاب التخويني المتواصل".
أما في شرح سبل الرد وتفصيلها فيكتفي القيادي &laqascii117o;المطلع" على الابتسام والتكرار &laqascii117o;كل شيء في أوانه. والخطوات بدأت تتوالى". في الحلقة الحريرية الضيقة هناك من يراقب ويتابع ويستمع ويبتسم ويعكس ارتياحاً. يحاول نائب &laqascii117o;مستقبلي" نشيط ان يسجل اسباب الارتياح لدى فريقه. ينطلق &laqascii117o;من المبدأ حيث المعارضة دائماً اكثر جاذبية. فحين كنا في الحكم لم نستطع ان نحكم. عطّلونا تحت عشرات الذرائع والعناوين فما من بلد يحارب فيه الوزراء بعضهم البعض عبر وسائل الإعلام الا في لبنان".
يتوقف النائب الأزرق نفسه عند &laqascii117o;نجاح تظاهرة 13آذار حيث استطاع عنوان رفض السلاح ان يعيد الحيوية الى الشارع وتستعيد الساحة نبضها وشبابها. فالناس نزلوا ليقولوا لا للسلاح ولم يهتموا حتى لما قاله زعماؤهم على المنبر. الشعار خاطب وجدان الناس ووضع الإصبع على الجرح". ويستفيض نائب ثان بقوله &laqascii117o;حملة لا للسلاح موفقة على كل المستويات. فهي تنسجم مع فكرة الدولة التي ننادي بها والتي يفترض ان تحتكر السلاح. وهي لاقت صدى عند الناس الذين تعبوا من ظهور فريقنا وكأنه ضحية وعاجز عن المبادرة. الناس في اعماقها تتماثل مع الأقوياء اكثر من تماثلها مع الضحايا. ونحن لن نقبل بعد اليوم باستضعافنا. نحن اقوياء بالحق والمنطق وقد خلعنا عنا وعن جمهورنا عباءة الخوف والخضوع لمنطق التخويف". في القراءات &laqascii117o;المستقبلية" أن التصويب على السلاح يربك الفريق الآخر. &laqascii117o;هو اسقط في تعامله معنا كل المحظورات ونحن بالتالي في حل الا من التزاماتنا الوطنية. وبالتالي فليتصرفوا كأكثرية وليحكموا وسنعارض كما نفهم المعارضة. ويا مرحبا بهم في ساحات القضاء كما يلوحون. ولكن لنحتكم الى القضاء بشكل مطلق وليس استنسابي".
يرفض &laqascii117o;المستقبل" اي كلام &laqascii117o;عن مقايضة مزعومة بين السلاح والمحكمة الدولية. فالعدالة من ثوابتنا. وهي خيار أخلاقي في مواجهة الاستهداف والقتل ومحاولات الإلغاء". وفي الكواليس ثمة من يهمس &laqascii117o;ان زمن ردود الافعال قد انتهى. نحن من سيضع الاجندة ومن سيبادر. ليواصلوا استهداف المحكمة الدولية وليفبركوا في كل يوم اخبارا وليشتروا وثائق وينشروا منها ما يريدون ويحجبوا ما يختارون. لكن هذا لن يغيّر في الحقائق والوقائع والخيارات".
في &laqascii117o;شد العصب" الشعبي، ثمة تقييم ايجابي لزيارة الحريري الى طرابلس &laqascii117o;والاستعداد لزيارة مناطق اخرى". لكن ماذا عن &laqascii117o;العصب" السياسي؟ كيف السبيل الى ترجمة شعار &laqascii117o;لا للسلاح" بعيداً عن اللعب مع الفتنة وشياطينها؟ يبدي القيادي في &laqascii117o;المستقبل" انزعاجه من صيغة السؤال. ويقول &laqascii117o;يحمل السؤال في طياته ما يتم الترويج له من كون أي مس بالسلاح يعني الفتنة والاقتتال. هذا تهديد لا نرضاه. فالسلاح في المبدأ لمواجهة العدو وليس للاقتتال الداخلي. وبالتالي فإننا متمسكون بشعارنا: لا للسلاح"، الا اذا كان في يد الدولة وبإشراف قواها الأمنية. وكل خطاب مغاير هو التفاف على ابسط مبادئ السيادة الوطنية وقيام سلطة مركزية قوية تفرزها انتخابات ديموقراطية، تحكم وفق الدستور وتملك زمام القرارات الوطنية المصيرية. وكل ما عدا ذلك يستدعي الفتنة. ونحن كسرنا الحلقة المفرغة التي شاؤوا وضعنا بها. ولا عودة الى الوراء".
ـ 'السفير'
مـن قتـل نبيـل زغيـب؟
جعفر العطار:
في الرسالة التي وجدت إلى جانب جثته، والمدونة بخط يده الحزين، طلب سماح وسلام.
في الرسالة التي وجدت على مقربة من الجثة التي تدلت في فضاء الغرفة أمس الأول، ورأسها يترنح ذات اليمين وذات الشمال، كتب نبيل زغيب، وكان خمسينياً، يقول: &laqascii117o;يا ربّ، سامحني على هذا العمل المحرّم. يا رب، لم يعد في اليد حيلة. ليس لي مهنة تسدي لي جوع أولادي، وليس لي مسكن. يا رب، ضعفت حيلتي، ولم أقو على إعالة عائلتي. يا رب، سامحني".
وإلى أحبائه توجه مودّعاً: &laqascii117o;سامحوني. فأنا ضعيف. سامحوني، فمن يقدم على الانتحار ليس إلا ضعيفاً. إنها شيم الضعفاء. سلامي إلى ابنتي ديانا، وابنيها محمد وإبراهيم".
وخطّ، في الختام، سطوراً موجهة لرجل دين، له صورة معلّقة على الجدار في المنزل المفجوع، تقول: &laqascii117o;أرجو من سماحتكم إسداء طلب خاص: ثمة ثلاثة شبان عاطلون عن العمل. ثلاثة شبان لم توفقني الحياة بإعالتهم. وشكراً". بعدها، رفع الملاءة البيضاء في فضاء الغرفة، وأحكم الوثاق حول يديه وقدميه كي لا يعود عن قرار يتخذه للمرة الثانية. لمّا دخل ابنه إلى الغرفة، وجد جثة الرجل الذي بلا عماد أو سند، وقد نجح هذه المرة في قتل نفسه، في قتل فقره وعوزه. &laqascii117o;لم يقتل نفسه"، قال الإبن، &laqascii117o;ساسة لبنان هم من قتله. قسوة قلوبهم، وعظمة جنونهم، وحبهم لذواتهم، هي التي أحكمت شدّ الملاءة البيضاء ولفّها حول عنقه".
بعدها، تحوّل الرجل إلى جثة معلقة في فضاء غرفة. جثة أب لأولاد أربعة، ثلاثة شبان منهم عاطلون عن العمل.
جثة ساهم في قتلها كل أمير طائفة. جثة أعدمها كل رئيس ووزير ونائب. جثة كان صاحبها، ذو الشعر الخفيف الأشيب والقامة الطويلة، يقابل فلذات كبده بالدموع قائلاً: &laqascii117o;لقد أغلقت الدنيا أبوابها في وجهي. طرقت أبواب الجميع، لكنها بقيت موصدة". رحل الرجل الذي طُرد، قبل خمس سنوات، من وظيفته في أحد المطاعم، بسبب الطائفة المدوّنة على سجل قيده. رحل الرجل الذي ضاقت به الدنيا حتى حمل جسده إلى العراق، تاركاً ابنه العليل، قبل أن يعود خالي الوفاض، مكسوراً، إلى حيث كان: لا طعام، ولا مسكن، ولا ملبس. أبواب موصدة.
رحل الرجل الذي ودّع، قبل موته بأسبوعين، ابنه زاهد، قائلاً: &laqascii117o;الفقر في الوطن.. غربة". رحل نبيل زغيب، لينام، بهدوء، إلى جانب محمد البوعزيزي، وفراس حيدر، وخالد سعيد، وحسين زعتر...
رحل نبيل زغيب. هو لم يشعل النار في جسده النحيل، لينتفض أهل بلده على طغاتهم، بل أراد لموته أن ينام معه، بهدوء، كأنه يعرف بأن بلاده لا تشبه تلك البلاد. هو يدرك بأن موته ليس كموت البوعزيزي، أو خالد سعيد.
موتٌ أبكم، ذو صدى لا صوت له، أصمّ، وعيون لا ترى في موت الفقير إلا الانتحار. عيون لا ترى، لن تفتح أهدابها بغتةً. جثة معلّقة في غرفة.
ـ 'الشرق'
لبنان يدفع ثمن مغامرات حزب إيران!
ميرفت سيوفي:
أول غيث ما ستدفعه الدولة اللبنانية الصامتة والعاجزة والشعب اللبناني معها والآلاف من الشباب اللبناني الذي يعمل في منطقة الخليج العربي سيكون أثماناً باهظة جداً ترتّب أعباءً مخيفة على الاقتصاد اللبناني وسياحته والأموال التي تدخل لبنان عن طريق أبنائه الذين تشكل تحويلاتهم المالية مضخة أساسية في عصب الحياة اليوميّة، لم يحتج الأمر أكثر من بيان في سطر واحد: &laqascii117o;نصحت الحكومة البحرانية مواطنيها بعدم السفر الى لبنان خوفاً من اعتداءات محتملة"، لزمت الدولة اللبنانيّة خرسها المزمن وحتى الساعة لم يرفع مسؤول لبناني الهاتف ليعتذر من المملكة البحرانية عن هذا التدخل السافر لحزب ـ يفترض أنه لبناني ـ لا يحقّ له التدخل في شؤون دول العالم العربي، هذه الترجمة الحقيقيّة للثلاثيّة الكاذبة التي أسقطت عمداً وعن سابق تصوّر وتصميم كلمة &laqascii117o;الدولة" من تلك الثلاثية الوهميّة، عملياً بات لبنان يعيش تحت رحمة &laqascii117o;الوكيل الشرعي" لمرشد الجمهورية الإيرانية، لقد دخل لبنان عملياً تحت مظلة &laqascii117o;مرشد الجمهوريّة اللبنانيّة" والناطق الرسمي باسمها!!
حتى الساعة نجحت البحرين ومعها مجلس التعاون الخليجي في &laqascii117o;كسر القبضة الإيرانيّة" التي تسلّلت إلى أراضيها مدعومة بمدد رسمي من حزب إيران اللبناني لتوأمه حزب البحرين الإيراني، وكانت مصادر الأجهزة الأمنية البحرانية قد كشفت أن عناصر ينتمون الى حزب الله قد دخلوا المنامة قبل فترة قصيرة بقصد الزيارة بعدما أوهموا الأجهزة المعنية أنهم مسيحيون وأن زيارتهم بقصد التجارة والسياحة، وأنه تم إلقاء القبض عليهم أثناء قيامهم ببعض الأعمال التخريبية، وقد علمتنا تجربة خلية محمّد شهاب في مصر أنّ حزب الله يمتلك سيطرة استخدام أوراق ثبوتية حقيقيّة لمواطنين لبنانيين والتسلل بأسمائهم ومذاهبهم وطوائفهم إلى العالم العربي ليفسدوا أمنه بأجندتهم الإيرانيّة، يذكّرنا هؤلاء المسيحيّون السائحون في البحرين، بالإيرانيين السائحين على أرض المسيح قرب مقرّ معراب!!
لا يستطيع حزب إيران الهروب من واقع السعي الحثيث لإقامة دولة فارسية ـ شيعيّة في الشرق الأوسط والخليج العربي، ولحسن الحظّ صدّق حزب إيران وهمه بفوز مشروع الشرق الأوسط الإيراني الكبير، إلا أنّ ما صدر خلال الأيام الماضية عن أصوات إيران البحرانية والكويتيّة أيضاً فضح هذا المخطط وأسقطه بالضربة القاضية في المنطقة العربيّة... قد يكون التصريح الأخطر هو الذي صدر عن مساعد وزير الخارجية الإيراني منوشهر محمدي &laqascii117o;إن الأزمة المقبلة التي ستصيب منطقة الخليج بالشلل قريبا تتعلق بشرعية الأنظمة الملكية والتقليدية التي لن يكون في إمكانها البقاء في ظل الأوضاع الراهنة"، أما ياسر الحبيب فدعا إلى إقامة &laqascii117o;البحرين الكبرى" لتضم الكويت والبحرين والقطيف والإحساء في بيان أصدره كنواة أولى لتحقيق الوحدة الشيعية في منطقة الخليج، وهذه الدعوة أطلقها من أمام السفارة السعودية في لندن!!
وهذا ليس بجديد، ففي العام 1996 وخلال النصف الأول منه كانت إذاعة طهران لا تفتأ تثير الفتن والبلبلة وتدعو إلى التمرد على الدولة البحرانية والطعن في شرعيتها وقراراتها. ففي 13 شباط 1996 أعلنت عن دعوة لوقف الحركة التجارية لمدة يومين وفي 15 شباط 1996 دعت الإذاعة لعدم الاحتفال بعيد الفطر، ودعت في 2 أيار 1996 مواطني البحرين إلى العصيان المدني، وعدم الاحتفال بعيد الأضحى، وفي 22 آذار 1996 أعلنت إذاعة طهران: &laqascii117o;أن الحكومة البحرانية لن تستطيع الوقوف أمام مطالب الشعب البحراني"!!
ولكن، وما أشبه ما حاولت إيران تنفيذه في البحرين وفشلت بما نفّذته في لبنان ونجحت، فما اكتشفته الحكومة البحرانية في شهر أيلول عام 2006 كان مخطّطاً إيرانياً لشراء عدد من الأراضي في مختلف مناطق البحرين، في محاولةٍ شيعيةٍ لتغيير التركيبة السكّانية وتوزيع حلفائها على جميع المناطق، أليس هذا ما تمّ تنفيذه بمهارة في لبنان وما زال يُنفّذ؟! ختاماً؛ عود على بدء: &laqascii117o;قبل أكثر من ثلاثة عقود نشرت صحيفة محلية في إيران عام 1979 مقابلة مع آية الله صادق روحاني طالب فيها بضم البحرين إلى إيران زاعماً بأن أغلبية الشعب من الشيعة، وأن رغبتهم وولاءهم لإيران" هذا المخطط ليس سراباً بل يؤكد حجم المؤامرة الفارسية على المنطقة العربية، عملياً بدءاً من لبنان وقد ازدادت الصورة اتضاحاً مع الحديث الدائم لحزب إيران عن الأكثرية الشعبية، وحديث لاريجاني عن الـ40 في المئة التي يمثلها الشيعة من تعداد الشعب اللبناني، إنه السيناريو نفسه، أخطأت إيران في تصديق أوهام علي الكوراني العاملي فاستعجلت فضح مخططها في الخليج، ولبنان دولة وشعباً سيدفع ثمناً غالياً جداً بسبب هذا الدخول &laqascii117o;الاستعراضي" لأمين عام حزب الله على المشهد العربي المتوجس منه خيفة وشراً!!
ـ 'الشرق'
سني وشيعي!
اسامة الزين:
منذ الصغر ونحن نسأل أهالينا عن الفرق بين السنّة والشيعة طالما أن الإله واحد والقرآن واحد والنبي واحد. كان يُقال لنا بأن لا خلاف جوهرياً، ولكن هناك إجتهادات وتفسيرات مختلفة لبعض القضايا.
أكره الأمور، كانت بالنسبة الى الراحل الكبير السيد محمد حسين فضل الله هي التكلم عن السنّة والشيعة، على رغم أنه سيداً شيعياً، وبلا أدنى شك فقد جهد لتنظيم مؤتمرات ومحاضرات لإنماء خلاف دام مئات السنين، وأجاز لصحافي شيعي بتناول الإفطار خلال رمضان إذا سمع صوت المؤذن أياً كان مصدره، حتى لو كان من جامع سني.
الرجال الكبار لا يفرقون بين المذهبين، الصغار وحدهم. تعطلت سيارة مواطن ما قبل منتصف الليل بفعل ارتفاع حرارة المحرك، وبدأ بعملية تبريدها. فإذا بشاب يستقل دراجة نارية يقف الى جانبه ويسأله إذا كان بحاجة الى مساعدة. بدا الشاب لطيفاً ومهذباً. فأجابه صاحب السيارة بالإيجاب، فنزل عن دراجته وباشر بالمساعدة، ثم دار حوار بين الإثنين بدا ودياً، الى أن سأل الشاب صاحب السيارة عن إسمه وأين يسكن في إشارة واضحة الى أنه يريد معرفة مذهبه أو دينه فأجابه، وكان الإسم والعائلة والإنتماء يدلون بوضوح عن المذهب، فاستشاط الشاب غضباً وتغيرت ملامحه في ثوان، واكفهر وجهه ورمى بزجاجة الماء على الأرض، صارخاً كيف ساعدتك وأنت من هذا المذهب، فتدخل رجل من مذهب الشاب ووبخه قائلاً: ويحك!!
ـ 'الأخبار'
حكومة ميقاتي تنتظر صدمة من دمشق
نقولا ناصيف:
كلٌّ يراوح مكانه. الرئيس نجيب ميقاتي يشيع الأمل في تأليف حكومته بلا استعجال، والرئيس ميشال عون يجعل من حصته العربة التي تجرّ الحكومة، وحزب الله داخل قوى 8 آذار الممسكة بالغالبية لا يفرّط بميقاتي ولا بعون وعينه ـ كسوريا ـ على الخارج
على أبواب اليوم الـ60 لتكليفه ترؤس الحكومة الجديدة، لا يزال الرئيس نجيب ميقاتي تحت الوطأة المزدوجة التي تؤخر تمكنه من تأليفها: شروط الغالبية النيابية الجديدة، والغموض الذي يحوط بالفوضى الإقليمية التي تبقي لبنان في صلب التجاذبات وصراع المحاور. لا يبدو ميقاتي، في الأيام القليلة المقبلة على الأقل، جاهزاً لتوقع إبصار حكومته النور، من غير أن يوحي، في الظاهر في أحسن الأحوال، بأن الوقت يثقل عليه أو يعرّضه لإرباك جدّي يضعه أمام خيارات سلبية.
لا الدستور يقيّده بمهلة محدّدة لتأليف الحكومة، يعتذر عن عدم التأليف على أثرها. ولا رئيس الجمهورية ميشال سليمان في وارد التدخّل لديه لاستعجال التأليف ما دام يتفهّم مبرّرات التأخير، ولا يتحمّس للاستعجال، ولأنه المعبر الدستوري لصدور مرسوم تأليف حكومة يريدها أن ترضيه. ولا حزب الله وحلفاؤه في قوى 8 آذار يبحثون عن رئيس للحكومة سوى ميقاتي، ويعرفون أن الحكومة لن تكون في نهاية المطاف إلا على صورة الغالبية النيابية الجديدة.
تعبّر عن هذا المنحى معطيات منها:
1 ـ إن الرئيس المكلف لن يكون في وارد الاعتذار عن عدم تأليفه حكومته الثانية إذا طال أمد تعذّر التأليف.
2 ـ رغم أن اجتماع الرئيس السوري بشّار الأسد بنجل العاهل السعودي ومستشاره الأمير عبد العزيز، الأسبوع الماضي في دمشق، لم يتطرّق إلى الأزمة الحكومية اللبنانية، رغب الأمير الزائر ـــــ قبل أن يسهب في الخوض في أحداث البحرين ـــــ في إجراء غسل للقلوب بين والده الملك والرئيس السوري، من خلال الرسالة التي حملها إلى الأخير، في ظلّ انقطاع الاتصال بين عبد الله والأسد منذ 10 كانون الثاني الماضي. أبرز عبد العزيز للأسد مبرّرات انطوت على انهيار التسوية السعودية ـــــ السورية في لبنان، وفتح باب معاودة الحوار بين البلدين في الملفات التي يشتركان في مقاربتها.
إلا أن سياسيين لبنانيين بارزين كانوا قد حصلوا على هذه الانطباعات من مسؤول سوري رفيع المستوى، لاحظوا بعض الحرارة في الحديث عن العلاقات السعودية ـــــ السورية نجمت عن سعي الرياض إلى وقف القطيعة مع دمشق، ومبادرتها بطلب دور سوري لدى إيران لوقف تدخلها في أحداث البحرين، تأكيداً لاعتراف العاهل السعودي بالحاجة إلى وساطة الأسد في تحقيق الاستقرار في المنطقة، وخصوصاً في الخليج العربي.
وليست هذه المرة الأولى التي يضطلع فيها الرئيس السوري بدور كهذا. كان قد دُعي في النصف الثاني من السنة الماضية، في عزّ الحوار السعودي ـــــ السوري في الملفات الساخنة في لبنان (تسوية س ــ س بين الرئيس سعد الحريري وحزب الله) والعراق (تسمية نوري المالكي رئيساً للحكومة) واليمن (المواجهة الدامية بين الحوثيين ونظام الرئيس علي عبد الله صالح دفعت بالجيش السعودي إلى التوغّل داخل الحدود اليمنية بمقدار ما حملت الحوثيين على اختراق الحدود السعودية إلى 27 قرية سعودية). نجح تفاهم عبد الله والأسد في اليمن الذي استقر إلى حين، وأخفق في العراق بعدما عارضت المملكة المالكي، واستمهل في لبنان أشهراً إضافية إلى أن انهار تماماً مطلع السنة الجديدة.
والواقع أن أحداث البحرين، والتشجيع الإيراني للانتفاضة الشيعية في المملكة، أظهرا حتمية الحوار السعودي ـــــ السوري لإعادة الاستقرار هناك، إلا أنه يمهّد أيضاً لفتح الأبواب على الأزمة الحكومية اللبنانية.
3 ـ لا لبس في أن إصرار دمشق على تجاهل الأزمة الحكومية اللبنانية وعدم رغبتها في ممارسة أي ضغط على حليفيها اللذين يشتركان في التأليف، وهما الرئيس المكلف وقوى 8 آذار، يفسّر عدم استعجالها هذا التأليف. وكان عاملون على خطوط الانتقال بين بيروت ودمشق قد نصحوا الرئيس المكلف بزيارة العاصمة السورية، ومفاتحة الأسد في العقبات التي يواجهها على طريق التأليف. وقد بات حلّها يحتاج ـــــ على جاري العادة ـــــ كما مع حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة عام 2008 وسعد الحريري عام 2009 إلى مفتاح سحري يحمله الرئيس السوري. قيل أيضاً لميقاتي باختصار المسافة وتكليف شقيقه طه ميقاتي، بعد عودته من البرازيل، التوجّه إلى دمشق للغاية نفسها نظراً إلى العلاقة الوطيدة التي تجمعه بالرئيس السوري.
وتوخت هذه النصيحة التأكيد لميقاتي أنه لا أمل في إبصار حكومته النور بلا صدمة حقيقية وفاعلة مصدرها دمشق.والواضح أيضاً أن الرئيس السوري سيتدخّل في التوقيت الملائم، عندما يصبح تأخير التأليف عبئاً ثقيلاً على الجميع.
4 ـ منذ تكليفه ترؤس الحكومة، أجرى ميقاتي أربع مقاربات لصورة الحكومة التي يريد تأليفها، أخفق فيها جميعاً:
أولى، حكومة تشترك فيها قوى 8 و14 آذار.
ثانية، يشترك فيها ممثلون لقوى 14 آذار كالنائب تمّام سلام وحزب الكتائب، ولا يكون بينهم تيّار المستقبل الذي رفض سلفاً الانضمام إلى حكومة ميقاتي.
ثالثة، حكومة يحصل فيها ميقاتي مع رئيس الجمهورية ورئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على الثلث +1 من مقاعدها، لإحداث توازن في الحكومة بين هذا المثلث وقوى 8 آذار، وبغية استبعاد أي طابع يسمها بحكومة اللون الواحد أو حكومة حزب الله ويستفز بها المجتمع الدولي.
رابعة، حكومة تكنوقراط تمثّل مخرجاً مقبولاً وبديلاً من استمرار الأزمة الحكومية المفتوحة.
إلا أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، رسم السبت الماضي في الاحتفال التضامني مع الشعوب العربية، إطاراً جديداً ومختلفاً لحكومة ميقاتي وفق ثلاث قواعد: لا رئيس مكلفاً سوى ميقاتي الذي سمّته الغالبية النيابية الجديدة، وهو تالياً ليس رئيساً توافقياً، الأكثرية الجديدة ستؤلف الحكومة، لا لحكومة تكنوقراط.
ورغم أن القواعد الثلاث هذه تناقض ما أشاعه الرئيس المكلف على مرّ الشهرين المنصرمين، بتأكيده تارة أنه رئيس توافقي في معرض الدفاع عن وسطيته، وأنه لا يؤلف حكومة اللون الواحد التي تمثل فريقاً سياسياً واحداً هو نفسه الغالبية النيابية الجديدة، أي قوى 8 آذار، وأنه يتحمّس لحكومة تكنوقراط يرتاح إليها اللبنانيون، حتى وإن لم تنل الثقة في مجلس النواب بيد أنها تفتح الباب على مرحلة سياسية جديدة... رغم ذلك كله لم يقع الطرفان المعنيان بالتأليف في محظور الخلاف السياسي:
ـ لا حزب الله يمارس ضغوطاً على حليفه رئيس تكتّل التغيير والإصلاح لتليين تصلّبه في شروط تمثيله في الحكومة الجديدة.
ـ ولا الرئيس المكلف يبدو مستعداً لإعطاء الجنرال ما لم يُعطه إياه أي من السنيورة والحريري في الحكومتين السابقتين، لأسباب بعضها يتصل بالصلاحيات الدستورية لرئيس مجلس الوزراء، والبعض الآخر المتعلق بالوجهة السياسية يرتبط بمقدار تسليم ميقاتي بشروط شركائه في الائتلاف الحكومي في مؤشر إلى رضوخه للضغوط ومن ثمّ التنازل بإزائها.
كل ذلك مع تيقن قوى 8 آذار من أنها ـــــ خلافاً لما يعلنه الرئيس المكلف ـــــ ستحصل على ثلثي الحكومة الجديدة.
ـ 'الأكثرية'
أكثرية تتلكأ في الحكم
فداء عيتاني:
غريب أمر قوى 14 آذار، التي تحولت أخيراً إلى المعارضة ولم تسر بها خطواتها الأولى بعد. وغريب أيضاً أمر قوى الأكثرية الجديدة التي استعجلت الإمساك بالسلطة ثم بدأت التلكؤ حين وصل الأمر إلى ممارستها. قوى 14 آذار تستعجل الانقلاب على حكومة لم تتألف، وتستعجل رحيل رئيس حكومة لم يبدأ اختيار فريقه ولا الحكم فعليّاً، وهي تحسم المواقف منه ومن أدائه قبل أن يبدي الرجل أي أداء وأي مواقف سيتخذها.
الصبر هو ما ينقص هذه القوى، وعدم قدرتها على الممارسة السياسية خارج السلطة، فهي كانت القوة الضاربة والحاكمة بأمرها في زمن التحكّم السوري في لبنان، وهي القوة التي تكفّلت الاستيلاء على السلطة في حقبة محاولة السيطرة الأميركية الإسرائيلية على القرار اللبناني.
الصبر هو ما ينقص هذه القوى، وهي التي يفترض أن تبقى خارج السلطة من اليوم وحتى الانتخابات النيابية في عام 2013، وما يفسد متعة مراقبتها وهي تتعثر في خطابها المعارض، محاولتها تسريع سقوط الحكومة، التي لم تتألف بعد، وإعادة صياغة شعاراتها القديمة بقوالب جديدة، فتخرج بمزيج طائفي ومذهبي لا ينجح حتى في التستر بوطنية مزعومة.
إلا أن ما يفسد المتعة أكثر في مراقبة المشهد اللبناني هو أداء قوى الأكثرية الجديدة، التي يفترض أنها تمكّنت من سحب السلطة، والأكثرية النيابية من بين أيدي تيار المستقبل والأطراف المشاركة في 14 آذار. لكن قوى الأكثرية الجديدة لم تتمكن بعد من صياغة رؤية موحّدة تجاه ما تريده بالضبط.
فهذه القوى تتنوع نظرتها إلى رئيس الحكومة المكلّف ودوره، وكانت خلال أسابيع المفاوضات البطيئة السابقة تنقسم حول دور رئيس الحكومة والمطلوب منه. بعض هذه القوى التي تمثّل الأكثرية تعلم أن لرئيس الحكومة دوراً، وعليه التزامات، سواء أراد أو لم يرد، فهو لن يبدأ بإطلاق الشعارات الرنانة، ولن يقف خارج دائرة تقاسم النفوذ، وعليه في الحد الأدنى، بصفته رئيس حكومة آتياً من خارج قوى الثامن من آذار، أن يحصل على فريق عمل مساعد، وأن يحتكم إلى توافق مجلس الوزراء في اتخاذ القرارات الرئيسية، وهو الأمر الذي يدركه الطاقم التقليدي في السلطة من وليد جنبلاط إلى نبيه بري.
لكن الرأي في أماكن أخرى مخالف تماماً، فلا يمكن إقناع ميشال عون مثلاً بالحصص، وبتقديم أسماء ذات كفاءة وصدقية ويترك للرئيس المكلف مفاوضته على حقائبها. ومن ناحية حزب الله، من الصعب إقناع قيادته بأنَّ ترك الأمور للمراوحة والاكتفاء بالقول إنهم مستعدون لتقديم التسهيلات من طرفهم، لكنهم لن يناقشوا ميشال عون بأي أمر. هذا يؤدي إلى تآكل في انطلاقة الحكومة الجديدة التي يفترض أن تنقل البلاد من نقطة إلى أخرى على أكثر من مستوى.وإن كان التريث السوري أمراً مفهوماً، وكذلك العناية السورية بكل الأطراف اللبنانية التي تقيم مع دمشق علاقات الود، وعدم رفض أي مطلب يسمعه أركان النظام في سوريا من زوّارهم اللبنانيين، فالسير خلف الكلام السوري الدبلوماسي بمفرده أدى إلى شنّ حملات جانبية على الرئيس المكلف لم تضر إلا بقوى الأكثرية النيابية الجديدة.من الممكن إتعاب الرئيس المكلف إلى أقصى حدّ من الأطراف التي سمّته لتبوّء هذا المنصب، ويمكن إرهاقه بالمطالب والمفاوضات البطيئة المضنية، لكن إيصال الرجل إلى الاعتذار أمر مستبعد، فلا قوى 14 آذار يمكنها بمفردها دفعه إلى ذلك، ولا قوى الأكثرية النيابية الجديدة متفقة على التخلي عنه وإحراقه. وإن كان هو سيخسر في حال الاعتذار القليل، فإن الخسارة الحقيقية ستقع على قوى الأكثرية الجديدة، التي إذا سمت شخصية موازية بالمواصفات لميقاتي فستكتشف صعوبات إضافية متوقعة وغير متوقعة في التأليف، وستعطي كذلك المزيد من الوقت للأقلية الجديدة للمزيد من الضغط على موقع رئاسة الحكومة.
وإن كانت الأكثرية الجديدة (باستثناء وليد جنبلاط ونبيه بري) ترغب في أن تحول أي رئيس حكومة إلى مجرد منفّذ لقراراتها التي تأخذها بعد اجتماع عدد قليل من القيادات السياسية في الليل وبعيداً عن السمع، فإن عليها أن تعيد اختيار شخصيات من عيار آخر، شخصيات لا تطمح إلى أن تكون رجال دولة، أو بناء شخصيات سياسية مستقلة، ولو بالحد الأدنى. وإن كانت هذه القوى تعتقد أن مصلحتها تقتضي قيام توازن سياسي ما في إدارة البلاد، فإن من البديهي أن تقدم تنازلات من مقدراتها في التحكّم بالبلاد عبر تمثيلها طوائف محدّدة، لمصلحة جهد جماعي يقوده رئيس الحكومة المقبلة، أيّاً كان، ويبقى نقاش حجم تمثيل رئيس الجمهورية في الحكومة قابلاً للنقاش والاعتراض من ميشال عون.