- 'النهار'
الارتداد السوري لطمأنة الحلفاء أم لتحويل المواجهة إلى لبنان ؟..صيغة 3 عشرات مجددا للبحث وعون لم يعط جواباً
هيام القصيفي:
بعد اكثر من شهرين من المراوحة الحكومية، برزت في الساعات الاخيرة بعض ملامح حراك على جبهة قوى 8 آذار لتحقيق خطوات ملموسة لفك الاشتباك العالق بين مجموعة من أزمات الثقة اكثر مما هي ازمات حقائب واسماء.وبحسب مصادر معنية ومواكبة لمشاورات التأليف، فإن ثمة اسبابا موضوعية ادت الى الدفع في اتجاه احداث اختراق في المفاوضات، وهي كناية عن عوامل سورية ولبنانية مجتمعة. في الموضوع السوري، ثمة رغبة في تأكيد هدوء النظام السوري واستكانته الى وضعه انطلاقا من الخطوات الاصلاحية التي يريد ان يحققها تنفيذا لارادة المجتمع الدولي والتي وصلت اليه عبر الحلفاء قبل الاعداء، وعلى رأسهم تركيا وروسيا. وترسل دمشق وفقا لعدد من المطلعين على احوالها رسائل اطمئنان الى حلفائها، وتبعا لذلك تتعاطى الاكثرية الجديدة في لبنان مع التطورات السورية الاخيرة على انها في طور التطويق، وان دمشق لم تتأثر بها على نحو يمس دورها اللبناني. لا بل ان العاصمة السورية تدفع مجددا في اتجاه التعجيل في الخطوات الحكومية، لان لا مصلحة لها في ترك حلفائها يتهاوون في خندق الانتظار بعدما حققوا انتصارا على قوى 14 آذار في اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري.لكن ما هو ابعد من نظرة قوى 8 آذار، أن مصادر مطلعة تعاطت مع الدور السوري المستجد من زاوية مختلفة، اذ ان احد اسباب 'الستاتيكو' الذي عاشه لبنان حتى الآن كان رغبة سوريا باستبعاد اي تحديات عربية داخلية، وتحديدا مع السعودية، اذا ما شكلت حكومة اللون الواحد. لكن تطور الوضع السوري الذي ادركت دمشق مدى خطورته بدليل مستوى 'التنازلات - الاصلاحات' التي تقدمها تدريجا، جعلها تعيد النظر في التعجيل في خطوات تأليف الحكومة اللبنانية، بعدما باتت المعركة الخليجية والعربية واللبنانية مفتوحة بين تيارين متناقضين لا لبس فيهما. وبدا واضحا ان الحملة التي يقودها الحريري وتوَّجها امس بخطابه عن الدور الايراني في مثابة تكريس واضح المعالم لافق المعركة الحالية.من هنا تعاظمت الخشية مجددا في الساعات الاخيرة ان تكون دمشق تدفع في هذه الآونة نحو حكومة من لون واحد لتحويل الانظار عما يجري عندها، ولجعل لبنان مجددا ساحة مواجهة اقليمية ودولية. فأمام الحكومة المرتقبة ثلاثة تحديات اساسية، المحكمة الدولية وعلاقة لبنان بها، وتداعيات القرار الاتهامي، ووضع المصارف اللبنانية، والتلويح بوقف المساعدات القتالية للجيش اللبناني. وهذا يعني انضمام لبنان الى احدى ساحات الشرق الاوسط المتفجرة. وتبعا لذلك، يبدو طرح السؤال منطقيا من جانب المعارضة. الى أي حد يمكن رئيس الوزراء المكلف مواجهة ضغط الاسراع في التأليف، ومواجهة كل هذه التحديات التي اصبحت تثقل الملف اللبناني؟ والى اي مدى يساهم الاسراع في احراج ميقاتي، بعدما لوحت له المعارضة اكثر من مرة بامكان ابداله؟ وهل ما يحدث اليوم اختبار لمدى التزام ميقاتي ما ترسمه قوى 8 آذار التي اتت به رئيسا للحكومة؟
حكومة ثلاث عشرات
لا شك في ان محاولات فكفكة العقد الاخيرة بدأت تنتشر في اجواء الاكثرية الجديدة، وليس لدى المحيطين بالرئيس المكلف. حتى ان احد المطلعين على المشاورات، يختم حديثه بعبارة 'اذا التزم ميقاتي'. الى حد ان ثمة انطباعا يتداوله متابعو التأليف وهو ان الرئيس المكلف لن يشكل الحكومة ولو بطلت الحجة التي يستخدمها، وتنازل رئيس تكتل 'التغيير والاصلاح' العماد ميشال عون عن حصته من 12 وزيرا الى 8 وزراء.ويتحدث هؤلاء عن تحديات لبنانية باتت تفترض الاسراع ولكن من دون تنازلات دراماتيكية. فالحريري بات يتصرف اخيرا وكأنه رئيس الحكومة، وباق الى 'ان يقضي الله امرا كان مفعولا'، وزياراته الاقليمية المتعددة الاتجاهات، والاجتماعات الوزارية تعطي انطباعا انه يستفيد من الوقت الضائع الذي تعيشه قوى 8 آذار ليعزز مواقعه على اكثر من جبهة، مناطقية ومحلية واقليمية. وهذا يفترض في قوى 8 آذار ان تعمل لاستعادة زمام المبادرة قبل ان تنتهي صلاحية الانتصار الذي حققته يوم قدم وزراؤها استقالتهم من حكومته.ولكن امام التشكيلة مجددا عقبات تتعلق بالتوزيع الذي بات من المرجح ان يكون قائما على ثلاث عشرات، ولكن بمفهوم مختلف عن المتعارف عليه، وهذا ما يرضي مجددا بعض الافرقاء ويثير استياء آخرين. وأفادت معلومات لـ'النهار' ان ميقاتي وافق على هذه الصيغة التي تضم عشرة وزراء من تكتل 'التغيير والاصلاح'، اي عشرة وزراء مسيحيين، لكن عون لم يعط بعد رأيه في هذه التشكيلة. وذكرت مصادر مطلعة ان العرض الجديد قد يدفع قدما نحو البحث في مرحلة جدية، من دون ان يشكل احرازا نوعيا على صعيد التشكيلة، التي لا تزال مفاوضاتها تسير خطوة خطوة، وحتى الساعة 'لا نزال بعيدين عن التشكيل'، بحسب هذه المصادر.وأفادت المعلومات انه بات محسوما استبعاد بعض المستوزرين عن الحقائب التي يدور عليها خلافات جدية، وقد بدأت المراجع الرسمية المعنية تطرح اسماء جدية بديلة، في وقت لا يزال تكتل 'التغيير والاصلاح' مصرا على ان تكون حقيبة الداخلية من حصة المعارضة. وقد استغربت اوساط الاكثرية الجديدة تعويم اسماء مارونية مستوزرة وهو ما لا يصب في خانة بعض القيادات المارونية، وخصوصا ان الموارنة الذين يصلون الى الحكومة يصبحون حكما مرشحين للنيابة او لرئاسة الجمهورية. وسط اصرار الاكثرية على ان سوريا لا تزال بعيدة عن التعاطي في الملف الحكومي اللبناني لانشغالها باوضاعها الداخلية، لا يزال السؤال الاساسي قائما: هل حان اوان حكومة المواجهة ام لم يحن بعد؟.
- 'النهار'
أوباما لن يستخدم القوة العسكرية ضد إيران
رندى حيدر:
هل يمكن أن يثير التدخل الدولي في ليبيا الخوف لدى إيران ويردعها عن مواصلة مساعيها للحصول على السلاح النووي؟ هذا ما ناقشه الخبير في الشؤون الاستراتيجية أفيغدور هازلكورم في مقال نشرته صحيفة'هآرتس' أمس. وكتب:'في مقال نشرته صحيفة الوول ستريت جورنال يوم 29 آذار، كتب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة ميخائيل أورن: 'إن العملية العسكرية للتحالف الدولي ضد ليبيا تشكل من جهة رسالة حادة إلى إيران، لكنها قد تؤدي من جهة ثانية الى اصرار النظام الإيراني على التحول قوة نووية اعتقاداً منه أنه بهذه الطريقة سيتجنب مصير القذافي. لذا فمن الأفضل حالياً طرح كل المبادرات على طاولة المحادثات، ووحده التهديد بالتدخل العسكري يمكن أن يقنع الأنظمة غير الديموقراطية بالتخلي عن الحصول على السلاح النووي'.لا يبدو كلام السفير دقيقاً. فالتدخل العسكري الدولي في ليبيا يجب أن يقلق إسرائيل كثيراً. لأن الحديث عن خوف الإيرانيين من قيام تحالف دولي قوي ضد نظام القذافي، وعن الدور الذي لعبته استراتيجية الرئيس الأميركي في تحسين قدرة الغرب على الردع في مواجهة إيران لا يبدو صحيحاً.أولاً من الواضح حالياً أن إدارة أوباما لا تتحرك عسكرياً إلا بعد فرض عقوبات دولية، أو بعد أن يتخذ مجلس الأمن قرارات تجيز استخدام القوة. علاوة على ذلك، ان كل هجوم على هدف في دولة إسلامية يجب أن يحصل على موافقة من طرف إسلامي دولي. ولا تتحرك الولايات المتحدة إلا بصفة كونها جزءاً من تحالف دولي، وتضع مهماتها في إطار المساعدة لا غير، ويجب أن تنتهي العملية العسكرية في وقت قصير نسبياً وبأقل قدر من الاصابات. إذ يرغب اوباما في أن يثبت ان استخدامه القوة العسكرية الأميركية يختلف عن استخدام جورج بوش لها.ونظراً الى ان أياً من الشروط المذكورة أعلاه لا ينطبق على موضوع إيران، فإن احتمالات أن تشن الادارة الأميركية هجوماً على إيران لوقف برنامجها النووي توازي الصفر. لا بل على العكس من ذلك فإن العملية العسكرية في ليبيا قد تحول انتباه واشنطن عن الحاجة إلى معالجة القنبلة الإيرانية. وإذا غرقت الولايات المتحدة في الوحل الليبي، فمن المحتمل ان تزداد المعارضة لها، مما سيمنع إدارة أوباما من القيام بعملية عسكرية جديدة في الشرق الأوسط. كما من المتوقع ان تعارض واشنطن كل عملية من شأنها تعريض الثورات الديموقراطية في العالم العربي للخطر.تبدو مطالبة السفير الإسرائيلي بموقف أكثر تشدداً من الإدارة الأميركية من إيران كأنها موجهة ضد سياسة البيت الأبيض حيال الموضوع، وكمحاولة لتبرير أي عملية عسكرية إسرائيلية من طرف واحد ضد إيران.إن المغامرة الليبية يجب أن تقنع إسرائيل بأن أوباما لن يستخدم القوة العسكرية ضد إيران لأنه يتخوف من أن يتحول بوش آخر'.
- 'النهار'
الأكثرية الجديدة تجد مرونة من ميقاتي ولكن هل يجرؤ على مواجهة التحديات الإقليمية ؟
ابراهيم بيرم:
قبل أقل من 24 ساعة سرت في نسيج دوائر القرار والتواصل في الاكثرية الجديدة أجواء تفاؤل فحواها أن عملية تأليف الحكومة العتيدة تمضي قدماً في طريقها المرسوم، وإن تكن الدوائر اياها تتحفظ كعادتها عن تحديد موعد زمني وشيك للولادة المنتظرة التي طالت.مبعث هذه الأجواء التفاؤلية امران اساسيان:الأول أن 'الخطوة العامة' لمسألة تأليف الحكومة قد جرى التفاهم عليها بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وبين الاكثرية الجديدة، بحيث تم الى حد بعيد مقاربة مشتركة من الطرفين للعقد الثلاث الاخيرة التي اختزلت اخيراً في ثناياها عوائق التأليف والمتصلة بمسألة تمثيل سنّة المعارضة ومسألة وزارة الداخلية وما تحجبه خلفها من تجاذبات وتعارضات تمتد ذيولها وتداعياتها الى مستقبل الوضع على الساحة المسيحية والصراع بين القوى التي تعتبر نفسها معنية بهذه الساحة، ومسألة الأحجام والتوازنات في داخل الحكومة المنتظرة وهي ما تعني بشكل او بآخر حدود العلاقة والمكانة والمرجعية بين الرئيس ميقاتي ورئيس الجمهورية من جهة، ومكونات الاكثرية الجديدة من جهة اخرى.
الثاني وهو الاكثر جدة، ان الايام القليلة الماضية شهدت تقاربا في الرؤى بين ميقاتي والاكثرية الجديدة حول ما له علاقة بمهمات الحكومة العتيدة على المستويين القريب والبعيد، وهي قضية كانت تمثل بالاصل هاجساً لدى المعنيين مباشرة بعملية استيلاد الحكومة، خصوصا بعد ظهور تعارضات بين الطرفين حول مسألة التأليف، استدعت مخاوف البعض من تكرار التجربة المرّة لحكومة الوحدة الوطنية التي أسقطتها المعارضة السابقة بالضربة القاضية في العشر الاواخر من كانون الثاني المنصرم.ولا ريب في أن لدى الدوائر عينها قراءة أخرى للأسباب والدوافع التي جعلت ميقاتي في وضع اكثر مرونة وقابلية للتأليف، ابرزها ان الرجل بات يقيم على اقتناع فحواه أنه لم تعد له مصلحة تسجل او فوائد تجنى من ممارسة لعبة الانتظار والتأجيل، بل على العكس صار التأخير في استيلاد الحكومة عملية استنزاف لرصيد ميقاتي وحلفائه.ويؤكد اكثر من مصدر ان الوزير محمد الصفدي، احد ابرز حلفاء ميقاتي، عبّر اخيراً عن استيائه من 'النهج' الذي يعتمده ميقاتي، وقد نصحه صراحة بأنه آن الاوان لتقديم تشكيلة حكومية ترضي بالحد الاقصى حلفاءه في الاكثرية الجديدة، وتحظى في الوقت عينه بثقة الناس ويكون في مقدورها ان تحكم، واستطراداً ان تقدم تجربة حكم متميزة وجديدة.ولم يخفِ الصفدي ان التأخير بات يحمّل المؤخِّر مسؤوليتين: الأولى اعطاء الرئيس سعد الحريري فرصة ان يكون سيّد لعبة تصريف الأعمال وسيّد 'المعارضة'.والثانية مسؤولية الانكشاف الأمني والاقتصادي والسياسي والذي بلغ حد التدهور بعد خطف الاستونيين السبعة وأحداث سجن رومية.ولا شك في ان الصفدي وسواه من الحلفاء الأقربين والثابتين لميقاتي، قد لفتوه الى اهمية تأليف الحكومة في عملية حماية 'رأس لبنان' من تداعيات 'التسونامات' الحاصلة في معظم البلدان العربية.والى ذلك كله، يبدو جلياً أن ميقاتي، صاحب الحسابات الدقيقة التي يجريها عادة وسط ستار من الكتمان، قد بدأ يدرك تماما ان كل ما ابتغاه وقصده بشكل مضمر من خلال هذا التأني المتعمّد احياناً والتمهل المدروس احياناً اخرى، يوشك أن يتحقق، فهو نجح الى حد ما في ان يقنع من يعنيهم الأمر بشكل مباشر او غير مباشر بأنه لم يفرّط بحقوق مركز الرئاسة الثالثة ورمزيته الطائفية والمذهبية، وذلك من خلال اثباته:
- أنه ليس 'صنيعة' اي جهة سياسية مما اسقط بشكل غير مباشر اتهامات فريق 14 آذار وتحديداً تيار 'المستقبل' له في بدايات قبوله بالتكليف.
- انه ناقش وجادل الى اقصى ما يكون الجدال والنقاش بأسماء مرشحي الافرقاء للتوزير وبالحصص والاحجام على نحو فاق بدرجات ما فرض على سلفه وما اضطر هذا السلف الى قبوله اخيراً.
- انه واجه حتى حدود 'المقارعة' المفترض أنهم حلفاؤه الجدد وانهم بأصوات نوابهم أتاحوا له فرصة بلوغ سدة الرئاسة الثالثة، بعدما تبدّى للجميع وكأن هذا المقعد صار حكراً على جهة معينة وفريق واحد.
- انه واجه برباطة جأش وبأسلوب يقترب من اسلوب 'التقيّة' كل الهجمات الضارية للذين ناصبوه الخصومة والعداء على الساحة السنّية و'جيّشوا' ضده مواقع يحسب لها الحساب، حتى كادوا، في بعض الاحيان، ان يخرجوه من الملّة.
وعلى رغم كل هذه المعطيات والمستجدات فان ما من احد يجرؤ حتى الآن على تحديد موعد ولو تقريبياً لاصدار مراسيم التشكيل، بل ان الثابت هو ان المسألة وضعت على 'السكة السليمة' المفضية الى حكومة جديدة يتعين وفق كل الحسابات والتقديرات ان ترى النور في مدى زمني معقول.ومع كل تلك المؤشرات التشجيعية، ثمة من لا يزال يصر على الحفاظ على مساحة اكبر من التحفظ والتخوف من تأخير الولادة، او بمعنى آخر من مسألة أن تتغلب العوامل الاقليمية المتسارعة على المعطيات الايجابية الداخلية، فيكون ذلك مقدمة اخرى للتأخير.ولا يخفي اصحاب هذه الرؤية 'التحفظية' ان ميقاتي تشجع على قبول التصدي لمهمة التأليف على جسامتها وثقلها، بعدما تلقى 'ايحاء' تركياً - سعودياً - قطرياً.ولكن الجلي ان هذا 'المحور' الثلاثي يكاد ينفرط عقده خصوصا في الآونة الاخيرة وبالتحديد بعد الأحداث التي شهدتها سوريا. وبمعنى أكثر وضوحاً هناك من يرى ان صراع المحاور في المنطقة يشتد ويعلو منسوبه بشكل غير مسبوق، ولعل ابرز تجلياته وتمظهراته هو الخطابات النارية المنطوية على مفردات ومصطلحات جديدة للرئيس الحريري.وعليه، فالسؤال المطروح لدى معتنقي هذه الرؤية التحفظية: هل في مقدور ميقاتي خوض الغمار وقبول التحدي واطلاق حكومة من ابرز مهماتها المواجهة على محاور وجبهات دائرية؟.
- 'السفير'
تحديات السياسة الخارجية الثورية
سمير كرم:
ليس من قبيل المبالغة او التضخيم في شأن الثورة المصرية ـ ثورة 25 يناير ـ ان توضع ضمن ـ او في مقارنة مع ـ الثورات التاريخية الكبرى التي عرفها العالم ابتداء من الثورة الفرنسية في اواخر القرن الثامن عشر، الى الثورة الاسلامية في إيران في اواخر سبعينيات القرن الماضي. يستند هذا التوصيف للثورة المصرية اكثر ما يستند الى حجم مصر ووزنها القومي والإقليمي والعالمي، ويستند الى تصور واقعي من العالم بأسره لمدى وسعة التأثير الذي ستحدثه في محيطها القريب والبعيد، كما يستند الى ردود الفعل المتباينة التي جمع بينها عامل التقدير من جماهير العالم ومفكريه، ويستند ايضا الى الطبيعة السلمية التي اتسمت بها هذه الثورة حتى وهي تواجه تحديات من الثورة المضادة الداخلية المتمثلة في بقايا وفلول النظام القديم الذي قوضته هذه الثورة او كادت. وقد اتضح إجماع حقيقي وموضوعي على مكانة الثورة المصرية بين الثورات الكبرى حتى وهي لم تكد تخوض فيما يواجهها، او ينتظر ان يواجهها من تحديات السياسة الخارجية. لقد شكلت تحدياً للسياسات الخارجية لأكبر وأقوى دول العالم ابتداء من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وبريطانيا وحلف الاطلسي ... وبطبيعة الحال اسرائيل، التي لا تزال تتخبط سياستها الخارجية بشأن الثورة المصرية بين توقعات وتصورات شتى. اما تحديات السياسة الخارجية الثورية التي سيتوجب على ثورة مصر ان تواجهها، خاصة بعد ان ينجلي الوضع العام المحيط بها والظروف الداخلية ـ اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى اخلاقية ـ فإنها ستضيف أبعاداً قصوى بالغة الاهمية الى قيمة هذه الثورة وقيمة تأثيراتها على الوضع الاقليمي والعالمي. ولقد سبق ان اشرنا في هذا المكان من &laqascii117o;السفير" الى ان من بين مبررات قيام الثورة المصرية ما يتعلق اساسا بالسياسة الخارجية لمصر كما مارسها النظام القديم، وما كان لهذه السياسة من تأثيرات سلبية على وضع مصر ومكانتها الاقليمية والعالمية فضلا عن دورها القومي. ونجد من الضروري ان نعيد تأكيد هذا القول لأن جموعاً كثيرة في المنطقة والعالم لا تأخذه مأخذ الجد او هي لا تتوقع ان تكون للثورة المصرية سياسة خارجية ثورية. وكل ما في الامر ان السياسة الخارجية تأخرت بعض الشيء لتتضح ملامحها وسماتها بعد ان اتضحت سمات التغيير والتحرير في السياسات الداخلية بقدر كاف. ولعل من الضروري في هذا المجال إلقاء نظرة سريعة على تحديات السياسة الخارجية التي واجهتها الثورات التاريخية الكبرى التي اشرنا اليها. فهذا امر ضروري لتأكيد اهمية السياسة الخارجية وكيفية تحديها في تجاوز الثورات وما يعترضها من اخطار خارجية. الثورة الفرنسية عندما تفجرت، كانت فرنسا في خضم تحديات خارجية بالغة الخطورة، متمثلة في عداء قوتين من قوى ذلك الزمان هما بريطانيا وألمانيا، بينما لم تكن الثورة الفرنسية تعول إلا على موقف تأييد وتعاطف من الجمهورية الاميركية الحديثة النشأة آنذاك، وما كان بإمكان البريطانيين او الألمان ان يتدخلوا لعرقلة الثورة الفرنسية من ناحية لخشية العدوى ومن ناحية اخرى، لأن الثورة فاجأت اوروبا كلها بانفجارها الهائل فأربكت حسابات القريب والبعيد. واستطاعت الثورة الفرنسية ان تجتاز اخطار السياسة الخارجية في سنواتها الاولى بالانشغال الكامل بشؤونها الداخلية. اما الثورة البلشفية (ثورة اكتوبرالاشتراكية) في روسيا، فكان التحدي الخارجي لها نابعاً اصلا من كونها ثورة استهدفت اوروبا بأكملها، بل استهدفت تغيير العالم بحكم الايديولوجية التي اعتنقتها وسارت على هديها. وأقدمت روسيا بعد ايام من الثورة على نشر ما وجدته في خزائن النظام القديم القيصري من وثائق ومعاهدات سرية مع الدول الاستعمارية والرأسماليات الكبرى وعلى رأسها اميركا وبريطانيا في ذلك الزمان. وكانت تلك صفعة قوية للعالم الغربي الرأسمالي بأكمله، تسببت في اكثر من الإحراج، تسببت في ثورات في بعض المواطن والأوطان. اما الثورة الصينية المسلحة فقد واجهت تحديات السياسة الخارجية قبل انتصارها وبعده متمثلة في العداء التام من جانب اميركا وبريطانيا وفرنسا. وبدت اليابان ـ الخارجة من الهزيمة في الحرب العالمية الثانية ـ مجرد تابع للولايات المتحدة. وعندما تفجرت ثورة 23 يوليو 1952 المصرية بادئة بحركة عسكرية فإنها كانت نابعة من اعتبارات &laqascii117o;خارجية" بقدر ما كانت استجابة للمظالم الداخلية الاجتماعية. ولهذا كانت تحديات السياسة الخارجية سريعة داهمة فظهرت مشكلات من نوع العلاقة مع البلدان العربية بشأن فلسطين وظهرت مشكلات العلاقة مع الغرب والاحتلال البريطاني بشأن تسليح مصر لمواجهة اسرائيل. وتاريخ هذه الثورة معروف حتى امتداداته في ثورة الشباب المصري الاخيرة على الرغم من انقضاء نحو ستين عاماً بين الثورتين. هذا على سبيل المثال لا الحصر. وفيما يتعلق بمواجهة الثورة المصرية الحالية لتحديات السياسة الخارجية لا بد من ملاحظة ان العالم تعلقت أنظاره وأفهامه في هذا الصدد بما اعلنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ـ الذي يؤدي دور الحامي للثورة والضامن لسلامتها ـ في بيانه الثالث من ان مصر الثورة تفي بتعهداتها الاقليمية والعالمية، فرأى العالم في هذه العبارة من التفصيلات اكثر مما عناه المجلس الاعلى، فاعتبر ان هذا تعهد من مالك السلطة في مصر بالحفاظ على السياسة الخارجية للنظام القديم، وتثبيت اركانها كما هي، بل رأى العالم في تلك العبارة العامة غير المفصلة تعهداً بشكل خاص بشأن معاهدات كامب ديفيد بين مصرالنظام القديم وإسرائيل. لكن مصر الثورة عندما اعتبرت ان الفرصة مؤاتية للحديث عن السياسة الخارجية ـ وبعد ان ازيح من السلطة وزير السياسة الخارجية للنظام القديم احمد ابو الغيط ـ نطقت بما ارادت الثورة ان توضحه اكثر من اي وقت مضى منذ يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011. فكان هذا موضوع اول حديث ادلى به وزير خارجية مصر الثورة نبيل العربي. قال بالحرف الواحد &laqascii117o;ان مصر لديها روح جديدة بعد ثورة 25 يناير وستفتح صفحة جديدة مع جميع الدول بما فيها ايران التي &laqascii117o;لا نعتبر انها عدو" وستستعيد مصر دورها الاقليمي مع الالتزام بالاتفاقيات وعدم التفريط في الحقوق". وطالب العربي اسرائيل بأن &laqascii117o;تلتزم ببنود معاهدة السلام" موضحاً ان الهدف من المعاهدة كان &laqascii117o;معاملة اسرائيل كدولة طبيعية بطريقة ما، ونظراً لعدم قراءة الاوراق بطريقة سليمة فإن البعض تصور انه يجب معاملة اسرائيل معاملة متميزة وهو ما يخالف المعاهدة". وقال العربي ايضا &laqascii117o;ان اتفاقية السلام بين البلدين ليست مقدسة وبها بعض البنود التي يمكن اعادة صياغتها. وأضاف ان اتفاقية كامب ديفيد تحتوي على بنود قابلة للتغيير ولكننا لا نفكر فيها الآن. وطالب بتطبيق ما جاء في المعاهدة بشكل صحيح، خاصة ما يتعلق بتطبيق القرار 242 والذي يعني انسحاب اسرائيل من جميع المستوطنات التي اقامتها". وطالب ايضا بعقد مؤتمر دولي تحت رعاية الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي لتسوية النزاع العربي ـ الاسرائيلي. وهو مطلب لا يمكن ان يكون له تفسير موضوعي الا الابتعاد عن الدور الاميركي الذي هيمن بالانحياز الكامل لإسرائيل منذ عام 1967 . وفي هذا الحديث لم يكن من الممكن ان لا يتطرق وزير خارجية مصر الثورة الى الموضوع المتعلق بتصدير الغاز الطبيعي من مصر الى اسرائيل بأسعارادنى من اسعار السوق العالمية، فهو موضوع اثار نقمة شعبية اضافت الى اسباب اندلاع الثورة ضد نظام مبارك ... وفي هذا الصدد قال بوضوح &laqascii117o;ان كل شيء قابل للتفاوض ولكني لا اعرف اسعار الغاز ولكن ما اعرفه انه ينبغي ان يأخذ كل واحد حقه وهي مسألة طبيعية". وعن حرب اسرائيل على غزة وموقف النظام القديم ازاءها قال انه شعر بالخجل من محاصرة مدنيين واعتبره &laqascii117o;موقفاً شائناً وغير مقبول يرقى الى مستوى جرائم الحرب". ان هذه التصريحات ـ وإن تكن جزءا من اول حديث ادلى به الوزير نبيل العربي ـ ترقى الى مستوى بيان في السياسة الخارجية لمصر الثورة... خاصة وقد وصف السياسة الخارجية للنظام القديم بأنها كانت مجرد رد فعل لما يحدث ولم تكن هناك رؤية بسبب القرارات العشوائية. وفي ضوء هذا البيان الواضح لا بد ان نتوقع ان تبدأ اسرائيل حملة ضد السياسة الخارجية للثورة المصرية تخرجها من حالة الارتباك التي تعانيها منذ ان بدأت الثورة. فإسرائيل بهذا تدرك ان سياسة النظام القديم التي مالت ناحيتها وأعطتها ما لا تستحق، وحجمت دور مصر الاقليمي لصالحها قد انتهت وانتهى عهدها. وهنا تبدأ تحديات السياسة الخارجية للثورة المصرية. ويمكن التأكيد بان الصورة بشأن هذه التحديات واضحة وأن الثورة والقائمين على تنفيذ سياستها ليسوا بأي حال خائفين او حتى قلقين من تبعاتها. وبطبيعة الحال فأن هذه التصريحات لا يمكن ان تعد مستفزة لرد فعل اسرائيلي فقط. فمن المؤكد انها ستجد رد فعل مماثلا من الولايات المتحدة التي تقيس كل شأن يتعلق بالشرق الاوسط بمقياس اسرائيلي بحت. وهذا يعني ان تحدي السياسة الخارجــية لمصر الثورة سيتطلب جهداً اميركياً إضافياً لفهم هذه الثورة التي تغيرت مواقف اميـركا مـنها تغيـراً كبيراً من اليوم الاول وأكــثر من مرة. ويعـطي هذا البيان الواضح عن السياسة الخارجية لمصر الثورة كل انطباع بأن الثورة تعي خطورة هذه التحديات ومع ذلك فإنها لا تريد ان تؤجل خوضها سواء في مواجهة اسرائيل او في مواجهة الولايات المتحدة. ويأتي ايضاح الوزير نبيل العربي بشأن العلاقات مع ايران في توقيت بالغ الأهمية حيث يجد بعض الاطراف الخليجية ـ التي هزتها التغيرات الثورية حولها ـ ان الفرصة الوحيدة للإفلات من احتمالات الثورة ربما تكون عبر افتعال معارك جانبية مع إيران تقف الولايات المتحدة فيها موقف المؤيد للملوك النفطيين ضد ايران. ولو كان تفكير تلك الممالك النفطية إيجابياً بشأن تطورات المنطقة لأدركوا ان مصر وإيران وتركيا تشكل مثلث القوة الاقليمية القادر على التصدي للتحديات من داخل المنطقة (اسرائيل) ومن خارجها (الولايات المتحدة) بسياسات ايجابية تراعي مصالح شعوب المنطقة وتهجر دور الحارس على النفط ودور الخادم لحلف الاطلسي. نعم، ان عودة السياسة الخارجية المصرية الى الاهتمام بمصالح مصر ومصالح الفلسطينيين وحقوقهم والعلاقات مع ايران، من منظور ايجابي يحدد اهدافه وسبل التحرك لتحقيقها، هي الطريق السليم الى شرق اوسط جديد قد تكون بعض ملامح الماضي ـ من عهد جمال عبد الناصر - واضحة فيه ولكنه شرق اوسط جديد مناهض للشرق الاوسط الجديد الذي ترسمه اميركا وتريد ان تبنيه على مقاس اسرائيل ومصالحها وأهدافها. لقد انتهى الشرق الاوسط الجديد الاميركي ـ الاسرائيلي بنهاية النظام المصري الذي كان يرأسه مبارك. انتهى بنهاية السياسة الخارجية المصرية التي كانت تشتري بالفساد سلام اسرائيل وأميركا وتبيع بالمقابل مصالح مصر والعرب وحتى مصالح إيران. ويبدأ العمل من اجل شرق اوسط جديد يتحدى اميركا ويتحدى اسرائيل ويعرف من هم اصدقاؤه في عالم اليوم. شرق اوسط ترسم ملامحه السياسة الخارجية لثورة مصر.