قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الجمعة 13/5/2011

- 'الأخبار'
المشاعات، سوليدير، والمسؤولية السياسية
رائد شرف(باحث لبناني):

اختلفت على الساحة الإعلامية تغطية مسألة التعدي على المشاعات العامة. في الإعلام الحريري، كانت الرنّة المعتادة عن الجماعة &laqascii117o;الشيعية" الطامعة بالوطن وأرزاقه، ولو لم يعد يقتضي التحريض تسمية الجماعة بصفتها الطائفية، وأصبح ممكناً الاكتفاء بتعديد الصفات الشيطانية (السلب، التعدّي، الأملاك العامة، عجز الدولة) لكي يربطها الجمهور (الصحافي أولاً) بالفئة الاجتماعية المناسبة، وبالمنطق العنصري الملائم. فبات، بالتالي، احترام الهدنة السياسية محققاً، وكذلك الانسجام مع الذات عقائدياً. أما في إعلام الأغلبية الجديدة، فالأمر يختلف. فهذا الإعلام أخيراً، وسياسيوه من ورائه، يلملم نفسه عقائدياً، وتجهد أقلامه وأبواقه في صبغه بصفة شموخٍ ما، بعد أن ضربته أحداث سوريا، واهتراء مسرحية التأليف الحكومي الأخيرة.
هكذا، تذكر تلفزيون المنار سوليدير، وربط تعدّي الشركة العقارية على الأملاك العامة والخاصة بحالات الأوزاعي والجنوب. وأجرت القناة مقابلة طويلة في نشرتها الإخبارية ليوم بدء الأزمة مع مالك &laqascii117o;السان جورج"، ليخبر المواطنين عن فصول معركته مع الشركة في المحاكم، وفي التعديات التطبيقية على الأرض. وكأنّ المقصود أن يدحض منطق ربط صفات &laqascii117o;الشيطنة" بجمهور الأوزاعي والجنوب حصرياً (دون رفعها عن هؤلاء).
كذلك الأمر في قناة الجديد، رُبطت مسألة المشاعات بسوليدير وبالأملاك البحرية في أحد التقارير الإخبارية، ولو بتعاطٍ أقل منهجية من المنار، وبعفوية الأسلوب المعروفة عند مراسلي القناة. عفوية ليست من دون دلالات، على مستوى المنطق النقدي المعتمد عند الإعلاميين.
كان يمكن المرء أن ينتظر من الحراك الاجتماعي في السنوات الست الماضية، ومن نيات الحريرية الصريحة بالتخلص من حزب الله بكل الأشكال المتاحة، ومن دخول أعضاء جدد إلى المجتمع السياسي، أن تتفكك بعض بنى سلوكيات القيادات &laqascii117o;الممانعة" في لبنان. وكان يمكن المرء أن ينتظر أن تذهب السلوكيات تلك، ولو قليلاً، في انتهاج سياسات جديدة في معالجتها للقضايا الاجتماعية، من دون أن تتخلى بالضرورة هذه القيادات عن نيتها بالإحاطة بجماهيرها، وبإبقائها &laqascii117o;جماعات".
لكن لا شيء من ذلك حصل. وما تفضحه معالجة إعلام حزب الله وحلفائه لأزمة المشاعات، بالتوازي مع إدانة الحزب للتعدّيات، ووقوفه إلى جانب منطق &laqascii117o;الدولة" في معناها البوليسي، هو مدى ضعف حزب الله وحلفائه على الساحة الداخلية، ومكوثهم دون مستوى الكفاءة المطلوبة في وجه ما تمثله الحريرية من تجدد للمنحى الليبرالي المتحكم بالبلاد. لا بل يمكن الجزم بعمالة شبه واعية عند الفريق &laqascii117o;الممانع" في لبنان لرأس المال، أي العمالة لمصالح من يدّعي التصدي لهم.
كان الأجدى بقناة المنار في نشرتها الإخبارية تلك، أن تعطي لواحدٍ أو أكثر من المتظاهرين في الجنوب والأوزاعي الوقت الذي أعطي لمالك &laqascii117o;السان جورج" للكلام، بدل التقاط تصاريحهم في لحظات صراخ عابرة وغير كافية لتفسير محنتهم بتفاصيلها. محنة تتخطى تفاصيلها التقصير التنموي. لكن الأحزاب الطائفية الشيعية قررت التخلي عن &laqascii117o;أهاليها" في هذا الاستحقاق، مع أنّها ادّعت الوقوف على سكة نفوذٍ متينة عند إزاحتها سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، ووعدت بإلزام أي حكومة مقبلة بأن &laqascii117o;تتحمل مسؤوليتها لمعالجة قضايا الناس"، على ما قال السيد نصر الله. ادعت المعارضة الارتياح، باكتسابها أغلبيةً في البرلمان، وضمانها أغلبية الثلثين في الحكومة المقبلة، لكن لا شيء من سلوكياتها يدل على ذلك. في تغطيتها لمسألة المشاعات، تبدو الأغلبية الجديدة حرجة من أمرها، وطبعاً دون المستوى المطلوب لحلّ مسألةٍ تفوق بكثير ما لفداحة الصدام بين الأهالي والقوى الأمنية من معانٍ.
فبمنطق تسجيل النقاط الآني، يربط إعلام حزب الله وأصدقائه المسألة باستيلاء سوليدير على المساحات العامة، من نقاطٍ بحرية وأرصفة، أي بتعدّي الشركة على القانون، متناسين أنّ سوليدير بمجملها، منذ تأسيسها، جريمة بحق الدستور والاقتصاد الوطني والأخلاق... شرّعها القانون. ولا تمثّل تعديات سوليدير على المساحات المجاورة إلا جزءاً بسيطاً من منظومة النهب المرتبطة بالشركة وبعلاقتها مع الدولة ومع أقطاب الحكم بالتحديد. والصدام الإعلامي الآني، على طريقة تسجيل النقاط وقلب لعبة التهم والشبهات على مطلقيها، هو من أشكال &laqascii117o;مضيعة الوقت" المتبعة عند الطبقة السياسية، لتسريب منطق المحاسبة من خطاب الاستحقاقات السياسية، التي تربط الأفرقاء السياسيين بمسؤليات إدارية أمام جمهورهم.
بالطبع، سوليدير مرتبطة بمسألة الأوزاعي ارتباطاً وثيقاً، لكن ليس على النحو &laqascii117o;المقارن" الذي تصوّره المنار (على طريقة &laqascii117o;نحن فاسدون وأنتم فاسدون"). إنّ النهج الاقتصادي المسؤول عن تنظيم مديني مركزي وفاضح النخبوية، المتجسد بسوليدير وغيرها من المساحات ومن الإجراءات الإدارية المدينية، هو المسؤول عن وضع المواطنين في ضيقة الموارد والحظوظ، وأمام خيار الاستيلاء على المشاعات العامة. تلك هي الحقيقة التي سُرِّبت في تغطية المنار لأزمة المشاعات. وهو، إذ يذكر سوليدير لأنّ وجودها المادي فاضح وأكبر من أن يخفى، لا يربط سوليدير بموضوع الاقتصاد العقاري مثلاً، الذي أدّى منطقه إلى غلاء خيالي لأسعار العقارات، سدّ كل آفاق التملك عند الفقراء، وعند صغار المقاولين، وأوصلهم إلى استراتيجية السيطرة على الأملاك العامة. مع التنبيه إلى أنّ الاقتصاد العقاري هو من الأشكال الاقتصادية القليلة &laqascii117o;المدعومة من الدولة"، بصيغةٍ تعزز الاحتكار طبعاً.
لاحقاً، سيخصص المنار حلقة خاصة مع عماد مرمل لموضوع سوليدير، ولا شيء لأزمة المشاعات. يؤكد ذلك تماشي موضوع سوليدير بمنطق تسجيل نقاط مسرحي، يهدئ من غضب فئة من جمهور حزب الله في ضوء إدانة الحزب ومعه حركة أمل للمواطنين في الأوزاعي وصور. بل أسوأ من ذلك، كان ممكناً لهذه التغطية لجريمة سوليدير أن تكون ذات فائدة (وهو موضوع عانى تعتيماً إعلامياً منذ بروزه) في صبغ الأغلبية الجديدة بشرعية تتخطى طائفيتها، تمكنها من المباشرة بخطوات إصلاحٍ في إدارة الدولة، ومن مواجهة بؤر الحريرية في الإدارات. لكن طريقة عرض المنار لمسألة سوليدير، من منطلق &laqascii117o;تسليط الضوء" على الشيء (وخطاب &laqascii117o;فشة الخلق")، وكأنّ حزب الله وحلفاءه بالحكم في موقع العجز، وكأنّهم خارج الحكم، تفيد بأنّ مسألة سوليدير ستنتهي مثل مسألة العمالة لإسرائيل: تسخيف للعمالة في اللعبة السياسية من طريق عرضها في الخطاب السياسي ودون التحرك لصدّها في الممارسات المؤسساتية. وبالتالي، قد يذهب ذلك في تنشئة الناس على التعايش مع الجريمة، وهو الأمر الحاصل مع بعض جمهور الحريرية والأغلبية الجديدة بالنسبة إلى العمالة وبالنسبة إلى سوليدير. وهنا نصل إلى ما لا تريد المنار وإعلام حلفائها قوله، وهو مسؤولية نواب الحزب وسياسييه وحلفائه الانتخابيين، (وهم لم يستحقوا موقعهم من دون دعمه) في السكوت والتسهيل والتواطؤ والتعاون مع الحريرية، في سياساتها المؤسساتية الهدامة والمجرمة، التي أدت بالمواطنين إلى طلب أبسط رزقهم بالمسكن عبر مخالفة القانون. ما لا يسأله إعلام الأحزاب في لبنان، لأنّ الكلّ عميل لرأس المال، باختلاف درجات العمالة، هو الفائدة من كتلٍ نيابية عفنة، سعت إلى إبعاد أي منافسٍ عن البرلمان، ولو أمضى قسطه 17 عاماً في سجون العدو، وادّعت الأمجاد في تمسكها بمنصبٍ إداري طائفي في 7 أيار، لتصل &laqascii117o;بجمهورها" المستحب، وبجمهور الوطن عامةً، إلى أزمة &laqascii117o;عقدة الجنرالين" ودراما &laqascii117o;استسلام الخليلين" واقتراح الحذق العودة إلى &laqascii117o;س ــ س"، لتعود المسرحية إلى بدايتها.


- 'السفير'
فلسطين: أية قضية  
سليم الحص:

آن الآوان ليتوحد الموقف العربي حول قضية فلسطين. فالعرب عاشوا مدة طويلة من الزمن كانوا خلالها في حال تعارض لا بل نزاع حول مفهوم قضية فلسطين وحول مفاهيم العمل من أجلها. كانت القضية توجز تطلع العرب جميعا الى تحرير فلسطين من الاحتلال والهيمنة الصهيونيين. ومع الزمن انقلب هذا الطموح الى المطالبة المتواضعة بكيان في الضفة الغربية عاصمته القدس يتمتع بالسيادة والاستقلال، وتكون بقية فلسطين كياناً إسرائيلياً يناصب العرب العداء.
لو كان العرب أمة متماسكة لكانت هناك أكثر من حاجة لمراجعة المواقف الرسمية توصلا الى الإجماع او شبه الإجماع على نظرة واحدة للقضية، يرى فيها العرب حلمهم بتحرير فلسطين كل فلسطين وقيام دولة عربية على أرضها تضم الشعب الفلسطيني قاطبة ومعه ربما جاليات اخرى، ومنها جالية يهودية. يكاد لا يكون في العالم كيان لا يضم الى جانب أهل البلاد، جاليات من هويات مغايرة. فليكن ذلك في فلسطين العربية.
إن تسليم العرب بعد سنوات من العناء والنضال بكيان عربي على جزء من فلسطين، لا مبرر له سوى القنوط من تحقيق هدف التحرير كاملاً. وهذا غير مقبول وغير مشروع. انه غير مقبول باعتبار ان فلسطين عربية في أصولها وواقعها كما في رهانات أبناء الأمة في أكثريتهم الساحقة. فلمَ التنازل المجاني؟ ومن جهة اخرى فإن الصهيونية حركة استعمار واستغلال وهيمنة، ان تركت على رسلها استولت على فلسطين او معظمها وجعلت من وجودها منطلقاً للسيطرة على إمكاناتها وثرواتها ومواردها ومسارها.
قلما مر في التاريخ ان تطالب أمة بنصف حق. فالحق يكون واحداً متكاملاً او لا يكون. وهكذا الحق العربي في فلسطين السليبة. فإما ان يكون حقاً واحداً متكاملاً او لا يكون. فنحن إما نكون او لا نكون أصحاب حق مشروع في فلسطين. ولا اعتقد ان بين العرب من ينكر على أمته حقها الكامل والمشروع في فلسطين من البحر الى النهر. فعلام كانت التسوية المجانية بالتنازل عن أكثر من نصف هذه الأرض العربية؟ نحن نرى انه ما كان من مبرر او موجب لذلك سوى الكلل والتردد والخضوع لإرادات متسلطة تتحكم بها النظرة الصهيونية حيال فلسطين. ونحن نرى ان لا مساومة على حق وطني او قومي أياً تكن الاعتبارات. لا بد من ان يعود العرب الى أصالة ايمانهم ومعتقدهم فينضووا جميعاً تحت لواء المطالبة بتحرير فلسطين كلياً وإقامة كيان عربي على أرضها تكون عاصمته بالطبع القدس. هذا ما ينبغي ان تكون عليه قضية العرب المركزية مهما تطلب تحقيق الهدف الأبعد من جهد وعناء، ومهما اكتنفه من تعقيدات وصعوبات، وأياً يكن رأي القوى العظمى والفاعلة في العالم التي رهنت إرادتها في هذا المضمار للحركة الصهيونية العالمية للأسف الشديد.
هذه النظرة الى قضية العرب المركزية لن تستقيم إلا بتوحيد الموقف الفلسطيني حولها أولاً. فليس من المتوقع ان يسلّم العالم بهذه النظرة المشروعة من جانب العرب ان لم يكن الفلسطينيون أنفسهم مؤمنين بها ويلتزموها ويناضلوا من أجلها بكل الوسائل المشروعة المتاحة. هذا مع العلم، للأسف الشديد، بأن أكثر، لا بل أبرز، التنظيمات الفلسطينية هذه الأيام باتت تكتفي في صوغ أهدافها المعلنة بالمطالبة بتقسيم فلسطين على الوجه الذي يقيم لعرب فلسطين كياناً مستقلاً ويترك القسم الأكبر من فلسطين للصهاينة المغتصبين.
إن ذريعة الذين يتواضعون في مطالبهم إنما تتمحور في أكثر الحالات على دعوى الواقعية وانتصاب عقبات وصعوبات جمّة تعترض سبيل مطلب التحرير وإقامة الدولة العربية على مجمل أرض فلسطين. ونحن من الذين يرون ان القضية الوطنية والقومية تفترض نضالاً وجهاداً عنيدين، لا ينيان مهما بلغت العقبات والصعاب. أما التنازل المجاني عن جوانب مبدئية من القضية فهو في غير محله ويجب ان يكون مستبعداً في كل الأحوال.
وأخشى ما نخشاه ان يؤدي التنازل عن بعض الأهداف الى التخلي عنها كلها. فمن يرضَ بأقل من حقه لا يعُد له حق في نهاية المطاف.
أخيراً، فنحن من الذين يؤمنون بأن قضية فلسطين ينبغي ان تكون حافزاً للعرب، في شتاتهم الأليم اليوم، لأن يرصوا صفوفهم وينبذوا كل ما يفرق بينهم توصلاً في يوم من الأيام الى الوحدة الناجزة بين شعوبهم. أوروبا، على تباين شعوبها وأقطارها، أقامت اتحاداً في ما بينها. فلم لا يكون العرب، وهم أمة واحدة، موحدين، متكافلين متضامنين؟.


- 'النهار'

التطرف الديني بين المواجهة الأمنية والسياسة الثقافية
بقلم السيد ياسين(باحث مصري):

لاحظنا في السنوات الأخيرة في العالم العربي خطورة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في نشر الفكر المتطرف، بل ان بعض المنابر والاصوات الليبرالية واليسارية تدافع عن حق الجماعات المتطرفة في الوجود السياسي.إذا كنا أكدنا من قبل أن التطرف الإيديولوجي- مثله في ذلك مثل العولمة- ظاهرة تملأ الدنيا وتشغل الناس، إلا أنه ينبغي في الواقع أن نركز على التطرف الإيديولوجي الذي ينتسب للإسلام زوراً وبهتاناً ولعل التظاهرات التي قامت بها الحركة السلفية في مصر أخيراً والتي رفعت شعارات طائفية ممجوجة نموذج بارز لذلك. ومن أسف أن تتحول هذه التظاهرات إلى فتنة طائفية كبرى بين المسلمين والأقباط، سقط فيها قتلى وجرحى من الجانبين.وهذا التركيز المطلوب على الظواهر المتعددة للتطرف الأيديولوجي الإسلامي يجد مبرره في تحول هذا التطرف في العقود الأخيرة إلى إرهاب عابر للقارات، بمعنى أنه لم يقنع بتوجيه ضرباته إلى النظم السياسية الحاكمة في بلاد عربية أو إسلامية محددة، على أساس أنها تمثل الطغيان الذي ينبغي مواجهته بالانقلاب عليه وباستخدام كل الوسائل، بما في ذلك قتل المدنيين الأبرياء، ولكنه وسع من نطاق رؤيته الإرهابية ليضع في دائرة أهدافه الغرب عموماً باعتباره يمثل الكفر والانحلال. وربما تعبر نظرية الفسطاطين التي صاغها أسامة بن لادن زعيم تنظيم 'القاعدة' عن هذه الرؤية خير تمثيل. ويلفت النظر بشدة أن الجماعات الإسلامية في مصر وأولها الإخوان المسلمون اعتبروا بن لادن بعد الإعلان الأميركي بمقتله شهيداً وليس إرهابياً روع الآمنين وتسبب في مقتل عديد من المدنيين. ولعل السؤال الرئيسي الذي ينبغي إثارته الآن هو كيف نواجه التطرف؟ هناك إجابة تقليدية تتمثل في استخدام الوسائل الأمنية والأدوات السياسية. وهو منهج في تقديرنا عقيم، لأنه ليس بالأمن وحده يجابه الإرهاب. وهناك إجابة أخرى نتبناها وتتمثل في منهج السياسة الثقافية الذي تقوم على أساس تحليل ثقافي عميق لظواهر التطرف والإرهاب.ولو أردنا أن نعدد مفردات المنهج الأمني والسياسي - وهو منهج ضروري ولكنه ليس كافياً- لوجدناها تتمثل في عديد من الأساليب. من بينها سياسة تدمير شبكات التطرف والإرهاب من خلال أجهزة الأمن والقانون، وإثارة الانقسامات بين مختلف الجماعات الإرهابية تحت شعار 'فرق تسد'، وعزل العناصر المتطرفة، وإعطاء المجال للعناصر المعتدلة حتى يسود خطابها في المجتمع، مع تركيز على الوسطية... (للقراءة).


- 'السفير'

ماذا بعد مديح عفوية الانتفاضات العربية الراهنة؟  
مسعود ضاهر:

... الآن، بعد أكثر من مئة يوم على نجاح الانتفاضتين(في مصر وتونس)، تبرز إلى سطح المجتمعين التونسي والمصري أحداث خطيرة تذكر شعبيهما بالممارسات السابقة على سقوط النظامين. وهي تثير قلق المواطنين لأسباب عدة منها غياب الشرطة عن مراقبة الأعداد المتزايدة من البلطجية، وتركهم يمارسون أسلوب البلطجية. كما كانوا في السابق من جهة، أو قمع الشرطة وبعض القوى العسكرية للتظاهرات الشبابية السلمية التي تحاول تصويب مسار الانتفاضة في البلدين من جهة أخرى. وذلك يطرح تساؤلات عدة يصفها بعض المحللين بالثورة المضادة أو المؤامرة الخارجية كما هو مألوف عند من أدمن الكسل الفكري.
1- أعداء الثورة أو الانتفاضة في الداخل، ليسوا من صنع خارجي أو مستورد من الخارج. بل يعبرون عن قوى معادية للانتفاضة لأنها أضرت كثيرا بنفوذهم ومصالحهم الشخصية والطبقية معا. ويأتي في طليعة هؤلاء رموز النظام السابق في كلا البلدين ممن يملكون ملايين الدولارات، وهم على استعداد لدفع الكثير منها تجنبا للمحاكمة والسجن ومصادرة الأموال. ولدى هؤلاء شبكة واسعة جدا مع الحلفاء في القوى العسكرية، النظامية منها والشرطة، وقادرون على التخريب وإفشال الانتفاضات الشعبية التي أخرجتهم من الحكم، وزجت ببعضهم في سجون السلطة التي كانوا من أبرز حماتها لعقود طويلة.
2- تصنف اسرائيل في طليعة القوى الإقليمية المعادية للانتفاضة المصرية التي أدخلت تعديلات مهمة في سياسة مصر الخارجية خلال أشهر معدودة. ففي المئة يوم المنصرمة على نجاح انتفاضة الشباب تبلورت سياسة مصرية جديدة هدفها تحقيق المصالح الوطنية للشعب المصري، وإعادة النظر في الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل لتحديد سعر عادل لبيع الغاز المصري المصدر إليها، وفتح معبر رفح لفك الحصار عن غزة، وإبرام اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بالقاهرة، والعمل على تصويب العلاقات مع إيران، واسترجاع دور مصر في محيطها العربي والدولي، وغيرها. 3- توقعت الشعوب العربية أن تقدم كل من تونس ومصر نموذجا متميزا عن مستقبل الدولة العصرية الديموقراطية في الوطن العربي. لكن جماعات البلطجية المحمية جيدا من بعض الأجهزة الأمنية، إلى جانب بعض القوى الأصولية المتزمتة والمنظمة تنظيما دقيقا عرفت كيف تثير الرعب في كلا البلدين. فقامت بأعمالها الإجرامية تحت غطاء أمني واضح، ومارست الإرهاب المنظم لإدخال البلدين مجددا في سلسلة من الصدامات الدموية على أمل تثبيت الوضع القائم بحيث تستمر القوى القديمة في الســيطرة على نبض الشارع، في حين تبقى القوى العسكرية السابقة في مواقع ثابتة تسمح لها بحماية قوى الفساد والإفســاد. فقد تضررت تلك القـوى جزئيا فقط عند انتــصار الثورة ثم عادت لتشن هجوما مضادا على جميع المستويات، مقرونا بمسلسل طويل من أعمال التخريب الأمني والاقتصادي، والاجتماعي، لمنع القيام بأي إصلاحات جذرية تطول مراكز القوى الاقتصادية والمالية في تونس ومصر.
4- هناك من صفق طويلا لعفوية الجماهير الشعبية التي نجحت في إسقاط النظامين دون أن تكون لها نظرية ثورية، أو قيادة معروفة، أو برامج محددة للتغيير. لكنهم تناسوا الذهنية السائدة في أوساط تلك الجماهير. فقد استندت الانتفاضات، في جانب أساسي منها، إلى الطبقات الفقيرة أو الوسطى التي ينتمي معظمها إلى مجتمع أهلي منفعل كثيرا بالشعور الطائفي والتقاليد الموروثة السابقة على قيام الدولة العصرية. واستخدمت جماعات منها لإخضاع الشعب المنتفض من طريق أجهزة القمع، والبلطجية، والقوى الخارجة على القانون لكنها محمية من رموز النظام السابق، السياسية منها والعسكرية. وما زالت جماعات منها تستخدم اليوم لإرهاب قوى التغيير، وإضعافها ومنعها من تشكيل أحزاب سياسية جديدة تتبنى الديموقراطية أو الليبرالية أو العلمانية. وهي تعيق التنسيق داخل النقابات المهنية، وبين المنظمات والنوادي النسائية والشبابية، والأحزاب الليبرالية ذات التوجه الديموقراطي لبناء نظام عصري في كل من تونس ومصر يشكل نموذجا يحتذى لدول عربية أخرى.
5- أثبتت انتفاضات تونس ومـصر أن الغالبية الساحقة من الدول العربية لا تتمتع بمواصفات الدولة العصرية. ورغم مئـات مليارات الدولارات التي دخلت خـزائن الدول النفطية، لم تســتطع تلك الدول أن تنجز مهمات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة. كانت الأوضاع أشد سوءا في الدول العربية الفقــيرة. وما ان اندفعت مجموعات قليلــة من الشــباب في تونس ومــصر إلى الشارع تنادي بإسقـاط النظام التسلطي حتى التفت حولها الجماهير الشعبية وحمتها. فسقط بعض رموز النظام دون أن تسقط ذهنيـة الدولة التسلــطية السابقة التي ما زالت حتى الآن تبرز وجهها الحقيقي. فهي دولة قمعــية ذات بنية متخلفة تقوم على الفساد والإفساد، تحمي الفاسدين وتستخدم القوة لمنع الإصلاح أو التغيير الـجذري. وهي مستمرة في قمع أحلام شعــوبها بالتغيير عبر قواها النظامية أو بالتعاون مع قوى سياسيـة ترفض قيام نظام ديموقراطي حقيقي ومنفتح على العلوم العصرية، والتكنولوجيا المتطورة، وقادر على مواجهة تحديات العولمة. وبات نجاح الانتفاضة اليوم رهن بقيام دولة القانون، وتنظيم عمل المؤسسات، ومعاقبة الفاسدين أو الإساءة إلى الوظيفة والمال العام أو استغلالهما لمنافع شخصية، وحسن اختيار أصحاب الكفاءة العلمية والنزاهة الخلقية لتولي الوظائف، وغيرها.
لقد نجح الشباب العربي في إسقاط بعض الأنظمة العربية على أمل بناء مستقبل عربي أفضل. والمواطن العربي في الدول المنتفضة هو اليوم أكثر حرية في التفاعل الإيجابي مع دولته، ويطالبها بفك ارتباطها التبعي مع الخارج، وتبني استراتيجية جديدة تقوم على الترابط الوثيق بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وتحتل الدولة المركزية العصرية موقعا متقدما في حماية المجتمع المنتفض لدرء مخاطر النزاعات الطائفية والاجتماعية. ولم يعد الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي فيها يحتمل التباطؤ في ظل التفكك القائم داخل الانتفاضات الشبابية من جهة، والتطورات الإقليمية والدولية المتسارعة من جهة أخرى.


- 'السفير'
من يسلح أنظمة الاستبداد؟
مسعود ضاهر:
 
تسببت الثورات العربية في زيادة مبيعات الأسلحة من الدول الغربية. وخاصة من بريطانيا التي قام رئيس وزرائها دايفيد كاميرون بسلسلة زيارات إلى بلدان الشرق الأوسط. وذلك لتوقيع عقود بيع الأسلحة البريطانية. وقد أمضى في القاهرة مدة ست ساعات زار خلالها ميدان التحرير. وتحدث مع شباب الثورة، وقال عنهم: &laqascii117o;لقد بذلوا جهوداً جبارة للحصول على ما يريدونه: الديموقراطية".ذتابع كاميرون رحلته إلى الكويت وذلك لبيع الأسلحة، مما سبب غضب بعض النواب في مجلس العموم، مع ان عقود بيع الأسلحة تتضمن التعهد بعدم استعمالها في أمور تخرق حقوق الإنسان. وقد باعت بريطانيا قبل عامين أسلحة للنظام الليبي بمبلغ يقدر بنحو 100 مليون يورو، بما فيها أسلحة قنص متطورة تستخدم اليوم في الحرب الناشبة هناك. كما ساهمت بريطانيا ايضا في تدريب قوات الشرطة في ليبيا.لقد قلبت الثورات العربية الأمور رأساً على عقب في سياسات الغرب تجاه الشرق الأوسط. ان الأمور التي كان ينظر إليها على انها صحيحة أصبحت الآن مرذولة بعد ان طردت بعض البلدان العربية حكامها المستبدين. ومن قبل كانت الدول الغربية توقع عقود سلاح بمليارات الدولارات لبعض الدول العربية المعادية لإيران ولتنظيم القاعدة. ولم يسأل أحد وقتذاك عن حقوق الإنسان وعن الديموقراطية... (للقراءة).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد