قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة السبت 14/5/2011

يؤمن أنه من الممهّدين لظهور المهدي.. ويصرّ على تحدي خامنئي تطويباً لمشائي
هل يلتزم نجاد سقف &laqascii117o;المرشد" أم يصبح ضحية في &laqascii117o;زمن الثورات"؟

ـ 'السفير'
إيلي الفرزلي:

تفيض المخيلة اللبنانية الى حد جعل الخطين المتوازيين يلتقيان بفعل قدرتها الشريرة، على جمع المتناقضات واطاحة البديهيات، وهذا هو حال &laqascii117o;التنظير" اللبناني لأحوال ايران، في ضوء خروج الخلاف بين &laqascii117o;المرشد" و&laqascii117o;الرئيس" الى العلن، وعلاقة ذلك بما يجري من حول ايران، في الجوار القريب والبعيد. وكيف سينعكس ذلك على &laqascii117o;المهدوييين" اللبنانيين، الذين صاروا مع أحداث سوريا أكثر استرابة من أي وقت مضى بما يجري من تطورات باعدتهم عن قطر، وأنستهم أنهم احتفلوا بالعلم التركي في ملعب الراية يوماً ما... انتصاراً لفلسطين وأسطول حريتها.
هل انكسرت الجرة بين الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران السيد علي خامنئي؟
لم يكن الخلاف الأخير الذي ظهر إلى العلن بين الطرفين، حول إقالة وزير الامن والاستخبارات حيدر مصلحي، هو الأول، إلا أنه ترك الكثير من علامات الاستفهام حول مصير هذه العلاقة الملتبسة والمعقدة. فأن يعترض أو يتجاهل رئيس الجمهورية قراراً صادراً عن ولاية الفقيه، ذلك أمر غير مألوف في السياسة الايرانية.
في 17 نيسان الماضي وعلى أثر استقالة مصلحي من الحكومة بضغط من أحمدي نجاد، تدخل مرشد الثورة دعماً لبقاء وزير الاستخبارات في منصبه، حتى أنه تردد أن خامنئي وصل به الأمر حد تخيير نجاد بين تقديم استقالته وبين بقاء مصلحي على رأس وزارته. وقد رأى نجاد في ذلك تعدياً على صلاحياته الدستورية، وقرر الاعتكاف رافضاً ترؤس جلسات مجلس الوزراء، بحضور مصلحي، من دون أن تكون قد زالت من الذاكرة الطرية واقعة اقالة وزير الخارجية السابق منوشهر متكي أثناء قيامه بزيارة رسمية الى دولة أفريقية حيث تبلغ نبأ استقالته من الفضائيات بينما كان يجري محادثات رسمية.
وفيما فسّر اختفاء نجاد عن أداء مهامه لمدة 11 يوماً على أنه التحدي الأكثر جرأة لخامنئي، كان معسكر المحافظين يشهد انقساماً واضحاً بين الطرفين وإن ظل صوت مؤيدي خامنئي الأكثر دوياً. انهالت الضغوط على رئيس الجمهورية حتى من أقرب المقربين له في الحرس الثوري والمؤسسة الدينية، مؤكدين أنه تجاوز كل الخطوط، ومطالبين إياه بإطاعة المرشد، وعدم المبالغة في تقدير نفوذه السياسي، وهي مطالبات ما تزال مستمرة، إذ أكد أمين مجلس صيانة الدستور في ايران الشيخ احمد جنتي في خطبتي الجمعة أمس أن &laqascii117o;هذه الدولة هي دولة الولي الفقيه وأي شخص ينحرف عن هذا الطريق سيفقد الدعم الشعبي".
نجحت الضغوط اذا في ثني نجاد عن قراره، فأكد في الاول من أيار أنه يطيع المرشد &laqascii117o;كابن يطيع والده"، وهو ما رأى فيه المحافظون تراجعاً غير كاف، على اعتبار أن المسألة لا تشبه أبداً علاقة الابن بوالده بل &laqascii117o;على نجاد أن يقرّ بأنه جندي في جيش الولي الفقيه وعليه أن يطيعه طاعة عمياء".
ينقسم المتابعون للشأن الايراني في تحليل تداعيات هذه الحادثة، فيؤكد بعضهم أنه بينما كان التحالف يخدم مصلحة الطرفين في الماضي، ها هو الخصام يخدمهما أيضاً، فيعمد نجاد إلى تصوير المرشد الأعلى بأنه عقبة تعترض نجاح سياساته الداخلية، فيما يحتفظ خامنئي ببيدق الرئيس ليستعمله في الوقت المناسب لحماية النظام الاسلامي من الهواء العربي الذي يمكن أن يمتد بثوراته إلى إيران: يطلب منه الاستقالة ويعطي رسائل إيجابية إلى الداخل والخارج بأن الجمهورية الإسلامية أزاحت رمزاً رئيسياً من رموز المواجهة مع الغرب، وكذلك مع المعارضة الإيرانية، المنتشية في الفترة الأخيرة بالصراع داخل معسكر المحافظين.
في مقابل وجهة النظر هذه، ثمة من يؤكد أن العلاقة بين الرجلين لا يمكن أن تصل إلى حد القطيعة، إذ أن المرشد ما زال قادراً على التعايش مع نجاد خلال السنتين الفاصلتين عن انتهاء ولايته، كما أن لا مصلحة لنجاد حالياً في التخلي عن منصبه، لا سيما وأنه يحتاج إلى المزيد من الوقت في السلطة لتنفيذ برامجه السياسية وأمانيه في التحول إلى زعيم تاريخي تترسّخ صورته في ذاكرة الشعب الإيراني.
لعل حادثة إقالة وزير الاستخبارات ليست بعيدة عن فتح معركة خلافته في رئاسة الجمهورية في العام 2013، لا سيما وأن مصلحي يشكل عائقاً جدياً أمام سعيه لإيصال نسيبه ومدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي إلى الرئاسة، وعليه فإن السيطرة على هذه الوزارة تعني عملياً الإمساك بأداة مهمة في السياسات الإيرانية نظراً لما لديها من ملفات حساسة يمكن أن تثبت عدم أهلية بعض المنافسين الرئاسيين.
يعرف نجاد أن أي مواجهة مع المرشد الأعلى لا يمكن أن يخرج منها منتصراً، لكنه مع ذلك استطاع أن يحقق خرقاً ولو معنوياً، وهذا الخرق كان قد أبرزه أيضاً في مناسبة أخرى حين رضخ لقرار القائد الرافض لتعيين مشائي نائباً له، إلا أنه أصرّ على أن يبقى الأخير في دائرته الضيقة فعينه مديراً لمكتبه، وهو ما يزال يرى أن المطالبة بإقالته من قبل التيار الديني حلم لن يحققه لهم.
مشائي هو كلمة السر الرئاسية هذه الأيام. كل الاصابع الايرانية تدلّ إليه وتنتقد نفوذه الذي يتخطى نجاد نفسه. وحده رئيس الجمهورية مأخوذ بشكل كامل بنسيبه (إبن نجاد متزوج من إبنة مشائي) الذي يعد حالياً العدو الاول للتيار الديني الذي يأخذ عليه قوميته الزائدة وليبراليته وشبكة علاقاته الواسعة مع الاوروبيين والاميركيين ورغبته في إبعاد رجال الدين عن الدولة، إضافة إلى مواقفه الملتبسة التي تأتي دائماً عكس التيار الحاكم، وهو الذي أعلن يوماً أن الشعب الإسرائيلي يمكن أن يكون صديقاً لإيران. وهذه الصفات يضاف إليها ما يتردد عن أنه المحرك الفعلي لنجاد بما يملكه من كاريزما شخصية، جعلت ممثل المرشد الاعلى في الحرس الثوري لا يتردّد في الاعلان صراحة &laqascii117o;أن مشائي هو الرئيس الحقيقي لايران".
المعركة لم تنته، ففي سياق استعانة نجاد بالغيب لتحقيق أهدافه السياسية، تؤكد المعارضة الايرانية أن نجاد ومشائي يقفان وراء فيلم وثائقي يروّج له في ايران بعنوان &laqascii117o;ظهور إمام الزمان بات وشيكاً"، ويهدف بشكل مباشر إلى تعزيز سلطة نجاد والدعاية لمشائي وإصلاح العلاقة بينه وبين خامنئي. ويزعم الفيلم أن العالم يقترب من زمن ظهور المهدي من خلال ظهور شخصيات تسبقه وتهيئ الأرضية اللازمة لخروجه، ليس نجاد إلا أحدها. واللافت للانتباه أيضاً بحسب المتابعين أن هذا الفيلم وإن يهدف إلى تسويق نجاد وترسيخ صورته في الوجدان الشعبي، إلا أنه يعبر عن قناعة راسخة تسيّر كل أفعاله وأفكاره السياسية، عبر تأكيده أن المهدي هو الذي يدير السياسة في إيران والعالم، ومن هذا المنطلق، فهو يرى أن السياسات الاقتصادية والسياسية والثقافية يجب أن تبنى استناداً على نظرية الظهور القريب للإمام المهدي.
ويؤكد متابعون لسياق الأحداث أن الفيلم أثار حفيظة المؤسسة الدينية وأدى إلى اعتقال عدد من المقربين من مشائي. وقد حذر القائد العام للحرس الثوري محمد علي جعفري على الأثر من أن البعض قد نسي قيم الثورة ويسعى إلى تحريف معنى الإسلام &laqascii117o;لكن الشعب لن يتبع الشياطين والجنّ ولن يسمح بأي انحراف".
من هنا، فإن من يتابع خطب نجاد يلاحظ أن ما قاله في بنت جبيل في تشرين الأول الماضي من أن &laqascii117o;المهدي سيأتي إلى هنا وبرفقته المسيح" وأنهما سيحرران فلسطين من الاحتلال، ليس استثناءً بل حلقة من سلسلة متكاملة من القناعات التي تحكم نجاد، المقتنع تماماً أن الحروب وإشاعة الفوضى في الأرض ليست إلا عناصر تؤدي الى تسريع عودة الإمام المغيّب. وعلى هذا المنوال، فقد ظهرت الكثير من الشائعات التي تشير إحداها إلى أنه أمر مجلس الوزراء يوماً بكتابة خطاب إلى الإمام الثاني عشر وإلقائه في بئر قرب مدينة قم المقدسة التي يزورها الحجاج للصلاة وإلقاء الرسائل إلى الإمام.
هل ينتهي الأمر عند حدود ظاهرة أحمدي نجاد؟ حتماً لا، فهذه النظرية شيعية بامتياز، وعندما تسأل أحد نواب &laqascii117o;حزب الله" عما يجري في سوريا وفلسطين والمغرب العربي والخليج العربي وإيران ومقتل أسامة بن لادن يجيبك همساً: &laqascii117o;لقد بات ظهور الإمام المهدي قريباً جداً، إن شاء الله".


بين تجربة مريرة طويلة واحتمالات 'الصفقات'
محاذرة سياسية واسعة للتطورات السورية

ـ 'النهار'

روزانا بومنصف:

فيما بدا لمراقبين كثر ان بيروت ستعكس في زمن الازمة السورية المتفجرة منذ 15 آذار الماضي، الكثيرَ مما يريد الخارج معرفته بالنسبة الى ما يجري فيها، فان ابرز الملاحظات التي سجلها هؤلاء هي التهيب اللبناني من التحديات التي يواجهها النظام السوري، اكان في فريق 8 آذار بقيادة 'حزب الله' ام في فريق 14 آذار بقيادة الرئيس سعد الحريري باستثناءات قليلة. فلا الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله او اي من المحيطين به تطرق الى الوضع السوري في اي شكل من الاشكال علما ان اخر الاطلالات التلفزيونية للسيد نصرالله تناولت الثورات الشعبية في الدول العربية، وقد نفى عنها اي طابع خارجي مشجعا على المضي فيها وابدى الاستعداد لمساعدتها، ولا الرئيس الحريري من جهته واصل المعركة ليس ضد الحكومة المقبلة التي لم ينجح خصومه في تأليفها الى الآن بل ضد سلاح الحزب الذي اضحى عنوان الحركة السياسية الجديدة لواقع وجود قوى 14 آذار في المعارضة. كما ان تطورات سوريا لم ترد في خطاب الحريري ولو من باب دفع الاتهامات التلفزيونية السورية التي حاولت اقحام تياره في الاحتجاجات الشعبية السورية. وقد بدا لافتاً لهؤلاء المراقبين محاذرة اللبنانيين الدخول في اي موقف من هذه الاحتجاجات في ظل احراج يواجه حلفاء دمشق اكثر من خصومها باعتبار ان سوريا النظام والشعب كانا دوما في موقع واحد بالنسبة اليهم ومع الانقسام الحاصل بين الاثنين ثمة صعوبة كبيرة يواجهها هؤلاء في الفصل بينهما على رغم الوقوف العلني الى جانب النظام تحت عناوين مختلفة. ويزيد في هذا الحرج ان النظام السوري افتقد الى الحجج الداعمة لادعائه وجود مجموعات ارهابية تطلق النار كونه لم يعرض صورة واحدة لمتظاهر يحمل سلاحا ويطلق النار بل لاعترافات منفصلة واسلحة منفصلة ايضا.
الا انه ابعد من الاسباب الظاهرية، فان واقع الامور وفق ما استخلصها هؤلاء المراقبون ان غالبية السياسيين في لبنان يحسنون على الاقل قراءة المواقف وردود الفعل الدولية وهم اكثر حذرا في الانجرار الى اي موقف يتعلق بسوريا الى اي موقع انتموا، استنادا الى تجربة مرة عاشوها خلال اعوام الحرب الطويلة في لبنان حيث كان لسوريا اليد الطولى في العديد من المواقع والمحطات. فمن جهة، يبعد أقرب المدن السورية اقل من ساعة عن العاصمة اللبنانية بما يمكن ان يعني ذلك من احتمال تشظي ما يحصل في سوريا في اتجاه لبنان على نحو خطير جدا وخصوصا في حال اشتدت الامور على النظام السوري علما ان التقارير الغربية التي تبرر عدم نية الغرب التدخل في سوريا عسكريا كما فعل بالنسبة الى ليبيا تتناول احتمال تحرك حلفاء سوريا او من يدور في فلكها بما فيها تحرك 'حزب الله' انطلاقا من لبنان. ومن جهة اخرى يبدو راسخا في اذهان اللبنانيين او غالبيتهم عمق التجربة السورية في لبنان والتي افسحت في المجال امام بازارات كثيرة حصلت مع سوريا حتى حين كانت الصراعات الغربية معها على ارض لبنان في ذروة تأججها. وغالبا، ان لم يكن دائما، ما كانت هذه البازارات او ما درج اللبنانيون على تسميته الصفقة، تجرى على حساب لبنان واللبنانيين. ويعتقد هؤلاء ان باب البازارات مفتوح فعلا راهنا وبعيدا من الاعلام وان النظام السوري قد يكون مقبلا على مرحلة من هذا النوع في ظل الاعتقاد انه لا يزال يملك اوراقا عدة يعتقد انه سيقايض بها في مرحلة دفاع النظام عن بقائه واستمراره. مما يخيف اللبنانيين حتى في عدم تدخلهم سلبا او ايجابا في الموضوع السوري.


'كوما' المجلس الشيعي

ـ  'صدى البلد'
علي الأمين:

في اعتراض المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى على بعض ما ورد في بيان القمة الروحية الاخير ما يثير الاستهجان، ليس بسبب مضمون الاعتراض فحسب، بل لان وفد 'المجلس الشيعي' شارك في القمة وتبنى البيان وظهر اعضاؤه في الصورة التذكارية في بكركي وشاركوا في الغداء المشترك لممثلي بقية الطوائف بكل ما تقتضي الاصول، واذا بنا، بعد ساعات من صدور بيان القمة، ومع عودة اعضاء الوفد الى منازلهم، صدر بيان عن 'المجلس الشيعي' ونائب رئيسه الامام الشيخ عبد الامير قبلان يعترض على بعض بنود 'البيان الروحي' ويعتبر ان المجلس غير معني بها.
يكشف ما جرى حقيقة ان هذا المجلس بات يفتقد لأي هامش مستقل يتيح لرئيسه ان يعبر عن وجهة نظر قد لا تلائم الحاكم السياسي داخل الطائفة الشيعية. اكتشف 'الحاكم' ان البيان اعتمد مصطلح 'الدولة' وليس 'الوطن' في سياق تحديد مسؤولية مواجهة العدو: فهل الدولة غير الارض والشعب والمؤسسات؟
كما أنّ الردّ على بيان القمة الروحية حمل تأنيبا لوفد المجلس الشيعي الذي شارك قبل غيره: فماذا كان يفعل هؤلاء في لجنة الصياغة وحين تلاوة البيان؟ واذا كانوا مشاركين في هذه القمة فعليا، هل وافقوا ثم اعترضوا بعد ان وصلوا الى بيوتهم؟
الاستهجان تعبير ينطوي على اعتقاد صاحبه بوجود هذا المجلس وفعالية رئاسته، الأمر البعيد عن الصحة. فهذه المؤسسة الشيعية فقدت خصوصيتها وموقعها الجامع من زمان بعيد، وباتت اسما حركيا لـ'حزب الله'، بعدما فقدت حركة 'أمل' قدرتها على المنافسة الثقافية والايديولوجية، وحتى السياسية، داخل المجلس.
غنيّ عن القول إنّ الطائفة الشيعية حمّلت ما لا يمكن ان تحتمله ودفعت نحو خيارات سياسية محلية واقليمية وفقا لرؤى ايديولوجية خارج الزمن. رؤى وخيارات عززت ثقافة انعزال الطائفة عن المجتمع، وتنمية العدوانية كنمط تفكير وسلوك سياسي واجتماعي، ووجّهت إلى توتير العصب المذهبي تزامنا مع تأبيد فكرة غياب الدولة.
وجرى ضخ الكثير من الافكار والممارسات في وعي الجمهور الشيعي وحيواته لإبعاد الناس عن مشروع الدولة من خلال تسويق منطق اللاقانون، ما يحيلنا الى 11 عاما مضت، عام التحرير في ايار 2000، وهو الانجاز الاهم للمقاومة و'حزب الله' تحديدا. وحتى اليوم فوّت 'حزب الله' فرصة الانتقال من الجهاد الاصغر، اي التحرير، الى الجهاد الاكبر، اي اعادة البناء في الداخل ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، عبر الانخراط في اعادة بناء الدولة، مستفيدا من الانجاز التاريخي.
إختار 'حزب الله' رهن الطائفة الشيعية الى خيارات اقليمية اكبر منها وتفوق امكانياتها وقدرة لبنان. وهي تدفع منذ عشر سنوات ثمن هذه الخيارات الاقليمية بالمزيد من غياب الدولة، من العدوانية ضد الآخر وعدوانية الآخر ضدّها، وبالنفاق الأخلاقي الذي يجعل من أمير قطر أحد أبطال حرب تموز 2006 رغم علاقاته الوثيقة مع العدو، لننتبه اليوم إلى أنّه 'عميل اسرائيلي' بعدما تضامن مع المحتجين في سورية.
وهناك شواهد كثيرة تدل على المأزق الاخلاقي الذي يجعل من عدو الامس بطل اليوم وصديق اليوم متعامل مع العدو غدا، وعلى قاعدة 'من ليس معنا فهو العدو'. وقد لا نفاجأ إذا تحوّلت المدائح التي تكال للعماد ميشال عون والأدعية التي تتلى على نيته إلى نقيضها.
يمكن القول ان الطائفة الشيعية كما الشيعة خارج ايران، وان بنسب متفاوتة، يتأرجحون بين مدرستين: الاولى نجفية أنتجت خلال مئات السنوات الماضية تشيّعا بعيدا عن الادلجة والسلطة، إستطاع ان يتعايش مع الجماعات المتنوعة، بسبب عدم انخراطه بمشروع سياسي ايديولوجي، والثانية هي التشيع الايراني، الذي عمل على اعادة انتاج الارث الشيعي بقالب ايديولوجي وسلطة محدّدة، حوّلت منظومة الامام الغائب من منظومة تطلع اخلاقي وتطهر ديني فردي، الى منظومة سلطة سياسية، ليتحول المرجع والفقيه، او نائب الامام، الى 'الوليّ الفقيه' الواجب الطاعة كما الامام (أنا ممثل الامام وعليكم طاعتي). فهل يعقل ان يكون الجدل الاهم في ايران اليوم هو التشكيك أو صحة لقاءات مزعومة أجراها الامام المهدي مع نائبه او مع رئيس الجمهورية؟ باختصار التشيع الايراني بهذا المعنى اربك منظومة الوعي الشيعي ونقل هذا الارباك الى الاقليات الشيعية في العالم العربي، واربك ولاءها للوطن والمجتمعات التي يعيشون فيها منذ مئات السنيين. لذلك برزت العدوانية من الشيعة وعليهم، وهنا كان 'الإعتراض' على 'الإجماع اللبناني' في بكركي، إعتراض بدا واضحا أنّه 'حزب اللهي' لا علاقة له بالمجلس الذي وافق قبلا.
هذا الواقع المتحكم اليوم بالوعي الشيعي هو ما يحول دون القدرة على حسم خيارات الشيعة السياسية. فهم يعيشون في خضّم هذا الصراع الذي لن ينتهي ببساطة، بل بخسائر تبدو وكأنها شرط لا بد منه لاستنقاذ التشيّع من الايديولوجيا والسلطة، وإعادته إلى التعدّد والحرية والمجتمع والوطن والأمة.


بالإذن..المشروع..

ـ 'المستقبل'

علي نون:

على الوتيرة ذاتها المعتمدة من قبله في كل شأن داخلي منذ أن قرر 'الدخول' في ذلك الشأن غَدَاة 'الخروج' من قصة المواجهة في المنطقة الجنوبية بعد حرب تموز 2006..على تلك الوتيرة التي لم يسبق لها مثيل، تعامل الحزب القائد والرائد مع القمة الروحية الإسلامية ـ المسيحية في بكركي، وكشف ستراً آخر من ستائر المشروع الذي يحمله والذي يتبيّن مرة أخرى، مدى غربته عن نسيج الجمهورية وأهلها كلهم، بمن فيهم جمهوره قبل الآخرين.
في كل محطات الحروب اللبنانية التي تناسلت على مدى ثلاثة عقود، ظلّت القمم الروحية مشروعاً بديلاً مهضوماً ومفرفشاً من انقسام سياسي حاد، زنخ وكئيب.
كانت تلك القمم، في كل مرة تنعقد، تحمل معها الكثير من أدبيات الخطاب الديني الجامع. والكثير الكثير من أدبيات طيب الذكر 'أبو ملحم'.. لم تقدم شيئاً إضافياً الى المأثور اللبناني الشهير الخاص بإلباس كل حالة ثوبها المناسب، ولم تخرج عن كونها مطلقة للحظات سعيدة في أجواء عامة حزينة، ومثيرة لنوستالجيا جميلة في زمن بشع، ومعيدة الاعتبار لشعارات جامعة في زمن الانقسامات، وطارحة لبديهيات الدولة وبنيانها في زمن التشليع الحزبي والحربي الخاص بالطوائف.. ولا مرة كانت مضرّة، وان لم تكن كثيرة الفائدة.. فيها قدر وافر من أدب الخطاب وطقوس التلاقي الاجتماعي أكثر مما فيها شيء من السياسة الانقسامية المترجمة طوائفياً ومذهبياً.
لتلك الأسباب وغيرها، ما أُخذت القمم الروحية اللبنانية إلا بنطاقها الآني والسلس والمفهوم. ولم يتم التعامل مع بياناتها إلا بجزيل التقدير والاحترام، طالما هي باقية في مكانها، من دون تأثيرات مباشرة في الحراك السياسي لأي طرف.
..لكن بالأمس، وللمرة الأولى على الاطلاق، 'حرص' الحزب القائد والرائد على تغيير المشهد وتشويه الصورة. وبدلاً من إظهار تلك اللحظة الجامعة كما هي، أصرّ على إشاعة الانقسام في غير موضعه، وعلى تظهير المسافات المعلومة (والمكبوتة بتواطؤ ايجابي) الفاصلة بين مكونات المجتمع السياسي اللبناني، وإحالتها على المجتمع الديني.
حتى في تلك المساحة الطرية يريد الحزب القائد تعميم اليباس. وفي ذلك مبعث قلق غير مسبوق.. قلق غريب عن العادة المألوفة والهواية المعتادة. يبحر بعيداً آخذاً معه مفردات النص الديني الحاضّ على الفضائل الحميدة ومكارم الأخلاق واللغة الجامعة والموحّدة.
مشروع لا يمزح، ولا يبتسم ولا يساير، ولا يعرف إلا إثارة غبار القسمة والطرح والضرب.
وهذه المرة مثل كل مرّة سابقة، أخطأ في الحساب والعنوان وطوى البيان الجامع تحت بيانه الانقسامي، ولم يعد يفاجئ أحداً.. إلا بعض أهل بيته!!


هل الدولة سرطان؟!

ـ 'النهار'

راجح الخوري:

هل يجوز استمرار التعاون مع الدولة في لبنان وكأنها غائبة او مغيّبة مثل قضية الامام موسى الصدر؟ وهل مشروع الدولة في هذا البلد السعيد هو لفئة دون اخرى، او لطائفة دون غيرها، او لمذهب دون آخر؟ وهل هناك من يصدق او يظن لوهلة، انه قادر على الخروج على الدولة ومشروعها لزمن طويل وانه قد يجد مظلة تغنيه عن مظلة الدولة ذات السيادة والحرمة الدولية؟ وأخيراً هل يصدق البعض انه عبر تغييب الدولة وتفتيت هيبتها وهدم سلطتها، يستطيع التمهيد او التحضير لاعادة انتاج هذه الدولة وفق توازنات جديدة، تسقط اتفاق الطائف والدستور الحالي؟ هذه الاسئلة تبدو الآن ملحّة وصارخة، لاننا في زمن التحامل على الدولة ومشروعها، وخصوصاً بعد القمة الروحية التي عقدت في بكركي بدعوة من البطريرك بشارة الراعي واصدرت بياناً من ثمانية بنود شدد في محتواه الاجمالي على الوحدة الوطنية وعلى اعتبار الدولة مصدر قوة للبنانيين جميعاً، وهذا امر بديهي، كما شدد على الحوار اساساً لبحث القضايا بين ابناء البلد الواحد وعلى التزام الميثاق والدستور والقوانين. واذا كان من الطبيعي ان يؤكد المجتمعون في البند السادس' سيادة لبنان وحريته واستقلاله وحق الدولة في تحرير اراضيها التي تحتلها اسرائيل'، فإن من غير الطبيعي ومن غير المفهوم، ان يصدر بيان عن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى يقول انه ليس معنياً بهذا البند، لأن النص المطلوب كان : 'حق لبنان في تحرير اراضيه ' بدلاً من 'حق الدولة'! لاندري ولا يدري كثيرون من اهلنا في الطائفة الشيعية الكريمة، ما الفرق بين القول 'حق لبنان' او 'حق الدولة'. ولا نفهم كيف تتسع كلمة 'لبنان' لحق 'الشعب والجيش والمقاومة' بينما لا تتسع كلمة 'الدولة' لهذا الحق اياه والشيعة اساس مكين في هذه الدولة كما في لبنان!
ومع احترامنا العميق للمجلس نسأل: هل ان 'فقدان الدولة القدرة والقوة في الدفاع عن نفسها ' كما يقول نص بيانه، يشكل امراً نهائياً ودائماً وأن ليس من واجب 'حزب الله ' تحديدا التعاون مع كل اللبنانيين للوصول الى الدولة القوية والقادرة؟ ثم كيف يمكن ان تصير الدولة قادرة وقوية اذا استمرت سياسة القضم التي تتعرض لها من 'حزب الله' وحلفائه؟! انها اسئلة مباشرة وصريحة ومخلصة، نطرحها لمصلحة لبنان ولمصلحة 'حزب الله' والطائفة الشيعية، فالدولة في النهاية ليست سرطاناً نتجنبه ونجتثه.  بل هي مظلة الجميع يوم لا تنفع كل المظلات بما فيها الصاروخية.  
اخيراً، تقضي الموضوعية بتوجيه تحية الى المفتي محمد الشيخ رشيد قباني على اقتراحه الوجيه، توقيع 'مشروع عهد وميثاق' بين المسلمين والمسيحيين في لبنان والدول العربية، في خلال مؤتمر روحي تاريخي يعقد في لبنان لهذه الغاية، تحصيناً للمنطقة من الفتن المذهبية. وكلنا يتابع بكثير من الألم والقلق ما جرى ويجري ضد المسيحيين في الموصل وفي بعض المناطق المصرية من قتل وتنكيل وتهجير للمسيحيين، وهو في النهاية قتل وتنكيل بقيم الاسلام.


رواية للاكليروس ترد على تحفظات المجلس الشيعي: ليست انتكاسة للراعي..
وقبلان وافق على البيان الختامي!

ـ 'السفير'
غراسيا بيطار:

هل ما حصل في قمة بكركي مجرد 'سوء تفاهم' في اختيار العبارات أم أن هناك ما يحاك من خلف العظات للـ'حرتقة' على باكورة 'إنجازات' البطريرك بشارة الراعي؟ إذا كان الخلاف، في جزء منه، متعلق بعبارتي 'الدولة' و'لبنان' فهل سلاح المقاومة هو المستهدف من خلال 'القنص' هذه المرة؟ أضواء على جانب من النقاشات التي طبعت اجتماع الروحيين قد تعطي بعض جواب. والبداية من البند 6 الذي نصّ على 'تأكيد سيادة لبنان وحريته واستقلاله وحق الدولة في تحرير أراضيها التي تحتلها إسرائيل....'. وبحسب ما يروي أحد المشاركين من فريق الأكليروس لـ'السفير' إن باب النقاش حول هذا البند فتحه رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ حسن عوّاد الذائع الصيت بأنه 'إمام في اللغة' ويوصف بالعامية 'نيقة'. فتح الشيخ عوّاد النقاش حول استبدال 'الدولة' بـ'لبنان' حاصراً الدولة بالسلطة، وهذا غير صحيح'. 'ففي القاموس السياسي، على ما قيل له من أكثر من شخصية في الاجتماع، ان عبارة الدولة تشمل المساحة الجغرافية والشعب والسلطة'. وسألوه: 'هل من دولة من دون شعب؟ أو سلطة أو أرض؟ فاضت القاعة بالنقاشات الى أن أفتاها المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان قائلاً: 'طيب خلصنا'.. والكلام ينقله عنه أحد المشاركين في لجنة الصياغة. البند 7 يتعلق بـ'التشديد على أهمية حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي هو مفتاح السلام والأمن والاستقرار بما يضمن تحرّي جميع الأراضي العربية المحتلة'. يقول أحد العلمانيين الذين شاركوا في الاجتماع إنه 'تمّ الاتفاق على أن تضاف جملة أخرى ولم تتم إضافتها ولكن الأمر ليس بهذه الأهمية وإلا لما أتى البيان من دونها'. هذا 'الإقرار' يشرح ربما 'استلحاق' محمد السمّاك الذي تلا البيان إذ أضاف ارتجالياً 'والصراع العربي ـ الإسرائيلي'. صدر بيان القمة ولحق به بيان التحفظ. لماذا؟ وهل للرئيس نبيه بري و'حزب الله' أي علاقة؟ يعتقد صاحب الرواية من أهل الاكليروس جازماً بألا علاقة للرئيس نبيه بري أو حزب الله' 'لا من قريب ولا من بعيد'، ويكشف أن 'الشيخ عوّاد لم يكن من المشاركين في الاجتماعات التمهيدية لصياغة مسودة البيان واسمه لم يكن مدرجاً ضمن الحضور في اجتماع القمة على اعتبار أنه يحق لكل رئيس طائفة أن يصطحب معه مندوباً أو مندوبين اثنين وعندما تبين للشيخ قبلان أن هناك مجالاً للمزيد اتصل بالشيخ عواد فحضر، حتى أنه لم يتصل بنجله الشيخ أحمد قبلان كي لا يقال إنه فضّل نجله على سواه'. ويضيف: 'بعد انتهاء الاجتماع توجه الجميع الى مائدة الطعام باستثناء اللجنة التي نقّحت المسودة وتضم محمد السماك، حارث شهاب، وليد غياض، عباس الحلبي والمندوبين الشيعة الثلاثة الذين جلسوا الى يمين الخوري نبيه الترس الذي تولى طباعة نص البيان الختامي'. يضيف صاحب الرواية أنه على عكس ما تردد، 'فإن المفتي قبلان لم يتقدم بأي اقتراح وإنما الشيخ عواد هو من طلب استبدال العبارتين وانتهت النقاشات الى أنه مجرد خلاف على تعابير، وأن المسألة ليست بأهمية كبيرة'. ويصف علماني آخر شارك في الاجتماع أيضاً ما حصل بـ'سوء تفاهم وغيمة سوداء لا يجب أن نتوقف عندها وإنما التركيز على أهمية انعقاد هذه القمة التي جاءت تاريخية بكل ما للكلمة من معنى'. وماذا عن تدخل 'حزب الله' في تعديل الموقف الشيعي؟ يجيب مسؤول في حزب الله وناشط على خط الحوار المسيحي الإسلامي والعلاقة بين الحزب والكنيسة 'إن المسألة لا تحتاج الى تدخل الحزب، فالمفتي قبلان واضح في موقفه'. وعن رأيه في التمايز بين عبارتي لبنان والدولة، اكتفى بالقول 'هذا السؤال يندرج ضمن مسائل أخرى لا يريد الحزب الإجابة عنها، لأنه ما زال ملتزماً عدم التعليق في هذه الفترة'. أما أوساط قيادية في حركة 'امل' فلا تخفي انزعاج الرئيس نبيه بري من مضمون البيان، وتشير الى أنه كان على تواصل مع المفتي قبلان وأنه يملك نسخة عن المسودة الأخيرة وصورة عن التعديل الذي أضيف خلسة بخط اليد على البيان الختامي في معرض التأكيد على أحقية البيان التحفظي للمفتي قبلان باسم المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى. ليست انتكاسة للبطريرك الراعي في أول عهده. وردُ الراعي جاء أيضاً سريعاً عندما خاطب دامعاً الأطفال الصمّ والبكمّ أمس، قائلا: 'ليت من يتكلمون بالشر يصبحون هم الصم والبكم'.


المحكمة تقطع جسر الثقة بها.. وبيلمار ينسفه

ـ 'السفير'
علي الموسوي:

مهما حاول المسؤولون في المحكمة الخاصة بلبنان التقليل من خطورتها، فإنّهم عاجزون عن ترميم ثقة مفقودة لفريق لبناني كبير بها، لطالما اعتبرها باروداً متفجّراً لإشعال فتنة قد لا تبقي أحداً، في ظلّ تراكم الشبهات حول القرار الاتهامي المنوي صدوره، ونظرة المحكمة غير السويّة إلى ملفّ شهود الزور، فكيف يمكن لهذه المحكمة أن تعيد بناء جسر الثقة مع شريحة كبيرة من اللبنانيين لا يطمئنون لها ولا يستأنسون بوجودها، ويعتبرونها بوّابة للقلق الدائم والمفتوح على خيارات لا قدرة لبلدهم الصغير على تحمّلها، كما أنّهم يعتبرونها مفتاحاً للقضاء على المقاومة التي كانت على تناغم كبير مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري في السنوات السابقة لاغتياله في 14 شباط 2005. فقد طرحت أسئلة كثيرة على مسؤولي المحكمة في مناسبات مختلفة، لكنّهم لم يفلحوا في تقديم أجوبة مقنعة عليها، لتبديد هواجسها وتأطيرها بالشكل المطلوب، بل على العكس، فإنّ التفاف بعض المسؤولين على كثير من الأسئلة والاستفسارات التي وجّهت إليهم مباشرة، أو عبر وسائل الإعلام، ولم تلق الاهتمام اللازم، زادت من منسوب الشكوك، وهو أمر غير صحّي، وينذر بمشاكل وتداعيات كثيرة في المستقبل. فالمحكمة، والمقصود قضاتها في مختلف مراكزهم، تعاطوا بكثير من السلبية مع الأسئلة العديدة التي صوّبها باتجاههم الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله في غير خطاب وإطلالة تلفزيونية، عدا الأسئلة الكبيرة التي ساقها اللواء الركن جميل السيّد في مؤتمراته الصحافية وبياناته الإعلامية، وأسئلة وكلاء الدفاع عن الضبّاط الأربعة، وما تواتر في أذهان الرأي العام اللبناني والعربي والدولي من تساؤلات تغاضت المحكمة عنها أيضاً، معتقدة أنّ التجاهل أقصر الطرق إلى النسيان، وهذا شيء خطر، ويؤذي مصداقية المحكمة داخلياً وخارجياً. فالسؤال الجوهري: هل تلقت المحكمة، وأقلّه، المدعي العام لديها القاضي دانيال بيلمار، معلومات من إسرائيل؟ وما هي هذه المعلومات في حال وجودها؟ وكيف تحقّقت من صحّتها ودقّتها؟ وهل قام بيلمار وفريق عمله بالتحقيق مع مسؤولين إسرائيليين؟ ولماذا لم يعلن عن ذلك على غرار ما فعل سلفه في رئاسة لجنة التحقيق الدولية الألماني ديتليف ميليس عندما حقّق مع ضبّاط سوريين في فيينا فأقام الدنيا إعلامياً، ولم يقعدها؟ وألا يعتقد بيلمار أنّ الإفصاح عن حصول تحقيق مع إسرائيليين حول فرضيات عديدة طرحت وقابلة للنقاش ولإمكانية التحقّق في ظلّ توافر قدرات أمنية وعسكرية كبيرة لدى الإسرائيليين العائمين على بحور من العمليات الأمنية المتقنة وجرائم الاغتيالات المروّعة في غير بلد من العالم، يريح اللبنانيين ويزيل الكثير من الالتباسات؟ وكيف يقبل بيلمار بتعاون السلطات الفرنسية معه لإحكام الطوق على سوريا، فيما باريس رفضت التعاون معه، ومع لجنة التحقيق الدولية، ومع القضاء اللبناني، بشأن تسليم الشاهد السوري زهير محمّد الصدّيق خلال إقامته فيها، وسهّلت فراره إلى خارج أراضيها في تواطؤ دولي مدروس لإبقاء قضيّة 14 شباط 2005 سيفاً مصلّتاً في السياسة، على رقاب رافضي الانضواء تحت العباءة الأميركية، إلى أن يحصل العكس؟ وكيف يفسّر بيلمار للبنانيين وقوفه على خاطر المسؤولين في السفارة الأميركية في لبنان وانقياده لمخطّطاتهم، وهو ما أظهرته وثائق 'ويكيليكس' ليتبيّن معها ضعف مواقفه القانونية في أيّة مسألة قانونية تناولها سابقاً وقد يقاربها في المستقبل، إزاء انفضاح اتصالاته بالسفارة المذكورة؟ وكيف يأمن بيلمار شرّ التسريبات المستقاة من تحقيقاته ومستنداته عن وقائع وأمور صحيحة وباتت مكشوفة وبيد الرأي العام؟ وماذا فعل بمن تاجر بها أو كانت له اليد الطولى بتسريبها؟ ولماذا لم نسمع بدفعه أيّ شخص من المتورّطين بإذاعتها إلى الاستقالة كما فعل مع آخرين؟ فهل غضّ الطرف مؤقّتاً لتمريرها خشية أن تكبر أكثر وأكثر؟ ولمصلحة من يدمّر بيلمار الثقة بالمحكمة الخاصة بلبنان ويُرْكِبها موجات سياسية فاقعة لا قدرة لها على مجاراتها؟ ألا يدرك بيلمار أنّه ليس من العدل والإنصاف، رهن بلد بكامله لتحقيق لا يعرف أحد متى ينتهي، ومتى يتوّج بالخاتمة السعيدة بكشف قتلة رفيق الحريري الحقيقيين وليس البدلاء؟ وألا يعتقد بيلمار أنّ التلاعب بقضيّة كبيرة وجريمة أعطيت صفة الدولية، وتجييرها باللعبة السياسية القذرة، أخطر من العبث بمسرحها وأوجع من طمس معالمها؟ ليتك يا سيّد بيلمار، تجيب مرّة واحدة عن سؤال يتردّد على ألسنة كثيرين من اللبنانيين، فتفرحهم بجواب مقنع، ولا تقف متفرّجاً ومكتوف الأيدي كمن ينتظر الانتهاء من الذبيحة للمشاركة في مائدتها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد