- 'السفير'
ثقافة الخوف من إسرائيل
سمير كرم:
بين تيارات الثورة المضادة التي تضغط بشدة على مصر منذ قيام ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011 ليس هناك تيار أقوى ولا أشد خطورة على مصر وثورتها، وكذلك على كل الثورات العربية ـ ما تفجر منها وما لم يتفجر بعد ـ من التيار الذي يدعو لترك مصر لحالها تنظم شؤونها الداخلية على مهل ومن دون تسرع. ان لا يضغط احد على مصر من اجل فلسطين او سوريا او ليبيا او اليمن او السودان او افريقيا ككل، او اي موقع تعتمل فيه عوامل الثورة.
يقول اصحاب هذا التيار اتركوا مصر تدبر شؤون بيتها الداخلي المصري البحت قبل مطالبتها بأن ترعى شؤون العرب من حولها. وفقاً لهذا التيار مطلوب من الشعوب العربية في مرحلة من أحرج المراحل التي يمكن ان تدفعها نحو مستقبل افضل ووحدة عربية ارفع وأقوى، او تدفعها نحو تقسيم وعزلة، بل تفتت وانهيار، ان تقول لنفسها: اتركوا مصر، إنها في حالة بيات شتوي مع ثورتها. وان هذه الثورة انما نضجت وتفجرت لأسباب داخلية تخص مصر وحدها. اتركوها متقوقعة على ذاتها ويمكن ان تلتحق بكم في مرحلة قادمة لا احد يدري متى تأتي، ومتى تنضج. ساعتها ستكون مصر مستعدة لأن تؤدي دورها القومي العربي أو الإقليمي او العالمي حسبما تسمح الظروف الإقليمية والعالمية.
يلح هذا التيار، في كتابات بعض المفكرين وبعض الساسة وبعض الحزبيين، على ضرورة تجميد نشاط مصر الثوري عند حدود الوطن المصري، وكذلك تجميد تطورات الثورات الاخرى ـ ضد الاحتلال وضد الفساد وضد الاستبداد ـ الى وقت لاحق، الى ان تكون مصر قد فرغت من شؤونها الداخلية وهيأت نفسها للتصدي لمشكلات الوطن العربي الكبير، بظروف وأحوال داخلية أمتن وأكثر ملاءمة.
وفق هذا التيار العاتي الذي لا يصمت ابداً ويلح على آذان المصريين كما يلح على آذان العرب غير المصريين، مطلوب تأجيل الثورات العربية لحساب ثورة مصر، ما دام الاعتقاد السائد هو ان مصر الأقوى والأكبر والأقدر على تقديم الدعم والتأييد للثورات العربية وتوجيه هذه الثورات في الاتجاه القومي السليم. وما دامت الثورة المصرية قد قطعت شوطاً لم تقطعه ثورة عربية اخرى نحو الانتصار الحاسم والنهائي، وبالتالي لا يمكن مطالبتها بأن تتجمد لبعض الوقت الذي قد يقصر، انما قد يطول أيضاً.
فهل هذا معقول أو جائز؟ او فلنتساءل هل هو ممكن عملياً، كما يحاول اصحاب هذا التيار ان يصوروه ممكنا من الناحية النظرية؟
إن اصحاب هذا الرأي، الذي يجد آذاناً صاغية لدى كثيرين وعقولا مستعدة لتقبله لدى اعداد من المثقفين ومن يقتنعون بهذا النوع من الآراء التقسيمية، لا يرسمون اية حدود من اي نوع لهذا التجميد الذي يقصد الى عزل مصر عن ثورات العرب الاخرى، او لهذا التجميد لشؤون مصر العربية والدولية (ولا فرق بين هذه وتلك عندهم) بحجة ان مصر لا تستطيع ان تنشغل بالجبهتين الداخلية والخارجية معاً، وبحجة ان اهتمام مصر بالشأن القومي من الآن، ومع تطورات ثورتها الداخلية بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يمكن ان يطلق عليها قوى السعار الامبريالي والصهيوني فلا تستطيع ان تحقق اهدافها الداخلية، فضلاً عن اهدافها الخارجية.
ومعنى هذا، انه اذا انقضّت إسرائيل على الضفة الغربية لتوسيع سيطرتها العسكرية الاستيطانية لقتل مشروع الدولة الفلسطينية ـ مثلا من بين سيناريوهات إسرائيلية عديدة تلوح في الأفق اليوم ـ فإن مصر لن تكون مستعدة ولن تكون مسؤولة عن الرد على إسرائيل او مقاومة مشاريعها بالطرق الاستراتيجية والسياسية وبأي شكل من اشكال النضال القومي. بالمثل، اذا قررت الولايات المتحدة توسيع قواعدها البحرية في البحر الأبيض المتوسط او في البحر الأحمر امتداداً الى مياه الخليج ـ بحجة الوقوف بوجه الخطر الإيراني المزعوم ـ لا يكون على مصر من واجب قومي او إقليمي الا ان &laqascii117o;تعمل إذناً من طين وإذناً من عجين"، كما يقول التعبير المصري الخفيف الظل.
لا يمكن لأحد ان يصرف النظر عن ان مقولات هذا التيار هي نفسها التي استند اليها النظام القديم في مصر حتى تحول رئيسه حسني مبارك الى &laqascii117o;كنز استراتيجي" لإسرائيل لا تزال تبكي فقدانه وتحول مصر الى بلد ثوري مستقل. وقد بنيت هذه الاستراتيجية او السياسة الانعزالية التي اضعفت مصر وهوت بمكانتها الى حضيض لم تبلغه حتى وهي تحت الاحتلال البريطاني. لقد دخلت مصر حرب فلسطين ضد العصابات الصهيونية عام 1947 بينما كانت لا تزال منطقة قناة السويس تحت الاحتلال البريطاني وكان نفوذ الولايات المتحدة قيد الزحف الى مصر ومحيطها الجغرافي بعد الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها الولايات المتحدة مستعرضة عضلاتها العسكرية والاقتصادية قاصدة الى احتلال مكانة الاستعمار البريطاني في المنطقة العربية اولاً والعالم بعد ذلك.
إن التيار الذي يقاوم الآن دوافع الثورة المصرية لأداء دور حتمي في مواجهة اسرائيل ودعم النضال الفلسطيني، وهو يدخل مراحله الحاسمة، هو صورة نكاد ان نقول إنها طبق الأصل من ثقافة الخوف من إسرائيل التي زرعها النظام القديم ورواها لمـدة اربعين عاما في عهدي انور السادات وحسني مبارك حتى قـيام ثورة 25 كانــون الثاني / يناير الماضي. والآن، فإن ما نشهده من صعــود ضغــط هذا التيـار على الوعي الجماهيري المصري يشكل اخطر محاولات الثورة المضادة لعزل الثورة المصرية وإضعافها وإفشال اهدافها القومية والإقليمية والعالمية.
والأمر الذي يعرفه زارعو بذور هذا التيار في البيئة المصرية، ولا يعرفه جانب كبير من الرأي العام المصري الذي يكاد يسلم بأهداف هذا التيار مخدوعاً باهتمامه بأن تتم الثورة عملها الداخلي قبل ان توجه انتباهها نحو الأهداف الخارجية، هو ان الخوف من اسرائيل هي ثقافة عجلت بقيام ثورة مصر حتى لو اننا سلمنا بأن اهدافها الداخلية ـ ترسيخ مبادئ الديموقراطية واقتلاع الفساد من جذوره وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية ـ لعبت دوراً أولياً وأساسياً في تكوين مبادئ الثورة ودوافعها وأهدافها. فالحقيقة انه في ظروف مصر، بنوع خاص، لا يمكن الفصل بين ما هو داخلي وما هو خارجي، لأن لمصر دوراً تاريخياً وقومياً بسعة أفقها الجغرافي والسكاني والثقافي يمزج بين اوضاعها الداخلية وأوضاع محيطها العربي.
ولا يزال صحيحاً بالكامل ما قاله جمال عبد الناصر في بيانه الثوري الأول المعنون &laqascii117o;فلسفة الثورة":
&laqascii117o;إن العالم كله لا وطننا فحسب هو نتيجة لتفاعل الزمان والمكان ...في تصويرنا لأحوال وطننا لا نستطيع ان ننسى عنصر الزمان، فإننا أيضاً وبنسبة متساوية لا نستطيع ان ننسى عنصر المكان... الزمان إذن يفرض علينا تطوره والمكان ايضا يفرض حقيقته... إن قال لي أحد إن المكان بالنسبة لنا هو هذه العاصمة التي نعيش فيها فإني اختلف معه. وإن قال لي احد إن المكان بالنسبة لنا هو حدود بلادنا السياسية فإني أيضاً اختلف معه.
&laqascii117o;ولو كان الأمر كله محصوراً في حدود عاصمتنا او في حدود بلادنا السياسية لهان الامر ولأقفلنا على أنفسنا وعشــنا في برج عاجي نحاول ان نبتعد به، بقدر ما نستطيع، عن العالم ومشاكله وحروبه وأزماته تلك التي تقتحم علينا أبواب بلادنا وتؤثر فيــنا من دون ان يكون لنا دخل فيها اونصيب، ولقد مضى عهد العزلة. وذهبت الايام التي كانت فيها خطوط الأسلاك الشائكة التي تخطط حدود الدول تفصل وتعزل. &laqascii117o;أيمكن ان نتجاهل ان هناك دائرة عربية تحيط بنا وأن هذه الدائرة منا ونحن منها، امتزج تاريخنا بتاريخها وارتبطت مصالحنا بمصالحها حقيقة وفعلاً لا مجرد كلام؟ أيمكن ان نتجاهل ان هناك عالماً إسلامياً تجمعنا وإياه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب وإنما تشدها حقائق التاريخ؟ ... وليس عبثاً أن بلدنا يقع في شمال شرق افريقيا ويطل من علٍ على القارة السوداء التي يدور فيها اليوم اعنف صراع ... وما من شك ان الدوائر العربية هي اهم هذه الدوائر وأوثقها ارتباطاً بنا".
وهذا بالتحديد ما أرادت الصهيونية العالمية ان تنسينا إياه وأن توجه سلوكنا الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي والثقافي بعيداً عنه، وقد نجحت في ذلك حتى قامت الثورة قبل اربعة اشهر لتعيد الأمور الى نصابها ...كما وصفها جمال عبد الناصر.
والواقع الراهن يشهد بأن محاولات الامبريالية الاميركية وحليفتها الصهيونية العالمية كثيرا ما حاولت إيقاع العالم بأسره في وهم الاعتقاد بأن اميركا نفسها لا تستطيع ان تهتم بشؤونها الداخلية والخارجية حين تمر بظروف خاصة. ما أكثر ما نسمع الادّعاء بأن اميركا ستكون مشغولة عن العالم بشؤونها الداخلية في سنة الانتخابات الرئاسية. كل سنة انتخابات رئاسية اميركية نسمع هذه الحجة، مع ان انتخابات الرئاسة لم تمنع اميركا يوماً من ان تحارب في كوريا او فيتنام اوكوبا اوالعراق. كما ان انتخابات الرئاسة لم تحل بين اميركا وبين مد جسور الأسلحة الى اسرائيل لتمكينها من مهاجمة العرب. حدث هذا في عام 1967 وفي عام 1973 .
ولو اننا اخذنا بما يقوله هذا التيار الضاغط لكان علينا ان نوقف نشاط وزارة الخارجية ونشاط الوفد المصري في جامعة الدول العربية، وأن تقصر تحركات وارتكازات الجيش المصري وكل القوات المسلحة المصرية على الشأن الداخلي وحده.
لكن الخدعة نفسها تستمر للتأكيد الزائف بأن مصر ينبغي، وهي مشغولة بثورتها، ان تبقى نائية عن المنطقة العربية، اي عن الدائرة الاولى التي تحيط بمصر بتعبير عبد الناصر قبل ستين عاماً.
ان ثقافة الخوف من إسرائيل، قد تكون واحدة من اصعب العقد التي اورثها النظام القديم للشعب المصري. ويكفي ان يستسلم لهذه العقدة لكي تستمر السياسة التقليدية التي مارسها النظام الذي سقط لحساب الولايات المتحدة وإسرائيل. وهي سياسة سمحت لهذا النظام بأن يدفع امامه نظماً عربية اخرى تحمل نفس سماته وعقده السياسية والنفسية والثقافية فيما يتعلق بإسرائيــل. وقد مارسـت كل هذه النظم سياسة تجاهل الخطر الاسرائيلي طالما أن إسرائيل تتركها من دون ممارسة الاعتداءات عليها بين حين وآخر. وهكذا اصبــحت في الوطن العربي كتلة من النظم التي تعتنق ثقافة الخوف من اسرائيل وتبث هذه الثقافة نفسها في الشعوب التي تحكمها عن طريق خلق عداوات مصطنعة بديلة عن العداء للسلطة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل.
هكذا اصبحت إيران عدواً بديلاً عن العدو الاسرائيلي في ثقافة سياسية دأبت النظم العربية الملكية والإماراتيــة والجمـهورية على بثها في عقول الشعوب. ولم تخترع هذه النظم بعد وسيلة لإقناع الشعوب بإن عداءها لإيران هو الذي يمكن ان يسيــر جـنباً الى جنب مع الأهداف الداخليـة لهذه النظــم، من نوع زيادة الأجــور والمرتبات في محاولة لوأد الثورة في مهدها او حتى وهي لا تزال في مرحلة جنينية في احشاء المجتمع. ووفقاً لهذه الثقافة فإن إسرائيل ليست مصدراً للخوف لأن التحالف مع الولايات المتحدة كاف لإبعاد يد اسرائيل عن الامتداد ضد من يتحالف معها. حسبة معقدة لا تصلح لإقناع عقل الثوريين إلا عن طريق محاولة إغراقهم في الحدود الذاتية الداخلية وفي الخوف من العدو البديل الذي لا يحتل ارضاً ولا يطلق تهديداً ولا يحرك أساطيل باتجاه هذه الشعوب (...).
في حالة مصر فإن سقوط النظام القديم أسقط معه ثقافة الخوف من اسرائيل والثورة كفيلة بإسقاط شعارات الانطواء على الذات
- 'النهار'
الأمنية السورية لأوباما
عبد الكريم أبو النصر:
'الرئيس باراك أوباما ليس متمسكاً ببقاء نظام الرئيس بشار الأسد بل انه يتمنى ويفضل وجود نظام آخر في دمشق لأن تجربته كانت فاشلة مع الرئيس السوري الذي يتعامل بطريقة خاطئة وخطرة مع شعبه ومع قضايا إقليمية مهمة'. هذا هو تقويم ديبلوماسي أوروبي معني بالملف السوري بناء على اتصالاته مع الديبلوماسيين الأميركيين. وأوضح هذا الديبلوماسي: 'ان أوباما الواقعي يدرك في الوقت عينه انه ليس قادراً مع حلفائه على إسقاط النظام السوري من دون استخدام القوة العسكرية، وهذا أمر غير وارد لأسباب عدة. اضافة الى ذلك، ليست ثمة قوة معارضة جاهزة وقادرة على تسلم السلطة. كما إن أوباما يرفض القيام بمجازفة كبيرة تكون لها نتائج كارثية على سوريا والمنطقة عموماً. وموقف أوباما هذا هو ذاته موقف زعماء غربيين بارزين آخرين، وهم جميعاً فقدوا الثقة بنظام الأسد'. وأضاف: 'ان سياسة الانفتاح الأميركي – الغربي على نظام الأسد فشلت ووصلت الى طريق مسدود قبل بدء الاحتجاجات الشعبية الواسعة في سوريا. فالإدارة الأميركية لم تتمكن من إقامة علاقة عمل وتعاون مع النظام السوري ولم يتم التوصل الى اتفاق حقيقي على أي من القضايا التي نوقشت بين الجانبيين. وقد رفض أوباما التحدث هاتفيا مع الأسد منذ دخوله البيت الأبيض على رغم انه على اتصال مستمر مع معظم الزعماء العرب، كما انه رفض الإجتماع بالرئيس السوري في نيويورك أو في أي مكان آخر. وامتنعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بدورها عن زيارة دمشق، بل تولى مبعوثون وديبلوماسيون رفيعو المستوى مهمة تأمين التواصل بين واشنطن والعاصمة السورية ولكن من دون جدوى ومن دون التوصل الى نتائج ملموسة. فقد كان الإنفتاح الأميركي على نظام الأسد مشروطاً ومستنداً الى المعادلة الآتية: يجب أن يبدل النظام السوري جذرياً سياسته الإقليمية وخصوصاً في ما يتصل بالعراق ولبنان وفلسطين والعلاقة مع إيران في مقابل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. لكن السياسة السورية الإقليمية لم تتبدل والعلاقات الأميركية – السورية لم تتحسن. ولم يحقق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نتائج أفضل من انفتاحه على نظام الأسد'.
ورأى مسؤول غربي مطلع على المشاورات الجارية بين واشنطن وباريس ولندن وعواصم أخرى 'أن امتناع أميركا والدول الغربية البارزة الأخرى عن استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد لوقف أعمال العنف والقمع للسوريين ولتأمين مطالبهم الحيوية المشروعة، ليس نابعاً اذاً من الحرص على بقاء هذا النظام، إذ إن الدول البارزة مصممة على محاسبته وملاحقته ومعاقبته على أعماله بطرق ووسائل عدة بدءاً بفرض عقوبات أميركية – أوروبية عليه وصولاً الى تبني إجراءات أخرى في حقه أشد قسوة سيعلن عنها لاحقاً بشكل تدريجي'. وذكر المسؤول الغربي إن موضوع اللجوء الى الخيار العسكري نوقش سراً في اتصالات بين دول غربية بارزة ودول عربية وإقليمية معنية بالأمر واتضحت خلال هذه الإتصالات الأمور الأساسية الآتية:
أولاً - إن هذه الدول لا تملك صورة واضحة ومحددة عن تركيبة النظام البديل الذي يمكن أن ينشأ.
ثانياً - هذه الدول لا تملك قوة أساسية ومؤثرة مدنية وعسكرية داخل سوريا تستطيع الإعتماد عليها من أجل تغيير النظام.
ثالثاً - إن الدول الغربية البارزة ترفض استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد من دون الحصول على تفويض رسمي من مجلس الأمن، لكن روسيا والصين ستمنعان صدور قرار يسمح بضرب سوريا. كما ان الدول العربية والإقليمية المعنية بالأمر ترفض الخيار العسكري، لكنها تدعم سراً اتخاذ إجراءات سياسية وديبلوماسية واقتصادية وقانونية في حق النظام السوري ورئيسه.
رابعاً - ان الخيار العسكري ليس هو المناسب لأنه قد يفجر حرباً أهلية ونزاعات طائفية في سوريا ويمكن أن يكون منطلقاً لنزاع طويل يحول سوريا عراق آخر، كما يمكنه أن يفجر حرباً إقليمية تتورط فيها إسرائيل وخصوصاً في حال استخدام حلفاء دمشق في لبنان السلاح لحماية نظام الأسد.
وخلص المسؤول الغربي الى القول: 'الدول الغربية البارزة بدأت تطبيق استراتيجية العقاب التدريجي التصاعدي على نظام الأسد وهي مصممة على محاصرة هذا النظام وعزله وفرض إجراءات سياسية وديبلوماسية واقتصادية قاسية عليه تضعفه وتجعله يفقد أوراقاً مهمة وتقلص دوره الإقليمي، الذي سينعكس سلباً عليه في الداخل وفي الخارج ويجعله يواجه في وقت واحد وضعاً شعبياً متأزماً ومشاكل اقتصادية وأمنية متزايدة وموقفا إقليمياً – دولياً متشدداً في التعامل معه'.
- 'النهار'
تركيا والثورات العربية: أين أصبحت رؤيا داود أوغلو؟
هدى رزق:
... لقد شهدت العلاقات التركية مع كل من ايران وسوريا والعراق والعديد من الدول العربية انتعاشا كبيرا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية. وقعت تركيا سلسلة من الاتفاقيات التجارية مع هذه الدول بما فيها اتفاقات للتنقل بينها بدون تأشيرات سفر. لكن الاحداث الاخيرة في سوريا وما يواجه رئيسها بشار الاسد، اخاف تركيا على مصالحها مع الدولة الجارة التي تشاركها حدوداً بطول 800 كيلومتر ويقع بها شريط كردي على طول هذه الحدود.موقفها من سوريا مختلف عن موقفها من الدول العربية الاخرى، وهي نقطة تحسب لتركيا ولا تحسب عليها لا سيما مراعاة خصوصية كل دولة وظروفها ومصالح تركيا المتشابكة معها. فهي حاولت الحفاظ على رصيدها وصورتها الجيدة في نظر بعض الشعوب العربية، كدولة مساندة لحقوقهم المشروعة وداعمة لمطالبهم في الحصول على الحرية والديموقراطية، كما تحسين صورتها داخليا أمام شعبها كحكومة ديموقراطية تدعم حق كل الشعوب في الحصول على الحرية، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة المزمع عقدها في شهر حزيران المقبل، وإبعاد شبهة دعم الأنظمة الديكتاتورية عن نفسها وهو الأمر الذي قد يقلل من شعبيتها إلى حد كبير.في المقابل يمكن القول بأن سوريا منحت تركيا الإستقرار الأمني في المسألة الكردية وفتحت لها الحدود، كما منحتها دور الوسيط بين سوريا وإسرائيل، تماما كما فعلت إيران في اقتراحها تفويض تركيا القيام بمفاوضات البرنامج النووي مع الغرب.لكن حين بدأت الإضطرابات في سوريا، لم تتردد تركيا في 'استضافة' محمد رياض الشفقة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول حيث شنّ هجوما على الأسد. ومع أن وزارة الخارجية التركية أصدرت بيانا تنصّـلت فيه من مواقف الشفقة بحجة ان الديموقراطية التركية لا يمكنها الا السماح بابداء الرأي الا أن هذا التبرير لم يقنع سوريا لا سيما ان التدخل جاء للتوسط لاشراك الاخوان المسلمين في السلطة. مع العلم بأن هناك معارضات في سوريا وليس معارضة واحدة صحيح ان الاسلاميين اقواها لكن هذا الدعم من قبل حزب العدالة والتنمية الاخواني لم يرق للسوريين، ولا حتى الادعاءات الاعلامية باسداء النصائح للسوريين مع العلم بأنهم فعلوا، لكن اظهار سوريا وكأنها ضعيفة وقاصرة اثار حفيظة الحكم والشعب المؤيد على السواء. لمن ارادت تركيا ان توجه الرسالة؟ حكما الى واشنطن.إن سياسة العمق التاريخي الذي اشتغل عليه قادة تركيا ووزير خارجيتها تحديدا، تفترض الأخوة والجوار والنصح والتعاون والتوفيق وعدم ازدواجية المعايير، لكن لجوء السلطات السورية إلى القوة في التعامل مع المتظاهرين وضع أنقرة في موقف حرج تجاه حليفتها سوريا، وهي عماد سياستها في الشرق الأوسط لذلك ارسلت مسؤول مخابراتها لإقناع النظام السوري بالتخلي عن القوة وبدء الاصلاحات.إن انتقادات اردوغان للأسد التزمت حدود ابداء النصح، لكن نبرته اصبحت عالية فقط عند دخول الدبابات الى درعا، اذ خشيت أنقرة من عدم استقرار الأوضاع في سوريا والذي قد ينتشر إلى المناطق الكردية في تركيا، ولاسيما انتقال عدد من مقاتلي حزب العمال الكردي من سوريا إلى تركيا. هذا عدا عن ان الوضع السوري يضع اردوغان وسياسة صفر مشكلات في وضع حرج. هذه الامور مجتمعة هي التي حملت اردوغان على حض الاسد على الاصلاح الاقتصادي والسياسي من اجل المصالح المشتركة، لاسيما ان سوريا تشكل بوابة تركيا على العالم العربي. تتمنى تركيا ان ينجلي الوضع في سوريا سريعا وأن يقود الاسد دفة الاصلاح من داخل حزب البعث اولا، أي البدء بالاصلاح الداخلي والاصلاحات الاخرى المطلوبة، والتي ابدى الاسد استعداداً لتطبيقها لا بل بدأ فيها.
هل هناك تأثير للتحركات ضد نظام الأسد على السياسة الداخلية في تركيا التي ستشهد انتخابات عامة في حزيران المقبل؟ ليس بالضرورة، كما ان تأثير العلاقات الاقتصادية المتميزة لتركيا مع جارتها لم تتأثر كثيراً بالاحداث. لكن نظاماً ديمقراطياً اصلاحياً في دمشق سيضع تنمية العلاقات الاقتصادية مع أنقرة في صدارة أولوياته. لا شك في أن سلوك اردوغان يرضي جمهور حزب العدالة والتنمية الذي يؤيده في اقامة علاقات مع سوريا والعالم العربي.