قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 23/5/2011

- 'السفير'
&laqascii117o;السلفية العلمية المتقدمة" ضد مبدأ الخروج على الحاكم: التغيـيـر مـن القـاعـدة إلـى رأس الـهـرم.. لا العـكـس
غسان ريفي:

تختلف &laqascii117o;السلفية العلمية المتقدمة" مع سلفية &laqascii117o;البناء والإصلاح" التي يمثلها التيار السلفي في لبنان، سواء في السياسة أو في الفكر والرأي والنظرة الى ما يجري على الصعيد العربي من أحداث وثورات شعبية، إضافة الى اختلافها في بعض الفتاوى والاجتهادات، فهي بالأساس ترفض الفكر الجهادي القاعدي، وتدخل في صراع كبير معه على صعيد الفتاوى والكتب والمناظرات على المواقع الالكترونية. تؤمن هذه &laqascii117o;السلفية العلمية" بممارسة العمل السياسي والاجتماعي تحت ظل الأنظمة التي تعيش فيها ولو كانت أنظمة غير إسلامية، وترفض اسـتخدام العنف في تغيير المنكر، وتتمتع بعلاقات حسنة مع مختلف الطوائف وهي تفتح حوارا في لبنان مع &laqascii117o;حزب الله" وتتحالف مع الاعتدال السـني السـياسي. برزت السلفية العلمية المتقدمة قبل عدة سنوات من خلال ميثاق المعاهد والمؤسسات السلفية الذي تضمن ثوابت عدم التكفير والركون الى التفهم والحوار والتعاون مع مختلف أطياف المجتمع اللبناني، ثم دخلت المعترك السياسي انطلاقا من خلافها مع التيار السلفي الذي جنح باتجاه قوى 14 آذار، بينما هي بقيت على الحياد في البداية، ثم وقعت وثيقة التفاهم مع &laqascii117o;حزب الله" تحت شعار نبذ الفتنة المذهبية والعنف والحفاظ على خصوصية كل طائفة وكل مذهب. لا ازدواجية في النظرة الى الثورات العربية من ليبيا الى البحرين ومن مصر الى سوريا، لدى السلفية العلمية المتقدمة، فهي ضد هذه الثورات بالمطلق، وضد مبدأ الخروج على الحاكم، انطلاقا من قاعدة أساسية هي وجوب التغيير من القاعدة الى رأس الهرم وليس بالعكس، وسلمياً، عملا بالآية الكريمة &laqascii117o;إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وبالحديثين الشريفين: &laqascii117o;كما تكونون يولّى عليكم" و&laqascii117o;أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم".وتعتبر هذه الجماعة السلفية أن تغيير الأنظمة كما هو حاصل اليوم سيؤدي في أحسن الأحوال الى المجهول وفي أسوأ الأحوال الى فتنة، وعلى قاعدة اختيار &laqascii117o;أهون الشرين"، فإنها تختار بقاء الأنظمة ما دام انه لا عمليات تغيير مبرمجة تبدأ من المجتمعات وتتطور لتصل الى رؤوس هذه الأنظمة. لا تشكك السلفية العلمية المتقدمة في نوايا وإخلاص المحتجين والمطالبين بالحرية في الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية، لكنها ترى أن &laqascii117o;ضارب الدف" الأميركي هو الذي يضبط إيقاع هذه الثورات فيرفع وتيرتها هنا، ويخفف منها هناك وفق ما تقتضيه مصالحه. وتأخذ السلفية العلمية على الشعوب العربية والإسلامية انها ترقص مع أي &laqascii117o;ضارب دف" دون أن تنظر الى الخلفيات والى حجم الضرر أو الاستفادة من هذه التحركات، ودون النظر الى المسألة الشرعية التي تؤكد على أن &laqascii117o;درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة" وأن دفع الشر الذي يتمثل اليوم بالفتنة أو الفوضى في البلاد العربية والإسلامية أهم بكثير من الحصول على مكاسب الحرية والديموقراطية، خصوصا أن أميركا ومعها الدول الغربية بعد أن هزمت في مشاريعها العسكرية، بنظر السلفية العلمية المتقدمة، تحاول اليوم أن تزرع الفتن بين جنبات الأمة العربية والإسلامية من أجل إراحة إسرائيل من جهة، وللسيطرة على ثروات الأمة من جهة ثانية. وانطلاقا من رفضها مبدأ الثورات عموما، لا تعتبر السلفية العلمية المتقدمة أن الثورة في مصر نجحت في تغيير النظام، بل هي أدت الى تغيير الرئيس حسني مبارك الذي بالفعل طغى كثيرا وحاصر الفلسطينيين في غزة بشكل شنيع، لكن حتى الآن لم تشهد مصر الاستقرار المنشود، فنسب الجريمة ارتفعت، والفتنة الإسلامية ـ المسيحية تطل برأسها. أما في سوريا فللسلفية العلمية رأي آخر يشير الى أن ما يحصل في المدن السورية لا يعدو مجرد هزة غير منسقة وغير منظمة وستؤدي بأصحابها الى الهلاك، خصوصا أن الوضع مختلف في سوريا، &laqascii117o;فالنظام قوي والجيش متماسك والتجار واعون لما يجري، والجهاز الديني بمؤسساته وعلمائه ومشايخه حاضر، وكل هؤلاء يدعمون النظام ويتمسكون ببقائه". وينفي رئيس &laqascii117o;جمعية الأخوة الاسلامية" الشيخ صفوان الزعبي وجود سلفيين حقيقيين في الثورات العربية، لافتا النظر الى أن كل المنظرين للدعوة السلفية هم ضد مبدأ الثورات بالمطلق، وأن من يشارك في الثورات يخالف بشكل واضح وصريح منهج الدعوة السلفية، فضلا عن وجود من يدعي السلفية وهو ليس سلفيا. ويرفض الشيخ الزعبي توصيف الفتنة الطائفية التي تطل برأسها في مصر بأنها فتنة سلفية ـ قبطية، بل هي بنظره فتنة إسلامية ـ قبطية أسس لها النظام المصري منذ زمن وبقيت تحت الرماد وقد حان اليوم أوان استخدامها، وقد يكون الحضور السلفي في مصر طاغيا اليوم ولافتا للأنظار ذلك لأن هذه الجماعة بدأت بالتحرك من جديد بعد سنوات من القهر والظلم والقمع. ويخلص الزعبي للقول إن السلفية هي دعوة علمية متقدمة، وتحتاج الى الأمن والاستقرار لنشر مبادئها، وهي أكثر الجماعات قبولا وتحاورا مع الآخر سواء كان موافقا لها في العقيدة أو مخالفاً أو من غير دين أو من غير مذهب، وليست مع إلغاء أي مكون من مكونات المجتمع، كما أنها لا تسعى بتاتا نحو الحكم، وبرأيها أن أي حاكم سواء كان إسلاميا أو غير إسلامي فهو غير ديموقراطي وسيمارس القمع على شعبه. كما ينفي الزعبي صفة السلفية عن تنظيم &laqascii117o;القاعدة"، مشيرا إلى أن الشيخ أسامة بن لادن هو تلميذ عبد الله عزام وهذا الأخير يعد من أبرز رموز &laqascii117o;الإخوان المسلمين"، مؤكدا أن فكر &laqascii117o;القاعدة" قريب من فكر &laqascii117o;الإخوان" وليس من فكر السلفيين. ويرى رئيس &laqascii117o;المنتدى الإسلامي للدعوة والحوار" الشيخ محمد خضر أن أي حركة تغيير تهدف الى استبدال نظام حكم بآخر يجب أن تتوفر لها مقومات النجاح في أمرين: مشروعية التحرك، والقدرة على إحداث التغيير المطلوب حتى لا تضيع الأرواح والجهود سدى وتحصل الفتنة، ويقول: هذا ما يفسر ترددنا في تأييد بعض الحركات الجماهيرية في بعض الدول العربية بينما كنا مؤيدين في مصر وتونس حيث توفرت المقدمات التغييرية، لا سيما على صعيد القدرة والاستطاعة من خلال الموقف المحايد للقوى المسلحة في البلدين، أما في أماكن أخرى مثل ليبيا وسوريا فقد وقف الجيش ضد حركة الجماهير وبالتالي أصبحت ثورتهم أقرب الى عملية انتحار جماعي منها الى انتفاضة أو ثورة سلمية مدروسة، لذلك من موقع الحرص على دماء الجماهير ومصالح الأمة، لا سيما من المفهوم الشرعي، لا يمكن أن نؤمن فتوى أو حكما شرعيا إذا لم نر أن هذه الثورات تتوفر فيها القدرات المطلوبة على إحداث التغيير المنشود، خصوصا أن الحركات التغييرية غير المدروسة تضع الجماهير في خدمة مشاريع أخرى تحولهم من واقع مرير الى واقع أمرّ وهذا أمر غير جائز.


- 'النهار'
الانتفاضة الشعبية في سوريا: المستبعد والممكن
بقلم رينود ليندرز:

فيما تتركز كل الانظار في الاشهر القليلة المقبلة على المواجهات المستمرة بين المتظاهرين والنظام السوري، قد يأتي التحدي الاساسي من داخل النظام نفسه، اي من القوى الأمنية.فيما تواجَه التظاهرات الحاشدة غير المسبوقة بقمع شديد من النظام في مختلف أنحاء سوريا، كثيراً ما يُطلَب من الباحثين والأكاديميين التعليق على سؤال يكادون لا يعرفون شيئاً عنه: ما الذي سيحصل؟ إصرار وسائل الإعلام وسواها على طرح هذا السؤال لافت، ولو كان مفهوماً، لا سيما أن لا أحد من المراقبين المتخصّصين في الشأن السوري توقّع في الأصل حدوث الاضطرابات الراهنة. بيد أن المستقبل القريب قد لا يكون عصياً على الفهم بالكامل. بالفعل، إذا كان في الماضي القريب والأبعد أيّ دليل عن المستقبل – إنما مع إضافة مجموعة من التنصّلات التي لا بد منها – يبدو مستبعداً حدوث تغيير للنظام يقوده الشعب في سوريا. بدلاً من ذلك، غالب الظنّ أن الاستقرار سيتزعزع بصورة مستمرّة، وستقع مواجهة بين المحتجّين والنظام، مما يولّد مأزقاً بين القوى المتناحرة، وإصلاحات مجزّأة من المحتّم أن تحبط الآمال بتحقيق تغيير جوهري، وعلى الأرجح أنها ستثير مزيداً من الغضب والعنف. لكن فيما ستتركّز كل الأنظار في الأشهر القليلة المقبلة على المواجهات المستمرّة بين المتظاهرين والنظام، قد يأتي التحدّي الأساسي من داخل النظام. ففي الماضي، كان الاعتماد الشديد على القمع خارج نطاق القضاء في سوريا يدفع بالقوى الأمنية وشبه العسكرية إلى الانقلاب على النظام نفسه.منذ منتصف آذار، وبتحفيز من انتفاضات حاشدة وغير مسبوقة أيضاً في تونس ومصر، قام آلاف السوريين العاديين بما لم يكن في الحسبان: نزلوا غاضبين إلى الشوارع، مطالبين أولاً بالإصلاح، لكنهم راحوا يطالبون أكثر فأكثر بإطاحة النظام ووضع حد لثمانية وأربعين عاماً من ديكتاتورية البعث. والاحتجاجات التي صُوِّرت في البداية بأنها مجرّد تذمّر محلي الطابع يعبّر عن مشاعر غضب قبلية في درعا، توسّعت وعمّت مختلف أنحاء البلاد وتشمل الآن حمص، ثالث أكبر مدينة في البلاد، وحتى ضواحي دمشق. ويبدو أن المناطق الكردية في الشمال الشرقي انضمّت أيضاً بزخم كامل إلى التظاهرات. ردّ النظام عبر اللجوء إلى العنف، ولم يتردّد في نشر الدبّابات والقنّاصين، فقتل نحو 750 مدنياً بحسب التقديرات واعتقل الآلاف. صور الاحتجاجات والممارسات الهمجية للقوى الأمنية التي تُبثّ سراً من سوريا عبر موقع 'يوتيوب' الإلكتروني في شكل أساسي، مثيرة للدهشة والصدمة في آنٍ واحد. على الرغم من أنه يستحيل التأكّد من دقّتها، تترك انطباعاً بأنه على شيء ما أو أحد ما أن يستسلم. تشير الأعداد المتزايدة من المتظاهرين إلى إنهم لن يبادروا إلى الاستسلام. والنظام بدوره قطع وعوداً بالإصلاح السياسي كانت لتثير الحماسة في أزمنة أخرى. لكن المتظاهرين والسوريين العاديين على السواء يعرفون تماماً أن عملية 'الإصلاح' الأزلية في بلادهم التي تعود إلى 'الحركة التصحيحية' التي أطلقها حافظ الأسد في مطلع السبعينات والتي أعاد ابنه بشار إحياءها وصوغها منذ عام 2000، سوف تعيد تكوين الحكم السلطوي وإنعاشه وستجعله أكثر قدرة على الصمود بدلاً من إطلاق تغيير فعلي. ولذلك تستمرّ التظاهرات. بيد أن التظاهرات الحاشدة، أياً يكن حجمها أو حدّتها، ليست كافية لإسقاط النظام. أبعد من الرومنطيقية الثورية التي يجري التركيز عليها في السياق التونسي والمصري، يبدو أن العملية الانتقالية التي لم تكتمل بعد في هذين البلدين تشير إلى عاملَين مسهِّلَين أساسيين ومترابطَين: موقف القوّات المسلّحة وقدرة المتظاهرين على التنظّم كما يجب لإقناع قادة الجيش بدعمهم أو على الأقل بالابتعاد عن النظام ورموزه الأساسيين. هذان العاملان غائبان بكل وضوح في سوريا، تماماً كما تفتقر إليهما عمليات انتقالية أخرى متوقِّفة أو متعثّرة في المنطقة، ولا سيما في البحرين واليمن.أولاً، بسبب عقود من القمع الشديد والمزايدات الأيديولوجية، لا يبدو أن هناك قوى معارضة منظَّمة جدّياً أو حتى فاعلة هامشياً في سوريا. ولذلك، فإن المحاولة الأخيرة التي قام بها ناشطون معارضون من داخل سوريا وخارجها للتعبير علناً عن مطالبهم من النظام السوري كانت حافلة بالتناقضات والتنافر ونواقص أخرى، ولم تترك وقعاً لدى أحد، ولا حتى المتظاهرين. كانت الردود الشعبية التي صاغتها تجمّعات محلّية نُظِّمت على عجل، بما في ذلك في درعا، أكثر وضوحاً وتماسكاً في التعبير عن مطالبها من النظام، لكنّها لا ترقى إلى مستوى البرنامج الوطني. في هذه الأثناء، استمرّ بعض الناشطين المعارضين المخضرمين، على غرار ميشال كيلو، في التزام شعارهم الإصلاحي، أو اعترفوا، كما فعل بتواضع الناشط الشيوعي المتقدّم في السن، رياض الترك، بعجزهم عن توجيه التظاهرات التي ينظّمها شباب البلاد أو قيادتها. قد لا يؤثّر ذلك في الاحتجاجات في ذاتها، لكنه يسلّط الضوء على فشل المعارضة في تحقيق اختراقات في القوّات المسلّحة، وفي إقناع الضبّاط والقادة العسكريين، عبر ركوبها موجة التعبئة الشعبية، في اتّخاذ مواقف مؤيّدة لتغيير النظام. والدعوة العلنية التي وجّهتها 'المبادرة الوطنية للتغيير' إلى شخصيات عسكرية بارزة لدعم الثورة هي خير دليل على أن المعارضة فشلت في بناء قنوات سرّية تقودها إلى القوّات المسلّحة لنقل تلك الرسالة إليها.ثانياً، من المستبعد جداً أن تؤدّي القوّات المسلّحة السورية دوراً داعماً للمتظاهرين. فعناصر الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، إلى جانب القوى الأمنية، متمرِّسون جيداً في القتال ويكنّون ولاء مطلقاً للنظام. ويُعرَف عنهم أنهم يُرسَلون لقمع الاعتراضات من دون أن يطرحوا أيّ أسئلة. قد يبدي البعض في القوّات المسلّحة النظامية امتعاضه، كما تشير التقارير غير المؤكَّدة عن الانشقاقات ورفض التقيّد بأوامر إطلاق النار. لكن نظراً إلى أن هذه القوّات النظامية تعاني من الإهمال منذ سنوات كثيرة، فهي لا تضاهي القوّات الخاصة المدجّجة بالسلاح التي يقودها في شكل أساسي ضبّاط علويون بينهم أفراد من عائلة الأسد الموسَّعة. سوف تلقى التوقّعات، لا بل التهديدات التي يسوّق لها النظام نفسه بحماسة، بأنه من شأن سقوط النظام الحالي أن يؤدّي إلى عنف على الطريقة العراقية، رواجاً لا سيما في صفوف هذه القوّات الخاصة لأنها ستخشى الانتقام الشعبي من تجاوزاتها القمعية الحالية والسابقة أيضاً. لا يعني هذا أن النظام سيستمرّ من دون أيّ تغيير. على العكس، في هذا السيناريو، قد تصدر الضغوط من أجل التغيير (غير المرغوب فيه) عن الأجهزة الأمنية، والقوات الخاصة بالذات. فكما لاحظ دانكوورت روستو بالنسبة إلى المنطقة ككلّ في مطلع الستّينات، يؤدّي اعتماد الحكومات المتزايد على القمع العسكري إلى تطوّر شديد في مهارات الجيش في ممارسة الإكراه الداخلي، مما يجعل بدوره هذه الحكومات 'هدفاً أكثر هشاشة وإغراء' للانقلابات العسكرية. في ماضي سوريا، غالباً ما كانت محطّات القمع المفرط تؤدّي إلى تضخيم الثقة بالنفس لدى عناصر أساسيين في عنف الدولة، أو تغذّي لديهم شعوراً ملحّاً بوجوب مكافأتهم، أو تثير مخاوف لدى أزلام النظام من تصفيتهم في مرحلة لاحقة عندما يحاول النظام العودة إلى حكمه السلطوي المعتاد. أياً تكن الطبيعة الدقيقة لهذه الدوافع، حصلت الانقلابات والهجمات الداخلية على النظام أكثر من مرّة في ظروف مماثلة، ولا سيما عندما شنّ رفعت الأسد محاولته الانقلابية الفاشلة عام 1983 عقب دوره البارز في قمع الإسلاميين العنيف بين 1980 و1982، وخصوصاً في مدينة حما. انطلاقاً من هذه الخلفية، تكمن المفارقة في أن قرار النظام الأخير إلغاء محكمة أمن الدولة العليا التي وصفها ديبلوماسي غربي بأنها 'مركز المعالجة' لقانون الطوارئ الذي ألغي أيضاً، قد يرتدّ بنتائج عكسية بحيث إن القمع الشديد الخارج عن نطاق القضاء سينتشر من دون أي حدود في حين أن منفّذيه سيزدادون أهمّية. وقد يطمح أزلام النظام إلى الحصول على مكافآت تقديراً لدفاعهم عن النظام في وجه التحدّي الأكثر خطورة له منذ الثمانينات على الأقل، أو قد يسعون في الوقت نفسه إلى حماية أنفسهم من محاولات النظام المستقبلية للتخلّص من عناصره البغيضين جداً الذين سيُعتبَرون عندئذٍ غير جديرين بنظام 'يسير على طريق الإصلاح'. يجب التنبّه جيداً للخطوات التي سيقوم بها في المستقبل أولئك الذين ترد أسماؤهم الآن على لائحة الاتّحاد الأوروبي التي تضم ثلاث عشرة شخصية سورية يُعتقَد أنها تقود القمع الحالي للانتفاضة في سوريا، والتي وُضِعت في وقت سابق هذا الشهر بهدف إخضاعهم للعقوبات.
أستاذ في جامعة امستردام
باحث في الشؤون السورية
ترجمة نسرين ناضر


- 'النهار'

ذكرى 'النكبة' الفلسطينية: بين 'حق العودة' و'عودة الحق'
بقلم وزير الصناعة اللبناني إبراهيم دده يان:

في ظل حراك تغييري عربي شامل، اثبت الشعب خلاله انه هو المحرّك، دبّ الذعر في نفوس الحكام والأنظمة على اختلافها، وليس الاسرائيليون بمنأى عن ذلك.في الخامس عشر من أيار 2011، اختلفت 'ذكرى النكبة' عن سابقاتها بالنسبة للشعب الفلسطيني ... وبالرغم من عدم استكانة هذا الشعب طـوال سنوات النكبة الثلاث والستّين (منذ عام 1948)، إلا أن 'احتفاليّته' هذه السنة كان لها نكهة مميّزة ومغزى مميّزاً أيضاً، بعد أن سال الدم العربي على حدود الوطن الفلسطيني في ساعة واحدة من جراء رصاص الاحتلال الإسرائيلي، الذي انهال على أبطال 'مسيرة العودة' في مارون الراس اللبنانية والجولان السوري والداخل الفلسطيني... في وقت كسر فيه 'المنتفضون' حاجز الخوف الذي بناه المحتل متوهماً أنه 'أبدي'... وأن العرب ينامون نومة أهل الكهف...لقد برهنت 'إحتفالية العودة' هذا العام أن دولة الإحتلال الإسرائيلي التي قامت على الدم والجثث والمجازر، لا تزال ماضية في نهجها العنصري الدموي القمعي ضد الشعب الذي اقتلعته من أرضه ودياره ووطنه، وشردته إلى خارج الحدود عبر 'معابر التهجير والتشريد'، التي انقلبت اليوم إلى مشاريع 'معابر عودة' إلى الوطن، وتحوّلت إلى قلاع محاصرة للحصار الصهيوني... في ظلّ حراك تغييري عربيّ شامل، اثبت الشعب خلاله أنه هو المحرّك، وهو الرافعة، وهو القوّة القادرة على قلب المقاييس وتغيير المعادلات... ودبّ الذعر والرعب والخوف والقلق في قلوب ونفوس الحكام والأنظمة على اختلافها، وليس الإسرائيليون ودولتهم العنصرية بمنأى عن ذلك... لقد أكدت 'مسيرة العودة' هذه (رغم حمّام الدم الذي جرى فيها) عقم المراهنات الإسرائيلية على تدجين وتطبيع وتركيع الشعب العربي، والفلسطيني منه خاصة، كما على محو هويته وطمس ذاكرته...كما أكدت من جهة أخرى، أن الشعب الفلسطيني ليس شعباً قابلاً للذوبان والإنصهار في أفران الاحتلال وممارساته، مهما بلغت درجة حرارتها وجرائمها... لا سيّما ان 'الكنيست' كان قد أقدم في الثاني والعشرين من شهر آذار 2011 على إصدار ما سمّاه بـ'قانون النكبة' لتجريم كلّ من يحيي ذكرى النكبة في الداخل. وهذا ما يتناقض مع قرار الأمم المتحدة رقم 192 القاضي بحق العودة.والتزاما بتنفيذه حرفيا كان تطبيقه العملي ضّد من أحيوا هذه الذكرى، خارج الحدود أيضا، عبر الرصاص والقتل والدم.والواقع، أن 'فكرة' مسيرة العودة في ذكرى النكبة، أفقدت العدو أعصابه، وجعلته يرّد بالرصاص والدم على المنتفضين العّزل إلا من إيمانهم بحق العودة، وعودة الحق إلى أصحابه الشرعيين. ذلك لأن هذا الحق (حق العودة) هو حق فلسطيني مشروع لكل فلسطينيّي الشتات على اختلاف ألوانهم وأفكارهم وميولهم وتياراتهم. ومهما بلغت الخلافات في وجهات النظر، يبقى الاتفاق جوهريا ومبدئياً على حق العودة ورفض إلغاء الهوية وطمس الذاكرة. كيف لا، وقد جاءت هذه المسيرة ثمرة مباشرة لـ'الوحدة الوطنية' الفلسطينية التي كرّستها وثيقة القاهرة أخيراً كعودة الروح إلى الجسد الفلسطيني الذي عانى شللا رهيبا منذ سنوات على أثر الانقسام والخلاف الذي فعل فعله فيه. ونتمنى أن لا يعود.لقد برهنت 'مسيرة العودة' هذه أن الجيل الفلسطيني الجديد هو امتداد أصيل للجيل الفلسطيني العتيق، الذي يريد العبور إلى المستقبل من داخل فلسطينه التاريخية، التي تعجز كل قوى العالم عن شطبها من خريطة التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا. كما أن هذه المسيرة اليوم هي دليل حّي على أن الشعب الفلسطيني مّل بيانات الاستنكار وتصريحات الشجب الرسمية العربية على سياسة الاحتلال وممارساته الإجرامية والتهويدية، موقنا أن العمل الميداني ( ولو سلميا) هو أجدى بكثير من أطنان البيانات والتصريحات التي لا تعيد حقاً مغتصبا إلى صاحبه، والمهم أن يبقى العدو في حالة من القلق والضياع وعدم الاستقرار، باعتبار أنه 'لا يموت حق وراءه مطالب'.يبدو من خلال ذلك، أن 'مسيرة العودة' في ذكرى النكبة عام 2011، حّددت لجيل العودة  'بوصلة دربه' نحو فلسطين، حيث أن التراجع عنها مستحيل ... ومن جهة أخرى، إنها بداية اكتشاف الاحتلال الإسرائيلي لعمق مأزقه الكيانيّ الوجوديّ الغاصب. ولعلّ رمزّية توقيتها ومغزاها هو ما أثار القلق في نفوس المحتلّين وأصحاب القرار في المؤسسات الأمنية والسياسية والاستراتيجية. وكانت ردّة فعلهم دموية عنصرية قمعية فاقعة. ذلك لأن فلسطين التاريخية 'أصبحت هي الحاضرة الأقوى في المعادلة وليس إسرائيل' المغتصبة والعنصرية. خلاصة القول، إن 'مسيرة العودة في ذكرى النكبة' التي واجهها العدو الصهيوني بالرصاص الحيّ والدم والقتل، أثبتت أن ما راهن عليه هذا العدو خــــلال 63 عاما من 'نسيان فلسطين' وتكريس احتلاله وشرعنته دولياً، أصبح ورقة في مهب الريح الشعبية التي غيرت أنظمة ودكّت عروشاً وزعزعت كراسٍي وبدّلت معادلات وقلبت مقاييس واقتناعات كانت مسلّمات غير قابلة للجدل. كما كانت في الوقت نفسه بداية لزعزعة مقولة 'حرب الإستقلال' الصهيونية، 'دولة اليهود' الهرتسيلية، من أساسها.وباختصار وبساطة، إن شعب فلسطين لا يريد إلا العودة إلى فلسطينه التاريخية. لا أكثر ولا أقل.ورحم الله الأمير شكيب أرسلان الذي كان أول من قال عن الصهيونية بأنها 'لص وقاطع طريق'...  


- 'السفير'
الإسلام الجديد والانتفاضات العربية
ريتا فرج:

رغم تعدد القراءات السياسية للحراك الثوري منذ صدمة الوعي التونسية، التي حولت العالم العربي الى ربيع حيوي لم يتوقعه الكثيرون، ثمة مؤشرات دالّة تكشف عن معطيات جديدة أتت من رحم الانتفاضات. وإذا كان الجيل الشبابي بكل أطيافه وطبقاته لم يرفع طوال المرحلة الماضية شعارات ايديولوجية باعتبار أن الحرية والديموقراطية والتنمية شكلت المدماك الأساسي لمطالبه، لكن يبدو أن تيارات الإسلام السياسي بدأت تتلمس هي الأخرى ارهاصات التحولات التاريخية، وتأتي مشاركتها في &laqascii117o;الثورة العربية" إذا جاز التعبير تحديداً في الأنموذجين المصري والتونسي، والتي تبعها إعلان حركة الاخوان المسلمين في مصر عن تأسيس حزب الحرية والعدالة ذو الطابع المدني، لتبرهن عن انتقال تراكمي أو تحول في مزاج الإسلام الحركي، أي ذلك الإسلام الجديد الساعي للتدرج نحو الحداثة، عبر التماهي مع تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا.في السابق، أغدق الاسلامويون علينا بمفاهيم ايديولوجية/ دينية تتمحور حول الحاكمية وجاهلية العالم ومحاربة الطاغوت. هذه الحقبة التي دخلت في ذروتها في سبعينات القرن الماضي وما بعدها، يبدو أنها بفعل التجربة المريرة لم تعد من أولويات الإسلام الحركي، تحديداً لدى فروع الاخوانية. وقبل انفجار ربيع العرب أجرى بعض منظري الحركات الإسلامية مراجعات قيل عنها الكثير، ولعل المراجعة التي قامت بها الجماعة الإسلامية في مصر منتصف التسعينات، تدل على تطور في الوعي الإسلاموي، لكن الأهم ما قامت به حركة الاخوان في بلاد الكنانة، فهل يعني ذلك أنها تتجه الى الأسلوب الواقعي؟ حين تطالب الاخوانية المصرية مع ثوار بالديمقراطية والحرية والعدالة، فإن هذا المعطى يؤشر الى عدة مفهومية مفارقة للخطاب السياسي القديم، دون أن يعني ذلك التخلي عن تطبيق الشريعة الإسلامية.الإسلام الحركي العربي يحاول اليوم التماهي مع الإسلام التركي، بطرق مختلفة، ويأتي نجاح حزب العدالة والتنمية كعامل مساعد لدعم هذا التوجه، ولعل البراغماتية الاخوانية التي اكتسبتها بسبب صدامها مع السلطة، أعطتها دروساً عززته عوامل مختلفة أهمها: العنف لا ينتج إلاّ عنف السلطة، وأن الجمهور الإسلامي ما عادت تغريه كثيراً خلاصات الإسلامويين، وهذا لا يدل على قطع الوعي المجتمعي مع الدين، وإنما يسعى هذا الوعي الى الأخذ من الحداثة ما يناسبه.الحديث عن مآلات الإسلام الجديد يحتاج لفترات طويلة كي ينضج، غير أن فترة الانتظار لا تمنع محاولة إستقراء الشروط المولدة لهذا التحول. ثمة شرط جوهري لا يلحظه الباحثون، يتمثل في انفتاح المسلمين على عوالم مختلفة عن منظومتهم القيمية؛ تكنولوجيا المعلومات أحدثت صدمة تراكمية في الوعي أدت الى تلق تراكمي لسياقات الحداثة التي طالت البنى المادية، تحديداً في المجال الاقتصادي الذي يشهد انبعاثه في مدن عربية مختلفة؛ التحديث هذه المرة يُستمد من الاقتصاد والسوق الحر، وليس من المجال السياسي، الذي خيضت حوله حروب استنزاف طويلة. وفي هذا السياق خلص المفكر الفرنسي جاك أتالي الى نظرية مهمة قوامها &laqascii117o;الانخراط في نظام السوق يؤدي الى ولادة الديموقراطية"، وبصرف النظر عمّا تمثله إمارة دُبي من مثال صارخ عن المدينة المفتوحة على العولمة، والتي سبق أن درسها الباحث الاميركي ذو الأصول الايرانية وليّ نصر في أطروحته العلمية &laqascii117o;صعود قوى الثورة/ نهضة الطبقة الوسطى في العالم العربي وانعكاساتها على عالمنا"، لا بد من التدليل على أهمية الشروط المكتسبة من العولمة لجهة التطورات التي أحدثتها على مستوى الوعي العربي، في الاقتصاد وتكنولوجيا المعلومات، بما يمثلان من عربة تعمل على نقل الأفكار وتداولها، وإن ببطء شديد، وذات مرة تأمل مفكر في القرن التاسع عشر القاطرة البخارية فقال: &laqascii117o;هذه الألة ستهدم المجتمع القديم فهي أكبر ناقل للأفكار".بالعودة الى ولي نصر صاحب &laqascii117o;صحوة الشيعة" يمكن إيجاز فرضيته في الكتاب المشار اليه سابقاً على النحو الآتي: &laqascii117o;العلاقة بين الطبقة الوسطى في العالم العربي والسوق الحر ستؤثر في الثقافة والدين، ما يعني أن انبعاث السوق الحر سيفتح الطريق لهزيمة التطرف وتحقيق التحرر المجتمعي". والحال أين هو الإسلام الجديد من العولمة والسوق الحر؟ يرى نصر أن التدين الشائع في أوساط الطبقة الوسطى ما هو إلاَّ أسلوب تسلكه المجتمعات الاسلامية لتحقيق الاندماج... وهذه المجتمعات تستهلك الإسلام بمقدار ما تمارسه، أي أنها تسعى لتقبل الحداثة بالشروط الإسلامية، وعلى هذه القاعدة يعمل نصر على دراسة أنموذج الإسلام التركي، وفقاً لمعايير ارتباط حزب العدالة والتنمية بالطبقة الوسطى، التي تبدي بعض التدين، إلاّ أن تدينها يدعم ارتباطاتها بالاقتصاد العالمي، وبالتالي الاسلام الجديد في تركيا هو نتاج للرأسمالية والعولمة والتجارة.خلال انفجار الحراك الثوري طرحت سيناريوهات عن مستقبل العالم العربي، فريق رأى أننا قادمون على إسلام راديكالي، وآخر رأى أن الطبقة السياسية الجديدة ستحسم خيارها نحو الإسلام التركي المعدّل، وبين هذا وذاك يبدو أن الإسلام العربي ستتسع احتمالاته على التعددية، دون الخوض في تجارب العنف والعنف المضاد الذي اختبرته الحركات الإسلامية. ويبدو أيضاً أن الجيل الشبابي أو الفاعل الرقمي كما يسميه علي حرب ما عادت تؤثر فيه لوثة الايديولوجيا، وإذا كان العكس كيف تفسر مطالب هؤلاء الثوار الجدد؟ لا شك في أن مآلات الانتفاضات أو الثورات العربية تحتاج الى فترات زمنية لمعرفة نتائجها على المستوى السياسي والثقافي والمجتمعي، لكن ما يمكن الاشارة اليه أن العولمة بآلاتها ستمارس استراتيجة الحفر من زاوية البنى المادية، ما يساهم في النظرة الى الإسلام والثقافة والمجتمع من زاوية أشد انفتاحاً، بفعل السوق الحر.ما يحدث في العالم العربي تطور جسيم في تاريخنا المعاصر، ولا يمكن الحسم بأفول الإسلام الراديكالي وإلاّ ما معنى الظهور الكثيف للحركات السلفية، التي من المرجح أنها ستتجه نحو تطبيق الشريعة والتخلي عن المشروع السياسي. الإسلام الجديد الناهض من الانتفاضات، إسلام متعدد، ونحن في انتظار ما ستؤول اليه الحركة الاخوانية المصرية، والأهم من كل ذلك أن المسلمين والعرب يعملون على بناء حداثة خاصة بهم ستأتي هذه المرة من العولمة وتكنولوجيا المعلومات.


- 'السفير'
إدوارد ســعيد: أيهــا المثقفــون.. لا تخونــوا شــعوبكم
نصري الصايغ:

انقسم العرب ولا يزالون. هذا قانون يهتدون به ويرجعون إليه. اتحادهم، شذوذ على القاعدة.. كان الظن، أن &laqascii117o;الثورة العربية الديموقراطية"، ستدشن موقفا عربياً جديداً، يتأسس على مرجعية جديدة: &laqascii117o;الشعب يريد"، والسياسي يلتزم والمثقف يطيع.. لكن هذا الظن تبدَّد، فسرعان ما استعاد العرب تراثهم الانقسامي، بعد انتصار الثورتين في تونس ومصر، وانتقالهما إلى مناطق &laqascii117o;الشروخ" المذهبية والطائفية والعشائرية والقبلية والعقدية.
من حق الملتزمين سياسياً، أكانوا منظمات أم أحزاباً أم أنظمة، ان يختاروا &laqascii117o;الثورة" التي تناسبهم. المصالح السياسية، الآنية غالباً، والاستراتيجية نادراً، تحدد مواقف الأطراف من التغيرات والتطورات. وعليه، فإن ما يعتبر في الأدبيات السياسية، خطأ جسيماً، ليس بالضرورة كذلك، فقاعدة ازدواجية المعايير. ليست امرا جديداً. هذا سلوك سياسي شائع، مذ نشأت الجماعات والقبائل والدول، على عصبيات ومصالح وعقائد وديانات. ولا تزال هذه القاعدة راسخة في التعامل الدولي، برغم ما تتعرض له من &laqascii117o;إهانات" هوجاء، يطلقها عديمو النظر، عندما تستعمل ضدهم، أو تسيء إليهم، ويلجـأون إليها، عندما تضر خصومهم.لقد وقف فرقاء كثر إلى جانب الثورات التي لا تخصهم حقيقة، ولا مصالح مباشرة مرتبطة بها. فمن وقف إلى جانب ثورتي مصر وتونس بحماسة، وجد نفسه ضدها في البحرين (فريق واسع من دول ذات أغلبية سنية). ومن وقف كذلك إلى جانب ثورتي مصر وتونس، وجد نفسه ضدها في سوريا، (فريق واسع من أغلبية ممانعة وشيعية وقومية ومقاومة).لقد مارس الفريقان، القاعدة الذهبية السيئة السمعة: ازدواجية المعايير. واحتمى كل فريق بمنطق نظام يدافع عنه، أو بمنطق جماهير(ه) التي اختارها تعبيراً عن رفضه للنظام.غير ان اللافت، انقسام المثقفين. انقسام أهل الرأي. انشطار أصحاب المواقف المبدئية، بين ان يكونوا مع الثورة الديموقراطية، مهما كان موقعها، وفي أي بلدٍ تقع، وبين أن يختاروا كالسياسيين، وأصحاب المصالح السياسية ومشتقاتها المادية والسلطوية، النظام الذي يبرئونه من لوثة الهيمنة والاستبداد، أو يغضون الطرف عنه، لحاجتهم إليه.هل يحق للمثقف أن ينحاز إلى ثورة هنا ونظام هناك، خصوصاً أن الأنظمة العربية تنتسب إلى حزمة الأنظمة الشمولية، الاستبدادية، الفاسدة، الـ... إلى آخره من موبقات نصف قرن من القمع والاستباحة والسيطرة، أكان النظام ملكياً أم أميرياً أم سلطانياً أم جمهورياً أم سلالياً أم حزبياً أم طائفيا، أم خليطاً من بعض هذا وبعض ذاك؟الوقوع في الحيرة، دعاني إلى زيارة المرجعية الثقافية، وأخذت نصاً من إدوارد سعيد، افترضت أنه لو كان على قيد الحياة، لأرسله إلى المثقفين، ليضعهم أمام مسؤولية صعبة، وشاقة، ومأساوية، لكنها مهمتهم وحدهم، ولا أحد سواهم.أخذت الرسالة التي كان من المفترض أن يرسلها. جعلت من نفسي وكيلا موقتا على إرثه. وأتحمل مسؤولية نقله إلى القارئ، من دون المساس بحرف من رسالته. إذاً، هي رسالة حرفية من إدوارد سعيد إلى المثقفين، أنقلها لأنتصح بها، وألتزم بمقتضياتها، فأخرج من الانفصام والانشطار، وأتجرأ على أن أفتح عينيّ، لأرى الأنظمة وقد تعرت بالكامل، ولأقف مع &laqascii117o;الشعب يريد"، وقد بات جاهزاً للقربان.. حتى الآن، أعرج بين هذه وتلك. وأجد لنفسي ما يبرر تأرجحي. الثقافة تدعوني إلى الامتثال لقواعد القيم، (حرية، كرامة، ديموقراطية)، والسياسة تلح عليّ بأن أحترم حاجات اللحظة التي تواجه فيه الأمة، احتلالاً واغتصاباً وهيمنة ومشاريع استتباع. وأرجح أن هذه الإقامة الشقية في مستقر &laqascii117o;المنزلة بين المنزلتين"، لن تطول، لأن الحرية والديموقراطية والكرامة، منطلقات تأسيسية لمرحلة المواجهة الشعبية (وليس مواجهة بعض الأنظمة) للمشاريع العدوانية الآنف ذكرها. لديّ هذه الرغبة في الخروج من الحيرة، فأتحرر من كل قيد، ملتزماً معسكر القيم والحقوق الإنسانية والديموقراطية والعلمانية واحترام الآخر، بلا تورية ولا مواربة ولا مجاز، ومطلقا معسكر التبرير والاستعماء والتذاكي والبلطجة الإعلامية، حيث يتم تشويه &laqascii117o;الشعب يريد"، بمرتزقة وسفلة ومندسين وإرهابيين، قد ينتج بعضهم الواقع المريض، ويصر النظام على تعميم خطره وتضخيمه، كحجة لاستتباب قبضته الحديدية.الانشطار لدى المثقفين، يجعل من انحيازاتهم العوجاء، كائنات لامبالية ومتعالية تثير الاشمئزاز، عندما تتبرع بتبني منطق السلطة، عندما تبرر عذابات الجماعات، أو عندما تنفيها، أو عندما تضخم استيهامات السلطة، وهي جماعات اختارت ان تصنع أوطانها بدمائها، بلا أي اعتبار، لهوية السلطة، أكانت هوية دينية، مذهبية، طبقية، قومية، تبعية، مستقلة(!) ممانعة أو زاحفة على جبينها.تحوّل بعض المثقفين، إلى مرابطين جديين في مواقع السياسة، وتخلوا عن ترهبنهم الإلزامي، عندما تخلوا عن قول الحق، كل الحق، للسلطة. لأن لا وظيفة ولا قيمة تضاهيان دور المثقف هذا. أي ان يكون باستمرار، نقيضا للسلطة، ناقداً لها. فالمثقف عليه أن يختار بين أن يكون منفياً عن السلطة بإرادة منه، وهامشياً إزاء القوى السلطوية بقراره، وملتزماً بأن يكون خادماً واقعياً للناس وعدواً سافراً للظلم، المتجسد نظاماً وطبقة وسلطة وإعلاماً وعسكراً ومالاً ونفوذاً.إنها لمهمة صعبة، وتبدو مستحيلة. غير انها إذا قورنت بمهمة الجماهير العربية اليوم، التي خرجت لتعلن بعد مخاضها الأليم، موعد ميلاد الحرية، بسخاء نضالي باسل، عز نظيره بين الأمم، تبدو هذه المهمة، متواضعة، لا بل، تبدو مريحة جداً، تشبه عقوبة بوراجوزية مسلية، إذ، لا يعدو أن يكون ثمن القول الحق، تأييدا للحرية، سجنا أو ما أشبه. والفارق بين قصاص يبقيك حياً حراً، وبين عقوبة تسلبك الحياة بقسوة الطلقة، ليس قليلا، كالفارق بين الوجود متحققا، والعدم متجسداً.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد