ـ 'السفير'
على الطريق : العيد .. والحرب الثالثة!
طلال سلمان:
تجيء ذكرى &laqascii117o;التحرير"، الذي طال الجدل حول اعتباره عيداً وطنياً، والبلاد جميعاً في حاجة إلى مَن يحرّرها من طبقتها السياسية التي تتسبّب في الإساءة إلى الوطن والشعب والدولة بأكثر مما فعل الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً إذا ما تذكّرنا أنه &laqascii117o;العدو"... فهذه هي البلاد بلا حكم بالمطلق، رئيسها مجرّد &laqascii117o;شاهد"، والحكومة اثنتان: واحدة برئيس ووزراء ممنوعين من التوقيع، والثانية برئيس مكلّف يدور ملتفاً حول ذاته بحثاً عن وزراء فلا يقبل مَن يعرض عليه الشركاء ولا هو يعرض إلا مَن يعرف أنهم سيرفضونه. أما المجلس النيابي الذي استولد قيصرياً بقانون قاتل للديموقراطية بمفعول رجعي، فهو في إجازة كلما قاربت على الانتهاء جدّدها قيصرياً مرة بتفاؤل مفرط، ومرة أخرى بنعي مرجأ! أما المقاومة، بطل التحرير بالشهادة وبالتفاف الجيش والشعب من حولها، فموضوع جدل: هل تجوز الإشارة إليها في البيان الوزاري أم يستحسن تجاهلها حتى لا ينقسم الوطن المحرّر وتتهدّده الفتنة، وحتى لا نستفز الإدارة الأميركية التي كانت شريكة إسرائيل في الحرب (التي ستشنها انتقاماً لهزيمتها الأولى في 25 أيار 2000 فلا تحصد إلا الريح في هزيمتها الثانية في تموز ـ آب 2006)، والتي ما تزال شريكتها، وستبقى... بل هي تتقدم الصفوف لتوجّه إلى المقاومة التي قاتلت عدوها ما يقارب العقدين وجهاً لوجه، تهمة تدبير الاغتيالات والمشاركة في تنفيذها.
هي الحرب الثالثة إذاً، وهذه المرة باسم المجتمع الدولي، وعبر المحكمة الدولية. وهي إسرائيلية أيضاً، وإن كان &laqascii117o;القائد" أميركياً، شاء أن يقدّم لضيفه السفاح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو &laqascii117o;الجائزة الكبرى"، بعد أطنان السلاح الأحدث والأعظم فتكاً، وبعد خزائن المساعدات التي تتكفل بها عائدات الربح من فائض النفط العربي بعدما أجمع أهله على &laqascii117o;السلام" وتفويض العدو الإسرائيلي بمستقبل بلادهم مساحة وحدوداً وطرق اتصال وأسباب تواصل بين شعوبها المبعثرة بين أرجاء &laqascii117o;دولة يهود العالم الديموقراطية".
... وكان لا بد من دمغ المقاومة وأبطالها بتهم مشينة، كالاغتيالات، والمطالبة بمحاكمتها دولياً، قبل أن يستتب الأمر للثورات التي تفجرت بها الأرض العربية جميعاً، والتي كلمة السر فيها &laqascii117o;فلسطين"، ولو لم يجهر بها شبابها الأبرار. هل من ضرورة في الإشارة إلى الترابط بين هذا الاتهام الجديد بمصدره الأميركي وبين &laqascii117o;الحرب" الحقيقية التي شُنّت في الداخل، بكل الأسلحة، على المقاومة وقيادتها الباسلة ومجاهديها الميامين، والتي كادت تصوّرها عصابات خارجة على القانون، وتطالب بنزع سلاحها &laqascii117o;مخرّب الوحدة الوطنية"؟!
لولا النقص في القدرات الذاتية، محلياً، (العسكرية أولاً ثم السياسية) لكانت الطبقة السياسية المعادية، بطبيعة مصالحها، للشعب والوطن والدولة، وللمقاومة بالدرجة الأولى، قد سعت إلى تقديم السيد حسن نصر الله وقيادات &laqascii117o;حزب الله" السياسية والعسكرية (وجمهور المتعاطفين معها بامتداد الوطن العربي) إلى المحاكمة بتهمة &laqascii117o;التخريب وحمل السلاح من دون ترخيص وإثارة الاضطراب، والإساءة إلى العلاقات مع دول صديقة، والتسبّب في تخريب العمران والمسؤولية عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى في معارك لا مبرّر لها ولأهداف كان يمكن تحقيقها عبر التفاوض برعاية الأمم المتحدة وممثلها الشهم تيري رود لارسن الذي يستحق أن يطلق اسمه على شارع في قلب بيروت لو أبقي لها قلب".
كل ما في الأمر أن الرئيس الأميركي الأسمر ذا الجذور الإسلامية باراك أوباما قد استبق العيد ففوّض إدارته بإعلان الحرب على بطل التحرير، ورمز الجهاد في الأمة، قافزاً من فوق الاحتلال الإسرائيلي وحربه المفتوحة على لبنان (وسائر العرب)، مستخدماً في المعركة الجديدة أخبث الأسلحة وأشدها إيذاءً: اتهام &laqascii117o;حزب الله" بارتكاب جرائم الاغتيال، تمهيداً للمطالبة بإحالة &laqascii117o;القضية" على المحكمة الدولية، وهي مُحالة عليها فعلاً، وتدعيمها بادعاء أميركي، هذه المرة، يساند ادعاء بعض أهل الطبقة السياسية المحلية، من أعلى موقع نفوذ في الكون!
الحرب مفتوحة بعد على المقاومة، في الداخل، وفي المحيط العربي الذي أخذه الجنوح عن هويته إلى السلم بشروط إسرائيلية، وفي العالم كله، بعد الادعاء الاتهامي الأميركي والتلويح بالمحكمة الدولية.
(بين المظاهر الجانبية لهذه الحرب أن فضائيات النفط العربي جميعاً قد فتحت شاشاتها وأعطت الهواء لرئيس حكومة إسرائيل أمام الكونغرس توكيداً لمساهمتها الجدية في معركة التحرير في لبنان، سابقاً، وفي فلسطين لاحقاً وبعاصمتها القدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين).
لكنه العيد. عيد كل الوطنيين الذين يفتدون أرضهم بدمائهم ويحفظونه لأبنائهم من بعدهم. وعيد لكل الأمة التي تجاهد من أجل تحرير إرادتها كي يسهل عليها تحرير أرضها واستعادة ثرواتها المنهوبة التي يوظف قسم أساسي منها، مع الأسف، في الجانب الآخر من الجبهة، جانب العدو الذي سيبقى عدواً، طالما استمر شبر واحد من الأرض تحت الاحتلال، أي احتلال وكل احتلال، وطالما استمر مواطن واحد ـ أي مواطن في أي أرض عربية ـ مغلول الإرادة بالقهر أو بالجهل أو بالفقر، وكل هؤلاء شركاء للاحتلال.
تحية إجلال وتقدير لأبطال التحرير الذين منحونا العيد، الشهداء منهم والذين ينتظرون وما بدّلوا تبديلاً.
وكل عام وأنتم بخير.
ـ 'السفير'
الانتصار النفسي لـ'حزب الله'
سامي كليب:
سيحفظ تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ان 'حزب الله' هو فقط من غيَّر المعادلة الايديولوجية والنفسية لأسطورة 'جيش الدفاع الاسرائيلي الذي لا يُقهر'. ليست القضية هنا في انتصاره على آلة الحرب الاسرائيلية الجهنمية والمفتقرة الى كل أسس الاخلاق العسكرية، بل حول قدرته على زعزعة الفكرة الصهيونية بحد ذاتها، وضرب 'اليقين' العسكري الذي ارتاح اليه الشعب الاسرائيلي منذ عام 1947. انتصرت اسرائيل تاريخيا على العرب 3 مرات، معظمها بسبب خيانات عربية عربية او لسوء التقدير والاعداد. فرضت نفسها في العام 1984 لأن 'النخوة' العربية البدوية والبدائية فوجئت بتنظيم عسكري دقيق وبعصابات إجرامية ولكن أيضا بعقيدة دينية وأيديولوجية قوية لدى المستقدمين الاسرائيليين وبغطاء بريطاني صار اُمميا. لا حاجة للتذكير بخيبة أمل القائد المناضل عبد القادر الحسيني (والد المرحوم فيصل) حين ذهب يطلب السلاح من العرب فخذلوه وسخروا منه فعاد ليستشهد على أرض المعركة في 'معركة القسطل' الشهيرة. كان لاستشهاده ولسقوط القسطل دور كبير في اضعاف معنويات المقاتلين العرب وبداية خسارة المعركة العسكرية. وفي عام 1967 انتصرت اسرائيل لسوء تقدير ظاهر عند الجانب المصري، ولعدم صدق السوفيات، وربما أيضا لخيانات في محيط الزعيم جمال عبد الناصر. دمرت اسرائيل جل الطيران العسكري المصري قبل ان يُقلع. سمّرته وشرف الامة في الأرض. أصيب الوطن العربي بالنكسة، فرحت اسرائيل ولكن أيضا بعض القادة العرب الذين كانوا يتآمرون للقضاء على ناصر ووهجه. (لو كانت ويكيلكيس جاهزة آنذاك لتحدثت بشيء يشبه ما كشفته عن الذين تآمروا على 'حزب الله' والسيد حسن نصر الله خلال وبعد انتصار العام 2006). وفي عام 1982 انتصرت اسرائيل بسبب تخلي العرب عن لبنان او صراعاتهم عليهم. تواطأ بعضهم على البلد الصغير، وبعضهم الآخر على فلسطين وقضيتها، وأضيف الى ذلك سوء تقدير وفساد القيادات الفلسطينية التي حوّلت لبنان الى وطن بديل عن فلسطين بمساعدة قيادات من الحركة الوطنية. أما في الحروب الحقيقية أي في حربي 2000 و 2006 فقد هُزمت اسرائيل شر هزيمة. لا ضرورة هنا لرواية من أنكروا الهزيمة من الأبطال اللبنانيين لويكيلكيس، بل يمكن الاعتماد على الاعتراف الاسرائيلي والبلبلة الاسرائيلية لمعرفة حجم خسارة المشروع الصهيوني. لماذا هُزمت اسرائيل وهي المدججة بأحدث أنواع السلاح وبانعدام ضمير عالمي حيال كل وحشيتها؟ السبب بسيط. انتقلت العقيدة من الجانب الاسرائيلي الى 'حزب الله'. نحن أمام مقاتلين استندوا الى دينهم وإلى إيمانهم بأرضهم وبأن معركتهم مصيرية، وجرى دعم الإيمان بتدريب عسكري وقدرات ومفهوم جديد من القتال عز طويلا على معظم الجيوش والمنظمات العربية. صحيح ان مناضلين عربا آخرين كانوا قد رسموا الطريق بدمهم وطواهم النسيان في مصر، هم مقاتلو 'منظمة سيناء العربية' والذين كانوا يسدون المدافع الاسرائيلية بقمصانهم، وصحيح أيضا ان بعض الاحزاب الوطنية اليسارية اللبنانية كانت قامت بعمليات ناجحة، لكن 'حزب الله' كسر فعليا الحاجز النفسي، وهذا هو الانتصار الأهم. وكما كرست الصهيونية رموزا لها عبر التاريخ لدعم العقيدة القتالية والنفسية، فإن صورة السيد حسن نصر الله في الوطن العربي رسخت طويلا في القلوب والوجدان كرمز للمقاومة الصادقة واليقين بأن النصر ممكن. كان لا بد إذا من تشويه صورة نصر الله كما شوهت صورة عبد الناصر، ومصدر التشويه نفسه، والدول نفسها، التاريخ يكرر ذاته، ويجب الاعتراف أيضا بأن الغرق في دهاليز اللعبة السياسية الداخلية ساهم في تصويب السهام على 'السيد' ومقاومته. كان يمكن للسيد حسن نصر الله أن يبقى فوق مآسي السياسة اللبنانية، وأن يحصر خطابه السياسي وإطلالته المتلفزة بالصراع مع اسرائيل، وأن يترك لغيره من حزبه او من الحلفاء مهمة الرد على الراغبين بنزع سلاح 'حزب الله' والمقاومة، او مهمة الدفاع عن الاقليات الشيعية في دول الخليج. لكن ربما عند الحزب مبرراته. سيحكم التاريخ على ذلك، والمهم ان يتجنب 'حزب الله' في المستقبل الفخاخ الكثيرة المنصوبة له لبنانيا بذريعة نزع السلاح، وعربيا بأدوات المذهبية البغيضة. لقد انحصرت المقاومة اللبنانية في العقد الأخير بـ'حزب الله' او كادت. وهي بالتالي ذات طبيعة اسلامية، ولكن للمقاومة أنصارا في الطوائف الاخرى، ولها مناصرون في دول عربية عديدة برغم التهييج المذهبي ضدها، وبين الانصار علمانيون وليبراليون وهؤلاء ربما يختلفون مع 'حزب الله' في فكره الديني والسياسي ولكنهم يلتقون معه في نضاله الشريف ضد اسرائيل ولنصرة فلسطين والاراضي المحتلة. الحاجة باتت ملحة الآن، أي بعد ثورتي مصر وتونس وانتفاضات البحرين وليبيا واليمن وسورية، ان يقدم 'حزب الله' قراءة جديدة للواقع العربي ولدوره فيه، وليس عيبا ان يكون في القراءة نقد ذاتي بغية التطوير. أما تاريخنا العربي فسيقول، لو صدق، إن المقاومة اللبنانية بقيادة 'حزب الله' محطة مضيئة على جبين هذا الوطن العربي الكبير الذي عاش طويلا ذل الصراع. وإن الحاجة الى بقاء المقاومة قوية بمقاتليها وشعبها ومناصريها كبيرة في ظل التقاسم العالمي الجديد لوطننا العربي
ـ 'المستقبل'
من أجل حفظ منجزات التحرير
الوزير حسن منيمنة:
تطل علينا ذكرى التحرير في ظل تهديد إسرائيلي ظاهر ومبطن للوطن، وفي سياق تحديات وتحولات إقليمية لا يمكن تجاهلها وتفرض علينا التعامل معها بحكمة، وفي ظروف داخلية صعبة ومعقدة تكاد تزعزع في جانب منها مستقرات العيش المشترك، وتقوّض في جانب منها شروط عيش المواطن بكرامة.
بيد أن هذه الذكرى تفرض علينا استحضار المقومات والمناخات التي أحرزت الانتصار وحققت الغلبة على العدو، رغم قلة الموارد وضعف الإمكانات. الذي هزم العدو وأرغمه على التراجع هو الوحدة الوطنية، والإجماع السياسي والشعبي على مقاومة العدو بكل السبل المتاحة. فكان كل شهيد يقع للمقاومة هو شهيد للبنان، وكل أسير هو أسير كل عائلة لبنانية. وحين تحررت الأرض غمرت الفرحة الجميع، وزاد افتخار كل لبناني بهويته وانتمائه الوطنيين. وصلت المقاومة إلى ذروة عطائها وفعاليتها، حين تراجع الانتماء المذهبي، وتوارت الأيديولوجيات الخاصة، وتقلصت الحسابات الشخصية، وكان تحرير أرض لبنان لأجل لبنان فقط، ولكي ينعم جميع اللبنانيين بحياة آمنة لا ذل فيها ولا إذلال، سواء أكان من الخارج أو من الداخل. حققت المقاومة أهدافها الكبرى، حين أشركت الجميع، ولو بالموقف أو التعاطف، في مشروعها، وحين تعالت على التناقضات الداخلية، وحرصت على أن تبقى من الجميع وإلى الجميع، من دون أن تدخل في لعبة المحاور أو تقع أسيرة الرغبة في تسجيل انتصارات وهزائم ضد شركاء محليين داخل الوطن.
نستحضر ذكرى التحرير، لأنها من لحظات الوطن المجيدة، التي لم تتحقق من الفراغ ومن العدم، بل صنعتها الإرادات المصممة والمخلصة، وأمَّنَ التلاحم الداخلي مشروعية دولية لمشروع المقاومة، وتعاضد جميع الأفرقاء والقوى، رغم تباينهم في مواضيع شتى، لخلق بيئة حاضنة لسير عمل المقاومين.
نستحضر ذكرى التحرير، لنؤكد أن المقاومة كانت لأجل حفظ الوطن وشعبه. فلا قيمة لتحرير إذا وقعت البلاد في الفوضى، ولا قيمة لتحرير إذا شعر المواطن بالاغتراب وفقد الإحساس بالأمان وتبددت عنده حميته الوطنية، ولا قيمة لتحرير إذا ساد حس الغلبة وهيمن سلوك الاستبعاد المتبادل بين قوى المجتمع الواحد، الذي لا يولد إلا العنف، ولا يراكم إلا الاحتقان المؤدي إلى الانفجار. ونؤكد هنا، على خطأ أي فريق في لبنان يعمد إلى الاستقواء بما حدث ويحدث في العالم العربي لغرض كسر إرادة فريق لبناني آخر. الاتعاظ وأخذ العبرة من متغيرات المنطقة، يكونان بتفكيك التناقضات الداخلية، وتعزيز سلوك التواصل البنَّاء بين جميع الأفرقاء لمعالجة الخلافات، والإقلاع عن لغة التخوين، والحرص على تطبيق مبدأ الشراكة في إدارة البلاد.حفظ منجزات التحرير يكون ببناء وطن يحترم خصوصيات أبنائه، ويوفر مستلزمات العيش الكريم، ويرسخ أخلاقيات الحوار، ويضمن حق الاختلاف، ويؤكد سيادة القانون، ويرتقي بالدولة لتصبح المرجعية الوحيدة للأمن والأمان.
ـ 'السفير'
تحرير الجنوب واستعادة تاريخ مقاومته
احمد جابر:
يكاد الاختلاف حول التاريخ يكون قانوناً لبنانياً عاماً، ويكاد التاريخ في لبنان ينفرد ويتفرّد بقوانينه الخاصة، لأنه يتضمن جدلا وجوديا مميزا، ويوحي دائما بأسبقية كيانية لها حساباتها، ويفضي الى مواصفات الوطنية وشروط المواطنة وميزاتها... تكفي التفاتة سريعة الى المحطات اللبنانية الساخنة لتلّمس شيء مما ذهبنا إليه.
في سياق التأريخ نفسه، صار تاريخ مقاومة اللبنانيين للاحتلال الاسرائيلي، منذ العام 1982، موضع اختلاف وتجاذب، خاصة بعدما باعد الزمن والتطورات، بين &laqascii117o;مقاومي النشأة" ومعطيات ووقائع إنجاز تحرير الأرض الذي تعهده مقاومون &laqascii117o;لاحقون"، من منبت فكري مختلف، وضمن حاضنة اجتماعية أوضح صفاءً. يتنازع في &laqascii117o;موقع" المقاومة اتجاهان غير متكافئين، أحدهما &laqascii117o;اليساري الوطني المنشأ"، الذي يغالب، كي يضمن حضوره على خلفية الأسبقية، وعلى مكرمة المبادرة الى التأسيس... ويعاند ثانيهما الاسلامي، &laqascii117o;الوارث المستكمِل المنجِز"، بدافع النفي الحقيقي لما عداه، من عملية التثمير، ومن معادلة الفعل والتأثير، ويذهب الى حد الجدال في تاريخ إطلاق الرصاصة الأولى فيصنع لها تاريخا آخر، يُنزله الى الميدان، أو يُبقيه شعورا مختزنا في الوجدان. ينجم عدم التكافؤ عن حقيقة موضوعية قوامها: ان تيار المقاوم المؤسس آفل، وأن تيار المقاوم الوارث صاعد، لذلك، وعلى عادة كل كتابة ظافرة، يكتب &laqascii117o;المنتصر" تاريخ المقاومة اللبنانية. حدة هذه الخلاصة، لا تخلو أحيانا من &laqascii117o;لطافة" اعتراف شكلي، لحسن اجتماع محفل ما، او لاستكمال نصاب سياسي عابر، لكن الجوهر لا يتبدل، ومعه لا تتغير وضعية &laqascii117o;التابع والمتبوع" ولا صفة الحاضر المهيمن النافي، في مقابل المنكفئ المدمن الغياب.
يحمل نفي المقاومة بعضاً من أهلها السابقين، معنى الحضور الاضافي للطرف النافي، في المعادلة اللبنانية. فالفريق الاهلي الطائفي الذي شكل حاضنة المقاومة &laqascii117o;الوارثة" يسعى الى صوغ حضوره في التركيبة اللبنانية، من خلال الإدلاء بوزنه الطائفي الصافي في نادي الطوائف اللبنانية الاخرى، ومن خلال إلغاء صفة الوطنية عن المقاومة التي حاولت الخروج، وطنيا، على التوازنات الطائفية العامة.
استحضار الذات بقوة الوقائع، وإلغاء الآخر بالقوة ذاتها، يشكلان خدمة للحياة السياسية اللبنانية المعهودة، ويوفران لها أسباب متابعة سيرها الطائفي المعتاد، ضمن خطوط توازنات مقبولة، وفي ظل حصص مقبولة معقولة. رغم ذلك، ظل الأمر غير مبسّط، فإثبات الأهلية اللبنانية من قبل تياري المقاومة، ظل يعاني من خلل &laqascii117o;لبنانيته" الجزئية، التي لم تستطع الدخول الى رحاب الوطنية اللبنانية الشاملة.
لقد ظلت &laqascii117o;جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" وآباؤها اليساريون خارج &laqascii117o;الوطنية العامة"، بضغط من الوضعية الجغرافية، ومن الهوية الفكرية. كان &laqascii117o;الوطنيون"، ملتبسين في انتمائهم، وفي حركتهم، على صعيدي الجغرافيا الاجتماعية والمساحة الفكرية، رغم اقتناعهم بأن &laqascii117o;هويتهم العابرة" تشكل جواز مرور لهم الى بنى الطوائف الاجتماعية وإلى مناطقها. كان الواقع بخلاف الاعتقاد.
من جهتها، وضعت &laqascii117o;المقاومة الاسلامية" نفسها خارج نطاق &laqascii117o;الوطنية الشاملة" من نقطة تعريفها لذاتها، ومن تحديدها لمنطلقاتها، لذلك، لم تعش الالتباس المحيّر. لقد حددت هذه &laqascii117o;المقاومة" ايديولوجيتها سلفا، فحسمت من حسابها الايديولوجيات الاخرى، وسعت الى الصفاء داخل البيت الأصلي وخارجه، لذلك لم تستطع ان تكون شاملة، حتى في المعنى الاسلامي الخاص. ان دعوة المقاومة، بشقيها، ظلت جزئية &laqascii117o;وطنيا". ولم يخفف من وطأة ذلك، التأكيد على حمل الهمّ الوطني العام. فالعطب كان بنيويا وتأسيسيا، قبل ان يكون عارضا، او لاتصاله بمحطات سياسية محددة... لكل ذلك. لم يكن النقاش مفتعلا، عندما كان يطاول بالاسئلة واقع المقاومة ومرتجاها، ودورها وموقعها وإضافاتها... في الواقع اللبناني المعروف. ضمن هذا الاطار السياسي العام، بل رغم معطياته كلها، لا نجد بديلا من القول: ان &laqascii117o;16 ايلول 1982" هو تاريخ انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية، ردا على احتلال لبنان، وعلى سقوط العاصمة بيروت. وفي شرح حيثيات هذا التاريخ المحدد، يجب التمييز بين الأمور الآتية: الأمر الاول، هو ان قوى اليسار التي أطلقت جبهة المقاومة الوطنية، سبق لها ان نفذت عمليات ضد الاحتلال وميليشياته في القسم المحتل من الجنوب اللبناني، وذلك قبيل اجتياح العام 1982، إلا ان هذه العمليات انطبق عليها حكم العمل &laqascii117o;خلف خطوط العدو"، وهذا تكتيك قتالي تعرفه كل الجبهات العسكرية الثابتة، وقد كان للجنوب وضعية الثبات هذه، ما بين 1977 و1982.
الأمر الثاني، هو ان عمليات القصف وسواها، إبان الغزو الاسرائيلي، تُنسب هي الاخرى الى المواجهة العامة، من قبل الذين تجاوزتهم قوات الغزو بالتطويق او بالالتفاف او بالخرق الواسع... فظلوا يقومون بأعمالهم على الخطوط الخلفية... كان هذا جزءا من &laqascii117o;القتال النظامي" ولم يندرج ضمن &laqascii117o;القتال المقاوم" الذي كان له سياقه السياسي والعسكري المغاير.
ولمن شاء الإيغال في التاريخ أكثر، يمكن التذكير بكل المساهمات الوطنية القتالية التي شهدها جنوب لبنان خاصة منذ العام 1969 وحتى اندلاع الحرب الاهلية. ومثال بلدة كفرشوبا ساطع في هذا المجال. الا ان الاطار الذي انتظم المواجهة مع اسرائيل يومها، لم يكن هو الاطار الذي عرفه اللبنانيون بعد اجتياح 1982، مع ان العدو لم يتغير، وكذلك لم يتغير المقاومون.
كخلاصة يمكن القول: ان نداء المقاومة الذي أطلقه الشيوعيون اللبنانيون (الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي وحزب العمل الاشتراكي العربي)، كان بمثابة رفض مبكر لنتائج الغزو الاسرائيلي، وإعلان التصميم على العمل لإبطالها. لقد بادر &laqascii117o;الشيوعيون" الى تنفيذ النسبة الأعلى من العمليات القتالية، كترجمة لمضمون هذا النداء، ثم كرّت سبحة القوى واتسعت رقعة المواجهة. لم يدُر في خلد من خطّ البيان النداء، حساب موازين القوى، لكنه اعتنى بضرورة اتخاذ الموقف، وارتضى مسؤولية إعلانه، وقبل كلفة ذلك. وهو حين راهن، عقد الأمل على &laqascii117o;الشعب" الذي يعود اليه ابتكار اشكال مقاومته وأطرها وأفكارها المناسبة. عليه، فإن انتقال الثقل المقاوم من تيار الى تيار آخر، ليس من شأنه ان يلغي التاريخ كما حصل. وذكرُ &laqascii117o;المولود" لا يستحضر &laqascii117o;القابلة" فقط، بل هو ملزم بالإشارة الى &laqascii117o;الولاّدة" الحقيقية.
يقودنا &laqascii117o;التأريخ" بالتواتر، الى السؤال: لماذا نهضت المقاومة الوطنية اللبنانية على دعامات يسارية أولا؟ ثم، لماذا تراجع دورها وخبا؟ هذا لتكون متاحة بالتالي قراءة نهوض المقاومة الاسلامية وديمومة حضورها. لم يفتعل &laqascii117o;شيوعيو اليسار" اللبناني مقاومتهم، بل ان هذه حصلت كامتداد لتاريخ قتالي خاص لهؤلاء، عبّروا عنه بدرجات متفاوتة، في أشكال من الانخراط في المواجهات مع اسرائيل، وذلك في امتداد نظرتهم الى دور لبنان وموقعه في الصراع العربي الصهيوني. كان حصار بيروت ثم احتلالها &laqascii117o;المعمودية" الاساسية التي استقى منها شيوعيو اليسار مهماتهم المقبلة. لقد جاءت &laqascii117o;جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"، كامتداد &laqascii117o;طبيعي" للحركة الوطنية، التي خرج بعض نصابها اللبناني تحت ضغط التطورات السياسية، وخرج حليفها الفلسطيني، الأهم، كنتيجة للمحصلة الميدانية والسياسية التي أفرزها واقع الاحتلال.
تمثل عامل القوة الأول لدى &laqascii117o;المقاومين الجدد" في تقاطع مصالحهم مع مصالح قوى سياسية واجتماعية، توجست من المعادلة المستجدة التي فرضها الاحتلال. وتمثل العامل الثاني في طرحها الثلاثي الذي ربط بين التحرير والتوحيد والديموقراطية، بما انطوى عليه من &laqascii117o;نية" لتجاوز الموضعية اليسارية، باتجاه المدى اللبناني الأرحب، ومن مخاطبة لمصالح &laqascii117o;اجتماع لبناني" بدا مهدَّدا في توازناته. أما العامل الثالث فكان الجاهزية الميدانية والتنظيمية، بحيث ان الفاصل بين انتهاء العمليات &laqascii117o;النظامية" وبدء العمليات &laqascii117o;العصابية" لم يتجاوز ساعات قليلة. لقد أمكن للمقاومة الوطنية ان تحقق نصرا اساسيا، لكن جزئيا، وذلك بفضل &laqascii117o;كثافة" عملياتها، وفاعليتها، اللتين ألحقتا بقوات الغزو خسائر حقيقية، دفعت العدو الى الموازنة بين كلفة البقاء وكلفة الانسحاب، وإلى التدقيق في &laqascii117o;المزاج الاسرائيلي" الذي تحرك في الشارع، بعدما تجاوزت عملية الغزو ما هو مقرر لها في الأصل. ربما رجّح &laqascii117o;الاسرائيلي" ايضا تقديرا استراتيجيا اصليا، مضمونه اطلاق الفوضى الاهلية في وجه المقاومة قبل ان يشتد عودها التوحيدي، فتشب عن طوق احتوائها. عليه، يمكن ان نقرأ في الانسحاب الاسرائيلي الأول، من بيروت، وفي ما أعقب هذا الانسحاب، وجهي الدفاع والهجوم، كذلك يمكن ان نقرأ في إنجاز المقاومة، تحدي البقاء والقدرة على الاستمرار في تطوير الخطاب السياسي والأداء الميداني.
في موازاة الجَزر المتفاقم للمقاومة الوطنية كان المدّ المتعاظم للمقاومة الاسلامية في ظل الراية الوطنية والقومية ذاتها، ومن ضمن شروط دولية وإقليمية وذاتية مختلفة.
بخلاف المقاومة &laqascii117o;الاولى" كانت النسخة الثانية من المقاومة بنت بيئتها، وفي طيات ذلك يكمن سر قوتها الأساسي. معنى البيئة هذا، يقتضي تسليط ضوء &laqascii117o;خفيف وسريع" على تدرج انخراط &laqascii117o;الحاضنة البيئية" في الدخول الى عالم &laqascii117o;القضية الوطنية والقومية"، وانتقالها عبر محطات تأكيد الذات من المساهمة في الهموم الاجتماعية والقومية، مع الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، في ظل قيادة السيد موسى الصدر، الى &laqascii117o;الانقلاب" على الحلفاء والصدام معهم، قبيل العام 1980، وفي فترات لاحقة بعده، ثم القتال من اجل ارجحية النفوذ ضمن الشيعية السياسية (صدام أمل وحزب الله)، الى معادلة كرست فوز حزب الله بالحصة الغالبة من &laqascii117o;الشيعية النضالية"، ورضا &laqascii117o;حركة أمل" بقسمة &laqascii117o;متوازنة" في حصة الشيعية السياسية التمثيلية... هذا الحراك لم يكن ليتجاوز حدود وعي الطائفة لمصالحها الذاتية، ولم يكن ليخرج على هدف استعادة شيء من التوازن المفقود في المعادلة العامة. على هذا الأساس ارتضت &laqascii117o;بيئة المقاومة" دفع كلفة المواجهة مع اسرائيل، وتعمدت الاحتفاظ براية القضية الوطنية، وربطت ذلك ببعده العربي (السوري خصوصا)، وببعده الايديولوجي (ايران تحديدا)... كانت البيئة تصوغ رؤيتها &laqascii117o;اللبنانية" لواقعها في الداخل، وتعيد تشكيل رؤيتها حول ارتباطها &laqascii117o;بالخارج"، وفق أثمان كانت قد رفضت دفعها في الماضي، لأن التثمير السياسي كان يصب خارج &laqascii117o;طاحونة" جغرافيا الاحتضان. غذّى وعي الطائفة لذاتها وأضاف اليه، واقع نهوض المشروع الاسلامي في ايران. هكذا صار للمقاومة في لبنان نموذجها الملهم، ومصدرها الداعم ونمط فعلها الموحي وأفق تحركها المفتوح. لقد كان من شأن ذلك كله، ان يفتح باب عطاء الحاضنة لمقاومتها على مصراعيه، وأن توفر &laqascii117o;ايديولوجيا الاستشهاد" الغطاء النظري لكل عطاء. بالاتصال مع ذلك، أمّن العامل القومي العربي (سوريا) سياج الحصانات الداخلية للمقاومة، وشبكات الأمان السياسي لفعلها، وفتح شرايين الدعم الموصلة الى ديناميتها... كل ذلك في امتداد نظرة سوريا الى موقعها في المعادلة الاقليمية وفي اطار ادارتها للعملية الصراعية مع اسرائيل وفي سياق تقديم ذاتها الى الاطار الدولي، وفي تقديرها لموقع &laqascii117o;الساحة اللبنانية" ودورها كعنصر من عناصر القوة لدى احتساب الاوراق في الأروقة التفاوضية. كخلاصة: تقاطعت عوامل مجتمعة لتصل الى السلبية مع &laqascii117o;جبهة المقاومة الوطنية" ولتكون ايجابية مع &laqascii117o;المقاومة الاسلامية". تلك كانت حركة الواقع التي اضاف اليها &laqascii117o;الذاتي" على الايجابي، مثلما اضاف اليها على السلبي في مكان آخر.
لقد زخّم انسحاب اسرائيل في العام 2000 صدقية المقاومة، وزكّى اسلوبها، وأضاف الى علو نبرتها، ما فرض تكيفا على النبرات الاخرى او جعلها اقل ضجيجا، وزاد من عدد الذين اكتشفوا نجاعة المقاومة فصارت ممرهم الآمن الى... جنة الوطنية وامتيازاتها!
على الرغم من ذلك، فإن صوت السؤال عن موقع الوطن والدولة، لدى المقاومين كلهم، لا بد من ان يظل حاضرا. ثمة مشترك بين المقاومين، هو التجاوز على القدرة الوطنية، وفتح الابواب الداخلية، أمام &laqascii117o;المؤازرة" الخارجية. مارس &laqascii117o;الوطنيون" ذلك على طريقتهم، وأقدم الاسلاميون على ذلك بطريقة اخرى، في الحالتين لم يُقيض للطرح الوطني تثميرا سياسيا داخليا عاما، مثلما لم يستطع إنجاز تحرير الجنوب ان يتحول الى نصر وطني اجتماعي عام، بدلا من ان يظل انتصارا سياسيا رسميا فقط. هذا الواقع، يعيد النقاش الى أصله: كيف تصير اضافة كل فئة لبنانية، اضافة وطنية جامعة؟ وما شروط ذلك؟ وعلى طريقة عكسية: كيف لا يُحسب كل &laqascii117o;انجاز عام" انجازا لفئة بعينها يوقظ حساسية الفئويات الاخرى؟ في الطريق الى الاجابة لا بد من التوافق على حصانات المصير اللبناني المشترك، خاصة ان التطورات العاصفة الاخيرة، بأبعادها الخارجية والداخلية، تضع هذا المصير على محك الاختبار السياسي الخطير.
ـ 'السفير'
لماذا المقاومة؟
واصف عواضة:
يأتي رؤساء اميركا الى السلطة عادة بوعود خلابة للشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية. لكن هذه الوعود تصطدم دائما بالحاجز الاسرائيلي المرفوع في جبينه عبارة تكاد تكون توراتية: 'لا دولة فلسطينية مستقلة'. لذلك جاء خطاب باراك اوباما امام مؤتمر 'ايباك' مؤسفا ومحبطا ومخجلا، اذ لم يستطع 'رئيس الرؤساء' ان يصمد اكثر من ثلاثة ايام امام الغضبة الاسرائيلية بعد تلميحه ـ مجرد تلميح ـ الى دولة فلسطينية في حدود العام 1967. هذا الموقف أزعج الراغبين بهذه الدولة ولو على 'ظهر حمار'، لكنه بالتأكيد أغبط الحالمين بفلسطين من البحر الى النهر. لم يشذ اوباما عن القاعدة التي اتبعها الرؤساء الاميركيون منذ انشاء الكيان الصهيوني على ارض فلسطين. كل شيء قابل للكلام والتفاوض والتسويات... الا اسرائيل وأمنها. لا أحد يجرؤ على الكلام الذي يجرح شعور اسرائيل عندما يقترب موعد الانتخابات الرئاسية. ولذلك اختار اوباما أهم مناسبة داعمة للكيان الصهيوني ليطلق حملته الانتخابية، لأنه يعرف جيدا ان ما من ابن امرأة في الولايات المتحدة يجرؤ على تحدي 'ايباك' ويبقى واقفا على رجليه. على مسافة عشرة ايام مضت على الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين، وفي العيد الحادي عشر للتحرير في لبنان، ينظر الفلسطينيون الطيبون في الشتات والداخل حولهم وحواليهم، فلا يجدون بدا من اعادة النظر في عقدين كاملين من التفاوض العقيم مع اسرائيل برعاية اميركية لم تحقق للقضية الفلسطينية سوى المزيد من الاحتلال لارضهم ومقدساتهم ولارادتهم. فها هي المستوطنات تنبت كالفطر في آخر أمل لهم بأرض يقيمون عليها دولتهم المستقلة. وها هو القمع الاسرائيلي يتصاعد قتلا ودما وتدميرا ومزيدا من الاسرى. وها هي القدس الموعودين بها عاصمة لدولتهم تذوي امام اعينهم ومسامعهم. وها هم رؤساء اميركا يطعمونهم آمالا واهية رئيسا بعد رئيس وجيلا بعد جيل. بعد عشرين عاما من المفاوضات يقارن الفلسطينيون البسطاء الشرفاء الانقياء، بعيدا عن قادتهم والناطقين باسمهم، بين التفاوض العقيم والمقاومة المكلفة التي كانوا آباءها وما زالوا من اسيادها. والا ما الذي يجبر حفيد منيب المصري احد اكبر اثرياء فلسطين، على الذهاب الى مارون الراس وهزّ الشريط الشائك ليتلقى رصاصة شبه قاتلة ما زال يعاني من آثارها في المستشفى؟ على الاقل في عصر المقاومة تمكن الفلسطينيون في لبنان من الوصول الى الشريط الشائك في مارون الراس وكادوا يطأون أرضهم على نهر من الدم. صحيح انهم خسروا أحد عشر شهيدا واكثر من مئة جريح، لكن الفلسطينيين توقفوا من زمان عن التعداد. هم يعرفون ان المقاومة مكلفة، لكنها تشعرهم بأنهم ما زالوا احياء كراما، وبأن الأمل لم ينقطع بعد. لماذا المقاومة في فلسطين؟ سؤال وجيه، ولكن السؤال الاكثر وجاهة: لماذا المفاوضات بعد عشرين عاما من الوهم؟ ولماذا المقاومة في لبنان؟ سؤال وجيه ايضا، ولكن هل يعتقدن احد ان الاستقرار على حدود لبنان منذ التحرير هو منّة من اسرائيل؟