قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة السبت 11/6/2011

شيعة لبنان بعد سوريا: قوى جديدة!

ـ 'صدى البلد'
علي الأمين:

تفرض الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في سورية نفسها كحدث تاريخي مفصلي في مستقبل سورية. فقد دخل هذا البلد الاقليمي والمتشعب في مرحلة جديدة يصعب التكهن بمدياتها السياسية والامنية. ذلك ان النظام لم يعد قادرا على تقديم اجابات الا القمع والقتل، وهي اجابة تعبر عن قصور في البحث عن اجابات من صنف آخر. لذا تفقد القيادة كل يوم اصدقاء اقليميين ودوليين، فيما يتراجع حلفاؤها نحو رسم خريطة مصالحهم مجددا آخذين في الاعتبار ان احتمال سقوط النظام، او تضعضعه وضعفه، يتقدم على بقائه او صموده. يتساوى في ذلك الحلفاء القريبون والبعيدون، وان اختلفوا في استمرار دعم النظام بجرعات متفاوتة كل بحسب مصالحه.
على ان تقديرات بعض الحلفاء لا تذهب الى حد الاعتقاد ان سورية، التي فقدت اجنحة اقليمية خلال ما يجري في داخلها اليوم، يمكن ان تشهد في المدى المنظور تغييرا للنظام. هذا ما يتم تداوله في دوائر قيادية ضيقة في حزب الله وامتدادا الى ايران، اذ يقدر الحزب، على ما نقل عن مسؤول كبير فيه، ان سورية دخلت في نفق مظلم لن تخرج منه قبل سنوات، وهو تقدير يستند الى اقتناع لدى قيادته ان النظام يمتلك اوراق قوة لن يتخلى عنها بسهولة، في مقابل غياب مشروع معارض قادر على تولي زمام الامور. لذا سورية ستنهمك بالداخل في المرحلة المقبلة اكثر ، وذلك ان كان محل ضرر لمحور الممانعة، فهو يوفر لحزب الله وحتى ايران ان تكون حاضرة وفاعلة في لجم التداعيات على موقع الحزب.
اذن حزب الله ليس في موقع الانكفاء نحو الداخل اللبناني في ظل ما يعتبره استهدافا له، سواء على صعيد دوره العسكري والامني فضلا عن السياسي والاقليمي، وهو لا يعاني ازمة اخلاقية فيما يشاهد من حصد لارواح السوريين بدم بارد. والى ذلك ايضا لا يولي التحديات اللبنانية بالا اذا كانت ستحد من دوره الاقليمي، وتقيد حركته على هذا الصعيد. لكن امتحان ارتخاء القبضة السورية عن لبنان، بسبب ما يجري، سيفرض مسارا جديدا.
فتصدع الدور السوري اقليميا بدأ يلقي بظلاله لبنانيا وفلسطينيا، وما جرى في مخيم اليرموك من انتفاضة شعبية ضد احد اهم الاذرع السورية في المخيمات الفلسطينية، 'القيادة العامة'، بسبب تظاهرة النكسة الجولانية، صورة مكبرة لما عبر عنه الكثير من اللبنانيين ولا سيما الجنوبيين منهم الى جانب اكثرية الفلسطينيين في لبنان، من رفض او عدم حماسة لتكرار مشهد يوم النكبة في مارون الراس. والثابت ان عموم الفلسطينيين واللبنانيين لا يريدون ان يكونوا ورقة رخيصة في يد النظام السوري، يستخدمها حين يشاء ولحساباته الدموية الخاصة في وجه اسرائيل.
يستدرج هذا المثال، لبنانيا، اسئلة حول موقع المقاومة ودورها، فمع ارتخاء الخاصرة اللبنانية الشرقية - الشمالية، لن يوفر خطاب المقاومة الذريعة الملائمة لتبرير الواقع المتهالك، وذلك نحو مزيد من التفسخ في بنيان الدولة ومؤسساتها. وسيفتح الباب امام اسئلة المقاومة، ليس من باب المزاودة الفارغة، بل من زاوية تحصين المجتمع والدولة.
فاللبنانيون عموما والشيعة خصوصا، لا يستطيعون التسليم برؤية مسقطة على رؤوسهم في حماية المجتمع والدولة. مجتمع منهك بأثقال الفساد المستشري، والفلتان الميليشيوي المتحكم بالبلاد والعباد، الى جانب ظاهرة التعديات على الاملاك العامة، وغياب المحاسبة،(اليست هذه من فتائل الثورات في الدول العربية؟) وانهماك العديد من اصحاب السلطة 'المحرومين' وحتى 'المستضعفين' بكنز الثروات وسرقة الاملاك العامة الى الحد الذي بات ما يسمى 'الاقطاع' في الذاكرة الشيعية محل ترحم على سيرته.
ارتخاء القبضة السورية يفتح الباب امام اعادة التفكير مجددا بلبنان الدولة، تفكير لا يقتصر على الجانب الشيعي فحسب، بل يتعداه الى لبنان عموما، وارتخاء القبضة السورية لا يعني بطبيعة الحال غلبة 14 آذار، بل سيفتح الباب على أفق جديد بالضرورة، يفرضه التغير الحاصل في سورية. افق مفتوح على الحد من استخدام سلاح التخويف المذهبي او الطائفي، واعادة طرح القضايا الوطنية الاساسية على وتر الثورات العربية، على ايقاع المحاسبة التي جرى تغييبها ليس في الموازنة العامة فحسب، بل في كل الشؤون العامة.
إستخدمت الشعارات الكبرى وسيلة لمصادرة الحقوق الطبيعية للناس، ولحماية المفسدين في البلد. وازاء هذا التحول الذي تتحسسه القوى السياسية، يمكن ملاحظة ان الرشوة و'العصبية' هما سلاحا المسؤولين للجم انفجار الاوضاع الاجتماعية في وجوههم. اما في المسألة الشيعية، فثمة ما يؤشر الى ان ما جرى من تداعيات مارون الراس وفي تعامل الثنائية الشيعية في قضية الاملاك العامة، وما يصيب البيئة الشيعية من فوضى وصولا الى الانتفاضة الشعبية في سورية، يجعل الشيعة اكثر تحسسا لانتمائهم الوطني ولضرورة الدولة، ولتراث عريق ينتمون اليه جعلهم منحازين الى كل مظلوم في وجه كل ظالم ايا كانا الظالم والمظلوم.
لن تكون الاحادية الشيعية في منأى وحماية بعد التغييرات السورية، وربما العجز عن تشكيل الحكومة، رغم الأكثرية النيابية، إحدى أولى الإشارات، والتاريخ يؤكد أن ثمة قوى جديدة ستولد قريبا في هذه البيئة وسواها من البيئات.


طهران: الغرب يُعاقِب سوريا ولسنا قَلقين عليها

ـ 'الجمهورية'
طارق ترشيشي:

لا يُبدي الإيرانيون قلقا ظاهرا على النظام السوري الحليف، في ضوء ما يواجهه حاليّا من تحديات، ولكنهم في الباطن يَحسبون للأمر ألف حساب وحساب، ويتجنبون الحديث عمّا يمكن أن يُقدموا عليه لدعم دمشق، في حال الوصول الى أسوأ الاحتمالات.
وعندما يتحدث الإيرانيون عن ربيع الثورات العربية، فإنهم يشيدون بها على أساس أنها كانت من تنبؤات مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الإمام آية الله الخميني، وأنها تطيح أنظمة موالية للغرب الذي بَينه وبين طهران تاريخ طويل من العداء، بدأ بحصارات وحروب ضدّها منذ انتصار الثورة على النظام الشاهنشاهي البهلوي العام 1979، ولكنهم لا يدرجون ما يجري في سوريا ضمن هذه الثورات، لأنهم يعتبرون أنها وإيران في خندق واحد، وتشكلان معا نواة 'جبهة المقاومة والممانعة' للمشاريع الأميركية والإسرائيلية والغربية في المنطقة، وإن كان بعض المسؤولين الإيرانيين يأخذ على الأمن السوري بعض الشيء 'شِدّته' أحيانا في التعامُل مع المتظاهرين.
وعندما تسألهم: أليسوا خائفين من انهيار هذه الجبهة في حال انهيار النظام السوري ؟ تراهُم يؤكدون ان هذا الاحتمال غير وارد لديهم، ويرون ان دمشق ستتمكن عاجلا أم آجلا من استيعاب ما جرى، بعدما تكشّفت الجهات الخارجية التي تتدخل في الشأن السوري الداخلي، على رغم انطلاق الورشة الإصلاحية السورية.
على أن الإيرانيين الخارجين من تجربة مماثلة مَرّوا بها في التعاطي مع التظاهرات التي نظّمها الإصلاحيّون على مدى ثلاثة اشهر، لم يجدوا غضاضة في إصداء النصيحة للسوريين بالأخذ بتلك التجربة التي جَنّبت إيران إراقة الدماء في صفوف المتظاهرين الذين نزلوا أحيانا الى الشوارع بالملايين، اذ سقط أربعة قتلى في المناطق، فيما البقية سقطوا في طهران، وكان منهم 14 قتيلا و800 جريح من عناصر الباسيج (التعبئة) بضربات المتظاهرين، لأنّ
عناصر الشرطة كانوا ينزلون الى الشوارع بلا سلاح، ولم يتمّ استعمال آليات عسكرية من مصفحات ودبابات وغيرها، واقتصر الأمر على استخدام ناقلات الجند والدراجات النارية.
ويقول الإيرانيون إن هناك حالة دعم وتعاطف مع سوريا التي تشكل وإيران أساس 'جبهة الممانعة'، ولكنهم يرون ان هناك استغلالا أجنبيا لبعض القوى السورية المطالبة بالإصلاح، ولكنّ أهدافها هي غير ذلك، إذ إن ما يريده الغرب، في رأيهم، ليس ديمقراطية، وإنما نشوء أنظمة متحالفة مع اسرائيل لملء الفراغ الذي أحدثه سقوط نظام الرئيس حسني مبارك في مصر.
ويعتقد الإيرانيون أن أي إصلاح في سوريا ينبغي ان يتحقق عبر النظام القائم، نظرا الى خلفيّته الموثوقة لجهة الدفاع عن الحقوق العربية وعن قضية فلسطين، فيما هناك قلق لديهم من نسيج 'المعارضة السورية' التي لم تعلن، حتى الآن، أي موقف من إسرائيل، وهذا الأمر يشكّل، بالنسبة اليهم، عنصرا أساسيا في تصنيف الأصدقاء والأعداء.
ويؤكد الإيرانيون انهم يدعمون سوريا في الإعلام والموقف، لأن هناك تواطئا دوليا ضدها. أما في ما يتعلق بالداخل السوري، فإنهم يرون أنه شأن يَخصّ السوريين وحدهم، ولديهم من الكفاية والإمكانات ما يُمكّنهم من حَلّ الأزمة.
ويقول مسؤول كبير في الخارجية الايرانية لـ 'الجمهورية' إن الوضع في سوريا يجب النظر إليه من جهتين:
الاولى، هي متطلبات الشعب السوري واستحقاقاته، وهذه حقوق معترف بها لدى الجميع، ومن الضروري أن تتحقق في المجتمع السوري الذي أصبحت حَالُه مثل حال كثير من المجتمعات العربية الأخرى التي تحتاج الى إصلاحات، وأن إرادة الإصلاح موجودة على المستوى الثاني في اهتمامات القيادة السورية، وعلى سبيل المثال أن الرئيس بشار الأسد هو من الشخصيات المعروفة في تحقيق الإصلاحات، أو التي تريد تحقيق هذه الإصلاحات.
أمّا الجهة الثانية، فهي 'استغلال الجهات الأجنبية والغربيين للمطالب الشعبية في سوريا، ونحن قلنا بالنسبة الى ليبيا إنّ الثورة الليبية هي حركة شعبية منبثقة من الشعب، ولكن الغرب ركب هذه الحركة لحَرفها عن وجهتها. والآن في سوريا، فإن أقلّ المطالب الشعبية يستغلّها الغرب والولايات المتحدة الاميركية، ويصورانها على انها متطلبات كبيرة، ويجب علينا ان نلتفت الى هذه النقطة. ومن هذا المنطلق نقول انه يجب النظر الى التطوّرات في سوريا بطريقة مختلفة عن النظرة الى التطورات الاخرى في المنطقة. فسوريا هي المحور والموقع الأساسي للمقاومة لسنوات كثيرة مَضت، وكانت تصدّت للمؤامرات والمخططات الغربية المتعددة وصمدت أمامها. ولولا الصمود والمواجهة السورية لسنوات، لما كنّا نرى هذا الوضع الآن، ولكنّا رأينا المنطقة في واقع آخر'.
ويضيف المسؤول الايراني 'ان الغرب الآن يعاقب سوريا على سياساتها السابقة بذريعة حماية الشعب، وهذه في الحقيقة هي السياسات المزدوجة والمحروقة التي يدركها الجميع'. ويقول: 'إننا مطمئنون الى سوريا والى النظام القائم فيها، للأسباب الآتية:
اولا: إننا نرى أن القيادة السورية مقتنعة وتتقبل الإصلاحات التي تعمل على تحقيقها، وان هذه القيادة، وعلى رأسها الرئيس الاسد وأسرته، لم يؤخذ عليها في تاريخها أي ظواهر فساد، فهي كانت نظيفة ولديها حياة نظيفة.
ثانيا: الموقف السوري ومكانة سوريا الصلبة في إطار جبهة المقاومة والممانعة.
ثالثا: التأييد الكبير الذي يحظى به آل الأسد في وسط الشعب السوري، إذ إنه حتى اليوم، فإن الرئيس بشار يستطيع أن يسير في الشوارع وبَين أبناء الشعب السوري من دون حماية'.
ويضيف المسؤول الإيراني 'لديّ ذكريات في هذا المجال، اذ كانت خدمتي الدبلوماسية في دمشق أيّام انتقال السلطة من الرئيس الراحل حافظ الاسد الى نجله الرئيس بشار، حيث انطلقت يومذاك تظاهرات كبيرة على أوتوستراد المزّة في دمشق لدى تشييع الأسد الأب، وقد شاهدتُ عددا كبيرا من المتظاهرين يبكون لفقدانهم الاسد. يَومها، قال لي احد الأخوة: 'ربما جيء بهؤلاء ليبكوا بحسابات مدروسة، وربما جيء بالمتظاهرين بالقوة'. فقلت له: 'من الممكن ان تفرض على شخص التظاهر بالقوة، ولكنك لا تستطيع ان تفرض عليه أن يبكي'، وهذا إن دلّ إلى شيء، فإنما يدلّ الى العشق والمحبة التي يكنّها السوريون للأسد. وإننا نعتقد أن هذا الحب ما زال موجودا لدى عامّة الشعب السوري، ونعتقد في الوقت نفسه ان الإصلاحات يجب أن تَتِم، ولكن في أجواء هادئة، ويجب ان تُكيّف مع المواصفات الدولية الجديدة'.


المسيحيون في ايران: شعائرهم مصونة وكنائسهم تعود لمئات السنين

ـ 'النهار'
عباس الصباغ:

لم تنسحب المتغيرات التي تعصف بالجوار الايراني على احوال المسيحيين في الجمهورية الاسلامية، ويمارس هؤلاء شعائرهم الدينية ويحييون مناسباتهم واعيادهم في الكنائس المنتشرة على اراضي بلاد فارس من دون اي تدخل من قادة الثورة مذ تربع تلامذة الامام الخميني على راس السلطة في طهران. ولا يمكن لزائر ايران الا التوقف باعجاب عند احوال المسيحيين في طهران واصفهان واذربيجان الغربية وغيرها من المحافظات الايرانية.
يشكل المسيحيون الايرانيون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الايراني بعد انتصار الثورة الاسلامية في العام 1979، وتولي الجمهورية بقيادة الولي الفقيه اهتماماً لافتاً بأحوال المسيحيين وغيرهم من اتباع الديانات غير الاسلامية ويحافظ النظام الاسلامي على دور العبادة، بما فيها الكنائس، التي تشكل قبلة للسياح، خصوصاً ان بعضها يعود الى القرون الميلادية الاولى التي تلت ولادة السيد المسيح ومن هذه الكنائس كنيسة القديس تاديوس في اذربيحان الغربية، ويعود تاريخ انشائها الى القرن الميلادي الثالث، ويعتقد اخرون انها بنيت في القرن السادس وادرجت على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي قبل اعوام عدة، اما اقدم الكنائس الاشورية فهي كنيسة القديسة السيدة مريم في اورمية في محافظة اذربيجان الغربية، والتي بنيت بعد سنوات قليلة على صلب السيد المسيح.
سركيسيان: أحوال المسيحيين ممتازة
احوال المسيحيين في ايران يصفها رئيس اساقفة طهران وشمال ايران للأرمن الأرثوذكس المطران سيبوه سركيسيان ب'الممتازة' وفي في كنيسة مار سركيس في طهران ويعرب لـ 'النهار' عن ارتياحه لأوضاع المسيحيين في ايران بعد الثورة ويشيد بحكمة الإمام الخميني ويقول: 'ان الوضع المقلق في الشرق الأوسط ينعكس على الطوائف كافة، وليس فقط على المسيحيين، وبالتالي فان كل المواطنين في الدول التي تشهد تحركات قلقين. ولدى المسيحيين خوف من التطرف الديني في بعض الدول العربية، لكن لا اتصور ان الوضع وصل الى درجة جدية من الخطورة. ويحذر من هجرة المسيحيين الى الغرب اذا قرر المسيحيون الهجرة فلا اعتقد انهم سيجدون الفردوس في انتظارهم، ولا يجب ان يكونوا قلقين او خائفين من التحولات الحالية في بعض الدول، لكن علينا ان نكون واقعيين في التعامل مع تلك المتغيرات'.
ومن جهة ثانية يعتز سركيسيان باستشهاد 200 ارمني في صفوف الجيش الإيراني خلال الحرب العراقية الإيرانية، لأن دماءهم امتزجت مع اخوتهم المسلمين.
وختاماً يسجل عتباً على الحكومة اللبنانية لعدم احيائها عيد الشهداء، لأن 'تركيا التي ارتكبت الجرائم قبل نحو قرن هي نفس تركيا اليوم'. يذكر ان سركيسيان ترعرع في لبنان و'يفخر بالعلاقات الوطيدة والحميمة التي تربطه بلبنان وسوريا'. في ايران نحو 100 الف مواطن من اصل ارمني، وذلك يعود الى المحطات التاريخية المشتركة بين الجارتين ارمينيا وايران. (...)


الحكومة المفترضة محكومة بطابع انتقالي

ـ 'النهار'

روزانا بومنصف:

بدا مستغربا وغير مفهوم لاكثر من مراقب محلي وغير محلي تحرك موضوع تأليف الحكومة بسرعة غير مألوفة بعد انطباعات ومعطيات دفعت به الى اواخر الصيف على رغم الجهود او المحاولات الشكلية التي كانت جارية للتأليف. فحتى الامس القريب جدا بدا الوضع بالنسبة الى كل المعنيين ان اللاحكومة افضل من حكومة في الوقت الراهن لاعتبارات عدت ترددت كثيرا بمبررات بدت محتملة بدورها في غياب تغطية لبنانية كافية لها وكذلك التغطية الاقليمية والدولية، فهل بات وجود اي حكومة افضل من لاحكومة؟ اذ مرت عملية تأليف الحكومة خلال الاشهر الخمسة الماضية بمد وجزر كبيرين بحيث لا يمكن الجزم فعلا بما اذا كانت ستستمر على هذه الوتيرة. لذلك كان مثيرا للاهتمام الانطباع بانطلاق تحرك بناء على اشارة من الموقف المعلن للرئيس السوري بشار الاسد بعد لقائه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، علما ان التساؤلات تسري حول الجديد الطارئ في هذا الاطار في موازاة الجديد الطارئ في موقف 'حزب الله' باعتبار ان معطيات تحدثت في وقت سابق عن اختلاف في وجهات النظر بين الجانبين وتريث الحزب وعدم دفعه في اتجاه تأليف الحكومة. اذ ليس واضحا اذا كان العنوان الملح هو موضوع القرار الدولي المرتقب في مجلس الامن ضد سوريا والذي يتوقع ان يتعرض بسببه لبنان لضغوط دولية وهو عضو غير دائم في المجلس ممثلا المجموعة العربية من اجل الامتناع عن التصويت ضد القرار بدلا من معارضته وفق ما يفترض كثر ان هذا ما سيكون عليه الموقف اللبناني. فقرار الادانة الذي تسعى اليه الدول الغربية من اجل الضغط على النظام السوري عدل على نحو كبير بحيث يراعي المتطلبات الروسية والصينية وينزع 'اسنانه' الضاغطة اذا صح التعبير. وفيما تقول مصادر رسمية إن موقف لبنان محسوم لجهة معارضة اي قرار من اي نوع كان ضد سوريا، فان ثمة من يعتقد ان عليه مسؤولية ادانة ما يعتمده النظام من قمع ضد شعبه والذي دانه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بقوة قبل يومين، مبديا استعداده لدعم قرار في مجلس الامن بهذا المعنى. ومع ان لبنان، وفق مسؤوليه المعنيين، يقول إن لا شيء سيجعله يغير موقفه لكي يماثل على الاقل الموقف الذي اتخذه في موضوع العقوبات على ايران اي عدم التصويت، فانه يعتقد ان حكومة من قوى 8 آذار ستحسم على نحو معلن ومن دون اي لبس الموقف الرسمي اللبناني في هذا الاتجاه وربما في اتجاهات اكثر قوة في المدى القريب مع تصاعد الموقف في سوريا وفي موازاته الموقف الدولي مما يجري هناك. فالموقف اللبناني لا يناقش في ظل حكومة تصريف الاعمال، لكن يمكن ان تكون هناك آراء متعددة في شأن دعم النظام السوري في عملية قمع المحتجين والسبل الامنية التي يعتمدها، لكن الموقف اللبناني معروف في معارضته اي قرار ادانة ضد النظام السوري ولو كان الامر مماثلا للوضع الليبي الذي كان لبنان سباقا في تحركه من اجل اصدار قرار ادانة ضد النظام هناك.
كما ليس واضحا كيف يمكن الاكثرية العاجزة عن تثبيت حصولها على الاكثرية في حكومة ان تفعل ذلك لاحقا مع تسارع التطورات الاقليمية التي يمكن ان تضعف موقفها اكثر وتتسبب في تفككها وفق ما لاح التهديد بذلك اخيرا. فلا بديل من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وفق الخلاصات التي انتهت اليها الاكثرية ولا امكان لتحسين شروط اكثر من الذي حصل حتى الآن، بمعنى ان الافرقاء استنفدوا الصيغ التي تحفظ لهم ماء الوجه وقد بدأت تنعكس عليهم سلبا من حيث تحمل المسؤولية عن الانهيارات للوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
وليس واضحا اذا كان موضوع المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري احد الحوافز في هذا الاطار. اذ انه رغم الكلام على اطمئنان لدى قوى 8 اذار ان المحكمة انتهت، فإن ذلك لا يعني انها انتهت فعلا ايا تكن المحاولات التي جرت لافقادها صدقيتها، وخصوصا ان كل المواعيد التي ضربت لها في السابق قد سقطت. ولذلك فان الدول المؤثرة تستمر في القول انها ستراقب التشكيلة الحكومية والبيان الوزاري وما اذا كانت الحكومة ستلتزمه ربطا بموضوع المحكمة في الدرجة الاولى الذي لا يزال مطروحا امام لبنان لجهة التمويل كما لجهة ما سيتضمنه القرار الاتهامي والذي لا يكفي 'حزب الله' القول إنه انتهى لكي ينتهي، باعتبار ان هناك طائفة كبيرة معنية به في الدرجة الاولى ولها ما تقوله الى جانب فئة كبيرة من اللبنانيين ايضا، في ظل اهتمام بمعرفة ما اذا كانت الحكومة العتيدة ستعمد الى اتخاذ قرار بسحب القضاة اللبنانيين العاملين في المحكمة.
اما العامل الواضح فهو ان الحكومة في حال تألفت او متى تألفت لن تكون اكثر من حكومة موقتة او انتقالية نظرا الى الظروف السياسية والتجاذبات بين مكوناتها التي جعلت التأليف من فريق واحد يستغرق اكثر من خمسة اشهر.


'إخوان' تركيا ومصر وسوريا ليسوا إرهابيين!

ـ 'النهار'

سركيس نعوم:

عن سؤال: هل تستبعد إثارة سوريا الاسلاميين السنّة المتطرفين في لبنان كي تتدخل لاحقاً ضدهم مباشرة اذا صاروا خطراً مباشراً عليها؟ اجاب المتعاطي المباشر نفسه مع الارهاب ومكافحته في 'الادارة' الاميركية المهمة اياها، قال: 'ما اعرفه ان اميركا لن تقبل او ربما لن تسمح لسوريا بدخول لبنان عسكرياً مرة جديدة'. علّقتُ: لبنان لم يعد اولوية اميركية وخصوصاً بعد التطورات التي بدأت تحصل في المنطقة. واهميته اميركياً تكمن في وجود 'حزب الله' المسلّح فيه وفي خطر هذا الحزب على اسرائيل.
ردّ: 'لا اوافقك الرأي. ايام الرئيس جورج بوش (الابن) كان الاهتمام الاميركي بلبنان جدياً وقوياً. والآن هناك اهتمام ايضاً تعبّر عنه وزيرة الخارجية كلينتون وغيرها في الادارة'. علّقتُ: دعني اوضح من 1990 حتى 2004 كان اهتمام اميركا بلبنان شفهياً اذا جاز التعبير اي تصريحات ومواقف. لا اولوية ولا التزام قبل 2004. بين 2004 و2006 وربما 2007 صار الاهتمام الاميركي مباشراً. وبعد التطورات التي حصلت بعد 2007 لم يعد لبنان اولوية رغم استمرار الاهتمام بالأمن فيه وبـ'حزب الله' فيه وبخطره وغيره من اللبنانيين على اسرائيل.
ردّ: 'لنتّفق على ألا نتَّفق. انا اعتقد ان بلادكم لا تزال اولوية اميركية'. رددتُ: سنرى. وسألتُ: هل تعتقد ان 'الاخوان المسلمين' المصريين إرهابيون؟ اجاب: 'إنهم موجودون فيها منذ عقود. ولم يقوموا بأي عمليات ارهابية ضد الولايات المتحدة'. سألتُ: هل تحبّذ ان يُدخِلهم النظام الجديد الحياة السياسية المصرية رسمياً؟ اجاب: 'هذه ليست شغلتنا. إنها عمل المصريين'. علّقت: اعرف ذلك. لكن هل تخافون امراً كهذا؟ اجاب: 'لماذا؟ على كل انهم قوة موجودة. لكنهم لا يشكّلون اكثرية'.
سألتُ: كيف ترى الاوضاع في المملكة العربية السعودية في ضوء كِبَرِ سنّ كبار المسؤولين فيها وما يتردَّد عن تنافس على  الخلافة عندما يحين الاوان وعن دور المتطرفين السعوديين في كل ذلك؟ اجاب: 'اعتقد ان الامير نايف بن عبد العزيز جيد جداً، لا بل ممتاز. ابنه الامير محمد الذي يهتم بمكافحة الارهاب في وزارة الداخلية التي يتولاها والده يقوم بعمله على احسن وجه. ونحن نتشاور ونتعاون وننسّق في كل ذلك'. سألتُ: هل تعتقد ان الناشطين الشيعة في الخليج (البحرين والسعودية مثلاً) ينتمون الى تيارات ارهابية او يتعاملون مع دول ارهابية او ترعى الارهاب، ام ان بينهم افرادا او جماعات لهم مثل هذا الانتماء؟ اجاب: 'الغالبية الكبرى من الشيعة في الخليج ليست ارهابية. بل اعتقد انها اصلاحية. وهي ترفع مطالب اصلاحية. ولا بد من التجاوب معها تلافياً لتحوّلها ولسلوكها اتجاهات اخرى. في البحرين مثلاً لا يمكن انكار حقيقة ان المطالبين بالاصلاح شيعة وان هناك مشاعر متعارضة ومواقف متناقضة بين السنّة فيها والشيعة'.
علّقتُ: لكن السعودية هي التي نصحت وتنصح ملك البحرين بعدم تقديم تنازلات الى شيعة بلاده رغم كونهم الغالبية. على كل هل تعتقد ان اسلاميي تركيا، وهم جزء من 'الاخوان المسلمين' ارهابيون؟ اجاب: 'لا اعتقد ذلك. كنت هناك منذ مدة قريبة. ونحن نتعاون مع الحزب الاسلامي الحاكم. طبعاً هناك حقيقة هي ان الجميع كانوا يعتبرون ان تركيا جزء من اوروبا. اظهر الواقع السياسي والجغرافي انها ليست كذلك. هذا واقع علينا التعامل معه. وفي اي حال العلاقات مع تركيا الاسلامية جيدة والتعاون مستمر'.
سألتُ: هل تُصدِّق الزعيم الليبي معمر القذافي عندما يقول انه يحارب 'القاعدة' في ليبيا؟ اجاب: 'لا أُصدِّقه'. سألتُ: هل عندكم فكرة عن الشعب الليبي، انقساماته مواقفه احزابه تياراته قبائله...؟ اجاب: 'هناك افكار. لكن لا شيء واضحا تماماً. نحاول التعامل مع المجلس الإنتقالي'.
وسؤالي الاخير كان: هل تعتقد ان 'اخوان' سوريا ارهابيون؟ اجاب: 'لم يُعرف عنهم قيامهم بعمليات ارهابية وخصوصاً بعد ما حصل في حماه عام 1982. على كل استبعد ان يحصل في سوريا ما حصل في غيرها. ذكرى حماه قاسية جداً'.
ماذا في جعبة مسؤول مخضرم خبير في الشرق الادنى ومتعاطٍ مع كل مشكلاته من زمان في 'الادارة' الاميركية المهمة نفسها؟
اثناء اللقاء أتينا على سيرة سوريا وخصوصاً بعدما كانت ترد بواسطة الخليوي اخبار 'انتفاضة' شعبها انطلاقاً من درعا وصورها وبواسطة وسائل الإعلام العادية اخبار التظاهرات 'المؤيدة' للنظام فيها. وكان هناك استبعاد لوصول التأزم الى نهاياته لأن غالبية الشعب السوري تفضّل الاستقرار بعد الذي شاهدته في العراق وغيره، طبعاً باستثناء الاكراد السوريين. وعندما وصل الحديث الى سوريا ولبنان ماذا قال؟


لبنان نصير الأحرار لا القتَلَة

ـ 'النهار'

علي حماده:

فيما يواصل النظام في سوريا الغرق في بحر من دماء، ثمة قيادات لبنانية لم تفهم بعد انه لن تقوم في لبنان حكومة يتمترس خلفها النظام، او تكون ورقة بيده في معركته للبقاء. فقد ولّى زمن الانبطاح على ابواب المسؤولين السوريين واولهم الرئيس بشار الاسد، ومن لم يدرك ذلك بعد يتعين عليه ان يحترم دماء السوريين من اطفال ونساء وشيوخ وشباب يواجهون من اكثر من ثلاثة اشهر اعتى آلة قمع مخابراتية – عسكرية في المنطقة لينتزعوا يوما بعد يوم حريتهم وكرامتهم شبراً شبراً.
لقد تغيرت الصورة كليا. ومن كان ينتظر 'شرعية' ما من النظام في سوريا ليؤلف حكومة، او يتخذ خيارا سياسيا في لبنان، صار عليه ان يعوّد نفسه التصرف من تلقائه، لأن النظام في سوريا في طور فقدان شرعيته كليا، ولأن العودة الى الوراء، الى ما قبل الخامس عشر من آذار، مستحيلة، فالسيطرة الامنية الدموية على سوريا لا تعني ان الاسد الابن وصحبه قادرون على حكم البلاد بعد هذا الكم الهائل من الدماء ومن 'الفظاعات'، كما وصفها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان. ونحن في لبنان يسوؤنا ان يتوهم بعضنا ان بعض شرعيته او كلها منبثقة من قرار النظام في سوريا.
هذا كلام نوجهه الى الجميع من دون تمييز: أتباع النظام القدامى والجدد، على قاعدة ان لا شرعية لأي حكومة تعكس رغبة النظام في سوريا او تخدم مصالحه. وهنا نحن نميز بين مصالح سوريا الوطن والشعب وحتى الدولة بمعناها المدني، ومصالح الفئة التي تقتل شعبها بلا هوداة دون ان يرف لها جفن منذ اكثر من ثلاثة اشهر. وعليه فإن موقف لبنان في مجلس الامن مما يجري في سوريا ينبغي ان يتسم بالحد الادنى، اي انه اذا كان 'حزب الله' معتصما بالتحالف مع النظام، فإن لبنان لا يمكنه ان يقف بجانب القتلة، وان يتعامى على المجازر، واكثر من ذلك لا يمكن لبنان بلد ثورة الارز ان يدفع الى موقف 'وقح' بالتصويت ضد قرار دولي يقدم لوقف المجازر في سوريا. ان لبنان هو صديق الشعب في سوريا، ولا يسعه إلا ان يقف مع الاحرار في كل مكان، من تونس الى مصر وليبيا وصولا الى سوريا.
في سوريا لن يعود النظام (هذا اذا لم يسقط) الى سابق عهده. ولن ترسو معادلة تعيد إحياء 'جمهورية حافظ الاسد'. فقد ماتت ودفنها احرار سوريا في اقل من عشرة اسابيع. وتكسرت جدران ذلك 'السجن الكبير' كما سماه كمال جنبلاط قبل ان يقتلوه.
اننا في لبنان حلفاء سوريا، ولكننا حلفاء الشعب لا حلفاء قتلة الاطفال والنساء. ولمن خانتهم الذاكرة، فإننا قدمنا للحرية شهداء كبارا، من اولهم كمال جنبلاط الى كبيرهم رفيق الحريري مرورا بكل الكبار الذين سقطوا بـ'رصاص الغدر'، أخالها تعتذر منهم...


الأسد أوصى وتشكيل الحكومة معلّق

ـ 'المستقبل'
أسعد حيدر:

مضى الربيع، ولم 'يزهر' تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، في تأليف حكومة الأكثرية الجديدة. لا الانقلاب الدستوري أنتج أكثر من هذه الأكثرية الجديدة المفكّكة رغم كل مظاهر الوحدة فيها. ولا انحياز 'الوسط' نفع أكثر من إنجاز 'الانقلاب'، والوقوف أمام إشارات حمراء على مسار التشكيل والعمل لفتح الطرقات أمام أزمات اقتصادية ومعيشية تزداد مخاطرها يومياً.
النائب وليد جنبلاط، عاد من دمشق بعد لقائه الرئيس بشار الأسد، بموافقة الأخير على التعجيل بتشكيل الحكومة اللبنانية. إذاً، مسؤولية التعطيل تقع في الرابية والضاحية معاً. بعد هذه التوصية من الأسد، هل يستمر التعطيل ولماذا؟
المشكلة ليست فقط في الحقائب والأسماء. ليس أكثر من المستوزرين في البلد. العقدة على 'طاقين' كما يُقال: الأول: إن أي حكومة ستُشكل لن تكون حكومة مواجهة ولا توافقية. في الحالتين الرئيس ميقاتي، خاسر لأنه وهو الذي يقول بأنه وسطي لن يستطيع الخروج من 'العرس' بحكومة توافقية تسمح له بالعمل الذي يفتح أمامه 'السكة' نحو زعامة دائمة من طرابلس إلى بيروت، ويستطيع من خلالها المحافظة على مكانته الاقليمية والدولية في قطاع الأعمال. ميقاتي يعرف جيداً أنّ حركته السياسية تحت المتابعة والرصد الاقليمي والدولي الدائم. ماذا ينفع ميقاتي، إذا ربح تشكيل الحكومة وخسر مستقبله؟
أما 'حزب الله' والجنرال عون، فإنّ عدم تشكيل حكومة 'مواجهة' مدموغة مئة بالمئة ببصماتهما، يكون البقاء في الفراغ الحالي أهون بكثير. كلاهما يعرفان الآن أكثر من أي وقت مضى أنه حتى ولو قَبِلَ الرئيس المكلف فرضاً بتشكيل مثل هذه الحكومة وهو مستحيل عملياً، فإنّ مسؤوليتهما ستكون كبيرة جداً في وضع لبنان كله أمام منزلق إجراءات سياسية ودولية خطيرة على مستقبل لبنان كله وليس حاضره. هذا الإدراك لخطورة الانزلاق نحو الهاوية بفعل اختيار المواجهة، يُعرقل التقدم مع محاولة رمي كرة التعطيل مرة على الرئيس ميشال سليمان، ومرة أخرى على الرئيس ميقاتي، ومرّات عدّة على عاتق الولايات المتحدة الأميركية.
'الطوق' الثاني، وصية الرئيس الأسد للنائب وليد جنبلاط، تؤكد أنّ دمشق حاضرة مئة بالمئة في المسارات اللبنانية. السؤال: إذا لم يسارع 'حزب الله' ومعه الرئيس نبيه برّي وحليفهما الجنرال ميشال عون، في تشكيل الحكومة العتيدة متجاوزين كل التحفّظات والمطالب، معنى ذلك أنهم لا يعملون كما يجب بوصية الأسد. وهذا كله يشكل تحولاً خطيراً يؤكد إما على العجز الكامل من جانب 'الانقلابيين' أو أنهم حذرون جداً في تعاملهم مع 'الوصية'، لأن مفاعيل 'الربيع' مستمرّة.
هذا الحذر يقود حُكماً للإضاءة على مواقف لبنانية وفلسطينية أكثر حذراً لأنها نتاج ميداني مهم جداً إلى درجة كبيرة. في ذكرى الخامس من حزيران، 'حزب الله' شارك مباشرة في ضبط الأوضاع في الجنوب، خصوصاً بعد أن وضع الجيش اللبناني نفسه أمام التعرّض لهجوم إسرائيلي على كل مواقعه إذا وقعت مواجهة على الحدود. لا الجيش يريد هذه المواجهة و'حزب الله' تفاداها لأنه إذا ردّ دخل في مواجهة عسكرية غير محسوبة وإذا انكفأ وصمت سيسيء جداً لموقعه 'كمقاومة' دائمة الجاهزية. وهذا كله يؤكد أن لـ'حزب الله' حسابات لبنانية خارجة من معرفته الكاملة 'بنبض' أهل الجنوب ووجهة 'بوصلة' مواقفهم من أي حرب لا تكون لأجلهم ولأرضهم فقط لا غير.
أما الفلسطينيون على مختلف فصائلهم، فإنهم بقرارهم الواقعي بالتضامن والتكافل مع اللبنانيين مواطنين وجيشاً ومقاومة، أثبتوا وعياً متنامياً بأنّ مصلحتهم من مصلحة لبنان والعكس صحيح وليس في مكان آخر. أما فلسطينيو سوريا، فإنّ 'الانتفاضة' التي قاموا بها في مخيم اليرموك هي حلقة من 'ثورات الربيع' العربية تحمل كل خصوصية الوضع الفلسطيني. لا شك أن 'ثورة' الشباب في مخيم اليرموك هي ضدّ استثمار وطنيتهم والتزامهم الحقيقي بفلسطين أرضاً وقضية في سوق مقايضات أصبحت ممجوجة لكثرة تكرارها طوال العقود الماضية. الانتفاضة تعادل في أهميتها انطلاقة الرصاصة الأولى للمقاومة التي قادها وفجّرها الرئيس الشهيد ياسر عرفات.
لأول مرّة يكتب الفلسطينيون بدمائهم حبهم لفلسطين من جهة وإرادتهم من جهة أخرى بأن يكونوا هم صانعي حاضرهم ومستقبلهم وتاريخهم من أجل العودة، لا أن تكون العودة 'جسراً' تعبره الأنظمة العربية لتثبيت مواقعها الداخلية والاقليمية والدولية. هذه هي بداية 'ثورة الربيع' الفلسطينية التي بدأت وستستمر، خصوصاً بعد أن عادت مصر راسمة للمسارات لا مجرد اسم وصوت في الجامعة العربية.
يبقى أخيراً أن التجربة التركية أصبحت مثالاً للعديد من 'ثورات الربيع' العربية. تركيا التي ستنتخب مجلساً نيابياً جديداً يوم غد الأحد، تتجه بفعل الرياح 'الأردوغانية' نحو نظام أكثر ليبرالية رغم الهوية السياسية الإسلامية لـ'الأردوغانية' نفسها. وما هذا التحول إلا لكي يحصن رجب طيب أردوغان تركيا أمام كل الرياح الساخنة التي تهب في منطقة الشرق الأوسط. ولا يمنعه التزامه السياسي الإسلامي، من الدخول في هذا المسار لأن مصلحة تركيا تتقدم على مصالح الأفراد والأحزاب. هذا هو المفعول الأول لوجود الدولة والشعور المُلزم بالانتماء إليها. من حق 'حزب الله' الالتزام 'بولاية الفقيه' وما تفعله الجمهورية الإسلامية في إيران، ولكن أيضاً من حق لبنان عليه وهو في النهاية أرضه ومصيره أن يكون أكثر واقعية وأن يساهم وحتى أن يبادر في تحصين لبنان، بالعودة إلى الوفاق والوحدة الوطنية على قياس لبنان لا أكثر ولا أقل.


هل تبقى النار اللبنانيّـة تحت الرماد ؟

ـ 'الديار'

تقرير:

بضغط سوري والحاح من حزب الله، اجتمع اركان الأكثرية الجديدة عند الرئيس بري، وليس الاجتماع لأجل شرب فنجان قهوة، ولم يأت الوزير وليد جنبلاط، ولا الوزير سليمان فرنجيه، ولا العماد ميشال عون، ولا الرئيس ميقاتي، من اجل ان يشربوا فنجاة قهوة، بل من اجل التباحث جدّيا في تشكيل الحكومة. امس كان شقيق الرئيس ميقاتي الأستاذ طه ميقاتي في السعودية، في زيارة اجتمع فيها مع مسؤولين سعوديين. لكن الباب السعودي ما زال مغلقاً في وجه الرئيس ميقاتي بشأن تأليف الحكومة، وهم يعتبرون انهم لم يقبلوا بتشكيل حكومة يسيطر حزب الله بنفوذه عليها، ولو كان الرئيس ميقاتي قد قام بزيارة دار الإفتاء ثلاث مرات، واكّد على انتمائه السنّي، وعلى دور الطائفة السنية وعلى العلاقة مع السعودية، لكن الذي سمع امس قرار الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بإعطاء الرئيس الحريري مشروع بناء القطار تحت الارض في السعودية بقيمة 30 مليار دولار، ومن رأى وضع الرئيس الحريري قرب الملك في السعودية، يعلم تماماً ان السعودية ما زالت تدعم بقوّة الحريري ولا تريد الرئيس ميقاتي رئيساً للحكومة، وطه ميقاتي الذي تربطه علاقة جيّدة مع الأمير عبد العزيز بن عبدالله نجل الملك السعودي لم يستطع فتح باب السعودية في وجه الرئيس ميقاتي، وعبثاً حاول الاستاذ طه اقناع السعودية بتشكيل حكومة متوازنة ناتجة عن اجتماع القيادات التي التقت عند الرئيس بري، فإن السعودية رفضت اعطاء الموافقة على هذه الحكومة، وقالت : لن نتعاطى بالموضوع، ومعنى ذلك عدم رضاها عن تشكيل الحكومة.

النظام في سوريا لا يمزح
الأزمة عنيفة، فالمصالحة مثلاً، بين الحزب القومي وتيار المستقبل حتى الآن لم تحصل، وعبثا حاولت اجهزة امنية مصالحة الحزب القومي مع تيار المستقبل بشأن الـ 11 قتيلاً في مستشفى حلبا من القوميين، لكن المصالحة لم تحصل، ويعود السبب ايضا الى ان تيار المستقبل يريد ارشيف تلفزيون المستقبل الذي سيطر عليه الحزب القومي عندما سيطر حزب الله على بيروت، لكن الحزب القومي يقول، انه حرق الارشيف وليس لديه ارشيف لتيار المستقبل، فيما يقول تيار المستقبل ان الكاميرات المثبّتة حول التلفزيون اظهرت نقل ارشيف من افلام التلفزيون الى منطقة معيّنة، ثم ان المصالحة، وان كانت ستجري بين الحزب القومي وتيار المستقبل بشأن 11 شهيداً في مستشفى حلبا من القوميين، فإن الجماعة الإسلامية بقيادة النائب الضاهر، ما زالوا رافضين المصالحة، لان لديهم قتلى ويرفضون عمل الحزب القومي في عكار، هذه عقدة بسيطة تقف في وجه تشكيل الحكومة. اما بالنسبة للوزير وليد جنبلاط فقد ملّ الوضع، وابلغ الرئيس بري انه يجب تشكيل الحكومة مهما كان الثمن، وايّده الرئيس بري في هذا الأمر، والرئيس سليمان موافق على تشكيل الحكومة، ومشكلة نصف وزير او وزير كامل ليست قضية مهمة عند الرئيس سليمان الذي يريد ان يكمل الثلاث سنوات الباقية من عهده، وهو يحكم فيها ولا يبقى من دون حكومة ولا سلطة، ولا سيطرة على البلاد، وهو يدرك ان هذه الثلاث سنوات ستقرّر أموراً اساسية في المنطقة. لكن المشكلة ان الرئيس ميقاتي لا يريد تشكيل حكومة. الرئيس ميقاتي اخذ قراراً سرّياً يعرفه هو وشقيقه الاستاذ طه، انه لن يؤلف حكومة دون غطاء سعودي، والغطاء السعودي حتى الآن غير مؤمن، حتى انه عندما نجحت مبادرة الـ &laqascii117o;س.س." اي سوريا والسعودية سوية لتأليف حكومة، لم يتوصّل احد الى تشكيل حكومة وعقد مؤتمر في الرياض للمصالحة، فكيف الآن وسوريا في اضطرابات ومشاكل، اما السعودية المبتعدة فأخذت قراراً بعدم التدخّل على الساحة اللبنانية، قبل انتهاء حوادث سوريا. المخابرات السعودية تركّز حاليا على الوضع في سوريا، وما سيجري، وهل تنتهي العلاقة السورية ـ الإيرانية، ام تتعزّز؟ وهل تصل الإضطرابات والضغط في سوريا الى وضع يجعلها حليفة للسعودية وتترك ايران نهائياً؟ ام تبقى سوريا على توازن بين ايران والسعودية، وهنا سوريا مضطرّة ان تأخذ بعين الاعتبار قوة حزب الله الضاربة في لبنان، خاصة بعد حوادث الجولان، ذلك ان مظاهرات الفلسطينيين والسوريين الى الجولان اعطت نتيجة اعلامية لا عملية. اما بالنسبة لحزب الله، فإن اي حرب بينه وبين اسرائيل يعني ضرب شمالي اسرائيل بالصواريخ، وتغييراً في الموازين. فهل سوريا قادرة على فك ارتباطها مع ايران؟ الجواب كلا، لأن فكّ الارتباط مع ايران، يعني فك ارتباط التحالف مع حزب الله في العمق، وسوريا لا تريد ان تفقد ورقة حزب الله في لبنان، الذي هو اقوى قوة ضاربة عسكرية في وجه اسرائيل، ولبنان يضم مليوناً و300 الف شيعي، اي ثلث الشعب اللبناني، اضافة الى سيطرة الشيعة على مراكز مهمة في الجيش والدولة، مما يجعل النظام السوري مرتاحاً في تعاونه مع المقاومة في لبنان. لذلك السعودية لن ترسل اموالاً الى لبنان قبل ان تعرف مصير الواقع السوري، وما سيحصل، فإذا انتصر النظام السوري على المعارضة كلياً وسيطر على الوضع، فمعنى ذلك انه سيسيطر على لبنان، وبالتالي فالسعودية لا تريد ان تكون موجودة على الاراضي اللبنانية اذا سيطرت سوريا عليها. لذلك تنتظر السعودية انتهاء الاوضاع في سوريا، ولا تأخذ موقفاً بالنسبة للحكومة قبل ذلك، وما اذا كانت ستقبل بتشكيل حكومة جديدة، طبعاً لن تكون حكومة من لون واحد، بل ستكون حكومة يشترك فيها 8آذار و14 آذار في ظلّ توافق سوري ـ سعودي كامل.
النظام في سوريا لا يمزح، ويعرف ان يلعب مصيره تماماً، وان اخطر ازمة جرت في تاريخ سوريا منذ يوسف العظمة وحتى اليوم هي الازمة الحالية، ولذلك فالنظام السوري يستعمل كل طاقاته لمنع اي مسّ به، واعادة سيطرته على الارض. لكن اسلوب الاسد لا يريد اعطاء ذريعة بأنه ارتكب مجازر داخل سوريا، بل اكتفت الشرطة والجيش بقمع المتظاهرين. المقياس الحقيقي الباقي حالياً، هو معركة جسر الشغور التي باتت منطقة متمرّدة، فإن دخلها الجيش السوري، فسيدخلها بمجزرة، وان تركها، فهي متمرّدة، ولا يستطيع القبول بوضعها. مشكلة سوريا انها باتت على خلاف مع تركيا، فوزير خارجية تركيا، قال، ان هناك سباقاً بين الحل الامني والاصلاحات في سوريا، فإذا كانت سوريا تريد تجميد الوضع الحالي، فعليها اعطاء برنامج للإصلاحات، بحيث تعلن عن اصلاح كل ثلاثة او اربعة ايام. لذلك فإعلان وزير الخارجية التركي عن فتح الحدود التركية مع سوريا، يعني فتح حدود بطول 800 كلم بين تركيا وسوريا، وهي اطول حدود لسوريا مع دولة مجاورة، ذلك ان طول الحدود السورية العراقية 700 كلم، بينما الحدود مع تركيا 800 كلم، وفي ذات الوقت، اعلن اردوغان انه فتح الحدود التركية امام المواطنين السوريين، اي انهم يستطيعون الدخول كلاجئين حتى دون اوراق ثبوتية، ودون اشراف الشرطة والجيش التركيين على الأمور. هنالك فرضيات كثيرة، فماذا مثلا، لو قامت مجموعة سورية بإطلاق النار على الجيش السوري ودخلت الاراضي التركية، هل يلاحقها الجيش السوري الى الداخل التركي، ام تركيا تعلن انها لن تقبل بأيّ مسّ من الأمن السوري لحدودها، وهذا ما لم يقله اردوغان، بل اعلن ان الحدود مفتوحة للمواطنين السوريين، وكلمة المواطنين السوريين تعني اللاجئين، وربما غير اللاجئين، واضاف اردوغان انني لا افهم كيف يتم استعمال الدبابات ضد المواطنين للسيطرة عليهم، اضافة الى عبارته الشهيرة، نحن لا نريد ان نخدع احداً، لكن لا نقبل ان يخدعنا احد، لذلك فسوريا هي في واقع ترددي غير محسوم الامر، بمعنى انه يجري قمع مظاهرة في مدنية معينة، فلا يرضى الرئيس الاسد عن الأمر، فيطلب من ضباط المخابرات الإتيان بوجهاء من تلك المنطقة، ويبلغهم انه لا يقبل بقتل المتظاهرين، ثم تحصل مظاهرة اخرى ويجري قتل متظاهرين، ويتكرّر الأمر ذاته، وهكذا تعيش سوريا حالة غير مستقرّة.
من هنا، فإن تشكيل الحكومة في لبنان غير وارد حالياً، فلا غطاء سوري، ولا غطاء سعودي، ولا غطاء عربي، ولا غطاء اوروبي واميركي، بل على العكس، عداء اوروبي واميركي لتشكيل حكومة من لون واحد، وبعد اتصالات بين الوزير جنبلاط والقيادة السورية، وجنبلاط والرئيس ميقاتي، قرر القيام بزيارة لفرنسا وقطر، ففي فرنسا طالبها بتحسين العلاقة مع سوريا وعدم ازدياد العداء لها، فكان جواب وزير خارجية فرنسا قاسياً : ان الرئيس الاسد فقد شرعيته، وهو امر ردّت عليه وزيرة خارجية سوريا، ان زمن الإنتداب انتهى.
اما قطر التي كانت تلعب دوراً بين سوريا وفرنسا وسوريا واميركا، وساهمت في اقامة افضل علاقة بين الرئيسين ساركوزي والأسد، اضافة الى انها لعبت دوراً في اعادة السفير الاميركي فورد الى دمشق، أعلنت انها تقف ضدّ دمشق، والسبب ان مؤتمر الدوحة قال بعدم استقالة الحكومة وعدم استعمال الثلث زائد واحد، حيث اعتبرت قطر انها تلقّت ضربة موجعة بإستقالة الحكومة من خلال استقالة 11وزيراً، لكن ليس هذا هو السبب الحقيقي، فقطر ليست دولة كبيرة، ولا جيش لديها، ولا مصالح، سوى انها تبيع الغاز وتلعب دوراً دبلوماسياً قوياً، لكن قطر تنفّذ اجندة فرنسية اميركية، وعندما تمّ وضعها في الميزان للإختيار بين سوريا واميركا وفرنسا، اختارت اميركا وفرنسا، لا بل ذهبت اكثر من ذلك، الى تجنيد محطة &laqascii117o;الجزيرة" التي يرأس مجلس ادارتها رئيس الوزراء القطري لتقوم بأكبر حملة ضدّ سوريا، وتحرّض الشعب ضدّ نظامه، وتحريض الشعب على نظام الرئيس بشار الاسد هو اكثر من عمل عدائي، لكن قطر تنفّذه لأسباب فرنسية واميركية.
من هنا عاد جنبلاط وابلغ الجميع، خاصة سوريا، بالجواب الفرنسي والقطري، وابلغ الرؤساء سليمان وميقاتي وبري، بما حصل معه في باريس وقطر، لكن الرئيس الحريري ملتزم بالقرار السعودي الذي ابلغه مقرن بن عبد العزيز مدير المخابرات السعودي لجنبلاط وهو ان العلاقة السعودية الجنبلاطية انقطعت، واذا كان مسؤول سعودي قال انه يقدّر جنبلاط على جرأته بإعلان قطع السعودية العلاقة معه، فإن ذلك لا يغيّر شيئاً. لذلك فالرئيس الحرير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد