- "النهار"
مواجهة محتملة بين فريق ميقاتي ووزراء عون
سابين عويس:
حسناً فعل المشَرع عندما حدد مهلة شهر لانجاز البيان الوزاري للحكومة اعتباراً من موعد اعلانها مما يجعل اقرار البيان محكوماً بالوقت فلا يتكرر مشهد المخاض الحكومي الذي استغرق 5 أشهر من المشاورات والمفاوضات الشاقة. علما ان ما اعاق التأليف حصصا واسماء لم يكن سوى واحدة من الخطوات الاستباقية لتحالف الاكثرية للامساك بالحكومة والتزاماتها السياسية وتوجهاتها الاقتصادية والمالية. وهو ما بدأ يتبلور مع بدء النقاش حول البيان الوزاري، الذي عكس حجم الاختلالات بين مكونات الحكومة الجديدة والتي سيقودها كما بات واضحا وزراء التيار الوطني الحر بدعم من "حزب الله" في وجه الفريق الوزاري لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، علماً ان عنوان المواجهة سيكون ضد المعارضة وتحديدا تيار "المستقبل" على خلفية ملفين: سياسي متعلق بالتزامات لبنان حيال المحكمة الدولية واقتصادي – مالي مرتبط بمكافحة الحقبة الحريرية السابقة سيكون عنوانها الابرز التعيينات الادارية والامنية.وفي حين بدأت ملامح هذه المواجهة تظهر في تمنع وزير الاتصالات نقولا صحناوي عن تلبية طلب وزير المال محمد الصفدي في شأن تحويل الاموال المجمدة لديه من أجل استعمالها في سداد ديون مستحقة، وذلك استكمالا لسياسة الوزير السابق للاتصالات وزير العمل شربل نحاس، فان مصادر وزارية أكدت ان الحملة العونية ستتوزع على اكثر من محور:
- الاول يتمثل في وضع هيئة "اوجيرو" تحت سلطة وزارة الاتصالات خصوصا ان اي تطبيق لقانون الاتصالات والسماح للهيئة الناظمة للاتصالات بممارسة صلاحياتها المستقلة عن الوزارة سيقلص سلطة الوزارة في الوقت الذي تتمتع فيه "اوجيرو" بصلاحيات استثنائية. والمدخل الى ذلك سيكون عبر ابعاد رئيس الهيئة عبد المنعم يوسف عن رئاستها وذلك بعدما اقر ديوان المحاسبة الرأي بأنه لا يمكن يوسف ان يتولى 3 وظائف في آن علما انه يتم التجديد له سنويا في مجلس الوزراء لرئاسة اوجيرو. ومع امتناع نحاس عن توقيع عقد اوجيرو للسنة الجارية باتت عقود الادارة والتشغيل والصيانة باطلة.
- المحور الثاني يتعلق برغبة "التيار الوطني الحر" بملء مراكز خدماتية اساسية انطلاقا من الكتلة الوزارية الكبرى التي حظي بها والتي تخوله وفق اوساطه الافادة من الفرصة المتاحة حاليا لاجراء تغيير في مواقع اقتصادية ذات مردود مجزٍ. ومن ابرز المراكز التي يصبو اليها التيار شركة "طيران الشرق الاوسط"، وهو ما يفسر بحسب مصادر متابعة الانتقادات التي وجهها قبل ايام رئيس التيار العماد ميشال عون الى الشركة على خلفية اسعارها المرتفعة. وتتوقع المصادر ان ترتفع وتيرة استهداف الشركة تحقيقا للهدف المشار اليه.
- ومن المراكز الاخرى التي يصبو اليها التيار كازينو لبنان الذي ينتظر ان يدخل في دائرة الاستهداف في وقت قريب الا اذا نجحت النصيحة الموجهة الى عون بتحييد هذا الموقع على قاعدة ان رئاسة الكازينو هي من حصة رئيس الجمهورية.
- وفي اطار الحملة التي يشنها التيار على النهج الاقتصادي والمالي الحريري تفيد اوساط قريبة من عون ان ثمة توجها نحو التصويب على حاكمية المصرف المركزي وعدم السير في التجديد للحاكم رياض سلامة على قاعدة ان سلامة يمثل نهجاً مالياً واقتصاديا يحاربه التيار وان الكلام عن عدم وجود بدائل لسلامة غير مقبول في ظل الكفاءات المصرفية والمالية الموجودة ولا سيما في أوساط التيار. وفي حين استبعدت المصادر المواكبة ان يمضي عون في هذا الاتجاه حتى النهاية رأت ان موقفه لن يكون الا في الاطار التفاوضي من اجل تحسين شروطه بالنسبة الى مواقع اخرى.
البيان الوزاري والمحكمة
وخلافا للاجواء التي أشيعت منذ تكليف ميقاتي عن ان بيانها الوزاري جاهز ومكتوب وينطلق من الاهداف والثوابت التي دفعت الاكثرية الى اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، فان صياغة البيان في البنود التي يترقبها الغرب وترضيه ولا تغضبه لا تزال دونها عقبات في ظل الرسائل الدولية الضاغطة في اتجاه التزام القرارات الدولية يقابلها موقف حازم لـ"حزب الله" في شأن بند المحكمة تحديدا مما يضع رئيس الحكومة في موقع حرج ودقيق خصوصا بعد اعلانه انه لن يتبنى اي قرار معين ( الغاء المحكمة) ما لم يحظ باجماع داخلي. وتقول مصادر وزارية ان المخرج الذي كان يعول عليه ميقاتي مرتكزا على تبني "حزب الله" له باعتماد صياغة لا تذكر المحكمة بشكل مباشر قد سقط مما جعل لجنة الصياغة تقفز من البنود السياسية الى البنود الاقتصادية من دون المرور ببند المحكمة، علما ان وزير الاعلام كان اعلن ان اللجنة تسير بمناقشة مسودة البيان بندا بندا ولم تصل بعد الى بند المحكمة. والسؤال هل من بند مكتوب بهذا المعنى اصلا ام ان ميقاتي اعد صيغة توفيقية رفعها اخيرا الى الرئيسين سليمان وبري؟ في اي حال تستأنف اللجنة اجتماعاتها اليوم من دون اي مؤشر الى امكان انجاز قريب للبيان وان كانت معلومات ترددت عن اصرار رئيس الحكومة على انجاز الصياغة قبل الخامس من تموز المقبل لدواعي سفر لرئيس الجمهورية الى موناكو في نهاية الاسبوع بالتزامن مع معلومات اخرى يجري تسريبها حول قرب صدور القرار الظني في النصف الاول من الشهر المقبل.وينتظر ان يستمر النقاش في الملف الاقتصادي في ضوء 4 اوراق قدمت في الاجتماع الاخير للجنة من كل من ميقاتي والوزراء شربل نحاس ونقولا نحاس وناظم خوري باسم رئيس الجمهورية. وافادت المعلومات ان ثمة تباينا في المقاربة الاقتصادية بين فريقي رئيسي الجمهورية والحكومة وبين نحاس.
- "النهار"
تركيا وخطر التفكك السوري [2]
اسطنبول ـ جهاد الزين:
الحلقة الثانية الأخيرة من النص الذي كتبه وقدمه الزميل جهاد الزين لمناسبة الاجتماع السنوي للفريق الاقليمي التابع للبنك الدولي في تركيا يوم الثلاثاء المنصرم والذي عقد بدعوة من البنك في منتجع "أبانت" الجبلي في تركيا على مدى يومين. وقد تناول في الحلقة الأولى، المنشورة امس، ملامح ومخاطر "الربيع العربي" من الزاوية العربية.
4- الاحتمالات من تركيا
- دعونا نتذكر ان النجاحات التركية في السنوات السبع المنصرمة في العالم العربي، النجاحات الاقتصادية والسياسية، حصلت اساسا مع الديكتاتوريات العربية وليس مع الديموقراطيات الناشئة باستثناء الحالة العراقية التي بقيت معلقة امنيا من وجهة نظر الامن القومي التركي ولكنها انتجت وضعا باهرا للمصالح الاقتصادية التركية في الاقليم الكردي تجارةً ومقاولاتٍ واستثماراتٍ كما في العديد من المناطق العراقية الاخرى حتى البصرة في اقصى الجنوب.
- في سوريا كان النجاح التركي شبه كامل مع النظام في الامن والتجارة والاستثمارات وضاعف هذا النجاح شعور النظام السوري العميق بالامان نتيجة السياسة المتزنة التي اتبعتها الدولة التركية حيال الصراع المذهبي الذي غذاه التنافس الايراني - السعودي، في فترة كان فيها الرئيس بشار الاسد يواجه نتيجة الهجوم الديبلوماسي الاميركي الفرنسي عليه اواخر عام 2004 في لبنان، والذي ادى عمليا الى اخراج الجيش السوري من لبنان ربيع عام 2005 بشكل مهين، كان الاسد يواجه اخطر تهديد مصيري لنظامه حتى ذلك الحين فجاء الموقف التركي ليشكل تغطية لا تقدر بثمن في نقطة ضعف مهمة هي طابع النظام الاقلّوي.
- لقد جعل التوجه التركي المبني على قوة اقتصادية متقدمة عن المحيط ليس العربي فقط بل القوقازي والبلقاني ايضا من تركيا لاعبا غير معلن في مناطق مهمة داخل بعض دول جواره الجنوبية اي بمعنى ما لاعبا في تركيبتها الداخلية. فكما ان المساهمة في تشكيل تيار انتخابي رئيسي في الانتخابات العراقية الاخيرة عبر ما سُمي "القائمة العراقية" التي ارادتها سوريا والسعودية وتركيا تعبيرا عن عودة قوية للنفوذ السني العراقي تحت طربوش زعامة شيعية مضادة لايران هي رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي، كما ان هذه المساهمة التركية اظهرت النفوذ الخاص لتركيا في مدينة الموصل، فان الانفتاح السوري التركي غير المسبوق اقتصاديا مع الغاء التأشيرات بين البلدين قد اظهر "عودة" نفوذ تركي على البورجوازية الحلبية الجديدة والتقليدية حتى لو ان جزءا من هذه البورجوازية الصناعية قد تهددت انماط انتاجه وقدرته على الاستمرار امام الصناعات التركية المتقدمة مما استدعى دعما ماليا غير عادي من الدولة السورية لمساعدة الصناعات السورية المتخلفة على التطوير او التغيير كما نقل لي خبير اقتصادي لبناني التقى الرئيس الاسد وسمع منه ذلك مباشرة.
5- خلاصات
تواجه انقرة اذن معطيات هائلة الوقع والتأثير في الوضع العربي الجديد:
1- دور اميركي قيادي في الربيع العربي. اقول ذلك خلافا للرأي الذي يتردد ببغائيا احيانا عن الارتباك الاميركي هنا او هناك. في تونس لم يحصل اي ارتباك، في مصر كان نوعا من التردد الطبيعي في رصد العملية الثورية واكاد اقول "ادارتها"، في ليبيا نوع من تضارب مصالح وحساسيات بين القوى الكبرى خصوصا مع الاندفاع الفرنسي بسرعة قصوى تمليها ايضا حسابات تعويضية عن التلكؤ الفرنسي شبه الفضائحي حيال الانتفاضة التونسية والصراع على دولة نفطية. الارتباك الفعلي والمبرر كان تركياً. واشنطن تبني صلات مع نخب عربية جديدة بينما تركيا امامها الكثير لبنائه في هذا المجال رغم رصيد حزب العدالة والتنمية الجدي في اوساط حركات الاخوان المسلمين. لكن تاريخ الجمهورية التركية لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية يشير الى ان النخبة التركية الحاكمة سيتعزز لديها اتجاه توطيد العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية والتي تنفتح امامها آفاق جديدة في المناخ العربي الثوري الجديد وتحديدا في المحيط القريب كالعراق وسوريا.
2- "عودة" مصر الاكيدة في التأثير رغم ضخامة مشاكلها الداخلية. وأول مظاهر الدور الاقليمي كان المصالحة الفلسطينية التي تحصل بتأثير ليس AKP وانما بتأثير الاخوان المسلمين المصريين الآتين الى السلطة قريبا ولو على الارجح بصيغة ائتلافية. باختصار مصر معطى يجب ان يحسب حسابه تعاونا وتنافسا في ادارة الدينامية التركية في العالم العربي وافريقيا حتى لو ان الثورة المصرية لم تحرر مصر الى الآن من كونها عملاقا اقليميا معطوبا.
3- خطر التفكك السوري بما يؤدي الى تحديات التفكك الكردي خصوصا في الشرق الشمالي السوري واتصال ذلك باخطر بند في الامن القومي التركي. وهذا ما قد يفتح على احتمال اضطرار تركيا الى تدخل عسكري يعقّد الامور حتى مع الديموقراطيات الجديدة. فقد يتحول انشاء حزام امني داخل سوريا اياً تكن مغرياته على المدى القصير الى خطأ تركي استراتيجي يعيد تجديد المخاوف السابقة للنخب العربية وهواجسها من "الاطماع" التركية.
4- ثبات ايجابي في العلاقات التركية الايرانية كان مضبوط السقوف تاريخيا ويرتكز منذ عقود على مصالح اقتصادية ضخمة عززها النمو "النموري" للآلة الصناعية التركية التي تنفق على نفسها عشرات المليارات سنويا اي على حاجاتها التطويرية والنفطية يحتل فيها استيراد النفط والغاز من ايران حيزاً مهماً. لكن ينبغي مراقبة تطور السياسة التركية حيال سوريا التي قد يؤدي اي تدهور خطر فيها الى انعكاسات سلبية على العلاقات بين ايران وتركيا. بسبب ما يعنيه استراتيجياً لايران سقوطُ النظام في سوريا؟
5- علينا ان لا ننسى الارتباط الوطيد بين الحراك الديموقراطي العربي وبين الحراك الديموقراطي الايراني زمنا وبنية، وهذا يضع النظام الايراني في مزيد من الانكفاء الداخلي و الاقليمي ومع تراجع ما سُمي "الهلال الشيعي" ستكون حاجة ايران اكثر الى ثبات العلاقة مع تركيا ولكن تركيا ستخسر نسبيا مساحة للمناورة والتوازن بين ايران هجومية واميركا القوة المهيمنة في الشرق الاوسط.
6- خاتمة
قد يكون ما يحدث الآن في العالم العربي اكبر فرصة عربية منذ قرن، على الاقل منذ عام 1948 عندما فتح تأسيس اسرائيل المجال لقوى جديدة يومها بقيادة المؤسسات العسكرية العربية، نقل مركز الثقل في الدينامية العربية من الاولوية الديموقراطية الى الاولوية الوطنية ممثلة بالقضية الفلسطينية. لقد جرى تدمير انجازات العصر الذهبي لليبرالية العربية الذي امتد على مدى معظم النصف الاول من القرن العشرين.
لكن الربيع العربي ينفجر دون ان يترافق مع حل للصراع العربي - الاسرائيلي وتحديدا الفلسطيني – الاسرائيلي. وهذا يخلق وضعا غير مسبوق سيكون من التسرع بل الخطأ الفادح توهم ان الانشغالات الداخلية العربية ستؤدي الى تهميش القضية الفلسطينية، وهذا سينم عن سوء فهم عميق لثقافة المنطقة ومكوناتها لدى حركات الشباب التغييرية الجديدة بما سيجعل الديموقراطيات العربية حاملة معها مفاجآت وطنية كبيرة. خصوصا بعدما ثبت ان اليمين الاسرائيلي، الذي يحظى بتأييد الاكثرية الاجتماعية الاسرائيلية، لا يريد السلام.
اعثر دائما في مكتبات اسطنبول للكتب الصادرة باللغة الانكليزية على ترجمات عن اعمال جادة لباحثين اتراك في علم الاجتماع، واقول لكم بدون اي مبالغة ان العديد من محتويات هذه الكتب المتعلقة بالطقوس الدينية لبعض الطوائف يمكن ان يُحدث نشرها في اسواق بيروت ودمشق وبغداد باللغة العربية او الانكليزية او الفرنسية فتنة دموية لانها تُعتبَر من الاسرار، او كما وصفتُها مرة بانها تتعلق بـ"شعوب سرية" بينما وجودها في متناول الجمهور في مدن تركيا امرعادي جدا، لاسيما عندما تكون في اعمال باحثين رصينين. ولهذا الفارق تفسير واحد: انه الحداثة التركية التي تتقدم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية.
لماذا اروي هذا؟
ارويه لأستنتج ان الضمانة العميقة لقوة تركيا هي هنا: تطور البنية الداخلية في مواجهة تحديات الجيوبوليتيك. لذلك ايا تكن النجاحات الخارجية فان تقدم القوة الناعمة التركية اي "النموذج العلماني التركي" في العالم العربي كما المسلم سيعتمد على قدرته على تقديم حل ديموقراطي اولا للمسألة الكردية وعلى مستوى آخر استيعاب الدولة للمسألة العلوية. وهما مشكلتان كبيرتان جدا لان كلا منهما بنيوية في النطاق المتعلق بها من تركيب الدولة والمجتمع التركيين.
- "السفير"
عندما تتعرَّى باريس
نصري الصايغ:
تستعير فرنسا ثيابها القديمة، عندما تقوم بتمثيل دور خارجي، ذي لكنة إنسانية. تستحضر تراثها الثوري، وتتفنن في التزيي بالشرعية الحقوقية، وتدخل حلبة السياسات الدولية، على حصان أبيض، مطهَّم بشعارات الثورة الفرنسية... وغالباً ما تعرض بضاعة الديموقراطية، كسلعة لا بد منها. فرنسا التاريخ، لا تشبه فرنسا الحديثة. عظمة ما فيها تبخسه حقارات صغيرة، لا يتورع كبار فرنسا عن ارتكابها. حقارات، تتفوَّق على ما اتهم به دومينيك ستراوس كان، من اعتداءات جنسية على عاملة تنظيفات في فندق. لم يتورع جيسكار ديستان عن أن يكون صديقاً حامياً، لحاكم سفاك، يدعى الإمبراطور بوكاسا، لقاء قطعتي الماس. حقارة وصغارة، تغطيهما «ثقافة» توزيع شهادات حسن سلوك سياسية، ولو كانت الديموقراطية، ضحية يشترك في قتلها، حاكم حقير محلي، ودولة بقيادات تمتهن الصغائر. المغرب، اشترت الملكية فيها كبار رجال السياسية الفرنسيين بمنحهم إقامة فخمة في منتجع لا يدخله مغربي، إلا ليخدم رؤساء ووزراء ومدراء من رتبة بلطجية النظام الاستعماري، بقبضات سرية قذرة، وخيوط حرير تذبح الضحية بنعومة وسادية. لم ينج وزير من زيارة وإقامة وسياحة وما دون ذلك من جنس رخيص. وقد لقي الحسن الثاني، لقاء ذلك، صك صداقة فرنسيا مؤبدا. ترجم بعبارة: (Notre ami le Roi) قبيل اندلاع ثورة البوعزيزي، كانت وزيرة خارجية فرنسا، ميشيل اليو ماري، تمارس هواية الطيران المجاني، عبر طائرة خاصة بأحد بلطجية النظام في تونس. وتبرعت بعد المواجهات بين بن علي وجموع بوعزيزي، بتدريب قوات الأمن التونسية لقمع الجماهير المطالبة بـ.. الديموقراطية. فلتقتل الديموقراطية... وليبق «دوفالبيه» تونس. وتشجع رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيَّون، فوافق على تزويد الأمن التونسي بقنابل مسيلة للدموع لقمع الديموقراطيين. وقبيل اندلاع الثورة في مصر، كان فيَّون بذاته، يقيم ضيفاً مميزاً في استراحة قدمها له، حاكم مصر، شريك ساركوزي في مشروع «المتوسط» الفاشل. ولأنها لم تنجح في إنقاذ ـ وليس باستطاعتها ـ بن علي ومبارك، نقلت البندقية من كتف إلى كتف، فاحتلت الخندق الدولي الأمامي، لقيادة الأطلسي في ليبيا، وقيادة العقوبات ضد سوريا، مستثنية اليمن والبحرين. وبلغت انتهازيتها درجة جعلت اوباما مستاءً من دورها كدونكيشوت بعقلية سانشو. بسبب انتهازية مستفحلة ورخيصة، كتب معلق أميركي: «فرنسا كنَّاس. تنظف الأماكن، أمام القادم الأميركي". تفرش المائدة وتجهز المكان. فلبنان، بعد استشهاد الحريري، صار مسرحاً لشيراك الاسبرطي. يريد أن ينتقم، فيما بوش يسعى إلى شرق أوسط جديد.. بالمناسبة خسر الاثنان. فرنسا لم تربح لبنان، (اسألوا سفيرها التاعس، برنار ايمييه). خسرت في تونس. أنهكت في القاهرة. عملت على تعويض فشلها، بإشهار السلاح في وجه القذافي، وتسعير الحملة على النظام في سوريا. ولا علاقة بين فرنسا، ودعم الديموقراطيات. انها تشبه أميركا في دعم الاستبداد إذا كان مربحاً لها. انتهازية فرنسا، تسيء إلى المعارضة الديموقراطية في سوريا. وهذه تخسر إذا اتكأت على عصا الغرب العرجاء. فرنسا، ليست مع الديموقراطية في سوريا. هي مع موقع قدم لها في الشرق. «فرنسا الديموقراطية»... تذكروها. لقد نحرت أول ديموقراطية وأول دولة مدنية أنشئت في بلاد الشام، على يدي القوى القومية والملك فيصل. فرنسا الديموقراطية، ذبحت سوريا في ميسلون. فساركوزي يشبه غورو. فرنسا وأميركا، لا تريدان الديموقراطية، وهي حق لجماهير سوريا، بل تريدان سوريا... بلا ممانعة ولا مقاومة. وهاتان، لولاهما، لكان ساركوزي سائحاً في أبواب حاراتنا.
- "السفير"
المحكمة الدولية بين العنوان والموضوع
علي محمد فواز:
ضمن ساحة الحرب السياسية الدائرة بين فريقي آذار في لبنان، وفي مكان نافر، تعبير «المحكمة الدولية». فقد هذا التعبير، في أوساط الرأي العام، مدلوله اللغوي التقليدي، حيث احتضنه، خطأ شائع، قائم، على قدم وساق، في ارفع المستويات، لدى الكافة وفي كافة وسائل الإعلام. لازمة «كلنا للوطن» لدى أحد الفريقين ان الفريق الآخر يستعد لاقتحام معتصم الأمم المتحدة، لإبادة المحكمة الدولية، هكذا، بكل سهولة، ومن دون أي تحديد منتج. الفريق المتهم، ليس انه لا ينفي ما هو منسوب إليه، خارج نطاق الواقع الموضوعي، بل انه لا يتكرم حتى بالتوضيح بأن... موقفه محصور بمجابهة القرار الذي سوف يصدر عن المحكمة الدولية، ان كان من شأنه ان ينال من موقعه، ولا شأن له في مؤسسة دولية مرموقة، رابضة في برجها العاجي. فتجرى الأمور كأن الخصومة التي ترهق الوطن منذ سنوات، قائمة بين الموالين للشرعية الدولية وبالخارجين على هذه الشرعية. وتكون الخطوة الأولى، والحالة هذه، للحكومة التي تتأهب للمثول أمام المجلس النيابي، لحيازة ثقته... استبعاد التعابير الرتيبة بمقدار ابتعاد مدلولها عن «المقصود». ما يواجه الحكومة الآن، بكل بساطة هو إنشاء النص الملائم، في البيان الوزاري، ليس لموقفها من المحكمة الدولية بمدلولها الصارخ، بل لموقفها أمام مضمون القرار الاتهامي الذي سوف يصدر عن هذه المحكمة الدولية، بشأن اغتيال المرحوم الرئيس الحريري. المطلوب ليس البشرى ببراءة «هذا» أو اتهام «ذاك» حيث لا شأن، هنا، للهوية بالتلازم مع تبلور كلمة العدالة. لا يهم ان كان ضحية الاتهام قريباً من هذه الفئة أو الفئة الثانية. المهم،وقبل أي شيء آخر ان يحصل اصطياد النتيجة بالتزامن مع بروز الصراط المستقيم الذي أدى إليها، أي تعداد الأدلة الناطقة والموضوعية والثابتة، ونصاعة الكف التي تعدد. وبالتالي نرحب بالحق ونتبناه، ونستنكر الباطل ونقاتله. ويكون ذلك بغض النظر، عن هذا الاتجاه السياسي أو ذاك. نحن هنا، ضمن هذا الإطار الاستثنائي بالذات، ليس بين «آذار» و«آذار» بالمدلول السياسي المعروف، بل بالمدلول الإنساني وفي الصميم. نحن بين جماعة ماكيافيل وجماعة عزرائيل. درع الماكيافالية صنعت لاتقاء سيف النفوذ السياسي. أما قلب الإنسان فقد صنع لأجل الخوف من الأحمر القاني لدماء الأبرياء. وبالنتيجة يكون المدلول الملائم لعبارات البيان الوزاري بين هذين الهلالين: الأمر الحاسم للوزراء كي يجابهوا قرار المحكمة الدولية بالقلب الخائف من الله وليس بالدرع الواقية من عبيده. وذلك لأن العكس لا يستقيم.