قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الإثنين 4/7/2011

- 'السفير'
نصر الله: الحكم على المحكمة
نصري الصايغ:

اللبنانيون، ليسوا أهل إجماع على شيء. ولا يشذّ موقفهم من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. منذ اندلاع الاغتيالات، اختلف اللبنانيون على السؤال التالي: &laqascii117o;من يكشف الحقيقة"؟
لا أحد يصدّق، إلا إذا كان مشتبها فيه، ان القضاء اللبناني جدير بهذه المهمة. فهو أثبت أنه لا يمت لامرأة قيصر بشبه. ولا أحد يصدّق، إلا إذا كان ذا غاية في نفس يعقوب، بأن القضاء الدولي، هو امرأة قيصر. لقد قبض على المحاكم الدولية، وما يلوذ بها بقرابة، بالجرم المشهود، مراراً وتكراراً. مثلا: ماذا كانت حصة فرنسا في مجازر رواندا؟ لا جواب من قبل المحكمة. فرنسا المتورّطة، خارج الشبهات.. مثل آخر: ماذا حصل في قرار التحقيق بمجزرة جنين؟ لم يجرؤ محقق دولي، على رفع سماعة الهاتف ليطلب إذناً من اسرائيل، ليسأل عن صحة من تبقى بعد مجزرة جنين.. مثل آخر: لماذا تفرّد القاضي الأميركي وحده، لدى استشارة محكمة دولية، ورفض اعتبار جدار الفصل العنصري في فلسطين، مخالفاً للقوانين الدولية؟ مثل آخر على فظاعات &laqascii117o;القضاء" الدولي: صبرا وشاتيلا، وهروب بلجيكا من محاكمها، ومحاولة بريطانيا تغيير قوانينها لمحاكمة متهمين بجرائم حرب، بعد العدوان على غزة.
مشتبه جداً إلى حد التواطؤ، من يهرب من دلفة &laqascii117o;القضاء" اللبناني إلى مزاريب المجتمع الدولي.. ثم، من هو المجتمع الدولي؟ هل هو دول أفريقيا أم دول آسيا، أم دول جنوب أميركا، أم حتى دول أوروبا؟ المجتمع الدولي، هو الولايات المتحدة الأميركية ومَن، وما معها. الرباعية الدولية، هي واحد لا أربعة. تصريح محمود عباس منذ يومين دليل على ذلك. يريد من الرباعية تمديد مرجعية التفاوض، والالتزام بها. ولا يجوز أن تكون الرباعية خاضعة للفيتو الأميركي. مشتبه ومتواطئ من يؤكد براءة المحكمة. هي متهمة، بالولادة والرعاية. لقد ولدت قيصرياً، برغم إرادة نصف الشعب اللبناني، واستدعيت لجان التحقيق الدولية، قبل إنشاء المحكمة، برغم إرادة &laqascii117o;حزب الله"، قبل أن يوضع الحزب في موقع الاشتباه في ارتكاب الجريمة... لقد هرّبت المحكمة وأنظمتها من توقيع رسمي، كان يتمسك به نصف الشعب اللبناني. المحكمة ولدت من رحم لبناني شطر إلى اثنين، لقد جاءت غصباً عن والد من والديها. هذا حصل، عندما كان المناخ السياسي اللبناني ـ الدولي، لدى فريق لبناني، يصوّب أصبعه إلى سوريا.
العدالة مطلب لبنان والمحكمة غير عادلة. فمن يكشف الحقيقة؟
أمس الأول، بلغت مسيرة المحكمة الدولية إلى خواتيمها المعروفة:
فريق يعتبرها الطريق إلى العدالة، وينزّهها عن كل إثم وانحراف، وفريق يعتبرها، متهمة حتى أذنيها، بالسياسة والفساد والارتباط، بأميركا وإسرائيل.
وعليه، لن يجتمع اللبنانيون: 14 آذار، أقرت ببراءة المحكمة، حزب الله تركها تترنح، بين محاكمة غيابية، وتجاهل مطلق.
وإنما، كيف سيترجم الفريقان نهجيهما عملياً؟ السيد حسن نصر الله، وقبله وليد جنبلاط، ومعهما نجيب ميقاتي، سيتصرفون وفق &laqascii117o;قواعد الإجراء اللبنانية". التبليغ سينفذ، ولكنه لن يصل إلى نوافذ حزب الله. القضاء سيقوم بواجبه، بلا نتيجة. وزارة الداخلية ستوكل إليها مهمة على قاعدة عدم الاهتمام... أي ان الحكومة ستتصرف وفق مقتضيات الواقع، وموازين القوى الداخلية.
هل تصمد الحكومة أمام الاجتياح الاعلامي المحلي والدولي؟ هل ستقصي مجموعة المتعاونين مع &laqascii117o;قواعد الإجراء" الدولية، وفق ما تراه المحكمة ومن معها؟ وهل سيبقى الخلاف منضبطاً داخل المؤسسات، بين موالاة ومعارضة؟ هل تصمد الحكومة، وتحديداً الفريق الوسطي فيها، لابتزازات مذهبية؟
الامتحان النظري سهل. الفوز بالعملي، يحتاج إلى حكماء. وبلدنا يعجّ بالمجانين.


- 'السفير'
السيد فضل الله.. خادم الناس
مارلين خليفة:

سئل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله يوما إن كان يخاف الموت فأجاب: &laqascii117o;أنا لا أخاف من الموت لكنني أحب خدمة الناس وأرجو من الله أن يمنحني من العمر ما أتمكن فيه من خدمة الناس على أكبر مستوى".
حقق الله للسيد 74 سنة من الخدمة لم يذق فيها طعم الراحة، فلقّبه مستشاره الإعلامي والسياسي هاني عبد الله بـ&laqascii117o;عدو الراحة الأول".
زهد السيد فضل الله براحته فحسب، غير أنه بقي على اتصال بالحياة التي يحبها رافضا الانزواء والزهد السلبي قائلا: &laqascii117o;المهم أن تكون في قلب المحرقة ولا تحترق" فلم يعزل نفسه من أي موقع في الحياة حتى أنه زار قبل أن يرحل &laqascii117o;مطعم الساحة" التابع لجمعية &laqascii117o;المبرات".
تميز السيد بشخصيته العملانية وسرعة بديهته، بحيث لا يمكن لأي سؤال أن يفاجئه. مرة دخل الى قاعة الدروس الحوزوية حيث يعلم يوميا مجموعة من المشايخ فألقى تحيته المعهودة: السلام عليكم، ثمّ أردف على طريقة العلماء: صبحكم الله بالخير. فضحك المشايخ، فالتفت السيد سائلا: لم الضحك؟ فقيل له إنه المساء يا سيد وأنت صبّحتنا! فأجاب شعرا:
صبحته عند المساء فقال لي أهزئت بي أم كان منك مزاحا
فأجبته إشراق وجهك غرّني حتى تخيلت المسـاء صباحا
&laqascii117o;عمره 74 سنة ضوئية" يقول هاني عبد الله ويخبر أحد العلماء ممن عاصروه في النجف: &laqascii117o;عندما كنا نقع على أوراق كتبها سماحته كنا نشعر وكأننا حصلنا على كنز، لأن قراءات السيد منذ شبابه الأول كانت معاصرة وحديثة".
ردد دوما أن من لا يقرأ الصحف يوميا هو أمي، وكان ينهل من الصحف اللبنانية والعربية والمجلات الأدبية والفكرية والسياسية لكن المدهش أنه كان يطلب تزويده اسبوعيا بالمجلات الفنية والنسائية ومنها &laqascii117o;الشبكة" و&laqascii117o;سنوب الحسناء" ومجلة &laqascii117o;لها" وسواها ولما سئل عن السبب أجاب: &laqascii117o;من المفترض أن أمتلك جوابا عن كل ما تطرحه المرأة عليّ من هواجس وتساؤلات".
لم يقارب المواضيع التي طرحت عليه بخفة أو سطحية، فراح يقرأ كل ما نشر في العالم عن موضوع الإستنساخ قبل أن يقرر أن أية فتوى لن تكون كاملة إلا بعد اكتمال هذ التجربة. أبرز فتاويه التي أثارت جدلا دفاعه عن المتعة كنظام حياة مشترطا تطبيقها بالطريقة الموضوعية، وما يتعلق بشهر رمضان فأفتى بأن بداية الشهر ونهايته تعتمدان على رأي الفلكيين. فتاويه عن المرأة كثيرة وكان يعتبرها شخصية سياسية واقتصادية مستقلة ليس للزوج أن يفرض عليها أن تنتخب شخصا معينا أو لائحة معينة وليس له أن يتدخل في ما تمتلكه من ثروة وليس لها أن تأخذ رأي ولي أمرها في موضوع زواجها لأن الرشد برأيه لا يتعلق بالسن بل بالعقل. أفتى بحق المرأة بالدفاع عن نفسها وأن ترد اعتداء زوجها عليها.
سأله مرة أحد الصحافيين عن آخر كتاب قرأه فأجاب: أنا في كلّ يوم أقرأ مئتي كتاب. فتعجب السائل وقال: كيف يكون ذلك؟ فقال: أنا في كل يوم ألتقي 200 شخص واتعلّم من جميع هؤلاء. فسأله الصحافي متعجبا: أنت السيد فضل الله تتعلم من الناس جميعا؟ فأجابه: لكل ّإنسان تجاربه، وأنا أتثقف من تجارب الآخرين وأتعلّم حتى من الأطفال".
نعم الأطفال أحبهم السيد كثيرا وطالما خصص وقتا لزيارة أيتام جمعية &laqascii117o;المبرات" التي أسسها لاحتضانهم عام 1978. كان يعتبر بأن الطفل هو اهم مؤسسة في الحياة وطالما نصح الآباء الذين يقصدونه طالبين النصح بقوله: &laqascii117o;لا تعتقدوا بأن أطفالكم لا يفهمون، بل يجب أن تتعاملوا معهم بطريقة أنهم يفقهون كل ما يدور من حولهم. في زياراته الى مؤسسات &laqascii117o;المبرات" طالما جالس الأساتذة طالبا منهم ألا يعطوا الطفل من علمهم فحسب، بل من حبهم وعاطفتهم ووجدانهم، قائلا: &laqascii117o;تعاملوا مع الأطفال تعامل الإنسان مع الآخر المحتاج إليه". وعندما مرت المبرات بأوضاع مادية ضيقة في وقت من الأوقات، قال &laqascii117o;لو اقتضى الأمر أن أنزل الى الشارع للتسوّل من أجلهم لفعلت".
تميز السيد فضل الله بخلفيته الإنسانية التي برزت لديه مذ كان في النجف حيث يروى أنه كان يزور الفقراء والمساكين في ضواحي النجف ومناطق البؤس يتفاعل معهم ويعيش مشاكلهم. ويقول هاني عبد الله: &laqascii117o;قرن السيد الأقوال بالأفعال، فلم يستنكف عن استقبال صحافي كان شاغله الشاغل مهاجمته. سئل مرة عن سبب دعوته لمحبة الأعداء فقال نحن لا نحارب الإنسان في العدو بل نحارب عداوته. ولما طلب منه هذا الصحافي استقباله عبر أحد الوسطاء سرعان ما قبل فضل الله قائلا عبارته الشهيرة: العقل مفتوح والقلب مفتوح والبيت مفتوح. ولما سئل عن سبب قبوله استقبال هذا الشخص، أجاب مستشهدا بالإمام الكاظم القائل: يا بنيّ إفعل الخير الى كلّ من طلبه منك، فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهل الخير، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك فاعتذر إليك فاقبل اعتذاره".
يقول هاني عبد الله: &laqascii117o;لطالما ردد لمن يسائلونه عن مسامحته الدائمة للأعداء بقوله: &laqascii117o;عندما بدأت العمل الإسلامي نسيت شيئا اسمه محمد حسين فضل الله، فقد تخلصت كليا من فضل الله المزاج لحساب محمد حسين فضل الله الرسالة". هذا السلوك جعل كثرا من الناس وبينهم مشايخ يقصدونه في ايامه الأخيرة طالبين المسامحة لأنهم اساؤوا إليه سابقا وكان يرفع يداه الى السماء أمامهم ويقول: &laqascii117o;أنتم أبنائي وأحبائي، سامحكم الله ورعاكم".
يروي عبد الله: &laqascii117o;لم أره في حياتي يؤنب شخصا وحين كان صوته يعلو في مجالس علمية على المشايخ كان يستدرك قائلا إنه انفعال العلم".
عاصر هاني عبد الله فضل الله منذ العام 1986 ويروي أنه في حرب تموز 2006 جاء من يقول للسيد إنك إذا استمررت على هذه المواقف فإن كل مؤسساتك سوف تتداعى، فأجاب: &laqascii117o;إني داعية الى الله، ومن مسؤوليتي الشرعية أن أقف الى جانب قضايا الأمة والمقاومة، والإصرار على هذه المواقف ولو أدى ذلك الى أن ندفع الثمن".
في اليوم الثاني لحرب تموز 2006 قال هاني عبد الله لسماحته: &laqascii117o;إن الحرب أصبحت تنذر بالشيء الخطير، ويبدو أنها كبيرة وشاملة، وعليك أن تذهب الى الشام، لأن هذه المنطقة ستدمّر على ما يبدو". فنظر اليه السيد نظرة استهجان وقال بهدوء: &laqascii117o;أنا لا أترك الناس"، وبقي في محراب مسجد الإمامين الحسنين عندما سقط منزله بفعل غارتين إسرائيليتين في حارة حريك.
كان السيد حريصا في ايامه الأخيرة على تكرار توصياته بوجوب الحفاظ على وحدة المسلمين وحفظ المقاومة وحمايتها كما حفظ فلسطين وقضيتها. بين حشرجات الموت سأله أحد الزائرين: هل تشعر بالراحة يا سماحة السيد؟ فأجابه: &laqascii117o;لن أرتاح حتى تزول إسرائيل".


- 'الأخبار'

النموذج التركي: هل يصلح للعرب؟
عصام العريان:

أعادت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية الشهر الماضي تركيا و&laqascii117o;حزب العدالة والتنمية" إلى دائرة الضوء التي لم تخرج منها قط، خلال العقد الأخير، كصاحبة دور استراتيجي في المنطقة، ونموذج يفرض بنفسه أمام الشعوب العربية. ويحلو لمن يعيشون في أجواء فكرة المؤامرة أنّ يعتقدوا أنّ ذلك كلّه مخطط ومرسوم من دوائر عالمية، لا تترك شيئاً دون تدبير، وقد عشنا فترات من حياتنا تلك الأفكار التي تضمنتها كتب مثل &laqascii117o;أحجار على رقعة الشطرنج" و&laqascii117o;بروتوكلات حكماء صهيون". ومع مرور الوقت، وازدياد الخبرة بالممارسة السياسية، واللقاءات المباشرة مع صانعي الأحداث ومتخذي القرارات، وفترات التأمل الطويلة في السجون والمعتقلات والحوارات المتعمقة الهادئة في الندوات والمؤتمرات، والاحتكاكات الدولية ومتابعة تقلبات الأوضاع وتغيير السياسات واختلاف الفرقاء الذين كانوا رفقاء وأصدقاء، أيقنت أموراً عدّة. أولاً، أنّ المدبر الوحيد لهذا الكون هو الله. ثانياً، أنّ هناك سنناً إلهية، وقوانين ربانية، أرساها المولى. ولا يمنع هذا أبداً من أنّ الجميع لا يفكرون ويخططون ويدبرون، ولا يمكن أن تدير الدول الكبرى ولا الدول العادية شؤونها دون خطط وموازنات والاختيار بين البدائل المختلفة.
وفي تاريخنا الحديث رأينا &laqascii117o;وعد بلفور" واتفاقية &laqascii117o;سايكس بيكو" ومعاهدة فرساي واتفاقية &laqascii117o;بريتون وودز" وميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها. يمكن أن يقول المراقبون إنّ هذه كلّها مؤامرات أو تقسيم غنائم أو اتفاقيات، فرضتها ظروف الحروب أو آمال يسعى البشر إلى تحقيقها في عالم الواقع، تنزيلاً من عالم المثاليات.
عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أصبح النموذج التركي حاضراً بقوّة، ليواجه نماذج أخرى في التطبيق السياسي بالبلاد الإسلامية، وكل المتسائلين والمراقبين يقولون دوماً: أي النماذج تستنسخه الشعوب الإسلامية؟ النموذج الإيراني أم النموذج التركي؟ النموذج السوداني أم النموذج الطالباني؟
ينسى هؤلاء جميعاً أنّ تعدد النماذج المطروحة يعني ببساطة أنّه ليس هناك نموذج وحيد، وأنّ الساحة مفتوحة لبروز نماذج أخرى. وينسى هؤلاء أنّ النموذج الإيراني لم ينجح في تصدير ثورته إلى بلاد العالم، واكتفي ببسط تأثير إيران السياسي القومي، والدفاع عن مصالحها بكل وسائل القوة الناعمة والخشنة. كما أنّ النموذج ذاك ينشر المذهب الشيعي الإثني عشري الجعفري في الأوساط الشيعية كما في الأوساط السنية، وهو فخور ومشغول بحماية مشروعه النووي، لدخول عالم المعرفة النووية، مؤجلاً امتلاك السلاح النووي، ومركزاً على استخدام الطاقة النووية في المجالات السلمية.
يريد المروجون للنموذج التركي تحقيق أهداف سياسية، في مقدمتها:
1) فرض علمانية إقصائية بغيضة، وربطها بالديموقراطية تعسفاً وجبراً، بدعوى أنّ نجاح الديموقراطية في تركيا ارتبط بالعلمانية. وينسى هؤلاء أنّ الديموقراطية التركية تصحح أخطاءها، وأنّ العلمانية التركية تتراجع بالتطبيق السليم للديموقراطية، وأنّ الفطرة النقية للشعب التركي ظهرت خلال العقد الأخير، ولولا التراث الثقيل، لعقود سبعة أو ثمانية، لتخلصت تركيا من العبء العلماني.
2) إعطاء دور سياسي للجيش لحماية النظام السياسي الديموقراطي في الواجهة، وفي الحقيقة لحماية العلمانيين أو الأقليات أو المصالح الخارجية.
ولا يدرك هؤلاء أنّ ذلك أصبح من التاريخ في تركيا، وأنّ التطبيق الديموقراطي يقلص الآن دور الجيش، ودور المحكمة الدستورية العليا، خاصة في فرض الإقصاء والعزل السياسي، ويعلي من دور الشعب الذي فرض على الأحزاب السياسية أن تتوافق على الدستور الجديد، لإنهاء عقود من سيطرة الجيش. ويريد الغرب الترويج للنموذج التركي لتحقيق أهداف معينة:
1) الحفاظ على العلاقات المتميزة مع العدو الصهيوني، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً. تلك التي ورثتها حكومة &laqascii117o;العدالة والتنمية" من العهود والحكومات السابقة عليها في تركيا. وينسى الغرب أنّ تلك العلاقات المتميزة تمر بأزمة حادة قد تؤدي إلى تحوّل استراتيجي، وقد تؤدي إلى هدنة طويلة في الصراع مع العدو الصهيوني.
2) التركيز على البعد الاقتصادي مدخلاً للتنمية السياسية والاجتماعية والثقافية، وإلحاق هذا النمو الاقتصادي بالاقتصاد الغربي، باتباع آليات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
ويتغافل هؤلاء عن نماذج تنمية اقتصادية ناجحة في بلاد أخرى، كان هدفها الاستقلال ورفض التبعية، كماليزيا والبرازيل وفنزويلا والصين، مع التعامل مع الاقتصاد الغربي من موقع الندية.
في المقابل، يرى الإسلاميون العرب جوانب أخرى مضيئة في النموذج التركي:
أولاً إنّ الطريق السلمي للتطبيق الإسلامي هو النموذج الوحيد القابل للبقاء، وإنّ الطرق الأخرى مسدودة، أي الانقلابات العسكرية وحروب العصابات لإنهاك النظم المستبدة واستدعاء الأجانب والقوات الأجنبية لطرد الطاغية والتمرد المسلح.
ثانياً، إنّ التطبيق الديموقراطي قادر على تصحيح نفسه بنفسه، وإنّ المسار الديموقراطي قد يكون طويلاً، لكنّه آمن، قد يتعثر ولكنّه يقوم من جديد ليواصل المسيرة ويحقق الأهداف.
ثالثاً، إنّ تحقيق حاجات الناس الاقتصادية أولوية ملحّة، وإنّ تمثيل كافة الشعب ضروري، والخروج من البعد الإيديولوجي إلى البعد التطبيقي مهم، والحزب المنفتح على الجميع، المتنافس مع الجميع وفق قواعد الدستور والقانون ويقيم علاقات خارجية متوازنة، يمكن أن يقود دولة في حجم تركيا وسط عالم مليء بالعواصف والأنواء، رغم الميراث الثقيل والعوائق والعقبات.
رابعاً، إنّ السياسة الداخلية مقدمة على السياسات الخارجية، وإنّ دولة قوية متماسكة ديموقراطية يمكن أن تلعب دوراً خارجياً وإقليمياً مؤثراً، والقفز إلى الطموحات الخارجية قد يكون مدمراً لكلّ الآمال والأحلام، ويكفي تصغير المشاكل مع دول الجوار والسعي الجاد إلى دور يليق بمكانة الدولة، وينطلق من قوتها الداخلية.
خامساً، إنّ الشعب لا يمكن أن يعطي لحزب ما، مهما كانت نجاحاته، تفويضاً على بياض بفعل ما يريد، ولو كان كتابة دستور جديد. لذلك، فإنّ على الحركات الإسلامية أن تمزج بين نشاطها الحزبي السياسي ونشاطها الدعوي المجتمعي، في منظومة متكاملة تحقق لها التأييد الشعبي الواسع.
سادساً، إنّ التعامل مع رجال المال والأعمال، والقضاء على الفساد وتحقيق الشفافية والتنافسية، ووضع الضوابط الصارمة وتنشيط الادخار والاستثمار، كل ذلك كفيل بتقوية الدولة التركية، عن طريق اقتصاد قوي ينعكس ايجابياً على المواطنين، وهو الطريق لكسب تأييدهم واستمراره.
سابعاً، إنّ حلّ المشاكل العالقة والموروثة الداخلية، يأخذ وقتاً طويلاً، كالمسألة الكردية والإقليمية العلوية، والحجاب، بينما كان التفاهم حول القضايا الخارجية أسهل.
أما تركيا الدور، فهذا ما لا يمكن إنكاره. فتركيا تتمدد في الفراغ العربي، بسبب بروز الدور الإيراني من جهة، وغياب الدور المصري وتردد الدور السعودي، وعدم قدرته بسبب نموذجه الخاص، وعلاقته الخاصة بالخارج. عندما يزدهر الربيع العربي، ويحين قطاف ثماره، سنرى توازناً جديداً وتكاملاً بين الأدوار المختلفة: المصري الصاعد، السعودي الحاسم، السوري المنتظر، أو يمكن إدماج الدور الإيراني، إذا رغبت إيران، لتكون المنطقة العربية والإسلامية حلماً حقيقياً للازدهار الاقتصادي، والتكامل المعرفي والتجاري، والتطبيق الديموقراطي. وبالتالي، تعطي المنطقة للعالم كلّه نموذجاً حضارياً يضيف إلى النماذج الحضارية التي توالت من الشرق والغرب والجنوب، لنعيش عالم &laqascii117o;حوار الحضارات"، لا &laqascii117o;صدام الحضارات". وحينها، سينزوي العدو الصهيوني في ركن من المنطقة، حتى يزول تلقائياً، وينتهي دون حروب أو صراعات أو إراقة دماء.

* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر


- 'الأخبار'

في ذكرى فضل الله: الأولى بحثًا عن &laqascii117o;تيار الوعي"
منهال الأمين:

تأتيك الرسالة كل يوم جمعة. عبارة منتقاة من كلام العلّامة الراحل السيّد محمد حسين فضل الله. عادة دأبت إدارة مجمع الحسنين في حارة حريك، حيث منبر الراحل وملتقاه مع محبيه، على اتباعها منذ رحيله في مثل هذا اليوم قبل عام واحد. كيف كان غياب السيد و&laqascii117o;حضوره" خلال سنة كاملة؟.السؤال عن غياب السيد محمد حسين فضل الله، بعد عام واحد على رحيله، له وقع خاص في &laqascii117o;عائلته الكبيرة". محبّو السيد جزء منه ومن حياته الخاصة، إذا كان من حياة خاصة. فابنه جعفر، المعمم الثاني في العائلة، بعد النجل الأكبر علي، وترتيبه التاسع بين أولاد الراحل، يرى أنّ &laqascii117o;ما نشعر به، كأبناء وعائلة، يشعر به كثيرون، أحبوا السيد، وأكثر: تربوا في مدرسته". من منبره، المتنقل من النبعة إلى بئر العبد إلى حارة حريك، قاد السيد حركة إصلاحية، أقل ما يقال إنها إشكالية، &laqascii117o;فالعلّامة طرق الأبواب المغلقة منذ عصور وثار على النمطية التي حكمت شخصية عالم الدين، فكان المسجد أكثر من مكان للعبادة"، يقول كمال دياب، من مؤيدي السيد منذ عشرات السنين.
والكلام على &laqascii117o;تركة" السيد، كما يقول نجله جعفر، هو حديث عن &laqascii117o;تركتين": الأولى تركة خاصة، تتمثل في المشاريع التي أنشأها السيد، وواكب عملها طيلة حياته. لكن هل حقاً هذه تركة خاصة؟ يستدرك فضل الله: &laqascii117o;لا أقصد بالخاص الملكية الشخصية، فوالدي لم يترك إلا القليل من هذا، منزله وبعض الممتلكات، وهو لم يخرج من الدنيا بأي ثقل". ويوضح أنّ هذه التركة الخاصة التي يتحدث عنها هي أيضاً &laqascii117o;ملك عام، حتى المنزل الذي يملكه كان ولا يزال مكاناً عاماً". ويروي أن الراحل كان يرفض مصطلح الإرث، إن لم يرتبط بالدين &laqascii117o;فكان يشدد علينا بأن قولوا: إرث الإسلام، فالقائد الحقيقي لا يربي على الارتباط به، بل بالأهداف التي يعمل من أجلها".
لكن ما موقع العائلة من المؤسسة وتيار فضل الله، وهل تتحمّل عبء هذا الإرث، كما نشهد عادة في سيرة علماء الدين؟ يرفض فضل الله هذا الكلام، ليذهب إلى أن &laqascii117o;حفظ الإرث هو مسؤولية أي شخص ينتمي لتيار السيد"، لكن &laqascii117o;الرمزيات لا يزال لها دور في بنيتنا الاجتماعية، وهذا ما لا نستطيع التحرر منه نهائياً". ويدافع عن فكرة &laqascii117o;أنّ المسالة ليست مجرد بنوّة وقرابة"، مؤكداً أنّ &laqascii117o;بعض أبناء السيد ليسوا منخرطين في مؤسساته، وآخرين موظفون مثل الباقين". من هنا يلاحظ المراقب أن المحيطين بالسيد فضل الله في حياته، والمسؤولين عن الحركة اللوجستية، لا يزالون مستمرين في أعمالهم، الاعلامية والثقافية والفكرية والاجتماعية. كذلك فإن النجل الأكبر للراحل، السيد علي، تصدى، شأنه في حياة السيد، للمهام الاجتماعية والدينية، كصلاة الجماعة واستقبال الزوار من سياسيين وإعلاميين ومثقفين ووفود شعبية، أجانب وعرباً ولبنانيين، وإن كان الملاحظ أنّ وتيرة هذه الزيارات خفت بنحو كبير بعد غياب السيد.
يعترف السيد جعفر بهذه الحقيقة &laqascii117o;فالكبار عندما يرحلون، أشياء كثيرة تتغير. وغيابه ترك فراغاً كبيراً". ويرى أنّ هناك &laqascii117o;جنوداً كثراً، مجهولين ومعروفين، يكملون هذه التجربة، كل من موقعه، والتجارب تتكامل".
وترى مروى ياسين، وهي من مقلدات السيد &laqascii117o;أنّ الجيل الذي تتلمذ على يديه، أصبح أكثر إصراراً على استكمال المسيرة، عبر الحرص على الاطلاع أكثر على مواقفه وكتاباته التي أطلقها سابقاً". ويتوقف حسين منصور عند &laqascii117o;الموجة العاطفية التي لا تزال تتحكم بمحبي السيد، منذ رحيله حتى اليوم، فالندوات الفكرية والقضايا التي أثارها في حياته، تتخذ طابعاً احتفالياً أكثر منه فرصة للنقد والنقاش، والأخذ والرد العلميين". ويعزو السيد جعفر الأمر إلى الغياب المفاجئ للسيد، إذ &laqascii117o;كنا نظن أنه سينتصر على المرض، فيما كانت ارادة الله غير ذلك. وبغيابه شعر العاملون معه ومحبوه، بأنّهم أصبحوا أكثر حرية في التعبير عن محبتهم تجاهه". ويستدرك أنّ هذا الموقف صادق وعفوي، &laqascii117o;ويعبّر على الأغلب عن الحسرة المتأتية من الحملة الظالمة التي تعرض لها في حياته، ربطاً بمواقفه ومنهجه الفقهي والفكري". لكن عملياً، بحسب فضل الله، &laqascii117o;ما يُتّكل عليه هو النقد والنقاش العلمي الهادف". وهو يستشهد بنقاش جرى على صفحات &laqascii117o;الفايسبوك" بين محبين للسيد، حين &laqascii117o;أطلقت فئة صفحة سمّتها &laqascii117o;فضللهيون"، ورفضت فئة أخرى التسمية، مستندة إلى رفض السيد للنسبة، أي نسبة الحركة والفكر إلى شخص، حتى انه كان يعارض القول &laqascii117o;محمديون". من هنا نجد أن مدرسة السيّد تتحمل كل الآراء وهي ليست مغلقة على فكرة أو مقولة". لمروى ياسين رأي في تأثر الحالة العاطفية، فترى أن &laqascii117o;هناك بعض الشواذ من محبي السيد لا تتصل بنهجه الذي ربانا عليه، إذ كان يواجه المخالفين له بالكلمة الطيبة". لذا &laqascii117o;فالبحث جارٍ دائماً عن هذا الجيل الذي رباه السيد، متعلماً ومقاوماً ومثقفاً ومنفتحاً على الآخرين، ينبذ التعصب وينتهج المحبة"، يقول السيد جعفر.
ويخفف من وطأة الأمر، ليرد أسباب &laqascii117o;الحماسة العاطفية" إلى &laqascii117o;الشعور بالحاجة إلى إبراز آراء ومواقف السيد الاستشرافية، التي حورب من أجلها منذ جهر بها قبل سنوات، بينما وجدنا أنها أصبحت متبناة من قطاع واسع من اللبنانيين، سواء على المستوى الوطني أو الديني". لكن السيد يجزم بـ&laqascii117o;رفض دخول الفكر دائرة التقديس، لأن هذا لا يعلي من شأنه بل يؤطره ويحجمه". أما عن المستقبل، فتسمع على ألسنة محبي السيد الكثير من التفاؤل بإحياء فكره ونهجه، &laqascii117o;المنبثق من تمسكه بالإسلام، خطاً وفكراً، وهو لم يراعِ يوماً أحداً في الثوابت". لكن هل كان للراحل وصية سياسية خاصة لتياره؟ أو بالاحرى هل هناك تيار خاص بالسيد، يسبح في بيئة خاصة به؟ يجيب فضل الله: &laqascii117o;كل ما تحدث به السيد هو وصية. ولم يكن عنده خطابان، داخلي وخارجي. اما التيار، فهو تيار شعبي عريض عفوي، لا يؤطر طائفياً أو مذهبياً، وهو باختصار، كما كان يطلق عليه السيد، تيار الوعي".


- 'الحياة'
هل يمكن إيران الفوز على تركيا؟
جورج سمعان:

من الصعب أن تقنع إيران نفسها والآخرين بأنها رابح كبير من نتائج الحراك العرب. النفوذ الإيراني يتقلص. لم يكشف شباب الساحات والميادين عن ولع بالنموذج الإيراني. ولا الحركات الاسلامية المنخرطة في هذا الحراك أبدت ميلاً إلى استلهام النموذج الإيراني. اختارت سلفاً النموذج التركي. لأنه أكثر إغراءً، سواء على الصعيد السياسي والحريات والعلاقات الدولية، أو على الصعيد الاقتصادي.
لذلك كان من الأفضل لإيران في هذه المرحلة أن تؤجل خلافاتها وصراعات الأجنحة من أجل توحيد قواها والحفاظ على ما حققت في العقدين الأخيرين. لقد نجح تيار المحافظين بفضل دعم المرشد علي خامنئي في &laqascii117o;دحر" جبهة &laqascii117o;الخضر" التي تزعمها مير حسين موسوي ومهدي كروبي إثر الانتخابات الرئاسية التي انتهت بالتجديد لأحمدي نجاد لولاية ثانية. لكن هذا &laqascii117o;النصر" على الإصلاحيين سرعان ما انتهى إلى تفجير صراع أخطر بين تيارين في جبهة المحافظين، بين المرشد ورئيس الجمهورية. مثل هذا الصراع، الايديولوجي والسياسي، كان متوقعاً ونتيجة طبيعية في إطار التنافس على السلطة. وهو في أي حال يستنفد قوى الجمهورية. ويحد من قدرتها على التحرك الذي تأمل من خلاله أن تحقق بعض طموحاتها بالإفادة من حركة التغيير التي تعم عدداً من البلدان العربية.
لا يعني أن هذا الصراع سيبدل بالضرورة في السياسة الخارجية للجمهورية. لكنه بالتأكيد سيحد من قدرتها على التحرك بحرية. بل ربما عادت طهران إلى سابق عهدها في الظهور مظهر من له سياستان أو وجهان، في حين ان القابض على الشأن من فوق هو المرشد، ولا سياسة تعلو على ما يقرر ويرسم.
خطت الجمهورية الاسلامية، في ولايتي هاشمي رفسنجاني ثم في ولايتي محمد خاتمي، خطوات على طريق الخروج من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. ولم تكن بعيدة عن أداء دورها في إطار المجتمع الدولي. ولكن مع مجيء أحمدي نجاد انكفأت خطوات إلى الوراء. وعزز هذه الاستدارة ما جنته إيران من سياسة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة، بعد &laqascii117o;غزوتي" نيويورك وواشنطن. ففي حين تخبط العسكر الأميركي ويتخبط في أفغانستان والعراق، تخلصت طهران من عدوين لدودين. كسبت ما لم تكن تحلم بالحصول عليه. أزيح نظام &laqascii117o;طالبان" الذي قام أصلاً لوقف التشرذم الذي أصاب حركات الجهاد بعد خروج السوفيات من أفغانستان، ولإشغال الجمهورية الاسلامية في حديقتها الخلفية، علّها تنصرف عن الخليج ودول الجوار. وكسبت بإسقاط نظام البعث في العراق وإعدام صدام حسين الذي دفع الإمام الخميني إلى &laqascii117o;تجرع السم" والقبول بوقف إطلاق النار وموجبات القرار الدولي الخاص بحرب الخليج الأولى... وتربعت في بغداد.
باختصار حققت طهران في العقد الأخير ما لم تكن تطمح إليه أو تحلم به. كان الهم أن تحافظ على دورها الطبيعي في الإقليم فإذا بها رقم صعب في كل الإقليم وأزماته، من فلسطين إلى العراق مروراً بلبنان. حتى قدمها الرئيس أحمدي نجاد دولة عظمى داعياً الولايات المتحدة إلى حوار ندي في شؤون الإقليم والعالم! لكن بروز تركيا لاعباً أساسياً مستنداً إلى رغبة الجوار العربي الذي تراوده المخاوف من التمدد الإيراني، دفع البلدين إلى التنافس والسباق على احتلال الموقع الأول في المنطقة. وكان على الدولتين، بدل الصدام، أن تجدا نوعاً من التوازن بين هذا التنافس والتعاون الثنائي، الاقتصادي والتجاري والنفطي.
لذلك عندما شعرت تركيا بأن الحراك في سورية ومواجهته بالقوة العسكرية والأمنية قد يؤديان إلى فوضى لن تسلم منها، ويالتالي إلى الإخلال بهذا التوازن مع الغريم الإيراني الذي لم يخف دعمه نظام الرئيس الأسد وخياراته في ضرب المعارضة. في حين ترى أنقرة الأسد مؤهلاً لقيادة إصلاحات بدل المغامرة بحل أمني لا بد من أن يقود البلاد إلى التهلكة. وبالتأكيد ستكون إيران في الأيام المقبلة أمام خيارات صعبة وأجوبة أصعب يحملها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي سيزور دمشق والرياض وعمان وطهران، من أجل توفير حاضنة عربية... وتفهم إيراني للتغيير الذي تدفع تركيا النظام السوري في اتجاه.
والسؤال المنطقي في ضوء الجولة المتوقعة لأوغلو، هل يمكن أن تجازف إيران بخسارة علاقاتها مع تركيا، وأن تجازف أيضاً بمزيد من الخسائر والأوراق التي جهدت طوال عقدين للاحتفاظ بها؟
لقد خسرت إيران في البحرين. غامرت وألحقت ضرراً كبيراً بالحراك الشعبي والحركة المطلبية في المنامة. لم تقدر أن &laqascii117o;الانقلاب" في هذا البلد لا يعني أهله وحدهم، بل هو محاولة للإخلال بميزان القوى الدقيق في منطقة الخليج، ومحاولة لتهديد المصالح السعودية في الدرجة الأولى. وهو ما لا يمكن ان تسمح به الرياض أياً كان الثمن... واختارت حركة &laqascii117o;حماس" في النهاية أن تواكب صعود &laqascii117o;الأخوان" في مصر. فالقاهرة أقرب إليها من طهران، في الجغرافيا والإيديولوجيا والمذهب والهموم والطموحات.
... كما أن دفع عجلة المحكمة الخاصة بلبنان عامل آخر يجب أن يدفع الجمهورية الإسلامية إلى إعادة النظر في سياسة التفرد التي اتبعتها في ملفي فلسطين ولبنان. ستبقى المحكمة لوقت طويل عصا غليظة بيد المجتمع الدولي، أياً كان موقف &laqascii117o;حزب الله" منها. ستحاصر قراراتها واجراءاتها الحزب، &laqascii117o;طليعة قوى المقاومة والممانعة"، على ما وصفه الرئيس نجاد يوم زار لبنان. حققت طهران في الأيام الماضية مع حلفائها في دمشق وبيروت انتصاراً بإخراج تيار &laqascii117o;المستقبل" من قيادة الحكومة اللبنانية. وضربت التوازن القائم مع السعودية وتركيا ودول عربية أخرى في لبنان، لكن نجاح أنقرة في منع سورية من الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه، قد يفرض - إذا تحقق - على الجمهورية الاسلامية إعادة النظر مجدداً في حساباتها اللبنانية.
وقد لا يكون من قبيل الصدف أن يتجدد العنف في العراق، وأن تعود بعض الأصوات السنية المناهضة للنفوذ الإيراني في بغداد إلى المطالبة بتعميم الفيديرالية التي تعني في المحصلة النهائية خسارة للسلطات المركزية في العاصمة حيث للجمهورية الاسلامية ما ليس لغيرها من القوى... فهل تعي إيران خطورة هذه الألغام؟
إذا كانت إيران حريصة على عدم خسارة علاقاتها مع تركيا، وحريصة أولاً وأخيراً على عدم خسارة المزيد، ليس أمامها سوى مواكبة التحرك التركي لعقلنة الوضع في سورية. لأن الفوضى في هذا البلد لن تسمح لها بأن تملأ الفراغ كما حصل في أماكن أخرى تبين لاحقاً أن التمدد إليها ليس مضموناً ولا دائماً. وإذا كانت الجمهورية الاسلامية الرابح الأكبر في السنوات الماضية من السياسة الأميركية التي نهجها الرئيس جروج بوش الإبن، فإن ما يمكن أن تخسره هذه الأيام قد يمس بدورها الطبيعي الذي لا يمكن أحداً أن يجادل فيه. هو حقيقة وأمر واقع بفعل الجغرافيا والتاريخ. في حين أن الطموحات تظل موضع صراع مصالح بين القوى الإقليمية والدول الكبرى. والظروف التي ساعدت إيران على تحقيق طموحات واسعة في الإقليم في العقد الماضي تبدلت، وتبدلت معها سياسات وموازين قوى، خصوصاً بفعل التغييرات التي يشهدها العالم العربي.
ويصح السؤال هل يمكن إيران أن ترضى بالحفاظ على دورها وموقعها الشرعيين في الإقليم، وتتخلى عن طموحاتها التي أثارت وتثير حتى الآن متاعب لها ولحلفائها؟ وهل تجازف بمزيد من الخسائر وهي تستعد لمواجهة العالم بعد سنة أو سنتين إذا تحققت لها السلاح النووي الموعود؟ وأبسط من ذلك: هل من المعقول أن تحقق طهران فوزاً على أنقرة في أي صراع على سورية وفي سورية؟

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد