ناشطون: نعيد التفكير مرتين في تطابق شعارات المعارضة مع ممارساتها
'14 آذار' تقرأ في كتب مختلفة تطور الأوضاع في سوريا
ـ 'السفير'
دنيز عطاالله حداد:
يستلهم بعض الناشطين من المجتمع المدني، الذين يدورون في فلك &laqascii117o;قوى 14 آذار"، احد شعارات المعارضة السورية &laqascii117o;صمتكم يقتلنا"، ليبنوا عليه عمارتهم النقدية لموقف معظم قيادات &laqascii117o;14 آذار" من الموضوع السوري.يمررون انتقاداتهم بخجل على صفحات الفايسبوك ويجهرون بها امام مسؤولين وسياسيين: &laqascii117o;تعتبرون انفسكم رواد الحرية والديموقراطية والثورة وتقفون متفرجين امام هول ما يجري في سوريا، وفي احسن الاحوال مختبئين وراء شعارات تافهة عنوانها لا نتدخل في شؤونهم ولا يتدخلون في شؤوننا"، كما يقول احد المتحمسين من هؤلاء، بعدما تبين أن لا موقف واضحا وجامعا لـ&laqascii117o;قوى 14 آذار" من الوضع السوري.
هو الارباك الناتج من القراءة في كتب مختلفة، ومن منطلقات وتجارب ورؤى مختلفة، بعضها يضرب عميقا في التاريخ، يكاد يجعل &laqascii117o;المشترك" بين مكونات هذه الجبهة السياسية في النظرة الى الاوضاع في سوريا ينحصر في فكرة واحدة وهي &laqascii117o;معاقبة النظام".
لذا لم يصدر موقف موحد عن هذه القوى في الموضوع السوري &laqascii117o;اعلى سقفا من الانشاء التعاطفي الممكن عن المجاعة في اقصى بلاد العالم مثلا، لا بل ظّل موقف &laqascii117o;14 آذار" قاصرا اخلاقيا عما يُفترض في مثل هذه الظروف"، بحسب احد الناشطين. يتجاوز &laqascii117o;تيار المستقبل" حذره تدريجا من تسجيل موقف مؤيد تماما للمعارضة في سوريا. واعطى تصريح الرئيس سعد الحريري اشارة واضحة في هذا المجال. لكن الامور مرهونة بأوقاتها وحساباتها اللبنانية اولا. يبدي &laqascii117o;المستقبل" اقصى درجات التعاطف مع الشعب السوري . يدين ما يُرتكب بحقه. يصفه بالمجزرة. يحيي صمود السوريين. ويستذكر مدينة حماه ومأساتها. يتجنب الكلام عن النظام. يتلقى جمهور &laqascii117o;المستقبل" تعاطف مسؤوليه بتعاطف اكبر. تتداخل العصبيات في هذا المجال، منها العاطفي والطائفي، منها الغرائزي ومنها ما يدخل في عمق الوجدان المكون للجماعات.
هذا ليس حال &laqascii117o;مسيحيي 14 آذار" مثلا. فقيادات الاحزاب المسيحية تتجنب التعليق المباشر على الاحداث في سوريا. وان فعلت فبالحد الادنى الانساني. ولذلك اسبابه التي لا يدخل فيها مطلقا الحرص على النظام او الرهان عليه. بالنسبة الى هذه الاحزاب فإن &laqascii117o;جمهورها" يتعاطف من بعيد مع الشارع السوري المعارض. هو تعاطف مشوب بكره النظام القائم وانتظار لحظة &laqascii117o;التشفي والانتقام" منه. فكما لم تتم المصارحة والمصالحة داخليا بين اطراف النزاع اللبنانيين انفسهم، فإن ايَا من ذلك لم يحصل ايضا بين اللبنانيين والسوريين. ويعتبر فريق من مسيحيي 14 آذار ان &laqascii117o;اي حكم سيأتي لاحقا في سوريا عليه المبادرة الى طمأنة اللبنانيين ان عهد الاطماع بهذا البلد قد ولى. وان سوريا تتجه اكثر الى ما يشبه النموذج اللبناني لجهة الحرية والانفتاح والديموقراطية والتعايش وقبول الآخر المختلف دينا وثقافة وممارسة اجتماعية". هذا القبول للآخر هو ما تخاف عليه بعض الاحزاب المسيحية. وقد صدرت مواقف عن مسؤولين في حزب &laqascii117o;الكتائب" في بداية الازمة السورية ابدت تخوفها من انهيار النظام وحلول نظام ديني متطرف مكانه بما ينعكس دراماتيكيا على المسيحيين في سوريا وفي لبنان على حد سواء. تقاطع هذا الموقف مع تخوف مماثل للبطريرك الماروني بشاره الراعي. لكنهما، مع تطور الاوضاع بشكلها المأساوي في سوريا عادا لقراءة اكثر تأنيا، وان لم يجافهما الخوف على مستقبل المسيحيين.
&laqascii117o;القوات اللبنانية" لا تريد ان تسجل موقفا متقدما يسابق موقف &laqascii117o;تيار المستقبل". تكتفي في هذا الموضوع بتأكيد الثوابت العامة من خلال وقوفها مع حق الشعوب بالحرية واحترام خياراتها واعتبار &laqascii117o;القمع من مخلفات الانظمة البائدة". يعتبر بعض الشبان من المجتمع المدني &laqascii117o;الآذاريي" الهوى، ان مواقف &laqascii117o;14 آذار متخاذلة وتغرق في تفاصيل وحسابات لبنانية ضيقة، في حين ان المطلوب ان يكون لبنان سبّاقا في تبني القضايا المحقة فكيف اذا كانت تقع على حدوده وتنعكس عليه مباشرة؟ ان سلوك 14 آذار يجعلها تخسر اوراقا اضافية. فلماذا لا تبادر الى الدعوة الى تظاهرة دعم للشعب السوري؟ لماذا لا تعقد مؤتمرا او ندوة او توقع على عريضة للتضامن مع المظلومين والمضطهدين؟ لماذا لا يحرج نواب المعارضة الحكومة فيسألونها في الاوراق الواردة مثلا في مجلس النواب عن موقفها مما يجري في سوريا؟ لماذا لا يطالبون باجتماع استثنائي موسع يخصص فقط للتضامن مع مأساة الشعب السوري؟ ام ان الحرية والديموقراطية امتياز للبنانيين لا يجوز تعميمه على السوريين؟".
يقول الناشطون انهم أسمعوا المعنيين في &laqascii117o;14 آذار" مواقفهم وطالبوهم بمواقف حازمة، الا انهم لم يلمسوا في المقابل الا &laqascii117o;مواقف كلامية متضامنة من دون اية نية للمبادرة في اتجاه خطوة تضامنية فعلية، وهذا ما يجعلنا نعيد التفكير مرتين في تطابق شعارات &laqascii117o;14 آذار" مع ممارساتها".
لحمايته من 'غدرات' الحروب الطائفية والمذهبية تقاسم الراعي 'مجد لبنان' مع الآخرين
دهشة لدى مسيحيي 14 آذار لأنّ البطريرك أمّن 'صكوك' الدعم للحكومة من حاضرة الفاتيكان
ويعتبرون أنّ الراعي 'زادها' في تواضعه أثناء انتقاله من الديمان لمعالجة قضية لاسا
ـ 'الديار'
ابراهيم جبيلي:
من يراقب الصورة التي يتوسطها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في بشري، يترأس قداس سيدة قاديشا وخلفه النائب ستريدا جعجع وايلي كيروز، يشعر بأن الحنين بدأ يضجّ في عقول القواتيين الى الزمان التي كانت فيه بكركي &laqascii117o;مربط خيلهم"، وهم يشعرون ايضاً بأن الأيام تغيّرت وباتت للصرح تقاليد جديدة تختلف جذرياً عن سابقاتها، فلا منبر اعلامي في الخارج، وغابت كلياً عظة الأحد، اضافة الى كل ذلك فان البطريرك الجديد مصمم على زيارة كل بلدة وقرية، يتفقد فيهما الرعايا وهو أبدل عبارة &laqascii117o;يزار ولا يزور"، ببرنامج مكثف عنوانه يزور ويزور ويزور...
وان مجد لبنان الذي اعطي لإبن حملايا، قرر الراعي ان يتقاسمه مع الآخرين، اعتقاداً منه بأن ذلك يحمي المجد للبنانيين من &laqascii117o;غدرات" الحروب الطائفية والمذهبية، وتنفذ الأقليات بريشها، لذلك لن يوفّر البطريرك الجديد أية مبادرة الاّ وسخرها في سبيل تحقيق أهدافه السامية، وأبرزها شركة ومحبة. فهو زار المرجعيات الاسلامية مقراً مقراً، وتفقد الرعايا المارونية في معظم المحافظات، وشارك الطلاب في احتفالات تخرجهم، ويتحضر حالياً لزيارة الجنوب ويتفقد كامل رموزه وعقائده ولا غرالبة أن يزور ايضاً معلم مليتا السياحي للمقاومة، فأمام الأهداف الكبرى تهون وتسهل التفاصيل. هذا الحراك لسيد بكركي أقلق مسيحيي 14 آذاربعدما شعروا ان سيد الصرح اصبح في مكان آخر ولم يعد كما كان في السابق رافداً او داعماً لتوجهات &laqascii117o;ثورة الارز" وبدأت تضج الصالونات والمنتديات لهذه القوى بنقاش يصل الى حدود المساءلة عما تفعله بكركي والى أين، ويعيدون في جلساتهم الحديث والذكريات بأن قادتهم كانوا اول من صعدوا الى الصرح لتهنئة البطريرك الجديد، وكانوا كلهم مفعمين بأمل ان الجالس الجديد على كرسي بطرس سيكمل المشوار الذي بدأه السلف، خصوصاً ان الراعي هو واضع الحرم على من تجرأ يوماً وهاجم سيد الصرح.خابت الظنون وبدأ التململ يظهر في الاعلام ولا عجب ان يتحول غداً الى كلام واضح وصريح حول ما تفعله بكركي على صعد عدة ومنها، حسب اوساط مسيحية في قوى 14 آذار وفق التالي:
1- سياسياً: تعتبر هذه الاوساط ان البطريرك الراعي هو من أمّن الغطاء المسيحي لما ارتكبته قوى 8 آذار، خصوصاً عندما امن &laqascii117o;لحكومة حزب الله" صكوك الدعم من حاضرة الفاتيكان، ولم يكتفِ البطريرك الماروني بذلك بل بارك عبر تحالفه مع رئيس البلاد من تأمين الغطاء السياسي للحكومة، وبذلك نجح الراعي بتأمين الغطاءَين السياسي والروحي.
2- اما على صعيد العلاقات مع الشركاء في الوطن فان الاوساط المسيحية ذاتها تسجل عتبها وملاحظاتها وتعتبر ان البطريرك &laqascii117o;زادها" في تواضعه وخفف من بريق الصرح الذي ترسخ بتقاليده وتراثه منذ الاحتلال العثماني، وتضيف بأن المعاجة لقضية لاسا شابتها بعض الاخطاء، حيث لم يفهم &laqascii117o;المرتكبون" معاني ان يتواضع سيد بكركي ويحضر من الديمان الى بكركي ليترأس اجتماعاً ينهي فيه ازمة كانت قد تطيح بالتعايش النموذجي في بلاد جبيل، ولان الموضوع حساس ودقيق رفض الراعي انتداب اسقف كان باستطاعته تأمين الحلول، او كان بالامكان استدعاء جميع من حضر اللقاء الى الديمان حيث المقر الصيفي، لكن مبادرة الراعي وتواضع سيد الصرح جوبها بموقف غريب ولافت للمفتي عبد الامير قبلان، من هنا تسجل الاوساط المسيحية عتبها على الراعي لأن في نزاع الاقليات يعتبره البعض ضعفاً، وان هذا العلاج تلزمه آليات أخرى.
3- اما على صعيد الحوار المسيحي - المسيحي فتقول الاوساط بأننا لم نسمع من البطريرك سوى عبارات التهدئة على قاعدة &laqascii117o;احبوا بعضكم بعضاً" فيما المطلوب ان تهز بكركي عصاها وتضع اسساً وخارطة طريق تلزم الجميع السير بموجبها والا فان المجتمعين سيدورون في حلقات مفرغة ليتفرقوا لاحقاً لدى اول استحقاق او منعطف.
4- اما على الصعيد الاقليمي فاذا كانت الولاية في الصرح استمرارية فلم نسمع من الراعي سوى اعلان نوايا عن زيارته لسوريا دون ان تعالج الملفات العالقة بين دمشق وبكركي التي لطالما وضعها البطريرك صفير شرطاً مسبقاً قبل تحقيق هذه الزيارة، علماً ان الراعي لم يتناول موضوع الاحداث في سوريا رغم جسامته واحداثه الكبرى وهو يدرك تماماً انه &laqascii117o;بطريرك انطاكية وسائر المشرق" ورعاياه تنتشر في مناطق الحراك السورية.
كلام كثير تتناقله الاوساط المسيحية داخل مجالسها وبعضها يؤكد ان بعض الاساقفة طرح امام البطريرك صفير هواجسهم وملاحظاتهم معتبرين ان ما يحصل هو مفاجأة كاملة، وعرضوا مخاوفهم بأن حركة الراعي قد تصيب هيبة الصرح التي بقيت صامدة رغم ما حل بلبنان، لكن البطريرك صفير كعادته ابتسم مطمئناً الاساقفة.. البطريرك الراعي هو بطريركنا كلنا". لكن هواجس ومخاوف المسيحيين في قوى 14 آذار يقابلها كلام هادئ في بكركي يقول: الراعي الصالح يعرف خرافه وخرافه تعرفه فالبطريرك الذي تنقل في ابرشيات عدة واستقر في عمشيت وسط الموارنة المنتشرين في جبل لبنان والشمال وضع صورة البابا يوحنا بولس الثاني ايقونة ومثالا لرسالته الاسقفية فلن يتوقف يوماً عن زيارة جميع اللبنانيين في جميع المناطق اللبنانية ولسان حاله يقول: ان خلاص المسيحيين بتواضعهم لان لبنان اكبر من وطن لانه &laqascii117o;رسالة".
'العين الغربية الفاحصة' تتابع نجيب ميقاتي!
ـ 'النهار'
سركيس نعوم:
'العين الغربية' الفاحصة تركز في هذه المرحلة على رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وحكومته. اما سبب التركيز فهو مباشرته وحكومته منذ مدة قصيرة عملهما الرسمي بعد نيلهما ثقة مجلس النواب. وهو تحديداً محاولة معرفة هوية هذه الحكومة في ضوء الاتهامات الموجهة اليها بانها تابعة لـ'حزب الله' ولسوريا بشار الاسد على رغم انشغالاتها الداخلية المأسوية، ومحاولة معرفة الموقف الفعلي لرئيسها من القضايا الاساسية التي يختلف عليها اللبنانيون وحلفاؤهم الخارجيون، مثل سوريا وايران الاسلامية من جهة والسعودية وتركيا والاردن واميركا وفرنسا وغيرها من جهة اخرى. اما الدافع الى المحاولة المشار اليها فهو الضياع الذي اصاب اصحاب 'العين الغربية' اولاً من جراء التركيبة المعروفة للحكومة. وثانياً، بسبب محاولة ميقاتي التميُّز في مواقفه من القضايا الخلافية عن غالبية حكومته مع ما انطوى عليه هذا التميُّز من تناقض واضح لكل ذي بصيرة وبصر. وهو تميُّز سمحت له به امور عدة منها بداية المواجهة في سوريا بين الشعب والنظام ثم تفاقمها بحيث صارت تنذر بنشوب حرب اهلية. ومنها شعور 'حزب الله' بالقلق من التطورات السورية وتعمّده اشاعة اجواء توحي باراحة الرئيس ميقاتي تلافياً لخسارته جمهوره السني وتحوّله دمية لـ'الحزب' في نظر هذا الجمهور. ومنها اخيراً استفادة الجهات الخارجية المعنية بلبنان وسوريا، من الوقت الذي اتيح لميقاتي اثناء تأليفه الحكومة للبحث معه في عمق المشكلات والمواقف منها، ولإقناعه ربما بتبني سياسات لا تودي به الى التهلكة لكنها لا تودي بلبنان والاستقرار فيه الى التهلكة ايضاً.
هل من استنتاجات معينة توصل اليها اصحاب 'العين الفاحصة' الغربية تتضمن 'خريطة طريق' واضحة للسياسة التي سينتهجها ميقاتي وحكومته؟
المعلومات المتوافرة عن المشاورات واللقاءات والمحادثات بينه وبينهم، سواء بواسطة ممثليهم في لبنان او عبر خبراء منهم او مندوبين لهم في الخارج، تشير استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة الى امرين. الاول، ان البحث مع ميقاتي كان مفيداً في القضايا التي تحصّن العلاقات الثنائية بين لبنان واميركا. فهو اولاً، رجل ذكي وموهوب وقد ساعدته خلفية رجل الاعمال الناجح الذي اصبحه بعد سنوات وسنوات من التعب والكد على درس ملفاته وتحديد خياراته. وفي مجال العلاقات الثنائية كان واضحاً جداً من حيث رغبته في المحافظة عليها بل في تعزيزها باكمال تنفيذ كل الاتفاقات الموقعة بين الدولتين، لما للبنان من مصلحة في ذلك. اما الامر الثاني، فهو القضايا السياسية التي هي خلافية في معظمها بين اللبنانيين وحلفائهم الخارجيين. بل هو سياسة الحكومة سواء تجاه 'المحكمة الخاصة بلبنان' او تجاه تحولها دمية في يد 'حزب الله' ومُنفِّذة لسياسة خارجية تضعها طهران ودمشق، او تجاه العمل الدؤوب للسيطرة على كل المواقع اللبنانية داخل الادارات والمؤسسات من مدنية وغير مدنية والذي يُتهم 'حزب الله' بالقيام به لاسباب متنوعة. وفي هذه القضايا السياسية لم يستطع اصحاب 'العين الغربية الفاحصة' ان يأخذوا من ميقاتي حقاً او باطلاً. فهو أكد لهم التزامه تحقيق العدالة في قتل الشهيد رفيق الحريري وتأييد المحكمة واللذين اعلنهما اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة ولم يقدم اليهم التزامات واضحة، قد تناقض التزاماته لسوريا ولـ'حزب الله'، بل اكتفى بعموميات افترض انها مُطمئِنة على رغم انها غير كافية. علماً انها لا تسر حلفاءه الحاليين. وهو نفى ان يكون قدم التزامات الى سوريا و'الحزب'. وتسبب ذلك طبعاً بحيرة لاصحاب العين نفسها ولممثليهم الذين صاروا ينتظرون التطورات والقرارات عند كل مجلس وزراء لمعرفة اين يقف فعلاً ميقاتي، وهل هو في الوسط كما يقول او هل يستطيع ان يتصرّف كرئيس حكومة، ام انه سيضطر بحكم الامر الواقع فيها الى قبول حكم غالبيتها او سيحاول التوصل الى تسويات تُدوِّر الزوايا لكنها لا تمس غايات اصحاب هذه الغالبية واهدافها؟
والمعلومات المتوافرة تشير الى ان انتظارهم لن يكون طويلاً. فالقضايا الاساسية لن يتأخر عرضها على مجلس الوزراء. واذا مشى بها ميقاتي يربح الحكومة ويخسر نفسه ربما ووضعه السني واموراً اخرى. واذا رفض يخسر الحكومة. اي إما يستقيل او تستقيل الغالبية التي لا بد ان تكلّف سريعاً شخصاً آخر لرئاسة الحكومة اذا استمرت غالبية. وهذا قد يكون مرجحاً. وبذلك لا يستطيع ان يضمن بقاءه رئيساً لحكومة تصريف اعمال مدة طويلة. اما اذا فرطت الغالبية الجديدة فان التدهور السياسي وغير السياسي قد يسود.
فـخ حمـاه وخطـورة الأرقـام فـي نيويـورك
ـ 'السفير'
سامي كليب:
عرض التلفزيون الرسمي السوري طيلة الساعات الماضية صورا كثيرة لمسلحين في حمص وحماه. تريد السلطة السورية أن تبرر بهذه الصور عملياتها العسكرية المتعددة. يترتب على ذلك خطورة كبيرة، ليس داخليا فحسب وإنما على مستوى حلفاء سوريا في الخارج وتحديدا في مجلس الأمن الدولي. بعضهم يقلق بسبب ترابط العمليات العسكرية مع توسع قاعدة التظاهرات وجغرافيتها، وبعضهم الآخر يشعر بالإحراج بسبب ارتفاع منسوب الدماء.تتجنب السلطات السورية حتى الآن الانزلاق إلى داخل حماه، لكن ما حصل عند تخوم المدينة ذات العمق الإسلامي الاخواني والإرث الدموي بفعل المواجهات السابقة بين الجناح الاخواني المتطرف والسلطة، ينذر بأكثر من خطر. عدد القتلى يحدد الوجهات. كيف؟ كانت الدول الغربية تتخبط في تعاطيها مع النظام السوري. قلَّة منها جاهرت بفقد الرئيس بشار الأسد شرعيته. وحين كانت تقول ذلك كانت تجدد مبررات كثيرة للتراجع عنه ودعوة النظام لتسريع خطى الإصلاح والانفتاح على المعارضة. عدد القتلى لم يكن ليثير قلقا كبيرا. كان العدد محصورا بحدود &laqascii117o;المسموح". ترافق ذلك مع رغبة لدى البعض بمنح الأسد فرصة حقيقية لتطبيق إصلاحاته ذات العناوين الكبيرة. الآن يتغير الوضع، أو هو آخذ بالتغيير ضد النظام وأهله. فالرقم في حماه بعد حمص صار مفصليا.
لا شك في أن وكالات الأنباء والفضائيات تستمر في المغالاة بعدد القتلى. هي تحدثت عن حوالى 150 قتيلا في حماه وغيرها خلال اليومين الماضيين. المصادر الموثوقة تؤكد أن العدد هو نصف ذلك أو أقل. لكن الرقم المؤكد كفيل بإحداث التحولات.
كان مقبولا مثلا أن تقتصر المواجهات على عدد من القتلى كل يوم جمعة. كان حلفاء سوريا ـ وتحديدا روسيا والصين ـ قادرين على إعاقة كل مشروع دولي ضد القيادة السورية. لكن موسكو وبكين نفسيهما نصحتا أكثر من مرة هذه القيادة بالإسراع في الإصلاحات والتخفيف من عدد القتلى. بدأت بعض الأصوات في روسيا تعبِّر عن انزعاج علني. صدر بيان أولي يدعو السلطات إلى وقف سفك الدماء، ثم بيان آخر عن وزارة الخارجية يحمل الطرفين (أي قوات الأمن والمسلحين) المسؤولية عما جرى في حماه . صحيح أن موسكو وبكين صامدتان في رفض أي تدخل خارجي بشؤون سوريا. بدا ذلك واضحا من خلال آخر جلسة لمجلس الأمن. برر البعض ارتفاع اللهجة السورية بأنها ثمن طبيعي لدعم روسيا في داخل مجلس الأمن. لكن الصحيح أيضا أن الدولتين قد تجدان إحراجا كبيرا لو ارتفع منسوب الدماء في سوريا خلال الشهر الفضيل.انسحب ذلك على تركيا، فبعد التدخلات المباشرة من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داود أوغلو ضد القيادة السورية في أوج الانتخابات التركية، تراجعت لفترة وتيرة النبرة التركية وصمتت التصريحات، لكنها عادت تلقي بظلالها بعد اندلاع المواجهات عند أبواب حماه. عاد الأتراك إلى رفع الصوت جهارا. تزامن ذلك مع أزمة كبيرة بين اردوغان والقيادة العسكرية انتهت (على الأقل حتى الآن) بحسم المعركة لصالح رئيس الوزراء الإسلامي الاخواني واستقالة القادة الكبار. من المنتظر أن يغيِّر ذلك في الخطاب التركي حيال سوريا. القادة العسكريون السابقون في أنقرة ومعهم الاستخبارات كانوا ضد التصعيد مع قيادة الأسد. من الصعب تصور القيادة المقبلة سائرة في سياق مماثل. لا بد لها من اللحاق بسياسة اردوغان.
الساسة الأتراك راغبون منذ البداية في لعب دور مركزي في الأزمة السورية. هم قلقون على أوضاعهم الداخلية من جهة، وطامحون لتوسيع دور الإخوان المسلمين في السلطة السورية. صمتوا لفترة بعد ضغوط كثيرة (خصوصا في أعقاب زيارة وزير الخارجية التركي إلى طهران وما سبقه من تهديدات إيرانية). وصمتوا بعد عودة التحرك الكردي بقوة على أراضيهم وسقوط قتلى عديدين في صفوف جيشهم. وصمتوا أيضا بعد أن عاد التأزم يسيطر على علاقتهم بإسرائيل وسط مخاوف متجددة (عبر عنها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك) حيال سيطرة الإسلاميين الأتراك على كل مقاليد السلطة في أعقاب استقالة القادة العسكريين.
ماذا سيفعل الأتراك حيال سوريا؟ الاحتمالات كثيرة بعد حماه. كلام الرئيس التركي عبد الله غول يفتح الباب أمام تأزم جدل، وربما تدخل أكثر أهمية في المرحلة المقبلة. حلف شمال الأطلسي على الأبواب، وقادته كانوا أعربوا غير مرة عن أن أي تأزم بين سوريا وتركيا يعني تأزما عند حدود الأطلسي. الكلام خطير بمغازيه وأبعاده. هل التلويح بالأطلسي جدي أم مجرد رفع لمنسوب الضغوط؟
ثم ماذا عن دول الخليج؟
كان كلام رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، ثم كلام بعض أقطاب تيار المستقبل عاليا جدا حيال سوريا في اليومين الماضيين. فُهم كلام الحريري في دمشق على أنه &laqascii117o;إعلان حرب". فسره البعض الآخر من زاوية عربية ودولية أوسع. يتهم هذا البعض تيار المستقبل وقادته بأنهم جزء من &laqascii117o;مؤامرة خارجية" ضد النظام السوري. وردت قبل فترة معلومات كثيرة تفيد بان الحريري قال انه يربط مستقبله بسقوط النظام السوري. ربما ذلك صحيح وربما من باب التهويل ونقل الشائعات، لكن السياق الذي جاءت فيه تصريحات الحريري يشير إلى أن الأمور انتقلت بعد حماه إلى مستوى آخر، وان من يريد استغلال الأوضاع في سوريا يرى الآن فرصة مناسبة تماما للانقضاض.
يختصر مسؤول إماراتي كبير الصورة الخليجية بالتالي. يقول &laqascii117o;لقد أوصلنا رسالة للسوريين بأن ثمة حدودا لقبول عدد القتلى. الرأي العام في الخليج صار بشكل عام ضد القيادة السورية. قطر تتصدر المواجهة وهي قد ترفع مستوى تدخلها وسوف تحتضن المعارضة وتسعى لتنظيم عملها وتوحيده نظرا لعلاقاتها القوية بالتيارين الاخواني والعلماني. الكويت رفعت مستوى الاتهامات تحت ضغط من القوى الاخوانية والسلفية. لم تعد حكومة الكويت قادرة على إبراز أي موقف مؤيد للسلطات السورية. في السعودية تنشط الجالية السورية، وخصوصا أن بينها سوريين كثرا من المناطق التي تعرضت لمواجهات كثيرة (درعا وجسر الشغور وحمص وغيرها...). وفي السعودية أيضا قيادات لا توافق الملك عبد الله على سياسة الصمت أو الحرص على النظام السوري. أما عندنا في الإمارات فقد صار الإحراج كبيرا بعد حمص وحماه. صحيح أن الشيخ محمد لم يقطع اتصالاته بالرئيس بشار الأسد، وان وزير الخارجية زار دمشق مرتين والتقى الأسد، لكن ارتفاع عدد القتلى في سوريا يضعنا في موقف حرج جدا، وقد يصبح الوضع غير مقبول بالنسبة لنا". كان الخليجيون منقسمين تاريخيا حيال سوريا. عاب بعضهم عليها اقترابها الكبير من إيران. قال آخرون إن هذا الاقتراب يساهم في تهدئة الأجواء بين طهران والجوار الخليجي. رأى بعضهم الآخر (السعودية في مرحلة ما ثم قطر لاحقا) أن القيادة السورية أعاقت التسويات في لبنان ومنعت وصول سعد الحريري مجددا إلى رئاسة الحكومة. رأى بعضهم الثالث أن دمشق شجعت المقاومة ومن خلفها التمدد الشيعي الفارسي في المنطقة.
قد يرى بعض الخليجيين أن الفرصة مؤاتية الآن للانقضاض على النظام السوري، وأن التسويات الاخوانية مع الغرب والمعارضة العلمانية قد تكون أفضل للمستقبل. العامل المذهبي السني له دور في هذا التفكير. لكن ثمة من يقلق. وبين القلقين الملكان السعودي والأردني. يعتقد الرجلان (وفق ما نقل عن أميركيين اطلعوا على اتصالاتهما بإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما) أن بقاء بشار الأسد مهم وان الاستقرار برئاسته أفضل من الفوضى المقبلة. يفهم الغرب مخاوف الملكين على أنها نابعة من خشيتهما من انتقال عدوى التغيير الى عندهما.
هل ضاق هامش المناورة السورية؟
الهامش الدولي يضيق جدا. المعارضة آخذة في تنظيم نفسها رغم الصراع الكبير بين الليبراليين و&laqascii117o;الإخوان". يجري العمل على دفع الطرفين للاتفاق على &laqascii117o;ميثاق عام لمستقبل الدولة السورية". &laqascii117o;الإخوان" يعترضون على كل ما يشير إلى العلمانية أو المدنية. ثمة محاولات لرأب الصدع سريعا. المساعدات الدولية تكثفت لجزء من هذه المعارضة، وبقي جزء كبير منها طي الكتمان. قطر كثفت مساعيها الدبلوماسية والمالية في الآونة الأخيرة لرص صفوف المعارضة. الاتحاد الأوروبي وعد بمساعدات لو توحد المعارضون. جرت اتصالات كثيفة واحتضان علني وسري لجماعة &laqascii117o;الإخوان". تركيا ليست بعيدة عن هذه الجهود.
على ضوء ذلك يصبح التحرك السوري محشورا بين الوضع الأمني على الأرض والمرصود لمفاجآت كثيرة في شهر رمضان، وبين ضرورة تسريع الإصلاحات والحركة الدبلوماسية المنفردة أو المشتركة مع إيران.
الواضح من خلال التحضيرات السياسية، أن منتصف الشهر الحالي سيشهد حركة برلمانية كبيرة لإقرار القوانين الإصلاحية. هذا مهم، لكن الأهم أن تتم المباشرة السريعة بالتنفيذ. تبين من خلال تصريحات عدد من الاتحادات السورية وبينها &laqascii117o;اتحاد الطلبة" و&laqascii117o;الاتحاد العام لنقابات العمال" و&laqascii117o;الاتحاد العام للفلاحين"، أن ثمة رغبة فعلية في تفعيل وتنشيط &laqascii117o;حزب البعث" بحيث يكون سند السلطة في المرحلة المقبلة للتخفيف من الضغوط عليها حيال المادة 8 من الدستور وغيرها من الإصلاحات المتعلقة بالحزب والدولة. يراد لهذه الاتحادات أن تلجم قليلا اندفاع المعارضة لتغيير فوري في كل بنى وأسس الدولة.
المعركة في الداخل لن تحسم قريبا. والصراع الأمني والسياسي سيشتد مع تأكد وجود مسلحين في المناطق ذات الحساسية الكبيرة على غرار حماه. المعركة ستعنف أيضا مع تسريع الحركة الخارجية لتوحيد المعارضة.
هنا يصبح دور طهران مركزيا. سارع الناطق باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست أمس إلى الرد على وزير الخارجية البريطاني بشأن التدخل العسكري في سوريا. قال المسؤول الإيراني إن &laqascii117o;مثل هذه التدخلات العسكرية غير مجدية ولا تستند إلى الشرعية الدولية، وعلى الغرب ألا يكرر أخطاءه الماضية". التحذير واضح، لكنه تزامن مع كلام أميركي لافت. قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأميرال مايك مولن من بغداد: &laqascii117o;ليس هناك من مؤشر على أننا قد نشارك بشكل مباشر" في تدخل عسكري في سوريا . جدد المسؤول العسكري الطلب إلى الرئيس الأسد &laqascii117o;اتخاذ خطوات" تتلاءم مع متطلبات الشعب السوري. يعني هذا الكلام أمرين: أولهما ان لا تدخل عسكريا في سوريا، وثانيهما وهذا الأهم، أن أميركا لا تزال تعتقد بإمكانية قيادة الأسد للإصلاحات. أهمية الكلام أيضا انه جاء في بغداد بعد أيام قليلة على توقيع اتفاقية الغاز بين العراق وإيران وسوريا، وسط تأكيدات أميركية بان معدل الهجمات على القوات الأميركية من قبل المدعومين من إيران قد تراجع. التناغم الضمني الأميركي - الإيراني بشأن سوريا يناقض كل الضجيج في مجلس الأمن. يتقاطع ذلك مع تكثيف التصريحات الإيرانية الهادفة إلى ترطيب الأجواء مع السعودية. عملية جس النبض قائمة في المنطقة لكن شيئا لم يحسم بعد.
ينسحب التحليل أيضا باتجاهات شرق أوسطية. اعتراف سوري سريع بالدولة الفلسطينية المقبلة حتى قبل أن تطرح في الأمم المتحدة (هذا إذا طرحت في أيلول المقبل). اعتداء على قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني لم تتضح أسبابه ومنفذوه والمخططون له بعد. اشتباك بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي عند الحدود في عيد الجيش. تهديد حازم من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مفاده في النفط مقابل النفط.
ماذا يعني كل ذلك؟
يعني أولا أن الحل الأمني السوري بدأ يصل إلى نقاط الخطر الدولي. لا بد من صدمة إصلاحية كبيرة بعد أيام قليلة أو كلام مطمئن من قبل الرئيس بشار الأسد. يعني ثانيا أن مناهضي سوريا في المحافل الدولية سيرفعون كثيرا من لهجة العقوبات والتحذيرات ضد القيادة السورية، لكن ذلك لن يصل في أي حال من الأحوال إلى التهديد بإسقاط النظام بالقوة، ولا حتى إلى مجرد التفكير بإسقاطه (على الأقل في الوقت الراهن). لكن القرار الفصل يبقى للشارع السوري. السلطة تريد توسيع قاعدة ضبط الأمن، والشارع مع المعارضة يريدان زيادة منسوب الضغط. رمضان مفصلي. لو مر بعدد قتلى &laqascii117o;مقبول" فستنتقل الأمور في مطالع الخريف نحو تطورات كثيرة في المنطقة قد تسمح للنظام باختراقات، ولو ارتفعت وتيرة المواجهات، فالمستقبل غامض وخطير ومقلق.
البحرين مجدداً: الشعب مصدر السلطات!
ـ 'السفير'
نهلة الشهال:
تقول الرؤى القاصرة والمتشاطرة (وهذه مجتمعة أفظع الصفات، مثلها مثل أن يكون المرء غبياً وخبيثاً في آن!)، أن هناك ارتباطاً بين البحرين وسوريا. ويقصدون أن إيران تحرك الوضع في البحرين ـ الذي عاد الى التفجر ـ ابتزازاً للسعودية والاميركيين، وهما من يفترض بهما امتلاك القدرة على تهدئة الاوضاع في سوريا، وفق معادلة &laqascii117o;هذه بتلك". يستهوي هذا المنطق المبسط والتآمري الكثيرين، فهو يرى الحوادث التاريخية وأحداث المجتمعات كحجارة الشطرنج تتلاعب بها القوى المتنفذة. ومما يدعم ذلك الاقتناع، تطابق عدد من المعطيات مع متطلبات تماسك هذه الرواية للأحداث. فالبحرين جزيرة صغيرة يكاد عدد سكانها لا يتجاوز النصف مليون إنسان، وقد اكتشف منذ طغيان المزاج الطائفي في المنطقة، أن أكثر من 70 بالمئة منهم شيعة. وتقع البحرين على مقربة من السعودية وإيران في آن، وغالباً ما شُبهت بحاملة طائرات ثابته (كما كان يقال عن أهمية تايوان بمواجهة الصين). وعلى ذلك، فالبحرين قاعدة للأسطول الاميركي الخامس (هناك شائعات أن القيادة الاميركية تنوي نقل القاعدة الى دول أخرى في الخليج أكثر استقراراً).
ولكن، وبمقابل هذه اللوحة، ثمة &laqascii117o;تفاصيل" لا يريد أحد سماعها حتى لا يلحق اضطراب بالرواية: أكثرية شيعة البحرين الساحقة من أصول عربية، يصعب رد ولائها الى إيران، بدلالة وقائع تاريخية وحديثة متعددة. وكمثال، فقد تميزت سياسات &laqascii117o;جمعية الوفاق الوطني" البحرينية على مر تاريخها، بالانطلاق من الاعتبارات البحرينية أو العربية، وبالاستقلالية، علاوة على الاعتدال والسلمية والجنوح الى تغليب التوافق على الصراع. وهي قبلت الدخول في &laqascii117o;الحوار الوطني" مطلع هذا الشهر حتى انسحبت منه بعد أن حاولت، ويئست من إسماع صوت المطالب العامة. و&laqascii117o;الوفاق" هي كبرى الحركات السياسية في الجزيرة الصغيرة، وكانت تحوز نصف مقاعد البرلمان المنتخب إلا واحداً. ويبدو أن اعتدالها الدائم، والذي حافظت عليه حتى خلال احتجاجات دوار اللؤلؤة والقمع الذي تلاها، يعرِّضها الى التجاوز عليها من قبل حركات أكثر توتراً، سياسياً ومذهبياً على السواء، وهو ما قد يسر كثيراً أصحاب السلطة في البحرين ويبسِّط المهمة أمامهم. ثم هناك معارضون يشاركون في التحركات من دون أن يكونوا شيعة، أبرزهم العديد من مناضلي جمعية العمل الوطني (وعد) التي تعرض أمينها العام، ابراهيم الشريف، الى الاعتقال والتعذيب، ولا يزال. وفي رفقته، وقد قاسى مثله، حقوقي بحريني معروف على نطاق واسع هو عبد الهادي خواجة... ها قد عدنا للخلط بين الاشياء! فهذا الاخير شيعي كما يدل اسمه، ولا يهمَّ إن كان يعمل في مجال حقوق الانسان وتعرفه منذ سنوات طويلة المنظمات العالمية والمعاهد البحثية المشتغلة في هذا الميدان. وهناك جمعيات أخرى يغلب على أعضائها الانتماء السني، كالمنبر الديموقراطي والتجمع القومي، بينما يغلب على &laqascii117o;وعد" الطابع اليساري العروبي، وهي سليلة حركة القوميين العرب أو الاتجاهات الناصرية في المنطقة. ولكن (أيضاً وأيضاً) فيا للفظاعة، فبين أعضائها شيعة! (يا قوم، لماذا تريدون تعقيد الامور فيضيع الخيط؟ اصطفوا وانفرزوا طائفياً، رجاءً). إنما البحرين هكذا، والحركات السياسية تمتلك تاريخاً طويلاً من النضال، كما في هذا البلد الخليجي نقابات عمالية ومهنية، وتاريخ هو الآخر طويل من التحركات الاجتماعية والسياسية والإضرابات المطلبية.
ليست المسألة في البحرين إذاً طائفية بالدرجة الاولى، ولا ما يجري فيها يلخص بأنه ورقة ضغط إيرانية. إنه مآل طبيعي لسياق حلقته الاخيرة عمرها أكثر من عشر سنوات، مذ أصدر الملك الحالي &laqascii117o;ميثاق العمل الوطني" الذي كان يقدم كإطار لمسار إصلاحي يفترض به أن ينتهي الى ملكية دستورية. وكالعادة تخلل السنوات العشر القدر المعهود من الالتفاف على الوعود، ومن تعديل ومماطلة وتحوير، أدت جميعها الى أزمات فحوارات وطنية، فوعود جديدة، فغيظ فصبر فمحاولات جديدة، فأزمات. والفارق اليوم هو أن ما اعتمل وانفجر في البحرين منذ شباط الفائت يندرج في وضعية عامة لمجمل المنطقة تمتاز بهبوب رياح التمرد والتغيير، ما يجعل وقعه أشد.
قوى المعارضة البحرينية اليوم مضطرة للانصراف الى غير ما هو جوهر الموضوع وأصله وفصله، أي تعيين مقدار تطابق النظام السياسي القائم مع بنية المجتمع واحتياجاته ومتطلباته وأحلامه ودرجة وعيه لذاته. وبالتالي تعيين الصيغة المناسبة لترتيب كل ذلك معاً، أي ما يشكل أسس صوغ العقد الاجتماعي في أي بلد. وهو بالضرورة محصلة تسووية. عوض ذلك، تلهث تلك القوى خلف معالجة آثار القمع الواسع الذي طال المجتمع بأكمله: المطالبة بإنهاء الصرف من العمل الذي قطع أرزاق آلاف العائلات ومتابعة قضايا المعتقلين والجهد لتوفير محاكمات مدنية لهم ووقف تعذيبهم، وإطلاق سراحهم والتعامل مع قطع المنح التعليمية عن طلاب مشاغبين مبعوثين الى الخارج، عدا ما يثيره هدم المساجد التي يرتادها الشيعة من مشاعر احتقان تصب في مجرى التوتير الطائفي وإدارة حرب أهلية منخفضة الوتيرة... هناك انتكاسة وتراجع موضوعيان في البحرين، ما يعني أن الحال خطير، إذا ما نظر إليه على ضوء مجمل تلك المعطيات. هذا رغم أن السلطة التي هندست الموقف ولا تزال ترعاه، تعتبر أنها &laqascii117o;انتصرت".
قد يروق للسلطة القائمة في البحرين تجميع عشرات ألوف التواقيع على &laqascii117o;عهد الولاء" للملك وآل خليفة. بعض التواقيع إرادي تماماً، مدفوعاً بسنوات من العمل على إذكاء الاجواء الطائفية وتشجيع حركات أصولية بعينها تتبنى مواقف التكفير. والحصيلة التي انتهى إليها الامر هو قيام انشطار عمودي في البلاد: ألا يذكركم ذلك بانشطار لبنان العمودي الشهير والقديم، وهو بخلاف الحالة البحرينية، مفتكر ومعلن ويستند الى نظرية عن البلد؟ تلبننوا يا سادة إن شئتم، راضين بالأزمات الدورية لنظام المحاصصة الطائفية، الرجراج تعريفاً، والذي يبني إقطاعات وليس بلداً... وإنما عليكم الرضا أيضاً بتقاسم السلطة، وليس أقل!
بعض عهود الولاء الاخرى منتزع بالضغط: طُلب مؤخراً من طلاب الجامعات التوقيع عليها اثناء اكمال أوراق تسجيلهم في كلياتهم. وقد يوقع آخرون إذ يخافون من الصرف من العمل بجرة قلم، كما جرى حتى الآن مع الآلاف، شيعة وغير شيعة، من المعارضين. وقد يخاف آخرون من الاعتقال الذي لم يتوقف، ومن التعذيب في السجون وقد أدى الى وفيات، ومن الاعتباط في الاحكام التي تصدرها محاكم عسكرية: ألا يذكركم ذلك بالأحوال في سوريا التي تتفوق اليوم اخبارها على ما عداها، ويشهَّر، عن حق، بممارسات النظام وببنية وآليات القمع العائدة له. ثم، في البلدين، لا صحافيين أجانب، وقد طلب في البحرين من آخرهم المغادرة خلال ساعات في عز موجة القمع، وفي البلدين لا منظمات حقوق انسان عالمية تستقصي ما يجري، فهذا ممنوع. وأما على الصعيد العالمي والاقليمي الرسمي، فليس هناك من يفتح فاه لينتقد دخول قوات درع الجزيرة الى البحرين فجر ذاك اليوم الاغبر، بل تجاوز البعض الصمت ليصف التدخل العسكري السعودي بأنه مشروع تماماً.
المثل الشعبي يقول &laqascii117o;ناس بسمنة وناس بزيت"، (وهذا حين كان الزيت رخيصاً!). لم يمنع ذلك كله أهل الزيت من الخروج في تظاهرة حاشدة يوم الجمعة الفائت، &laqascii117o;جمعة الثبات" (طالما درجت موضة تسمية أيام الجمعة بأسماء موحية حسب البلد)، وأن يهتف المتظاهرون، وكانوا بالآلاف، أن &laqascii117o;الشعب هو مصدر السلطات"... أكان الشعب سنياً أم شيعياً، لا يهم!
الاقتـصـاد يهـز الأمـن فـي إسـرائيـل
ـ 'السفير'
حلمي موسى:
تختلف الأزمة الاجتماعية في إسرائيل عنها في أي مكان آخر في العالم. فهي تلامس بشكل مباشر الجانبين الأهم في حياة هذه الدولة وهما: الهجرة والأمن. فانعدام الاستقرار الاجتماعي - الاقتصادي، لا يحبط فقط الراغبين في &laqascii117o;الهجرة" إليها من بين يهود العالم وإنما يشجع أيضا المقيمين فيها على &laqascii117o;الهجرة" منها. ومن المؤكد أن هذا يضعف جاذبية إسرائيل، التي تتنافس حالياً مع الدول الغربية على بقاء اليهود فيها، بعد أن انتهت في هذه الدول مظاهر العداء للسامية.
غير أن البعد الثاني لا يقل أهمية عن الأول، وهو الأثر المباشر للاحتجاجات على الميزانية الأمنية الإسرائيلية وحتى على السياسة الاستيطانية. وليس صدفة أن رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الجنرال شاؤول موفاز حذر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس الأول، من مغبة تحويل المؤسسة الأمنية إلى &laqascii117o;كبش فداء" جراء أي تغيير في سلم الأولويات القومية.فمحاولة نتنياهو تقليص الضرائب من جهة وزيادة المخصصات للشؤون الاجتماعية ودعم المشاريع السكنية يعني من ناحية تقليص كعكعة الميزانية العامة، ومن ناحية أخرى تحويل أموال من بند إلى آخر. ومن المؤكد أن حصة الأسد في الميزانية العامة تذهب إلى الجيش والمؤسسة الأمنية.
وسأل موفاز نتنياهو كيف سيجرؤ في شهر أيلول المقبل، الذي تتوقع فيه إسرائيل صدامات مع الفلسطينيين إثر إعلان الدولة في الأمم المتحدة، على مطالبة عشرات ألوف الشبان المحتجين بالعودة لارتداء الزي العسكري وخوض المواجهة.وأشار وزير دفاع سابق آخر هو بنيامين بن أليعزر إلى الإشكالية ذاتها حين تحدث عن أن المحتجين على سوء الأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية هم &laqascii117o;الثلاثون في المئة ذاتهم الذين يؤدون الخدمة العسكرية، والخدمة الاحتياطية، ويعملون، ويدفعون ضريبة الدخل ويأكلون الخراء".
وأوضح بن أليعزر أن بالوسع تقليص الميزانية العسكرية لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. وحسب رأيه فإن &laqascii117o;نتنياهو ليس منقطعاً عن الواقع، لكنه حتى الآن لم يفهم أن القرار الأول لرئيس الحكومة اسحق رابين، كان وقف البناء في المستوطنات، التجميد، تقليص ميزانية الدفاع بمليار شيكل. واليوم يمكن تقليص ميزانية الدفاع. فهذه مسألة أولويات. وهناك علاقة تبادلية بين المنعة القومية والقدرة على تأمين المعيشة. لقد خرجنا على الدوام إلى الحرب ونحن نعلم أن وضعنا الداخلي على ما يرام. الحال اليوم ليس هكذا. فالجيش الإسرائيلي قوي. ولكن الجيش سيضطر لمواجهة الاختبار فيما الوضع الاقتصادي كما ترون".
وقد اضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية للتحذير بنفسه من مغبة الحديث أو السجال حول ميزانية المؤسسة الأمنية. وقال أنه رغم الاحتجاجات &laqascii117o;الشعبية" فإن تقليص الميزانية الدفاعية ليس مدرجاً على جدول الأعمال. وأوضح أنه &laqascii117o;ينبغي الحذر من إطلاق تعابير مبسطة حول إمكانية تقليص ميزانية الدفاع".
وكتب المراسل العسكري لصحيفة &laqascii117o;هآرتس" عاموس هارئيل أن قادة الجيش الإسرائيلي بدأوا يفهمون أن الاحتجاجات &laqascii117o;الشعبية" ستحبط مشاريعهم للحصول على زيادات في ميزانية الدفاع للعام المقبل.
وتحت عنوان &laqascii117o;ضحية أخرى للاحتجاجات: ميزانية الدفاع" كتب أنه منذ انتهاء حرب لبنان الثانية والجيش يدير سجالا متواصلا مع وزارة المالية حول الميزانية. وأشار إلى انغماس الجيش مؤخرا في المداولات حول خطة &laqascii117o;حلميش" متعددة السنوات، والتي تحوي مبالغ طائلة للتسلح وتعظيم القوة. وقادت الثورات في الدول العربية إلى تعزيز وجهة نظر الجيش ومطالبه جراء الخوف من اضطرابات المنطقة وعدم استقرارها. ولكن الوضع تغير بانفجار الاحتجاجات في إسرائيل ذاتها.وخلص هارئيل إلى أن موقف الجيش سيتراجع أيضاً بسبب ضعف رئيس الحكومة ووزير الدفاع. فهذا يترك رئيس الأركان شبه وحيد في المعركة القاسية من أجل المحافظة على حصة الجيش من كعكعة الميزانية العامة في مواجهة شراسة الفئات الاجتماعية لانتزاع حصتها.وربما لهذا السبب اضطر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس للتعامل مع احتمالات تقليص الميزانية العسكرية للتجاوب مع مطالب المحتجين. وقال، أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إن المطالب &laqascii117o;الشعبية" بزيادة الموارد لمواضيع اجتماعية يمكن أن تضر بقدرة الجيش. وأوضح أن &laqascii117o;تقليص ميزانية الدفاع سيقود بالضرورة إلى تقليص قدرة الجيش على الرد". وشدد غانتس على أن الجيش سيعرض &laqascii117o;كل الاحتياجات مقابل التحديات، ولكننا في النهاية سنقبل كل ما سيقر". واستدرك قائلا أنه &laqascii117o;ينبغي الأخذ بالحسبان أننا نعيش في فترة انعدام استقرار ويقين، تجعل من المنطقة ومخاطرها أكثر حدة. وسيتطلب الأمر منا التنازل عن منظومات جديدة، ولكن ليس عن جاهزيتنا وخبرتنا".
تفسير القرآن بالشعر
ـ 'الشرق الأوسط'
مشعل السديري:
السذاجة وليست القناعة هي كنز لا يفنى من الغباء المدقع، والذي دفعني إلى هذا القول غير المحترم هو إنسان جمعت سذاجات البشر كلها واستوطنت في شخصيته، فقد أتاني يوما على عجل، وأخذ يهزني ويصرخ في وجهي وكأنه قد جاء بما لم يجئ به (أرشميدس) عندما اكتشف قانون (الطفو)، وخرج يصرخ وهو عريان قائلا: وجدتها، وجدتها.
ذلك الإنسان الساذج بشرني بمعرفته برجل ولا كل الرجال، وفطحل ولا كل الفطاحل، وعرفت منه أنه أصبح يلازمه ليلا ونهارا، ويغديه ويعشيه ويصرف عليه، ويخاف عليه من الهواء والشمس، وعندما استعلمت منه عن ذلك الرجل العبقري الذي صمخ أذني بمديحه والإعجاب به؟! قال لي بالحرف الواحد: إنه (آية الله) في زمانه، وإنه درة مكنونة لا يعرفها إلا من وقف عليها. الواقع أنه رغم إدراكي سذاجة ذلك الإنسان، فإنني من كثرة ما (زن) في أذني، بدأ (الفار يلعب بعبي)، وبدأت أتأثر بالمثل القائل: (الزن على الآذان أقوى من السحر)، عندها فعلا بدأت أنساق لتصديق ذلك الإنسان، وطلبت منه جادا أن يجمعني بذلك الرجل العبقري الذي ملك عليه لب عقله.
وانطلق بي إلى بيت شعبي متهالك، وإذا بي وجها لوجه مع شيخ أفغاني عظيم اللحية، وبيديه سبحة مكونة من 99 خرزة، وما أن شاهدني حتى قال لي: يا سبحان الله، إن لديك قبسا من الإيمان، الواقع أنه ما أن قال لي ذلك حتى بدأت أشكك في نفسي، صحيح أن لدي ولله الحمد إيمانا، ولكن القبس الذي حدثني عنه لا أظن أنه كامن في شخصيتي بأي حال من الأحوال، فأنا أدرى الناس بنفسي المجبولة على المتع الدنيوية، ومع ذلك بلعت إشادته وكلامه ذاك، وقلت له متصنعا طلب المعرفة: زدني أيها الشيخ مما أعطاك الله.
قال بلغة عربية مكسرة: إن الله يضع سره في أضعف خلقه، قلت له: ونعم بالله، ثم أردفت منافقا: ولكنك والحمد لله لست من أضعف خلق الله، فتهللت أساريره وقال: صدقت، صدقت، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبدأ معي بحوار طويل عريض لا أريد أن أشغلكم به، لأنه تحول في النهاية إلى أبيات شعر ركيكة ساذجة ومضحكة.
الخلاصة: إن ذلك العامل الأفغاني البسيط الجاهل (العبقري) الذي لا يتقن العربية، ولا يعرف المفعول من الفاعل، ولا المذكر من المؤنث، ولا كان من أخواتها، قد نظم إلى الآن (6600) بيت من الشعر في تفسير القرآن الكريم ـ تخيلوا لقد فسر القرآن بكل بساطة بلغة فصحى (همايونية) هو لا يتقنها أصلا ولا يعرف مدلولاتها ـ ومع ذلك هناك من يطبلون له ويتبعونه، وانتهى حواري معه إلى قوله: إنني إلى الآن نظمت (6600) بيت من الشعر ولم أقطع من المشوار إلا رب