- 'السفير'
السـفير الإسـرائيلي فـي واشـنطن يكتـب عـن دروس &laqascii117o;حـرب لبنـان الثانيـة"
جنان جمعاوي:
نشرت صحيفة &laqascii117o;وول ستريت جورنال"، مقالا للسفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل أورن، بعنوان &laqascii117o;دروس حرب لبنان الثانية"، ويقدم فيها رؤيته لدور &laqascii117o;حزب الله" ربطا بما يجري على الصعيد العربي وعشية استحقاق إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل. وفي ما يلي النص الكامل لمقال مايكل أورن الذي نشر باللغة الانكليزية يوم الجمعة الماضي:
&laqascii117o;لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لدولة فلسطينية مستقبلية ان تصبح معقلا إرهابيا، فيما أصبح لبنان تحت هيمنة &laqascii117o;حزب الله".
جنوبي نهر الليطاني في لبنان، دمرت العديد من القرى. البعض الآخر فرغ من سكانه الذين فروا شمالا نحو بيروت. على المقلب الآخر من الحدود، خرج المدنيون الإسرائيليون من ملاجئهم ليجدوا مساكنهم وقد دمرت بفعل الآلاف من صواريخ الـ&laqascii117o;كاتيوشا". الغابات المحيطة أحرقت. انتشر الجنود الإسرائيليون في الجنوب اللبناني بغية توجيه ضربة قاضية لـ&laqascii117o;حزب الله"، ولكنهم لم يفعلوا. في هذا الوقت، عند الساعة الثامنة صباحا في 14 آب 2006، قبل خمس سنوات، صمتت بنادق حرب لبنان الثانية.
جذور هذا النزاع تعود إلى مستويات أعمق. ففي رد على هجمات المجموعات الفلسطينية المتمركزة في لبنان، اجتاحت إسرائيل البلاد في 1982. كانت تريد تخليص البلاد من الإرهاب والاحتلال السوري، ودعم انبثاق حكومة ديموقراطية موالية للغرب وملتزمة بالسلام.
كادت هذه الأهداف، التي باتت حلما بعيد المنال في لبنان اليوم، أن تتحقق. لكن المجزرة التي ارتكبها رجال الميليشيا المسيحيون في بيروت بحق الفلسطينيين أدت إلى ضغوط دولية على إسرائيل بهدف سحب قواتها من لبنان. بقيت هذه القوات كحزام دفاعي على طول الحدود طوال السنوات الـ18 اللاحقة، قبل أن تنسحب كليا. في 25 أيار 2000، انتهت الحرب اللبنانية الأولى، كما تسمى حاليا.
سدّ &laqascii117o;حزب الله" الفراغ في لبنان. وجود الجنود الإسرائيليين في لبنان لم يخلق &laqascii117o;حزب الله"، تماما كما لم يخلق وجود الجنود الأميركيين في السعودية تنظيم &laqascii117o;القاعدة". بل انبــثق &laqascii117o;حزب الله" جراء الغضب الكامن لدى المجتــمع الشــيعي المقمــوع منذ زمن، وجراء دعم إيران السخي.
بعد عام واحد من بدء حرب لبنان الأولى في 1983، قتل إرهابيو &laqascii117o;حزب الله" 241 جنديا أميركيا في بيروت. لاحقا، وجّه &laqascii117o;حزب الله" أسلحته الى السنة والمسيحيين والدروز، ومع سوريا هزموا البلاد. ثم اغتيل رئيس الوزراء رفيق الحريري، وهو سني قاوم سيطرة &laqascii117o;حزب الله"، في شباط 2005.
في تموز 2006، نصب &laqascii117o;حزب الله" كمينا لدورية إسرائيلية على الحدود، وقتل 10 جنــود. تم الاستــيلاء على جثتي اثنين من هؤلاء للمطالبة بفدية. أمرت حكــومة رئيس الوزراء آنذاك ايهــود اولمرت على الفور بضربة مضــادة ضد معـاقل &laqascii117o;حزب الله" في الجــنوب ومقاره في بيروت. أما &laqascii117o;حــزب الله" فاتخذ من المدنيــين اللبنانييــن دروعا وأطلق آلاف الصواريخ على المدنيــين الإسرائيلــيين، وقــتل 43 منهم. واستـعر القــتال لأكــثر من شهر قبل أن يفــرض مجلس الأمن وقـفا لإطلاق النار.
النتائج الأولية لحرب لبنان الثانية كانت مضللة. كثر في العالم العربي هللوا لزعيم &laqascii117o;حزب الله" حسن نصر الله لإعلانه أن الحزب مزّق &laqascii117o;بيت العنكبوت" لدى القوة الإسرائيلية. إلا أن قرار مجلس الأمن الرقم 1701 أقر إرسال قوة دولية لمنع &laqascii117o;حزب الله" من إعادة التسلّح وإعادة انتشاره جنوبي نهر الليطاني، على بعد نحو 4 كيلومترات من الحدود الإسرائيلية. أما الإسرائيليون، المفجوعون لخسارة الأرواح ولافتقارهم الظاهري للنصر، فانخرطوا في تحقيق نزيه(...).
في هذه الأثناء، أثبت جنود حفظ السلام التابعون للامم المتحدة أنهم عاجزون وغير راغبين في تنفيذ تفويضهم. لدى &laqascii117o;حزب الله" اليوم نحو 50 ألف صاروخ، أي أربع مرات اكثر مما كان لديه في 2006. وتم تحويل القرى جنوبي الليطاني الى كتائب تابعة لحصون &laqascii117o;حزب الله".
من جهتها، عالجت إسرائيل العيوب العسكرية التي كشفتها الحرب. قمنا بتعزيز دفاعاتنا على الجبهة وقمنا بتدريبات في سائر أنحاء إسرائيل. والأهم هو أن إسرائيل طوّرت نظاما فائق التطور مضادا للصواريخ الباليستية، وقد نجح مؤخرا في اعتراض ثمانية صواريخ أطلقتها &laqascii117o;حماس" من غزة.
لكن ليس هناك أي إجراءات بإمكانها أن تجعل من إسرائيل عصية على أي هجوم، وخاصة من قبل منظمة مكرّسة لتدميرنا وتملك ترسانة صواريخ اكبر من ترسانة غالبية الدول المتقدمة. والحصانة التي تجاهل فيها نصر الله اتهامات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الموجهة إلى أربعة من عناصره الكبار في اغتيال الحريري تجسّد هيمنة &laqascii117o;حزب الله" الكاملة على لبنان. كما انها تجسّد الخطر الذي يمثله &laqascii117o;حزب الله" على الشعوب المسالمة في سائر أنحاء المنطقة.
الحقيقة المؤسفة هي ان لبنان لم يعد دولة مستقلة تميل للغرب، بل صار معقلا إرهابيا تزوّده سوريا ويتبع لإيران.
إسرائيل لا تريد حربا لبنانية ثالثة. ولكن، علينا ألا ننسى دروس النزاعات السابقة.
وفيما نلتزم بحل الدولتين مع الفلسطينيين، لا يمكننا أن نعتمد على القوات الدولية لحماية حدودنا مع دولة فلسطينية مستقبلية. وحدها القوات الإسرائيلية بإمكانها أن تمنع هذه الدولة من أن تصبح لبنان ثانيا. وعليه، لا يمكننا ان نتحمل أن نرضى ونفترض أن &laqascii117o;حزب الله"، وإن تم ردعه، سيبقى هكذا وانه لن يتصرف بتهوّر بناء على أوامر من دمشق او طهران.
أخيرا والأهم، قد تقدّم الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط فرصة لتحرير الشعب اللبناني. النظام السوري قد ينهار، ومعه النفوذ الإيراني. وعليه، يجب الا نفوّت هذه الفرصة.
- 'السفير'
هل اكتملت العدّة للحرب المقبلة؟
محمد خواجه(باحث في الشؤون العسكرية):
درجت العادة، أن يسطّر مجلس الأمن مع نهاية الحروب الإسرائيلية بياناً يتضمن عبارة &laqascii117o;وقف اطلاق النار"، لكنه استبدلها &laqascii117o;بتوقف الأعمال القتالية" في &laqascii117o;حرب لبنان الثانية". وبمعزل عن القصد الأممي من تحوير الصياغة، فقد تصرفت إسرائيل وكأن الأمر لا يعدو ربط نزاع، وليس قبولاً بإنهاء القتال. وعملياً، مارست حرباً غير مباشرة، منذ اليوم الأول لتوقف القتال، حيثُ لم تكف عن خروقاتها الجوّيّة والبحريّة والبريّة بحقّ لبنان. فضلاً عن تغلغلها في نسيجه الوطني، مجندة عشرات شبكات التجسس. فبدا الحاصل على أرض الواقع، مجرد هدنة قسرية، قبلتها مرغمةً، نتيجة إخفاق قواتها في تحقيق أهداف الحرب.
ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه لم يضعْ الوقت سُدى، فبذل جهوداً مضنية، على مدى السنوات الخمس الفائتة، قاصداً معالجة أسباب الإخفاق وتداعياته. هذا الزعم مقارب للحقيقة تماماً، إذ أجرت أذرعته، ولا سيما البرية منها، كماً من التدريبات والمناورات والاستعدادات طالت الجبهتين الأمامية والداخلية معاً، ربما فاقت ما شهده الكيان الصهيوني من نشاطات مماثلة، طوال سنين وجوده.
لقد أصابت &laqascii117o;حرب لبنان الثانية" الجيش الإسرائيلي بجراح مادية ومعنوية لم يبرأ منها حتّى الآن، وجعلته يتصرّف بعصبية مثله مثل عشيرة مسّها العار، وبات الثأر مطلبها. ولم تقتصر الروح الثأرية على المؤسسة العسكرية وحدها، بل شملت الكيان بمجمله، حيث تبارى ساسته باطلاق التهديدات ضد الحجر والبشر في لبنان. وأتت الثروة النفطية مؤخراً، والنية الإسرائيلية بابتلاع الجزء الأكبر من مخزونها المشترك، لتضيف عنصراً ساخناً إلى خارطة الصراع. هذا المناخ المشحون بالتوتر، جعل بعض الكتاب والمحللين يتوقع، أكثر من مرةٍ، حرباً إسرائيلية وشيكة.
ولكي لا نتسرع في الاجابة عن سؤال شائك حول الحرب الإسرائيلية، نقول إن للحرب دوافعها وحساباتها وظروفها السياسية والاقتصادية... التي لا بدّ أن يضعها العدو في ميزان التدقيق، لتقدير كلفتها ونتائجها سلفاً، قبل اشعالها.
حمل العام 2011 متغيرات على المستويين الدولي والإقليمي، من أبرز عناوينها: الأزمة العاصفة بخزائن المال واقتصاديات الغرب الأميركي والأوروبي على السواء؛ وكذلك حدث الثورات العربية وطغيانها على المشهد الإقليمي برمته. ورغم أنّها لم تصل إلى خواتيمها بعد، فخارطةُ الجيو - استراتيجيا في المنطقة مرشحة، تدريجياً، للتبدّل الكلّي. هذان العنصران يؤخذان في الاعتبار حكماً، ولا ننسى أن حرب 2006 حظيت بدعم أميركي وغربي كامل، وتغطية عربية غير مسبوقة، لا نعتقد بتوافرهما حالياً. وتوخياً للدقة، لا نسقط احتمال استغلال إسرائيل الانقسام اللبناني، والاضطراب العربي لشن الحرب، بشرط اكتمال عناصر نجاحها الذاتية، بخاصة العسكرية منها، خوفاً من تكرار نتائج الحرب الماضية. هذا يفترض أنّ الأسئلة الصعبة التي تمخضت عن تلك الحرب، قد تمّت الإجابة عليها. فهل حصل فعلاً هذا الأمر؟
في &laqascii117o;حرب لبنان الثانية"، واجه الجيش الإسرائيلي معضلتين شائكتين، كانتا من أبرز أسباب اخفاقه، الأولى، تمثلت بالصواريخ المضادة للدروع من الجيلين الثالث والرابع، التي حوّلت الآليات الإسرائيلية إلى &laqascii117o;طرائد" سهلة الاصطياد، وشلّت سلاح المدرعات، نتيجة خسارته لواء كاملاً، ما بين تدمير واعطاب، برغم محدودية المواجهات البريّة. بعدها أُضطر العدو إلى تقنين استخدام المدرعات، وارسال الجنود سيراً على الأقدام، خشية إصابة المزيد منها. بهذا عطّل المقاومون باستعمالهم الصواريخ المتطورة، أحد جناحي إستراتيجية العدو، القائمة على ثنائية الطائرة والدبابة.
وكعلاج لهذه المسألة، كُلفت شركة رفائيل للصناعة العسكرية، بإنتاج منظومة &laqascii117o;سترة الريح"، تفوق كلفة الواحدة منها الـ 300 ألف دولار. وقد تمت تجربتها على المركبات الأميركية في العراق، وزُعم أنّ النتائج الميدانية إيجابية. ويملك الإسرائيلي منظومة &laqascii117o;تروفي" المضادة للصواريخ م/د أيضاً، والمصنعة قبل العام 2006، وصُرف النظر، آنذاك، عن تركيبها على الدبابات الحديثة، بسبب تخفيضات موازنة القوات البريّة.
مؤخراً، بدأ العدو بتنفيذ برنامج طموح هدفه تزويد دبابات القتال الرئيسيّة كلّها، بهاتين المنظومتين. ويعتبر الإسرائيلي هذا الاجراء ضروريّاَ للغاية، بعد احداثه تغييراً جوهريّاً في مفهومه القتالي. &laqascii117o;حرب لبنان الثانية" قامت على مفهوم &laqascii117o;كيلع" المنبثق من نظرية &laqascii117o;النار عن بعد"، ومرتكزها الجهد الجوّي المكثّف، زائد الاستخدام المحدود لوحدات النخبة. وبما أن هذا المفهوم ثبت عقمه قبالة قوات غير نظامية، أقرت الأركان الإسرائيلية صيف 2007 مفهوماً آخر، &laqascii117o;تيـﭭن"، يحمل في طياته فكرة المناورة والجيش المناور، فأُعيد البريق إلى القوات البريّة مجدداً. وتُجمع قيادة العدو العسكرية على تجنب المغامرة بحربٍ، من دون توفير أنظمة الحماية لمدرعاتها ومركباتها في مواجهة صواريخ المقاومة، التي تضاعفت، كمّاً ونوعاً.
أمّا المعضلة الثانية فهي النيران ذات المسار المنحني، التي كانت أشد وطأة على الكيان الصهيوني، حيثُ نجحت المقاومة بإمطار عمقه بالصواريخ، وشلّ مناطق حيوية منه، طوال أيام الحرب. وبهذا أسقطت أحد مركبات عقيدته الأمنية، بتحييد الداخل وحصر النار بأرض الخصم. حاول الجيش الإسرائيلي، إبان القتال، معالجة مسألة الصواريخ بواسطة سلاح الجوّ، فتمكن من الحد من نشاط المحمول منها، ذي المدى البعيد، نظراً لثقل حركتها، وصعوبة اخفائها؛ بينما سجل عجزاً كاملاً تجاه منصّات الكاتيوشا ومثيلاتها من الصواريخ القصيرة المدى.
هذا العجز دفع بالكيان الصهيوني إلى تسريع وتيرة انتاج منظومة القبّة الحديدية، المخصّصة لاسقاط صواريخ مداها دون الـ 70 كلم. وقد نصب أربع منظومات منها، في خراج مدن حيفا وأشدود وعسقلان ومستوطنة سديروت، وزُعم أن بعضها أسقط صواريخ مقبلة من قطاع غزّة. وينوي العدو نصب إحدى عشرة منظومة أخرى، قبل حلول العام 2013، لاستكمال بناء قوس الاعتراض الصاروخي فوق مناطق حيوية من الكيان.
وكان ايهود باراك قد تعهد قبل ثلاث سنوات، بتأمين نظام حماية &laqascii117o;طبقي" ضد الصواريخ ذات الآماد المتعددة. ولكون منظومة &laqascii117o;العصا السحرية" وصواريخ &laqascii117o;حيتس" و &laqascii117o;أور"، المنتجة إسرائيلياً، ما زالت في طور التصنيع والاختبارات العملانية، لجأ إلى الولايات المتحدة التي تعهدت، في حال نشوب حرب واسعة، بإرسال منظومات &laqascii117o;ثاد" و &laqascii117o;أيجيس" المركونة فوق متن سفنها البحريّة، إلى قبالة الشاطئ الفلسطيني، لتأمين الحماية من الصواريخ البالستية والبعيدة المدى.
في هذا السياق، تندرج سلسلة مناورات &laqascii117o;جونبير كوبرا" المشتركة، الهادفة إلى التدريب على دمج قدرات الاعتراض الصاروخي الأميركية الإسرائيلية، أثناء الحرب، ضمن منظومة واحدة، وأمرة موحدة. ولأن الجبهة الداخلية بمثابة كعب أخيل الدولة العبريّة، لم تكتف بهذا القدر من الاجراءات والاحتياطات، ولا سيما بعد تيقّنها من تحوّلها إلى هدف استراتيجي لأعدائها، فأفردت مساحة للقوات البريّة في سيناريو الحرب المقبلة؛ بحيث يكون لزاماً عليها، الانقضاض على منصّات الصواريخ القصيرة داخل الأراضي اللبنانية. ما تقدّم، يُظهر حجم الاستعدادات للحرب، ودأب إسرائيل لإزالة العوائق من دربها، حرصاً على تأمين عناصر الفوز بها. لأن السياق المنطقي للأمور، يحتم عليها، التفكير ملياً قبل الشروع بحرب جديدة غير مضمونة النتائج، والتي نرى، من جهتنا، أن عدّتها لم تكتمل بعد، أقلّه حتّى الآن.
- 'النهار'
فريق الأكثرية ماض في اطمئنانه وله مبرراته
ابرهيم بيرم:
السؤال الذي ينتقل من اسبوع الى اسبوع، ويظل دوما نجم المرحلة هو الى اين يؤدي التصعيد السياسي البالغ احيانا في رؤية عاجلة حد الاحتقان، واستطرادا ماذا يمكن ان ينتج الشحن المتصاعد في الشارع الذي صعد ممارسته خصوم النظام السوري في مناطق عدة؟
وبين هذا وذاك، ثمة بطبيعة الحال من يسأل عن المفاعيل المفترضة لموضوع القرار الاتهامي في نسخته الثانية، بعدما بدت لدى صدوره للمرة الاولى متواضعة جدا؟
حيال هذا المشهد المثقل بالضجيج والمملوء بالصخب، ثمة في اوساط المراقبين من يراوده استنتاج فحواه ان الامور ماضية الى ابعد من تصعيد سياسي واعلامي اعتاده الجمهور، حتى بات جزءا من خبزهم اليومي. ويزداد هذا الاقتناع ترسخا مع تفاعل الحدث السوري، ومعه ازدياد وتيرة الضغوط الخارجية على البلاد، ومعه ايضا ارتفاع منسوب موجة تعاطف قسم من اللبنانيين مع المتمردين على النظام في دمشق، لا سيما بعد صدور الموقف الاكثر جلاء من هذا الموضوع لزعيم المعارضة الرئيس سعد الحريري.
حيال هذا الموقف المترع بالتوجسات والمخاوف، ثمة في دوائر في قوى الاكثرية ومن بينها 'حزب الله'، صورة اخرى تبدو الى حد ما متناقضة، وتجنح نحو رؤية اخرى، تميل الى الاستنتاج أن من يضمر دفع المتناقضات القائمة في اتجاه التفجير عاجز عن بلوغ هذا الهدف، وتحول دون ذلك ظروف ومعطيات موضوعية تفرض نفسها بعناد.
ويذهب اصحاب هذه الرؤية في تعليل رؤيتهم الى القول بأن التصعيد السياسي والاعلامي الحالي الذي يمارسه الفريق المصعد منذ مدة وهو فريق 14 آذار، انما يتوخى تلبية ثلاث حاجات لديه:
1 - ان هذا الفريق يحتاج منذ زمن الى شعارات جاذبة لاهتمام شارعه، وقادر على شد عصبه بعد الوهن الذي ناله اثر خروجه من الحكم قبل اشهر، واثر اخفاق الكثير من الشعارات التي رفعها منذ ذاك الحين ومنها نزع 'الشرعية' عن سلاح المقاومة تمهيدا للمطالبة باسقاطه.
2 - ان هذا الفريق اعتاد ان يكون اولا واخيرا صدى ورد فعل لامر عمليات خارجي، وها قد صدر هذا الامر منذ البيان الشهير الذي صدر عن العاهل السعودي الملك عبدالله في شأن الموضوع السوري، فضلا عن ارتفاع وتيرة الضغوط الغربية على سوريا، وحاجة رافعيها الى مساند عربي ولا سيما بعد احداث حماة الاخيرة.
3 - المرحلة بالنسبة الى هؤلاء، تحتاج الى اعادة شد عصبية مذهبية معينة، عسى ولعل تنتج معادلة اخرى وواقعا اخر بعد اخفاقات ما مضى، وبالتحديد منذ 'يوم الغضب' الشهير في 25 كانون الثاني المنصرم، والذي ادخل فيه انصار هذا الفريق الى ادائهم اساليب دأبوا على رذلها واستنكارها في السابق وعدوها عارا.
اما بالنسبة الى موضوع التداعيات التي يمكن ان تلقى بثقلها على الساحة الداخلية في مرحلة ما بعد القرار الاتهامي، وتوابعه التي برزت والتي يمكن ان تبرز تباعا، فالامر بالنسبة الى الجهة المعنية المستهدفة اي 'حزب الله' صار جليا، ولم يعد بمثابة سيف مصلت منذ زمن بعيد، اي انه بات بلا مفعول، وذلك اعتمادا على الوقائع الاتية:
- لم يعد خافيا ان خطوة المحكمة التالية اي الربط بين جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وجرائم اخرى حصلت قبلها وبعدها، ترمي الى خلاصة واحدة وحيدة، هي القول لمن يعنيهم الامر أن 'حزب الله' هو من يتحمل اثام و'اوزار' احداث المرحلة الماضية الجسام اي منذ عام 2005، وهو واقع لن يزيد ولن ينقص في ما رمت اليه بالاصل عملية تحميل عناصر اربعة من الحزب مسؤولية الضلوع في جريمة اغتيال الحريري. وبالتالي اذا كان المقصود على المستوى البعيد 'تكبيل' الحزب وبعض قياداته بعدد من الاحكام والاتهامات العنكبوتية، فالامر بالنسبة اليه لم يعد دراماتيكيا او مبعث تخوفات.
وعليه فالامر قبل قرار الاتهام وبعده سيان، فلا يرتجى رد فعل واسع على الارض، والحزب ماض في ادائه وممارسة نشاطه كأن شيئا لم يكن.
وفي كل الاحوال، لدى الحزب قراءة معمقة وواعية لكل الاحتمالات، ولكل ما يمكن ان ينجم عنها من اخطار منذ ان رفض التجاوب مع اخر عرض قطري – تركي حمل اليه في النصف الثاني من شهر كانون الثاني الماضي.
اما على مستوى تداعيات الحدث السوري في لبنان، فلدى اصحاب هذه النظرية قراءة اخيرة فحواها الاتي: ان النظام الحليف في دمشق نجح في الايام الماضية ما بتجاوز بؤر الخطر التي احاطت اكثر به، وبات يتحرك الان في المفهوم العسكري في منطقة الامان، وما يفعله حاليا هو تنظيف الارض من 'الالغام'، ومن فلول المتربصين به وخصوصا المسلحين والارهابيين.
وعلى مستوى الخطر الخارجي فإن المعلومات المتوافرة لدى هؤلاء تفيد، ان الزيارة الاخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي داود اوغلو الى دمشق حملت في طياتها ثلاث دلالات، وكلها تصب في مصلحة نظام الرئيس بشار الاسد.
الاول: ان الاتراك اعترفوا ضمنا بخطأ نهجهم وسياستهم حيال سوريا في المرحلة الاولى التي تلت اندلاع الاحداث فيها.
الثانية: ان الاتراك رغم ما صدر عنهم بعيد الزيارة، يبحثون عن خريطة طريق للخروج من 'المهمة' الثقيلة التي نأوا اليها وعجزوا عن تنفيذها لحظة قبلوا تكليف واشنطن والغرب وعرب الاعتدال لهم، بحمل ملف اسقاط النظام في سوريا، او على الاقل تطويعه بعد تطويقه ليقبل بمعادلة معينة تجعل 'الاخوان المسلمين' شريك اساسي في الحكم في سوريا على ان تتولى لاحقا الحكم كله.
الثالثة: ان تركيا تعهدت ضمنا بأن تساعد دمشق في الخروج من ازمتها او على الاقل الا تكون عاملا من عوامل اطالة امد هذه الازمة.
وعليه، فإن سؤال الجانب السوري من هو ومن هي الجهة والعاصمة التي سيكون لديها الجرأة على تحمل 'كرة النار' السورية، بعد ان تبادر واشنطن الى سحب ثقتها من الجانب التركي الذي تعتقد انه خذلها وتبدأ عملية البحث عن بديل منه؟
وعلى المستوى الداخلي اللبناني يعتقد اصحاب هذه الرؤية، جازمين ان الخشية من ادوار اوسع واكثر شراسة وخطورة قد يقوم بها 'المفرطون' في حماستهم للتعاطف مع المتمردين على نظام الاسد في سوريا على نحو قد يورط الساحة اللبنانية اكثر فأكثر، وتجنح بها نحو خط الانفجار، لم تعد في محلها اطلاقا، فهؤلاء 'المتحمسون' قاموا بأقصى ما يمكن ان يقوموا به وحشدوا في الشارع اقصى من يتبنى حماستهم، وادى من كلف منهم بمهمات اصعب واخطر ما استطاع اليه سبيلا، وبالتالي لم يعد في جعبتهم سهام ابعد مدى واكثر خطورة، خصوصا اذا ما تيقنوا ان رهاناتهم على حصول تغيير عاجل وحاسم في الداخل السوري تتقلص يوما بعد يوم.
ويؤكد هؤلاء ان لا شيء دراماتيكياً سيتغير، خصوصا ان ثمة حكومة تعبر عن مروحة واسعة من القوى وتمثل فئة عظمى من الجمهور اللبناني بدأت تقوم بدورها، وان اعترى انطلاقتها الاولى بعض الثغر، مما افقدها جزءا من حيويتها وهالتها المفترضة، ولكنها بتركيبتها مهيأة لتجاوز هذه الثغر، واستكمال تنفيذ ما تعهدت به.
فضلا عن ذلك ثمة صعوبة كبرى لدى الراغبين فعلا في دفع لبنان الى الانخراط اكثر فأكثر في الحدث السوري، ليصبح مرتبطاً به وبنتائجه، فهذه الرغبة عدا انها تخالف اصلا وفصلا الشعار الذي دأب فريق 14 آذار على التسلح به وهو ابعاد لبنان عن الصراعات الخارجية والنأي به عن محاور الصراعات، فإن جمهور هذا الفريق الذي تغذى وترعرع على شعار، لبنان اولاً لن يستطيع ان يقتنع بأن لبنان صار ثانيا، وان اسقاط نظام بشار الاسد صارت له الأولوية على ما عداه.
وعليه لا يرى اصحاب هذه الرؤية في الافق ما ينبئ بأن ثمة قدرة لدى المتحمسين على تعكير مساحة الامان الذي تنعم به الساحة اللبنانية اكثر من اي وقت مضى.
- 'السفير'
14 آب 2011 : خمسة أعوام على &laqascii117o;النصر المخضب".. مليار و420 مليون دولار كلفة تعويضات حرب تموز حتى اليوم.. إعمار المباني في مراحله الأخيرة بانتظار الإفراج عن أموال الخزينة
زينب ياغي:
في أيلول العام 2010، لمّا عادت ريما ناصر إلى منزلها في حارة حريك، &laqascii117o;عادت إليها الروح". كان منزلها يتألف من خمس غرف، وقد هدمته قوات الإحتلال قبل يوم واحد من وقف إطلاق النار في حرب تموز، يوم الثالث عشر من آب العام 2006. انتقلت في بداية الحرب مع زوجها وأولادها الأربعة: ثلاث بنات وصبي إلى قريتهم حجولا في قضاء جبيل، وعادت مع العائدين يوم وقف إطلاق النار في الرابع عشر من آب لتفقد منزلها.
تصف ريما ما وجدته لمّا وصلت قائلة &laqascii117o;كانت شقتنا في الطابق الخامس، ولكن لمّا عدت، وجدتها على مستوى الأرض، إذ تكدّست الشقق فوق بعضها البعض على شكل طبقات، وعرفت منزلي من الطاولة المصنوعة من الحديد المصقول التي كانت موضوعة على الشرفة، ومن نسخ كتاب زوجي المتخصص بالعلوم السياسية التي كان قد أحضرها من المطبعة لتوزيعها على المكتبات بناء على عقود بيع. كانت النسخ، وعددها نحو ألف، مازالت مرصوفة فوق بعضها البعض، لكنها تحوّلت إلى رماد. لم أستطع تمييز أي أغراض أخرى من أغراض البيت لأنها كانت كلها محترقة".
للوهلة الأولى، سألت ريما نفسها عندما شاهدت منزلها: &laqascii117o;أين سأذهب؟ وأين سأقيم"؟. ثم جربت البحث عن حقيبة صغيرة تتضمن الأوراق الثبوتية لأفراد الأسرة وتلك المتعلقة بملكية المنزل، ومن بينها سندات ملكية وأوراق الجنسية الفرنسية التي يحملها أفراد العائلة وهي لا تعطى سوى مرة واحدة، بالإضافة إلى مبلغ مالي، هو عبارة عن بدل رحلة سياحية إلى تركيا كانت تنوي العائلة القيام بها، وبدل إيجارات شقق مبنى ورثه زوجها وأشقاؤه عن أهلهم، ومبلغ مالي للمصروف الإحتياطي.
يتعلم أولاد ريما في مدرسة الليسيه فردان في بيروت، وزوجها موظف في مؤسسة الضمان الاجتماعي، لذا لم يكن العيش في حجولا مناسباً. ولم تكن فكرة التعويض على المنازل واردة بعد انتهاء الحرب مباشرة،
قررت العائلة السفر إلى فرنسا: &laqascii117o;كانت السفارة الفرنسية تنظم رحلات لأفراد الجالية الفرنسية في لبنان طوال فترة الحرب، ولكن لم نفكر في الرحيل إلا بعدما تهدّم منزلنا".
لدى وصول أفراد العائلة إلى فرنسا، قدمت لهم الحكومة الفرنسية راتباً شهرياً ومنزلاً يدفعون جزءاً بسيطاً من إيجاره، وبدأ الأولاد عامهم الدراسي في أيلول. ولكن، عندما بدأ الحديث عن قرار حزب الله بدفع التعويضات للمتضررين من الحرب، وقررت مؤسسة &laqascii117o;جهاد البناء" دفع بدلات الإيواء للذين تهدمت منازلهم، قرروا العودة إلى بيروت، بعد ثلاثة أشهر من وصولهم إلى فرنسا.
بعد عودتهم، حصلوا على مبلغ اثني عشر ألف دولار بدل إيواء من مؤسسة &laqascii117o;جهاد البناء"، فاستأجروا شقة في منطقة برج البراجنة، وعاد الزوج إلى عمله في مؤسسة الضمان والأولاد إلى الليسيه.
تقول ريما إنها تزوّجت في منزلها، وفيه أنجبت أولادها وفيه عاشوا، واعتادوا على طريقة تقسيم المنزل، كما اعتادوا على نمط الحياة في المنطقة وعلى الجيران. كانت تفكر دائماً قبل الحرب بشراء شقة أكثر اتساعاً من أجل تخصيص غرفة لابنها، لكن أولادها كانوا يرفضون الانتقال من منزلهم. قبل عودتها إلى شقتها، أجرت تعديلات على طريقة تقسيمها، وألغت شرفة إحدى غرف النوم وحوّلتها إلى غرفة خاصة بابنها.
عندما دخلت مع عائلتها إلى الشقة، شعرت أنها بنت منزلاً جديداً، وعندما باتت ليلتها الأولى في المنزل بعد إعادة بنائه، &laqascii117o;شعرت أنها المرة الأولى منذ الحرب التي أنام بشكل عميق". تقول &laqascii117o;دخلنا إلى غرفنا مساء، ولم نر بعضنا البعض إلا في الصباح، كانت العودة بالنسبة لي حلماً، فنحن اعتدنا في بلدنا أن المهجرين لا يستعيدون منازلهم ... إلا استثناءً".
وتعدد أغلى ما فقدته مع تهدّم شقتها قائلة &laqascii117o;صور والدة زوجي المتوفاة، وهي كانت تعيش معنا قبل وفاتها، وصور الأولاد في طفولتهم المبكرة، وأشرطة الفيديو الخاصة بهم، بالإضافة إلى المكتبة، وسجاد مشغول باليد من منطقة الفاكهة في البقاع". إلا أنها تردف &laqascii117o;صحيح أننا فقدنا أغراضنا، ولكننا لم نفقد أرضنا. فماذا يعني المنزل وأغراضه لو كان على أرض مُحتلّة؟".
ثم تضيف ضاحكة &laqascii117o;لقد كانت العودة فأل خير علينا، فقد تزوجت ابنتي الكبرى وخطبت ابنتي الثانية".
متاهة إحصاء التعويضات: مئة مليون دولار لاستكمال الإعمار
أصبحت التعويضات الخاصة بالوحدات السكنية التي دمرت خلال حرب تموز في كل أنحاء لبنان، في مراحلها الأخيرة. لكن تعويضات تلك المرحلة سوف تدفع من خزانة الدولة اللبنانية، بعدما نفدت أموال الدول المانحة.
وقد تبين أنه لا يوجد في السرايا الحكومية إحصاء شامل بقيمة التعويضات المتبقية، وعدد الوحدات التي يترتب استكمال الدفع لها، ربما بفعل المرحلة الإنتقالية التي تعيشها الحكومة، وعدم إمساكها بكل الملفات قيد المتابعة.
وقد أفادت المسؤولة عن متابعة التعويضات في السرايا إيفا خوري أن الجداول الخاصة بالوحدات السكنية ترد تباعاً إلى الهيئة العليا للإغاثة من الشركة الاستشارية &laqascii117o;الخطيب وعلمي" التي تدقق في الوحدات السكنية، &laqascii117o;لذلك فإن الإحصاء الشامل غير متوفر".
وما زالت شركة &laqascii117o;الخطيب وعلمي" تقوم حتى اليوم بعمليات التدقيق في الوحدات المدمرة والمتضررة. واستنادا إلى إحصاءات &laqascii117o;مجلس الجنوب"، ما زال هناك 3893 وحدة سكنية قيد التدقيق، تفوق قيمة تعويضات كل منها الخمسة ملايين ليرة، بالإضافة إلى 23438 وحدة تبلغ قيمة تعويضاتها ما دون الخمسة ملايين ليرة.
وما زال هناك 212 وحدة سكنية قيد التدقيق في بلدتي قانا والقليلة، تضاف إليها تعويضات خاصة بـ5240 سيارة وآلية لم تدفع بعد.
وفي صندوق المهجرين، أوضح المدير العام للصندوق فادي عرموني أن نسبة التعويضات المدفوعة للوحدات السكنية خارج الجنوب، أي في البقاع والجبل والضاحية الجنوبية، بلغت حتى حزيران الفائت 66 في المئة، وهي تدفع بواسطة شيكات يسلمها الصندوق إلى المتضررين.
وقد بلغ عدد المعاملات التي وصلت إلى الصندوق من وزارة المهجرين 36 ألف و333 معاملة، وسلم الصندوق شيكات خاصة بإحدى وثلاثين ألف معاملة، بينما توجد 5283 معاملة جاهزة في وزارة المهجرين. أما عدد المعاملات المتبقية فهو غير معروف، ولا يتسلم المتضرر شيكا بكامل تعويضه، لأن تعويضات المنازل المدمرة تعطى على دفعتين.
من جهته، أفاد رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء يحيى رعد أن الرقم النهائي للأموال التي دفعتها الدول المانحة بلغ ما يقارب ملياراً ومئتي مليون دولار، فيما دفعت الحكومة مبلغا إضافيا قيمته 220 مليون دولار من الخزينة، وتحتاج الهيئة حاليا إلى مبلغ مئة مليون دولار لاستكمال دفع باقي التعويضات.
ومن المعروف أن الأموال التي دفعتها الدول المانحة لم تخصص فقط للوحدات السكنية، وإنما لكل عمليات التأهيل التي حصلت بعد الحرب، يضاف إليها مشاريع إنمائية نفذّها مجلس الإنماء والإعمار وهي غير مرتبطة بحرب تموز.
وقد شملت عمليات التأهيل البنى التحتية من مياه وكهرباء وهاتف وطرقات، وعمليات رفع الردم وتنظيف الأماكن التي تعرضت للدمار. وبلغت كلفة بناء وترميم الوحدات السكنية، حسب رعد، سبعمئة وخمسين مليون دولار، بينما بلغت كلفة تأهيل البنى التحتية ثلاثمئة مليون دولار. وحصل الجيش اللبناني على مئة مليون دولار من الهبات، فيما خصص للمدارس تسعون مليون دولار.
مشروع وعد: تسليم المباني كافة نهاية العام
في الضاحية الجنوبية ، شكل مشروع &laqascii117o;وعد" لإعادة الإعمار مادة للباحثين في علم الاجتماع والهندسة من أجل الاطلاع على تجارب إعادة البناء بعد الكوارث والحروب.
وأفاد مدير المشروع المهندس حسن الجشي أن ما يقارب مئة باحث أجنبي وعربي ولبناني زاروا حتى الآن مقر &laqascii117o;وعد"، وحصلوا على معلومات خاصة بأبحاثهم في الدراسات العليا والدكتوراه، وبينهم باحثون من الولايات المتحدة والصين واليابان وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والنروج. وكان آخرهم وفد فرنسي ضم خمسة أساتذة بدرجة بروفوسور في الهندسة وعلم الإجتماع وخمسة وستين طالباً.
وأجرى بعضهم مقارنات بين طريقتي إعادة الإعمار في وسط بيروت وفي الضاحية، حيث برزت الفوارق الجوهرية بين عملية إعادة إعمار راعت الحفاظ على النسيج الاجتماعي في الضاحية، بينما تغير ذلك النسيج بشكل جذري في وسط بيروت التي أصبحت خاصة بالميسورين وبأصحاب الثروات.
وقد وجهت انتقادات سياسية وهندسية عدة لتولي &laqascii117o;وعد"، وهي مؤسسة تابعة لحزب الله، لعملية الإعمار. وبعد خمس سنوات على مرور الحرب، يطرح سؤال: لو لم تتولّ &laqascii117o;وعد" عملية البناء فهل كانت ستنجز خلال هذه الفترة؟
يقول عدد من سكان المباني إنهم طلبوا تعديلات في البناء، واعترضوا على تفاصيل كمثل البلاط والدهان والأدوات الصحية، إلا أنهم يجمعون على أنه لولا &laqascii117o;وعد"، لكانوا مازالوا يعيشون فترة انتظار. فهؤلاء خبروا طريقة دفع تعويضات الحرب الأهلية، إذ مازالت هناك مناطق في الجبل وفي الضاحية لم يستكمل دفع تعويضاتها، على الرغم من مرور عشرين سنة على انتهاء الحرب، بينما توجد مناطق مثل الشوف ووادي أبو جميل ومحيط مستشفى بيروت الحكومي دفعت لمهجريها تعويضات مضاعفة عن القيمة المقررة لهم.
ويوضح الجشي أن عملية الإعمار شارفت على نهايتها، وقد تم تسليم مئتين وأربعة وثلاثين مبنى، من أصل مئتين وتسعة وستين مبنى مدمراً أشرفت &laqascii117o;وعد" على إعادة بنائها. ومازال هناك خمسة وثلاثون مبنى في مراحل البناء النهائية، يفترض تسليمهم نهاية العام الجاري، في حال أنهى أصحاب الشقق طلبات إجراء التعديلات على شققهم، وتوفر العمال في الوقت المناسب.
وأعلن الجشي أن كلفة المشروع لم تتخطّ الميزانية التي وضعت له وهي أربعمئة مليون دولار، دفعت الحكومة منها حتى الآن مئة وعشرين مليون دولار، ويترتب عليها دفع ستين مليون دولار بعد، استناداً إلى قيمة التعويضات التي أقرتها للضاحية وهي مئة وثمانون مليون دولار. أما المبلغ الباقي، وهو مئتان وعشرون مليون دولار، فقد توزع بين مواد بناء قدمها العديد من رجال الأعمال كهبات، وجزء مالي دفعه حزب الله. وتوقع الجشي أن تستكمل الحكومة الجديدة دفع تعويضات تموز، بما في ذلك تعويضات الأضرار الاقتصادية والزراعية والبنى التحتية، موضحاً أن مصلحة كهرباء لبنان وكلاً من مصلحتي مياه بيروت وجبل لبنان ومؤسسة &laqascii117o;أوجيرو" تقوم بعمليات تمديد للمياه والكهرباء والهاتف في المناطق التي تعرضت للدمار، وقد أنجزت ما يقارب سبعين في المئة من التمديدات.
كما لزم &laqascii117o;مجلس الإنماء والإعمار" شركة &laqascii117o;معمار للمقاولات" عمليات تأهيل الأرصفة والإنارة وتعبيد الطرقات بقيمة مليون دولار، على أن تنهي أعمالها خلال ثمانية أشهر. بعد ذلك، سوف يتم تشجير الشوارع والفسحات الدائرية بالتعاون بين &laqascii117o;وعد" وبين بلدية حارة حريك.
وبالنسبة لمواقف السيارات، أمّنت المؤسسة في المنطقة التي بنتها مواقف لألف سيارة، واشترت لتلك الغاية قطعة أرض مساحتها سبعمئة متر مربع بالقرب من مجلس الشورى في حارة حريك، وبنت تحتها ثلاثة طوابق مخصصة للسيارات، على أن يتم تحويل سطحها إلى حديقة، وهي تفاوض حالياً لشراء قطعة أرض ثانية واستخدامها بالطريقة نفسها، كما اشترت عدداً من الطوابق السفلية التي وافق أصحابها على بيعها، وبذلك أمنت مواقف لسبعين في المئة من السيارات. ويوجد حالياً توجه لاتحاد بلديات ساحل المتن الجنوبي لبناء الحدائق ومواقف السيارات.
أما بناء الملاجئ، &laqascii117o;فهو مسألة صعبة ومرتفعة التكاليف"، بحسب الجشي، لافتاً إلى أن غالبية المباني التي تهدمت كلياً، دُمرت بفعل القنابل الفراغية، وهي قادرة على اختراق الملاجئ مهما كان عمقها.
وأعرب الجشي عن اعتقاده بأن حماية الضاحية لا تكون في بناء الملاجئ، على ضرورتها، وإنما في بناء استراتيجية تمنع الطيران الإسرائيلي من الوصول إلى أجوائها وقصفها.
ونفى بشكل قاطع ما أشيع عن استغلال &laqascii117o;وعد" لعملية إعادة الإعمار وبناء طوابق زائدة في المباني التي تهدمت وبيعها، وقال إن ما حصل هو العكس &laqascii117o;فقد أجرينا تراجعات لكل المباني المخالفة عن الطريق العام، وهناك مبان قلت مساحتها عما كانت عليه بسبب التراجعات".
وأورد مثالاً على ذلك، مبنى ألغي من مساحة كل شقة فيه ما بين عشرين وثلاثين متراً، واضطرت المؤسسة لدفع تعويضات مغرية لسكانه من أجل القبول بإلغاء الأمتار لأن قرار الحكومة قضى بإعادة إعمار جميع المنازل كما كان عليه الحال قبل الحرب.
وعلّق على الشائعة بالقول: نحن نبني لأهلنا الذين دمرت منازلهم، فهل يعقل أن نستفيد منهم؟ كما أن سكان كل مبنى يعرفون عدد طوابق مبناهم، فلو تم بناء شقق إضافية فسوف ينتشر الكلام في الضاحية عن الاستغلال الذي نمارسه".
وبعد انتهاء المشروع تنوي مؤسسة &laqascii117o;جهاد البناء" عقد مؤتمر يتناول عملية إعادة الاعمار بعد الحرب، وطرح قانون للبناء في لبنان يأخذ في الاعتبار مستلزمات البناء المواجه للكوارث الطبيعية وغير الطبيعية.
المعامل والمصانع المتضررة:
عقبة شروط مصرف لبنان
تعتبر المؤسسات الاقتصادية التي تعرضت للدمار والأضرار في الحرب أكثر القطاعات حرماناً من التعويضات، لأن الشروط التي وضعها مصرف لبنان على أصحاب المؤسسات المتضررة من أجل الحصول على قروض جعلتهم يحجمون عن تقديم الطلبات.
وتبعاً لذلك، أعيد بناء المعامل والمؤسسات المدمرة، ضمن برنامج بناء الوحدات المدمرة، من دون إعطاء تعويضات خاصة بالتجهيزات والمعدات التي كانت موجودة فيها. وبينها مثلاً معمل &laqascii117o;ليبان ليه" في البقاع، ومعمل &laqascii117o;إلكترا" للتجهيزات الكهربائية في الضاحية اللذين دمرا كليا، وتم التعويض عن قيمة البناء فيهما فقط.
واستناداً إلى إحصاء أجرته جمعية الصناعيين، وكلفت لجنة من الخبراء اللبنانيين المعترف بهم دوليا بتنفيذه، بالتعاون مع شركات التأمين، بلغ عدد المعامل والمصانع التي دمرت أو تضررت بفعل الحرب 192 معملا ومصنعا، من دون إحصاء المؤسسات الصغيرة. وقدرت الأضرار التي لحقت بها بما يقارب مئة وثمانين مليوناً وخمسمئة ألف دولار.
وقد توزعت المعامل والمصانع كما يلي: في البقاع، 14 عشر معملاً ومصنعاً، بينها ثمانية معامل دمرت بشكل كلي وستة بشكل جزئي، وبلغت قيمة الأضرار التي لحقت بها ما يقارب 89 مليون دولار.
في الجنوب، 86 معملا ومصنعا، بينها 55 معملا دمرت بشكل كلي، و31 بشكل جزئي، وبلغت قيمة الأضرار التي لحقت بها ما يقارب 39 مليون وخمسمئة ألف دولار.
في الضاحية الجنوبية، 77 معملا ومصنعا، بينها 45 دمرت بشكل كلي، و32 بشكل جزئي.
في الشويفات، أربعة معامل دمرت بشكل كلي وتسعة بشكل جزئي، وفي الشوف، لحق الدمار بمعملين.
وبعد الحرب، أصدرت حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف قرارين لإعطاء القروض الميسرة مع لائحة الشروط المطلوبة.
ويوضح رئيس تجمع صناعيي الضاحية أسامة حلباوي أن الصناعيين المتضررين قدّموا دراسة إلى وزارة الصناعة أوضحوا من خلالها أن عشرة في المئة من المصانع فقط تستطيع الإستفادة من القرارين، أما باقي المصانع فلا تستطيع إنجاز ملفاتها نظراً للشروط المفروضة فيهما.
أضاف إن القرض سوف يعطى فقط على قيمة الأبنية المدمرة والتجهيزات العائدة لها من كهرباء ومياه وأثاث، من دون أن يشمل المعدات التي تستخدم في الصناعة وهي الأهم. ولن يمنح القرض إلا بعد إجراء دراسة جدوى اقتصادية، تتضمن إمكانية متابعة العمل، ومصادر تسديد الأموال، وبيانات مالية عن السنوات الثلاث التي سبقت الحرب، يضاف إلى ذلك وضع مبلغ مالي يوازي جزءاً من القرض كرهن في مصرف لبنان، وبرمجة القرض على فترة سبع سنوات.
ويقول حلباوي إنه إذا كان على صاحب المعمل وضع رهن مالي في المصرف من أجل الحصول على القرض، فالأجدى إذا كان المال متوفراً لديه، استخدامه في تأهيل معمله، موضحاً أن القرارين أدخلوا المتضررين في متاهات الأرقام.
وقد قام أصحاب المعامل المتضررة بجولات على رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة السابق فؤاد السنيورة ووزير الصناعة السابق، ولكن لم يتم التوصل إلى أي تعديلات على الشروط. وبعد تشكيل الحكومة الحالية، ينوون استئناف تحركهم مع رئيس الحكومة ووزير الصناعة.
ويقول حلباوي إن جغرافية الضاحية الصناعية تغيّرت بعد حرب تموز &laqascii117o;فهناك معامل أقفلت نهائيا ومعامل انتقلت إلى أماكن أخرى".
ويسأل حلباوي، وبما إنه لا توجد لدى الحكومة حتى اليوم أي حوافز لتشجيع الصناعة، &laqascii117o;فكيف يمكن أن يرد في البيان الوزاري قرار بتشجيع الصناعة، ولم تعط تعويضات للمتضررين قسراً حتى اليوم؟".