ـ 'السفير'
نصيحة إلى الإسلاميين الذين يتظاهرون ضد سوريا
الشيخ ماهر حمود:
إنه لمن المؤلم أن تكون الأمور مختلطة عند كثير من الإسلاميين، فلا تكون الأمور واضحة في أذهانهم ويحتاجون إلى تصحيح الرؤية السياسية، ويحتاجون إلى النصيحة والتصويب، بدلا أن يكونوا هم الذين ينصحون ويصححون للناس أخطاءهم ومواقفهم. وهنا يصح قول الشاعر مع تصرف:
يا علماء الدين يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد
ولعل السبب في هذا الموضوع هو عدم ارتباط الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية التي يحملون بالمواقف السياسية التي يتخذونها، وذلك أن الانتماء إلى الإسلام يفترض أن يغير الإنسان تغييرا جذريا من باطنه إلى ظاهره، عندما يحصل ذلك يقال فلان حسن إسلامه، وان كان الإسلام ظل يحكم جزءا من شخصية، فيما لا يزال جزء آخر خاضعا لأفكار وانتماءات اصطحبها معه قبل دخوله للإسلام، نقول عند ذلك انه لم يحسن إسلامه.
إن المواقف السياسية التي يتخذها &laqascii117o;الإسلاميون" مع بعض التحفظ على هذا الوصف ليست نابعة من إسلاميتهم، بل انتمائهم &laqascii117o;القبلي" الطائفي أو المذهبي أو الإقليمي أو الحزبي وما إلى ذلك، ولنا على ذلك ادلة:
1- لو كان الموقف الحالي من الأحداث في سوريا نابعا من الانتماء الإسلامي الحقيقي، لكان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الموقف السوري المميز من المقاومة في لبنان وفي فلسطين، حيث كانت سوريا مميزة عن الجميع ودفعت ثمنا باهظا لموقفها، ولولا ذلك الدعم المميز لما كان انتصار غزة ولما كانت حركة &laqascii117o;حماس" التي تتخذ من دمشق مركزا ومقرا، لما كانت تستطيع أن تؤدي ما تؤديه من مواقف وانجازات.
2- طبعا.. إن إعجابنا بالموقف السوري الممانع والمقاوم لا يجعلنا ننسى أخطاء وانحرافات وقع بها، ويقع كثيرون من المسؤولين في سوريا، وخاصة الجهات الأمنية وما إلى ذلك، ولكن أيضا ينسى هؤلاء قاعدة إسلامية مشهورة ملخصة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين) الحجرات6، إنهم يصدقون وسائل الإعلام الغربية والفضائيات التي أعلنت بكل وضوح موقفا معارضا بل محاربا لسوريا... كيف يصدقون هذا الإعلام المغرض، ويحرضون الناس من خلال ما يسمعون مباشرة دون التحقق والتدقيق ؟.. روى لنا شهود عيان حقيقيون أن الواقع هو غير ما تسمعون في الإذاعات والفضائيات تماما، بل هنالك قلب للحقائق بشكل كامل في بعض المناطق المهمة.
3- طبعا.. نحن ندين أيضا البطء باتخاذ الخطوات الإصلاحية الموعودة، ونطالب بفتح الحياة السياسية على مصراعيها، وإلغاء فكرة حكم الحزب الواحد وإتمام قانون العفو ليشمل الجميع، وإطلاق المعتقلين السياسيين ومحاسبة المعتدين على المتظاهرين ومحاسبة المقصرين في هذا المجال..
4- ولكن الفارق كبير بين أن نطالب بإصلاح مرتكز على أسس ومبادئ سليمة وبين أن نفتح الباب على احتمالات الفتنة بكل أبعادها، حيث نسمع من بعض الذين يدعون أنهم ثوار ضد النظام في سوريا كلاما تحريضيا جاهليا يستند إلى النعرات المذهبية، ولا يجد أي مانع من إطلاق الأكاذيب والإشاعات، بل يشير ذلك الشيخ المزعوم (عدنان العرعور) من على الفضائيات التي أصبحت مشهورة بسببه، يشير بيديه أن &laqascii117o;اذبحوا.. اذبحوا.. اذبحوا".. ورأينا نتيجة ذلك في الفتن المتلاحقة وتشويه الجثث وإلقائها في الأنهار وعلى مفارق الطرق، وقطع الأوصال وما إلى ذلك.
5- هل هذا هو البديل؟... سيكون الوضع في العراق نموذجا راقيا عما سنراه في سوريا، لو قدر لهؤلاء، لا سمح الله، أن يمسكوا بزمام الأمور، مزودين باحقاد دفينة وجهل مركب وافق ضيق.
6- السؤال الموجه إلى الإسلاميين (وهم إسلاميون من دون شك في عبادتهم وسلوكهم الشخصي، ولكنهم ليسوا إسلاميين في موقفهم السياسي بالتأكيد)، هل الذي يحصل هو فتنة أم ثورة؟ إذا كان ثورة فمعنى ذلك أن الحق واضح جدا في جهة والباطل واضح في جهة أخرى، وبالتأكيد الأمر ليس كذلك في سوريا. ففي كلا الفريقين يختلط الحق والباطل، ونحن نرى أن الحق أكثر في جهة النظام يخالطه باطل، مثل تفريق المتظاهرين بالرصاص، رغم تأكيدنا أن هنالك مبالغة بالأرقام دون شك من جهة، ومن جهة أخرى لا يعترف الإعلام المضاد بعدد كبير من القتلى يقع نتيجة أعمال الفوضى والنهب التي يقوم بها شبيحة &laqascii117o;الثورة"... والحق موجود مع المتظاهرين لجهة المطالب المحقة، والباطل موجود بشكل واضح لجهة الجهات الأجنبية التي تحرك وتستغل وتستفيد من التحركات الشعبية وتغذيها وتوجهها وفق مصالحها. عندما يختلط الحق بالباطل يصبح الأمر فتنة وليس ثورة، والمسلم في الفتنة مهمته ألا يسعّرها ويزيدها.. (كن في الفتنة كابن اللبون لا ضرعا يحلب ولا ظهرا يركب)، كما في الحديث الشريف،
7- هذا مختصر الموقف الشرعي، وليس التحريض على القتل والدعوة إلى الفتنة العارمة والى تبديل الواقع الموجود بالفتنة المفتوحة على كل الاحتمالات.
فهل من مجيب؟ ندعوكم قبل خراب البصرة إلى مراجعة الحسابات والنظر إلى الموضوع بعيدا عن التشنج والعصبيات، عسى أن نخرج من هذه الفتنة بأقل الخسائر.
ـ مجلة 'الأمان'
هل تندلع 'الحرب الشاملة' في شهر أيلول المقبل؟
قاسم قصير:
نشرت في الأيام القليلة الماضية العديد من التقارير الدبلوماسية والسياسية والإعلامية والأمنية التي تتحدث عن احتمال اندلاع &laqascii117o;حرب اقليمية شاملة" في شهر أيلول المقبل بين الكيان الصهيوني من جهة وحزب الله أو ايران أو سوريا أو الفلسطينيين من جهة أخرى، وقد اختلفت التقارير في من سيبدأ المواجهة وما هي الأسباب المباشرة أو غير المباشرة التي قد تؤدي الى اندلاعها.
ففيما اشارت بعض هذه التقارير الى ان الحرب ستبدأ من الجبهة اللبنانية من خلال قيام حزب الله بتسخين الجبهة الجنوبية رداً على التطورات الداخلية وملف المحكمة الدولية وما يجري في سوريا، تحدثت مصادر دبلوماسية واعلامية أخرى عن امكان قيام الجيش الاسرائيلي ببدء هذه الحرب رداً على المساعي الفلسطينية للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة أو لتوجيه ضربة الى ايران لتعطيل جهودها النووية ونظراً إلى التطورات الجارية في المنطقة، التي اضعفت سوريا وإيران وحزب الله.
وأشارت بعض المصادر أيضاً الى احتمال قيام سوريا بتفجير الجبهة العسكرية مع الكيان الصهيوني وذلك للفت الأنظار عن التحركات الشعبية في سوريا وللرد على الضغوط التي يتعرض لها النظام السوري من القوى العربية والاقليمية والدولية.
فما هي الأسباب والتطورات التي دفعت المراقبين والجهات المعنية إلى توقع حصول حرب في شهر أيلول المقبل؟ وما مدى واقعية هذه التوقعات ومدى استعداد الأطراف المختلفة لشنّ حرب جديدة قد تكون أشد تدميراً وقسوة من حرب تموز 2006 وحرب غزة 2009؟
أسباب احتمال حصول الحرب
تحدثت التقارير الدبلوماسية والسياسية والأمنية عن أسباب عديدة قد تؤدي الى اندلاع &laqascii117o;حرب شاملة" في المنطقة في شهر أيلول المقبل وكانت مجلة &laqascii117o;فورين بوليسي" الأميركية قد نشرت دراسة مطوَّلة حول الحرب المقبلة تحت عنوان &laqascii117o;الحرب المقبلة: كيف سيكون شكل النزاع الجديد بين حزب الله واسرائيل؟ وكيف يستعد لها الطرفان" وتضمنت الدراسة معلومات مفصلة عن الاستعدادات الأمنية والعسكرية لدى الطرفين والأسباب التي قد تؤدي الى اندلاع الحرب.
كما نشرت في بيروت عدة تقارير دبلوماسية واعلامية ومن مصادر غربية عن احتمال شنّ الجيش الاسرائيلي حرباً على لبنان أو ايران لأسباب مختلفة، فيما اشارت مصادر أخرى الى احتمال قيام حزب الله بشن هجوم كبير على الكيان الصهيوني هرباً من التحديات المختلفة، وتحدث بعض المحللين عن احتمال قيام سوريا بشن الحرب الجديدة للهرب من المشاكل التي يواجهها النظام داخلياً.
وكانت تقارير اسرائيلية قد توقعت حصول تطورات عسكرية على الجبهة الفلسطينية بسبب طلب السلطة الفلسطينية من الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين واحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة ونشرت مجلة &laqascii117o;بمحانية" العسكرية الاسرائيلية تقريراً عن الاستعدادات الاسرائيلية لهذه الحرب.
كما نشر موقع &laqascii117o;معهد أبحاث الأمن القومي" الاسرائيلي دراسة موسعة عن شكل المواجهة الجديدة بين الكيان الصهيوني وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
إذاً، التقارير متنوعة حول احتمال حصول الحرب والأسباب التي قد تؤدي إلى هذه الحرب هي الآتية:
1- الصراع على تنقيب النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية والفلسطينية والخلاف بين لبنان والكيان الصهيوني حول ذلك.
2- استمرار الانتهاكات الاسرائيلية للأراضي اللبنانية وحصول مواجهات على طول الحدود.
3- التطورات الحاصلة في سوريا واحتمال قيام سوريا أو حزب الله بإشعال الجبهة لمنع تدهور الأوضاع.
4- الملف النووي الايراني والمساعي الأميركية - الاسرائيلية لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني.
5- الملف الفلسطيني والمطالبة باعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين أو اندلاع انتفاضة جديدة في الأراضي المحتلة.
واقعية حصول الحرب
المسؤولون في حزب الله يؤكدون الاستمرار في الاستعداد لمواجهة أية حرب جديدة، وقد اطلق الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله تهديدات متواصلة للكيان الصهيوني إن اعتدى على المنشآت اللبنانية النفطية التي ستُقام لاستخراج النفط والغاز.
لكن رغم أجواء التوتر فإن المسؤولين في الحزب يعتبرون &laqascii117o;ان امكانية حصول حرب واسعة وشاملة في هذه المرحلة ليس محسوماً، لأن المسؤولين الصهاينة يدركون ان أي حرب سيشنونها، سواء على لبنان أو ايران أو حتى قطاع غزة لن تحقق اهدافها في القضاء على المقاومة أو على البرنامج النووي الايراني، وستؤدي هذه الحرب الى نتائج كارثية ستطال جميع كيانات المنطقة".
وأما عن إمكانية فتح جبهة الجنوب أو جبهة الجولان رداً على التطورات الحاصلة في سوريا وإمكانية تعرض النظام السوري لمخاطر كبرى، فتستبعد مصادر إسلامية لبنانية مثل هذا الاحتمال لأن شن حرب جديدة لن يوقف المخاطر التي يواجهها النظام في سوريا بل قد يزيد من حجمها في ظل انشغال الجيش السوري بمواجهة التحركات الشعبية الداخلية وعدم قدرته على فتح جبهتين داخلية وخارجية في الوقت نفسه.
لكن استبعاد المسؤولين في حزب الله لاحتمال حصول حرب جديدة في الأفق المنظور لا يلغي استمرار الاستعداد لمثل هذه الحرب من قبل كل الأفرقاء المعنيين، ولا يلغي كذلك احتمال حصول تطورات عسكرية أو ميدانية على احدى جبهات الصراع مع الكيان الصهيوني، وخصوصاً اذا حصلت تطورات سياسية أو أمنية غير تقليدية، فالأوضاع في المنطقة تشهد توترات كبرى وكل ذلك يهيئ الأرضية لحصول مثل هذه الحرب. لكن جميع الأطراف يؤكدون ان اندلاع أي حرب جديدة لن يكون حدثاً محدوداً وتقليدياً، بل إن أية مواجهة ستتحول الى حرب مدمّرة وشاملة، فالاسرائيليون يؤكدون &laqascii117o;ان عقيدتهم القتالية الجديدة تقضي بتدمير كل لبنان، لا مواجهة مقاتلي حزب الله فقط، وانهم يستعدون لتوجيه ضربات قاسية تطال كل المؤسسات والبنى التحتية اللبنانية"، وبالمقابل فإن قادة حزب الله يؤكدون &laqascii117o;ان قيام الجيش الاسرائيلي بأي هجوم يستهدف لبنان سيدفعهم للرد بقوة واستهداف كل الكيان الصهيوني وصولاً لاحتلال الجليل الأعلى، اما اذا دخلت سوريا وايران على خط المواجهة فإن ذلك يعني ان الحرب ستكون شاملة ومدمرة وستأخذ ابعاداً خطيرة".
اذاً لبنان والمنطقة يمران حالياً بأجواء ساخنة وكل الاحتمالات واردة والاستعدادات قد اكتملت لكن من يملك القدرة والجرأة على إطلاق الطلقة الأولى في حرب ستكون مدمرة وشاملة؟
ـ 'السفير'
يحدث في سوريا وحولها
سامي كليب:
أنهت القوات السورية في مخيم الرمل الفلسطيني آخر معاركها الأمنية الكبيرة. اكتملت استراتيجية الطوق الأمني عند الحدود. صارت المناطق الحدودية العراقية والتركية والاردنية واللبنانية أكثر وضوحا وربما اقل خطرا بالنسبة للقيادة السورية، فماذا عن وضوح الرؤية السياسية؟ وما الذي جرى في الاشهر الماضية على المستوى الأمني؟
عاشت سوريا في الشهر الاول لاندلاع المواجهات خضة أمنية حقيقية. سرت شكوك كثيرة. حصلت بلبلة في كيفية تفادي الأسوأ. لم تكن القيادة الأمنية معتادة على هذا النوع من الحراك في الشوارع الآمنة والساكنة منذ أكثر من 40 عاما. ليس لديها قوات مكافحة شغب، ولم تفكر يوما بأن ثمة من قد يتحرك بهذه السرعة والانتشار ضد الدولة .
امتصت القيادة الأمنية الصدمة. ترسَّخ يقين بأن أي تساهل في الموضوع الأمني او مع المتظاهرين قد يهدد النظام والبلد برمته. اجتمعت الآراء على ضرورة وضع استراتيجية سريعة تنطلق من فكرة أنه لا بد من ضبط الحدود مهما كلف الأمر. قرر الرئيس بشار الأسد ان يغلق سوريا على داخلها. صمَّ اذنيه عن كل ما يقال في الخارج، وحين اشتدت الوطأة الخارجية، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم جملته الشهيرة بانه سيمحو اوروبا عن خريطة الاهتمام السوري وان الكلاب تنبح والقافلة تسير. كان الهدف الأول ضبط الأمن، وذلك من منطلق ان سوريا لن تفاوض أحدا من موقع الضعف.
نجح الرهان الأمني بمعناه الأمني الى حد بعيد. ضُبطت الحدود حتى في المناطق الخطيرة بما فيها المناطق ذات الثقل العشائري كدير الزور. حققت الاستراتيجية الامنية هدفين كبيرين بالنسبة للقيادة السورية: منعت حدوث انهيارات امنية، وحالت دون ارتفاع عدد التظاهرات بسبب خوف المتظاهرين من جهة، وظهور شبكات مسلحة اساءت للتظاهرات. كشف مركز دراسات أمني اوروبي انه في جمعة 25 آذار الماضي كان عدد المتظاهرين حوالى 22 ألفا ، وبقي في جمعة 12 آب الماضي أقل من 27 ألفا، بينما نقاط التظاهر لم تحدث اختراقات كبيرة، وتبين ان الفارق لا يزال ضئيلا بين اولى التظاهرات وآخرها.
هذا كان سببا رئيسيا في بث القيادة السورية لزوارها دائما اجواء من الاطمئنان الأمني. لكن وسط هذا الاطمئنان ظهرت قضية مدينة &laqascii117o;حماه". سُلِّطت كل الانظار على المدينة ذات الثقل الدموي بين التيار المسلح في &laqascii117o;الاخوان المسلمين" ونظام الرئيس الراحل حافظ الأسد. قيل ان المجزرة التي ستُرتكب فيها كفيلة بتأجيج كل الشارع السوري وكل العمق السني في العالم العربي وتركيا لاسقاط نظام بشار الأسد. حققت تظاهرة جمعة &laqascii117o;ارحل" رقما عاليا من المتظاهرين، لكن العدد (حوالى 150 الفا) بقي أقل بكثير من ذلك الذي اعلنته بعض الفضائيات (اكثر من مليون) .
فوجئ الجميع بان الأسد قرر عدم الدخول الى حماه بمعركة. كل الاعلاميين الذين زاروا المدينة بعد خروج الجيش منها أكدوا انها لم تشهد اطلاق قذيفة واحدة.
الدخول شبه العادي والخروج السريع للجيش من حماه، أحدث تحولا في بعض المواقف. ترافق ذلك مع توزيع القيادة السورية اشرطة مصورة لمسلحين يرمون جنودا من فوق النهر ولجثث مشوهة.
تسلح الروس بكل ذلك فجنَّبوا سوريا قرارا مفصليا في مجلس الأمن. ذهب وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو حتى دمشق في مسعى لا تزال تفاصيله غامضة حتى اليوم برغم كل الضجيج المثار بشأن احتمالات التصعيد العسكري الاطلسي التركي عند الحدود مع سوريا.
ماذا بعد ؟
العنوان البارز ورد في كلام وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون قبل يومين، قالت: إن &laqascii117o;مطالبة اميركية بتنحي الاسد لن تجلب نتيجة مرجوة" ، ولكنها أضافت انه &laqascii117o;اذا طالبت تركيا بذلك او طالب الملك السعودي الملك عبد الله فسيستمع الاسد".
تسعى واشنطن ومعها دول غربية منذ فترة لرفع الغطاء الاقليمي والعربي عن سوريا. تجاوب العرب سريعا معها. تصدَّر مجلس التعاون الخليجي الحملة في سحب عدد من السفراء. يقال الكثير عن أسباب الموقف السعودي، ولكن دمشق لم تبد حتى الآن أي رد فعل وقد لا تبديه لاحقا. ثمة من يعتقد بان طرفا ثالثا دخل على الخط لاعادة ترطيب الاجواء بين الرياض والقيادة السورية، هذا صعب الآن، ولكنه لن يكون صعبا اذا ما هدأ الامن وتقدمت السياسة.
ثمة من يرى في تقلبات الموقف التركي مؤشرات على أن شيئا ما يطبخ خلف الكواليس، وان ايران ليست بعيدة عن ذلك. توحي الحركة التركية والتصريحات الايرانية والروسية بوجود جهود حقيقية لعدم ايصال الاوضاع الى مرحلة الخطر الكبير. قالت كلينتون على نحو واضح ان &laqascii117o;تركيا تسعى جاهدة للتأثير على النظام السوري واتخاذ خطوات ملموسة"، هذا يعني ان الخيار التركي امام هامش كبير من المناورة حيال الملف السوري سلبا او ايجابا. الاحتمالان قائمان.
تكثيف المطالب التركية لسوريا بوقف الأعمال العسكرية يعزز الحضور التركي في العمق السني من المشرق إلى المغرب، ولكنه يعزز أيضا قدرة أنقرة على القيام بدور وسطي في حال تجاوب الاسد مع آخر التمنيات (وليس التحذيرات) التي نقلها داود اوغلو إلى الأسد .
من المنطقي والحالة هذه، ان تنتقل سوريا في الأيام المقبلة إلى تقديم السياسي على الأمني. لا بد من العودة الى تعويم لغة الاصلاحات والحوار بعدما تراجعت حدة القلق السوري من تدهور امني كبير. تتوجه الاستراتيجية الامنية الحالية نحو الحفاظ على ما تحقق أمنيا وضبط الامور في الداخل حيث ان حركة الشارع قابلة لكل الاحتمالات، وثمة مدن لم تهدأ كليا وفي مقدمها حمص ستكون هدفا في عمليات ضبط الامن المقبلة.
لكن الامن وحده لم يعد كافيا. القيادة السورية بحاجة الى العودة الى لغة السياسة والاصلاحات واقناع العالم بان استراتيجيتها الامنية ليست هدفا بحد ذاته. القلق ليس أمنيا، وانما اقتصادي بامتياز. رفع الغطاء العربي عن سوريا يسهل خنقها اقتصاديا، لا بد اذا من تسريع الخطوات السياسية والتقليل من الضجيج الامني.
تحاول ايران الدخول بقوة على الخط السوري. كررت التحذيرات لواشنطن بضرورة عدم التدخل. بدا الموقف الايراني منطقيا بعدما ارتفعت لهجة دول الخليج. تم تعويم الملف النووي الايراني عبر البوابة الروسية والاغراءات باحتمال استئناف الحوار الدولي. هذه امور مفيدة بموازاة المحاولات الاميركية المضنية للاتفاق على مستقبل القوات الاميركية في العراق. المتحدث باسم الجيش الاميركي في العراق جيفري بوكانن كرر أمس ما تقوله القيادة الاميركية منذ فترة بان &laqascii117o;ايران تمثل اكبر تهديد لأمن العراق في الوقت الراهن".
من غير المعقول تصور الاميركي قابلا بان يترك المنطقة بعد سحب جيشه من العراق في ظل تفوق ايراني واضح، وفي ظل استعادة القيادة السورية تماسكها. فماذا سيفعل؟ لا بد من خلق بؤر كثيرة بين الخليج وايران وسوريا. وثمة من يعتقد بان الضغوط الهائلة على سوريا حاليا، وتلك التي ستأتي من قبل الاوروبيين لاحقا وعبر مجلس الامن ومنظمات حقوق الانسان، ومن خلال اثارة الجدل مجددا في قضية المحكمة المتعلقة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تدخل في سياق مستقبل الصراع او التفاهم الايراني الاميركي.
تدرك القيادة السورية ان الأشهر المقبلة مهمة جدا لتطور الملف السوري. لم تعر أي انتباه لكل ما قيل حتى الآن حول عملياتها الامنية. لكن الامن وحده قد يتحول لاحقا الى فخ حقيقي، فلا استقرار لاي امن بعد التحولات العربية الكبيرة من دون مخارج سياسية فعلية.
اذا ما عدنا الى الخطاب الاخير للرئيس بشار الاسد وكلامه عن حركة سياسية في اواخر شهر آب، يمكن ان نتوقع حركة سياسية حثيثة في الايام والاسابيع المقبلة، اكان ذلك عبر المواقف السياسية المعلنة او في سياق تنفيذ الاصلاحات او في المؤتمر المقبل لحزب البعث والذي يقول المنطق انه سيشهد تغييرات مهمة. هذا اذا بقي الشارع السوري مضبوطا .
ـ 'صدى البلد'
سلاح 'الدولة الفلسطينية' في لبنان!
علي الأمين:
يجدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كل زيارة الى بيروت، تمسكه بالشرعية اللبنانية كحام وناظم للوجود الفلسطيني في لبنان. لا بل يبدو الرئيس الفلسطيني، في نزوعه نحو التخلي عن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات الفلسطينية، فضلا عن خارجها، متقدما في هذا الموقف على قوى لبنانية لم تزل تربط بين وجود هذا السلاح وبين منع التوطين. وقد كرر أبو مازن امس، وهو يفتتح السفارة الفلسطينية في بيروت، ان 'لا حاجة فلسطينية للسلاح لأننا محميون بالحكومة والجيش اللبناني'. موقف لطالما تصدت له قوى سياسية لبنانية رأت في موضوع نزع السلاح الفلسطيني مرادفا للتوطين، وهي نفسها التي ترى في البؤس الذي يعيشه الفلسطيني في المخيمات ضمانة لعدم التوطين.
هذا من البؤس السياسي في لبنان، الذي جعل من بعض القوى اللبنانية، تلك التي استفاقت اخيرا على شعارات 'الممانعة'، تنتقل من معركة منع التدخل الفلسطيني في الشؤون السياسية اللبنانية ومنع التسلح، الى تبرير وجوده، ليس في داخل المخيمات، بل خارجها ايضا.
في المخيمات الفلسطينية ليس للسلاح من حاجة او فائدة، بعدما اجمع الفلسطينيون عموما، وقرر اللبنانيون والسوريون، خصوصا حزب الله، منع اي تنظيم فلسطيني من القيام بعمليات عسكرية ضد الدولة العبرية عبر الاراضي اللبنانية. هكذا تحول السلاح، الى حد كبير، بندقية بالأجرة، استخدمها بعض اللبنانيين في معاركهم السياسية، واستخدمها السوريون في كثير من الاحيان لتطويع القرار الفلسطيني حينا، ولتوجيه رسائل امنية وسياسية في اتجاهات مختلفة أحيانا. وهو سلاح حصد الكثير من ارواح الفلسطينين، ولم ينل منذ عقود من اي جندي اسرائيلي، ربما لاسباب لبنانية قبل ان تكون فلسطينية.
موقف القيادة الفلسطينية من السلاح في المخيمات، واستعدادها للتخلص من الخصوصية الامنية والعسكرية فيه، يواكبه مسار سياسي فلسطيني اكدت عليه السلطة الفلسطينية وحركتا 'فتح' و'حماس' وغيرها من الفصائل الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وهو نأي القوى الفلسطينية بنفسها عن الصراعات الداخلية اللبنانية. لذلك، ومع تراجع النفوذ السوري، حرصت الاطراف الفلسطينية المذكورة على ان تعزز علاقاتها السياسية مع جميع القوى في لبنان، سواء حزب الله او تيار المستقبل، الى جانب تطوير علاقاتها مع التيارات المسيحية المختلفة.
يبقى ان العنوان الاجتماعي وحال البؤس الذي يعيشه مجتمع المخيمات الفلسطينية، على مستوى الحقوق الانسانية تحديدا، مرشح إلى مزيد من التدهور في ظل التراجع المريب لخدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين 'الاونروا'. ومع غياب اي خطة عربية او دولية تشير الى دعم قضية اللاجئين بتحسين شروط الحياة في اماكن اللجوء، تحاول القيادة الفلسطينية تحقيق اختراقات على صعيد قانون عمل الفلسطينيين في لبنان، عبر اجراء تعديلات تتيح لاصحاب المهن الحرة العمل، الى جانب معالجة قضية منع تملك الفلسطينيين، من خلال مساواتهم بالرعايا العرب من حيث الحقوق والواجبات.
وسط هذه الهموم الاساسية والقضايا الملحة، لدى الفلسطينيين واللبنانيين، تبقى القضية الفلسطينية هي المحور الاساس الذي يجر وراءه كل هذه القضايا. وباعتراف لبنان بالدولة الفلسطينية، وتعزيزه التمثيل الدبلوماسي واستعداده لخوض معركة العضوية الكاملة بمجلس الامن في ايلول المقبل، تتقدم العلاقة بين الدولتين بما يعزز القدرة على مقاربة الملفات الشائكة. وكلما ردمت الهوة بين القوى الفلسطينية، أمكن بلورة نظرة مشتركة إلى دور الفلسطينيين وموقعهم في لبنان. وهو دور نجحت القيادة الفلسطينية الى حد كبير بتحييده عن الصراعات الداخلية، كما ساهم الانكفاء السوري عن لبنان باعادة ترميم العلاقة اللبنانية الفلسطينية على المستوى الرسمي والشعبي الى حد معقول.
والسؤال الذي لا يمكن القيادة الفلسطينية وحدها ان تجيب عليه هو التالي: أي دور نضالي للشعب الفلسطيني في سبيل قضيته واستعادة حقوقه؟ خصوصا حين تبدو حركات النضال الفلسطيني، وغيرها على المستوى الوطني، امام تحدي الانتقال بالقضية الفلسطينية في لبنان من حروب المخيمات وانفلاشها ومحاصرتها واستغلالها، الى حيوية قادرة على ان تساهم في تزخيم النضال الفلسطيني بأبعاده المختلفة... نضال فلسطيني تبدو تنظيمات اليوم هرمة وقاصرة عنه، خصوصا ان السلاح الفلسطيني، بعد إعلان الدولة الفلسطينية والإعتراف بها، يصير سلاح 'دولة أخرى' في الأمم المتحدة، على أراضي دولة شقيقة!
ـ 'السفير'
ذكاء اميركي مزعوم
ساطع نور الدين:
تعبير الدبلوماسية الذكية الذي استخدمته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لوصف سياسة بلادها الحالية تجاه سوريا، لا يليق بأميركا ولا يتناسب مع سمعتها وتاريخها الذي لم يعرف سوى الحروب الذكية والعقوبات الذكية والصفقات الذكية، التي لم تكن تتميز بالحد الأدنى من الذكاء.
هو مجرد تعبير مراوغ يقصد القول إن اميركا ليست معنية بشكل مباشر ببقاء أو سقوط النظام السوري. فهذا حسب كلام كلينتون شأن يقرره الأتراك والسعوديون، بعد السوريين طبعاً. ادارة الرئيس الاميركي الحالي باراك اوباما لن تتلفظ بالدعوة الى تنحّي الرئيس بشار الاسد عن السلطة، استجابة لنداءات معارضين سوريين ومناهضين عرب وأوروبيين غربيين، لكنها ستكتفي باللازمة التي باتت تتكرر في كل تصريح او بيان رسمي اميركي: الأسد فقط شرعيته وسوريا ستكون افضل حالاً من دونه.
صحيح أن موقف كلينتون يتقدم خطوة اضافية في الموقف الاميركي عندما تقول انه من الافضل ان تأتي الدعوة الى تنحي الاسد من تركيا والسعودية للمبادرة بدلاً من ان تأتي من اميركا، التي لا حول لها ولا نفوذ على الداخل السوري، الشارع او الجيش، حسبما قيل لمعظم الذين راجعوا واشنطن في هذا الشأن على مدى الاسابيع القليلة الماضية. وهو تقدير صحيح بالمقارنة مع ما لدى واشنطن من تأثير على الجيش وربما ايضاً على الشارع في تونس ومصر، ما شجع اوباما على الخروج بنفسه طالباً من الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك الرحيل. وهو ايضا تصرف واقعي لان أحداً لا يستطيع ان يضمن ألا تصبح دعوة اوباما الاسد للتنحي الى صرخة في واد سحيق، او ان تؤدي الى عكس غايتها تماماً.. فضلاً عن ان اميركا لم تعد دولة عظمى لا يشق لها غبار ولا يعصى لها أمر. وبالتالي فإنه لن يكون من المستبعَد أن تثير كلمة رئيسها الحالي، الغارق في اسوأ ازمة اقتصادية تعرفها الولايات المتحدة في تاريخها، السخرية في دمشق، وبيروت طبعاً، وان تثير الحرج في انقرة والرياض.. وهذا هو الأهم.
في الحدود الحالية للموقف الأميركي الذي يتسم بقدر عال من الغباء، ثمة ما يربك الاتراك والسعوديين الذين لا يمكن ان يتحملوا مثل هذه المسؤولية السياسية والامنية والاخلاقية، مسؤولية الطلب من الاسد التنحي. فقد فعلت الرياض اقصى ما يمكن ان تفعله في هذه الحالة، عبر رسالة الملك عبد الله وقراره سحب السفير السعودي من دمشق.. وهي الخطوة التي ستقدم انقرة على اتخاذها خلال ايام، او ربما ساعات، والتي لا يمكن ان يتبعها الكثير من الخيارات العسكرية او السياسية او الاقتصادية الجذابة. الأرجح انه لم يكن لكلام كلينتون وقع حسن على الاتراك والسعوديين، الذين باتوا يتحمّلون عبء التغيير في سوريا، مع أنهم حتى الآن على الأقل لا يميلون لمثل هذا الخيار ولا يحبون هذه الكلمة.. ولا يريدون ان تزعم اميركا انها اختارتهم لكي تمارس دبلوماسية ذكية غير مألوفة من قبل الاميركيين
ـ 'النهار'
بعض الملاحظات حول المحكمة الخاصة بلبنان
بقلم اميل عون: (محامٍ جنائي دولي وأستاذ جامعي)
ماذا بالنسبة الى مدة اتفاق الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية بشأن انشاء المحكمة الخاصة بلبنان؟ وماذا بالنسبة الى دور قاضي الاجراءات التمهيدية؟ والى تطبيق مبدأ تكافؤ السلاح بين المدعي العام والدفاع؟ والى الموضوع الأكثر سخونة وهو مسألة الحصانة؟.. يهمني وباختصار شديد ان اوضح بعض النقاط المثارة بشأن المحكمة الخاصة بلبنان، خاصة على مستوى المسارين القانوني والاجرائي ونظراً الى الاستحقاقات العديدة التي ترافق المرحلة الحالية، بعد السلسلة الاخيرة من الاجراءات المعتمدة تمهيداً لبدء المحاكمات في لاهاي، وهي التالية:
-1 بداية، أشير الى مسألة مدة اتفاق الامم المتحدة والحكومة اللبنانية بشأن انشاء المحكمة الخاصة بلبنان(تاريخ 10حزيران 2007)، وبالتالي يتبين ان صياغة المادة 21 منه وتحديداً الفقرتين 1و2 منها في اللغات الاصلية الثلاث اي العربية والفرنسية والانكليزية (المتساوية في الحجية)، بالرغم من غرابتها، تحسم موعد بدء سريان مدة السنوات الثلاث المذكورة اعتباراً من تاريخ مباشرة المحكمة الخاصة عملها، اي تحديداً تاريخ الاول من آذار 2009 وهذا ما اكده رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي انطونيو كاسيزي في تقريره السنوي الاول المنشور.
من هنا، لا يجوز تقديم اي تفسير مغاير لهذا التوجه. اما بالنسبة لمضمون الفقرة 2 المذكورة، وبعد مضي مدة 3 سنوات، فانه يتبين من الصياغة في اللغات الثلاث المعتمدة، ان التمديد هو تلقائي ولا يخضع لتوافق جديد لارادتي الامم المتحدة والحكومة اللبنانية التي ينحصر دورها تحديداً في الاطار الاستشاري غير الملزم. لذلك، يكون اي تفسير آخر يخالف مفهوم العبارات المستعملة في النص المشار اليه وخصوصاً في النسخة الاصلية الانكليزية التي تستعمل تحديداً عبارة the agreement shall be extended ويدل استعمال عبارة shall في الانكليزية على فعل وجوب وليس فعل تمنٍ او ما شابه ذلك.
وبالتالي، لا يمكن لبنان مثلاً واستناداً الى مضمون نص المادة 21 المذكورة ان يرفض تمديد مدة عمل المحكمة الخاصة بلبنان بحجة ان مهلة 3 سنوات قد انتهت وانه يمتنع عن التمديد لها لمدة مماثلة او لأية مدة اخرى. وتؤكد الجملة الاخيرة في الفقرة 2 المذكورة على ان الدور الاساسي والكلمة الفصل يعودان للامين العام للامم المتحدة الذي يتشاور (بمعنى اخذ الرأي وتشاور شكلي غير ملزم من حيث المضمون) مع الحكومة اللبنانية ومجلس الامن ويتصرف في النهاية بما يراه مناسباً لتحديد المدة (او المدد) الاضافية لانجاز المحكمة المذكورة عملها.
-2 بالنسبة الى دور قاضي الاجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان، فانني شخصياً، لم أكن منذ الاساس، موافقاً على دوره من زاوية مراقبته لاعمال المدعي العام لناحية ممارسة سلطاته الممنوحة في قواعد الاجراءات والتنفيذ، والتي تجيز له رد بعض التهم او حتى قرار الاتهام برمته المحال اليه من المدعي العام، بغية تعديله وتنحيقه وتقديم قرار اتهام جديد او معدل اكثر توازناً وتناسقاً. لأن من شأن ذلك، القاء الضوء على مكامن الضعف والخلل في قرار الاتهام واعطاء المدعي العام الفرصة لتحصين قراره الاتهامي وتحسينه وتعديله مراراً وتكراراً، كما جرى قبل تصديق فرانسين على قرار بلمار. وذلك دون ان يترك للدفاع حق الاستفاضة في الطعن في قرار الاتهام على علاته ونقاط ضعفه دون ان يخضع لأي مراقبة قضائية قبل التصديق عليه.
ففي كل الاحوال، ان المزج بين النظام القانوني الرومانو - جرماني والنظام القانوني الانكلو - أميركي لم يكن موفقاً في بعض من الاجراءات على مستوى المحكمة الخاصة بلبنان، وكأن واضعي قواعد الاجراءات والتنفيذ أرادوا ارضاء مسار القانون اللبناني بشكل عام من جهة ومسار غالبية المحاكم الدولية السابقة من جهة اخرى. فكان من الافضل عدم اجراء اي رقابة قضائية على قرار المدعي العام، وترك الدفاع يطبق بحرية كبيرة مبدأ تكافؤ السلاح المفترض بينه وبين المدعي العام امام الدائرة الابتدائية ومن ثم امام دائرة الاستئناف. فان محاولة نقل وتشبيه دور قاضي الاجراءات التمهيدية لهذه الناحية بدور الهيئة الاتهامية في نظام القانون الجزائي اللبناني هي برأينا غير موفقة على المستوى العملي.
-3 اما في ما يختص بمسألة تطبيق مبدأ تكافؤ السلاح بين المدعي العام والدفاع، فان تأليف مكتب الدفاع في المحكمة الخاصة بلبنان كهيئة مستقلة هو امر ايجابي ومتقدم، على انه يهمني ان اطرح تحديات عملية تواجه هذا الواقع القانوني المستجد، اذ يفترض بالدفاع ان يواجه قرار الاتهام بكل تفاصيله، هذا القرار الذي قدمه المدعي العام ودقق فيه وصادق عليه قاضي آخر هو قاضي الاجراءات التمهيدية. فالدفاع يواجه عملياً قرار المدعي العام الذي حقق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري لأكثر من 6 سنوات وبتكلفة توازي ملايين الدولارات. فهل ستؤمن فعلياً جميع الصكوك القانونية للمحكمة الخاصة بلبنان حسن تطبيق مبدأ تكافؤ السلاح المذكور، وتمنح بالتالي للدفاع وبطريقة متساوية الوسائل المادية والوقت وغيرها من الادوات المطلوبة واللازمة التي استخدمها المدعي العام في تحقيقاته وصولاً الى قرار الاتهام؟
-4 أخيراً، أصل الى الاكثر سخونة في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان، وهو مسألة الحصانة. فاذا ما تبين ان قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري متصلة برؤساء(دول) ومسؤولين(حكوميين) لبنانيين او غير لبنانيين، فهل تشكل الحصانات عائقاً امام اختصاص المحكمة الخاصة بلبنان؟ من الواضح ان أنظمة المحكمة الخاصة بلبنان لا تذكر موضوع الحصانة، بمعنى انه في غياب النص الصريح تبقى الحصانة سارية على خلاف المحاكم الدولية الاخرى كالمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الخاصة بسيراليون، التي تضمنت أنظمتها أحكاماً تجعل حصانات الرؤساء والمسؤولين فيها غير قائمة ويجوز بالتالي محاكمة الرؤساء والمسؤولين فيها مهما علا شأنهم.
لا شك في انه حالياً، بدأ يتبلور في القانون الدولي العرفي مبدأ يجيز رفع الحصانة في الجرائم الدولية الاساسية كجريمة الابادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، ولكن لا يمكن ان نتغاضى في موضوع المحكمة الخاصة بلبنان عن واقع اختصاصها الضيق والمتعلق بالارهاب وليس بالجرائم الدولية المذكورة اعلاه. من هنا، يبقى لقضاة المحكمة الخاصة بلبنان مسألة البت في موضوع الحصانة، اما لناحية توسيع نطاق تطبيق القانون الدولي العرفي ليشمل جريمة الارهاب الى جانب الجرائم الدولية الاساسية المشار اليها آنفاً، واما لناحية التأكيد على عدم القدرة على رفع الحصانة في غياب نص صريح وواضح يحدد ذلك.
ـ 'السفير'
&laqascii117o;الفطنة" الإيرانية المرعبة
راي تاكي، كاتب في مجلس العلاقات الخارجية: (ترجمة: دنيز يمين)
افترضنا لسنوات عدة أن العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية قد تنتج شريكاً إيرانيا طيّعاً على حلبة المفاوضات. لكن الأداء الإيراني قوّض هذه الفكرة الشعبية، في حين سادت حالة من الارتباك والذعر في أوساط المجتمع الدولي... كان التعويل في كثير من الأحيان على ان محاربة &laqascii117o;التكنولوجيا الإيرانية التخريبية" يمكن أن تبطئ برنامج الجمهورية الإسلامية النووي حتى ظهور استراتيجية بديلة، أو اتفاق جديد. ولكن، خلافا لافتراضات من هذا القبيل، نمت البنية التحتية العلمية في إيران وقدرتها الكبيرة على التطور في العقدين الماضيين.
إيران استثناء في تاريخ الانتشار النووي: كل قوة عالمية متوسطة لم تحصل على القنبلة الذرية سوى بمساعدة كبيرة من &laqascii117o;راعٍ خارجي". اكتسبت الصين من الاتحاد السوفياتي ليس فقط المشورة الفنية، بل أيضا كيفية بناء مفاعل نووي متكامل، فضلا عن تصاميم أسلحة وامدادات من الصواريخ الباليستية. الصين بدورها قدمت لباكستان ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإعداد قنبلتين، وساعدتها على بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم ومفاعلات البلوتونيوم وتصميم خاص بالقنبلة. حصلت اسرائيل من فرنسا على مفاعل نووي، ومصنع لمعالجة البلوتونيوم تحت الارض وتصاميم أسلحة. الهند، التي صرحت طويلا بأن برنامجها النووي انجاز قام به سكانها الاصليون، اتضح أنها حصلت على مفاعل نووي من كندا، و 20 طنا من الماء الثقيل من الولايات المتحدة. اما جنوب افريقيا، المعزولة والمنبوذة آنذاك والأقرب في ذلك الحين إلى المأزق الإيراني الحالي، فاضطرت الى الاعتماد بدرجة كبيرة على الموارد الداخلية لبناء القنبلة، ولكنها حصلت من إسرائيل على &laqascii117o;التريتيوم" الضروري لتفجير الأسلحة النووية الحرارية.
بالرغم من انها تلقت المساعدة الروسية لإكمال مفاعل الماء الخفيف وأجهزة الطرد المركزي البدائية من &laqascii117o;شبكة أ.ك. خان"، لم تتمتع طهران بـ&laqascii117o;رعاية خارجية"، في وقت لم تواجه أي دولة أخرى مثل هذه المحاولات المنهجية للضغط على برنامجها النووي. تمكنت إيران من عبور أشواط تقنية والمحافظة على شبكة تخصيب متنامية، وهي على وشك كشف النقاب عن جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي.. كلها مؤشرات تدل على الفطنة العلمية.
ما الذي جعل هذا ممكنا؟ كانت فترة الثمانينيات عقدا كارثياً على العلوم في ايران ابان الانقضاض الثوري على الجامعات والحرب مع العراق لفترات طويلة حرم خلالها القطاع التعليمي من الأموال والدعم الرسمي. لكن الأمر ما لبث ان تغير في التسعينات، على الرغم من العقوبات والرقابة على الصادرات التي فرضت على ايران بعد الثورة الاسلامية العام 1979، اذ سعت النخبة السياسية - محافظين واصلاحيين - لإحياء البحث العلمي. تم إنشاء منظمات جديدة مثل &laqascii117o;معهد زنجان" للدراسات المتقدمة في العلوم الأساسية، ومعهد الفيزياء النظرية والرياضيات، كما تم إحياء المؤسسات القديمة مثل جامعة &laqascii117o;شريف" للتكنولوجيا. اما منظمة الطاقة الذرية، التي كان يحميها هاشمي رفسنجاني حتى في أيام الاضطراب الثوري، فتمتعت بفريق إداري مهم ومخصصات كبيرة من الدولة، كما وجد الإيرانيون على اختلافهم أرضية مشتركة في التزامهم بالتنمية العلمية. كانت النتائج مثيرة للإعجاب: عدد الأوراق العلمية التي ينتجها العلماء الإيرانيون في المجلات المعترف بها دوليا زاد بشكل كبير، في حين أصبح للعديد من الجامعات الإيرانية موارد بشرية كافية لتقديم برامج الدكتوراه الخاصة بها!
... فضلت إيران ان تكون &laqascii117o;الراعي" وبرز علماؤها بصورة القوميين العازمين على تجاوز السياسات العنيدة وتوفير القدر الاكبر من اكتشافات التكنولوجيا لبلدهم... ولدّت حالة نبذ إيران روح العمل الجماعي داخل مجتمعها العلمي، فبعدما شعر الباحثون بالاستياء من العزلة التي فرضها عليهم زملاؤهم الدوليون، وانزعاجهم من استبعادهم في الجهود التعاونية مع المراكز الغربية فضلا عن غضبهم ازاء القتل الذي يستهدفهم الواحد تلو الاخر، ها هم اليوم يضعون، حكاما وعلماء، ميثاقا وطنيا رسميا لتوفير الموارد وتقديم الخبرات.
... في السنوات القليلة المقبلة، ستكون ايران في موقع آخر. ثيوقراطية و&laqascii117o;عدوانية" مسلحة وقنبلة نووية: لن يكون باستطاعة المنطقة المضطربة ولا السياسة الحزبية في واشنطن تحمل ذلك...