فكرة &laqascii117o;العناصر غير المنضبطة" لم تقبل... ولن تقبل بعد الآن / حزب الله يخوض رهانا شيعيا بالتزامن مع رهانه على السلاح / &laqascii117o;DATA - المعلومات" حدد مجموعة داخلية وخارجية ساهمت في الاغتيالات
ـ 'الشرق'
يوسف الخازن:
لماذا اصرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على مخاطبة العقل الشيعي حيناً والعواطف الشيعية على مدار الساعة، في معرض حديثه المتكرر عن الفتنة في لبنان، من دون ان يحسب حساباً للعقل الوطني، لاسيما عندما يرى في المحكمة الدولية &laqascii117o;مؤامرة على سلاح المقاومة"، فيما يرى الدولة بأركانها ومؤسساتها &laqascii117o;برغشة مزعجة" لم يقدر الى الآن على الغائها، ربما لأن الحزب قد وصل الى قناعة أنه دولة ضمن دولة؟!
الى أي مدى يمكن لهذه النظرة ان تنطبق على واقع الأمر في لبنان، في حال أمكن للسلطة ان تستعيد حرية قرارها، طبعاً بعد إزالة المؤثرات السلبية وفي مقدمها الغطاء الذي توفره سوريا لسلاح حزب الله (...) خصوصاً ان الرئيس بشار الاسد منشغل في هذه الأيام بما يطيل في عمر نظامه، بعد التطورات الأخيرة في سوريا (...) وبعد الكلام الحاسم الذي صدر عن أميركا وأوروبا ومعظم الدول الشقيقة والصديقة، مع علم الاسد وأركانه الحزبيين والعسكريين ان النظام في سوريا في حال نزاع أخير، أي أنه اقترب من لفظ أنفاسه؟؟
قد يبدو رهان حزب الله على متغيرات الساعات الأخيرة في سوريا محاولة يائسة للخروج من النفق الداخلي، بعدما أثبتت المحكمة الدولية ان لا مجال للتهويل والتخويف &laqascii117o;كي يدعي &laqascii117o;سماحة السيد" ان &laqascii117o;حزب الله" بريء من دم هذا الصديق" الذي اسمه رفيق الحريري وطبعاً غيره من عشرات شهداء الاغتيال السياسي وعمليات التفجير التي اجتاحت لبنان في اعقاب زلزال 14 شباط من العام 2005!
ولأن &laqascii117o;سماحة السيد" لم يعط اعتباراً لما صدر من معلومات عن المحكمة الدولية، فالمؤكد أنه لايزال يعتقد ان قرينة البراءة أقرب اليه والى الحزب من قرينة الاتهام، لاسيما بعد التأكد من حيازة المحققين الدوليين تسجيلات صوتية عن عملية اغتيال الحريري (...) مع ما سبقها وما رافقها مما أمكن وضع اليد عليه بواسطة &laqascii117o;شعبة المعلومات" ومن خلال ما بذلته الشعبة بعد رصد &laqascii117o;DATA" الاتصالات. وهذه المعلومات موثقة ومسجلة ويستحيل على أي كان تكذيبها او نفي حصولها؟!
صحيح ان حزب الله قادر حتى الآن على دفع الشكوك الكلامية ازاء ضلوع بعض عناصره في جرائم الاغتيال، طالما بقيت تلك الشكوك في دائرة الكلام الاتهامي. لكن عندما يحين أوان كشف التفاصيل لا يعود ينفع أي كلام في مجال مخاطبة العقل الشيعي والعواطف الشيعية، مهما اختلفت مجالات الحماية والاتكال على السلاح والتحديات؟!والأصح طبعاً ان أمور المحكمة سائرة باتجاه تعزيز عوامل الحماية القانونية - العدلية لكل ما من شأنه اعطاء المقاضاة الدولية الصدقية، ليس لأن المحكمة غير صادقة الى الآن، بل لأن ما سيصدر عنها لا يعود يحتمل كلاماً في العموميات من أية جهة كانت.
وترى أوساط مطلعة ومتابعة للحال التي يصر حزب الله على تقصدها في هذه المرحلة، ان ظروفه الآن يمكن ان تسمح له بالدفاع العشوائي عن نفسه وعن عناصره (...) وربما عن سلاحه، غير ان ما يمكن للمحكمة الدولية الخوض فيه عند مباشرة مهامها، سيختلف تماماً وجذرياً الى الحد الذي يكفل الغاء المؤثرات السلبية الداخلية والخارجية على القرار اللبناني (...) ومعها قرار المحكمة، وطريقة العمل بموجبه!
وتجدر الاشارة في هذا السياق الى ان السائرين في ركاب حزب الله لم يقطعوا الأمل مثل الحزب من الوصول الى طريقة ما لوقف المحكمة، ومثل التعرض لسلامة القوة الدولية في الجنوب (اليونيفيل) ومثل تخويف سفراء عرب وأجانب وسياسيين من مغبة الانسياق وراء احكام قد تصدر بحق المتهمين في جريمة اغتيال الحريري وغيره، فضلاً عن ان معلومات ديبلوماسية على جانب كبير من الأهمية تجزم بوجود شركاء سياسيين رسميين وحزبيين في عمليات تنفيذ الاغتيالات السياسية. وبعض هؤلاء ينتمون الى مواقع مسؤولة في دول شقيقة وصديقة، بحسب ما أمكن توثيقه تباعاً (...).
المهم في نظر من أخذ على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عدم تقبله فكرة &laqascii117o;العناصر غير المنضبطة"، أنها لم تعد واردة في ذهن أحد. كما ان الفكرة وإن قضت في بعض فقراتها بتبرئة شخصيات عسكرية ومخابراتية سورية، فإنها لم تعد واردة كذلك، مع ما يمكن ان يطرأ من معلومات عندما يحين أوان &laqascii117o;الحساب السوري الداخلي" بحسب اجماع المراقبين!
ويقال عن هذه النقطة بالذات أنها غير بعيدة عن اذهان المجتمع الدولي في مجال متابعة الدول الكبرى والمؤثرة مجريات الأحداث في سوريا، لاسيما عندما يقال ان الطرح المسبق لتبرئة السوريين من بعض جرائم الاغتيال في لبنان لا ينطبق على بعض حلفاء النظام السوري من اللبنانيين؟
معركة الدفاع عن الأسد
ـ 'الشرق الأوسط'
طارق الحميد:
الواضح أنه قد بدأت معركة الدفاع عن نظام بشار الأسد في المنطقة وبقيادة إيران، لكن اللافت أن طهران تستخدم كل أوراقها باستثناء حزب الله، إلى الآن. فقد شهدنا حادثة إيلات، وتحرك جبهة غزة، رغم نفي حماس تورطها في ذلك، يضاف إليها تصريحات نوري المالكي، ومقتدى الصدر، وتصعيد المعارضة الشيعية في البحرين، وهو ما قد هدد به المحسوبون على نظام الأسد بعد بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه سوريا، والجديد بالطبع محاولة إشعال سيناء، وهو أمر خطر، هذا عدا عن تصاعد العمليات الكردية تجاه تركيا، مما قد يفسر تردد أنقرة في اتخاذ موقف حازم تجاه الأسد إلى الآن.
تحرك إيران كل أوراقها للدفاع عن الأسد، إلا أن هناك هدوءا لافتا من قبل حزب الله، وهذا يعني أن إيران غير واثقة من صمود نظام الأسد، ليس لأسباب خارجية، وإنما بسبب الضغط الشعبي السوري، وبالتالي فإن طهران تفعل المستحيل اليوم لرفع الضغط عن الأسد، لكن دون خسارة إحدى أهم أدواتها في المنطقة (حزب الله)، فمجرد فتح جبهة لبنان الآن مع التهور الإسرائيلي، أو قل الحرص الإسرائيلي على ضرورة بقاء النظام الأسدي الذي يشكل أفضل خط دفاع لها بالحدود مع سوريا، فإن إيران تدرك أيضا أن إسرائيل لن تفوت الفرصة لتدمير حزب الله لو تحرك.
فإيران، وكذلك إسرائيل، تدركان أن تحرك حزب الله سيكون قاتلا، فالحزب يمر بأسوأ مراحله اليوم من ناحية الدعم الشعبي، سواء في لبنان أو المنطقة، حيث بات اللعب على المكشوف، فلم تعد القصة قصة معسكر ممانعة واعتدال، بل هي طائفية واضحة، فمن يقفون مع الأسد اليوم هم إيران والنخبة الشيعية الحاكمة، وذات النفوذ في العراق، وكذلك حزب الله، والمعارضة الشيعية البحرينية، وأما من هم في غزة، وأيا كانوا، فهم جزء من أوراق بمحور أبو عدس، وبالتالي فإن دخول حزب الله في اللعبة قد يعجل بكسره اليوم. أما فتح جبهة في مصر فهو مكسب مضاعف لإيران، حيث يضرب استقرار مصر من ناحية، كما يعد فرصة لتشكيل جبهة جديدة في أرض الكنانة من السهل أن يصبح ولاؤها لإيران بحجة محاربة إسرائيل، وبالتالي تعوض طهران خسارة سمعة حزب الله عربيا، على المستوى الشعبي، فالاعتداء الإسرائيلي على مصر، في حال حدث، سيكون تأثيره عربيا أكثر بكثير من وقوعه على حزب الله في لبنان.
وهكذا فنحن الآن أمام عملية معقدة الهدف منها رفع الضغط عن الأسد، والدفاع عنه، مع عجز تركي واضح في رد الصاع صاعين لإيران، فطهران ترمي المنطقة بالحجارة وبيتها من زجاج، خصوصا من ناحية عرب الأحواز، وغيرهم بالأراضي الإيرانية، والمهم اليوم هو ألا تجر مصر إلى هذه المعركة التي لا تخدم إلا أهدافا طائفية واضحة، وهذه مهمة العرب الآن، وتحديدا القادرون منهم، لمواجهة إيران على الأرض، وليس عبر الخطابات وحسب، فطهران تدرك أنها الآن أمام أصعب لحظاتها الخارجية وهي سقوط بشار الأسد مما يجعل قصقصة أجنحتها بالمنطقة أسهل من أي وقت مضى
الغريق السوري والاستعانة بإسرائيل
ـ 'الشرق الأوسط'
عبد الرحمن الراشد:
فجأة أوقظت الجبهة الخاملة مع إسرائيل، هوجمت حافلتان قرب إيلات وقتل سبعة إسرائيليين، ثم أطلق صاروخ غراد على أسدود وجرح ستة إسرائيليين، ولم تفوت إسرائيل بدورها الفرصة فقصفت غزة وعبرت الحدود المصرية في حالة اختراق غير مسبوقة.
نتساءل، لماذا هذه الصحوة الغريبة على تلك الجبهة في الوقت الذي تعيش فيه سوريا انتفاضتها؟
الأرجح أن هدفها تحويل الأنظار عن الساحة السورية. وقد سبق الأحداث محاولتان فاشلتان من قبل النظام السوري لتحويل الانتباه إلى صراع مع إسرائيل، مرة عبر فتح الجولان السورية لأول مرة منذ نحو ثلاثين عاما، عندما دفعت الفصائل الموالية للنظام السوري ببضع مئات من الفتيان جلبوا من مخيم اليرموك لرمي الحجارة على القوات الإسرائيلية عبر الحدود التي ردت عليهم بالرصاص الحي، سموها بيوم العودة. أرسلوا هؤلاء ليس للعودة بل للذبح باستخدام فلسطين كالعادة خدمة للنظام. وقبلها أيضا تم حشد بضع مئات أمام الحدود من الجانب اللبناني، لكن حزب الله وشركاءه كانوا حذرين فلم تتجاوز كونها مظاهرة احتجاج صوتية.
الآن، حماس، حليفة النظامين السوري والإيراني، فتحت جبهة مع إسرائيل من غزة بعد إغفاءة طويلة في وقت صادف قيام قوات الأمن والشبيحة السورية بمهاجمة مخيمين للاجئين الفلسطينيين في سوريا. وصار الفلسطينيون بين نيران النظام السوري والقصف الإسرائيلي. وهي ليست المصادفة الأولى؛ فقد سبق أن هاجمت القوات السورية المخيمات في السبعينات في الوقت نفسه الذي كانت تلاحقهم إسرائيل، وتكرر الهجوم المزدوج، السوري الإسرائيلي في الأيام الماضية.
المحير هو موقف حماس. فقد تصرفت سريعا في البداية؛ حيث لفت انتباه الجميع هروب قياداتها من دمشق بعيد اندلاع الانتفاضة الشعبية، وهو ما دلل على ذكاء وحكمة قيادة حماس، التي أدركت أن النظام السوري سيستخدمها دعائيا وعسكريا، وانتقل بعض قياداتها إلى العاصمة الأردنية وامتنعوا عن إصدار بيانات تأييد للنظام السوري ولم ينتقدوه أيضا، بل إن مسؤولي حماس نفوا بيانات مزورة نسبتها لهم وسائل الإعلام السورية تقولت عليهم بما لم يقولوا به.
ومع أننا لاحظنا زيارات قادة حماس للعاصمة السورية فإننا اعتقدنا أنها ضمن المفاوضات القائمة بين حماس ومصر والإسرائيليين حول إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط. لكن التطور الأخير، أعني محاولة تحويل الانتباه عما يحدث في سوريا إلى فلسطين من خلال افتعال معركة مع الإسرائيليين، سيسيء إلى حماس التي لا يزال هناك شك في استقلاليتها عن النظامين السوري والإيراني. إسرائيل، هي الأخرى مثل إيران، لا تريد التغيير في دمشق، ومن صالحها وقف الانتفاضة هناك. وسيكون الوضع أفضل لها - كما هو الآن - من خلال أي نظام سوري ضعيف مهشم يستمر في الحكم من خلال القمع. ولم تخف إسرائيل قلقها من أي تغيير قد يحدث في سوريا بعد أربعين سنة علاقة منضبطة مع النظام الحالي.
إن مساندة حماس للنظام السوري سيحرقها تماما، خاصة أن سلطة حماس منعت في الأسبوع الماضي مظاهرة كانت ستظهر في غزة للتنديد بما يفعله النظام السوري ضد اللاجئين الفلسطينيين وضد شعبه السوري
حزب الله والعدالة في سجن مشيمش والحسيني
ـ 'صدى البلد'
علي الأمين:
منع قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا المحاكمة عن السيد محمد علي الحسيني وتركه حراً لعدم كفاية الادلة. وقد جاء قرار أبو غيدا مخالفاً لمطالعة النيابة العامة العسكرية التي ميزته، وبانتظار البتّ بالقرار، يبقى العلامة الحسيني موقوفاً. وجاء القرار بعد نحو 3 أشهر من اعتقال الحسيني، وهو رجل دين شيعي، بتهمة 'التعامل مع العدو'.
وكانت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني اعتقلت الحسيني وتولت بعض وسائل الاعلام القريبة من حزب الله الترويج لثبوت تهمة العمالة عليه، أسوة بما جرى مع امام بلدة كفرصير الشيخ حسن مشيمش الذي لم يزل معتقلا منذ 13 شهرا في السجون السورية بإيعاز من حزب الله. وبعد تهاوي التهم بـ'العمالة للعدو'، بحق الشيخ مشيمش والسيد الحسيني، يبقى الرجلان في السجن فقط لأن من عمل على تركيب التهم بحقهما لا يريد ان يفرج عنهما، وهو في هذه الحالة اي حزب الله، كما تؤكد اوساط قريبة من عائلتيهما.
هاتان الواقعتان المتصلتان برجلي دين شيعة معروفين بأنّهما يتبنيان مواقف لا تنسجم مع مواقف حزب الله السياسية او الفكرية، تظهران مدى الضيق الذي يصيب الحزب وقيادته حيال اي تعبير سياسي او اجتماعي مخالف لتوجهاتهما. وعلى قاعدة 'عدم الاختباء خلف الاصابع' كما عبر الامين العام للحزب في اطلالته الرمضانية الاخيرة، يمكن الجزم بمسؤولية الحزب عن اعتقالهما التعسفي وترويج الاتهامات الكاذبة بحقهما من دون ان يرف جفن لأيّ من مسؤوليه. ولا احد يستطيع ان يتصور أنّه في لبنان يمكن ان يقوم جهاز امني لبناني باعتقال رجل دين شيعي بتهمة العمالة لاسرائيل، من دون ايعاز من قبل حزب الله، وفي الحد الادنى 'استئذانه'، قبل القيام بهذه الخطوة. اما قضية الشيخ مشيمش فكل من حاول، من سعاة الخير، لدى الاجهزة السورية للافراج عنه او لتبيان اسباب اعتقاله، كان الجواب: 'تابعوا القضية مع حزب الله'، هذا من دون ان يصدر بحق الموقوف اي اتهام، بل جرت تبرئته اخيرا، وانتقل من سجنه الانفرادي، حيث قضى عاما كاملا، على ما يؤكد ذووه، الذين سمح لهم قبل شهر بزيارته اسبوعيا.
هذان الرجلان المظلومان من قبل حزب الله، على سبيل المثال لا الحصر، كما تبين لاحقا، واللذان لاكت الالسن سيرتهما في عمالة مفبركة للعدو، ظلما وعدوانا، وبتشجيع وتحريض حزبيين، يكشفان الميزان الذي تقيس به قيادة الحزب الظلم والعدل.
إذ حين تتهم المحكمة الدولية بعض عناصره بجريمة اغتيال رفيق الحريري، يريد حزب الله من كل الناس ان تجاريه بقناعاته حيال براءتهما، لا بل يتهم كل من يدرج هذا الاتهام في سياق قانوني وعدالة دولية، بانه متآمر ليس على عناصر في الحزب فقط، بل على المقاومة التي لا يمكن لحزب او رجل ان يختصرها في تاريخ لبنان والعرب والعالم، ولا في تاريخ الشيعة ايضا. وفي نموذج مشيمش والحسيني سؤال اخلاقي مشروع عن معايير العدل والظلم: أليس هذا النموذج تأكيد على ان القوة هي المعيار والظلم ليس الا ضريبة يدفعها الضعفاء، بنظر الظالم؟
لكأن الخطاب الخشبي ايضا بات وسيلة لتثبيت السلطة، من هنا يمكن ان نتلمس بثقة كيف ان خطاب التخوين بات اداة الهجوم والتهجم على كل مختلف ومتمايز. وبهذا المعنى يمكن ان نتلمس كيف الغى الامين العام لحزب الله اي تمايز بين الشيعة والمقاومة وحزب الله في خطابه الاخير. لم يتحدث السيد نصرالله باسم حزب الله، وربما لم يرد في خطابه هذا، كلمة حزب الله، بل وردت كلمتا 'المقاومة' و'الشيعة' كطرفين مقصودين، من دون لبس على ما يوحي، في القرار الاتهامي.
لم ترد كلمة حزب الله لكنها في الواقع كانت تحاول ان تختصر الشيعة والمقاومة في الحزب. اختصار المقاومة كإرادة وتاريخ وتراث ممتد ومتنوع وخلاق، واختصارالشيعة كمذهب محكوم بالاجتهاد والتنوع بحزب واحد أحد: 'الغالبون'
لماذا أهمل بيلمار رواية ميليس عن طه و&laqascii117o;أبو عدس" وإفادة فيصل الأكبر؟
ثغرات قانونية في القرار الاتهامي.. تتضارب والأدلّة الظرفية
ـ 'السفير'
علي الموسوي:
لم يشأ مدعي عام المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بيلمار أن يترك بصمات مميّزة في قراره الاتهامي الذي خلا من رواية كاملة لحقيقة ما جرى في 14 شباط 2005، واستعاض عنها بثغرات كبيرة في سطور ما كتب وما توصّلت إليه تحليلاته واستنتاجاته مع العاملين في مكتبه من ضبّاط استخبارات دول أجنبية من كل حدب وصوب.
حاول بيلمار أن يطمس تحقيقات كثيرة قام بها القضاء اللبناني ولجنة التحقيق الدولية خلال فترة اتهام سوريا و&laqascii117o;النظام الأمني اللبناني السوري المشترك" بجريمة الاغتيال، أبرزها التحقيقات الرئيسية مع مجموعة الـ13 الأصولية التابعة لتنظيم &laqascii117o;القاعدة"، ثمّ جاء هو ليتهمّ أربعة مقاومين بالضلوع في اغتيال الحريري، فهل غاية هذا الالتفاف على التحقيقات السابقة والتي أخذت وقتاً طويلاً وصرفت عليها أموال كثيرة، إقفال ملفّ شهود الزور الذين أغرقوا التحقيق في المرحلة الماضية بأكاذيب وافتراءات ذهبت أدراج الرياح وكادت أن تذهب بالقضية برّمتها وتضيّع دماء الحريري؟
وهل اتهام &laqascii117o;حزب الله" جاء ليغطّي على كلّ الاتهامات السابقة؟ فكيف إذن، يفسّر بيلمار انتقال الاتهام من سوريا والضبّاط الأربعة إلى &laqascii117o;حزب الله"؟ وهل كان التحقيق مخطئاً على مدى أربع سنوات ثمّ وجد ضالته وبوصلته الحقيقية بمجرّد أن ترك بيلمار رئاسة لجنة التحقيق واستلم منصب المدعي العام؟ وماذا كان يفعل سلفاه ديتليف ميليس وسيرج برامرتز؟
فما ذكره بيلمار ووافقه عليه قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين لا يتفق على الإطلاق مع اعترافات &laqascii117o;مجموعة الـ 13" التابعة لتنظيم &laqascii117o;القاعدة" والتي أقرّت باغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أن يجبر &laqascii117o;فرع المعلومات" أحد مسؤولي هذه المجموعة، وتحديداً المسؤول العسكري السعودي فيصل الأكبر الذي كان قد شارك في معارك عدة في أفغانستان والعراق، على التراجع عن أقواله التي ظنّ القائمون بالتحقيق أنّهم حصلوا على صيد كبير يفيدهم في التحقيق في جريمة الحريري، قبل أن يسحب الأكبر في منتصف ذلك الليل العاصف من التحقيق المضني والطويل ويغيّر شهادته إلى حد اعتبارها من نسج الخيال.
واعترف فيصل الأكبر بأنّ دوره في عملية الاغتيال، اقتصر على المراقبة قبل تنفيذ العملية، وأثناء التنفيذ، وكيفية انسحاب مجموعة التنفيذ والمراقبة إلى محلّة الحمراء، مقدّماً وصفاً دقيقاً لمسرح الجريمة ومحيطه جاء مطابقاً بكلّ تفاصيله للواقع، علماً أنّ الأكبر لم يأتِ إلى لبنان إلاّ مرّتين، وتمّ توقيفه في زيارته الأخيرة داخل شقّة سكنية في محلّة عين الرمّانة.
وأدلى الأكبر بأنّ تنظيم &laqascii117o;القاعدة" في سوريا أرسل أحد أعضائه خالد طه إلى بيروت قبل نحو شهر من اغتيال الحريري وتحديداً في ليل 15-16 كانون الثاني 2005، ليصطحب الفلسطيني أحمد أبو عدس إلى سوريا، ففعل بأن نقله بسيّارة من نوع &laqascii117o;ب.أم.ف." من منزل ذويه في محلّة الطريق الجديدة.
وهذا ما تطابق بكلّ حذافيره مع شهادة والدة أبو عدس المدعوة نهاد موسى أمام قاضي التحقيق العسكري الأوّل رشيد مزهر، علماً أنّه لا توجد معرفة شخصية بين الأم وفيصل الأكبر. وقد ذكر بيلمار في الفقرة 39 من قراره الاتهامي التوقيت الصحيح لخروج أبو عدس من منزله وهو الساعة السابعة من صباح يوم الأحد في 16 كانون الثاني 2005 وهو ما ذكرته الأم والأكبر أيضاً.
ويروي بيلمار في الفقرة 35 من قراره الاتهامي بأنّ حسين حسن عنيسي وأسد حسن صبرا توليا ما بين 22 كانون الأوّل 2004 و17 كانون الثاني 2005 مسؤولية إيجاد شخص مناسب لاستخدامه في الإعلان زوراً على شريط فيديو عن العملية، زاعماً بأنّهما وجداه في مسجد جامعة بيروت العربية أو &laqascii117o;مسجد الحوري"، فهل يعقل ألاّ يكون أحد من المصلّين في هذا المسجد قد شكّ بوجود شخص غريب بينهم خصوصاً أنّ زيارة المسجد ولقاء أبو عدس قد تكرّرت على ما يقول بيلمار طوال 27 يوماً؟ وأين هو شاهده على هذه الواقعة؟ وكيف توصّل إلى أنّ عنيسي تحديداً انتحل اسم &laqascii117o;محمّد" لإتمام عملية التجنيد، مع العلم أنّ اسم &laqascii117o;محمّد" كانت والدة أبو عدس قد ذكرته للجنة التحقيق في عهد ميليس الذي أورده في الفقرة 170 من تقريره الأوّل الصادر في 20 تشرين الأوّل 2005؟ولماذا أغفل بيلمار الدور الكبير الذي أدّاه خالد مدحت طه في نقل أبو عدس خصوصاً أنّ زميله القاضي ميليس توقّف ملّياً عند دوره في الفقرة 174 من تقريره الأوّل؟
وقد تفيد الإعادة هنا في التذكير بما قاله ميليس عن خالد طه المذكور:
&laqascii117o;هناك شخص لم تتمكّن لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة ولا السلطات اللبنانية من مقابلته حتى الآن يُدعى خالد مدحت طه، وهو زميل متدين آخر، وله أهمية مميزة استناداً إلى سجلات السفر المسنودة إليه والى بعض الصدف غير العادية. السيد طه التقى السيد أبو عدس عندما كانا طالبين في الجامعة العربية حيث كانا يلتقيان عادة في مسجد الجامعة. ووفقاً لسجلات السفر، فان السيد طه غادر عبر مطار بيروت الدولي إلى الإمارات العربية المتحدة في 21 تموز 2003 وعاد إلى بيروت في 17 تشرين الأول 2003. السجل التالي له يظهر انه دخل إلى لبنان آتياً من سوريا براً في 15 كانون الثاني 2005، في اليوم السابق على اختفاء أبو عدس. في اليوم التالي غادر السيد طه لبنان إلى سوريا براً. لا تظهر السجلات مغادرة لبنان قبل 15 كانون الثاني 2005 ما يشير إلى انه دخل سوريا قبل ذلك التاريخ بشكل غير شرعي. إن تحقيقاً أبعد كشف أنّ ثلاثة من عناوين الـ E-MAIL للسيد طه كانت تمر عبر سوريا والرابع عبر لبنان نفسه فيما كان يزعم انه في تركيا. أكثر من ذلك، فان موعد مغادرته إلى سوريا من لبنان ـ في 16 كانون الثاني 2005 ـ هو نفسه موعد اختفاء السيد أبو عدس. أكثر من ذلك، أشارت السلطات اللبنانية في تقريرها إلى انه لم يعتقل أبداً لدخوله غير الشرعي الواضح إلى سوريا قبل 15 كانون الثاني 2005 حتى لدى عودته إلى سوريا في 16 كانون الثاني، وهذا حدث غير عادي، ما يشير إلى أن مغادرته ودخوله في اليوم التالي قد سهّلا من قبل شخص ما. لقد اتصلت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أخيراً بالسلطات السورية لتزويد اللجنة بمعلومات مفصلة عن خالد طه، خصوصاً سجلات سفره إلى سوريا ومنها".
وخلال التدقيق في ما قاله ميليس عن طه تستوقف المرء العبارات التالية: أنّ طه وأبو عدس كانا طالبين في الجامعة العربية حيث كانا يلتقيان عادة في مسجد الجامعة، وأنّ طه دخل إلى لبنان آتياً من سوريا برّاً في 15 كانون الثاني 2005، في اليوم السابق على اختفاء أبو عدس، وفي اليوم التالي غادر طه لبنان إلى سوريا برّاً، فأين تكمن الحقيقة؟
ولا يخبر بيلمار عن مكان وجود ووقوف &laqascii117o;فان الميتسوبيشي كانتر" قبل تحرّكه إلى مسرح الجريمة لملاقاة موكب الحريري، وكلّ ما يزعمه هو أنّه انطلق من &laqascii117o;موضع قريب من (سليم جميل) عياش الموجود بين مجلس النوّاب وفندق &laqascii117o;السان جورج" باتجاه الفندق المذكور"، فهل يعقل ألاّ يتمكّن التحقيق بعد سنوات من الاغتيال من معرفة مكان شاحنة الموت قبل تنفيذ الجريمة؟ وهل يعقل ألاّ يتمكّن التحقيق من معرفة مكان تخبئة &laqascii117o;الميتسوبيشي" بعد شرائها من أحد معارض السيّارات في محلّة البداوي في طرابلس وإنزالها من &laqascii117o;البلاطة" التي أقلتها إلى محلّة الدورة، وقد استمرّت هذه العملية واحداً وعشرين يوماً أيّ بين 25 كانون الثاني 2005 و14 شباط 2005؟ وكيف حدّد بيلمار مواقيت اتصالات كثيرة بغضّ النظر عن مدى صحّتها أو عدم حقيقتها، وعجز عن تحديد أيّ شيء يتعلّق بهذه المركبة الآلية والاتصالات التي حصلت بعد اختفائها من الدورة إلى حين ظهورها في محلّة عين المريسة؟ وكيف حصل تجهيزها بالمتفجّرات التي بلغت زنتها 2500 كيلو غراماً تقريباً من مادة الـ&laqascii117o; تي.ان.تي"؟ وأين هي صور الأقمار الصناعية الأميركية وغير الأميركية طالما أن التواريخ والمواقيت محددة؟
أسئلة لم يجب عنها بيلمار في قراره الاتهامي الأوّل، الذي استند فقط على الأدلّة الظرفية المتمثّلة بالاتصالات الهاتفية.
'عمليات تذكيرية' أم ... قَدر؟
ـ 'الجمهورية'
يوسف يزبك:
منذ مجزرة حماة ودخول قوى 14 آذار، وعلى رأسها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، على خط الداعمين للشعب السوري والمتضامنين معه، واللبنانيون يحاولون استشراف تداعيات 'التغيير السوري' على وطنهم، لا سيما أن النظام الذي تحكّم بمفاصل الحياة اللبنانية طيلة ثلاثين عاما، باتَ 'يلفظ أنفاسه الأخيرة'، على حد تعبير مصدر سياسي ربط بين 'انهيار النظام السوري' واتهام عناصر من 'حزب الله' في اغتيال رفيق الحريري، ليؤكد أن ذاك الانهيار سيشكّل صفعة قوية لقوى 8 آذار (جماعة شكرا سوريا)، ولا سيما 'حزب الله'، 'المُلتصق بنظام الأسد'.
يقول المصدر إن الشرق الأوسط الجديد سيولد قريبا، حيث سيشكّل 'الغاز' حوضا هامّا بين لبنان واسرائيل وسوريا ومصر وتركيا، الأمر الذي يقتضي التخلّص ممّن يُسمّيهم المجتمع الدولي بـ'التنظيمات الإرهابية' ('حزب الله' وحماس)، 'وما عملية غزّة (أمس الأول) إلّا بداية هذه العملية العسكرية'، على حدّ تأكيد المصدر الذي تكلّم عن 'مُسلّمة لم تعد سريّة نوعا ما'، تقول بوجوب أن تكون مناطق النفط والغاز آمنة، 'فالعمليات الإرهابية ممنوعة في الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن لمجموعة إرهابية حماية طاقة ستستفيد منها دول المنطقة'.
الجماعة الشيعية الحرّة
سقوط نظام الأسد، وفق المصدر، سيحرم 'حزب الله' من المَد الإيراني سلاحا وعسكرا ومالا. ويكشف المصدر، في هذا الإطار، عن أوامر أصدرها الحزب لمناصريه في الخارج، ولا سيما أوروبا وأفريقيا، بضرورة مضاعفة 'العُشر' للحزب. ويكشف المصدر أن مجموعات لا يستهان بها من المواطنين الشيعة، قد تعرَف في المستقبل القريب بـ'الجماعة الشيعية الحرّة'، ستعمد الى رفع الصوت عاليا ضد سياسة الحزب، ولا سيما المالية منها، والتي أسفرَت عن 'خراب بيوت' مئات العائلات في قضية إفلاس عز الدين قبل أشهر خَلَت.
عودة مسلسل الاغتيالات والحوادث الامنية المتنقلة أمر مرجّح وفق المصدر السياسي، الذي لم يخف تخوّفه من أن يعمد النظام في دمشق من تفجير الوضع الداخلي اللبناني، بغية جَرّ المجتمع الدولي الى مفاوضته، 'وهنا تلتقي مصالح النظام مع مصالح الحزب الذي يرى في القرار الاتهامي مؤامرة تنوي استهدافه'. إلّا أن الدول التي دَعت الرئيس السوري بشار الأسد الى التنحّي، تعلم جيدا أن في استطاعة الأسد لعب الورقة اللبنانية. ورقة يؤكد المصدر أن لعبتها 'مش هَيّنِه'، وقد لا تتعدى الأيام القليلة، لأنه حين يسقط الأسد، أدواته في لبنان ما بيطَوّلو'.
'الرمّانة'... وجرّة الغاز
يؤكد مصدر أمني رفيع أن أحد القتيلين في انفجار أنطلياس ينتمي إلى 'حزب الله'، ومعروف أنه خبير متفجرات، مضيفا أن العبوّة هي كناية عن 'عبوّة مسمارية لا تستعمل إلّا للاغتيال'، إلّا أن التقرير الأمني الصادر عن قوى الأمن أكّد أن الانفجار ناجم عن رمّانة يدوية من دون أن يتطرق الى نوع الكرات الحديدية التي تغلّفها. تقرير قوى الأمن لم يمنع فريق 14 آذار من الإبقاء على اعتقاده المنطقي، بأن الانفجار إرهابي، وليس انفجار رمّانة عن طريق الخطأ.
وقبل أنطلياس، انشغلت الأوساط السياسية والشعبية في انفجار 'قارورة الغاز' في شارع الرويس. طبعا، قوى الرابع عشر من آذار لم تصدق، وتعاملت مع الخبر كأنه 'مَزحة'، وراحت تَرد أخبار عن اغتيال أحد الكادرات الهامّة في الحزب الذي بَقي صامتا، يدرس خطواته بحذر، بعد أن نأى بنفسه عن السجالات والتصاريح الاعلاميّة، واكتفى ببيانين صغيرين عن حادثتي الرويس وأنطلياس، قبل أن يطلّ الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ويؤكّد السياق عينه.
في موازاة الأحداث الأمنية المتنقلة بين أنطلياس والرويس، وإيجاد قنابل يدوية في منطقة البربارة، ثمّة مَن يسأل عن مصير الإرهابيين الأربعة الفارّين من سجن رومية (المُنتمين الى منظمة 'فتح الإسلام' الإرهابية)، لا سيما أنّ معلومات شاعت في اليومين الأخيرين أن حزبا مواليا يقف وراء فرارهم، وهو يموّل عناصر سلفية. فهل ما يحدث أمنيّا هو مجرد 'حوادث قدر' يُراد لصقها زورا بحزب الله، أم أنها 'عمليات تذكيرية' على غرار العمليات التي كان الحزب يقوم بها في الجنوب اللبناني ضد العدو الإسرائيل؟
سوريا من مفاوض إلى ورقة للمساومة كما كان لبنان / إيران تفاوض عنها وعن 'حزب الله' بعد القرار الاتهامي
ـ 'النهار'
هيام قصيفي:
لعل الفكرة الابرز التي خلصت اليها نقاشات سياسية في بيروت حول الوضع السوري هي انه للمرة الاولى منذ عقود، لم يعد النظام السوري لاعبا اساسيا على طاولة المفاوضات التي كانت تبحث تقليدا في معالجة اوضاع المنطقة بل اصبح هو موضع التفاوض. فمنذ اعوام طويلة كانت دمشق المحرك والمفاوض عن لبنان الذي لُزّمت اياه، وعن الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها، وكانت لاعبا اساسيا في احداث العراق. اما اليوم وبعد اكثر من خمسة اشهر على اندلاع الانتفاضة السورية، وصولا الى مطالبة قادة العالم الغربي بتنحي الرئيس بشار الاسد، فقد اصبحت سوريا الورقة التي يتم التفاوض عليها اقليميا ودوليا بين لاعبين كبار، على غرار ما كان عليه لبنان، مع فارق دوريهما وتأثيراتهما في المنطقة.
هذا التحول الاستراتيجي في تاريخ سوريا، لا ينفصل عن جملة هواجس واسئلة يطرحها باحثون متخصصون في شؤون المنطقة حول مجموعة خيوط مترابطة تعيد التذكير بتجربة الحرب اللبنانية وانفتاحها بعد اندلاعها عام 1975 على ملفات جانبية شائكة ادت الى استمرار الحرب (رسميا) نحو 25 عاما. فسوريا تعيش تجربة التداخل الطائفي والعشائري والمذهبي والقومي، كما كان يعيشها لبنان. والمشكلة التي بدأت بين الشعب والنظام، تحولت تدريجا مشكلة سنية - علوية كون وحدات الجيش السوري ذات الفعالية مؤلفة من غالبية علوية، والمناطق التي يشن الجيش السوري عليها حملاته سنية خالصة، بعد تحييد المناطق المسيحية والدرزية التي انكفأت عن مقارعة النظام واختفت اصوات المعارضة فيها. وجاء اختيار وزير مسيحي للدفاع ليعمق توجه الاسد في حشد الاقليات السورية كمدافع خلفي عن النظام، معزز بارتفاع اصوات دينية مسيحية من سوريا ولبنان تدافع عن الاسد ونظامه.
من هنا تتحول المعضلة السورية اوسع بكثير من مرتكزاتها الداخلية نظرا الى تشعب خيوطها وترابطها مع دول المنطقة، واحتمالات انعكاس التطورات داخلها على دول الجوار. لذا تصبح الاسئلة المطروحة من جانب هؤلاء الباحثين مشروعة بقدر ما تحمل في طياتها الاجوبة اللازمة.
اي دور لدول المنطقة في ادخال السلاح الى سوريا، سواء تلك التي تجاورها حدوديا كلبنان والاردن او حتى تركيا، او تلك التي لها مصلحة في تغذية صراع الطرفين المتقاتلين السعودية وايران؟ وما هي الحدود التي تسمح بادخال نوعيات محددة من السلاح الى المناطق التي تحمل تلقائيا بذور مشاكل طائفية؟'.
وأبعد من ذلك، اي نوع من الاتصالات 'غير الرسمية' تحت الطاولة والتي لم تصل الى حد المفاوضات بعد بين السعودية وايران حول سوريا، بعدما تكرست هذه الاتصالات تهدئة في الوضع البحريني؟ ووفقا لهؤلاء فان ثمة هامشا لا يزال غير واضح المعالم، لجهة البازار المفتوح حول التسويات المرتقبة، ولا سيما ان للرياض وطهران دورا متجذرا في سياسة دول الشرق الاوسط، ولكل منهما طريقتها ومصالحها في ادارة شؤون اللعبة والحصول على تسويات مناسبة. وحتى الآن لم تقل السعودية كلمتها الفصل في ما خص النظام السوري، ولذا جاءت دعوة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى الرياض وانقرة للعب دور حاسم، بمثابة دفع لموقف سعودي حاسم، بعدما شهدت العلاقة الاميركية السعودية توترا سابقا على خلفية مقاربة ادارة الرئيس باراك اوباما لملفات المنطقة. وما خلا توجيه العاهل السعودي الملك عبدالله رسالته المفتوحة الى الاسد، فان السعودية لم تجار بعد واشنطن واوروبا في دعوة الرئيس السوري الى التنحي. ما يعني ان الدعوة لم تحظ بعد بتغطية عربية رئيسية ومباشرة بما يجعل الازمة السورية مفتوحة على احتمالات طويلة الامد.
وايضا كيف يمكن تركيا الداخلة حديثا الى الساحة المتوسطية من لبنان الى فلسطين وسوريا والعراق كلاعب اساسي، ان توازن بين رغبتها في التماهي مع رغبات العالم الغربي في التشدد مع الاسد، واعطائها دورا فاعلا في المنطقة، وبين الحفاظ على جغرافية سوريا كوحدة متكاملة، خشية منها من تكرار نموذج المنطقة الكردية على حدودها، وهي التي بدأت اول من امس توجيه ضربات الى المنطقة الكردية شمال العراق. والاهم كيفية التوفيق بين الدورين التركي والايراني في منطقة تحمل حساسيات قومية ومذهبية وعرقية، وكلا الدولتين راغب في تزعم قيادة الشرق الادنى على رغم ان لطهران دورا متقدما كرسه عملها لاعوام في تمويل وتغذية الحركات الاسلامية المقربة منها كما حصل مع 'حماس' و'حزب الله' والذي ثبت اقدامها على المتوسط، ولا سيما في الاشهر الفائتة حيث تركز دورها في تحقيق انتصار قوى 8 آذار في تشكيل الحكومة وتحييد دور رئيس الجمهورية. وهو ما لم تتمكن السعودية او تركيا من القيام به مع حلفائهما في لبنان.
واخيرا، اي دور لايران ازاء الوضع المستجد لحليفتها الاساسية في المنطقة، بعدما ضاقت حلقة تطويقها على اعلى المستويات العالمية، وباتت موضع تفاوض محوري بين ايران وواشنطن وروسيا، في وقت فتح القرار الاتهامي مرحلة جديدة امام 'حزب الله' واعطى بحيثياته وانتقاله الى المحاكمة مهلة اضافية امام طهران لمزيد من المفاوضات حول دور الحزب في لبنان وموقعه، في موازاة البحث في مستقبل النظام السوري.
سوريا الأسد مستعدة... لمواجهة طويلة!
ـ 'النهار'
سركيس نعوم:
بدأت الانتفاضة الشعبية السورية ضد نظام آل الاسد في 15 آذار الماضي. وتعاطت معها اميركا و'الإتحاد الاوروبي' بشيء من الايجابية اذ حاولا ممارسة ضغوط على قيادة النظام للاستجابة الى مطالبها الاصلاحية. لكن المجتمع الدولي لم يصل الى حد تبنّي موقفها الداعي الى اسقاط النظام إلا قبل يومين. وقد عبّر عن ذلك الرئيس الاميركي ثم تبعه رئيس فرنسا ورئيسا وزراء بريطانيا والمانيا في بيان مشترك. والامر نفسه حصل مع المجتمع العربي، اذ تعاطفت غالبية دوله الفاعلة مع الانتفاضة، كما ساءت علاقات بعضها مع سوريا النظام بسبب هذا التعاطف. لكن هذا المجتمع لم يصل الى حد تبنّي موقف سلبي واحد من النظام السوري بسبب عنفه مع الانتفاضة الشعبية إلا قبل مدة قصيرة. وقد عبّر عن ذلك ودفعة واحدة مجلس التعاون الخليجي مجتمعاً ثم اعضاؤه منفردين وفي مقدمهم السعودية ومعهم جامعة الدول العربية.
ماذا كانت اسباب الصمت او التساهل حيال النظام السوري عند المجتمع الدولي والمجتمع العربي؟
تجيب مصادر ديبلوماسية عربية وغربية مطلعة عن ذلك بالقول إن المجتمعين صمتاً او تساهلا وغضا الطرف عن الاعمال الوحشية أملاً في نجاح الرئيس بشار الاسد في القضاء على الانتفاضة. اما السبب الاهم لـ'الامل' في النجاح المشار اليه فكان عدم وجود بديل من نظام الاسد البعثي – الاقلوي الا التيارات الاسلامية الاصولية. وهذا امر يقلق اسرائيل رغم محاولات تركيا تطمينها وتطمين المجتمع الدولي الى قدرتها على ضمان انسجام هذه التيارات مع نهجها المعتدل والديموقراطي والسلمي. واسرائيل مهمة ليس فقط لاميركا بل لغالبية المجتمع الدولي، علماً انها قد تكون صارت مهمة ايضاً لأنظمة عربية تخاف ايران الاسلامية وتعتبر ان اسرائيل قد تكون معيناً لها عليها. كما انه امر يقلق غالبية الدول الكبرى اذ يفسح في المجال امام تواصل جغرافي واسع النطاق للمد الاصولي والجماعات الاسلامية المتطرفة من باكستان وافغانستان شرقاً وصولاً الى ايران والعراق وانتهاء بسواحل البحر الابيض المتوسط. ومن شأن التواصل المذكور اضعاف قدرة التحالف الدولي على محاربة الارهاب وخصوصاً اذا وقعت سوريا وبعد طول 'ممانعة' ضحية لهذا التيار الجارف، كما من شأنه افشال الجهود التي تقودها اميركا لحصر تلك الجماعات ولعزلها تمهيداً للقضاء عليها.
طبعاً، تستدرك المصادر الديبلوماسية نفسها، لا تزال اسباب الصمت او التساهل المذكورين اعلاه دولياً وعربياً قائمة. ويثير ذلك تساؤلاً مهماً عن دوافع التخلي عنهما وعن دوافع قرارهما مواجهة نظام الاسد واسقاطه رغم ان الاخطار التي قد تنجم عن ذلك لا تزال قائمة، ولا يمتلك احد جواباً نهائياً عن ذلك. لكن المصادر نفسها تعتقد ان الانظمة العربية بمعظمها لم تعد قادرة على الصمت بسبب هيجان شعوبها على ما يجري داخل سوريا انطلاقاً من خلفيات معروفة. وتعتقد ايضاً ان المجتمع الدولي ليس قادراً على الاستمرار في التساهل بعدما ثبت عجز النظام عن سحق الانتفاضة وبعدما بدا انها تتحول ثورة وربما لاحقاً حرباً أهلية.
ما هو الموقف الفعلي لسوريا النظام من التحوّل الجذري في موقف المجتمعين الدولي والعربي؟
طبعاً ليست سعيدة به، يجيب متابعون ومن قرب حركتها. لكنها في الوقت نفسه ليست 'مرعوبة' منه. فهي، ورغم كل 'عنتريات' مؤيديها وجزمهم اكثر من مرة بالانتهاء مما يجري قريباً، تعرف انها تخوض مواجهة صعبة ومكلفة قد تستمر طويلاً. ويعني ذلك اشهراً وحتى سنوات. لكنها مقتنعة باستمرار قدرتها على ادارة هذه المواجهة بأقل قدر من الاخطار عليها، ومقتنعة ايضاً بأن لا سبيل امامها سوى ذلك لأن اميركا لم تقدم يوماً عرضاً جدياً لها او خياراً جدياً قابلاً للبحث فيه، ومقتنعة ثالثاً بأن ايران قدمت لها وعلى مدى 18 سنة كل المساعدة والدعم اللازمين لها لمواجهة تحديات الداخل والخارج المتنوعة في حين كانت مساعدات الآخرين دائماً مصلحية، وهي لن تترك ايران. كما ان ايران لن تتركها وحيدة في عزلتها الجديدة. وستنتظر الاثنتان إما 'صفقة' كبيرة اذا توافرت ظروفها وإما مواجهة نهائية لا يمكن التكهن بنتائجها. لكن السؤال الذي يُطرح هنا وقد 'يُجاب' عنه لاحقاً هو: هل صحيح ان سوريا لم تتلق عروضاً او خيارات، وإنها كانت دائماً مستهدفة من اميركا والغرب؟ او إنها لم تحسن التعامل مع الظروف والتطورات في الداخل والخارج وخصوصاً بعد رحيل مؤسس نظامها الرئيس الراحل حافظ الاسد؟
المتصلون بالنظام يتوقّعون تغييراً بعد الحسم / الكباش إلى اشتداد مع الضغط الدولي على الأسد
ـ 'النهار'
روزانا بومنصف:
حين بادر الرئيس الاميركي باراك أوباما الخميس في 18 من الجاري الى مطالبة الرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي في موقف دعمته الدول الاوروبية الكبرى على الفور، لم يخف 'ان تحقيق الشعب السوري العدالة التي يستحقها امر سيستغرق وقتا'... 'وان الولايات المتحدة لا تستطيع ولا ترغب فرض مثل هذه العملية الانتقالية'. استجاب الرئيس الاميركي لمطالب وضغوط اميركية وغير اميركية للاقدام على هذه الخطوة على رغم الاعلان والمعرفة مسبقا ان لا الموقف الاميركي سيدفع الاسد الى التنحي ولا ايضا العقوبات الاميركية على قطاع النفط او على المسؤولين السوريين باعتبار ان الولايات المتحدة استنجدت باوروبا للسير في خطوات مماثلة لانها اكثر تأثيرا منها على النظام السوري. وترجمة ذلك في حسابات مصادر ديبلوماسية معنية ان التحول في سوريا عملية طويلة ومضنية قد تطرأ خلالها تطورات كثيرة بحيث لن تكون الامور ابيض على اسود بل اكثر تعقيدا الى درجة يعتبر معها بعض حلفاء النظام السوري ان الرئيس الاميركي او الرئيس الفرنسي قد يغادران موقعيهما في رئاسة الولايات المتحدة او فرنسا في حال لم يتم انتخاب كل منهما لولاية ثانية في حين قد يكون الرئيس السوري لا يزال في موقعه. لكن الواقع ان سوريا دخلت نادي الدول التي باتت تتداخل فيها الصراعات الداخلية الحادة والحسابات الاقليمية والدولية الى حد معقد جدا بحيث يمكن اعتبارها ساحة كباش جديدة مرشحة للاستمرار والتفاعل في المرحلة المقبلة ليس اقلها اعتبار ايران سوريا خط الدفاع الاول الذي لن تتخلى عنه لاي سبب كان وهي تخوض مواجهة صامتة مع تركيا على هذا الاساس في ظل علامات استفهام كبيرة لا يمكن معرفة اجوبتها بسهولة وتتركز حول ما اذا كان دفع النظام الى الزاوية وعزله دوليا الى جانب استمرار الضغوط الداخلية يمكن ان يساهم في توتير مناطق اخرى متصلة كلبنان مثلا او فلسطين من اجل تخفيف الضغط الدولي. وقد اثارت العملية الاخيرة في ايلات عبر الهجوم على اوتوبيس اسرائيلي والتي ادت الى مقتل سبعة اسرائيليين علامة استفهام عن التوقيت والخلفية واحتمال وجود صلة او مدى هذه الصلة بما يحدث في بعض الدول العربية وفي سوريا خصوصا باعتبار ان القرار الاميركي بالمطالبة بتنحي الاسد لا يمكن ان يتم من دون التنسيق مع اسرائيل وعدم الرهان الاسرائيلي على بقاء الاسد من اجل استمرار عملية السلام مع سوريا او ضمان الامن في الجولان. اذ ان مطالبة الاسد بالتنحي ضبطتها في الاشهر الاخيرة التوازنات الاقليمية والحفاظ على امن اسرائيل.
هذا التساؤل ينفيه المتصلون بالنظام السوري على اساس ان هذا الاخير بات على استعداد كلي لعملية التغيير السياسية بناء على اقتناع شخصي في الدرجة الاولى فضلا عن انه بات اكثر قدرة راهنا على فرض هذا الاقتناع على المحيطين به تحت عنوان اما ان يواكب هؤلاء التحول الذي يجب ان يحصل او ان يضطر الجميع الى الرحيل وهو غير مستعد لذلك. يضاف الى ذلك انه بات اكثر ارتياحا لنتائج العمليات العسكرية التي قام بها من حيث سيطرته على معاقل الانتفاضة ضده والتي يعتبر انها تعود لسلفيين يعرف قواعدهم على نحو جيد بعدما كان على اطلاع على حركتهم في اتجاه العراق سابقا في حين ان المعارضة السلمية من المجتمع المدني ليست خطرة ولا موقع كبيرا لها لدى الشعب السوري وفق ما ينقل هؤلاء مما يتيح له تاليا الذهاب الى الاصلاحات من موقع قوة وفي ظل سدود لا تزال تؤمن له الحماية في مقدمها الموقف الروسي الرافض لتنحيه او لفرض عقوبات عليه والذي لم يتغير على رغم مشاركته في البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الامن ودان القمع في سوريا. وهذا الموقف لا يزال ثابتا على رغم الكلام الكثير عن مرونة في الموقف الروسي ازاء احتمال صدور قرار عن مجلس الامن لا يبدو متوفرا. وهناك الدعم الايراني الثابت له فضلا عن الخطوط المفتوحة مع العراق على اكثر من صعيد الى جانب الضمانة التي يؤمنها له 'حزب الله' عبر امساكه بلبنان بقوة وضبطه في دوامة المحور السوري - الايراني. ويضيف هؤلاء ان النظام كان في اجواء التصعيد الدولي ضده لكنه كان في حاجة الى الامساك بالارض من اجل ان يساعده ذلك لاحقا على مواجهة التحديات الخارجية التي لا يستهين بها لكنه قادر على الوقوف في وجهها متى قام باجراء الاصلاحات اللازمة والتي ستكون جذرية ولا عودة عنها وهي التي ستجعل من الضغوط الخارجية غير ذي قيمة.
ولهذه الاعتبارات يقول هؤلاء لا حاجة راهنة لتحريك الساحة في لبنان خصوصا ان استمرار انضباط الوضع فيه على رغم صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على نحو غير متوقع، نتيجة التهديدات السابقة بعظائم الامور في حال صدور القرار الاتهامي، اظهر ان المصلحة الاقليمية السورية - الايرانية اقوى في ابقاء الحال على ما هي عليه منها في التسبب في اضطرابات غالبا ما لجأت اليها سوريا او ايران في لبنان كورقة في وجه المجتمع الدولي من دون ان يعني ذلك عدم استمرار توافر هذه الورقة لاستخدامها في الوقت المناسب. وهو ما يثير الخشية لدى كثر لاعتبارهم ان تمسك النظام واقتناع او اقناع حل