قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 23/8/2011

'المستقبل اليوم'

ـ 'المستقبل'

حملة الأقلام المتخصصة بتعميم ثقافة الحقد والكراهية والنيل من الكبار، مستمرة. لا يردعها أنها توقظ فتنة نائمة، ولا يمنعها أنها تُستخدم للنيل من قامات وطنية. هذه الأقلام التي انتدبت نفسها، بتفويض خبيث، لمهمة مشبوهة تقتضي مطاردة الرئيس سعد الحريري، ونسج الأكاذيب والتلفيقات عنه وحوله، تريد القول بأن الحريري الابن، مثل أبيه من قبله، مُلاحق في الصغيرة والكبيرة، ومكشوف في الأمن كما في غيره! لكن كل ذلك يعيد طرح السؤال، هل ما يقوم به هؤلاء عمل سياسي، أم أن وراء الأمر أجهزة وجهات كبيرة، أم أنها مجرد تصرفات صادرة عن نفوس صغيرة يملؤها الحقد والضغينة؟هذه الأقلام معروفة ليست جديدة، سبق أن قلنا إنها ذاتها تناولت الرئيس الشهيد رفيق الحريري بنفس الطريقة التي يجري التعرّض لسعد الحريري فيها من خلال التدخل بتفاصيل شخصية، منها ما هو مفبرك ومنها ما هو مبالغ فيه. لكن في كل الأحوال إن سلوك هؤلاء، البعيد عن الاعتبارات والقيم الأخلاقية أو المهنية، لا يعدو كونه 'حفّارة' للكراهيات والأحقاد وإثارة الأمور التي لا تقدم ولا تؤخر ولن تشوّه من سمعة الرجال الكبار... بل تطال أهلها ومطلقيها ومروجيها.
إذا افترض هؤلاء للحظة أنهم بمنأى عن نشر ملفاتهم الشخصية والذاتية والعائلية والمالية، وكل الشبهات التي تحيط بهم وبارتباطاتهم مع أجهزة المخابرات، فإنهم واهمون.. نحن مستعدون لهذا الأمر. لم نقدم على ذلك من قبل، لكن متى قررنا فإن في الجعبة الكثير.


بيلمار يهدي المقص لمن يرغب بقطع حبل 'الاتصالات'
'التزامن المكاني' أضعف من أن يجعل 'الاتهامي' مقنعاً

ـ 'السفير'
ايلي الفرزلي:

برغم استفاضة القراءات القانونية المتعددة للقرار الاتهامي في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي تراوحت بين التأكيد على واقعية الأدلة المقدمة وبين اعتبارها مجرد اتهامات لا تستند إلى أي دليل حسي أو مقبول، فإن أي قراءة تبقى منقوصة إذا لم تتناول دليل الاتصالات، الذي يشكل عملياً أكثر من 90 بالمئة من القرار، تقنياً.&laqascii117o;الاقتران المكاني للاتصالات" عبارة تكررت أكثر من مرة في القرار الاتهامي الذي أصدره المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي دانيال بيلمار. عبارة لم تكن جديدة أو مفاجئة بالنسبة لكل من تابع التسريبات المتكررة لمضمون القرار، ولاسيما منها تحقيق تلفزيون &laqascii117o;سي بي سي" الكندي، الذي كان نسخة مزيدة عن القرار، كونه لم يحذف ما حذفه بيلمار من أرقام هاتفية، تعمل في &laqascii117o;الشبكات الملونة" التي أعدت ونفذت وراقبت. قضية التزامن المكاني ليست جديدة إذاً. في التحقيق الذي نشرته جريدة &laqascii117o;لوفيغارو" الفرنسية في 9 آب 2006، إشارة واضحة إلى اتهام &laqascii117o;حزب الله" بالاستناد إلى &laqascii117o;مجموعة من الهواتف النقالة التي تم استخدامها قبل عملية الاغتيال وبعدها". &laqascii117o;ديرشبيغل" الألمانية أشارت في العام 2009 إلى أن مجموعات هاتفية رُبطت بالاغتيال اعتماداً على التزامنات المكانية، إذ أن المجموعتين اللتين استخدمتا الهواتف تصادف وجودهما مراراً وتكراراً في مواقع قريبة من موقع الاغتيال. وفي الصحيفة نفسها إشـارة إلى ما ذكـره دانيـال بيـلمار في تقريره حول افتراضه أنه بمجرد وجود أحد الهواتف في المجموعة الزرقاء في طرابلس يعني أنه اشترى سيارة &laqascii117o;الميتسوبيتشي".
بالخلاصة، يورد خبير في الاتصالات اطلع على القرار الاتهامي ما سبق ليقول إنه رغم بناء التحقيق على قرينة الاتصالات منذ العام 2006، إلا أنه منذ ذلك الحين لم تقرن هذه الافتراضات بأي دليل حسي أو حتى معلومة إضافية قد تفيد في الوصول إلى الحقيقة وتسمح لبيلمار بالتخفف من العبارات الملتبسة التي أكثر منها في تقريره، ما يستدعي السؤال: ماذا كان يفعل المحققون طوال خمس سنوات؟

عند قراءة القرار سرعان ما يلفت النظر غياب الأدلة المباشرة، إذ أن الاتهام يستند إلى افتراضات مسندة بدورها إلى تحليل خارطة الاتصالات والاقتران المكاني، بعيداً عن مضمون هذه الاتصالات، أو أي تسجيلات للمتورطين في الجريمة. وعند جمع سلسلة الافتراضات يتبين أن التحقيق استند إلى أن المجموعة الحمراء التي كانت موجودة في مكان الانفجار هي المسؤولة عن الاغتيال، إلا أنه لم يوضح كيف استطاع أن يحدد أن فلانا يستعمل هذا الرقم أو ذاك. وعند قراءة البند 24 من القرار الذي ينص حرفياً على أنه &laqascii117o;عندما يتبين أن هواتف الشبكات، المسجل الاشتراك فيها بأسماء مستعارة، مقترنة مكانيا بهواتف خلوية شخصية، يمكن عندئذ، من خلال نسبة الهاتف الخلوي الشخصي إلى مستخدمه، التعرف في نهاية المطاف بواسطة الاقتران المكاني على هوية شخص بوصفه مستخدم هاتف من هواتف الشبكات"، يجد القارئ أن كل ما بني في ذلك الاستنتاج بني اعتماداً على &laqascii117o;الاقتران المكاني". وعند السؤال عن التفسير التقني، يؤكد خبير الاتصالات أن الاقتران المكاني يعني أن الهاتفين موجودان على الشبكة نفسها، أي في المنطقة نفسها ومن المستحيل التحديد ما إذا كان شخص واحد يحمل الهاتفين معاً أم لا. وهو ما يعني أن كل الاتهام ليس مبنياً على دليل مباشر كمضمون الاتصالات نفسها أو حتى غير مباشر كوجود اتصال ما بين هاتف شخصي وهاتف من إحدى المجموعات.

بعد قراءة دليل الاتصالات ومع افتراض وجود هكذا مجموعات هاتفية، يجزم الخبير الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه &laqascii117o;لا دليل حسيا أو علميا عن مسؤولية هذه الشبكات عن الاغتيال، حتى لو تزامنت معها".
واستكمالاً لسلسلة الفرضيات، يشرح أنه &laqascii117o;مع افتراض وجود الدليل على أن هذه الشبكات هي التي نفذت جريمة الاغتيال لم يقل لنا أحد كيف افترضوا أن المتهمين الأربعة على علاقة بالجريمة، لاسيما ان الاقتران المكاني للهواتف لا يمكن أن يكون دقيقاً ليؤخذ به كدليل". ولو سلمنا جدلاً بصحة التزامن المكاني بين الهواتف الخاصة للمتهمين وبين هواتف المجموعات المشاركة، فمن قال إن لا إمكانية للتلاعب بها أو أن الاسرائيلي ربطها مكانياً؟ لاسيما أنه ثبت بالدليل القاطع أنه قادر على فعل ذلك.هذه المسألة سبق وتم تناولها في مؤتمر عقده رئيس لجنة الاتصالات حسن فضل الله ووزير الاتصالات آنذاك شربل نحاس في مؤتمر صحافي عقداه في 23 تشرين الثاني 2010، كشفا خلاله عن الخروقات الإسرائيلية لشبكة الاتصالات.
في ذلك المؤتمر، أفاض رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات عماد حب الله في سرد المعطيات التي توضح هذا الاختراق الذي وصل إلى حد التحكم الكامل بالهاتف الخلوي الذي نحمله بأيدينا، وكذلك بالشريحة التي في داخله، من خلال برنامج متطور يزرعه في الهاتف، ويستطيع الإسرائيلي من خلاله: الاستماع إلى المكالمات، التنصّت على الحوارات الجارية في محيط الهاتف، الاطلاع على الرسائل النصية (SMS)، إرسال رسالة قصيرة (SMS) كإنذار في حال استقبال الهاتف المستهدف لاتصال، أو تغيير الشريحة SIM، أو إيقاف أو تشغيل الهاتف، إظهار سجل المكالمات الخاص بالهدف (المكالمات الصادرة والواردة والمدة والوقت)، وغيرها الكثير.
وفي المؤتمر نفسه، ربط فضل الله بين هذه الإمكانية وبين وجودها على أرض الواقع فعلاً، عبر كشفه عن محاولة إسرائيلية لاختراق هواتف ثلاثة مقاومين في العام 2007.


تعريب خاطئ للأدلّة الظرفية والمقصود الإثبات غير المباشر... وهي قابلة للاصطناع
مقابلة 'تايم' تذكّر بشهود الزور.. وقرار بيلمار 'تقاعد' قبل المحاكمة

ـ 'السفير'
علي الموسوي:

ما أن أفرج قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال فرانسين عن القرار الاتهامي الصادر عن المدعي العام دانيال بيلمار، موافقاً على مضمونه بما فيه من أخطاء ليست لمصلحة العدالة وسمعتهما معاً، حتّى أطلقت بعض الجهات العنان لمخيّلتها وبدأت بالعمل على استصدار مقابلات صحافية مع المتهمين الأربعة المنتمين إلى &laqascii117o;حزب الله"، من نسج الخيال ومن دون أن تلتقي بهم أو ترى صور وجوههم، ونشرها في مطبوعات عالمية المنشأ والتوجّه على غرار ما فعلت مجلة &laqascii117o;تايم" الأميركية التي ادعت بأنّها سجّلت سبقاً إعلامياً بنشر مقابلة مع أحد هؤلاء المقاومين الأربعة من دون أن تنشر اسمه على الأقل لتأكيد مصداقيتها وكأنّ الملتقى به من الأشباح.
وهذا الأسلوب المتذاكي يذكّر بالدرجة الأولى، بالمقابلات الوهمية التي كانت تنشرها صحيفة &laqascii117o;السياسة" الكويتية مع شاهد الزور السوري زهير محمّد الصدّيق من دون علمه ومن دون أن تعرف مكان وجوده إذ كانت تصلها المقابلة المزعومة من جهات سياسية وأمنية لبنانية معروفة على تماس مع هذا الشاهد الكاذب، وذلك في سبيل تضليل التحقيق.وحسنا فعل &laqascii117o;حزب الله" بطلبه ضم قضية مقالة &laqascii117o;تايم" الى ملف شهود الزور الذي لم تقرر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وجهة التعامل معه حتى الآن.
ولكنّ الاختلاف الحاصل بين &laqascii117o;تايم" وبين &laqascii117o;السياسة" يكمن في أنّ هدف الأولى إلقاء المزيد من الضغوط على &laqascii117o;حزب الله"، برغم تأكيد أمينه العام السيّد حسن نصر الله أنّه لا يخضع للاستفزاز والابتزاز، وإظهاره بمظهر الخارج على القانون المحلّي والدولي في آن معاً، ومن ثمّ اتهام السلطة اللبنانية ممثّلة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي بالتقصير إزاء عملية توقيف من ينسب بيلمار إليهم ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي هذا إساءة إلى الحكومة الميقاتية ومحاولة لتشويه صورتها وتصويرها على أنّها متواطئة مع المتهمين وتعمل ضدّ المحكمة والحقيقة.

والقول بأنّ بيلمار لم يكتب كلّ المعلومات المتوافرة لديه في التحقيق في قراره الاتهامي الأوّل، وبأنّه يحتفظ بالكثير الكثير لجلسات المحاكمات مبقياً إيّاها ذخيرة للمواجهة القانونية الصلبة والقويّة أمام قوس العدالة، غير منطقي ولا يتآلف مع مندرجات جريمة كبرى كاغتيال الرئيس رفيق الحريري، ذلك أنّ مضمون القرار الاتهامي جاء خالياً من وقائع حسيّة وملموسة.
ألم يكن &laqascii117o;حزب الله" صديقاً للرئيس رفيق الحريري؟ وألم يكن الحريري مقتنعاً بجدوى المقاومة على ما تشي محاضر اللقاءات بينه وبين السيد حسن نصرالله، ألم تكن تعقد جلسات مطوّلة بين رفيق الحريري والسيّد نصرالله، خاصة في الشهور الأخيرة التي سبقت الجريمة والتي تطورت إلى درجة بناء مودة كبيرة وثقة عالية بين هذين الرجلين؟ ألم يكن المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين خليل يعمل في اليوم نفسه الذي وقعت فيه جريمة الاغتيال على تثبيت موعد للرئيس الشهيد مع الرئيس السوري بشار الأسد، وألم يكن ما قاله الرئيس الشهيد في عدد &laqascii117o;السفير" يوم الرابع عشر من شباط، جزءا من المناخ الجديد بينه وبين دمشق وذلك بفضل الجهد الذي قام به &laqascii117o;حزب الله" وأمينه العام ومعاونه السياسي على خط اعادة مد جسور الثقة المتبادلة بين الحريري والقيادة السورية ثم ألم يلبّ &laqascii117o;حزب الله" طلب عائلة الرئيس الشهيد بإيفاد خبراء من المقاومة إلى مسرح الجريمة للكشف على الحفرة التي أحدثها الانفجار ومحيطها؟ ألم يوافق &laqascii117o;حزب الله" على فكرة التحقيق العربي عندما طرحها آل الحريري أثناء اجتماعهم في قريطم بالسيد نصرالله قبل أن يعتذروا عن ذلك غداة وصولهم الى الرياض حيث طلب منهم أن يتبنوا صيغة التحقيق الدولي وليس اللبناني أو العربي او الاسلامي!
لعل الاعتماد على الاتصالات الهاتفية غير كاف لتحقيق المبتغى، خصوصاً وأنّ هذا الاعتماد حفل بثغرات جسيمة خفّفت من ثقل القرار الاتهامي وأصابته بخدوش لا يمكن لأيّ معلومات لاحقة ومخبأة أن تشفيه حتّى ولو تذرّع بيلمار بوجود قرار اتهامي ثان وثالث ورابع.
والوصف الأفضل للقرار الاتهامي أنّه &laqascii117o;تقاعد" قبل أن يأخذ مداه في حلقات المحاكمة التي يدرك بيلمار أنّها ستكون غيابية لعدم القدرة على توقيف المتهمّين الذين لن يسلّموا أنفسهم ليقينهم بأنّهم أبرياء وما الاتهام سوى عملية كيدية، خصوصاً وأنّ ما حدث مع الضبّاط الأربعة أكبر دليل وخير مثال على ممارسة الكيدية بغطاء قانوني ـ قضائي لبناني ودولي.

وبالتالي فقد كان يتوجّب على بيلمار، أن يقدّم قراراً اتهامياً أكثر وضوحاً سواء لناحية الأدلّة والبراهين، أو لجهة الوقائع والاتهامات، وألاّ يكتفي بالحشو ولاسيّما في الأسماء ومواد الادعاء وأوصاف الاتهامات، وكيف يمكن الاستناد إلى عبارة &laqascii117o;من المعقول الاستنتاج"؟ ولماذا لم يورد في أيّ مكان عبارة &laqascii117o;من المؤكّد"؟ وكيف عرف بأسماء المتهمّين الأربعة ما دامت أنّها مستعارة وهو لم يخبرنا أساساً كيف حصل عليها؟ وهل يعرف وهو القاضي الخبير بالقانون بأنّ القرائن أو الأدلّة الظرفية التي يستنتجها باعتبار أنّه يكثر من ترداد عبارة &laqascii117o;من المعقول الاستنتاج"، قابلة للاصطناع، أيّ أنّ إسرائيل أو جهة أخرى اصطنعتها، وبالتالي اصطنعت الاتصالات الهاتفية التي يستند عليها في اتهاماته ولاسيّما وأنّ تفكيك عدد كبير من شبكات التجسّس الإسرائيلية أبرز حصول اختراق لها من &laqascii117o;الموساد"؟ وهل يعرف بيلمار بأنّ قرائنه قابلة للاستنتاج الخاطئ؟
نعم لقد كان من مصلحة بيلمار أن يظهر قراره الاتهامي في طبعته الأولى وفي إطلالته الأولى على الملأ، بحجم الواثق من معلوماته وروايته وممّا يسوقه من جرائم، غير أنّه خيّب آمال من انتظروا الحقيقة الكاملة لمقتل رئيس وزرائهم الأكثر حضوراً وجدلية في الفترة اللاحقة على انتهاء الحرب الأهلية، والسبب الرئيسي خضوع التحقيق لاملاءات سياسية واضحة أبعدته عن هدفه المنشود ورهنته لمصالحها، فتارة سوريا هي القاتلة، وتارة أخرى الضبّاط الأربعة، وطوراً &laqascii117o;حزب الله" ومن يقف خلف جناحه العسكري على ما ألمح بيلمار في الفقرة 59 من القرار المذكور.
وبالعودة إلى ما أسماه بيلمار الأدلّة الظرفية وهي خلاصة ما يرتكز إليه في اتهاماته، فلا بدّ من القول أنّ القضاء اللبناني والقوانين اللبنانية والمشرّع اللبناني لم يستعمل في حياته عبارة" الأدلّة الظرفية" وهي لم ترد في قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تقول المحكمة الخاصة بلبنان إنّها تعتمد الكثير من نصوصه في قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بها، والبديل هو عبارة &laqascii117o;القرائن" أو &laqascii117o;الإثبات غير المباشر" التي وردت صحيحة في النصّ الإنكليزي وخاطئة في النصّ العربي.

وهذا التغيير والتحريف هو من ابتكار المعرّب الذي يبدو أنّه من مصر أو من دول المغرب العربي حيث تستعمل عبارة &laqascii117o;الأدلّة الظرفية"، وبديلها في لبنان عبارة &laqascii117o;القرائن" أو الإثبات غير المباشر.
والفارق كبير بين الإثبات المباشر والإثبات غير المباشر، والنوع الأوّل يستقى من الاعتراف القضائي أو غير القضائي أو البسيط، ومن الشهود، ومن الخبرة الفنية الناتجة عن تقارير الخبراء الفنّيين المعنيين، والإثبات الخطّي المجسّد بالمحاضر والمستندات.
بينما النوع الثاني الذي يسمّى القرائن، فالقرينة هي استنتاج واقعة غير معروفة من وقائع أخرى معروفة مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً. وقد أعطاها القانون الإنكليزي الذي تعتمده المحكمة الخاصة بلبنان، قوّة ثبوتية كبيرة وقسّمها إلى نوعين: قرائن قانونية قاطعة لا تقبل العكس كالأحكام المبرمة أو مرور الزمن، وقرائن قانونية مؤقّتة تقوم حتّى إثبات ما يخالفها، وقرائن تقديرية وهي قرائن غير قانونية، أو أمور تترك لتقدير القاضي الذي يستخلصها من ظروف كلّ قضيّة وملابساتها ويصحّ الاستناد عليها في تعزيز الأدلّة الأخرى القائمة في الدعوى.
ومن البديهي القول بأنّ القرائن غير المؤيّدة بأيّ دليل حسّي، أو مادي آخر، كافية للاتهام، أمّا القرائن التي لم تؤيّد بأيّ دليل حسّي أو مادي آخر، وإن كانت كافية للاتهام، فهي غير كافية للإدانة والتجريم، إذ أنّها تبقي الشكّ في ذهن المحكمة، والشكّ يفسّر دائماً لمصلحة المتهم. وتعتبر القرائن من الأدلّة الصعبة، إذ يتوجّب على القاضي أن يحسن التقدير منعاً للأخطاء، وهذا ما وقع فيه بيلمار الذي أخطأ في التقدير، ويبدو أنّه استعجل الأمور قبل أوانها.


'الفصائل' لا تمانع انتصاراً معنوياً.. 'لا يلغي العودة إلى فلسطين التاريخية'
'دولة الـ67' لو أعلنت: اللاجئون لن يتحولوا رعايا

ـ 'السفير'
ايلي الفرزلي:

بِيُسر مرت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت. تأبط في طريق العودة إنجازات عدة ربما فاقت توقعاته. وإن كان دعم لبنان للدولة الفلسطينية هو عنوان الزيارة، إلا أنه لم يكتف بدعم الدولة للدولة، بل حمل دعماً من جانب اليمين المسيحي، المتذرع دوما بـ&laqascii117o;بعبع" التوطين. وبين هذا وذاك حلت المصالحة الفلسطينية برداً وسلاماً على زيارة رئيس السلطة، فرحبت &laqascii117o;حماس" بالزيارة، وعضت على الجرح، راضية بدولة على حدود 67.
موقف &laqascii117o;حماس" والفصائل الفلسطينية يتم التعبير عنه بحذر شديد، فالمصالحة أمامها وهي، ربطاً بالأحداث السورية، غير مستعدة للتراجع عنها مهما غلت التضحيات، تماماً كأبي مازن، الذي أثقل كاهله برحيل نظام حسني مبارك، وصارت المصالحة خياره الوحيد.
هل الدولة في مصلحة الفلسطينيين؟ الإجابة تأتي سريعاً بالإيجاب. فوجود كيان سياسي للفلسطينيين هو حكماً في مصلحتهم، إلا أن النقاش لا بد أن يدور حول محور: هل شروط الكيان مؤمنة؟ وماذا عن حدود هذه الدولة، وهل يمكن فعلاً الحديث عن حدود 67 في ظل التغيرات الكبيرة التي طرأت من جراء الاستيطان الإسرائيلي؟ ثم، ماذا يعني اعتراف دول العالم بالدولة الوليدة في ظل رفضها من قبل إسرائيل؟ وهل يمكن لهذه الدولة أن تمارس سيادتها على أراضيها في ظل سيطرة الاحتلال على مقدراتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية؟
الإجابة بالنفي عن كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير، لا تحتاج إلى عناء كبير. الإجابة الأفضل بالنسبة لداعمي الدولة تبقى في أن حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لن يكون الهدف منه إغماض العين عن كل ما سبق، بل هو ببساطة خطوة قانونية وسياسية ومعنوية، تؤكد أن حق الفلسطيني في دولته لن يضيع، بل سيتعزز بتوقيع أكثر من 124 دولة حول العالم. وهذا الإعلان لو تحقق سيكون الرد الأفضل على إسرائيل تنحو بسرعة قياسية نحو اليمين المتشدد والمعبأ بمعتقدات توراتية ليس أقلها الإصرار على &laqascii117o;استرداد" الضفة الغربية بوصفها يهودا والسامرا. وهي معتقدات تجعل بنيامين نتنياهو، الذي تحول فجأة إلى الوسط بالمقارنة مع غلاة اليمين، يتشدد في المفاوضات حماية لشعبيته، فيضع المزيد من الشروط التعجيزية بوجه عباس، الذي لم يجد أخيراً غير المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية متنفساً سياسياً له، قبل أن يرفقه بالسعي لإعلان الدولة وبالتمسك بالمفاوضات!
في لبنان سئل رئيس الدولة الفلسطينية الموعودة: هل ستحملون السلاح للدفاع عن حدود الدولة، فأجاب: خيارنا المفاوضات ثم المفاوضات.
وقبل الدفاع عن الحدود بالمفاوضات سيكون على أبي مازن التفاوض مع إسرائيل لرسم هذه الحدود، وعندها لن يكون متمسكاً بحدود الدولة التي أعلنت في الأمم المتحدة، وهو من الآن لا يعارض تبادل بعض الأراضي بالمستوطنات الكثيرة التي بنتها إسرائيل في الضفة وحولتها إلى أمر واقع. يعرف أبو مازن أن خطوته دونها عقبات كثيرة، ولكنه يرد على أي حديث عن تأجيل إعلان الدولة، بحزم: الوقت ليس في صالحنا والمستوطنات لن تنتظرنا.
أمام هذا الواقع لا خيارات كثيرة متاحة أمام الفصائل الفلسطينية، وهي لن تتردد بدعم رئيس السلطة إذا ما أراد الدولة لإحراج إسرائيل ودفعها إلى أزمة عالمية، إلا أنها ستعارضه بشدة إذا أراد الدولة كحدود نهائية.
إعلان الدولة لن يحيد القضية عن ثوابتها. هذا ما أكدت عليه دمشق عندما أكدت دعمها لدولة بحدود 67. وحرصت على عدم إغفال رأي الفصائل الفلسطينية عندما أردفت قرارها بعبارة &laqascii117o;بما يضمن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني". وهي بذلك تحفظ حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وبالقدس عاصمة لفلسطين، وذلك برفض المستوطنات. وفي السياق نفسه، تتعامل &laqascii117o;حماس" والقوى الفلسطينية مع الأمر بوصفه مكسباً مؤقتاً على طريق الوصول إلى الأهداف الكبرى. ولكن في هذا السياق لن يكون في مقدور هذه القوى وتحديداً &laqascii117o;حماس" إلا أن تعتبر نفسها في هدنة مع اسرائيل لوقت محدد، يطول أو يقل تبعاً للمعطيات السياسية والميدانية.
عدم اعتراف الفصائل بإسرائيل يطرح سؤالاً حول مدى قدرة الدولة الفلسطينية على معاملة إسرائيل بالمثل ورفض الاعتراف بها لو استمرت قيادتها السياسية بمعارضة وجود كيان فلسطيني معترف به دولياً؟
أي حديث عن الدولة لا يستوي من دون معرفة مصير اللاجئين وحق العودة. في بيروت ردد عباس أمام كل من التقاهم رفضه للتوطين وإصراره على حق العودة، وبرغم أن كلامه طمأن اللبنانيين إلا أن الفصائل الفلسطينية كان لها رأي آخر. هي لا تنسى ما قاله عباس لأيهود أولمرت أثناء المفاوضات في العام 2008، فعندما بادره الأخير برفض العودة، ابتدع له عباس اقتراحاً يقضي بحق العودة إلى الدولة الفلسطينية، أي إلى حدود 67. في العام نفسه وعند الاحتفال بذكرى النكبة في مخيم عايدة في الضفة الغربية رفعت لافتة كبيرة على شكل وثيقة العودة إلى فلسطين، فشطب عباس كلمة فلسطين واستبدلها بكلمة الوطن. كما يتردد أنه في سياق تأكيده على أولوية وجود دولة فلسطينية على العودة إلى فلسطين التاريخية، استعداده، لا يمانع التخلي عن قريته صفد في الجليل.
في المقابل يستشهد السفير الفلسطيني في بيروت عبدالله عبدالله بالقرار 194 الذي ينص على &laqascii117o;حق عودة اللاجئين إلى وطنهم وممتلكاتهم"، ليؤكد أن الوطن ليس دولة الـ67 بل فلسطين التاريخية، بحسب ما ينص عليه القرار الأممي.
زيارة عباس إلى بيروت وتصريحاته ولقاءاته بددت قلق القيادات التي التقاها من تأثير &laqascii117o;الدولة" على التوطين وتحديداً سمير جعجع وأمين الجميل، إلا أن الفصائل ظلت على قلقها. فالمنطق يقول إنه إذا أصبحت فلسطين دولة، فهذا يعني أن اللاجئين سيتحولون حكماً إلى رعايا، أي أن التوطين سيتحول إلى أمر واقع. ودرءاً لهذا الاحتمال، ثمة توجه لدى تحالف القوى الفلسطينية إلى رفض جنسية الدولة، إلا أن سفير فلسطين يرى أن الأمر غير مطروح أصلاً، إذ أن اللاجئين سيبقون لاجئين والجواز لن يحصل عليه إلا المقيمون في الداخل، أي تماماً كما هو الوضع حالياً.
وعليه فإن الحقوق الفلسطينية ستبقى هي الخاسر الأكبر، أُعلنت الدولة أم لم تعلن، بعدما لم يبد أبو مازن، بحسب بعض الفصائل، إصراراً عليها، ولاسيما حق التملك، الذي يفترض أن يتحول إلى حق مشروع، لو عومل الفلسطيني كجزء من الرعايا العرب.


خطـة 'كـرة الثـلج' الأميـركيـة لإسـقاط الأسـد

ـ 'السفير'
سامي كليب:

حين قرر قيصر روسيا طرد اليهود من دولته، وقف ببابه رجل يهودي وخلفه زوجته وأبناؤه وقال راجيا: &laqascii117o;يا سيدي لو تركتني عندك عامين فسأجعل كلبك يتحدث الروسية كأي إنسان آخر". نظر القيصر إليه باستغراب شديد وأجابه محذِّرا: &laqascii117o;سأقبل عرضك، ولكن لو لم ينطق الكلب فسوف أعدمك وعائلتك". فرح اليهودي وعاد مع عائلته إلى منزله ليواجه غضب زوجته التي ما إن اجتازت عتبة البيت حتى صاحت به :&laqascii117o;ماذا فعلت بنا؟ أتريده أن يقتلنا؟". ضحك زوجها اليهودي وأجاب: &laqascii117o;بعد عامين سيموت القيصر أو أموت أنا أو يموت الكلب، الزمن كفيل بتغيير كل شيء يا حبيبتي".
يبدو أن واشنطن قد فهمت تماما أسرار الاستراتيجية السورية، وبين هذه الأسرار لعبة الزمن. الرئيس الراحل حافظ الأسد أتقنها تماما وربح الكثير من المعادلات عبر خياراته الذكية بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. الرئيس الحالي بشار الأسد ورث عن أبيه قيمة الانتظار، ومفادها انه ينبغي تثبيت الأمن الداخلي بحزم وانتظار متغيرات إقليمية ودولية. منطقة الشرق الأوسط حبلى بالمتغيرات والمفاجآت.
ولأن واشنطن فهمت الاستراتيجية السورية، فهي ستحاول بكل الوسائل منع نظام الأسد من الإفادة من لعبة الوقت. تقول معلومات موثوقة من واشنطن، إن السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد عاد مؤخرا من بلاده بخطة عمل واضحة لتسريع الخطوات بغية إسقاط نظام الأسد. إنها &laqascii117o;كرة الثلج"، وتقضي هذه الخطة بدفع المعارضة لتوحيد صفوفها بأسرع وقت ممكن، والاتفاق على بيان سياسي لا يتعدى الصفحة الواحدة يكون عنوانا للمرحلة المقبلة. كما تقضي بالبحث جديا عن عدد من الضباط السوريين الذين يمكن أن يشكِّلوا مجلسا عسكريا، ولا تعارض واشنطن أن يكون جل هؤلاء من الطائفة العلوية، شرط الالتزام بعدد من الشروط المتعلقة بالانتخابات الحرة والإصلاحات والمصالح الأميركية والعلاقة مع إسرائيل.

كان السفير الأميركي الذي يتقن لغات عديدة بينها العربية، قد استُقبل في واشنطن في مطلع آب الحالي استقبالا لافتا حيث خصّه الرئيس باراك أوباما بلقاء طويل نسبيا، والتقى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومسؤولي الأمن القومي والاستخبارات. تقول المعلومات إن فورد عاد من تلك اللقاءات بكلمة السر التالية :&laqascii117o;قرارنا أن الأسد فقد شرعيته، وان أي كلام عن إصلاحات لم يعد نافعا، والمطلوب منه الآن فقط وقف العمليات العسكرية وسحب الجيش".جاء الموقف الأميركي هذا بعد تقارير وافية حملها فورد حول حركة المعارضة السورية وتحديدا &laqascii117o;التنسيقيات"، وجاء أيضا بعد زيارته مدينة حماه، التي بقيت ظروفها غامضة حتى وقت قريب لجهة كيفية وصوله إلى تلك المدينة الحساسة ولقاءاته بمسؤوليها المحليين والمعارضة فيها، والتي يغلب عليها الطابع &laqascii117o;الاخواني".
حين عاد فورد من حماه، روى كيف انه فوجئ بان الإسلاميين يقيمون هناك دولة داخل الدولة، فلهم قيادة خاصة وتراتبية في المناصب، وعندهم ترتيبات أمنية ووسائل حماية خاصة.

كيف وصل فورد إلى حماه؟
تشير مصادر أمنية إلى أن السفير الأميركي استخدم حيلة ذكية في الوصول إلى حماه. لجأ إلى اتفاق سابق بين دمشق وواشنطن يسمح للملحق العسكري الأميركي فقط بالتنقل عبر المناطق السورية بمجرد أن يقدِّم طلبا إلى القيادة العسكرية. أي أن الملحق قادر على التحرك قبل حصوله على الموافقة أو حتى من دونها. تحرَّك السفير بسيارة الملحق واسمه. جاء الرد الرسمي السوري غاضبا. تم منعه لاحقا من التحرك في مسافة تزيد على 25 كيلومترا. ردت واشنطن بموقف مماثل حيال السفير السوري هناك. لكن فورد عاد بعد فترة ليطلب رسميا الذهاب إلى مدينة حلب. جاءه الرد السوري بان الحفاظ على أمنه الشخصي يمنع وزارة الخارجية السورية من منحه الإذن، أجاب: &laqascii117o;هل هذا يعني أن الأمن السوري عاجز عن حفظ الأمن في تلك المنطقة؟". يبدو أن دمشق قررت عدم إجابته على سؤاله، لأنها فهمت المغزى.
تم تقديم زيارة فورد إلى مدينة حماه على أنها عمل بطولي. كانت واشنطن تنتظر أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التظاهرات في المدينة ومحيطها، ولكن أيضا إلى تأجيج الشعور العربي السني ضد نظام الأسد. وثمة هدف ثالث بقي بعيدا عن الأنظار ويتعلق برغبة الإدارة الأميركية في التجاوب مع مطلب أنقرة. كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد أفهم الإدارة الأميركية، ومعها بعض القادة العرب وسوريا نفسها، بان حماه هي &laqascii117o;قضية شخصية" وانه تعهد بحمايتها. يبدو انه قال الأمر نفسه لبعض قادة الإخوان المسلمين.
بادر أوباما وقبله كلينتون إلى تهنئة السفير الأميركي على ما قام به في حماه. تأكدت الإدارة الأميركية من أن فورد، ذا التاريخ الناجح جدا في عدد من الدول العربية والإسلامية في عهد جورج بوش (من الجزائر والمغرب وتركيا ومصر إلى العراق فسوريا)، كان الخيار الأفضل لأوباما إلى دمشق رغم الامتعاض الأولي للجمهوريين وبعض الديموقراطيين. نجح أوباما في فرض وجهة نظره بالنسبة للسفير على أعضاء الكونغرس الأميركي.
كان لافتا أن يبقى فورد في دمشق، بينما جل السفراء الخليجيين خرجوا من سوريا بضغط أميركي أولا واحتجاجا على القمع الأمني للمتظاهرين ثانيا. والأغرب أن يبقى السفير في العاصمة السورية بعد أن أعلن أوباما نفسه أن على الأسد الرحيل، وانه بات فاقدا الشرعية.

هذا بالضبط ما يحمل على الاعتقاد بان الرجل يحمل فعلا خطة مدروسة لدعم الشارع السوري ضد القيادة. ثمة كلام جدي لدى بعض الأوساط العائدة حديثا من واشنطن بأن البحث جار عن كيفية تحريك &laqascii117o;كرة الثلج" في الشارع. يقال إن المطالب الملحة من قبل الغرب، لكن أيضا من قبل تركيا، لوقف العمليات العسكرية وسحب الجيش تمهد لتطبيق تلك الخطة. تبين للأميركيين أن &laqascii117o;التنسيقيات" هي السبيل الأفضل لتحريك الشارع وليس وجوه المعارضة المعروفة. كان لقاء هيلاري كلينتون مع عدد من أركان المعارضة مخيبا لآمال الإدارة الأميركية. جرت لقاءات أخرى بعيدة عن الأضواء مع عدد من المعارضين الآخرين. اقتنعت الإدارة الأميركية بأنه لا بد من التحرك في الداخل السوري، وهذا يفترض توفير مناخ جيد لذلك. الضغط سيزداد في المرحلة المقبلة لسحب الجيش.
الأوساط السورية شبه الرسمية تشير إلى أن القيادة أدركت منذ البداية أن التساهل في الموضوع الأمني سيجعل إمكانية تأثير الخارج على الشارع كبيرا. كان هذا أحد أهداف تشديد القبضة الأمنية، وليس فقط القلق من المسلحين أو من توسع رقعة التظاهرات.
سعى الأميركيون قبل فترة قصيرة إلى الترويج لفكرة أن الأسد نفسه ليس مسيطرا تماما على القرار الأمني. تباحثوا في هذا الأمر مع عدد من رموز المعارضة. سرت معلومات تقول بان واشنطن ومعها بعض حلفائها يبحثون عن شخصية بديلة من قلب النظام نفسه. ترددت أسماء كثيرة، بعضها سني الطائفة وبعضها علوي، لكن بقاء القيادة متماسكة طيلة الأشهر الماضية، ومشارفة شهر رمضان على الانتهاء، أقنعت الجميع بصعوبة المراهنة على انشقاق داخلي، فكان الاتجاه نحو تبني اتجاهين في خطة &laqascii117o;كرة الثلج": أولهما استمرار البحث عن بدائل للنظام من قلب النظام، وثانيهما تفعيل حركة الشارع ودعمه وتقديم نصائح حثيثة للتنسيقيات بغية توحيد صفوفها وتنظيم عملها. ليس غريبا والحالة هذه أن تجاهر بعض رموز المعارضة في القول لزوارها انه ما عاد بالإمكان قلب النظام من دون تدخل خارجي، برغم انتقاد جزء من هذه المعارضة للتدخلات الأجنبية.

تركيا وقطر والسعودية
في بحثها عن مناطق إسناد خارجية لتطبيق خطة &laqascii117o;كرة الثلج"، ضغطت الإدارة الأميركية على دول الخليج لاستصدار موقف ضد سوريا. جاء الموقف الخليجي الرسمي من قبل بيان مجلس التعاون أو البيان الذي صدر عن الملك السعودي عبد الله مفاجئا للقيادة السورية. تفيد معلومات دبلوماسية دقيقة في دمشق أن الأسد كان غالبا ما يتلقى اتصالات من كبار المسؤولين الخليجين يؤكدون له فيها أنهم إلى جانبه، وأنهم لا يريدون سقوطه، وإنما عليه أن ينتهي سريعا من العمليات الأمنية. يؤكد هؤلاء أن الملك عبد الله نفسه كان المبادر في الشهر الأول من الاحتجاجات السورية إلى الاتصال بالأسد وإبلاغه موقفه المؤيد. لم تنقطع الاتصالات الخليجية. كان نائب رئيس حكومة الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يؤكد للمقربين منه انه يصدِّق الرواية السورية حول وجود مسلحين، وكان يحرص على استمرار الاتصالات بالأسد. تشير المعلومات الدبلوماسية نفسها الى أن اتصالات بعض القادة الخليجيين لم تنقطع حتى بعد سحب السفراء. سعى البعض لتبرير ذلك والقول بان القيادة السورية تتفهم موقفهم.
لم ترد دمشق على المواقف الخليجية. لا بل إنها حرصت منذ البداية على عدم المجاهرة باستيائها من القيادة القطرية رغم كل ما تقوله عن دور قناة &laqascii117o;الجزيرة" في تأجيج الشارع السوري. لم يقل الرئيس الأسد شيئا في مقابلته المتلفزة عن الموقف الخليجي. ثمة من يفسر ذلك بالحرص على إنجاح المساعي الهادفة إلى إبقاء الاتصالات مع الخليج قائمة، وخصوصا مع السعودية والإمارات.

تنفرد قطر في استثارة الاستياء السوري. يقال إن اتصالات أميرها بالرئيس الأسد بقيت مستمرة خصوصا في الشهرين الأولين للازمة السورية، لكن مواقفه مريبة. ينحو البعض صوب القول بان خطة &laqascii117o;كرة الثلج" الأميركية كانت بحاجة إلى ذراع إعلامية قوية. دخلت فضائيتا &laqascii117o;الجزيرة" و&laqascii117o;العربية" في دائرة الاتهامات السورية المباشرة، طال الاتهام أيضا صحفا تابعة للسعودية وقطر.
يقول البعض الآخر إن اتصالات أمير قطر مع طهران تصب في خانة معرفة حقيقة الموقف الإيراني من النظام السوري وإمكانية إقناع القيادة الإيرانية بان سقوط الأسد لن يؤثر على علاقة طهران بدمشق لاحقا، وان لإيران مصلحة في شيء من الحياد حاليا في المشهد السوري في مقابل أن يقدم لها الغرب تسهيلات لجهة رفع العقوبات انطلاقا من سياسة &laqascii117o;الخطوة خطوة" التي طرحت مؤخرا. يقول أصحاب هذه النظرية إن ثمة محاولات حثيثة للتوجه صوب إيران وإقناعها بان الإخوان المسلمين ليسوا ضدها، وأنهم يتفهمون أكثر من أي طرف آخر الموقف الإيراني القائل بان ما يحصل في الوطن العربي هو صحوة إسلامية. ثمة من يسخر من هذه المعلومات ويقول إن إيران لا تقبل أي نقاش حول احتمال سقوط النظام السوري. على العكس تماما كثفت إيران جهودها الدبلوماسية (زيارة رئيس لجنة الأمن القومي والعلاقات الخارجية في إيران علاء الدين بروجردي إلى القاهرة) وإغراءاتها الدولية (إحياء الوساطة الروسية في الملف النووي)، أو الإقليمية (تقارب مع السعودية وقطر) بغية مساعدة النظام السوري والتصدي للتدخلات الأميركية.
العلاقات المتقدمة بين إيران ومصر تعطي مفعولها. يقول مسؤول مصري مقرب من المؤسسة العسكرية إن المجلس العسكري لا يريد سقوط نظام الأسد، ويشير إلى أن جدلا قام مؤخرا في أوساط القيادة المصرية بعد أن طرح البعض إمكانية تحميل إيران وسوريا مسؤولية الهجوم على ايلات. رفض القادة العسكريون ذلك. هل للتقارب الإيراني المصري دور في ذلك؟

كان احد ضيوف الرئيس الأسد نقل عنه مؤخرا موقفا واضحا حيال إيران. قال الرئيس السوري انه يعتبر الموقف الأوروبي من بلاده &laqascii117o;قبيحا". شرح أن الأوروبيين طلبوا منه غير مرة فك التحالف مع إيران أو تسهيل مصالحهم مع طهران، وأكد انه رفض ذلك غير مرة، لا بل انه قال إن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كان على حق حين قال للرئيس الحالي نيكولا ساركوزي انه لن يحصل على شيء في مقابل تقاربه من القيادة السورية، لان شيراك يعرف انه لم يحصل على شيء بالنسبة للملف الإيراني. الموقف السوري واضح إذاً حيال الأهمية الوجودية لهذا التحالف.
أما بالنسبة لتركيا فيشرح دبلوماسي مقرب من دول الخليج أن السعودية ليست مرتاحة أصلا إلى التفرد التركي بالملف السوري. يؤكد أن بيان الملك عبد الله جاء معتدلا حيث انه تحدث عن ضرورة &laqascii117o;الحكمة" في الملف السوري. كان لا بد من صدور موقف سعودي، ليس بفعل الضغوط الأميركية فقط، وإنما لان الرياض لا تقبل بان تصبح أنقرة هي &laqascii117o;الراعي السني" لأهل سوريا أو المنطقة.
يتعزز هذا الاعتقاد حول الاستياء السعودي من التفرد التركي، بعد المعلومات التي رشحت عن الاتصالات التركية -الإيرانية الأخيرة. زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لطهران أثارت السعودية وبعض دول الخليج. اضطرت تركيا لشرح الموقف لاحقا للقيادة السعودية. مفاد الموقف أن الهدف هو وقف العنف في سوريا وتهدئة الأوضاع وإقناع الأسد بسحب جيشه وليس أي شيء آخر.
ليس مهما من وجهة النظر السورية معرفة أي دولة إقليمية مستاءة من الأخرى. الأهم هو رصد تأثير ذلك على الداخل السوري. حين طرحت الإدارة الأميركية فكرة أن تطلب السعودية وتركيا من الأسد التنحي، كانت هذه الإدارة تدرك تماما أن الاستياء السعودي من الرعاية الأميركية للدور التركي في الملف السوري واضح. سعت واشنطن لإرضاء الرياض ولكن هدفها بقي نفسه: لا بد من تشكيل محور إقليمي سني يساهم في تكبير &laqascii117o;كرة الثلج" من جهة، ويشكل حاجزا أمام التدخل الإيراني.
في هذا المسعى ثمة دول عربية تضغط على حركة حماس للخروج نهائيا من سوريا. يحاول البعض جر الحركة إلى الموقف العام للإخوان المسلمين وللاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لجهة المجاهرة بشجب النظام السوري. يصطدم ذلك بمواقف عدد من القادة البارزين في الحركة. يؤكد رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل لزواره أن أحدا لم يقدم للحركة ويدعمها كما فعل الرئيس بشار الأسد. يقول مسؤول حماسي آخر إن ذهاب الحركة إلى قطر يشابه إلى حد بعيد مع ذهاب الرئيس ياسر عرفات إلى تونس، أي الدخول في مرحلة إنهاء الحركة، وان استقرارها في مصر قد يلغي دورها المقاوم. لكن الأكيد أن الضغوط تكبر لفك التحالف بين حماس ودمشق، وذلك بذريعة أن تغيير المشهد السوري يعني وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة أو إلى جزء أساسي من السلطة في سوريا، وان وضع الحركة مع النظام المقبل سيكون أفضل.

لصالح من يلعب الوقت؟
يتغير المشهد الإقليمي في الوقت الراهن. تشتد المعارك التركية مع الأكراد. توحي إيران بأنها دخلت مجددا إلى الملف الكردي (إعلان عن اعتقال الرجل الثاني في حزب العمال الكردستاني مراد قره يلان ثم نفي ذلك). يغلي العراق امنيا وسياسيا على وقع المفاوضات بشأن مستقبل القوات الأميركية. تلتهب إسرائيل بالعملية الفدائية في ايلات ثم الهجمات الهمجية على غزة. تتوتر العلاقات المصرية الإسرائيلية. تنشط الحركة الفلسطينية بشأن إعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة. يضغط الأميركيون على إسرائيل للاعتذار من تركيا بشان مجزرتهم ضد الأتراك في &laqascii117o;أسطول الحرية" إلى غزة. تعتقد واشنطن انه لا بد من هذا الاعتذار في مقابل دعم الإدارة الأميركية للجهود الإسرائيلية ضد الدولة الفلسطينية. الأتراك ينتظرون الاعتذار وأمامهم كل الاحتمالات.
وسط هذا المشهد ، يمكن لـ&laqascii117o;كرة الثلج" الأميركية أن تستمر في سوريا، ولكن ثمنها سيكون باهظا جدا. القيادة السورية لن تترك الملف الأمني يفلت من يدها مرة ثانية، و&laqascii117o;التنسيقيات" تعلم أن أي استعادة للقوة على مستوى القيادة السورية يعني دفع ثمن باهظ لاحقا. سعى الرئيس الأسد لسحب البساط عبر حواره المتلفز أمس الأول وتحديد مواعيد روزنامة واضحة للإصلاحات. سارعت المعارضة للقول إن الأمر تأخر. المعركة الداخلية مرشحة إذاً لخضات لن تهدأ قريبا. المعركة مستمرة وقد تطول والرئيس الأسد تعمد في لقائه المتلفز التأكيد على قوة الدولة والأمن، تماما كما تعمد الحديث بالتفصيل عما جرى في اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث، ذلك أن الحزب يبقى أولوية بالنسبة للنظام في المرحلة المقبلة. المعركة طويلة، لكن التوترات في المنطقة تعيد الأمور إلى منطق اليهودي الذي كان ينتظر عند باب القيصر. فلمصلحة من سيلعب الزمن؟


'من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه'

ـ 'السفير'

عصام نعمة اسماعيل: [ استاذ مادتي حقوق الإنسان والقانون الدستوري في الجامعة اللبنانية]

إن ما يحدث في سوريا ليس بمعظمه تظاهرات سلميّة خاضعة لحماية قوانين حقوق الإنسان لا سيِّما الحق في التجمع وحرية التعبير وحق المشاركة في الحياة العامة وحق معارضة النظام القائم، لأن ممارسة هذه الحقوق إنما يكون تحت سقف النظام، الذي يكون الراعي والضامن لها. وهذا المبدأ تقرّه أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تستخدم الاتفاقيات الدولية مصطلح بأن هذه الحقوق والحريات مكفولة بالقانون الذي يحدد أطر ممارستها.
كما أن حظر التظاهرات التي تشكَّل تعدياً على السلطات الدستورية أو تخالف النظام العام للدولة، ليس مقتصراً على دولةٍ ما، بل نجده مبداً معتمداً في كلِّ دول العالم، فمثلاً يستحيل أن نشهد في الولايات المتحدة الأميركية تظاهرة مؤيِّدة للمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية، ولا تظاهرة منددة بالكيان الصهيوني أو ندوة تنكر الهولوكست، أو تتعرض للسامية، بالمفهوم الغربي لها.... وكذلك لا يمكن أن نرى في هذه البلاد تظاهرة تطالب الرئيس المنتخب بصورة قانونية بأن يعتزل الحكم وإلا استمرت التظاهرات والاحتجاجات بمواجهته حتى إسقاطه.
إذا ادعت المعارضة السورية أنها أكثرية وتملك الشارع فعليها ضبط إبقاع تحركاتها والعمل تحت سقف النظام القانون حتى تحين لحظة الانتخابات فتثبتُ عندها مدى امتلاكها التأييد الشعبي، فإذا فازت في الانتخابات لتعمل عندها على إعادة صياغة النظام كما تريد، وهذه الوسيلة قد استخدمها حزب العدالة والتنمية في تركيا، حيث استطاع هذا الحزب تغيير الكثير من مبادئ النظام التركي منذ استلامه الحكم، وبالوسائل القانونية المشروعة.
وأما استعجال إسقاط النظام، فهذا الاستعجال هو عمل غير محمي بمنظومة الحقوق والحريات، لأن هذه المنظومة لا تحمي سوى الأعمال المشروعة ولا تحمي الأعمال غير المشروعة وغير الدستورية. وفي العلم الدستوري، يدخل استعجال إسقاط النظام ضمن ما يُعرف بالوسائل غير المشروعة للوصول إلى الحكم، وهي وسائل تشجبها وتعارضها كلُّ القوانين والأنظمة الدستورية والحقوقية في العالم، لأنها تشكِّل تعدِّياً على حق الهيئة المنتخبة في اكمال ولايتها، وكذلك تعدياً على حقِّ الأكثرية الناخبة التي اختارت ممثليها في إدارة شؤون الحكم، وإذا رأى الشعب أن الهيئة الحاكمة مخطئة فهناك وسائل دستورية لمساءلتها ومحاسبتها، وليس خيار الفوضى والشارع من ضمن هذه الوسائل أبداً.

فإذا استعجل فريق سياسي الاستيلاء على الحكم، فإن عمله مخالفٌ لدستور البلاد وقوانينها، حيث تفرض هذه القوانين على أجهزة النظام أن تتحرَّك فوراً وبلا إبطاء لملاحقة الفاعلين ومحاكمتهم، كما تفرض على السلطات الأمنية موجب التصدي لهم بالقوة بخاصةٍ إذا ما لجأ مستعجلو إسقاط النظام إلى استخدام السلاح وعمدوا إلى السيطرة على المدن والقرى وأخرجوها عنوةً من سيادة السلطة وأخضوعها لسلطتهم.
إذ لا دولة في العالم ولا أي قانون ينص على مقابلة التمرد العسكري بالورد والياسمين، بل على النظام أن يثبت الحزم والشدة في التعامل مع المتمردين، والأمثلة في العالم لا تُحصى، منها: التدخل العسكري الأميركي ـ العراقي في الفلوجة ـ العراق، التدخل العسكري التركي ضد متمردي حزب العمال الكردستاني ـ التدخل العسكري اللبناني في نهر البارد ضد عصابات فتح الإسلام.... فالقانون هو الذي يمنع الدولة النظامية من أن تتعامل مع متمردين بالحسنى واللين، لأن هذا القول يشجِّع الفوضى والانقسامات، ويخالف واجبات الدولة في الحفاظ على وحدتها وتماسكها. وإذا قبلنا بالمنطق الآخر أي منطق معاملة مستعجلي إسقاط النظام بالحسنى واللين، نكون قد أدخلنا في المنظومة الدستورية وسيلة جديدة ومشروعة للوصول إلى الحكم، ويصبح من حقِّ كل من يخسر انتخابات، أو كلّ عشيرة أو جماعة تملك بعض التأييد الشعبي والدولي، أن تطلب ساعة تشاء إسقاط النظام، وعلى النظام الحاكم أن يستجيب ويرحل ويخلي الساحة، فهل يمكن أن يستقر هذا المنطق الجديد، ليصبح هو القاعدة الأساسية في تولي الحكم؟ وعندها علينا أن نمحو من ثقافتنا قاعدة أن: &laqascii117o;من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه".


واشنطن تدير جوياً ووراء الكواليس معركة طرابلس وتخشى مرحلة انتقالية فوضوية بعد انهيار نظام القذافي

ـ 'السفير&qascii117

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد