قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 30/8/2011

سوريا تحتاج إلى وسيط يقنع أهلها بالتنازلات

ـ 'الأخبار'
ابراهيم الامين:

سوريا الآن في ملعبين؛ الأول داخلي يتواجه فيه محتجّون يختلطون بمجموعات مسلحة من ألوان مختلفة، مع سلطة لا تزال ترى أن العلاج الأمني أساسي في هذه المرحلة. والثاني خارجي يتواجه فيه عالمان، واحد تقوده الولايات المتحدة عن بعد، وآخر تقوده إيران، بينما تقف الصين وروسيا في مكان متصل بالحسابات الكبرى لمصالحهما في العالم والمنطقة.
العرب المتحمّسون للتغيير في سوريا مثيرون للشفقة. السعودية تقود تحالفاً خليجياً لا دساتير في غالبية دوله، وتتحدث عن تغييرات وإصلاحات وعن تداول السلطة وعن عدم مواجهة الشارع بالعنف وغيره، بينما من المفيد استعادة مشهد ليس هدفه تبرير أي قمع أقدمت عليه السلطات السورية، لأنه لا أحد في العالم يغطّي عمليات قتل لأبرياء. لكن هل تقول لنا السعودية كيف تواجه مجموعات القاعدة عندها؟ أو كيف تدير ملف الاحتجاجات السياسية والمطلبية لقسم كبير من مواطنيها؟ أو كيف تعالج التخلف الإداري والدولتي فيها؟ وكيف توزع الثروة الأكبر في العالم على مواطنيها؟ أو كيف أرسلت جنودها، من خارج دولة البحرين، لقتل متظاهرين وقمعهم بالقوة، وتعذيبهم لأسباب سياسية وطائفية مقيتة مثل شكل وجوه قادتها؟
هل تعتقد قطر أنه يمكنها فعلاً إدارة ملف التغيير في العالم العربي إن هي امتلكت المال و&laqascii117o;الجزيرة"، أو استضافت مؤتمرات معارضين؟ ألا تنتبه إلى أنها دولة صغيرة ليس فيها طاقات أصلية، وأن أي تطوع لدور أكبر يضعها في عين العاصفة التي تأتي بأسرع ممّا توقعه كثيرون؟ هل في الدوحة من يظن أن الضغط بواسطة الإعلام يكفي لقلب المشهد في سوريا حيث الانقسام الحاد حقيقة، لا تصوراً أو تخيّلاً، أم ما حصل في ليبيا يشجع على تكرار الأمر؟ أليس هناك من يلفت الانتباه إلى أن الخطأ في مثل هذه الحالات هو مثل الخطأ في حالة المتفجرات، يحصل لمرة واحدة فقط؟

هل ترى الإمارات العربية أنها دولة أصلاً حتى تعطي نظريات في قيام الدول؟ أم ان التعددية فائضة هناك بحيث يجب تعميمها على بقية الدول، وخصوصاً في بلاد المشرق؟ ألم تشعر هذه الإمارة المجمعة كعلب كرتون أن على مقربة منها من يقدر على التصفيق فقط فتنهار الإمارات الورقية؟ أم هي مفتونة بالحكم الأمني ــــ العنصري في أبو ظبي، أو بفقاعة الإعمار في دبي، أو بمركز الثقافة الاستثنائي في الشارقة؟
هل يحق لهؤلاء فعلاً ادّعاء النطق باسم شعب، أو الحديث عن التغيير والإصلاح في بلاد تهدر ثرواتها الكافية لإطعام أهل أفريقيا كلها؟ أم هم يعتقدون أنه بمجرد أن منحهم الغرب تفويضاً بالتدخل صاروا يمثلون قوة الناتو المقبلة على أيام سوداء في ليبيا؟ وهل لهم أن يعطوا الآخرين دروساً في كيفية التعامل مع المواطنين أو مع الجيران وهم لا يزالون يحجزون جواز سفر موظف عندهم، ويمنعون على المرأة قول ما تريد، ويحرمون أجيالهم من دور في التنمية إلا ما تراه السلالات مناسباً؟ بأي حق يتصرّف هؤلاء؟
ثم هل يعتقد البعض إن هو أوهم الرأي العام العربي والعالمي بشأن حقيقة ما يحصل الآن في مدن سوريا وقراها، سيصدّق السوريون ما ينقل عن بعض مدنهم وأحيائهم؟ أم هم يتكلون على أن المعارضين، على اختلاف فئاتهم، ليسوا في وارد نقدهم أو تكذيب الكثير ممّا يبثّ على شاشة &laqascii117o;الجزيرة" التي صارت أقل مهنية بكثير من &laqascii117o;العربية" التي قامت على فكرة تحقير خصوم آل سعود؟ ألا يعرفون أن كذبة ليبيا بدأت بالانكشاف؟ ثم لأجل من تسعير الخلاف والتوترات الطائفية والمذهبية ثم القول إنها حالة غير موجودة في سوريا أو إن النظام يريدها؟
ثمة مشهد آخر يجب ترقّبه، وهو يخصّ المعارضين، سواء من شخصيات في داخل سوريا أو من خارجها. وهناك قسم كبير من هؤلاء، وربما يكون الأغلب، وطنيّ لا يحتاج إلى من يمنحه شهادة أو يخضعه لفحص دم. ومجنونة السلطات في سوريا إن هي اعتقدت أن إهمالهم أو اعتقالهم أو تشويه صورتهم سيفيد في كسر ما يراه الشارع فيهم. لكن الحقيقة الأخرى في جانب هؤلاء أن بعضهم، خصوصاً الذي تسرّه الإطلالة الإعلامية وكثرة المؤتمرات والنقاش عن بعد، قد بدأ يتدرب فعلاً على أصول الإمساك بالسلطة. وهؤلاء لا يتمايزون لحظة عن كل مستبد أو إقصائي، وهم يعملون بالأجرة لدى الأجنبي، وهم الآن يستعجلون التسلح ويستعجلون مشهداً مثل ليبيا تكون فيه طائرات الناتو تقصف هنا وهناك في بلدهم، وينتظرون على الشاشة إعلان سقوط النظام. هل يقدر هؤلاء على النطق باسم الناس؟ ليتهم يتواضعون ويكتفون بحقهم في الحديث عمّا يجري في بلدهم، لا أن ينطقوا ويقرروا ويعلنوا و... بقي أمر أخير، وهو أن غياب الوسيط الجدّي بين النظام ومعارضيه من أبناء سوريا بات مسؤولية الجانبين، وعليهما الاتفاق، ولو من دون إعلان، على شخصية أو جهة أو حكومة أو إطار سياسي يقدر على أن يكون وسيطاً نزيهاً، يعيد جسر الهوة بين الجانبين، ويتمتع بقدر كاف من العقلانية والقدرة على إقناعهما بأن التنازل الصح هو الذي يوصل إلى النتيجة الصح. أما خلاف ذلك، فإن سوريا ستكون عرضة للأقسى وللأصعب، ولن يكون في مقدور أحد أن يؤثر في منع الانفجار الكبير فيها. فكيف إذا كان معظم الخارج يريد سوريا مدمرة هي وما تمثّله في المنطقة؟


نقاش ايراني

ـ 'السفير'
ساطع نور الدين:

حتى ايران لم تعد تحتمل ما يجري في سوريا، وصارت تجاهر باعتراضها او على الاقل بتحفظها عن سلوك الرئيس بشار الاسد الذي يقدم كل يوم المزيد من الادلة على براعته في فقدان الحلفاء والاصدقاء، وفي كسب الاعداء والخصوم.
ما ورد في الايام القليلة الماضية على لسان كبار المسؤولين الايرانيين لا يوحي فقط بان الازمة السورية بلغت مرحلة الخطر الشديد، بقدر ما ينبئ بان طهران اعلنت حالة الاستنفار القصوى، على الصعيدين السياسي وربما ايضا العسكري، للتعامل مع المفاجآت السورية المقبلة.. تماما كما هي الحال بالنسبة الى تركيا التي شكلت غرفة عمليات خاصة بالاعداد لمرحلة ما بعد النظام السوري الحالي الذي سعت بكل جهدها طوال الشهور الخمسة الماضية الى اقناعه بتفادي الانتحار، من دون جدوى، وأصبح رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان يعبر بطريقة فظة عن شعوره بالخيبة لخسارة صديق سوري حميم، سبق ان تقاسما واحدة من اهم الصفحات المشرقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.
لم تصل طهران الى مرحلة اليأس من الرئيس الاسد، لكن الاشارات التي ترسلها الآن بشكل علني وصريح مثيرة للذهول فعلا، ولعلها من ابرز مظاهر الازمة السورية واخطرها: بعدما قدمت ايران كل ما تستطيع من مساعدات مالية ونفطية الى دمشق، بدأ النقاش داخل القيادة الايرانية منذ مطلع شهر رمضان حول ما اذا كانت فرص انقاذ النظام السوري باتت معدومة، وآن الاوان للتفكير، مثلما يفعل الاتراك، في البحث عن البديل. كانت هذه هي وجهة نظر الاقلية في مكتب المرشد آية الله علي خامنئي وفي بقية اجهزة السلطة. لكن التصريحات الايرانية الاخيرة تنبئ بان الغالبية الحاكمة لم تعد تعارض هذا التقدير. كما ان الانباء عن اتصالات ايرانية تجري مع المعارضة السورية في الخارج تشير الى ان ايران تتصرف الآن كدولة تود المحافظة على مصالحها الحيوية في سوريا بغض النظر عن شكل الحكم فيها.
ثمة اشارات عدة الى ان طهران تريد ان تحذو حذو تركيا، من دون ان تتصارع معها، بحسب الاعتقاد الشائع في اكثر من مكان، لانها تعرف يلا شك بعد خمسة اشهر من الانتفاضة الشعبية، حدود دورها السوري الذي لا يمكن ان يعادل بأي حال من الاحوال النفوذ التركي المقبل في سوريا. وفي اي قراءة متأنية للتصريحات الايرانية ما يدفع الى الاستنتاج ان طهران ربما تخطت انقرة نفسها في تقييمها للازمة السورية، لا سيما عندما هددت اسرائيل بالصواريخ اذا ما حاولت الاستفادة مما يجري في سوريا، وانذرت حلف الاطلسي بمستنقع اعمق من افغانستان والعراق اذا ما تدخل في سوريا، او عندما تحدثت عن خطر الفراغ في سوريا، وهو الاحتمال الذي لم يجرؤ اي مسؤول تركي على ذكره!
رب قائل ان طهران تسعى حاليا الى توفير شبكة امان للنظام السوري الذي لن تتخلى عنه وستظل تقاتل الى جانبه حتى اللحظة الاخيرة... مع علمها الاكيد بأن احدا لم يرجع من عملية انتحارية.


الأزمة السورية بين لعبة المحاور وتخبّط العرب
    
ـ 'السفير'
سامي كليب:

انتهى شهر رمضان من دون حدث أمني جلل في سوريا. بقيت الأوضاع الأمنية في حدود المضبوط والمقبول. وفي نهاية الشهر تلقى الرئيس بشار الأسد أمس من نظيره الروسي ديميتري ميدفيديف رسالة بدت من خلال حاملها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، عربون صداقة وحرص على سوريا ودعم إصلاحاتها السياسية والاقتصادية واستمرار الاستقرار الأمني.
من شأن الأمرين، أي ضبط الأوضاع في شهر رمضان والرسالة الروسية أن يعززا الاطمئنان الذي تريد أوساط النظام السوري بثه لكل زائري دمشق. لكن تطورات أخرى تجري في أمكنة كثيرة من شأنها أن تفسح في المجال أمام اسئلة كثيرة أخرى ليست بالضرورة مطمئنة خصوصاً على المستوى الخارجي.

تركيا تعلن القطيعة
كان تصريح الرئيس التركي عبد الله غول بأن بلاده &laqascii117o;فقدت الثقة بالنظام السوري وان كل ما يفعله النظام صار متأخراً" ، بمثابة إعلان قطيعة فعلية مع الرئيس بشار الأسد. صحيح أن دمشق لم تنظر مطلقاً الى غول على أساس انه صاحب قرار مفصلي في السياسة التركية، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا التصريح إنما يعبر عن حقيقة ما يقوله الاتراك في كواليس الدبلوماسية الاقليمية والدولية من أنهم باتوا يتصرفون على اساس ان الرئيس بشار الأسد قد فقد شرعيته، ولكنهم قد لا يعلنون ذلك صراحة لاعتبارات سياسية وأمنية كثيرة.
جاء الموقف التركي بعد فترة وجيزة على إعلان الرئيس الأميركي باراك اوباما أن الأسد فقد شرعيته. التزامن بين الموقفين مهم. تقول معلومات موثوقة أن الاتراك حاولوا في اعقاب زيارة وزير الخارجية احمد داود اوغلو الى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد اقناع الأميركيين بإرجاء موقفهم للسماح للرئيس السوري بالتمهيد لإعلان بعض المواقف التي تمّت مناقشتها في لقاء اوغلو بالاسد. لم يلتزم اوباما كثيراً بذلك. كان لا بد من إصدار موقف قبل ذهابه في إجازته السنوية، وكان حريصاً على أن يدلي بموقفه من قلب البيت الابيض وليس من مكان الإجازة.
انتظرت انقرة المقابلة المتلفزة للرئيس بشار الأسد. يقول مسؤول تركي إن المقابلة كانت مفصلية ومنتظرة بدقة. ويشرح ان اوغلو كان قد حمل للأسد 15 بنداً للخروج من الأزمة، تتمحور حول وقف العمليات العسكرية وسحب الجيش وتعزيز الحريات وتسريع الإصلاحات والإعلان عن انتخابات تشريعية ورئاسية. وثمة من يؤكد في انقرة بان اوغلو قال للاسد انه من الضروري ان يكون التنافس على الرئاسة جدياً بحيث يحظى المتنافسون بالحظوظ نفسها التي يحظى بها الأسد.
سعى الأتراك لتسريع موعد المقابلة المتلفزة. يقال ان اوغلو اتصل بوزير الخارجية وليد المعلم مرتين لهذه الغاية. كان المنطق التركي يقول انه كلما كان اعلان الاسد عن الاصلاحات ومواعيدها باكراً حدّ من اندفاع الاميركيين والاوروبيين نحو استصدار مواقف وقرارات وعقوبات من مجلس الأمن.
استمع الاسد الى كل الاقتراحات والنصائح التركية. شرح لضيفه التركي ان ما تعانيه بلاده هو تمرّد مسلح على الارض وانه لا بد من التعامل أمنياً مع الاوضاع. قال ان ضبط الامن ضروري جداً، ولكن ذلك لن يحدّ من الإصلاحات وانه مستمر في تطبيقها وفق روزنامة المصالح السورية وليس تلبية لأية ضغوط خارجية.
جرت المقابلة المتلفزة. لم يتحدث الرئيس السوري عن انتخابات رئاسية. يقال إن اوغلو ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والكثير من القيادات التركية تابعت اللقاء بتفاصيله. امتدح بعضهم طريقة واسلوب المقابلة. كانت تلك المرة الاولى التي يتحدث فيها رئيس البلاد الى التلفزة الرسمية السورية ولاثنين من الصحافيين الرسميين التابعين للتلفزة. كسر شكل المقابلة الأنماط السابقة في اللقاءات الرئاسية. ثمة من فسر فتح الاسد الباب ومصافحته الصحافيين على انه اسلوب حداثي يراد منه الإيحاء بفتح الباب على سوريا الجديدة. لكن سرعان ما راح القادة الاتراك ينتقدون مضمون المقابلة ويقولون إنها بقيت أقل بكثير من التوقعات.
في الاتصالات الأخيرة التي حصلت بين الاتراك والاميركيين، كانت كلمة السر انه لا بد من التفكير في كيفية رفع الضغوط على النظام. طالب الاميركيون انقرة باحتضان اوسع للمعارضة السورية. ويقول الاتراك إنهم وضعوا خطة تلحظ كل الاحتمالات الحقيقية والافتراضية.
اتصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون برئيس الوزراء التركي قبل فترة. سأله عن تأثير فرض عقوبات نفطية ومصرفية على سوريا. رحّب اردوغان بالأمر وقال إن تركيا ستساهم في العقوبات. ذهب اردوغان أبعد من ذلك قائلاً &laqascii117o;إننا نشدّد المراقبة العسكرية. وقد أوقفنا قبل فترة باخرة أسلحة إيرانية كانت متجهة الى سوريا ولن نسمح بعد اليوم بأي شيء مماثل". شكا الاتراك غير مرة للاميركيين بأن ثمة معلومات لديهم بان الوضع في سوريا يؤثر سلباً على ضبط الموضوع الكردي. اعتقد بعضهم ان الاكراد كثفوا تحركهم العسكري بعد تفاقم الشجب التركي لسوريا. قال بعضهم الآخر إن ثمة تأثيراً سلبياً على العلاقة العلوية السنية في تركيا. من المنتظر أن يزور وفد من حزب الشعب التركي المعارض دمشق بعد فترة.
الواضح ان احتضان انقرة للإعلان عن اول اجتماع للمجلس الانتقالي السوري هو قرار تركي مفصلي حيال احتضان المعارضة علانية. سوف تنتقل تركيا الى لغة وربما مواقف أخرى حيال سوريا. ويقال إن العمليات العسكرية التركية الواسعة ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق كانت بمثابة الإنذار العسكري المباشر لأية محاولة لتحريك هذا الملف.
هنا يبدو الموقف الروسي حاسماً. يقول دبلوماسي عربي عريق إن التحرك الروسي حيال سوريا هو للدعم طبعاً، ولكنه ايضاً للقول للسوريين بان المجال صار يضيق في مجلس الامن وان روسيا اضطرت لطرح مشروع قرار في الامم المتحدة لردع أي قرار مفصلي ضد سوريا. لا شيء سيبقي الموقف الروسي قوياً سوى تسريع الاصلاحات وتخفيف الضغط الامني. والأكيد ان الروس يريدون دعم الرئيس الاسد بقوة، لكنهم في الوقت نفسه لن يترددوا في التعبير عن مواقف مستاءة من الوضع الامني بسبب الضغوط الدولية الهائلة التي يتعرضون لها في اروقة المجلس.

ايران:دعم استراتيجي وتصريحات تكتيكية
لم تغير ايران موقفها الاستراتيجي حيال سوريا. كل ما قيل في الايام القليلة الماضية من ان ثمة بداية تحول، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد ووزير خارجيته علي اكبر صالحي حول ضرورة تلبية الرئيس الاسد مطالب شعبه بالإصلاحات وقيام حوار بين الحكومة والمعارضة، لم يثر أي قلق سوري. يبدو التحالف السوري الايراني مستمراً على قوته ويبدو ان لهذه التصريحات الايرانية هدفاً آخر.
تفيد المعلومات الموثوقة ان الرئيس الايراني اتصل قبل فترة برئيس الوزراء التركي. اقترح نجاد على اردوغان القيام بمبادرة تركية ايرانية لاحتواء الوضع في سوريا. كانت فكرة نجاد ان مثل هذه المبادرة ستكون مقبولة جداً نظراً لطبيعة الدولتين الحاضنتين في الوقت الراهن للعمقين السني والشيعي في المنطقة وسط الغياب العربي الكبير. وكانت فكرته ايضاً تصب في خانة القول بان مثل هذه المبادرة انما تمنع أي تدخل اجنبي تماماً كما تمنع احتمال انفجار الاوضاع في المنطقة. يعتقد الايرانيون بأن خروج الازمة السورية عن ضوابطها المحلية والاقليمية يفسح في المجال امام كل الاحتمالات الخطيرة.
تريد طهران أن يكون لتصريحاتها حول ضرورة الاصلاحات في سوريا وقع طيب عند المعارضة السورية. يمهّد ذلك لقبول دور ايراني وسطي في المرحلة المقبلة بحيث تكون طهران قادرة على تسهيل أي حوار مقبل بين بعض رموز المعارضة والنظام السوري. يبدو ان مثل هذا الاحتمال قد طرح خلال زيارة امير قطر الى طهران قبل فترة، لكن المسؤول القطري ذهب الى المسؤولين الايرانيين رافعاً السقف عالياً ومتحدثاً عن مرحلة ما بعد الاسد. قيل إنه لم يسمع كلاماً طيباً في ايران حول الملف السوري. وقيل ايضاً إن الخطاب الاخير للامين العام لـ&laqascii117o;حزب الله" السيد حسن نصر الله حول دعم سوريا جاء بمثابة الرد غير المباشر على من يطرحون احتمال سقوط النظام وبينهم القطريون.
لوحظ أنه بعد عودة امير قطر من طهران، رفعت قناتا &laqascii117o;الجزيرة" و&laqascii117o;العربية" من مستوى الهجوم. تحدثت القناتان عن &laqascii117o;زحف" من ريف دمشق صوب ساحتي &laqascii117o;العباسيين" و&laqascii117o;الأمويين". سارعت التلفزة السورية الى بث نقل مباشر من الساحتين ومن حي &laqascii117o;ركن الدين"، وكتبت (وهذا يحدث للمرة الأولى على التلفزة الرسمية) أن هذه الصور تكذب افتراءات القناتين. يقال إن ثمة تجمعات سورية كانت تريد فعلاً التوجه الى ساحة العباسيين للاعتصام هناك، وإن هذه التجمعات تأتي من الريف الدمشقي.
فهمت دمشق أن قطر تريد رفع مستوى الهجوم. تأكد الأمر في خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. شعر السوريون بأن ثمة فخاً دبلوماسياً قد نُصب لهم في اروقة الجامعة العربية. اكد دبلوماسيون انه لم يكن هناك أي اتفاق على بيان ختامي، وان اجواء الداخل اختلفت عما صدر لاحقاً. غضبت سوريا. لم تقبل بزيارة اللجنة العربية، ولم تلب حتى الآن طلب الامين العام نبيل العربي لزيارة سوريا..
قالت مصادر دبلوماسية اوروبية ان اتصالات حصلت مؤخراً بين طهران ومبعوثين من &laqascii117o;الاخوان المسلمين" في مصر. ثمة من يفسر ذلك بانه جزء من الاستراتيجية الايرانية الهادفة الى احياء العلاقة مع القاهرة وتوسيع الطوق المقاوم حول اسرائيل. يقول هؤلاء إنه لو نجحت طهران في ذلك فإنها ستساعد بقوة حليفتها سوريا. ويقول آخرون إن ايران ذات الباع الطويل في الدبلوماسية تدرك اهمية توسيع دائرة اتصالاتها مع السوريين بما في ذلك جماعة &laqascii117o;الاخوان المسلمين" على اعتبار ان خصومها يريدون تشويه صورتها وصورة &laqascii117o;حزب الله" في سوريا وان ذلك سيكون خطراً على استراتيجيتها المقاومة في الشرق الاوسط وعلى دورها. خصوم دمشق وطهران يقولون إن إيران تضع كل الاحتمالات نصب عينيها ولا تريد خسارة سوريا لو تدهورت الاوضاع فلا بدّ من فتح خطوط مع الجميع.
في دمشق يبدو الموضوع الايراني أكثر مثاراً للاطمئنان. التحالف لا يزال صلباً مع طهران و&laqascii117o;حزب الله". لا شيء جديراً بزعزعته طالما أن الهجمة تستهدف الاطراف الثلاثة، والاتصالات الايرانية السورية جارية على قدم وساق، ولكن قد لا يكون من مصلحة أحد الآن المغالاة في إبرازها.
الايرانيون ينسقون بقوة مع الروسي في هذه الفترة. صحيح أن التنسيق ينصبّ خصوصاً على الملف النووي الايراني والعلاقات الايرانية مع الغرب، ولكن جزءاً منه يصبّ في مصلحة سوريا.

اميركا تريد خنقاً اقتصادياً
النظر الى الملف السوري من خلال الولايات المتحدة الاميركية يثير القلق. ينقل دبلوماسيون غربيون زاروا واشنطن في الاسابيع القليلة الماضية أن واشنطن طالبت الدول العربية، خصوصا الخليجية منها بوقف كل استثماراتها وتعاملاتها التجارية مع سوريا. يقال إن قطر والكويت تجاوبتا، وان السعودية تريثت ولكنها في طريقها الى التجاوب وكذلك الامارات. يبدو ان كل هذه الدول (ربما باستثناء الإمارات) باشرت فعلاً بسحب كل استثماراتها الخاصة.ثمة من ينقل عن مسؤولة لبنان وسوريا في مجلس الامن القومي الاميركي طلبها من بيروت الإسراع في اتخاذ الإجراءات الاقتصادية لوقف التعاملات مع سوريا لكي لا يتعرض لبنان لمساءلات قانونية دولية بعد فرض العقوبات الصارمة على دمشق، خصوصاً ان الكثير من التعاملات المصرفية تمر عبر نيويورك. يقال إن ثمة مراقبة اميركية واوروبية دقيقة لكل التعاملات اللبنانية السورية في هذه الفترة.

الوضع الداخلي هو الأساس
كل الضغوط الخارجية تبقى عديمة التأثير على العقل السوري الحالي في إدارة الازمة. يدرك النظام السوري أن الخارج غير قادر على تنفيذ أي تهديد. ثمة من يسخر أصلاً من تصريح اوباما بان الاسد فقد شرعيته، ويقول إن ذلك سيبقى حبراً على ورق لا بل انه سيؤثر على اوباما نفسه اكثر مما سيؤثر على الرئيس السوري. ماذا سيفعل اوباما؟لن تغامر واشنطن في عمل عسكري. سيكون ذلك وخيم العواقب الأمنية على المنطقة برمتها. ولا تملك الولايات المتحدة الاميركية اصلاً امكانية القيام بذلك حالياً. تقول مسؤولة لبنان وسوريا في مجلس الامن القومي الاميركي، إنه لو اندلعت الازمة السورية قبل نظيرتها الليبية لكان الوضع مختلفاً. لكن ما حصل من تعثر اطلسي في ليبيا غيّر الكثير من المعطيات. لكن مصادر دبلوماسية غربية تنقل عن بعض اعضاء الكونغرس الاميركي قولهم إن تقهقر العقيد معمر القذافي وخروجه من طرابلس بعد سقوطها يفتح الشهية نحو القيام بخطوات تصعيدية سريعة ضد نظام الاسد.
الرهان الاميركي على عمل خارجي يبقى محدوداً. هناك محاولات لدفع تركيا الى موقف تصعيدي عند الحدود (إقامة منطقة عازلة او فتح الحدود امام الهاربين او تشجيع انشقاقات عسكرية). لكن الرهان الابرز يتمحور الآن على محاور عدة. اولها تشجيع التنسيقيات في الداخل على رفع وتيرة الاحتجاج والتوجه صوب دمشق. دفع المعارضة في الخارج إلى التفاهم مع معارضة الداخل وتوحيد الخطاب. التركيز على اناس في الاقليتين العلوية والمسيحية لدفعهم للابتعاد عن النظام. التقرب من اصحاب رؤوس الأموال لحثهم على التعبير عن استيائهم. محاولة اختراق اجهزة الاستخبارات.يقول مسؤولون في مجلس الامن القومي الاميركي انهم لم يحاولوا التقرب من الجيش السوري وحث بعض ضباطه على الانشقاق لإدراكهم صعوبة ذلك. وينقل البعض عن مسؤول في المعارضة السورية قوله: &laqascii117o;إن تركيبة الجيش السوري تجعل أي محاولة من قبل أي ضابط للانشقاق مقتصرة على الضابط وسائقه في أفضل الاحوال".على ضوء كل ذلك، شدّدت القوى الأمنية قبضتها على المناطق الحساسة في سوريا. قال الرئيس السوري رأيه الواضح امام مشايخ سوريا ومفاده عدم السماح باستغلال الدين لأهداف أخرى. حصلت بعد أيام حادثة اقتحام مسجد الرفاعي في دمشق. تبين إن التحدّي لا يزال في أوجه.

ما هو المنتظر؟
اما وقد مضى شهر رمضان من دون حادث امني جلل ومن دون انشقاق عسكري او دبلوماسي، فإن المراقبين القريبين من النظام السوري يعتقدون بأن اطراف المعارضة والتنسيقيات والدول الراغبة بإسقاط النظام سيرفعون وتيرة التحدي في الفترة المقبلة. قد تحصل بعض الخضات الأمنية، وسوف يشتد الخناق الاقتصادي، وسترتفع وتيرة الضغوط والتصريحات الدولية.
اما الموقف العربي الأخير في القاهرة، فهو لا يفهم في دمشق سوى من باب محاولة رفع الغطاء العربي عن سوريا وتشريع كل تدخل اقليمي او دولي في شؤونها الداخلية.من المنتظر اذاً ان تستمر القبضة الامنية وتشتد أكثر، مع ادراك القيادة السورية بان الامن وحده لم ولن يحل المشكلة وأنه لا بد من خيارات سياسية مرافقة للخيار الامني. هل سيصل الامر الى حد القبول بإنهاء دور حزب البعث وإلغاء المادة الثامنة وإجراء انتخابات رئاسية وتغيير مفصلي للدستور؟ لا يبدو الأمر بهذه السهولة. الواضح ان النظام السوري لديه روزنامته الخاصة للاصلاحات ولا يريد تغييرها بسبب الضغوط الخارجية، ولذلك فمن المتوقع أن يرد الآخرون بضغوط امنية وسياسية كثيرة.انتهى فخ حماه قبل فترة. ومضى شهر رمضان من دون انهيار أمني كان منتظراً. فماذا بعد؟


لبنان يراكم تحدياته في رئاسته لمجلس الأمن

ـ 'النهار'
روزانا بومنصف:

لبنان ينذر الانقسام الذي حصل في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب حول الموضوع السوري وتنصل سوريا من البيان الذي صدر عن الاجتماع ومسارعة لبنان الى التضامن مع دمشق ازاء المواقف العربية الاخرى بموقف صعب جدا للبنان خلال رئاسته مجلس الامن الدولي في شهر ايلول المقبل. وبدا لبنان مربكا باعتبار انه لم تمض ساعات قليلة على اعلان وزير الخارجية اللبناني بعد عودته من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة ان 'لا انقسام عربيا في شأن سوريا وان الامين العام للجامعة نبيل العربي سيتوجه الى العاصمة السورية' حتى اضطر الى مجاراة الموقف السوري الذي اعتبر ان 'بيان الجامعة كأنه لم يصدر'.
والموقف اللبناني من النظام السوري يستكمل ذلك الذي اعتمده في مجلس الامن من حيث 'النأي بنفسه' عن ادانة القمع وفق البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الامن، اذ ان غالبية المواقف العربية دانت بدورها القمع المستمر في سوريا على نحو يفتح الباب امام ادانة جديدة محتملة في مجلس الامن الذي تقدم اليه الاعضاء الدائمون فيه بمشروعي قرار حول الاحداث في سوريا احدهما قدمته الدول الاوروبية تطالب بفرض عقوبات على النظام وآخر قدمته روسيا وتكرر ادانة القمع من دون عقوبات. وسيواجه لبنان في ظل انقسام الموقف العربي تحديا واضحا حول مدى تمثيل نفسه في مجلس الامن او تمثيله الدول العربية المنقسمة حول الوضع السوري، علما ان الدول العربية المؤثرة تجاري الدول الغربية في موقفها من النظام. فالخلاف بين النظام السوري والدول العربية واضح وتاليا فان لبنان سيكون امام محك اي موقف يمكن ان يعتمد ما دام هامش الاختباء وراء المواقف العربية ضاق جدا.
ومع ان صدور قرار عن مجلس الامن لا يتطلب تصويت لبنان الى جانب القرار باعتبار ان تصويت تسعة اعضاء من دون فيتو من احدى الدول الخمس الكبرى في المجلس يتيح صدور القرار على غير ما كان الوضع بالنسبة الى البيان الرئاسي الذي يتطلب اجماعا من الاعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس، فان اتخاذ لبنان موقفا مؤيدا لسوريا قد لا يكون قابلا للفهم والتفهم خصوصا ان مراعاة كبيرة حصلت وتحصل نظرا لادراك غالبية الدول حساسية الوضع اللبناني. لذلك لا يعتقد ان الوضع قد يكون سهلا مع رئاسة لبنان لمجلس الامن وسبق ان سجلت انتقادات للسياسة الخارجية الجديدة التي يعتمدها لبنان في مواجهتها المجتمع الدولي في ملفات حساسة جدا بالنسبة الى هذا المجتمع على ما كانت عليه الحال في رفض لبنان وحده التجديد للجنة تقنية تتصل بايران. وهناك الملف النووي السوري امام مجلس الامن وقد تضمن اثباتات مؤكدة وموثقة وزعت على اعضاء مجلس الامن في خلال الشهرين الماضيين وقد لا يكون لبنان قادرا على الدفاع عن سوريا حتى لو استند الى موقفه الرافض للاسلحة النووية في المنطقة بأسرها.
وتقول مصادر ديبلوماسية ان لبنان سيحاول خلال رئاسته لمجلس الامن، ومن خلال حضور رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية ومن اجل ترؤس جلسة خاصة يدعو اليها لبنان، ان يسلط الضوء على استعادة دوره في دعم قضية فلسطين وعلى طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبار ان هذا الموضوع هو محور الدورة السادسة والستين للجمعية العمومية للامم المتحدة. وهناك تحضيرات ديبلوماسية تتركز على بذل لبنان جهوده من موقعه الحالي في مجلس الامن للعب دور اساسي. وهو امر قد تفيد منه السلطة اللبنانية من اجل ان تحاول التغطية على عجزها في الملف السوري او اضطرارها الى اعتماد المواقف التي تدافع عن النظام في سوريا، وتاليا معارضة اي قرار يتخذ ضده على رغم ما يمكن ان يتسبب ذلك من احراج دولي، اضافة الى احراج عربي مماثل وربما اكبر من احراج 'نأي لبنان بنفسه' في البيان الرئاسي الذي صدر في 3 آب عن مجلس الامن، فضلا عن المشكلة السياسية في الداخل اللبناني على وقع الانقسام الواضح بين دعم الحكومة النظام ودعم المعارضة الشعب السوري الذي قد لا يتفهم بدوره في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا اي موقف للبنان لا يأخذ جانبه. فما يعلنه افرقاء لبنانيون من مواقف داعمة للنظام ومدافعة عنه تثير استياء كبيرا لدى الشعب السوري.


العربي ينتظر ودمشق غير مستعجلة

ـ 'النهار'
خليل فليحان:

تحاشت جامعة الدول العربية مناقشة الحوادث التي اندلعت في سوريا منذ آذار الماضي نظراً الى موقعها ومكانتها، ولانها ليست ليبيا ولا اليمن فالرئيس بشار الأسد تجاوب مع المطالبة بعدد من الاصلاحات ووعد بتحقيقها، كما ان أمن النظام ممسوك حتى اليوم. وعندما قررت الجامعة عقد اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية في القاهرة، نشبت معركة قاسية بين دمشق وبينها اذ اعتبر النظام السوري ان البيان الذي صدر عن اجتماع ليل السبت الماضي والذي امتد الى الاولى فجر الأحد 'كأنه لم يكن'، والأهم ان اي موعد لم يحدد للأمين العام للجامعة نبيل العربي الذي كلفه الوزراء بالانتقال الى سوريا لنقل التصور الذي توصلوا اليه، وقد ابدى الرسول استعداده للتوجه الى سوريا الأحد وقبل عطلة العيد، ولكن يبدو ان دمشق غير مستعجلة، وقد لا تحدد الموعد، والمطلوب انتظار عطلة العيد للتأكد ما اذا كان سيستقبله الرئيس الأسد أم لا.
المآخذ السورية كثيرة، وهذا يجعلها تتريث في تحديد موعد للعربي لاستقباله لأنه خرق الاتفاق الذي تقرّر وهو عدم صدور أي بيان عن الاجتماع وعدم الادلاء بتصريحات صحافية. كما ان الخرق تمثل في الخروج عن القاعدة المتبعة في النظام الداخلي للجامعة، وهي ان لا بيان يصدر عن الاجتماع الوزاري قبل ان يناقشه الوزراء المشاركون في جلسة عامة. واللافت أيضاً أن الدعوة غير العادية التي وجهت الى الوزراء كانت 'بحث تطورات في العالم العربي، ومنها الوضع في ليبيا'، أما البيان الذي صدر فحمل عنوان آخر هو المؤتمر 'غير العادي لبحث الأوضاع في سوريا'.

ومما يسترعي الانتباه انزعاج سوريا من الدعوة الى هذا المؤتمر هو خفض مستوى رئاسة الوفد اليه من وزير الخارجية وليد المعلم الى السفير لدى مصر والمندوب الدائم لدى الجامعة يوسف الأحمد الذي قدم مداخلة داخل الاجتماع بلهجة قاسية جداً، اتهم فيها دولاً عربية بالعداء لبلاده'.
أما رئيس الوفد اللبناني وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور فكانت له مداخلة خلال الاجتماع استهلها بالقول: 'لا شك ان هناك تثميناً لنيات الجامعة العربية الطيبة، لكن مبدأ 'المبادرة' المطروحة يفترض على المجموعة العربية ان تتعاطى والمسؤولين اولاً، لتكون على بيّنة من الحوار مع أصحاب الشأن، وعلى هذا الأساس تتخذ المبادرة'.وتقول مصادر ديبلوماسية مطّلعة على الملف ان الأمين العام السابق عمرو موسى كان على حق عندما تريث شهوراً لطرح معالجة الوضع الذي تفجر في سوريا على الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، ادراكاً منه لحساسية التعاطي وهذا الملف.
وتسأل: 'لماذا قرر الأمين العام للجامعة الجديد التصدي لهذا الموضوع في هذا الوقت تحديداً، وهو يعلم مدى تداعياته، لأن القيادة السورية تقبل بالتحاور مع ممثلين للمطالبين بالاصلاحات، ولكن لا يمكنها القبول بأي اعتراف بمن هم يحملون السلاح في وجه السلطات الأمنية الرسمية؟ وهل من اتصال يمكن العربي ان يجريه بممثلين لهؤلاء إزاء الرفض الرسمي لذلك. وعلى افتراض ان الرئيس الأسد قرر وقف استعمال القوة هل يمكنها ان تضمن وقف النار من المسلحين. وتضيف: ليس سهلاً على العربي القيام بهذه المهمة، اذا لم يكن في إمكانه الاحاطة بكل جوانبها، أي إقناع القيادة السورية بأنه يستطيع أن يمون على المسلحين بوقف النار.
وافاد مصدر ديبلوماسي عربي من المشاركين في الاجتماع ان 'المبادرة' التي يحملها العربي تتألف من مجموعة نقاط من بينها وقف النار، وتغيير الدستور ووضع برنامج زمني للإصلاحات.


إنقاذ 'حزب الله' لـ'النظام الأسدي' حدوده عدم الغرق معه

ـ 'المستقبل'

أسعد حيدر:

نمو الثورة وانتشارها في سوريا جغرافياً وشعبياً يترجم في الداخل بمزيد من المواجهات والضحايا وغرق 'النظام الأسدي' في الحل الأمني والعنف غير المقبول. في الخارج بتصعيد حقيقي للموقف العربي والإقليمي والدولي. الموقف العربي من 'النظام الأسدي' والإقليمي خصوصاً التركي منه والدولي وفي صلبه الأميركي والأوروبي، تجاوز بسرعة ملحوظة كل ما سبقه من مواقف قبل شهر رمضان. صحيح أن رمضان انتهى دون أن تشتعل شوارع دمشق وحلب كما حصل في مدن الحزام الجغرافي لسوريا وفي الأرياف، إلا أن سقوط أكثر من 2300 ضحية وآلاف المفقودين والسجناء كسر الصمت. لم يعد مقبولاً أن تستمر حملة القتل دون حساب ومحاسبة. أيضاً 'المعارضات' التي لم يكن لها رأس ولا مطالب محددة أصبحت أكثر تنظيماً بحيث لم يعد من الممكن إلا التعامل معها بجدية. المعارضة السورية تتطور والمواقف العربية والإقليمية والدولية تواكب تطورها. أمام تحول الانتفاضة في الريف السوري الى ثورة تدق أبواب 'البرجوازية المدينية' في دمشق وحلب التي استثمرت حاجة 'النظام الأسدي' لها بمزيد من المكاسب والثروات. لا يمكن للبرجوازية المدينية أن تحافظ على حيادها. في النهاية عليها أن تختار. الزمن ليس مفتوحاً أمامها. ساعة الحقيقة تدق.
أطراف خارجية أيضاً أمام ساعة الحقيقة وتحديد خياراتها. 'حزب الله' في مقدمة هذه القوى. كل القوى والأحزاب الحليفة في لبنان لـ'النظام الأسدي'، يمكنها الهروب الى الأمام إلا 'حزب الله'. مشكلة الحزب أن موقفه من كل ما يجري في سوريا مصيري. ربما من واجب 'الحزب' الأخلاقي أن يعمل على إنقاذ 'النظام الأسدي' الذي يعاني متاعب الغرق في بحر شعبي هائج. لقد شكل هذا النظام 'وريده' الذي أمده بكل الأسباب لاحتكار المقاومة ونموها حتى انتصارها في 2006. 'النظام الأسدي' استثمر هذا الانتصار في ابعاد الأنظار عن سكون جبهة الجولان طوال أكثر من ثلاثة عقود، من جهة وفي تقديم نفسه 'قائداً' للممانعة والمقاومة. نجدة الحزب لـ'النظام الأسدي' قد تكون واجباً أخلاقياً، لكنه لا يستطيع تعريض نفسه لخطر الغرق معه. مهمة الحزب الإنقاذية تتوقف عند نجاته حتى ولو اقتضى الأمر ترك الغريق يغرق. للواجب الأخلاقي حدود خصوصاً وأن طائفة بكاملة جرى ربط مصيرها بمصيره في الميزان. لذلك كلمة أزمة الحزب الحقيقية التي يحاول اخفاءها هي: ما العمل في حال حصول تغيير في المستقبل في سوريا كما حصل في مصر وتونس وليبيا؟
إجابة الحزب عن هذا السؤال بالتركيز على أن 'بوابة' التعامل مع الثورات العربية هي فلسطين تشكل مخرجاً مستقبلياً كما يحصل مع مصر حالياً، لكن في حالة سوريا ولبنان حيث وحدة المسار وحتى المصير بالنسبة للحزب وقوى أخرى تفرض عليه اجابة سريعة جداً.

ما يعزز تعجيل هذه الاجابة، أن شرائح مؤمنة داخل الطائفة الشيعية وحتى الحزبية تتساءل اليوم: هل يجوز شرعاً الصمت عن تدنيس القوى الأمنية والمخابراتية للجوامع كما حصل في جامع الرفاعي في كفرسوسة الموقع الجغرافي للأمن المركزي وغيره من الأجهزة الأمنية السورية؟ وهل يجوز الصمت عن تدمير مآذن الجوامع والتبجح بأنها دمرت بالديناميت من الداخل علماً أن الصور الحية تثبت تدميرها بالمدفعية والرشاشات الثقيلة؟ بالنسبة للحزب نفسه ما هو جوابه لقوى حليفة له أو داعمة لموقعه المقاوم من القوى والأحزاب السنية التي تسأله عن صمته عن هذه 'القوى العلمانية' في 'النظام الأسدي' في تعرضها للجوامع وللمصلين في شهر رمضان المبارك؟ من حق 'حزب الله' أن يأخذ وقته للرد على كل هذه الأسئلة خصوصاً وأنه يتساءل عن طبيعة العلاقة المستقبلية مع أي نظام في دمشق. لا يمكن للحزب إلا أن يأخذ بعين الاعتبار مستقبل 'طرقاته' و'ممراته' ومخازنه للأسلحة خصوصاً الصاروخية منها في هذه العلاقة.
لكن حتى يجد الحزب اجابة لكل ذلك من خلال تطور الأوضاع وتوضيحها في سوريا، فإن الحزب أمام أزمة مستقبلية خطيرة. ذلك أن الحزب الذي واجه المحكمة الدولية في عملية دفاع مبرمجة نجح من خلالها في تبني كل القوى المؤيدة له، 'هشاشة' الاتهامات الموجهة الى بعض عناصره، خصوصاً الاتصالات الهاتفية، يجد نفسه أمام احتمال وقوع مفاجآت لا يعرفها وبالتالي لم يستعد لمواجهتها.
الرئيس نجيب ميقاتي، الذي يجيد مزج المياه الباردة بالساخنة منها دون أن يقع في المحظور قال عن المحكمة: 'إذا تبين انها استندت الى افادات شهود الزور فإننا سنتصرف، ولكن الظاهر حتى الآن انها تتكل على أشياء أخرى'. لا أحد يعرف ما هي هذه 'الأشياء الأخرى'. لذلك فإن 'حزب الله' الذي يعتقد أنه 'ربح' معركة ضد المحكمة الدولية، سيضطر بسبب هذه المفاجآت الى خوض 'حرب' كبيرة في وقت ضيق. ربح الحرب في العام 2006 ضد إسرائيل لأنه فاجأها. لذلك فإن ربح معركة ضد المحكمة قد يضعه في مواجهة خسارة الحرب معها. وعليه منذ الآن التحضير لكل ذلك خصوصاً وأن مهمته الأولى منع الفتنة كما يشدد.
أخيراً فإن الهدوء الذي يسود الجنوب، أصاب بعض قواعده الحزبية في الجنوب وخصوصاً في البقاع بالترهل المفسد والتوتر الذي لم يعد يجد له متنفساً إلا بممارسات تضعه في مواجهات شعبية داخل القرى ومع بعض القوى التي منها ما هو حليف له. حان الوقت بالنسبة لـ'حزب الله'، أن يحسم أمره ويختار الدواء، خصوصاً وأن 'والده الشرعي' الجمهورية الإسلامية في إيران تبحث عن مخارج سريعة لمواجهة تطورات الوضع في المنطقة خصوصاً سوريا. اليوم يقتصر الدواء على المضادات الحيوية، غداً قد لا يعود الخروج من الأزمة من دون تشوهات وأضرار وحتى عملية جراحية


حزب الله وسلوك 'الأخ الأكبر'

ـ 'الأخبار'

رامي الأمين:

أغفلت &laqascii117o;الأخبار"، بحسب متابعتي اليومية لها، على نحو لافت، أخباراً ضجت بها وسائل الإعلام الأخرى تخص سلوكيات شاذة لحزب الله في القرى الجنوبية، بينها تعرض عناصر من الحزب لأصحاب محال لبيع الكحول والتضييق عليهم لإقفال محالهم، لأسباب لا يخفى على أحد وجود نكهة إقصائية فيها لكل اختلاف في السلوك والمعتقدات، وحتماً لكلّ متمايز في الرأي السياسي. لا شأن لي في تقويم مهنية الصحيفة التي لا جدال حول استقطابها شريحة واسعة من القراء. ما يعنيني هو سياسة حزب الله في الاختباء وراء إصبعه، لدى مواجهة الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية. فعندما يتعامل كثير من مسؤولي الحزب في القرى الجنوبية (العديسة مثالاً)، بشيء من العنجهية، مع مواطنيهم، ويؤدي ذلك إلى الاصطدام بهم، واعتقال بعضهم لتأديبهم بسبب إشكال فردي، فهذا ما لا يمكن السكوت عنه. ما حدث في العديسة أنّ إشكالاً فردياً وقع أمام حسينية البلدة بين مسؤول الحزب في البلدة وبعض أبنائها، تطوّر إلى تضارب بالأيدي والعصي والسكاكين.

حتى الآن، لا يزال الأمر طبيعياً، ويحدث في كل القرى والمدن، وفي أحسن العائلات كما يقال، لكن في اليوم التالي، قام عناصر من الحزب بالاقتصاص ممن شارك في الإشكال، واحتج أبناء من القرية لأنّ عناصر من الحزب اعتقلوا أحد المشاركين في الإشكال. وفي ذلك تثبيت لتهمة غالباً ما ينفيها الحزب عن نفسه، بأنّه ليس الدولة، ولا بديلاً عنها! لكن ما حصل في العديسة، وقبله في حولا، وبعده في البازورية (بلدة السيد حسن نصر الله) لا يبشّر بالخير، لا لأنّه فعل مدان وحسب، بل لأنّ سلوكيات مماثلة عوّدتنا إيّاها ميليشيات أخرى غير حزب الله، فيما كان يبدو الحزب منضبطاً على نحو مخيف في سلوكه الاجتماعي والأمني مع الناس، فلازمة &laqascii117o;لا عناصر غير منضبطين في حزب الله" لا تزال طنّانة في آذان اللبنانيين. وقد عودنا الحزب أنّه ليس في قاموسه &laqascii117o;سلوك فردي" لعناصره، فتركيبته الأيديولوجية والحزبية تمنع أي خطأ أو تماد في ذلك المجال، وإذا حصل الخطأ والتمادي، تتكفل أجهزة المحاسبة في الحزب بتقويم ولجم الخطأ والتمادي.
لكن هذا ما لم يحصل في حولا مثلاً، عندما هاجم عناصر من الحزب محل الرجل الوحيد الذي يبيع الكحول في القرية، لإرغامه على الإقفال. سارع مسؤولون في الحزب عند سؤالهم، إلى إنكار علاقة حزبهم بما حدث، وعلّقوا المسؤولية فوراً على شمّاعة &laqascii117o;الأهالي". إشكال حولا ذاك، الذي أغفلت ذكره &laqascii117o;الأخبار"، ذكرته جريدة &laqascii117o;السفير" بشيء من التورية الواضحة، فهي إذ ذكرت انتقال &laqascii117o;مسلسل منع المشروبات الروحية إلى حولا"، أكدت وقوع &laqascii117o;إشكال في بلدة حولا، في قضاء مرجعيون بين مالك محل لبيع المشروبات (و. خ.)، وعناصر حزبيين دخلوا إلى المحل (عناصر من حزب الله) وطلبوا من (خ) إقفاله، فلما لم يمتثل الأخير لطلبهم حصل عراك وتضارب بالأيدي داخل المحل، بين العناصر وصاحبه، الذي جرت نجدته من عناصر من حزب آخر (حركة أمل)، ما أدى إلى إصابة شخصين بكدمات وأضرار مادية في المحل. وأعقبت ذلك حالة من التوتر في البلدة بين تنظيمين حزبيين (حزب الله والحزب الشيوعي اللبناني)، ما دفع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي إلى الدخول إلى البلدة، والعمل على حلّ الإشكال وتسيير دوريات داخل البلدة وعلى طريقها وفتح تحقيق في ما جرى".

ما ذكرته &laqascii117o;السفير" مواربة عن حولا، عرضته بوضوح عن إشكال في البازورية، (الخبر غيبته &laqascii117o;الأخبار" تماماً). لنقرأ معاً خبر &laqascii117o;السفير" (17/8/2011): &laqascii117o;أقدم مجهولون قبل أيام على تهديد المدعو أ. ش. وهو صاحب محل لبيع المشروبات الروحية في بلدة البازورية في قضاء صور، بواسطة بيان موقع باسم &laqascii117o;أنصار المهدي"، ما دفع الأخير إلى إقفال محله، بعد تحذيره بإحراق محتوياته والتعرض له شخصياً. وقال مقربون من أ. ش.: &laqascii117o;إنّ الحادثة جاءت بعد سلسلة من المضايقات، كانت قد بدأت قبل أكثر من سنة، عندما أنذر أحد رجال الدين في البلدة ويدعى ر. ح، صاحب المحل بضرورة التوقف عن بيع المشروبات الروحية، التي يمتلك أ. ش. ترخيصاً رسمياً ببيعها". وعندما لم يمتثل صاحب المحل ويوقف مزاولة عمله، انطلاقاً من كونه يملك ترخيصاً رسمياً من ناحية، ومن عدم صلاحية الجهة التي حذّرته، قصد رجل الدين المذكور قبل مدة قصيرة صاحب المحل برفقة شاب آخر، طالباً منه التوقف عن بيع المشروبات. وبعد أيام على الحادثة، وُضع البيان التحذيري، الذي وقعته جهة تطلق على نفسها اسم &laqascii117o;أنصار المهدي"، أمام باب المحل.
وأوضح المقربون أنّهم راجعوا حزب الله في الموضوع، على اعتبار أنّ رجل الدين ر. ح. مقرب من الحزب، فما كان من الأخير إلا أن &laqascii117o;أعلن عدم علاقة الحزب بالقضية، لا من قريب ولا من بعيد، وعدم ارتباط رجل الدين المذكور بالحزب"، مشيراً إلى &laqascii117o;أنّ تصرفه شخصي".
&laqascii117o;التصرف الشخصي" هو التعبير الآخر عن مصطلح &laqascii117o;الأهالي"، الذين سبق لحزب الله أن استخدمهم في &laqascii117o;بوز المدفع"، عندما أراد تصفية حساباته مع قوات اليونيفيل في جنوب لبنان. ذلك الانطباع هو حقيقة في أذهان الجميع، أهالٍ ومتابعين ومراقبين، وهو يستخدمهم اليوم لحرق الإطارات في القرى الجنوبية الغاضبة من انقطاع الكهرباء، كنوع من تنفيس الغضب الذي يزداد لدى &laqascii117o;الأهالي" على الحكومة التي أتى بها حزب الله، وتبيّن أنّها لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، لجهة إغفال الهمّ المعيشي للناس، لكنّ الحزب إذ يستخدم جمهوره حجة يعلّق عليها أخطاءه ومناوراته السياسية والاجتماعية، يغفل عن حقيقة أنّ هؤلاء &laqascii117o;الأهالي"، أو بعضهم على الأقل، يمكنهم أن يتململوا من الواقع الذي يعيشون فيه، وخصوصاً مع ضيق أفق الحريات الفردية في الجنوب، وتحوّل بعض

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد