هل تتأثر المقاومة بما يجري في سوريا؟
ـ 'السفير' امين محمد حطيط: منذ ان بدأت الحركة الاحتجاجية في سوريا واتسعت مروحة المطالب المرفوعة ارتسم السؤال الذي يعول عليه الغرب ويتردد في اكثر من مكان استفساراً عن مدى تأثر المقاومة في لبنان بما يجري في سوريا وانعكاسه حاضراً ومستقبلاً عليها، وطبعاً كان السؤال مبرراً لأكثر من اعتبار، فالمقاومة والنظام السوري تجمعهما منظومة المقاومة والممانعة المتشكلة في المنطقة لمنع سيطرة ارباب المشروع الغربي عليها، وسوريا هي البوابة البرية الوحيدة للبنان المقاوم، وتشكل بموقعها الجغرافي العمق الاستراتيجي اللصيق والجسر الى العمق الاستراتيجي الأبعد شرقا وفي اي اتجاه آخر في العالم. من اجل ذلك كان المراقب للاحداث يضع عيناً على المسرح السوري والعين الأخرى يبحث فيها عن مؤثرات ما يجري هناك على المقاومة في لبنان، وهي التي تتعرض لهجوم غربي من بوابة ما اسمي &laqascii117o;المحكمة الخاصة بلبنان" والمناط بها بموجب القرار 1757 محاكمة قتلة رفيق الحريري، وانقلبت بوضوح كلي الى سيف يسلط على المقاومة.
بتقدير موقف تحليلي يمكن تصور اوضاع المقاومة في لبنان على ضوء ما سيؤول اليه الحال في سوريا، حيث اننا ورغم قناعتنا المطلقة بأن الهجوم على سوريا فشل وانقلبت خطة إسقاط النظام، بعد ان تبين عقمها، الى خطة الانتقام من سوريا التي يوحي اصحابها بأنهم لم يفشلوا بعد وأنهم يستطيعون ان ينالوا من سوريا ويحاصروا المقاومة في الآتي من الاسابيع، وهنا وانطلاقاً من قاعدة فرض المحال ليس بمحال، ومجاراة للمنهجية العلمية، فإننا نعرض السيناريوهات الممكنة وطرح الفرضيات المحتملة ـ مهما كانت درجة الإمكان او الاحتمال فيها ـ لنبين مدى تأثر المقاومة في لبنان بكل من تلك الصور والسيناريوهات التي سنعرض لها، والتي تتراوح بين توقع ثبات النظام واستمراره في دعم المقاومة، او تغييره وخسارة المقاومة عمقاً ودرعاً استراتيجياً، وبينهما فرضيات وسطية، منها بقاء النظام مع تغيير في اسلوب التعامل مع المقاومة او تغيير النظام مع عدم التنكر للمقاومة، او انقلابه الى نظام معاد للمقاومة، وأخيراً فرضية انهيار الوضع مع العجز عن إقامة نظام مركزي يحفظ وحدة سوريا:
1) السيناريو الاول: ثبات النظام القائم في مواقعه وسياساته من دون تقديم تنازلات للخارج ترتد سلباً على المقاومة. في هذه الحال لن تتأثر المقاومة في ما يتعلق بجهوزيتها وقدراتها القتالية وفعالية مواجهتها لإسرائيل، لكن الأثر السلبي الوحيد، الذي قد يسجل هنا في وجه المقاومة، هو علاقتها ببعض التيارات السورية التي انخرطت في الحركة الاحتجاجية وناصبت المقاومة العداء لأنها وقفت مع النظام.
2) السناريو الثاني: استمرار النظام الحالي واضطراره للانكفاء داخلياً وتغيير سلوكه حيال المقاومة بشكل لا يبقيه حليفاً مساعداً ولا يحوله عدواً مطارداً. وقد يسعى الغرب الى هذا الوضع عبر تسوية تتم بينه وبين النظام، بحيث تتأمن مصالح النظام بالاستمرار الآمن، وتتحقق احلام اميركا في اقتلاع العقبة الاستراتيجية الهامة من وجه مشروعها الكوني، الذي لا بد له من ان يعبر من بوابة الشرق الأوسط حتى ينجح. وفي حال تحققت هذه الفرضية ستجد المقاومة نفسها قد خسرت أبواباً ومعابر وسنداً، الامر الذي سيضطرها للبحث عن بدائل وإيجاد أساليب عمل جديدة للإبقاء على قدراتها من دون الاصطدام بنظام يشهد تاريخه على دعمها، كما سيكون عليها الاستمرار في مراكمة قوتها مع بذل جهد إضافي. وفي عودة الى واقع المقاومة وإمكاناتها اليوم نجد أنها قادرة على التكيف مع هذا الوضع والعمل بمرونة تجمع المصلحتين، مصلحتها ومصلحة النظام.
3) السيناريو الثالث: سقوط النظام القائم وقيام نظام بديل عميل لأميركا ومعادٍ للمقاومة. وهو حل يعتبره الغرب مثالياً. اذ في حال نجاحه سيتكرر مشهد نظام حسني مبارك مع قطاع غزة وتتحول سوريا الى القلعة الاستراتيجية الاسرائيلية البديلة لمصر بعد انهيار مبارك. ولكن السؤال الذي يطرح هل أن نظاماً كهذا ممكن القيام في سوريا اليوم خاصة في مسألة العداء للمقاومة؟
من حيث ما يقدمه الواقع السوري اليوم من معطيات نستطيع القول بانخفاض نسبة الاحتمال الى ما يشبه العدم، ولكن وبما ان فرض المحال ليس بمحال، فإننا نرى ان المقاومة ومع نظام كهذا ستخسر حتماً عضداً وسنداً استراتيجياً، ما سيعقد عملها ويبدد جزءاً كبيراً من قدراتها وجهودها ولكنه لا يصل الى حد دفعها الى التآكل وإلقاء السلاح، خاصة مع توقع عدم استقرار سوريا مع نظام كهذا واحتمال تشكل المقاومات في داخلها ضده. ان وضعاً كهذا سيدفع المقاومة في لبنان الى بذل جهد اكبر والعمل على الذات والاستفادة من الطاقات المحلية مع ايجاد البدائل المناسبة، وهنا سيكون الشأن الداخلي اللبناني ذا اهمية اكبر في سياسة المقاومة واستراتيجيتها.
4) السيناريو الرابع: سقوط النظام والعجز عن إقامة النظام المركزي القوي البديل. وفي عودة الى ما يصدر عن الغرب من دراسات وبحوث استراتيجية، نرى ان الدوائر الصهيونية والاميركية وأن الغرب يسعى الى هذا الحل إن لم يتمكن من إقامة النظام العميل له او تغيير سلوك النظام القائم. اما الصيغة التنفيذية فتتجسد في واحد من امرين إما تقسيم سوريا الى 4 دول. او قيام المناطق المغلقة الواهنة التي ترتبط بالمركز بشكل ضعيف، ويكون الجيش السوري هو الضحية الاولى لهذا الحل. اما عن تأثيره على المقاومة، فإننا نرى بأنه يفقدها مكاسب لا بأس بها تتمتع بها مع النظام القائم، ولكن سلبياته لن تصل الى حجم سلبيات السيناريو الثالث، خاصة أن بعض الدويلات التي قد تصنع لن تكون في عداء اكيد مع المقاومة، وأن الاخرى لن تكون في قوة تمسك بأرضها.
5) السيناريو الخامس: سقوط النظام القائم وقيام البديل الذي لا يتنكر للمقاومة ولا يعاديها، وتتراوح سياسته بين التأييد، كما هو الواقع القائم كما عرضنا في السيناريو الاول، او التنصل من التزاماته حيالها من غير عداء كما هو في السيناريو الثاني. وهنا لن نناقش كثيرا في هذا الاحتمال لسببين، أولهما تجنب التكرار لأن انعكاس هذا على المقاومة مبين في السيناريوهين الاول والثاني اما السبب الثاني فيكمن في انعدام فرص حصوله، لأن الغرب وإن تمكن من إسقاط النظام لن يسمح بإعادة إنتاج نظام يدعم المقاومة.
اما في درجة احتمال او توقع تحقق اي من السيناريوهات فإننا نرى:
1) ان السيناريو الاول، اي بقاء النظام الحالي واستمراره في موقعه الاستراتيجي في دعمه للمقاومة، هو السيناريو الاوفر حظوظا، حيث ان قوته الداخلية وأحزمة الأمان الإقليمية والدولية القائمة حوله لا زالت قوية وفعالة، الامر الذي يسقط فرضية التدخل الاجنبي العسكري او &laqascii117o;الانساني".
2) اما السيناريو الثاني، اي بقاء النظام الحالي في السلطة وتراجعه عن الدعم العلني للمقاومة، رغم استبعادنا لهذه الفرضية لأن حظوطها منخفظة جدا، فإننا لا نرى خطراً جدياً يهدد المقاومة جذرياً ويؤثر على طاقاتها واستراتيجتها.
3) ومع السيناريو الثالث، اي قيام نظام مركزي قوي معاد للمقاومة، وهو الأقل احتمالا الى ما يشبه الانعدام، فإننا نرى في تحققه الوضع الأسوأ الذي ستواجهه المقاومة، لكنه لن يصل الى حد المس العميق بقدراتها ومستقبلها نظراً لما تملكه.
4) اما السيناريو الرابع، اي عدم القدرة على قيام االنظام المركزي البديل في حال سقوط النظام، فإنه يلي الاول من حيث درجة الاحتمال، لأن الأفق السوري لا يظهر جهة قادرة على إقامة الجبهة الائتلافية التي يمكنها ان تحكم، وأن الواقع الدولي والإقليمي لن يسمح بإقامة النظام العميل لأميركا ولن يساعد عليه.
حرفة إضاعة الوقت
ـ 'الأخبار' فداء عيتاني: يتغير العالم في محيط لبنان أسرع من قدرة الكل على المتابعة والتحليل. يتغير بصورة يومية، بينما السلطة اللبنانية لا تزال قاصرة عن حماية نفسها من هذه التغيّرات، عدا الاستفادة من التحولات، أو استشراف الأفق والعالم الجديد.
وفي خضم التغيرات الحاصلة، فإن أوهام قوى 14 آذار بأن ما يجري إنما يصب في مصلحتها مجرد خيال قاصر عن متابعة ما يحصل، وأن التحول في الشارع في العالم العربي يمكن أن يفيد في مواجهة المد الإيراني في المنطقة، وينعكس في مصلحة مواجهة حزب الله في لبنان، هذا الحساب أقرب الى انتظار حصول معجزة في زمن انتهت فيه المعجزات.
فالصراع في الشارع العربي اليوم يُظهر أن قوى الماضي قد انتهت، أو هي على طريق النهاية، وأن الرهانات على الاستفادة من بقاء أنظمة، أو التعلق بما يمكن أن تكون عليه الثورات من ردة دينية، إنما ينطلق من مواقف رجعية تحاول تأبيد الواقع، وإدامة المصالح الحاصلة عليها هذه القوى، لا أكثر ولا أقل.
لكنّ المستقبل سيحمل تغيّرات شتى، سيكون أمام كل القوى إعادة صياغة وجهتها؛ فمرحلة مواجهة مشروع جورج بوش الابن في المنطقة قد انتهت، ومرحلة المراهنات على &laqascii117o;العروبة الحديثة"، التي تمثلها مصر حسني مبارك، وسعودية الملك والحاشية، والأردن ومحمود عباس، هذه المرحلة قد انتهت، وخلال الأعوام القليلة المقبلة سيكون على الجميع، عرباً وإسرائيليين، أتراكاً وإيرانيين، مواجهة منطقة مختلفة بمعادلات أقسى من التي كانت، ومع شعوب أقل ما يقال فيها إنها تتلمس سبل التغيير، لكن بعدما أفقدت الأنظمة والسلطات هيبتها بالكامل.
ولن يشذ لبنان عن مواجهة الواقع الجديد، وسيكون هناك خاسر ورابح، وسيكون هناك أضرار مباشرة وأخرى مضمرة، لكن بحسب التقليد اللبناني فإن كل شيء سيغطّى بأكاذيب من عيار &laqascii117o;لا غالب ولا مغلوب".
في لحظة مقبلة سيواجه الجميع تحدي الفراغ، أو إجراء تعديلات جوهرية؛ حزب الله أولاً لن يتمكن من التحول الى مشروع مذهبي لحماية مقاومته، حيث تدل تجربته على أن الإيغال في العمق المذهبي سيحصره ويعزله في بلد كلما انعزلت مقاومته أو تمذهبت أصبحت مجرد عنصر في حكم الطوائف، وكلما اتجهت الى البعد التحرري في علاقتها بجمهورها، ووسعت دائرة تحالفاتها، تعززت واتسعت.
لكن الفراغ الأخطر هو ذاك المطروح أمام من يحمل اليوم لواء تيار المستقبل، هذه الفئة التي ستشاهد في المقبل من الأيام فقدان المقومات الأولى لمشروعها، ولبنائها، ولامتدادها الخارجي، حيث سيكون الناس في مصر وفي غيرها من الدول مشغولين بثوراتهم، والسلطات في السعودية أعجز من أن تخوض صراعاً بالواسطة في لبنان، وحيث سيفقد المشروع الأول كل عناصره، وسيكون السنّة قد استنفدوا قضيتهم في لبنان، من دورهم في السلطة، الى موقفهم من التحول في سوريا وامتدادهم في العالم العربي، والموقف من المد الشيعي. سيكون عليهم هم أيضاً التحول تدريجياً عن قوى لم تعد قادرة على قيادتهم، فضلاً عن مدهم بأسباب الحياة، وستكون هذه القوى نفسها محافظة على حصصها في الحكم المحلي، لكن دون كبير فاعلية.
إن كانت المرحلة المقبلة قاسية أمام قوى التغيير في المنطقة، وكذلك أمام حزب الله، فإنها ستكون أقسى أمام السنّة في لبنان. ليس المهم ما يقوله اليوم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن موقفه من حزب الله، وما نُقل عنه في ويكيليكس، ولا ما قاله عن المسألة الفلسطينية في الماضي القريب، ولا موقفه من المحكمة الدولية، ولن يكون مفيداً الإشارة الى موقف الرئيس عمر كرامي في السابع من أيار أو في حرب تموز.
إنّ من يريد أن ينظر الى الأمام عليه معرفة أن عامين يفصلان عن الانتخابات النيابية المقبلة، وخلال هذه الفترة ستقطع التغيّرات في المنطقة العربية مسافة كبيرة، وستكون الأرض بحاجة الى كوادر وقوى مختلفة، ليس بالضرورة أن تحوز موافقة الناتو ولا المملكة السعودية ولا حتى قطر، لكن بالضرورة أن تسمع نبض الشارع في المحيط، ولا ينفع هدر الوقت في النقاش حول النسبية.
إضاعة الوقت هي احتراف لبناني صرف، نعمد بعده الى معالجة انتظارنا للتغيرات حتى نبني عليها، ربما من الأجدى اليوم تأسيس فكرة سياسية صالحة للعيش في المرحلة المقبلة، بعيداً عن براغماتية السلطة، وعن أوهامها
ميقاتي يعزز نهج 'الوسطية': 'خيار ثالث يضبط التوازنات'
ـ 'السفير' غاصب المختار: بقدر الخسائر السياسية البالغة التي يمنى بها &laqascii117o;تيار المستقبل" و&laqascii117o;فريق 14 آذار"، نتيجة تطرفه واستعدائه قوى وشخصيات وازنة لمجرد اعتمادها خيارا سياسيا مختلفا، يراكم الرئيس نجيب ميقاتي رصيدا، نتيجة خيار الوسطية السياسية الهادئة التي اعتمدها، حيث اثبتت الوقائع نجاحه الملحوظ في ادارة الحكومة وتوازناتها وحسن التعاطي مع ملفاتها وتحديد اولويات عملها على مختلف الصعد، من دون ان يكسرها مع أي طرف لا داخل الحكومة ولا حتى مع القوى البرلمانية المعارضة. ولعل مشروع تطوير قطاع الكهرباء كان خير دليل. كما انه مد خطوط التواصل مع شخصيات وازنة ومؤثرة في شارعها وبعلاقاتها الخارجية، ونسج معها تحالفات علنية وضمنية او تحالفات ولدت طبيعيا بحكم تلاقي القناعة والممارسة بين اطرافها.
وفي هذا السياق، يقع التلاقي الطبيعي لا بل التحالف المتين، بين ميقاتي والنائب وليد جنبلاط، ولو من باب المصلحة المشتركة للطرفين احيانا، فكما ميقاتي، اختار جنبلاط تجنب الصدام مع أي طرف، والمضي في مشروع تعزيز حضور الحكومة ودعم مشاريعها وبرنامجها، وبالتالي اصطف الى جانب ميقاتي في محاولة تدوير الزوايا وتكريس الحوار بدل الصدام والاصطفاف السياسي والطائفي والمذهبي.
وقد اقام النائب جنبلاط امس الاول في دارته بكليمنصو، مأدبة عشاء تكريمية لميقاتي، تكريسا للتحالف بينهما، وهو امر من شأنه ان ينعكس بتعزيز رصيد ميقاتي حكوميا وسياسيا، في محاولة لاستكمال الكيمياء القائمة بين جنبلاط وميشال سليمان وجنبلاط والرئيس نبيه بري كما بين ميقاتي من جهة وسليمان وبري من جهة ثانية. كما اختار مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الخيار ذاته، وسعى داخل الطائفة السنية الى تكريس الوسطية خيارا للتلاقي بدل الاختلاف، مع ان ذلك كلفه حملة غير مسبوقة ضده من قبل اكبر تيار سياسي سني، ومع ذلك تمكن المفتي من الدفاع عن وجهة نظره الوسطية، لا سيما حيال طريقة تعامله مع رئيس الحكومة &laqascii117o;السني" ومع مؤسسة مجلس الوزراء وسائر مؤسسات الدولة، باعتبارها المرجعية لإدارة شؤون الدولة والعلاقات بين الاطراف اللبنانية.
وجاء موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، ليضع البطريركية المارونية على مسافة متساوية من الجميع، في محاولة لكسر الاصطفافات الحادة، علما أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان بانتمائه للمدرسة ذاتها، يكمل مع ميقاتي والاخرين الحلقة القوية التي تتوسط عقد اللعبة السياسية اللبنانية المعقدة، فتمسك حباته فلا ينفرط نهائيا.
وتقول اوساط ميقاتي لـ&laqascii117o;السفير" انه اختار عن قناعة شديدة الوسطية نهجا ثابتا منذ ان اشتد الاصطفاف الداخلي وتحول الى انقسام خطير، ولعل الاخرين اعتبروا هذا الخيار مدخلا لحل الكثير من المشكلات القائمة في البلد، وسبيلا لتراجع حدة التشنج، وباباً طبيعيا يبقى مفتوحا لولوج الحوار عندما تتعثر المصالحات ويتعذر التلاقي، ويتداعى الجميع إلى لم ّ المشكلات من الشارع ونقلها الى المؤسسات الدستورية.
وتعتبر اوساط ميقاتي، &laqascii117o;ان خيار الوسطية كان هو الخيار الثالث الذي اثبت نجاحه حتى الان في ضبط الكثير من المشكلات ومنع تفاقمها، لأنه يخلق التوازن بين التيارات السياسية المختلفة، ويوفر حدا ادنى من الاستقرار السياسي والامني الذي ينعكس على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي للناس"
بيروت تغيب عن واقع التحولات التركية والسعودية
ـ 'النهار' هيام القصيفي: ماذا ينتظر لبنان من زيارات اربع مرجعيات سياسية وعسكرية وروحية الى الولايات المتحدة، اي رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في ايلول الجاري، والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في تشرين الاول وقائد الجيش العماد جان قهوجي بين تشرين الاول وتشرين الثاني. منذ اندلاع الاحداث في سوريا، قبل ستة اشهر، تتضح يوما بعد يوم نزعة لبنانية لدى بعض الاوساط السياسية الى تأكيد التزام لبنان روحية المعاهدة اللبنانية - السورية للاخوة والتنسيق والتعاون التي حكمت دمشق بموجبها لبنان نحو 15 عاما، مصحوبة برغبة متمادية في نقض محاولات حكومات الرئيس فؤاد السنيورة منذ عام 2005، تكريس ابتعاد لبنان في سياسته الخارجية – والداخلية - عن سوريا، وقت كانت تطوقها الحكومات الغربية بعد خروجها من لبنان.
اليوم، وفي ظل العقوبات الاوروبية والاميركية على النظام السوري، يبدو موقف لبنان ملتبسا حيال علاقته بدمشق، وسط الانقسام الشديد بين فريقي 8 و14 آذار في مقاربة تداعيات الملف السوري. وهذا الالتباس من شأنه ان يصبح مضاعفا في الاطلالات الخارجية التي ينوي كل من القيادات الثلاث ان يقوم بها، كل من موقعه، في تقديم صورة لبنان وتحديد هويته المستقبلية في ضوء انعكاس الحدث السوري، وخصوصا ان سليمان سيتحدث باسم لبنان امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، وقت لا يزال هو وحكومة ميقاتي على صلة وثيقة بالنظام السوري الذي تحاول الدول الكبرى صوغ قرار دولي جامع ضده، وفي حين تحفل التقارير الديبلوماسية الغربية بمعلومات عن البدع التي يحاول ميقاتي من خلالها النفاذ الى تمويل المحكمة الدولية قبل ذهابه الى نيويورك.
اما الراعي (وفي ظل غياب اي معطى عن لقاءاته الرسمية في واشنطن في اعقاب الجدل الكبير الذي اثارته تصريحاته في باريس) فسيجول في الاغتراب اللبناني، الذي اعتاد ان يخط الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير امامه اشد المواقف صلابة من الوجود السوري وتدخلاته في لبنان وسلاح 'حزب الله'، اضافة الى قائد الجيش الذي تستقبله الادارة العسكرية الاميركية في زيارة تهدف الى تقرير المساعدات للجيش اللبناني الذي تثير بعض قوى 14 آذار في لبنان اسئلة حول دوره الحالي، وتطرح بعض الاوساط الاميركية تجميد المساعدات له.
وترجمة التطلعات اللبنانية بعيدا من التأثيرات السورية تبدو حتى الان مهمة مستحيلة امام المرجعيات الاربع التي تتعامل مع الحدث السوري من زاوية محلية صرف من دون الاخذ في الاعتبار التشابكات الاقليمية التي بدأت تظهر بحدة اكبر يوما بعد آخر. وبحسب اوساط سياسية فان لبنان الرسمي يعيش على ايقاع قديم انتهى مفعوله، في ضوء المتغيرات الاقليمية. وابرزها دخول تركيا على خط 'الربيع العربي' ونسجها اتصالات وثيقة مع القوة العربية السنية اي المملكة العربية السعودية التي فقدت في الاونة الاخيرة حليفتها الاساسية مصر الغارقة في لملمة اوضاعها الداخلية. وهذه الاتصالات، التي تتشعب الى علاقات اقتصادية واجتماعية وامنية وسياسية، من شأنها ان تؤسس لخط اقليم سني في مواكبة التحولات العربية، سواء في الدول السنية التي تعيش ربيعا عربيا، وقد بدأ زيارتها امس رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، او في العراق حيث القوة الشيعية المتنامية تقلق السعوديين والاتراك معا، وسوريا ولبنان حيث يقوى تحالف الاسد مع حلفائه وحكومتهم، او على خط فلسطين واتجاهها الى اعلان دولتها المستقلة.
والدخول التركي على خط الازمة السورية، في مقابل القوة الايرانية ورعايتها لوضع 'حزب الله'، من شأنه ان يخلق نوعا من التوازنات الاقليمية في معالجة الوضع السوري، ومعه البؤر المتوترة من العراق الى لبنان، والاهم احتواء المسألة الكردية التي تقلق بال ايران وتركيا على السواء، والتي لا تزال الى الان تعوق عملية حسم الوضع السوري على خطوط الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين واشنطن وانقرة وطهران. من هنا، وفي ظل المراوحة السورية المائلة نحو العنف اكثر فاكثر، ثمة ملفات تتعقد تدريجا: ملف الانسحاب الاميركي من العراق والاحتمالات المفتوحة حوله، الموقف السعودي حيال ايران ومضاعفة تدخلها في العراق حيث تتنامى القوة الشيعية فيه وفي لبنان وسوريا، والتحول السعودي الحاد ضد دمشق، فضلا عن المنحى التركي الجديد في مقاربة الملفات الاقليمية وتحول انقرة من لاعب ضمن مجموعة الى قوة اساسية تتحرك على خط عواصم القرار، وحسم الوضع الكردي بعد العمليات العسكرية الايرانية والتركية الاخيرة. والاهم وضع النظام السوري الذي يحاول التشبث بكل قواه بمعاقله العسكرية والسياسية، في مواجهة ازمة امنية مفتوحة على الغارب. في حين يعيش لبنان وحده على ايقاع الحدث السوري، ليتحول تدريجا متحدثا باسم النظام السوري على كل المستويات الدولية، كما حصل في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، وما يمكن ان يحدث ايضا في المحافل الدولية
مخاطر كثيرة في مواقف البطريرك
ـ 'النهار' عبد الوهاب بدرخان: لم يكن هناك داعٍ لانتظار ايضاحات من البطريرك بشارة الراعي، لأنها ستكون بالتأكيد مزيدا من الشيء نفسه. مثلما ان التهجم عليه وعلى مواقفه سيزيده تجذرا في خياره الذي بات الآن معلنا. فنكون بجنرال واحد ونصبح مع جنرالين، هناك واقع بكركوي جديد، ولا بد من التعامل معه.
سيقول البعض كنا بانقلاب واصبحنا بانقلابين. لا عزاء للأقلية، وهنيئا للاكثرية هذا الاختراق المفاجئ. هذا بلد بارع في التسخيف الى اقصى حد، اذ لم تعد افراح 8 لتستقيم الا على احزان 14، والعكس صحيح.
هل ان مخاوف البطريرك صحيحة؟ نعم. هل ان مسيحيي الشرق يمرون بمحنة؟ نعم. هل ان مواقف البطريرك 'فاتيكانية' في اثارتها لـ'قضية' المسيحيين؟ نعم. في صياغتها وتعاملها مع الازمة السورية والوضع اللبناني تُرك الامر لتقديره. اما دغدغتها للنظام السوري وتبنيها لدعاوى 'حزب الله' فيصعب الحكم عليها، لكنها تتماشى عمليا مع نهج التعامل مع الامر الواقع الذي اضطر المسيحيون لاتباعه في عراق البعث كما في سوريا البعث، فضلا عن لبنان تحت الوصاية. لكن، هل ان الاستنتاجات التي جهر بها البطريرك تتناسب مع تحليله للمخاوف؟ هذه مسألة اخرى ستترتب عليها مسؤوليات تاريخية امام عموم الشعبين اللبناني والسوري.
البطريرك على حق في التوجس من صعود الاصولية الاسلامية، وعلى حق في اعتبار ان ليس للمسيحيين ما يتوقعونه ايجابيا من حكم يسيطر عليه 'الاخوان المسلمون' او السلفيون، وعلى حق في الاتعاظ بالمعاناة القاسية لمسيحيي العراق، وعلى حق في نقد انحياز الدول الغربية لاسرائيل. لكنه نسي – وهذا خطأ – ان غالبية المسيحيين تعاني ايضا من هوس الاسلاميين المؤدلجين وتتساوى بهواجسها مع المسيحيين وقد تفوقهم احيانا. بل نسي خصوصا ان مستقبل الشعوب يجب ان يكون مفتوحا على انظمة تحترم العيش المشترك والحكم بالقانون لا على مداراة الخوف تحت مظلة انظمة مستبدة ودموية. ولعله نسي اكثر ان اللبنانيين شرعوا عام 2005 تجربة وطنية واعدة استحقت التقدير والتفهم من بكركي سابقا، لكن 'تحالف الاقليات' تحت رحمة البعث في سوريا وتحت رحمة 'حزب الله' في لبنان اجهض تلك التجربة، وكما لم يصنع واقعا طبيعيا في سوريا فإنه لن يصنع واقعا سويا في لبنان، لا للمسيحيين ولا للمسلمين. مخاطر كثيرة تنطوي عليها مواقف البطريرك. اقلها شأنا هو الترادح الداخلي. لكن اهمها التغاضي عن نشوء دويلات على حساب الدولة، وعن السلاح غير الشرعي، فضلا عن التهرب من استحقاق العدالة بذريعة 'التسييس'. وهناك ايضا الاختصام المجاني للسنة، بل الاختصام المتهور للشعب السوري. اما اسوأ المخاطر فيكمن في المجازفة بالظهور كمدافع عن النظام السوري فيما هو يقتل شعبه، كما لو ان البطريرك يختزل فيقول: الديكتاتور يحمي المسيحيين، اذاً فاعطوه فرصة ليبقى.
'تعب' أميركي من تحديات المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي
ـ 'السفير' جو معكرون: بالأمس كانت الذكرى الثامنة عشرة للمصافحة التاريخية في البيت الابيض بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، والنقاش الاميركي لا يزال يدور حول سلطة فلسطينية محدودة الصلاحيات أعلنت في العام 1993 وتنتظر إعلان دولتها ومعالجة قضاياها الشائكة الحدودية والأمنية والديموغرافية. تعابير الادارة الاميركية لوصف السعي الفلسطيني لإعلان الدولة عبر الأمم المتحدة كان &laqascii117o;حسابات خاطئة" و&laqascii117o;تحويل للأنظار" عن مسار المفاوضات في وقت تركّز فيه واشنطن على اولويات أخرى هي تحسين علاقة الحكومة الإسرائيلية مع القاهرة وأنقرة وتحسين ظروف حوارها هي مع الرياض، على خلفية ما يبدو كأنه &laqascii117o;تعب" اميركي من المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي وما يحصل بالتالي محاولة أميركية لإدارة مسألة اعلان الدولة الفلسطينية بأقل ضرر ممكن على مصالحها في المنطقة.
في تصريح لمجموعة من الصحافيين امس الاول، اعتبر اوباما ان الخطوة الفلسطينية &laqascii117o;ملهاة" عن قضية المفاوضات الاساسية ولن تؤدي في نهاية المطاف الى دولة فلسطينية قابلة للحياة، وأضاف &laqascii117o;ما يحدث في مدينة نيويورك يمكن ان يشغل الكثير من انتباه الصحافة، لكنه لن يغير في واقع ما يحصل على الارض حتى يجلس الإسرائيليون والفلسطينيون". وأكد أن إدارته &laqascii117o;ستعترض بشدة جداً" على إعلان الدولة في مجلس الامن، لكن في الجمعية العامة &laqascii117o;نحن صوت واحد فقط". وحذر اوباما الحكومة الاسرائيلية من إجراءات تصعيدية ضد السلطة الفلسطينية &laqascii117o;تؤذي إسرائيل ولا تساعدها".
وصرّحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مؤتمر صحافي بالأمس ان طريق الدولة الفلسطينية &laqascii117o;يمر عبر القدس ورام الله وليس عبر نيويورك". على عكس مرونة اوباما في تصريحه حول احتمال توصل السلطة الفلسطينية الى صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، المندوبة الاميركية لدى الامم المتحدة السفيرة سوزان رايس كانت اكثر صرامة باعتبارها الشخصية المفاوضة في نيويورك واعتبرت قي تصريح لها أن إعطاء صفة مراقب للسلطة الفلسطينية ليس خطوة &laqascii117o;رمزية" بل يترتب عليها تبعات قانونية. فالورقة الاسرائيلية التي تستخدم في واشنطن هي أن يؤدي إعلان الدولة الى لجوء الطرف الفلسطيني الى المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة المستوطنين في الضفة الغربية. وصرّح مسؤول في وزارة الخارجية لـ&laqascii117o;السفير" بأن الإدارة الأميركية &laqascii117o;لا تزال تعتقد بأن ليس هذا الطريق الذي يجب سلوكه وهذا الأمر غير مساعد"، مشيراً الى ان الادارة تبقى على تواصل دائم مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وتعتبر ان المفاوضات هي &laqascii117o;أفضل طريق" للتوصل الى اعلان الدولة الفلسطينية. الإدارة قررت بالأمس ان ترسل فوراً الى المنطقة كلاً من كبير مستشاري الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي دينيس روس والمبعوث الموقت لعملية السلام في الشرق الاوسط ديفيد هيل في محاولة لإعادة إطلاق المفاوضات بين الطرفين او التوصل الى تسوية قبل بدء السلطة الفلسطينية سعيها رسمياً في الامم المتحدة في 20 ايلول المقبل.
من جهتها عقدت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب اليانا روس ليهتينين أمس مؤتمراً صحافياً في مبنى &laqascii117o;الكابيتول هيل" أعلنت فيه طرح مشروع قانون جمهوري تحت عنوان &laqascii117o;شفافية ومحاسبة وإصلاح الامم المتحدة" يضع قيوداً على التمويل الأميركي للأمم المتحدة الذي يصل الى 7,7 مليار دولار، ودعت أيضاً الى وقف تمويل وكالات الأمم المتحدة التي توفر مساعدات الى الفلسطينيين. وأكد الرجل الثاني في القيادة الجمهورية في مجلس النواب اريك كانتور أنه في حال نجحت المساعي الفلسطينية في الحصول على عضوية في الأمم المتحدة سيقطع الكونغرس المساعدات الأميركية عن الفلسطينيين. وصرّح كانتور &laqascii117o;موقف مجلس النواب اننا لا ندعم ولن ندعم، بأي شكل من المساعدات، كياناً ينطوي على حركة حماس مع السلطة الفلسطينية، او تحرّك نحو سعي أحادي لإعلان الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة". المساعدات الاميركية الى السلطة الفلسطينية تصل الى حوالى 500 مليون دولار سنوياً، والقلق أن يؤدي وقف المساعدات الى &laqascii117o;ازمة مالية حادة" في السلطة الفلسطينية كما جاء مؤخراً في تقريرين للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن القلق الأميركي هو أن توقف الحكومة الاسرائيلية ميزانية تمويل السلطة الفلسطينية الذي قد يؤثر على نفوذ رئيس السلطة محمود عباس، وتسعى واشنطن بالتالي الى احتواء اي رد فعل اسرائيلي.
وفي ندوة في مركز &laqascii117o;وودرو ويلسون" في واشنطن امس، رأى مدير برنامج الشرق الاوسط وشمال افريقيا في &laqascii117o;مجموعة الازمات الدولية" روبرت مالي ان السلطة الفلسطينية &laqascii117o;أفرطت" في التوقعات من اعلان الدولة عبر الامم المتحدة وعليها أن تعيش بعد الشهر الحالي بإنجاز أقل من هذا التوقع، والحكومة الإسرائيلية كان لها من جهة أخرى &laqascii117o;اكثر من تهويل" كرد فعل على سعي السلطة الفلسطينية. واعتبر مالي ايضاً ان الادارة الاميركية &laqascii117o;عزلت نفسها عن دور في المفاوضات" باتخاذ موقف مسبق من قرار اللجوء الى الامم المتحدة. ورأى أن السلطة الفلسطينية بحاجة الى إنجاز، داعياً الادارة الاميركية الى توفير &laqascii117o;معايير وضمانات" لتجنب انعكاسات سلبية لمواجهة ايلول الدبلوماسية. ورأى مالي ان هناك &laqascii117o;تعباً" في البيت الابيض من المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، بحيث هناك شعور بأن الادارة حاولت كل شيء على مدى سنتين وبالتالي هناك عدم رغبة بالقيام بأي مغامرة اضافية تؤدي الى إضعاف ادارة اوباما داخلياً وخارجياً على ابواب موسم انتخابات رئاسية. من جهته، رأى الباحث في مركز &laqascii117o;وودرو ويلسون" ارون ديفيد ميلر أنه في حال مرّت مسألة اعلان الدولة الفلسطينية على خير في الشهر الحالي لا يزال هناك مخاطر أعمال عنف بين طرفين &laqascii117o;ليس لديهما توازن في المصالح يلبي احتياجاتهما". واعتبر أنه في حال تدهور العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية لن تقوم الحكومة الاسرائيلية بأي تنازلات على الجهة الفلسطينية
المقاومة والدولة: بين انكفاء 'جمّول' وإسلامية 'حزب الله'
ـ 'السفير' (تحقيق من صفحة شباب)
ريتا ابراهيم فريد وعلي شقير: هي ابنة لوالدين شيوعيين شاركا في النضال زمن جبهة المقاومة اللبنانية &laqascii117o;جمول". تربّت في بيئة بعيدة كل البعد عن الطائفية، ملتزمة بقضيتها وناشطة في سبيلها على الصعيد الشبابي. جوانا، ابنة الـ21 عاما، تؤكد أنها مستعدة للموت من دون أدنى تردّد. لكن: &laqascii117o;ليس من أجل الذهاب إلى الجنة، ولكن من أجل بناء جنّة على الأرض!".
موقفها هذا هو موضع نقاش بين شباب ينتمون إلى تيارات سياسية وفكرية مختلفة، في الذكرى التاسعة والعشرين لانطلاق &laqascii117o;جمول"، حول تطور حركات المقاومة في لبنان، انطلاقا من &laqascii117o;جمول" ووصولا إلى المقاومة الإسلامية أو حزب الله، ربطا بالدور الداخلي لتلك الحركات وعلاقتها بالنظام القائم، لا سيما في ظل التركيبة الطائفية اللبنانية.
وفي هذا السياق، يعتبر ناجي لويس أن المقاومة التــي تنطــلق من أساس ديني، من شأنها أن تؤثر سلبا على &laqascii117o;الروح المقاومة" عند الناس، خصوصا في بلد مثل لبنان. ناجي، وهو شيوعي من البقاع، يأسـف للتعاطي السياسي الخجول اليوم للأطراف التي شكّلت نواة الحـركة الوطنية في ما مضى، مقابل مشاركة فاعلة لحزب الله في الحياة السياسية اليوم.
هذا الجانب الديني ينطلق منه عبد الله في نقده للصورة التي تتخذها المقاومة اليوم. فالشاب المستقل الذي لا ينفي عدم معرفة الكثير عن &laqascii117o;جمول" يرى في المقاومة &laqascii117o;مسألة وطنية.. وبالإجماع، على عكس ما يقوم به حزب الله الذي اختصر المقاومة بطائفة. ع أيام جمول كنت تشوف القومي والشيوعي. هلق صارت الجبهة محتكرة. بعدين كيف ممكن لحزب طائفي أنو يبني دولة؟".
المقاومة.. والطائفية
وبرغم هذا الاختلاف في النظر إلى مسألة المقاومة، لا ينكر أحد &laqascii117o;فضل" جمول في إطلاق الرصاصات الأولى على العدو. وكمثل آراء معظم الشيوعيين، يرى علي خليفة (20 سنة) أن الجبهة هي من حرّرت القسم الأكبر من الأراضي اللبنانية وفي ظروف صعبة، داخلياً حيث كانت العمالة علنية وخارجياً حين لم تحظ بداية بتأييد الجميع، وبالتالي فإن &laqascii117o;جمول" هي من رسمت للبنانيين طريق التحرير، برأيه.
ويرى علي أن غيابها اليوم هو نتيجة نشوء تيارات أقوى منها، مدعومة خارجياً، جاءت لتقضي عليها. فالمقاومة أخذت اليوم طابعا فئويا، لكي لا تسمح للقوى الوطنية ببسط سيطرتها وقوتها. ويضيف أن اللبنانيين عموماً وأهل الجنوب خصوصا مقاومون بطبيعتهم. لذلك فإن السماح للقوى الأخرى بممارسة دورها الوطني في المقاومة من شأنه أن يعطي لتلك القوى أفضلية على سواها. ومن هنا كان لا بد من احتكار المقاومة لبسط السيطرة على الأرض، لا سيما السيطرة السياسية.
أما على صعيد التعاطي السياسي، فيرى علي المنتسب إلى اتحاد الشباب الديموقراطي، أن حزب الله سلّم ملف بناء الوطن لحلفائه. إذ انه لا يملك مشروعا إصلاحيا، وحتى هموم الناس ليست أولوية لديه و&laqascii117o;قلما نسمع في خطابات قادته ما يعبّر عن غير ذلك..". ويتابع أن المقاومة الوطنية كانت عابرة للطوائف، ولو استطاعت الوصول للحكم كان أول ما ستقوم به هو إلغاء كل أشكال الطائفية من الدولة. بينما المقاومة الإسلامية اليوم لا تعير ضرورة تغيير النظام الطائفي أية أهمية، بل ربما ترى أنها أقوى في ظلّ هذا النظام، طالما أنها مستفيدة من اعوجاجه.
على العكس من علي، لا ينكر هاني الأهداف الوطنية لحزب الله. كما يرى الشاب الشيوعي أن حزب الله تابع مسيرة &laqascii117o;جمول" في المقاومة التي كانت تعتبر أن الدفاع عن الوطن هو المدماك الأول في بنائه. ولكن على عكس جمول، سعى حزب الله وخاصة بعد التحرير، إلى السيطرة على كل مفاصل الوطن، بحسب هاني الذي يشدد على &laqascii117o;الحاجة إلى ثورة فعلية لننهض من سباتنا الطائفي، علّنا نجد جبهة مقاومة وطنية جديدة".
يختلف تقييم رفاق النضال ضد العدو أيام &laqascii117o;جمول"، أي شباب الحزب السوري القومي الاجتماعي. وليد مثلا يعتبر أن غياب الأحزاب الوطنية عن ساحة القتال هو ما جعل الأمر يبدو وكأن هناك احتكاراً للمقاومة. ويضيف ضاحكا: &laqascii117o;الغريب أن من ينتقد المقاومة هي أحزاب لا يمكن أن تنتظر منها عملاً مقاوماً". ويتابع: &laqascii117o;لا يعتبرنّ أحد أن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كانت أرقى، كانت مجرّد غطاء تنضوي تحته الأحزاب.. وما حدا يفكر انو كانو كتير يحبو بعضهن". ويرى وليد أن حزب الله أكثر نجاحا من &laqascii117o;جمول"، &laqascii117o;مع العلم أنني لا أتفق معهم أيديولوجيّاً، بس أحسن من غيرن"، معتبرا أن حزبا طائفيا لا يمكن له أن يبني دولة.
المفهوم هو الأساس
ترعرع أحمد في الضاحية الجنوبية وشهد على ما ألحقته بها إسرائيل من دمار. أحمد &laqascii117o;المسلم المؤمن الملتزم"، ينظر إلى مسألة الجهاد بوصفها مقدسة. وبرغم أنه لا ينكر دور جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كونها كانت من أولى حركات المقاومة إبان الدخول الإسرائيلي إلى لبنان، لكنه يعاود تأكيده أهمية المقاومة الإسلامية: &laqascii117o;ما حدا بيمنع حدا يقاوم. لكن الفكرة أن هناك تنظيما. كل حدا عندو بارودة بدو يطلع من راسو ع الجبهة؟ هيدا انتحار". ويشير أحمد إلى أنه يؤمن بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة التي تكرّست في السنوات الأخيرة. لذا: &laqascii117o;ممكن يوماً ما نجمعهن تحت اسم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية"!
ومن الضاحية نحو الجنوب، الذي شهــد على أبشــع أشـكال جرائم العدو الإسرائيلي، يؤيد معظــم أنصار حركة أمل المقـاومة الإسلامـية المتمثلة بحزب الله. هيثم عواركة يؤكد أن المقاومة لم تكن يوما حكرا على أحد. وليس هناك ما يمنع أي شخص، بغض النظر عن حـزبه أو طائفـته، أن يقاوم المحتل بأظـافره وأسنـانه وسلاحه مهما كان وضيعا. &laqascii117o;في تموز كان هناك شهداء من حزب الله وحركة أمل والحزب الســوري القومي الاجتماعي والشيوعيين في مارون الراس وصـريفا ومرجعيون وغيرها الكثير من القرى".
هيثم المنتسب إلى حركة أمل، يرى أن &laqascii117o;الأخوة" في حزب الله هم في صلب الوطن. &laqascii117o;ودماء الشهداء التي سقطت أبلغ دليل على ما أقول، كما أن مشاركتهم في البرلمان والحكومة وسلوكياتهم الوطنــية تعـزز قولي هذا، فهم يتماهون مع أخوتهم من مختلف الأحزاب والطوائف، ويعــملون جنبا إلى جنب في سبيل بناء وطن حر مستقل نعيش فيه سواسية من دون تفريق".
أما في ما يختصّ بموضوع تصنيف المقاومة بين وطنية وإسلامية، فيشير هيثم إلى أن ما يهمّه هو مفهوم المقاومة، أمّا الباقي فتفاصيل. &laqascii117o;الشهيد عندما يسقط لا نهتم لطائفته أو لحزبه، وما يهمنا هو ماذا قدم دفاعا عن وطنه، والمقاوم لا يسعى لكسب مادي بل يسعى ليكسب رضى الله الذي أرادنا أحرارا في دنيانا لنفوز بآخرتنا، ولنحافظ على وطن حفظنا وواجبنا أن نحفظه، وهذا المفهوم العقائدي هو في صلب الإسلام وتعاليمه، وليس هناك ما يعيب في ذلك".
من الجنوب إلى البقاع، وتحديدا إلى بلدة الفرزل فيه. يبلغ عمر جاد الحاج 18 عاماً. لكن صغر سنه لم يمنعه من تكوين رأيه في الأوضاع السياسية والتاريخية. &laqascii117o;ما بسمح لنفسي احكي عن المقاومة الإسلامية في هذه المرحلة، بعد التحرير والنصر بحرب تموز". هو يعتبر أن حزب الله لن يصل لمرحلة المساهمة في بناء وطن ما لم يتخط الطائفة، ويتحول إلى مقاومة &laqascii117o;وطنية". ولكنه يؤكد في المقابل ضرورة دعمه رغم كل شيء، لأنه المقاومة الوحيدة الباقية، ولا بديل عنها. ويختم جاد المناصر لفكر أنطون سعادة والحزب السوري القومي الاجتماعي: &laqascii117o;في حال مشينا مع حملة &laqascii117o;لأ للسلاح"، وراح السلاح، بيروح معو كل أمل بالوقوف بوجه إسرائيل.. كرمال هيك أنا مع المقاومة المتوفرة إلى حين توفر الأفضل".