ـ 'المستقبل'
حزب الله' بعد 'ويكيليكس' ضحية غدر حلفائه!
بول شاوول:
عندما بدأت جريدة 'الأخبار' بنشر وثائق ويكيليكس وركزت على ما يصيب بعض قادة وأحزاب 14 آذار هلّل السيد حسن نصرالله، ورفيقه المقاوم الجنرال ميشال عون امتداداًَ إلى الحناجر الذهب الأخرى، تعلن ثقتها المطلقة بصدقية ما تنشره، وتعتبره أساساً لا رد له ولا عليه. لتوزيع التهم وفتح الملفات وتأكيد 'الجرائم' ومرتكبيها، والخونة إلى درجة أعلن فيها الأمين العام لحزب الله وعون... احتمال احالة هؤلاء (أي المتهمين المشهورين) على القضاء. لا اعتراض. و8 آذار لم يتوقفوا عن استغلال نشر هذه الوثائق (وهذا من حقهم السياسي) والتشهير ومحاولة ربط كل ذلك بحرب تموز والمحكمة والدولة والعمالة والتخوين.. والتهديد ورفع أصابع الشمع التي بدأت تذوب على أصواتهم ومناخيرهم.
ونظن ان تهافت السيد نصرالله وحلفائه، ومن دون أي تشكيك في هذه المعلومات، عائد إلى ان هؤلاء ظنوا انه بما أن حصرية النشر متصلة بـ'الأخبار' فعليهم ان يذهبوا بعيداً وطويلاً وعميقاً في الاطمئنان إلى ان انتقائية المعلومات ستبقى انتقائية، وإن الكلام (خلف الغرف المغلقة سيقتصر على 'خصومهم' دون سواهم. إذاً نحن نتصرف بحرية في اختيار ما يجعلنا 'ضحايا' (وقفا نبكِ) وأبطالاً (الا لا يجهلن أحدٌ علينا) و'يا ظالم لك يوم' خصوصاً ان هذا 'الكنز' الاتهامي موجود في أيد أمينة أي المسؤولين في جريدة الأخبار، لكن هؤلاء الأخيرين 'افلتوا' من الانتقائية المفترضة، ونشروا أقوالاً لمسؤولين من 'عظام الرقبة' على لسان حلفاء... من أمل والتيار الوطني .. تمس جوهر العلاقة بحزب الله.
سواء ما قاله الوزير الناجح جداً من 'أمل' خليفة أو آخرون.. فاذا بهذا والسلاح السري يرتد على أصحابه، فقرأنا ألسنةَ بعضهم تهمس إلى المراجع الأميركية بأن حزب الله سرطان.. الخ. وبأن السيد حسن نصرالله يظن نفسه 'صلاح الدين الأيوبي' وبأن 'سياسة الحزب ستدمر البلد'. هذا غيض من فيض ما أسرّته أصوات هامسة إلى بعض المسؤولين الأميركيين. وعندها قامت القيامة على الزميلة 'الأخبار' (المفترض انها محسوبة عليهم)، فسحب حرس (الحزب) من مبنى الجريدة، وكذلك تدابير اخرى. جاءت الضربة من أهل البيت هذه المرة، ومن 'شاهد من أهله'.. فسقط ضحايا أبرزهم الوزير خليفة (أحد أنجح وزراء الصحة)، الذي رفض الاعتذار وعاد إلى مزاولة مهنته وهو مبرّز فيها.
هذه ضربة أولى. مع هذا لم يفقد 'حزب الله'، راعي 8 آذار بسطوِته وقدراته وسلاحه وعلاقاته، الأمل. فما زال الموضوع 'تحت السيطرة' وما زال تدفق المعلومات يصّب في حضنه الامين، ما زالت حصرية التصرف بها 'مضمونة' بإذن الله حتى جاءت الضربة الثانية الموجعة، لكن من المقلب الآخر؛ من جريدة 'الجمهورية' هذه المرة. وكانت المفاجأة التعيسة: 'اترانا وقعنا في الفخ؟ راحوا يقولون. أترانا ضحية مؤامرة؟ ألم يؤكد لنا أصحاب الشأن إن وثائق ويكيليكس معقودة علينا فقط؟ وعلى 'امانتنا؟' وصدّقنا (حزب الله صادق ككل الأحزاب الالهية والميليشيات التي تعاقبت علينا بخرابها منذ السبعينات وحتى اليوم)، وتضيف جماعة حزب الله 'ألم يقولوا لنا 'ضعوا أيديكم وأصابعكم وأناملكم المشهورة في المياه الباردة؟ ألم يقولوا لنا 'ناموا واشخروا بالاتهامات والفجور' فكل شيء تحت السيطرة؟ أولم تجعلنا 'تطميناتهم' نتخذ من هذه الوثائق سلاحاً سحرياً لا يرد... للتشهير 'بالعملاء'! وماذا نقول اليوم؟ ها هي المعلومات مباحة ومتاحة. وها هي 'الجمهورية' تقتحم المباح وتستخدم المتاح. وها هي الفضائح تلعلع من جديد (نافست لعلعلة حناجرهم وبناجرهم). فضائح تكمل ما بدأته 'الأخبار' لكن هذه المرة من حيث انتهت الجريدة المحسوبة عليهم: التركيز على 'صدقية' الحلفاء. وماذا اكتشفنا؟ ان حزب الله وحيد. وحيد جداً، معظم 'أدواته' و'تلزيقاته' تعلن ولاءها له علناً، و'تقدس' 'قديسيه' 'بالأفواه الملآنة' و'تعاضده' وتؤيد 'سلاحه' وتشيد بأمينه العام، وتتزّلف له بالآيات والتكبير، لكن عند الأميركيين ومعهم على 'سرير' الاعتراف الأميركي الفرويدي 'ينتفونه تنتيفاً' . يمزقونه تمزيقاً. من 'جنرال المقاومة' ميشال عون، الى سائر 'المستحلفين' ويتمنون ضربه وهزيمته. فمنبر 'الجمهورية' أصدر ما أصدر من الوثائق، 'وكانت النصال على النصال'، تحمّل الحزب 'القائد' هذه الملمومات الجديدة. وهذه الهزائم الداخلية تحت عنوان المحافظة على هذه 'التلزيقة' المفبركة المسماة قوى 8 آذار. وهنا يمكن ان نتخيل مدى الفجيعة التي أحسّها السيد نصرالله. وهنا يمكن ان نتخيل قوة المونولوج الداخلي الذي تفجرت فيه تداعياته: اذا كنّا على هذه القوة والجود والكرم والهيمنة والسيطرة وحبكت لنا المؤامرات ، أقرب الناس الينا و'أشرفهم' فماذا لو ضعفنا. لن يتركوا ستراً علينا. لن يعدموا وسيلة لضربنا... سينهشوننا نهشاً أي حلف هذا بلا أحلاف سوى في العلن؛ أي حلف هذا يُقبّل أيدي الحزب في العلن ويطعنه في ظهره أمام 'الأعداء' (وليس أي اعداء' الأميركيين!) فيا للعار! ويا للفجيعة. بل أكثر. بمن ترى نثق بعد اليوم، إذا كان هؤلاء المفترض انهم 'جماعاتنا' وقطعاننا ودجاجاتنا المستديكة... ونعاجنا وأدواتنا... غدروا بنا! هذا المونولوغ 'التراجيدي' اختنق في سرائر حزب اللهّ واستُوعب على مضض. وعلى 'عض الجرح'.
لكن المسرحية لم تنته عند 'الجمهورية' فها هي جريدة 'المستقبل' تكمل المشوار الذي بدأته 'الأخبار' واستأنفته 'الجمهورية' وتكشف خبايا لم تنشر. هنا الفضيحة مدوية، فما اسّره خلفاء 'الحزب أمس بدا 'غيضاً من فيض' نظراً إلى ما جاء على ألسنة الحلفاء امام المسؤولين الأميركيين، من رئيس المجلس النيابي إلى رئيس التيار، إلى الرئيس ميقاتي، وآخرين. لا نعرف بالضبط ما أحدث هذا النشر داخل صفوف 8 آذار. لكن الواقع ان 14 آذار لم يصل بهم الأمر إلى بعض ما قال حلفاء الحزب عينه ولم 'ترتقِ توصيفات حلفائه' (السرطان، الورم، يجب استئصاله، ارتد بسلاحه إلى الداخل...) إلى انتقادات الخصوم من تيار المستقبل أو 'القوات' أو الكتائب.. افلتت الأمور هذه المرة. لكن، وحرصاً على وحدة الصف (غير الموحد أصلاً إلاّ بالمنافع ومعادلة القوة والمال)، نقلوا المعركة إلى مكان آخر: فلنشتم 14 آذار ورموزه وسعد الحريري: أكثر: هذه الوثائق المنشورة 'مزورة' وغير ذات صدقية، وسياسية (هذا ما يقولونه عن المحكمة) ومؤامرة أميركية إسرائيلية. لحسوا إشادتهم بويكيليكس 'وبأساسها المتين' و'بدقتها' و'علميتها' ونقضوا كل ما نطقوا به عنها. أنها 'أكذوبة' و'دسيسة' و'تلفيقة' تسعى إلى شق الصف 'الممانع' والمقاوم (خدمة لإسرائيل طبعاًَ) وإلى اضعاف روح المقاومة، وإلى بث الفتنة الطائفية؟ والمذهبية؟ وتهديد السلم الأهلي! كل هذا بعدما كشفت 'المستقبل' اسراراً من ويكيليكس. نقلت المعركة من مفاعيلها داخل 8 آذار إلى 14 آذار، وكأن هذه الأخيرة هي التي كتبت كل هذه الفضائح. وهي التي املت مضامينها على المسؤولين الأميركيين وهي التي صاغت تقاريرها! فجأة صارت ويكيليكس أداة اسرائيلية. رائع! وهذا ليس جديداً على هؤلاء فمن تأييد المحكمة وتمويلها إلى اعتبارها 'اسرائيلية أميركية' وإلى تأييد ازالة السلاح غير الشرعي خارج المخيمات فإلى الثلث المعطل، فإلى ضرورة قيام حكومة وفاق، فإلى وعودهم بعدم الاستفراد باسقاط الحكومة، فإلى اعلان أمينها العام بضرورة اعدام كل عميل اسرائيلي... كل ذلك لحسوه بالألسنة ذاتها التي يخوّنون بها الآخرين. (دام ظل هذه الألسنة) . والواقع اننا لم نعد نفهم 'هؤلاء' حول هذه 'الحربائية' في المواقف. وهذه الثنائية في السلوك. وهذه التناقضات في الآراء. وهذه المعايير 'المزدوجة' لم نعد نفهم شيئاً لا مما يفعله هؤلاء ولا مما ينطقونه. واذا كانت ويكيليكس اظهرت هشاشة مكونات 8 آذار وتنافقهم ونياتهم السود على بعضهم، واظهارهم ما لا يضمرون، وإضمارهم ما لا يظهرون... فان المصيبة الكبرى تتمثل في كون هؤلاء، بهشاشاتهم وانتهازيتهم وارتباطاتهم يتولون إدارة البلد ومصيره من خلال حكومة لفّقوها ولزقوها بقوة السلاح والتهويل والتهديد والعراضات 'الصبيانية' من قبل غلمانهم ذوي القمصان السود (الغستابو) ومن خلال اعلام لم نر له نظيراً بالتحريض وقلب الحقائق لا عند الأنظمة العربية الدكتاتورية (ها هي تتساقط بإذن الشعب العربي العظيم) ولا عند سواها. والسؤال المهم الذي يطرح اليوم: كيف يمكن ان نثق بناس عادوا لا يثقون بأنفسهم. كيف يمكن أن يدير هؤلاء وبهذه العقليات المنهوشة بالإزدواجية وبهذه الذهنيات المضروبة بالفصام، وانقسامات الشخصية، والشيزوفرانيا والعنف والتضليل والجشع، بلاداً مثل لبنان متعددة، مفتوحة، مثقلة بالهموم الاقتصادية وبالمخاطر وبالتهديدات الخارجية (من إسرائيل وصولاً إلى ايران العزيزة! دام ظل مستفقهيها) صحيح اننا مررنا بتجارب مماثلة مع النظام الأمني المشترك بقيادة النظامين السوري والايراني، وصحيح اننا شهدنا حروباً ومجازر وقصفاً وخطفاً وكانتونات، لكن لم نشهد مثل هذه الظاهرة، في 8 آذار وحزب الله! بل لم نر بين أحزاب الله اللبنانية (وغير اللبنانية) منذ السبعينات وعلى الرغم من جنونهم وعنفهم ما يضاهي آخر العناقيد أي حزب الله توتراً وعنفاً والغاء وارتهاناً وقسوة وبذاءة واستكباراًُ وكذباً وغطرسة وخبثاً... ونظن ان هذه 'الخصائل' الحميدة 'لأشرف الخلق' و'انقى القوم' و'أطهر السرائر' و'أنصع البواطن' هي التي جعلت هذا الحزب 'مستهدفاً' من حلفائه 'المزعومين' و'الأجراء' و'المنتفعين' والوكلاء قبل خصومه. وهذا ما عبأ صدور بعض 8 آذار ضغينة عليه، وتمنياً بسقوطه، وحقداً على أمينه العام 'يحسب نفسه صلاح الدين الأيوبي' ، أو 'السرطان' أو 'الورم'، أو 'مدمر لبنان' ، أو سوق البلد 'ليكون قاعدة إيرانية'... بحسب 'ويكيليكس' .
فيعني كل هذا ان حلفاء حزب الله ليسوا حلفاءه إلا ظرفياً. أو قسراً. أو اعتباطياً. أو انتظاراً. أو ضرورة. يعني ذلك وبعد ويكيليكس، ان هؤلاء الحلفاء إما ينتظرون الاشارة من الخارج لينفضوا عنه (كما سبق ان انفضوا عن صدام حسين والقذافي وعرفات وإسرائيل!) أو ينتظرون الظروف الخارجية للانقضاض على الحزب. ولست من الذين يشمتون، او يحرّضون، فهذا ليس شأني. ولكن بما اننا عشنا كل الحروب هنا على امتداد نصف قرن من حياتنا وتابعنا مسار بعض الزعامات والاعلاميين وتنقلهم في العمالة من جهة إلى أخرى فاننا نجد ان استعداد هؤلاء لفض الشراكة مع الحزب عادي جداً ومحتمل في أي لحظة (استعرضوا عشرات الاسماء من حلفاء الحزب اليوم تجدوهم كانوا اخصامه واعداءه أمس، اما مع عرفات او مع القوات اللبنانية او مع اسرائيل...) كأنه من ضمن اللعبة السياسية التي تضرب بعرض الحائط كل الالتزامات والاخلاقيات والمبادئ. والحقيقة ان ما علمناه من ويكيليكس سبق ان علّمنا اياه تاريخ هذا البلد. (ونظن ان بعض عملاء النظام السوري او حلفاءه باتوا يعدّون العدة... لتركه في حال مالت الموازين إلى الثورة. أوليس هذا ما حصل مع عرفات، وصدام والقذافي.. وحتى إسرائيل. أوليس هذا دليلاً على اهتراء التزام المبادئ والصدق عند بعض هؤلاء (ولا استثني بعضاً من 14 آذار صدقوني والذين يدورون في المناخات نفسها وميقاتي والصفدي دليلان ساطعان! انهم السياسيون ولكن ليس الشعب!). ولهذا نرى ان ما كشفته ويكيليكس ليس فقط مسأله 'غدر' او 'طعن في الظهر' (بالنسبة الى حزب الله) ولكن اهتراء في منظومة القيم التي لا بدّ من ان ترتبط وبالحد الأدنى بكل عمل سياسي. لا شيء. من كل هذا. انتهازيون على مد عينك والنظر. مجرمون. متواطئون. عملاء. كذبة. منافقون. حقودون. سود السرائر. خبثاء. جيزويتيون. جشعون... مستعدون ان يرتكبوا كل شيء، وكل كبيرة ونقيصة، تضر بأهلهم وببلدهم مقابل السلطة أو المال أو الجاه. فحلفاء 'حزب الله' بدوا من ملمومات ونوافل لا يثبتون على التزام، أو على قضية، سواء كانت 'المقاومة'، أو 'الممانعة'، او حتى محاربة اسرائيل، او بناء الدولة، او السيادة، أو الاستقلال... بدا ان كل هذه الأمور ثانوية بالنسبة اليهم. وبدا ان المصلحة الخاصة هي التي تحدد 'انتماءهم' وما عدا ذلك فكلام بكلام، وتصويت بتصويت وتمثيل بتمثيل ولعب بلعب... لكن أولم يؤدِ كل ذلك إلى ما وصلنا اليه على ايدي هؤلاء وامثالهم على امتداد ستة عقود والحبل عَ الجرار ما داموا وبحكم المصادفات اولياء على امورنا... ومصائرنا!
تأملوا ان هؤلاء الذين باحوا 'للأميركيين' بهواجسهم وأرائهم.. هم الذين يتحكمون بمصائرنا.. ابتداء بحزب الله (انه الضحية الكاملة هذه المرة) وصولاً الى ميشال عون! أولا ينطبق هذا المثل المقلوب على حزب الله (العين غير بصيرة واليد طويلة) بدلاً من العين بصيرة واليد قصيرة؟!بل ويمكن ان نقول لحزب الله بعد ويكيليكس 'تبقى وحيداً وتندم' (بالإذن من الصديق الياس الديري!)
ـ 'المستقبل'
في ذكرى 16 أيلول كلام صريح عن المقاومة وعن جورج حاوي
حسين قاسم:
عشية تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 واندحار العدو مهزوماً، أطلق الشهيد جورج حاوي سلسلة مواقف كان أبرزها ذلك الموقف الهام الذي دعا فيه الى دخول الجيش اللبناني الى الجنوب وتبعه الحزب الشيوعي اللبناني في أوائل تموز من العام نفسه في موقف مماثل مضيفاً أن لبنان لم يعد ساحة يلعب فيها الآخرين بل أصبح وطناً. بيد أنه في ذلك الصيف حصلت تطورات بارزة ومتسارعة، توفي حافظ الأسد، صدر بيان المطارنة الموارنة الداعي الى خروج الجيش السوري من لبنان، جرت الانتخابات النيابية اللبنانية.
نتج عن ذلك تقدم موضوع الوجود السوري في لبنان الى واجهة الأحداث باعتباره المسألة المركزية بعد إنجاز تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي. ولن ينج الحزب الشيوعي من تداعيات الأحداث الآنفة الذكر، فقد استقال 'أبو أنيس' من رئاسة المجلس الوطني وأعقبته تطورات حزبية داخلية محوّلة سياسة الحزب الى نقيض الموقف الذي أخذه في أوائل تموز لا سيما فيما يتعلق بالوجود السوري ومن ثم الى تموضعه مع فريق 'لبنان الساحة' ولم يزل.أسهبت في مقدمة هذه المقالة للإشارة الى أن هناك أسباباً عديدة للخلافات داخل الحزب، إنما هناك قضية واحدة شكّلت السبب الرئيس في أزماته كافة ولم تزل، عنيت بها قضية الوجود السوري في لبنان منذ غزوه له عام 1976، وقد حرص الحزب أن يبقى همه الأول القرار الوطني اللبناني المستقل وقد دفع غالياً ثمن ذلك. هذه التمايزات ارتبطت على الدوام بمسيرة جورج حاوي، مضافاً عليها أطلاقه وقيادته لأعمال 'جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية' ضد الاحتلال الإسرائيلي ورفضه الدائم تحويلها الى ورقة إقليمية لصالح النظام السوري ما يفسّر حقدهم على الحزب وعلى جورج حاوي شخصياً.
وقد تمثل حقدهم من خلال موجة الاغتيالات التي تعرّض لها الحزب ومقاومته في أواخر ثمانينات القرن المنصرم. إنما هناك مقاربة أخرى لموضوع الاغتيالات من الزاوية المتعلقة بنضال الحزب في المقاومة، فقد كان هناك استهداف مقصود لمسؤولي المناطق أو كما يقال بالعلم العسكري قادة المحاور وهم، على سبيل المثال لا الحصر، ديب الجسيم (صور)، كامل الصباح (النبطية)، عباس شرف (مشغرة)... إلخ. وذلك باغتيال الكادر الوسطي في هيكلية جهاز الحزب كخطة خبيثة لتصفية المقاومة الشيوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي تمهيداً لتطييفها ومذهبتها لتسهيل التحكم بها وتحريكها من قبل النظام السوري كما حصل لاحقاً. هذه المقاربة تجعل من قضية هؤلاء الشهداء في صلب النقاش الجاري حول موضوع المقاومة. فالسؤال هنا عن الدور الذي قدّمته قوى الإجرام لإسرائيل؟ ثم هناك موضوع آخر ذي صلة، كان العدو يعلن في إعلامه عن هوية الذين يستهدفون جيشه بالمخربين إذا كانوا يساريين وعن الآخرين بهويتهم الحقيقية وذلك لإضفاء الطابع المذهبي على المقاومة لأنه يخشى من تعزيز طابعها الوطني، فهذا يشكل مدعاة للتساؤل عن مدى استفادة إسرائيل من المقاومات المذهبية والضرر الفادح على الدور الوطني الجامع المناهض لإسرائيل ومشاريعها.
وسط ذلك كله بلغ الحقد ذروته من النظام السوري وأتباعه في لبنان درجة إقصاء القوى الوطنية والديموقراطية واليسارية عن الحياة السياسية وعن العمل المقاوم للاحتلال بغية تجميع أوراق مضمونة لاستخدامها عند الحاجة.
سؤال أخير بمناسبة ذكرى انطلاقة 'جمول' موجّه الى جمهور الشيوعيين واليساريين ماذا سيكون موقفهم إذا جاءت القرائن والأدلة التي ستقدمها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مقنعة ودامغة من أن مقاومة 'حزب الله' والنظام السوري هم من قتل مطلق المقاومة الوطنية وقائدها ومواكب مسيرتها الشهيد جورج حاوي؟
ختاماً، في زمن انكشاف شبكات التجسس والعمالة لإسرائيل نذكر أن 'جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية' ومقاومة الشيوعيين تحديداً لم تشهد أي اختراق إسرائيلي ولا أي حالة عمالة للعدو.
(*) مسؤول جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية سابقاً
ـ 'المستقبل'
إيران في البلقان طهران خسرت الألبان ولم تربح الصرب!
محمد م. الأرناؤوط:
في مطلع هذا الشهر استضافت بلغراد مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز بمناسبة الذكرى الخمسين لعقد المؤتمر التأسيسي للحركة في 1-6 ايلول 1961. وكان من الملاحظ أن التمثيل كان في الاغلب على مستوى نواب ومساعدي وزراء الخارجية نظرا للاوضاع التي تمر فيها دول الحركة، التي تعبّر عن الماضي أكثر مما تعبّر عن الواقع والمستقبل. فصربيا نفسها التي نظمت هذا المؤتمر ليست عضوة في الحركة نظرا لانها تستعد منذ سنوات للانضمام الى الاتحاد الاوربي، بل هي بصفة مراقب فقط شأنها شأن عشرين دولة في العالم، على حين أن بقية الجمهوريات التي انبثقت عن يوغسلافيا (سلوفينيا وكرواتيا ومكدونيا الخ) ليست معنية بالمرة لانها إما أنضمت أو في طريق الانضمام الى الاتحاد الاوربي.
ومن هنا فإن الصحافة الصربية قد حفلت منذ شهور بتساؤلات وتحفظات بعض الاحزاب عن عقد هذا المؤتمر في بلغراد في الوقت الذي تنتظر فيه صربيا قرارا حاسما من بروكسل يمنحها أخيرا وضعية 'الدولة المرشحة' للانضمام الى الاتحاد الاوربي ويحدد موعد التفاوض معها حول ذلك. ولكن وزير الخارجية الصربي فوك يفريتش كان يبرر ذلك على الدوام بضرورة الابقاء على العلاقة مع دول عدم الانحياز بسبب كوسوفا، وبالتحديد لكيلا تعترف هذه الدول باستقلال كوسوفا، وبسبب العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تستفيد منها الشركات الصربية الكبرى.
وفي هذا السياق جاء من طهران مساعد وزير الخارجية الايراني محمد مهدي آخوند زاده لتمثيل بلاده في هذا المؤتمر لدول عدم الانحياز ليكتشف هناك بمرارة أن صربيا معنية بالانضمام الى الاتحاد الاوربي وليس الى 'دول عدم الانحياز' وانها تبني موقفها الجديد من ايران بالاستناد الي 'المعايير الاوربية' وليس بالاستناد الى 'معايير عدم الانحياز'.
وفي التفاصيل أن ايران كانت معنية بتوطيد علاقاتها مع صربيا منذ أيام سلوبودان ميلوشيفيتش وذلك تحت 'مظلة عدم الانحياز' وذاك في مجال السلاح والطاقة الخ. وقد تطورت علاقة ايران بصربيا بعد حرب العراق حيث بادرت ايران الى تسهيل عودة بعض الشركات الصربية الى العراق الذي أصبح لايران فيه نفوذ كبير الخ. وفي المقابل أيدت طهران بلغراد في أهم القضايا حساسية بالنسبة للعالم الاسلامي، حيث رفضت الاعتراف باستقلال كوسوفا في 2008 وقامت بدورها في اقناع بعض الدول المجاورة بعدم الاعتراف، مما أدى الى انزعاج الالبان في البلقان ازاء هذا الانحياز الايراني للموقف الصربي، في الوقت الذي دعت فيه 'منظمة المؤتمر الاسلامي' الدول الاعضاء الى الاعتراف باستقلال كوسوفا.
ومع هذا الدور الايراني لصالح صربيا كان من حق مساعد وزير الخارجية الايراني أن يعبّر بمرارة عن الموقف الصربي الجديد الذي أصبح يتهرب من ايران بعد أن أصبحت صربيا على أعتاب الاتحاد الاوربي. ففي مقابلة له مع المجلة الصربية المعروفة 'داناس' (عدد 9/9/2011) نشرت تحت عنوان 'صربيا لا تريد ايران شريكا بسبب الاتحاد الاوربي' صرّح آخوند زاده أن 'على ممثلي الحكومة الصربية أن يكثفوا من صلاتهم مع زملائهم الايرانيين بسبب الموقف المبدئي لايران من مسألة كوسوفا والعلاقات الودية بين الدولتين'. وفي هذه المقابلة عبّر اخون زاده عن استغرابه لتعثر تشكيل جمعية صداقة برلمانية صربية ايرانية وعن تمنع النواب الصرب من زيارة ايران 'كأنهم يخشون من ذلك أن يحرموا من دخول دول الاتحاد الاوربي'. وبسبب الاحراج الذي يواجه ايران بسبب موقفها المؤيد لصربيا تجاه كوسوفا تساءل آخوند زاده عن السبب الذي يمنع النواب الصرب من زيارة طهران ليشرحوا على الاقل لزملائهم الايرانيين لماذا عليهم ألا يعترفوا بكوسوفا!
وفي تعقيبها على ذلك تكشف جريدة 'داناس' أن مصادرها في الحكومة الصربية لا تخفي أن هناك موقفا صربيا جديدا تجاه ايران نتيجة لاقتراب صربيا من أعتاب الاتحاد الاوربي. فمع تسليم هذه المصادر بفوائد صربيا من علاقاتها الاقتصادية مع ايران 'إلا أن الاندماج الاوربي يتطلب منا ألا ندخل في علاقات كهذه، حيث إن موقف المسؤوليين الاوروبيين واضح تجاه هذه المسألة'. ومع هذا الموقف الواضح للائتلاف الحكومي بقيادة 'الحزب الديموقراطي' الذي يقود صربيا منذ 2008 باتجاه الاتحاد الاوربي فإنّ الاحزاب القومية الصربية في المعارضة ('الحزب الديموقراطي الصربي' و'الحزب الراديكالي' و'حزب التقدم الصربي') لا تزال تحنّ الى الماضي وتطالب بالحفاظ على 'العلاقات الودية' مع ايران.ويمكن تفهم الاحباط الذي عبّر عنه آخواند زاده خلال زيارته لبلغراد حيث إنه بعد سنوات من انحياز طهران الى بلغراد، الذي أثارت به الالبان في دول البلقان، يكتشف أن صربيا 'لا تريد أن تكون ايران شريكا لها' كما وضعت الجريدة الصربية عنوانا للمقابلة معه
- 'الاخبار'
بشير" و&laqascii117o;المقاومة المسيحية" على أبواب الـ&laqascii117o;بيغ سايل"
نانسي رزوق:
أسبوعان مرّا وأبواب محلّ الـ&laqascii117o;بيغ سايل" لم تُفتح بعد. الحركة عادية في سوق فرن الشباك، ويكاد المرء لا يلاحظ شيئاً غريباً، لولا تلك الصور التي ارتفعت على أبواب المحل. هي صور للرئيس الراحل بشير الجميل، تدعمها رموز صلبان مسيحية رشّها &laqascii117o;محتجّون" على أبواب المحل وذُيّلت بعبارة: &laqascii117o;بهذا تنتصر المقاومة المسيحية". عبارة استفزازٍ وزهوٍ بالنصر كتبت على باب محل الـ&laqascii117o;بيغ سايل" الذي أقفل على خلفية العثور على أحذية تحمل رمز الصليب الديني، وعدّها بعض الشبان اعتداءً مقصوداً على مقدّساتهم.
جميع محاولات صاحب المحل للتكفير عن &laqascii117o;ذنبٍ لم يقصده" لم تشفع له. أَقفل المحل طواعيةً قبل أن تعمد القوى الأمنية إلى ذلك، أتلف البضاعة واعتذر علناً عبر وسائل الإعلام لتهدئة النفوس، لكن ذلك لم يحل دون بقائه موقوفاً على ذمة التحقيق. حاله من حال المحل الذي لا يزال مقفلاً أيضاً.
هل حقق أهالي منطقة عين الرمانة وفرن الشباك مطلبهم؟ وماذا بعد الإقفال والاعتذارات وتلف البضاعة؟
التصاريح المستنكرة ومسيرة الشموع فعلت فعلها. لم يدرك علي فقيه أنه سيدفع ثمن استيراده البضاعة، عن طريق الخطأ، ثلاثة عشر يوماً من التوقيف لدى القوى الأمنية حتى الآن. فقد أوقف كلّ من مالك المحل ومديره، بناءً على إشارة القاضي جوزف صفير بجرم &laqascii117o;إثارة النعرات الطائفية والحضّ على النزاع بين أطراف الأمة"، وهما موجودان اليوم في نظارة قصر عدل بعبدا. وقد تردّدت معلومات عن امتناع علي فقيه عن الإفصاح عن مصدر البضاعة، وهذا ما يبقيه حتى الآن قيد التحقيق. فيما أشارت معلومات أخرى إلى احتمال أن يكون المعمل الذي صنّع البضاعة موجوداً في إحدى المناطق في بيروت.
وعن استمرار توقيف صاحب المحل، أكد رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبده أبو كسم أن موقفه لم يتغير عما كان قد أعلنه منذ اليوم الأول، إلا أنه حذّر من استثمار ما حصل في غير محله درءاً للفتنة. كما أكد أبو كسم أن الكنيسة لم تتخذ صفة الادعاء، لأنه ليس هناك خلاف شخصي بينها وبين صاحب المحل، وما أرادته قد تحقق، مشيراً إلى أن إتلاف البضاعة والاعتذار العلني كانا كافيين.
يذكر أن الخلاف كان قد وقع قبل نحو أسبوعين على خلفية عثور أحد المواطنين في منطقة فرن الشباك، على أحذية مخصّصة للبحر، تحمل رمز الصليب الديني في فرع المحل في منطقة فرن الشباك، الأمر الذي أثار حفيظته. فتداعى وعدداً من شبان المنطقة للدخول إلى المحل وافتعال مشكلة فيه. يومها سارع صاحب المحل إلى إتلاف البضاعة، تفادياً لأي مضاعفات قد تطرأ، إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد؛ فقد تجدّد الإشكال بعد يومين، ما دفع بصاحب المحل إلى الرضوخ لطلب المجموعة وإقفاله من جديد... ليبقى مقفلاً إلى اليوم.
لم يقترف ذنباً : &laqascii117o;هل يعقل أن يقدم شخص على الإضرار بنفسه؟" تساؤلٌ يطرحه، حسن فقيه، والد الموقوف علي، تعليقاً على توقيف ابنه، ويضع ما حصل في خانة &laqascii117o;المؤامرة" التي نفذها بعض التجار بغية إقفال المحل نهائياً. ينفي الوالد إذاً نفياً قاطعاً ما يسوّق ضد ابنه من حملات، ملقياً اللوم على أعداء الكار. فعلي &laqascii117o;لم يقترف ذنباً يستدعي هذا العقاب". &laqascii117o;لم يحرق كنيسة أو يشتم أو يقتل أحداً" يقول. ويستنكر ما آل إليه الوضع، مؤكداً أن البضاعة المستوردة حالها كحال البضائع جميعها تأتي من الصين. وهي تمرّ بأعداد هائلة عبر الأجهزة، وبموديلات مختلفة ويستحيل تمييز كلّ قطعة، أو فرزها على حدة.
يشار إلى أن زوجة علي فقيه، رفضت التحدث عن الموضوع خوفاً من أن يُساهم كلامها في استمرار توقيف زوجها. أما والده، فبعدما أعطى رأيه في قضية توقيف ابنه في اتصال هاتفي، عاد وامتنع عن الحديث عندما جدّدت &laqascii117o;الأخبار" الاتصال به.
ـ 'السفير'
لا دولة لبنانيّة بلا مساواة
طلال الحسيني:
دولة في داخل الدولة؟ نعم. إلى حدٍّ ما. لكنْ، طائفة في داخل الطائفة؟ نعم. وإلى حدٍّ كبير. ولا فصل بين هذين الجانبين في مسيرة حزب الله، في مستويات عدّة.
الذي يعنينا، هنا، أوّلاً، الجانب الثاني، أي حزب الله بما هو طائفة جديدة. فهذا الحزب ليس حزباً بالمعنى المتعارف عليه. ويكفي، في إظهار هذا الاختلاف، أنْ نقارنه بسواه من الأحزاب، من جهة أولى، وبسواه من الفرق الدينيّة،، من جهة ثانية، كالفرق السلفيّة في الوسط السنّيّ، فهذه ما زالت، إلى هذا اليوم، في السياق اللبنانيّ، فِرَقاً ليس إلاّ.
لقد انطلق حزب الله انطلاقة الفرقة وقد بلغ الآن مبلغ الطائفة، وإنْ كانت طائفةً في داخل الطائفة، في الاعتبارات اللبنانيّة. وهذا المبلغ يدلّ عليه أكثر من دليل: المؤسّسات بل الاعتقادات والممارسات الخاصّة الطاغية، العلاقات الدوليّة الوثيقة، الثابتة، في الانتماء أو في الحلف، أو في العداوة، دينيّاً لا سياسيّاً فحسب. والأهمّ، أو ما هو الخلاصة في ذلك، السيطرة شبه التامّة، سياسيّاً واجتماعيّاً وإعلاميّا،ً ومادّيّاً، في المستويين المالي والعسكري، بخلاف بعض مظاهر مشاركته طرفاً أو أطرافاً أخرى، في مستوىً أو في آخر، في هذه الطائفة، أو استبعاده هذا الطرف وتقريبه ذاك الطرف فيها.
ما الذي يريده أخصام حزب الله؟ هؤلاء الأخصام، من الشيعة أو من غيرها، مَحزونون مُحزنِون في ما هم عليه. فما يجب عليهم، في مواجهة هذا الحزب، يرفضوه حقّاً. أعني المساواة في ما بين اللبنانيّين. فإن من كان منهم من الشيعة يقفون دون طرح هذه المساواة في صورة واضحة أو غير واضحة. فيكفيهم، في تقديرهم، خصومة حزب الله، إذْ يأملون الاستفادة من خصومة غير الشيعة له، لا أنْ يباشروا خصومة إضافيّةً مع غيره. وأخصام حزب الله من غير الشيعة يموّهون في كلامهم، فيتّحدّثون عن دولة لبنانيّة لا وجود لها إلاّ في اعتبارات شكليّة، داخليّاً، قانونيّة، خارجيّاً، ويا ليته العكس. وهذا الحزب، يستند إلى ورطة أخصامه - وأصدقائه - وتخلّفهم، فيعمد إلى خطاب ساخر، في الحقيقة، يضع اللامساوة الواقعيّة (العسكريّة خصوصاً) في مقابل اللامساواة السياسيّة التي يستثمرها ولا يطلب تغييرها، إذْ إنّها ليست المطلوب الراهن في استراتجيّته الحاليّة التي تتجاوز الإطار اللبنانيّ، عمليّاً وإديولوجيّاً.
يُقال إنّ تجاوز النظام الطائفيّ، في لبنان، أمر مستحيل. حسناً. وماذا عن المساواة في نظام طائفيّ، إنْ أمكن، أو في نظام غير طائفيّ، حيث يمكن؟ هل يظنّ أخصام حزب الله أنّ في وسعهم الحديث الجدّيّ لا عن دولة حديثة، بل عن دولة لبنانيّة، أيّ دولة، بلا بذل للمساواة في أساسها؟ هذه حماقة ما بعدها حماقة، في ميزان القوى الحاليّ، وفي أيّ تقدير معقول لإمكانات المستقبل.
قلنا ، بدايةً، إنّ المسألة هي مسألة طائفة جديدة، تتحوّل إليها الطائفة التقليديّة، أو تحلّ محلّ الطائفة التقليديّة، أو تحلّ إلى جانب الطائفة التقليديّة. والمعنى، مهما يكنْ الاعتبار، أنّ هذه ليست موجةً عابرة. إنّها عمليّة تاريخيّة تضايف مصير الدولة اللبنانيّة المجهول. ولا نفع في مواجهتها باتّباع الأماني في تدخّل أجنبيّ، أو باتّباع أحلام اليقظة في مواجهة كوابيس الواقع. وها هنا إشارة نافعة في فهم هذا الواقع: سلاح حزب الله يحمي الشيعة؟ هذه وجهة نظر. أمّا الأكثر وجاهةً فهو أنّ جمهور الشيعة هو الذي يحمي سلاح حزب الله، لا العكس. فهذا السلاح إنّما يجلب على جمهوره قدراً ظاهراً من العداء والتهديد والتكلفة.
وهذه حكاية. ذات مرّة، وفي سياق تحضير، متعثّر، يائس، لقيام جبهة وطنيّة ترفع شعار الإصلاح، كان هذا الحديث موجّهاً إلى قيادات معارضة، في ذلك الوقت، قبل شهور من التمديد لرئيس الجمهوريّة السابق:
&laqascii117o;أنا، شخصيّاً، لا أستحسن المذهب الشيعيّ، ولا غيره. لكنْ، يقال إنّ أتباع هذا المذهب عددهم كبير بين اللبنانيّين. فإمّا أنْ يكونوا مواطنين كغيرهم، وهذا لا يكون إلاّ في نظام لاطائفيّ على أساس من المساواة، وإمّا أن نجد طريقة للتخلّص من شرّ وجودهم، وما دام هذا الاختيار الثاني غير ممكن، إنسانيّاً أو عمليّاً، فلِمَ لا نفكّر قليلاً في الاختيار الأوّل؟". كان القائل يعني ويعي ما يقول، وكان من المنسوبين إلى الشيعة. أمّا القيادات &laqascii117o;الوطنيّة"، وهي من أوساط طائفيّة مرموقة، مسيحيّة وإسلاميّة، فقد كان جوابها الوجوم، والتزام الصمت. وهو صمت أودى بمشروع تلك الجبهة. وهو صمت عامّ، ما زال مستمّراً في تعـطيل كلّ مشروع جبهة وطنيّة تسعـى إلى التغيير أو إلى الإصـلاح، أو إلى أيّ مشــروع يسعى إلى أيّ نوع من أنواع الفرج، إلى هذا اليوم
ـ 'السفير'
إيران وسوريا: لماذا هما معاً؟
توفيق شومان:
منذ انطلاق الأحداث السورية في الخامس عشر من آذار الماضي، وأسئلة المراقبين للعلاقات السورية ـ الإيرانية تلاحق الموقف الإيراني حيال الإيقاعات السريعة للحدث السوري، ولا تخرج كثرة من هذه الأسئلة عن سياق اتهامي نحو طهران ملؤه الطعن بازدواجية المعايير المتعلقة بحراك الشعوب العربية، فضلا عن السلوك الإصطفافي مع القيادة السورية الحليفة للجمهورية الإسلامية منذ العام 1979.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تفترض العودة إلى مرتكزات العقل السياسي الإيراني المتبلور في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بهلوي، وهو العقل الذي قام على صوغ النظام السياسي الجديد وفق شرعيتين لا فصام بينهما، الأولى تتمثل بالشرعية الشعبية ومنها انبثق مفهوم &laqascii117o;الجمهورية"، والثانية تنهض على الشرعية الدينية، ومنها أتى مفهوم &laqascii117o;الإسلامية"، وسبق الوصول إلى هذا الدمج، جدل سياسي وفكري وفقهي حول هوية النظام الجديد، وذلك قبيل انتصار الثورة الإسلامية وبعيدها، إلى أن حسمه الإمام الخميني بالتوفيق بين الشرعيتين الشعبية والدينية .
ومثل هذا الدمج الثنائي، أخذ طريقه في صوغ القرار السياسي الإيراني الخارجي، فحل البعد الصراعي مع إسرائيل والولايات المتحدة في علاقات طهران بالخارج محل البعد الإسلامي للنظام السياسي في الداخل، وعلى هذا الأساس تشكلت دوائر السياسة الخارجية الإيرانية مع الدول وحركات المقاومة، ابتداء من سوريا، وتاليا مع حزب الله وحركتي &laqascii117o;حماس" و&laqascii117o;الجهاد الإسلامي" وكذلك السودان منذ إسقاط جعفر النميري في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وصولا إلى فنزويلا بقيادة هوغو تشافيز، واستطرادا مع تركيا (مرحلة نجم الدين أربكان 1996 ـ 1997)، ولاحقا مع رجب طيب أردوغان منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة القرار التركي في العام 2002. وهذا البعد في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الصراع مع إسرئيل يغور عميقا في الفكر السياسي ـ الديني الذي أنتجته المرجعية الفقهية في مدينة قم منذ ستة عقود. فهذا آية الله العظمى حسـين الطباطبائي البروجردي (1875ـ 1961) زعيم الحوزة الدينية العلمية يفتي في العام 1948 بدفع أموال الخمس المتوجبة على المسلمين الشيعة، للشعب الفلسطيني، فيما آية الله أبو القاسم كاشاني (المرجع الشيعي 1882ـ 1960 المتحالف مع الدكتور محمد مصدق في إقامة الحكومة الوطنية الإيرانية 1951 ـ 1953)، فقد أفتى بتجنيد الشباب الإيراني للدفاع عن فلسطين، ويقول عبد المتعالي الجبري في كتابه &laqascii117o;لماذا اغتيل حسن البنا؟" وهو أحد تلامذة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ان الشيخ حسن البنا اجتمع مع آية الله كاشاني في موسم الحج من العام 1948، وتفاهما على أشياء عدة، من ضمنها العمل في سبيل القضية الفلسطينية..
وينقل السيد جلال الدين ميراقائي عن الشيخ يوسف القرضاوي قوله:
&laqascii117o;حينما كنت شاباً طالباً في الأزهر الشريف، زار القاهرة الشهيد السيد مجتبى نواب صفوي وألقى خطاباً هاماً في مسيرة طالبية، وكان الطلاب يهتفون:
كن مصدق (محمد مصدق) يا فاروق (الملك).
كن كاشاني (آية الله) يا شيخ الأزهر."
والسيد نواب صفوي (1924 ـ 1955)، أحد أهم الرموز الثورية ـ الدينية الإيرانية ومؤسس منظمة &laqascii117o;فدائيان إسلام" سعى وبالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، إلى إرسال خمسة آلاف إيراني للقتال في فلسطين، وفي العام 1954، زار نواب صفوي، القاهرة، واجتمع مع قادة الإخوان المسلمين، وعن تلك المرحلة، يتحدث الداعية الإسلامي الراحل فتـحي يكن، في كتابه &laqascii117o;الموسوعة الحركية" وفي مجلة &laqascii117o;المسلمون" (العدد الأول 1956) عن نواب صفـوي بالقول: &laqascii117o;لقد نزل ضيفا في القــاهرة واستقبلته بحماسة شديدة". ويعتبر فتحي يكن إعدام الشاه لنواب صفوي &laqascii117o;بالحكم الجائر على المجاهد المؤمن البطل"، وكان صفوي، في سياق زياراته للأقطار العربية قبل إعدامه، قد زار سوريا، واجتمع مع المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي.
وللإضاءة على رمزية منظمة &laqascii117o;فدائيان إسلام"، في الفكر السياسي الإيراني الحديث، قد تكون الاستعانة بأقوال الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، ما يوجز أهمية هذه المنظمة وزعيمها نواب صفوي، إذ يقول رفسنجاني في كتابه &laqascii117o;سيرة قائد وثورة": &laqascii117o;كان لديـنا مشاعر قويــة تجاه &laqascii117o;فدائيــان إسلام"، وكان استنتاجنا أن &laqascii117o;فدائيان إسلام" هي سواعد آية الله كاشاني". ويصف راشد الغنوشي في كتابه &laqascii117o;مقالات حركة الاتجاه الإسلامي" منظمة &laqascii117o;فدائيان إسلام"، بأنها امتداد للإخوان المسلمين.
وهذا التفاعل الإيراني مع القضية الفلسطينية، يلاحظ بكثافة في خطب الإمام الخميني خلال ثورته الأولى عام 1963، ففي خطبة له في 20 ـ 3ـ 1963، يقول: &laqascii117o;إن ربنا ليس أميركا وليس إسرائيل... فلماذا نخاف منهما؟ وفي خطبة ثانية له في 3 ـ 6 ـ 1963، يقول: &laqascii117o;إن النظام هدفه تحقيق مصالح إسرائيل... ولأجل ذلك... يعمل على إذلال الإيرانيين"، وفي ثالثة مؤرخة في 26 ـ 10ـ 1964 يقول الإمام الخميني: &laqascii117o;إن كل مصائبنا من أميركا وإسرائيل". وأما الشيخ هاشمي رفسنجاني. فقد أودعه الشاه محمد رضا بهلوي في السجن، بعد ترجمته كتاب &laqascii117o;قضية فلسطين" للمؤرخ المعروف أكرم زعيتر، وذلك عام 1969، في حين ان حسينية &laqascii117o;إرشاد"، تعتبر &laqascii117o;أكاديمية" الثورة الإيرانية اذا ما جاز استخدام المفهوم الأفلاطوني، وذلك قبل إسقاط نظام الشاه عام 1979، حيث يمكن تتبع عشرات الخطب في هذه الحسينية، للإمام السيد علي الخامنئي، حول القضية الفلسطينية، وهذا ما ينسحب على فقهاء آخرين شكلوا أذرعة الإمام الخميني، مثل آية الله مرتضى مطهري وآية الله حسين بهشتي.
وتأسيسا على ذلك، يرتبط الموقف الإيراني بسوريا وفق هذه المعادلة، أي معادلة الصراع مع إسرائيل، وهذه أولى ركائز الشرعية التي تصوغ علاقة طهران بدمشق، فيما الركيزة الثانية المتمثلة بالشرعية الشعبية، من الإجحاف القول بأنها مهملة من قبل الطرف الإيراني، وهنا، لعله من المفيد استحضار مواقف المسؤولين الإيرانيين من الأحداث السورية، فالرئيس محمود احمدي نجاد أطلق في 25 ـ 8ـ 2011 من قناة &laqascii117o;المنار" ما يجب الوقوف عنده، إذ قال: &laqascii117o;الشعب والحكومة في سوريا يجب ان يجلسا معا... ويتوصلا الى تفاهم حول الاصلاحات، يجب أن يكون للشعب حق الانتخابات وحق الحرية والعدالة... أن يجلسا ويحددا جدولا زمنيا في هذا الخصوص وعدم السماح للغرب بالتدخل."، كما أن وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي أكد بتاريخ 27 ـ 8ـ 2011، &laqascii117o;ضرورة تلبية الحكومات لاحتياجات شعوب المنطقة في اليمن وسوريا".
بطبيعة الحال، مواقف أحمدي نجاد وصالحي مقرونة بالتالي:
1: موقع سوريا ودورها في الصراع مع إسرائيل.
2: عدم التدخل الخارجي.
3: عدم إراقة الدماء.
4: التأكيد على الحوار الداخلي.
هذه الأضلاع الأربعة المضاف إليها نظير خامس متمثل بحق السوريين بالإصلاح والتطوير و حرية الإنتخاب، تشكل مجتمعة الرؤية الإيرانية تجاه سوريا، وهي رؤية خارجة عن ثنائية الموقف، مع أم ضد، أسود أم أبيض، وهذا ما لم ينطبق على حراك الشعوب العربية في أقطار أخرى، حيث الركائز السياسية للأنظمة المتهاوية في تونس ومصر وليبيا، وكذلك اليمن والبحرين، فاقدة لشرعيتها وفق المنظور الإيراني، فلا الشرعية الشعبية معها ولا شرعية الصراع مع اسرائيل .
وأكثر من ذلك، قد يهجس الإيرانيون من سلسة مواقف هاطلة عليهم من هنا ومن هناك ترميهم بغرائب الاتهامات وأعاجيب القيل والقال، إلا أنهم يتساءلون في النهاية عن أسباب حصرهم في دائرة السلب من قبل غير العالمين وغير العارفين في قراءة أبجديتهم السياسية، في حين أن مواقف عربية شتى من سلطنة عمان إلى السودان والجزائر والمغرب، نفرت من كل موقف حيال سوريا، بينما الموقف الإيراني يزاوج بين حق الشعب السوري في الحرية وبين موقع القيادة السورية في منظومة الممانعة، وهما ليسا أضدادا، ولن يكونا أضدادا، إذا أرادت الأطياف السورية ألا تغرق سوريا في الفوضى... أو في براكين التدخل الخارجي... أو في الفراغ كما يقول وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي... وهو فراغ قاتل إذا ما تم التأمل في الحالة السورية... فتأمل.
ـ 'السفير'
عبد الله لا يقطع مع سوريا ولدور مصري بوجه الأتراك
داود رمال:
مر شهر ونحو عشرة ايام على البيان الصادر عن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز حول أحداث سوريا، وما يزال السؤال يطرح نفسه، هل حقا إن خلفيات هذا البيان كانت سلبية أم أن المستور مغاير للظاهر؟
مرد هذا السؤال أولا، تجاهل الرئيس السوري بشار الأسد أي تعليق على البيان الملكي خاصة في مقابلته الأخيرة مع التلفزيون السوري، فضلا عن عدم مقاربة البيان لا سلبا ولا إيجابا من جانب الاعلام السوري، زد على ذلك تسريب معلومات عن أقنية مفتوحة بين العاصمتين برغم قرار استدعاء السفير السعودي من العاصمة السورية.
ويشير تقرير دبلوماسي ورد الى العاصمة اللبنانية، الى انه منذ بدء الحراك الشعبي في الدول العربية، وتحديدا في مصر وتونس واليمن وليبيا والبحرين والاردن وسوريا، اتخذت القيادة السعودية لنفسها موقع المراقب مع ميل الى اتخاذ نظرة سلبية إزاء هذا الحراك، لما لذلك من ارتدادات حتمية على دول الخليج وفي مقدمها السعودية، وترجم ذلك باحتضان الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والاستعداد لاحتضان جاره المصري، قبل أن يقرر السعوديون تصحيح مسار علاقتهم بالتونسيين من خلال الزيارة الحالية لوزير الخارجية وكذلك انفتاحهم الكامل على القيادة المصرية، وتحديدا على المجلس العسكري.
ويضيف التقرير &laqascii117o;ان الانزعاج الملكي السعودي ارتفع عندما تزايد الحديث عن دور الاسلاميين ووجوب تعميم نموذج &laqascii117o;حزب العدالة والتنمية" التركي في بعض الأنظمة العربية ذات الغالبية السنية، فإذا كان الحراك الشعبي في الاطار الديموقراطي لا يهدد الانظمة كليا بل يدفعها لاجراء اصلاحات معينة، الا ان الحراك الشعبي اذا اخذ مداه باتجاه &laqascii117o;الإخوان المسلمين" أو السلفيين، فإن الأرضية السعودية مؤهلة لاعتبارات عدة لاستقطاب هؤلاء وبما يؤدي جديا الى تهديد حكم آل سعود، ومن نافل القول إن الملك عبد الله هو رجل إصلاحي بامتياز، وعلى الرعم من الاصلاحات المتواضعة التي تحققت في عهده الا أنه يمكن القول إن أفكاره لطالما لم تحظ بحماسة المؤسسة الدينية السعودية وبعض مراكز القوى في المملكة".
ويشير التقرير الى أن الملك عبد الله ابلغ الاميركيين والأوروبيين ان السعودية ترفض رفضا قاطعا وصول الاخوان المسلمين أو التيار السلفي الى السلطة وتحديدا في سوريا ومصر والاردن، كما ترفض بشكل قاطع اي دور مباشر لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان في شؤون الدول العربية لا سيما سوريا.
ويلفت التقرير الانتباه &laqascii117o;الى ان الملك عبد الله انطلق في رسائله الى الاميركيين والاوروبيين من مبدأ قائم على م