- 'السفير'
أوفد العريضي إلى دمشق.. ودعا لاستيعاب السلاح بتوقيت منسق مع المقاومة
هذا ما يقوله جنبلاط عن فرضية &laqascii117o;الانعطافة الوشيكة"
عماد مرمل:
تلاحقت في الفترة الأخيرة المؤشرات التي توحي بأن شيئا ما قد تغير في تموضع النائب وليد جنبلاط، وحساباته السياسية، ولعل من يراقب أدبياته خلال الاسابيع الماضية لا يجد صعوبة في رصد مفردات مستجدة، كانت قد أصبحت خارج الخدمة منذ مغادرته فريق 14 آذار، قبل أن يعيد اليها الاعتبار مرة أخرى.
وهكذا، فإن جنبلاط وجد في الطروحات التي أدلى بها البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال زيارته الى فرنسا فرصة ليعبر عن بعض &laqascii117o;مكنوناته"، مجاهرا برفضه ربط مصير لبنان بتحرير مزارع شبعا وعودة اللاجئين، في موقف فتح أبواب التأويل على مصراعيها وجعل البعض في الأكثرية يضرب أخماسا بأسداس، ويستعد لأسوأ الاحتمالات.
ثم استكمل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي رش &laqascii117o;بهاره" السياسي على موقفه الاسبوعي في مجلة &laqascii117o;الأنباء" الناطقة باسم حزبه، كما فعل الإثنين الماضي حين أشاد بالخطاب التاريخي لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الامم المتحدة، وغمز في المقابل، من قناة جبهة الممانعة والمقاومة عندما نبه الى خطورة &laqascii117o;ترك الساحة مفتوحة أمام اليمين الاسرائيلي وبعض أصوات الممانعة العربية والإقليمية التي تتلاقى موضوعيا لتعطيل كل الحلول وإبقاء الحروب مفتوحة من دون أفق وإلى ما لا نهاية، بعيدا عن أي تسوية محتملة لإنهاء هذا الصراع التاريخي".
وواصل جنبلاط العزف على &laqascii117o;وتر الالتباس"، في المقابلة مع محطة &laqascii117o;دريم" المصرية، حيث أطلق عبارة حمالة أوجه، جاء فيها انه لا يبدل ملابسه كل يوم، &laqascii117o;ولكن ماذا تفعل إذا كان المسدس مصوبا على رأسك"، وهي عبارة حرصت بعض صحف قوى 14 آذار على إبرازها، للإيحاء بأن انتقال جنبلاط من ضفة الى أخرى تم فعلا تحت ضغط السلاح، وليس نتيجة تحول إرادي في الخيارات والقناعات.
بأي حال، ليس خافيا ان بعض مكونات فريق 8 آذار لم تثق يوما بوليد جنبلاط، وهي لطالما كانت تدعو الى عدم الذهاب بعيدا في الرهان عليه أو الركون اليه، &laqascii117o;حتى لا نكرر أخطاء الماضي"، ناصحة بالحفاظ على الحيطة والحذر في العلاقة معه، ومعتبرة أن الضرورة هي التي أملت عليه إعادة الانتشار السياسي بعد أحداث 7 أيار، وأن اقترابه من سوريا والمقاومة كان بمثابة &laqascii117o;هبوط اضطراري" فرضته إخفاقات المشروع الاميركي في المنطقة، وبالتالي فمن الممكن ان يعيد &laqascii117o;طائر المختارة" التحليق على علو مرتفع، متى تغيرت المعطيات.
ويرى أصحاب هذا الرأي داخل الأكثرية ان جنبلاط هو حاليا في وضع &laqascii117o;المنقلب مع وقف التنفيذ"، مشيرين الى انه يبني حساباته على اساس معطيات مغلوطة تصله حول مستقبل النظام السوري.
ويعتقد هؤلاء ان مشكلة زعيم المختارة تكمن في انه يستخدم عواطفه في قراءة المشهد السوري، ويترك لها ان تغربل ما تلتقطه راداراته، فيصدق ما يحب ان يسمعه لا ما يجب ان يسمعه وهو ان الرئيس بشار الأسد تجاوز المرحلة الخطيرة من الأزمة التي بدأت بالانحسار على المستوى الداخلي، أما التدخل العسكري الأجنبي الذي ينتظره البعض لقلب الطاولة على رأس الأسد فلن يحصل لا الآن ولا لاحقا، لأن المعنيين به تبلغوا رسائل واضحة من شأنها ان تكبح جماحهم، وفحواها ان أي مغامرة عسكرية من هذا النوع ستترك تداعيات خطيرة على المنطقة ككل.
أين يقف جنبلاط من هذه القراءة؟ وهل أصاب أصحابها في تشخيص حقيقة نياته المضمرة؟
يرفض جنبلاط بشدة وضعه في موقع الملزم بتقديم شهادة حسن سلوك من حين الى آخر، كلما انتابت بعض المشككين نوبة من الهواجس، مؤكدا انه ليس في وارد الخضوع الى امتحانات فصلية او الى فحوصات دم، للتدقيق في خياراته السياسية ومدى صوابيتها.
وانطلاقا من هذا &laqascii117o;الفيتو"، لا يجيب جنبلاط على سؤال عما إذا كان يصح القول بأنه باق في الاكثرية الجديدة، قائلا: &laqascii117o;أترك لكم ان تستنتجوا ما ترونه مناسبا.. ثوابتي أصبحت معروفة من طاولة الحوار الى مؤتمر الدوحة، وبالتالي أنا لن أصنف نفسي". ويضيف بنبرة يغلفها الاشمئزار: &laqascii117o;في وقت من الأوقات تعرضت لموجة تشكيك سخيفة بسبب موقفي من خطة الكهرباء، برغم انني أكدت ان دوافعي تقنية وليست سياسية.. ماشي الحال".
وماذا كنت تقصد عندما تحدثت عن المسدس المصوّب على رأسك، في المقابلة التي أجرتها معك إحدى محطات التلفزة المصرية؟
يوضح جنبلاط أنه كان يتكلم عن مرحلة تواجده في صفوف 14 آذار، وما واكبها من اغتيالات سياسية: &laqascii117o;لقد كنت أصف الظروف القاسية لتلك الحقبة الممتدة بين عام 2004 وعام 2008، ولم يكن المقصود أن أوحي بأنني غادرت 14 آذار وانتقلت الى موقع آخر تحت الضغط".
ولكن، ما مدى دقة الانطباع السائد لدى من يشعر بأنك تعيد صياغة موقفك من خيار المقاومة، لا سيما بعد رفضك ربط مصير لبنان بتحرير مزارع شبعا؟
ينفي جنبلاط أي تحول في مقاربته لملف سلاح المقاومة، مشيرا الى انه يتمسك بنظريته الأساسية القائمة على قاعدة الاستيعاب التدريجي لهذا السلاح ضمن الدولة، عندما تقرر المقاومة ذلك، مع نضوج الظروف السياسية والعسكرية الملائمة. ويتابع شارحا وجهة نظره: حتى ذلك الحين، تبقى معادلة الجيش والشعب والمقاومة سارية المفعول، ولكن لا بد في يوم ما من استيعاب متدرج للسلاح، وفق توقيت منسق مع المقاومة، حتى يكتمل بناء الدولة، ويصبح قرار الحرب والسلم في يدها.وهل صحيح أن أبواب سوريا عادت لتقفل في وجهك؟يؤكد جنبلاط انه أوفد وزير الأشغال غازي العريضي الى دمشق قبل ايام حيث التقى معاون نائب الرئيس السوري اللواء محمد ناصيف (أبو وائل)، في موازاة تشديده على انه ما زال عند رأيه بضرورة أن ينفذ النظام خطوات إصلاحية نوعية وعاجلة.."هذه نصيحتي، وهم أحرار في اتخاذ القرار المناســب".
- 'السفير'
لماذا لا يفتح ميقاتي ملف شهود الزور لإحراج الأكثرية في مجلس الوزراء؟
'التمويل': تفاهم سياسي يمهد لمخرج قانوني... وإلا فالاشتباك حتمي
داوود رمال:
يؤكد مصدر معني لـ&laqascii117o;السفير" ان الحكومة تتجاذبها وجهتا نظر حول عملية التمويل، الاولى، وتتبناها الكتلة الوسطية وتستند الى ما عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في خطابه امام الامم المتحدة حين شدد على التزام لبنان الدائم باحترام قرارات الشرعية الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وفقا لما اكدت عليه البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، وهو الأمر الذي أعاد التأكيد عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في نيويورك وفي اكثر من مناسبة لجهة التزامه تمويل المحكمة الدولية، وهذا الرأي يجد في وليد جنبلاط نصيرا دائما له.
أما وجهة النظر الثانية حكوميا، فتتبناها كتلة الثامن من آذار والتي تنظر الى الامر على قاعدة انه قبل الخوض في التمويل &laqascii117o;هناك مسألة شرعية ودستورية هذه المحكمة التي لم تقر وفق الاصول الدستورية وتحتاج الى اعادة نظر حتى يبنى على الشيء مقتضاه".
في المقابل، يتحدث مصدر على مسافة واحدة مع وجهتي النظر المطروحتين عن &laqascii117o;وجود عدة مخارج وأولها يقول بأن التمويل يمكن أن يتم عبر مرسوم عادي يوقعه رئيسا الجمهورية والحكومة ووزيرا المالية والعدل بحيث يحتسب المبلغ من موازنة وزارة العدل، ولكن هذا الامر يحتاج الى توافـق سياسي مسبق، كون المرسوم سيوقع من الرئيسين سليمان وميقاتي ووزير المال محمـد الصفدي ولكنه سيصطدم بموقف وزير العدل (شكيب قرطباوي) الذي ينتمي الى جهة ســياسـية (تكتل التغيير والاصلاح) تعارض التمويل من منـطلق عــدم شرعية المحكمة".
أما المخرج الثاني، يتابع المصدر، فقد بدأ يطرح في الكواليس، ويقول بان يطلب رئيس الحكومة سلفة خزينة لصالح رئاسة مجلس الوزراء ويصرف من هذه السلفة المستحقات المالية للمحكمة".
ولكن عند سؤال مرجع قانوني عن قانونية المخرج الثاني، سارع للقول &laqascii117o;ان هذا الامر غير ممكن على الاطلاق لأسباب قانونية تتصل بقانون المحاسبة العمومية للموازنة العامة، اذ ان اي سلفة خزينة يتخذ فيها قرار عبر مجلس الوزراء يجب تفنيد اوجه صرفها وفق بنود متسلسلة وبالتالي سيلحظ عملية صرف المبلغ لصالح المحكمة الدولية مما يعني انها لن تمر في مجلس الوزراء. واي سلفة تصرف من خارج النطاق المحدد لها في قرار مجلس الوزراء هي مخالفة قانونية فاضحة ترتب سوابق خطيرة غير مألوفة على صعيد عمل مجلس الوزراء والمالية العامة في لبنان".وعن امكان ان يكون المخرج عبر مجلس النواب، يؤكد المرجع &laqascii117o;ان هذا الامر سيفتح الباب على مصراعيه امام مناقشة نيابية واسعة لدستورية انشاء هذه المحكمة وقانونيتها، وباعتقادي انه ليس من مصلحة المعارضة الحالية الدخول في هذا الجدال الواسع الذي سيفتح المجال على امور دستورية قد تنتهي بتهشيم المحكمة من اساسها".وفي هذا السياق، يؤكد المصدر المعني &laqascii117o;ان اقرب المخارج القابلة للتحقق هو اللجوء الى مروحة مشاورات سياسية واسعة يكون ركيزتها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة تفضي الى تفاهم سياسي مقرون بمواقيت محددة يتم من خلالها تمرير تمويل المحكمة مع استغلال موعد آذار المقبل الذي سيطرح فيه مسألة التجديد لها. بحيث يحضّر ملف عبر الحكومة يرفع الى الامانة العامة لمجلس الامن الدولي مرفقا بالملاحظات والتعديلات الواجب اجراءها لنزع صفة اللاشرعية عن المحكمة عبر ادخال ضوابط تحد من عملية التسييس التي ظهرت في كل مراحل التحقيق الدولي وصولا الى عمل المحكمة. وهذا الامر ممكن ويصب في مصلحة الجميع ولا يعرض مصداقية لبنان للاهتزاز، ولا يؤدي ايضا الى اعتبار لبنان دولة تقف في مواجهة المجتمع الدولي".
الأكيد حتى الآن أن وزيري &laqascii117o;حزب الله" محمد فنيش وحسين الحاج حسن، سيرفضان أية صيغة للتمويل في مجلس الوزراء والأكيد أيضا أن وزراء عون (باستثناء &laqascii117o;الطاشناق") سينضمون الى موقف الحزب، فهل يكون المخرج من داخل مجلس الوزراء ببناء معادلة أصوات شبيهة بتلك التي حبكت عند التصويت على موضوع العقوبات الدولية ضد ايران في مجلس الأمن الدولي أم يأتي الحل على صورة ما اقترحه أحد &laqascii117o;الوسطيين" على نجيب ميقاتي بأن يفتح ملف شهود الزور ومن ثم يحرج الأكثرية بموضوع تمويل المحكمة؟
- 'الاخبار'
إسرائيل: لا حرب، أو حرب قصيرة جداً... ضد حزب الله
يحي دبوق:
سقطت نظرية &laqascii117o;دعوا الجيش ينتصر" التي اعتمدتها إسرائيل في حروبها، طوال العقود الماضية. لم تعد المسألة ــ المعضلة، في مواجهة حزب الله وصواريخه الدقيقة، هي أن توفّر القيادة السياسية في تل أبيب الوقت اللازم لجيشها لتحقيق النصر. باتت استراتيجية إسرائيل الحالية تهدف إلى منع وقوع الحرب، وإلا فإنهاؤها بسرعة، لأن لا قدرة لها على تحمل نتائجها
&laqascii117o;إن اسرائيل غير جاهزة لخوض حرب مع حزب الله وصواريخه النوعية". هذه هي خلاصة الكلمة التي ألقاها اللواء احتياط، غيورا ايلاند، في مركز أبحاث الأمن القومي ـــــ جامعة تل أبيب، في الخامس من الشهر الجاري. يطالب أيلاند بتقصير مدة الحرب المقبلة قدر الامكان، بل ومنع وقوعها إذا امكن، اذ لا طائل من حرب تطول، بلا تحقيق نتائج. ويرى ان صاروخاً واحداً، على سبيل المثال، يسقط على محطة الخضيرة للكهرباء، سيبقي اسرائيل في عتمة طوال ستة اشهر، وهي نتيجة لا تستطيع اسرائيل تحملها.
مع ذلك، ينادي ايلاند بأن تخوض اسرائيل الحرب المقبلة بعدوانية شديدة، ضد الحكومة والجيش والشعب في لبنان، الامر الذي يدفع بالمجتمع الدولي الى التدخل، وبالتالي إنهاء الحرب سريعاً، حيث المصلحة الاسرائيلية في ظل عدم جهوزية خوضها وتحمل أكلافها.
يكشف ايلاند عن ان الجبهة الداخلية الاسرائيلية، ليست فقط غير جاهزة لخوض الحرب المقبلة، بل لا تمتلك الحد الادنى من الجهوزية، مشيراً، للمرة الأولى في اسرائيل، إلى ان القصور في الجهوزية ليس مالياً، بل هو قصور في المفهوم وسوء رؤية للتحديات وعدم تشخيص الأولويات.
غيورا ايلاند محاضر وخبير في عدد من مراكز البحث الاسرائيلية المتخصصة بالشؤون الاستراتيجية والعسكرية. شغل في السابق منصب رئيس مجلس الامن القومي الاسرائيلي، ورئيس شعبتي العمليات والتخطيط في هيئة اركان الجيش الاسرائيلي، ورأس طاقم تحقيق عسكري خاص في اخفاقات المؤسسة العسكرية في أعقاب عدوان 2006 على لبنان. في ما يأتي، نص لأبرز ما ورد في محاضرة أيلاند:
من الواضح لنا، تماماً، وجود تغيير في تهديد الصواريخ لإسرائيل في السنوات الاخيرة، ولا ترتبط المسألة بكميات الصواريخ وأحجامها، والتي تراكمت وازدادت، ولا بمداها ولا برؤوسها الحربية التي كبُرت أيضاً، بل إن التغيير الأكثر أهمية وتأثيراً، هو أن دقة اصابتها قد ازدادت. وما إن تزداد دقة الصواريخ، حتى تتحول من سلاحٍ عشوائي، إلى سلاحٍ دقيق الاصابة. وان تتحول الصواريخ الى سلاح دقيق الاصابة، فهذا يعني انهم لن يطلقوها على هدف كبير بحجم مدينة تل أبيب، بل سيطلقونها على أهداف نقطوية ومحددة، سواء كانت محطة طاقة كهربائية أو مستشفى أو محطة قطار أو مقر قيادة وسيطرة عسكرية أو مطاراً مدنياً. هذه هي الاهداف (الاسرائيلية) في الحرب المقبلة. في مقابل ذلك، تقول نظريتنا الدفاعية بأن نوفّر دفاعاً مناطقياً في وجه الصواريخ، من خلال منظومة &laqascii117o;القبة الحديدية"، او من خلال منظومات اعتراضية مشابهة (...). وهذا الدفاع، في أحسن الأحوال، لن يصد كل الصواريخ التي ستطلق في الحرب على اسرائيل. وإذا كان الدفاع ناجحاً جداً، وبالتالي عمل على صدّ ستين او سبعين او حتى ثمانين في المئة من الصواريخ، فإن عشرين في المئة ستخترق (الدفاعات). والعشرون في المئة، كما أشرنا، ليست عشوائية، بل هي دقيقة وموجهة الى أماكن محددة ومؤثرة جداً.
هنا يأتي السؤال: هل هذه الاماكن المحددة جداً محمية كما يجب؟ الجواب هو بالتأكيد لا. ومن دون أن أعرض لتفاصيل، لأن ما سأتحدث عنه حساس جداً، سأعطي مثالاً واحداً، وهو &laqascii117o;ربع مثال". بالنظر الى محطات الطاقة الكهربائية المنتشرة في دولة اسرائيل، سنجد أن محطة الطاقة الرئيسية تقع في مدينة الخضيرة، التي توفّر للبلاد معظم الطاقة الكهربائية. داخل هذه المحطة مبنيان صغيران جداً نسبياً، لكن اصابتهما ستتسبب في ضرر بالغ لا يحتمل لدولة اسرائيل. اذا تعرضا للاصابة فلن تعود المسألة مسألة أضرار اقتصادية، أي كم تكلف عملية اصلاحهما من أموال، بل كم يأخذ ذلك من وقت. اذ من الممكن ان يستغرق ذلك ستة اشهر، وخلال هذه المدة، تكون دولة اسرائيل في وضع لا يمكّنها من توفير احتياجاتها من الطاقة الكهربائية.
السؤال حول ذلك يتمثل في الآتي: هل ينبغي إبقاء هذين المبنيين المكشوفَيْن في الميدان وتحصينهما مثل التحصين الذي نمنحه لكل حي أو منزل سكني أو أي موقع آخر، أو نقول كما نقول في مصطلحات الهجوم العسكري، ان هناك أهدافاً ذات أولوية، وإن هناك أماكن يجب مهاجمتها على نحو أكثر حدة من أماكن أخرى؟ هذا هو الوضع ايضاً في حالات الدفاع: هل نعمل على منح اهداف كهذه، أولوية دفاعية على غيرها، ونحصّنها بحيث يمكننا القول بأنه حتى الصاروخ الذي يخترق منظومات الدفاع الاعتراضية، لن يتسبب في ضرر لعمليات تزويد البلاد بالطاقة الكهربائية؟ أنا في الواقع لا أعتقد أن حماية الكهرباء هو الهدف الأكثر حساسية بالنسبة الينا.
ما يثير التعجّب في هذه المسألة، ليس السؤال إن كان يوجد مال أو لا يوجد، بل وجود سجال لا ينتهي حول مسألة من يتحمّل مسؤولية هذه المنشآت. لقد تحدثت شخصياً مع (وزير حماية الجبهة الداخلية) متان فيلنائي، ومع وزير المال (يوفال شتاينتس)، ومع وزير البنى التحتية (عوزي لانداو) والأخيران قالا الجملة الآتية: إن المسؤول عن توفير التحصين لتلك الأماكن هو وزير الدفاع. لأنه، في التوصيف، الدفاع عن دولة إسرائيل أمام تهديد الصواريخ يعود إلى وزير الدفاع. فليقرر الوزير كيف يدافع، إنها مسؤوليته، وهذا جزء من ميزانية الدفاع. اما متان فيلنائي، فيقول إن كل وزارة تتحمل المسؤولية في مجالها، اي حماية المستشفيات تقع على وزارة الصحة، وحماية محطات القطار تقع على وزارة النقل، وحماية محطات الكهرباء أو معالجة المياه على وزارة البنى التحتية. وكل طرف من الاطراف يعتقد ويؤمن بأنه المحق في هذا الشأن. وأقول انهم، ومنذ ما لا يقل عن عامين، لم يتوصلوا الى مستوى ان يجتمعوا معاً ليقرروا ما هي الآلية الصحيحة. وبعد تحديد الآلية، تأتي مسألة هل توجد اموال ام لا. لدينا سجال لا ينتهي، وأكاد أقول حوار طرشان، حول مسألة من هي الجهة المسؤولة عن تقرير ما يجب او لا يجب حمايته. وهذا أمرٌ مثير للاستغراب.
من هنا أنتقل إلى مسألة تفعيل القوة. إذا أخذنا حرب لبنان الثانية نموذجاً، يبدو لي أن هناك ثلاث عِبَر، من الصحيح إيرادها، وسأعرضها باختصار. عندما أُديرت حرب لبنان الثانية، أُديرت في ظل المفهوم الإسرائيلي المعتاد الذي يقول: كلما طالت الحرب، كانت لدينا فرصة أفضل. بعبارة أخرى، اسمحوا للجيش بأن ينتصر، أو بكلمات اخرى، أعطوا الجيش الهامش والزمن المطلوبين من أجل إنهاء مهمته. ونحن كلنا (نستحضر) صور حرب الأيام الستة، أو حرب يوم الغفران، أو عملية قادش عام 1956، ففي تلك الحروب تبدأ الساعة السياسية بالنفاد وليس بالتكتكة، لحظة بدء الحرب، وعندها تصبح المسألة كم لدى الجيش من وقت لكي يكمل مهمته، قبل أن يفرض علينا المجتمع الدولي وقفاً لإطلاق النار. بدأت حرب لبنان الثانية والحكومة في إسرائيل متخمة بشعور أن لديها دعماً دولياً واسعاً، ولا محدودية في الوقت، لذلك فضلوا اطالة زمن الحرب ما دام الامر يتطلب ذلك. لكن عندما تطيل الحرب إلى 33 يوماً من دون أن تفهم أنه خلال هذه المدة ثمة نحو مليون مواطن إسرائيلي في الملاجئ، فستفوح الروائح الآسنة من دون صلة بمستوى النجاح في ميدان المعركة، الذي كان، على أي حال، إشكالياً ايضاً.
أقول إن التغيير المترتب على هذه المسألة أغلبه جزئي ولمسناه في (عملية) &laqascii117o;الرصاص المسكوب" (في قطاع غزة عام 2009). وهذا غير كافٍ. وآمل أن يكون مفهوماً أكثر، اليوم، أنه في الحرب المقبلة، وبالتأكيد إذا كانت حرباً ضد منظمة ـــــ دولة، مثل حماس في قطاع غزة أو حزب الله في لبنان، ليست لدينا رفاهية إطالة أمد الحرب لوقتٍ طويل، لأن استمرارها في الحقيقة، هو هزيمة.
العبرة الاولى من حرب لبنان الثانية، أن على اسرائيل ان تخوض حروباً قصيرة من ناحية زمنية، وان نكون مستعدين لدفع اثمان تتصل بمستوى العدوانية التي سنعمل بها في اليوم الاول للحرب. ليس أمامنا خيار سوى العمل بنحو أكثر عدوانية. وإذا كانت المسألة التي كنا نخشاها دوماً، أن تكون هناك دعوة ما إلى وقف اطلاق النار قبل إتمام المهمة، فهذه الصورة لن تنقلب في المستقبل، وبسبب العدوانية القاسية لاسرائيل، سيدعو المجتمع الدولي بعد ثلاثة ايام إلى وقف اطلاق النار.
العبرة الثانية. وهي صحيحة نسبةً إلى حرب لبنان الثانية، جرى تطبيقها جزئياً في عملية &laqascii117o;الرصاص المسكوب" في قطاع غزة، رغم انني غير متأكد من وضوح الامور لهذه الناحية حتى النهاية في حرب القطاع. لقد خيضت حرب لبنان الثانية في ظل المفهوم القائل ان هناك حزب الله، وهم الأشرار، ونحن نقاتلهم هم فقط. اما بقية اللبنانيين فهم غير متورطين في اللعبة، وهم حكومة لبنان، والجيش اللبناني، والبنى التحتية اللبنانية، والشعب اللبناني. هذا المفهوم يقول ان حزب الله يطلق علينا صواريخ، ونحن سنعمل ضد الصواريخ وسننجح في اصطيادها بنحو فعال. وكما تذكرون الوضع منذ خمس سنوات، كان الجيش ينظم كل يوم مؤتمراً صحافياً، يعرض فيه بافتخار انجازاته باعتراض شتى أنواع الصواريخ، على شاكلة غارات من سلاح الجو كانت تستهدف المنصات. وفي الظاهر كان يُفترض بهذا الامر أن يبدو كإنجاز كبير، الا ان النتيجة من العملية، كما فهمناها ورأيناها، هي عدم الفاعلية والتأثير. بعبارة اخرى، وهذا صحيح إلى اليوم ايضاً، ليست لدينا قدرة جيدة بما يكفي، ومن المشكوك فيه أن تكون لدينا في المستقبل المنظور، قدرة جيدة بما يكفي، لأن نقاتل بنجاعة العدو الذي يطلق الصواريخ، ما دمنا نؤطّر القتال ضد مُطلقي الصواريخ.
كنتُ لأقول إنه بمثابة اللاخيار. لا خيار أمامنا سوى تحويل المواجهة مع المنظمة التي تطلق الصواريخ إلى مواجهة مع الدولة التي تُطلَق منها الصواريخ. وإذا ما بدأت غداً حرب لبنان الثالثة فإن السبيل الوحيد للنجاح فيها، أو إذا شئتم السبيل الوحيد للردع سلفاً ومنع الحرب، هو أن يكون واضحاً أن من غير المهم من الذي يطلق الصواريخ. لحظة إطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل، فإن دولة لبنان هي في حرب مع دولة إسرائيل. وفي الحرب بين دولتين، لا تكون إسرائيل أقوى فقط، وليس فقط يمكنها إيقاع أضرار أكبر ولا تُحتَمَل في الطرف الثاني، بل يمكنها أن تدفع العالم لكي يصرخ أسرع لوقف اطلاق النار، وقياساً إلى المسألة الأولى (ضعف الجبهة الداخلية لاسرائيل)، هذا هو المطلوب من قبلنا بالضبط.
العبرة الثالثة من حرب لبنان الثانية، هي مسألة الجبهة الداخلية والمسؤولية عنها، والتي يجب ان تبقى ضمن مسؤوليات الجيش. وأعتقد أن من الجيد أن الجيش قد فهم أن لا خيار أمامه سوى أن يفضّل بقاء الجبهة الداخلية ضمن مسؤولياته. في بعض الأحيان، هناك أولوية لتفعيل الجهود وتوجيهها، ليس فقط حين يكون التهديد موجهاً نحو المواطنين في الجبهة الداخلية، بل ايضا نحو منشآت عسكرية حيوية، الامر الذي يلزم ان يكون القرار في ايد صارمة. بعبارة أخرى، إذا سقط صاروخان كيميائيان، أحدهما في رحوفوت، والثاني في (مطار) تل نوف، وهناك وحدة تطهير واحدة، عليك أن تقرر الأولوية في معالجة الوضع الأكثر إضراراً. في هذه الحالة لا يمكن ترك الامور لقرارات المستوى المدني، اذ من منظور وطني، مع كل الالم في هذه المسألة، قد تكون اعادة تشغيل مطار تل نوف، اكثر اهمية من انقاذ ارواح فلان او فلان من الناس.
اعود وأشدد على نموذج المواقع الحيوية في اسرائيل، فهو نموذج مثير للاستغراب ولم يُحلَّ بعد، وما زال كل واحد مؤمناً بصوابية رأيه. وزير البنى التحتية متيقن أن وزير الدفاع مهتم بالمبنيين الحساسين في الخضيرة، والوزير فيلنائي متيقن من أنها وظيفة وزير البنى التحتية، وعندما تقع الحرب، يتحدث الجميع كيف أننا لم نولِ اهتمامنا لمثل هذه المسألة الهامة والبديهية.
- 'النهار'
سوريا الأسد و'سبعُ أوراقٍ' في مصلحتها!
سركيس نعوم:
يُظهر حلفاء نظام سوريا في لبنان اطمئناناً الى قدرته على انهاء ما يعتبره مؤامرة صهيونية – اميركية عليه تنفذها مجموعات ارهابية تتلقى تمويلها من جهات عربية معروفة. ويشددون على انه وخلال اشهر قليلة سينجح في انهائها وسيتابع مسيرة الاصلاح التي بدأها بعد اندلاع ما سماه الغرب والعرب والعالم انتفاضة شعبية في آذار الماضي. ويبني هؤلاء اطمئنانهم على معلومات وتحليلات يسمعونها من قيادات سورية تؤكد ان سوريا الاسد لن تنكسر لأنها في مواجهة الهجمة الدولية – العربية – الاسرائيلية الشرسة عليها لا تزال تمتلك اوراقاً مهمة.
الورقة الاولى هي وقوف روسيا الاتحادية مع النظام السوري في المحافل الدولية وتحديداً في مجلس الامن ومبادرتها الى تقديم كل ما يحتاج اليه من مساعدات متوافرة عندها. وهي ايضاً عدم نجاح اميركا واوروبا في استدراج روسيا الى مواقفهما 'المعادية' لسوريا الاسد سواء بالاغراءات المتنوعة او بـ'التهديدات' المبطَّنة. وهي ثالثاً تمسّك روسيا بعدم صدور قرار عن مجلس الامن يدوّل العقوبات المتنوعة القاسية عليها ويمهّد لاستعمال القوة العسكرية ضدها. والورقة الثانية هي الصين الشعبية التي لا تزال ترفض، حتى الآن على الاقل، التعرض لهذه الـ'سوريا' في مجلس الامن، وإن بطريقة اقل التزاماً من روسيا او اقل تشدداً. والورقة الثالثة هي دول البرازيل وافريقيا الجنوبية والهند الأعضاء في مجلس الامن التي رفضت ولا تزال ترفض السير مع اميركا واوروبا في 'تشددهما السوري' داخل مجلس الامن وخارجه.
والورقة الرابعة هي الجمهورية الاسلامية الايرانية الحليفة الاستراتيجية لنظام الاسد، منذ تأسيسه، وهي مهمة جداً لأن ايران قوة اقليمية كبرى مرشحة للتحوّل عظمى اذا تكرّست 'نوويتها' في مرحلة من المراحل. وهي دولة غنية. وهي دولة طموحة تمتلك استراتيجيا اقليمية وأخرى دولية. وهي تدافع عن مصالحها وعن حلفائها بكل قوة، وقد ترجمت ذلك ومن زمان بعيد سورياً في ميادين التجارة والاقتصاد والسلاح والتدريب والنفط والاستثمار بحيث صارت جزءاً بنيوياً تقريباً من النظام المذكور. وبحكم ذلك صارت حمايتها له واجبة. وايران هذه يعترف الغرب كله وزعيمته اميركا بقوتها وخصوصاً بعد نجاحها في مواجهته على مدى ثلاثة عقود وفي إظهار حاجته اليها في الدول التي تورط فيها عسكرياً في المنطقة. والورقة الخامسة هي عراق ما بعد صدام حسين الذي لا يكنّ، وبمعظم مكوناته واطيافه السياسية وغير السياسية، الود لسوريا ولنظامها لأسباب قديمة وجديدة، والذي يستطيع ان يؤذيها جداً في حال وقوفه مع الثائرين على النظام الحاكم فيها. إلا انه احجم عن ذلك بسبب تأثره العميق بإيران. لا بل انه بدأ يعمل وبالتنسيق مع دمشق للدفاع عن النظام فيها. والورقة السادسة هي 'حزب الله'، اللبناني الهوية والايراني الايديولوجيا والسوري التحالف، القوي في لبنان حتى في اثناء حكم اخصامه له والحاكم حاليا فيه وإن على نحو غير مباشر، والمستعد لأن يتولى مقاليد الامور فيه اذا دعت الحاجة لبنانياً او سورياً، او لأن يخوض مع النظام السوري معركته اذا صار لبنان ميدانياً ساحة اخرى لها. والورقة السابعة هي الشعب السوري 'غير الطائفي وغير المذهبي' الذي لم يتجاوب مع المؤامرة الصهيونية – الاميركية ضد النظام الحاكم له منذ عقود. وهي ايضاً الشعب السوري المؤمن بالقومية العربية، والمؤمن بأن استهداف نظام الاسد انما هو استهداف لقوميته التي آذت اسرائيل وداعميها وسوف تستمر في ايذائهم.
والورقة الثامنة هي اقتناع اركان النظام السوري بأمور ثلاثة. الاول، هو خوف اسرائيل، وهي احدى المصلحتين الحيويتين والاستراتيجيتين لاميركا، على النظام السوري لا حباً به او جراء تحالف معه بل خوفاً من حلول نظام 'اصولي اسلامي عنفي تكفيري' مكانه، وفي ذلك خطر شديد عليها. وهو خوف تشترك فيه مع اسرائيل 'شعوب' عدة في هذه المنطقة. والثاني، هو عدم استعداد المجتمع الدولي وزعيمته اميركا لاستعمال القوة العسكرية لمساعدة شعب سوريا او غالبيته على اطاحة النظام القائم، او عدم قدرتهما على ذلك، وخصوصاً بعد التورط العسكري المستمر في العراق وافغانستان وربما باكستان لاحقاً وغيرها من الدول. والثالث هو الاوضاع الاقتصادية المتردية للدول الكبرى في الغرب.
هل اطمئنان حلفاء سوريا المشار اليهم في محله؟ وهل الاوراق السبع صالحة وصامدة؟
- 'النهار'
تحولات عميقة في المعادلة عززها الكلام الباريسي تجعل 'حزب الله' وفريقه يعكفان على جردة 'المكاسب'
ابراهيم بيرم:
لم يكن أمراً بلا معنى في السياسة ان يختار الرئيس السوري بشار الاسد الرئيس سليم الحص ليبلغ اليه بكل صراحة واطمئنان ان الحوادث التي مرّت بها سوريا انتهت، وان المدن السورية 'تستعيد استقرارها'.فالذين هم على تماس وتواصل مع دمشق وحلفائها الاقربين في لبنان، يدركون ان لهذا الاختيار في هذه المرحلة أبعاداً ودلائل ومغازي متعددة، أبرزها:
- ما يمثله الرئيس سليم الحص في الوسط السياسي اللبناني والعربي من قيمة معنوية ورمزية عالية، ومن صدقية ورجاحة عقل وشعور قومي ووطني لا يرقى اليه شك.
- ان دمشق تبعث الى دائرة خصومها على امتداد الساحة اللبنانية، برسالة يعرفون هم معانيها، ولا سيما ان دمشق وجهت ومازالت منذ اندلاع عاصفة الأحداث الدامية فيها، اصابع الاتهام لجهات لبنانية بالضلوع بأشكال متنوعة في هذه الأحداث وفي ديمومتها وتأجيجها أحياناً، ولهذا الأمر لدى المعنيين في سوريا ملفات عدّة تنطوي على العديد من الصفحات والاسماء والوقائع، سيأتي حين من الدهر ويماط اللثام عن تفاصيلها.
- الأهم في سياق ذلك ان النظام في دمشق وحلفاءه الآخرين في لبنان، ادرجوا في قراءتهم المعمقة لأبعاد الاحداث في سوريا اعتباراً وتحليلاً يقوم على دوافع أساسية للهجمة على سوريا، كانت بفعل ابعاد الرئيس سعد الحريري عن 'دست' السلطة والحكم في أواخر الشهر الاول من السنة الجارية.وعليه، فإن النظام اياه وحلفاءه انفسهم اعتمدوا على نظرية ان اسقاطهما الحريري في لبنان كان مقدمة لاسقاط ما اصطلح على تسميته بمحور الاعتدال العربي في معادلة الساحة السياسية اللبنانية، والذي اتسع خلال نحو عقدين من الزمن بموقع ووزن فاعلين في هذه المعادلة.
وفي لقاء أجراه الرئيس الاسد مع وفد من جالية سورية في احدى الدول العربية، قال صراحة ان سبب تصعيد العداء من جانب النظام القطري ضده وهو الذي كان على صداقة وثقى معه في السابق، هو عملية ثأر ضمنية من هذا النظام ومن دمشق لكونها ساهمت في إسقاط الرئيس الحريري.وعليه لم يكن مستغربا بالنسبة الى قوى الاكثرية ان يسمعوا من خصومهم الالداء كلاماً فحواه ان 'فرحكم' بإمساككم زمام السلطة لن يطول لان العصف الآتي والزلزال المدوي بفعل اسقاط النظام السوري بات مسألة وقت ليس الا.وبناء عليه، ثمة في اوساط الاكثرية وبالتحديد في اوساط حلفاء سوريا الاقربين من يحلو له ان يتحدث في حلقاته الضيقة عن الاستقرار النسبي الذي بدأ في سوريا، والذي بلغ حداً دفع الرئيس الأسد الى المجاهرة علانية به، لم يكن سوى واحد من 'سلسلة مكاسب' سياسية تتوالى منذ مطلع السنة الجارية، تحقق جزء منها بفعل اعداد وتحفيز مسبقين، فيما ظهر البعض الاخر بشكل تلقائي، فإذا كان اسقاط الحريري 'ضرب شطارة' تقررت ظروفه ومعطياته عن سابق تصور وتصميم، فهو يظهر ان سوريا وحلفاءها في لبنان مضوا في هذا الخيار لأنهم استشرفوا بعضاً من نيات الآخرين، وأن قبول الرئيس نجيب ميقاتي التصدي لمهمة خلافة الحريري لم يكن في الحسبان، وتيقن هذا الفريق لاحقاً أنه كان 'توفيقا' غير منتظر فاق بالنسبة اليه 'مكسب' اقصاء الحريري عن 'دست' السلطة.
وإذا كان 'صمود' النظام السوري في وجه العاصفة الهوجاء ضده منذ نحو 7 اشهر والتي رمت الى اسقاطه سريعاً بناء على معطيات ووقائع تقول بأن وضعه صعب، جاء بفعل قدرة رأس هذا النظام على استيعاب فصول الهجمة عليه، فإن الذي أتى من خارج حسابات محور دمشق وحلفائها الأقربين في لبنان هو هذا التحول الجذري في مواقف المرجعية الدينية المسيحية الأولى في لبنان والأقليم، ولا سيما بعد الكلام الذي اطلقه سيد هذه المرجعية إبان زيارته الرسمية لباريس، ثم جولاته في أقاصي البقاع والجنوب وفحوى الكلام الذي أطلقه هناك.وليس من شك في أن تمسّك سيد هذه المرجعية بكلامه بعد عودته الى بيروت، أمام الضغوط التي مورست عليه من أكثر من جهة للتراجع عنه او تعديل بعض مضامينه، كانت 'نصراً' آخر مؤزراً بالنسبة لهذا المحور.
وبالطبع جاءت القمة الروحية التي عقدت حديثاً في دار الفتوى لتجذر وتؤصل خيار هذه المرجعية وتوجهاتها على مستوى كل الطوائف وكل الوطن.وما من ريب ان ثالثة الاثافي لهذا الفريق تجسدت بالامس القريب في النداء الذي صدر عن الاجتماع الشهري لمجلس البطاركة الموارنة، والذي انطوى على ما اسقط فكرة 'لكم بطريرككم ولنا بطريركنا' التي روج لها بعض خصوم هذا الفريق لفترة معينة كرد ضمني على اصداء الكلام الصريح الذي قيل في العاصمة الفرنسية قبل أقل من شهر.ان 'المكاسب' المتأتية عن هذا الكلام هي بالنسبة الى هذا الفريق تتعدى حدود الساحة اللبنانية نظراً الى المكانة الواسعة على مستوى العالم المسيحي لهذه لمرجعية. وفي كل الاحوال فإن الثابت ان هذا 'المكسب' المحقق المحلي ذا الصدى والبعد الأوسع الذي حققه هذا الفريق سيكتمل من الآن وحتى النهاية بمكسبين آخرين منتظرين. الأول ان 'تبرأ' سوريا قريباً من ازمتها ومن تداعيات ورواسب هذه الازمة، والثاني، صورة الاقليم، اذا ما تحقق بعد نحو شهرين الجلاء الكامل للقوات الاميركية من العراق، حيث بالتأكيد ثمة مشهد آخر متكامل لبغداد بعد صدام والاحتلال الاميركي، فيه دور مميز تعد نفسها له، بالتعاون مع دمشق.
وبالطبع ثمة من يرى في غمرة هذه الحسابات التي تحتاج الى اثباتات أكثر، ان هناك تجاهلاً لمسألة المحكمة الدولية وتأثير سيفها المصلت في الحد من هذا التفاؤل المفرط، وعليه يجيب المعنيون بأن هذه المحكمة فقدت قيمتها وهالتها وصار تأثيرها اعلامياً منذ ان اصدرت قرارها الاتهامي ووقّع المدعي العام التمييزي قراراً فحواه ان المتهمين لم يعثر عليهم وفق قول المعنيين المباشرين بهذه المحكمة.