روى معتقلون مصريون ما يتعرضون له من استغلال داخل السجون والمعتقلات؛ واستنزافهم ماديا ونفسيا من قبل ضباط وعناصر الأمن، الذين يتربحون الكثير من وراء معاناة كل معتقل.
ووفق شهادات أيضا لعدد من أسر المعتقلين، فقد تحولت السجون المصرية إلى نوع جديد من الاستثمار، التي تدر ربحا مرضيا لأمناء الشرطة والضباط والعاملين في السجن.
وقال "علاء ناصر"، معتقل سابق في الفترة من 2015 حتى 2018، إنه حسب لائحة السجن تبلغ رسوم تصاريح الزيارة الخاصة 3 جنيهات، لكن الحقيقة أن رسوم التصريح الواحد تصل إلى 30 جنيها.
وأضاف: "إدارة السجن فقط تريد أن تجمع الأموال من أهالي المعتقلين بكل الطرق".
وروت والدة المعتقلة "أمينة علي"، التي تبلغ من العمر 20 عاما، وأكملت عاما في سجنها الاحتياطي، أنها تضطر لدفع رشوة في الزيارات، لتجاوز مراحل التفتيش الثلاثة، بداية من"التفتيش الذاتي"، وفيه تقف 3 نساء تأخذ كل واحدة منهم 10 جنيهات، تجنبا للإهانة منهم أثناء التفتيش.
أما "تفتيش السير" فيتم دفع 20 جنيها من أجل السماح بدخول شنط الطعام والملابس، وأخيرا "مرحلة الختم وتسليم البطاقة" للدخول للزيارة مبكرا، وهنا تقف ثلاث نساء تأخذ كل واحدة 30 جنيها.
وأضافت: "يعني عشان أدخل بس أشوف بنتي وأدخل الأكل والهدوم ليها بدفع رشوة كل أسبوع بتوصل لـ200 جنيه، غير الحاجات اللي بكون جايبها معايا في الزيارة وبدفع فيها فلوس كتير".
وذكر المعتقل السابق "عماد محمد"، في تحقيق نشره "ميدان الجزيرة" عن "بيزنس السجون المصرية"، أن "أهالي المعتقلين أثناء اعتقالي كانوا بيدفعوا رشوة عشان يقعدوا مع ولادهم فترة أطول، لأن إدارة السجن بتسمح أنهم يشوفوا ولادهم 10 دقائق بس، على الرغم من أن لائحة السجون تسمح بالزيارة لمدة ساعة".
وأضاف "في كمان رسوم إجبارية بيدفعها أهالي المعتقلين عشان ركوب الطفطف، لأن إدارة السجن تمنع الأهالي من المشي داخل ممر السجن حتى مكان الزيارة، وكمان بتمنع إدارة السجن المكالمات التليفونية بين المعتقل وأسرته، سواء بمقابل أو بدون، وفي حالة وجود تليفون مع شخص داخل السجن يتعرّض للعقاب وتلفق له قضية".
وتابع: "السجائر هي العملة الرسمية في السجن لتأجير مستلزمات النوم، وعملة الكانتين هي البونات بشرط وجود أموال لك في أمانات السجن، أما الرشوة فهي لدخول أي شيء آخر، كل حاجة في السجن ادفع عشان تعيش، السجن استثمار للشرطة".
وغالبا ما تكون الأسعار مرتفعة في "الكانتين" الخاص بالسجون، والذي لا يبيع غير السلع الأساسية، مثل السكر، والزيت، والشاي، والأرز، والملح، وعلب الفول، والتونة، لذلك تمنع إدارة السجن دخول هذه السلع حتى تُجبر المعتقلين على شرائها من الكانتين.
وتسرد والدة المعتقلة "أمينة علي" وقائع أخرى لاستغلالها من قبل إدارات السجون، قائلة: "الأسعار غالية هناك، يعني سعر مسحوق الغسيل اللى بيتباع بره السجن بـ30 جنيها داخل الكانتين بـ83 جنيها، ومانعين إن احنا ندخل الحاجات دي عشان المساجين يشتروها من الكانتين".
وتضيف: "ومش بس كده، كمان بعد ما فتحوا فرع العبد في سجن القناطر، منعوا دخول الحلويات عشان يبيع داخل السجن، لكنه على الرغم من كده أنا بحاول أدخل كل الأكل والحاجات اللي معايا، مقابل رشوة بدفعها للناس اللي واقفة"، كذلك تمكنت من تأجير مرتبة، ومخدة، وبطانية، وثلاجة لوضع الطعام لابنتي مقابل خرطوشة سجائر أسبوعيا ثمنها 200 جنيه.
كذلك "زجاجة المياه خارج السجن الصغيرة بـ3 جنيهات وفي الكانتين بـ10 جنيهات، ودي مصاريف إضافية جنب مصاريف الدواء والأكل اللي بدخله كل أسبوع"، بحسب والدة المعتقلة "علياء أحمد".
وتشهد السجون المصرية أوضاعا مزرية، وانتهاكات جمة لحقق الإنسان، خاصة بحق المعتقلين السياسيين.
وفي محاولة لتجميل الصورة، بثت "الداخلية" المصرية، قبل أيام، مقاطع متلفزة، لمجمع سجون طرة، جنوبي العاصمة، تظهر السجناء وهم يلعبون كرة القدم، وطهاة يقومون بشواء الكباب والكفتة لهم، وأن السجين يحصل على رعاية طبية لائقة، وعمل يدر عليه ربحا، ويتمتع بأنشطة ترفيهية.
وخلال السنوات الأخيرة، مات العشرات بالسجون المصرية، جراء الإهمال الطبي، والمنع من الدواء، والحرمان من الزيارة.
الخليج الجديد