المقتطف الصحفي » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 9/2/2012

- 'الجمهورية'
هل تنطلق شرارة حرب طائفية من باب التبانة وجبل محسن؟
تحقيق: باسكال بطرس:

&laqascii117o;زمن الصراعات، الذي يفترض أنه ولّى منذ 35 عاماً، لم ينتهِ بعد... ففي إطار التجييش والاصطفاف المذهبي القائم، يؤكد مصدر مقرّب من الحزب العربي الديموقراطي، &laqascii117o;أن لا شيء مستبعداً من سلفيي باب التبانة الحركيين، العازمين على تحويل طرابلس الى إمارة إسلامية. لن يتركوننا وشأننا طالما يفشل اخوانهم في سوريا في إسقاط النظام. أما إذا سقط النظام، وهذا لن يرونه إلا في أحلامهم، فهم عازمون على تهجيرنا والقضاء علينا".
مع تسارع الأحداث والتطوّرات الدراماتيكية في المشهد السوري ومرحلة الحسم العسكري التي بدأها الجيش السوري في حمص، تتركّز الأنظار اليوم على نقاط التوتّر على السّاحة اللبنانية، وتحديدا على منطقتي جبل محسن التي تقطنها أغلبية علوية وباب التبانة ذي الغالبية السنّية، واللتين تشهدان توترا طائفيا كبيرا يعود إلى عام 1976، ويستمرّ جرحا نازفا لم يُضمد بعد، ويخشى أن ينفجر في أيّ لحظة...
وبدأت التوتّرات الأمنية تبرز جليّاً الى الواجهة، مع تساقط قذائف الانيرغا والعبوات المتفجّرة تباعاً على جبل محسن، مجرى نهر أبو علي، مروراً بـ 'بورة مهجورة' في محلة الغرباء، الى شارع سوريا، فنزلة الأميركان في محلة التبانة في طرابلس... ما استدعى انتشارا مسلّحاً في مناطق التبانة وجبل محسن، رافقه انتشار مكثف لعناصر الجيش اللبناني في المنطقة.
وفي جولة ميدانية، أمضَت &laqascii117o;الجمهورية" يوماً في أحياء التبّانة مع أهلها الطيبين، و&laqascii117o;صَدمتها" مشاهد أحوال عائلاتها وكأنه مكتوب عليهم العيش وسط كابوسين: الفقر والمذهبية.
ويقطن في شارع سوريا في وسط باب التبانة نحو 1200 عائلة، معظم منازلها بَدت عليها علامات الحرمان وآثار المعارك، وغَطّت جدرانها صوَر لشبّان قتلوا خلال الحوادث، وكتبوا في أسفلها كلمة شهداء.
وتشهد أكثر المحال التجارية وورَش الحدادة وبويا السيارات حركة طبيعية، يرافقها أصوات الباعة على عرباتهم، ولسان حالهم يقول: &laqascii117o;ماذا بعد؟ ومتى ينتهي هذا النوع من المباريات التي لا تنتج إلّا الدماء والحقد؟"
ويقول أحد سكّان الحي الذين التقيناهم: &laqascii117o;نحن نعيش كل يوم بيومه، ولا نعرف ماذا ينتظرنا غداً، والشغل واقف منذ بدء المعارك".ويؤكّد شاب آخر: &laqascii117o;انّهم (العلويون) يمنعون سائق سيارة إذا مَرّ في شوارعهم من رَفع صورة الشهيد رفيق الحريري".وعند &laqascii117o;حَشر" هؤلاء بالأسئلة عن المعارك وضراوتها، يعودون بالذاكرة الى الثمانينيات، وكيف كانوا يعانون ممارسات السوريين.ويلفت رجل في الأربعينيات من العمر: &laqascii117o;نحن مع التهدئة وبَدنا الدولة، وهذا هو منطق السلفيين أيضاً".أما العلويّون في جبل محسن، فيسمعوننا مقاطع من خطب لمشايخ المساجد تدعو الى &laqascii117o;الجهاد" ضد العلويين واستئصالهم وطردهم من طرابلس، الامر الذي كان محلّ اعتراض المفتي الشعار واستنكاره، على حد قولهم ايضاً.من باب التبانة الى جبل محسن، الذي بدا أكثر هدوءاً، كما يفيد أهله من موقعهم الجغرافي المطل على الاحياء السنية. يلمس زائر جبل محسن ان الصور نفسها في باب التبانة، وهي تتكرر في المحلتين: منازل كثيرة تكتظّ في هذا الحي الفقير الذي تزيّنه أكوام النفايات على جوانب الشوارع.اتخذت وحدات في الجيش اللبناني سلسلة من المراكز والنقاط في وسط أحياء جبل محسن وعلى مداخله، ويكرّر الأهالي انّ &laqascii117o;ثمّة تعليمات من قيادات الحزب العربي تشدّد على التعامل الإيجابي مع الجيش".وتعبّر أم لعائلة مؤلفة من خمسة اولاد عن عدم اطمئنانها لمَسار الأوضاع في طرابلس، وتسأل: &laqascii117o;الى متى سنستمرّ في العيش هكذا؟ نريد تأمين حياة محترمة لأولادنا".في هذا المنزل العلوي المتواضع زحمة أطفال، واللافِت هو رَفع صوَر للسيد المسيح والسيدة العذراء في الصالون. وتقول صاحبة الدار: &laqascii117o;نحن لا نعرف التفرقة، ونقول للجميع، ولا سيما جيراننا في طرابلس، اننا نريد العيش في وئام. ونناشد نوّاب طرابلس والمرشحين للانتخابات، أن يخففوا من تصريحاتهم الاستفزازية حيال أهالي جبل محسن".يتحدث &laqascii117o;أبو أحمد" الناشط في الاحياء العلوية بزَهو عن وقفات شبابه في المواجهات، ويؤكد &laqascii117o;أننا لا نريد قتال أحد، ولسنا ورقة في أيدي هذه الجهة أو تلك، والايام ستثبت هذا الامر حتى لو جَمعوا كل السلفيين لمواجهتنا".ويؤيّده الشاب حسين داعيا إلى &laqascii117o;ترك الامر للجيش، ولدينا كامل الثقة بهذه المؤسسة".ويروي رجل خمسيني: &laqascii117o;يتهموننا بأننا ننفذ سياسة السوريين في طرابلس، ولكن نَسي هؤلاء (سياسيون ونوّاب طرابلسيون) كيف وَقفوا، بل وقف الى جانبهم (نائب الرئيس السوري السابق) عبد الحليم خدام (ووزير الداخلية الراحل) غازي كنعان، وهل هي العدالة والديموقراطية ان يطالب البعض بتهجيرنا من طرابلس؟"ويسأل: &laqascii117o;من يتحمّل مسؤولية تهجير العلويين من طرابلس؟ وهل مصلحتنا نحن الـ50 ألف شخص ان نقاتل 500 ألف؟ لذلك، نحن ندعو الى العيش معاً في هذه الارض العزيزة على قلوبنا، ولن نسمح لأحد بالتشكيك في لبنانيتنا".بعد هذا النهار الطويل، يخرج زائر باب التبانة وجبل محسن بحصيلة مَفادها أن الاهالي يعيشون وسط هدنة هَشّة معرضة للاهتزاز، لأن الثقة مفقودة بين أبناء المحَلّتين، الذين تجمعهم الهموم والهواجس نفسها.ولا يُخفى على مَن يصل الى هاتين الضفّتين، المتشابهتين الى حدٍّ كبير من حيث الهموم والحرمان والاهمال والفقر المدقع، الصراع القائم بأشدّ صوره قتامة وبشاعة وخطورة، ما يثير مخاوف من جولة جديدة من العنف والدم انعكاساً للازمة السورية.وفي هذا الاطار، تُطرح تساؤلات كثيرة، بدءا بالجهة المسؤولة عمّا حصل وقد يحصل، مرورا بالمستفيد مما يجري، وصولا الى تساؤلاتٍ عن نتيجة الاحتقان المتصاعد بين الطرفين...وفي حين رفض نائب الأمين العام للحزب 'العربي الديموقراطي' رفعت علي عيد اعطاء أي تصريح، يقول مصدر مقرّب من الحزب أنّ 'حرب الثمانينات لم تشهد الأحقاد المتوارثة اليوم'، ويصف الوضع في المدينة بـ'السيّئ'، مؤكداً أنّ 'الصراع اليوم هو صراع سياسي بامتياز'. ويضيف: لن نقبل كعلويين أن نكون 'فشّة خلق'.ويرى المصدر أنّ 'السلفيين يتطاولون على الجيش اللبناني ويتهمونه بالخيانة والتآمر عليهم'، لافتاً الى أنّ 'هؤلاء يؤكدون أنهم لن يتردّدوا في الهجوم وضرب الجبل، اذا دخل الجيش الى وادي خالد'.واذ يلفت الى أنّ 'جوهر المشكلة يتخطّى عنوانها العريض سنّي – علوي، ولم يعد خافياً على أحد أنّ ثمة طرفين في العالم العربي، الأول يمثّل المقاومة، والثاني يعمل وفق أجندة المشروع التقسيمي الذي يريد تجزئة المجزّأ في المنطقة'، يقول إنّ 'أجهزة مخابرات عالمية وعربية ومحلّية مشبوهة تتعامل مع الأميركيين والاسرائيليين'.وعن الانعكاسات المحتملة اذا سقط النظام السوري على الوضع بين باب التبانة وجبل محسن، يجيب: 'في تلك الحال، سوف تسقط المنطقة العربية بأكملها في المجهول، وحينئذ سيكون من تحصيل الحاصل ان تشتعل في كل الامكنة ومنها طرابلس، لأن هذه الفرضية لا تتعلّق بنظام فحسب، بل تتعلّق بمصير حلف يضم ايران وروسيا والصين ودول اميركا اللاتينية والبرازيل والعراق وسوريا ولبنان'.وإذ يؤكد المصدر أنّه 'إذا ما تطوّرت الأوضاع بين الطائفتين السنية السلفية والعلوية، فسيمتدّ ذلك تلقائياً على سائر الطوائف، يسأل: 'هل يترك المسيحيّين في شأنهم من يعمل على تطهير طرابلس من العلويين سعياً لإنشاء إمارة إسلامية؟'يتابع: 'رأينا النموذج في العراق حيث هُجِّر 700 ألف مسيحي، ونرى النموذج في مصر، مثل ذلك يجعل رقاب كل الأقليات تحت السكين، وحتى اخواننا الدروز والأقليات كلها، رقابها تحت السكين. لا يعتقدنّ أحد من الأقليات بأنه مستثنى، او يقول إنني اميل الى فلان وهو يحميني، لا احد يحمي أحداً. اثبت التاريخ أنّ الأقليات مجتمعة مع بعضها تشكل نوعا من الحماية لبعضها'. ويعتبر أنّ 'اجمل ما في ازمة سوريا هو انه اذا فرطت الأمور فسيدفع الكل ثمناً، وليس من مصلحة احد الحركشة اكثر من ذلك. والأميركيّون لن يحزنوا علينا أبداً'.ويكشف المصدر أنّ 'هناك أطرافاً إسلامية بدأت تنشط بشكل كثيف في عكار وطرابلس وتقول عنّا وعن أهالي جبل محسن أننا نقوم بتجديد ولائنا للرئيس بشار الأسد، وهذه ليست تهمة، فنحن لا نخجل بذلك، بل نؤكد ولاءنا للرئيس الأسد ولحركة حماس ولجميع قوى الخط المقاوم، وهذا الولاء أفضل من أن يكون ولاؤنا للاميركيّين ولمن يقسمون المنطقة العربية ويتسبّبون بالفتنة المذهبية'. ويشير الى 'المحاولات التحريضية المتكرّرة التي يعمد اليها السلفيّون، بدءا بالأئمة الذين يستغلّون الجوامع للتعبئة المذهبية، مرورا بالأعمال الاستفزازية التي يلجأ اليها الشباب السلفيّون لافتعال مشاكل فردية تؤدي في معظم الأحيان الى الضرب والاقتتال وقد يتطوّر الوضع أحيانا الى إطلاق نار'. ويضيف: تابعنا تظاهرات القوى الإسلامية التي وجّهت فيها شتائم للطائفة العلوية، ولكن لن نردّ، فليس لنا مصلحة في إثارة أي إخلال بالأمن، إلا أننا نؤكد لهم بأننا لسنا خائفين من مواجهتهم، 'ما بيطلع منن شي إلا الغدر ووجع الراس'، وكل ما نريده هو العيش بسلام وحرّية وأمان للتمكن من تربية أطفالنا في أجواء سليمة وصحّية، ومن يريد أن يحارب النظام في سوريا، فليذهب الى سوريا ويواجهه ويدعنا وشأننا'.ويعتبر الحزب العربي الديموقراطي أنّ 'الكرة في ملعب الجيش اللبناني والسلطة التي تملك القدرة على اجتثاث المشكلة من جذورها والمحافظة على أمننا وسلامتنا، وإلا فستستمرّ المعاناة من توتّرات أمنية متلاحقة، وفي حال تلكأت مؤسسات الدولة عندها سنكون بالمرصاد'، مؤكداً تضامنه مع الجيش.
موقف التبانة
في المقابل، تلفت فعاليات منطقة التبانة الى أنّ 'هناك عددا كبيرا من أبناء هذه المنطقة، قتلوا في مجزرة وقعت خلال عام 1986 يقدّر بنحو 600 الى 700 قتيل وهناك عدد لا يزال حتى الآن في المعتقلات السورية وبعضهم مفقود منذ حينه، ومنهم من قتل تحت التعذيب، ومنهم من أعدم'. وتقول: 'اذا سقط النظام لن نفتح اي معركة مع جبل محسن، بل ستكون معركتنا مع القضاء اللبناني لاسترداد حقوق الشهداء والمعتقلين من ابناء هذه المنطقة على غرار ما حصل مع حزب الله بعد تحرير الجنوب من الاسرائيليين'.وترى أنّ 'هناك اطرافا تعمل على إثارة البلبلة في التبانة، واتهموا طابورا خامسا بأنه يعمل على توتير الاجواء من خلال رمي القنابل ليلاً'، وتشدّد على أنّ 'أهالي وفعاليات التبانة متمسّكون بالعيش المشترك وليس لهم مصلحة في عودة المواجهات الى مناطقهم، لا سيّما أنّ هناك منازل تضرّرت بشكل كبير جرّاء الأحداث الأخيرة، ولغاية الآن لم يتمّ التعويض على الأهالي المتضرّرين الذين لم يحصلوا الا على الوعود الكاذبة'. وتضيف: 'نحن لا نفكر في ان نقتلع الطائفة العلوية من هنا وليس لدينا اي تنظيم يفكر في هذا الأمر، لكن للأسف الاخوان في الطائفة العلوية يربطون مصيرهم بمصير شخص بشار الاسد. نتفهم هواجس الطائفة العلوية في لبنان، لكننا لا نتحمّلها وليس عندنا اي شيء ضدّهم، لكن عليهم ان يحفظوا مشاعرنا، وعندما يطلقون النار ابتهاجاً بخطاب للأسد، فهُم لا يحفظون مشاعر جيرانهم، ونحن جماعة نخاف الله ونريد ان نتعايش مع كل الطوائف'.وتؤكد الفعاليات حرصها على الامن والاستقرار وتدعو القوى الامنية الى 'الضرب بيد من حديد كلّ من تسوّل له نفسه تعكير الاجواء الامنية في مناطق التبانة او القبة'.وتشير المصادر إلى أنّ 'باب التبانة -وفق تقارير دولية- هي المنطقة الأفقر في العالم، وهي تعاني من فقر وبطالة وتسرّب مدرسيّ بنسبة كبيرة، وهذه الأمور تساهم -إضافة للشحن المذهبي والسياسي- في حصول توتّرات واشتباكات مسلّحة'.
علوش: امكانية الحرب واردة
يصف عضو المكتب السياسي في 'تيار المستقبل' النائب السابق مصطفى علوش الوضع في باب التبانة- جبل محسن بأنه 'على حالهويحوي تشنّجاً قائماً منذ أكثر من ثلاثة عقود'، مؤكدا أنّ 'امكانية اندلاع حرب موجودة بشكل دائم، ومن يقف وراء هذه الأحداث هم النظام السوري وأدواته أولاً، والجهة المتضرّرة من التقارب العربي أي إيران وحليفها حزب الله'.ويشدّد علوش على أنّ ' قرار التفجير هو قرار سوري في العادة، وسياسي لا شعبي'، مشيرا الى أنّ الحزب العربي الديموقراطي هو أحد أدوات النظام السوري، يحرّكهم حين يشاء وهم بانتظار أوامر المخابرات السورية وتعليماتها للتصرّف'.
كبّارة: لا مشكلة
من جهته، لا يوافق النائب أحمد كبّارة على أنّ ثمة مشكلة حقيقية بين جبل محسن وباب التبانة، ويعتبر أنّ 'هذا الملف مع الأسف، يتحرك بقرارات سياسية من خارج المدينة'، وإذ يؤكد أنّ 'أجهزة مخابرات تلعب بالساحة في طرابلس'، يلفت الى أنّه 'صحيح أنّ هناك مؤيّدين للشعب السوري وآخرين للنظام السوري، وهذا متناقض، لكنه لا يدفع الناس للاقتتال، وبالتالي حين تنتهي العملية، لن يحدث اي مشكل'.وعن ردود الفعل الانتقامية يقول: 'لن تحدث، ولا سيّما اذا كان ثمة حضور واع للدولة وللاجهزة الامنية، فالامن الاستباقي يحول دون حدوث اي شيء، والناس يعرفون انه ليس هناك مصلحة لأحد ولا للمدينة الآن في أن ينجرّوا الى التقاتل، ولو وجُد من يحرّك الناس عن غباء فلا يفترض ان ينجرّ الناس وراءه'.مصادر سياسية متابعة، ترى أنه في ظلّ المحاولات المتلاحقة لجرّ 'الشمال تحديداً' إلى فتنة لا يريدها، يبقى دور الجيش هو الأهم في كبح جماح بعض من يريد تعكير صفو الأمن، ويبرز أيضاً دور القوى السياسية المتواجدة في مناطق التوتر في الاحتكام إلى الهدوء لمنع التصعيد والانجرار إلى ما لا تحمد عقباه.


- 'السفير'
ضعف استعراض القوة ضد إيران
سمير كرم:

وصل استعراض القوة من جانب الولايات المتحدة واسرائيل ضد ايران مستوى أعلى مما كان في أي وقت مضى.
مع ذلك فإن متابعة هذا الصعود في مستوى استعراض القوة الى حد الايحاء بأن مهاجمة ايران عسكريا ـ سواء من جانب الولايات المتحدة أو اسرائيل أو هما معا - أصبحت وشيكة، وان العالم سيصحو في أحد الايام القادمة ليعرف ان الهجوم قد بدأ، تفقد صدقيتها مع مضي الايام والاسابيع والاشهر. أصبح واضحا ان العالم يتخذ الآن موقفاً غير المصدق لهذه التهديدات المتتالية.
كذلك، فإن تصاعد التهديدات ضد ايران يرافقه تصريحات غير منسوبة الى أصحابها غالبا، بأن ثمة خلافات تتسع بين الولايات المتحدة واسرائيل بشأن هذا الهجوم نفسه. فقد تكررت في الاشهر الاخيرة، التصريحات الاميركية، بأن اميركا الرئيس اوباما تنصح اسرائيل بعدم الإقدام على مثل هذا الهجوم. وتكررت في الوقت نفسه داخل اسرائيل التصريحات التي تصدر عن مسؤولين يفترض انهم لا بد ان يشاركوا في إصدار قرار الهجوم حين يحين موعده بأن اسرائيل ليست مستعدة تماما للقيام بهذه الخطوة.
ويرافق هذا التردد الواضح - في جانبيه الاميركي والاسرائيلي - ارتفاع منسوب المعارضة ضد هذا الهجوم، سواء داخل الولايات المتحدة أو داخل اسرائيل. وتأتي هذه المعارضة الآخذة في الاتساع من جانب مسؤولين حاليين ومسؤولين سابقين، ولكن أكثرها يصدر من مراكز الابحاث المتخصصة ومن المعلقين في الصحافة والإعلام. مع ذلك يستمر المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون في إصدار تصريحات تترك انطباعا بأن الاستعدادات الحربية لهجوم على ايران تبلغ الآن أقصى درجاتها.
وليس خافيا بطبيعة الحال ان الولايات المتحدة واسرائيل تتذرعان بخطورة البرنامج النووي الايراني على استقرار الشرق الاوسط، بل استقرار العالم كله وسلامه، لتهيئة الرأي العام العالمي لحرب شاملة على ايران.
في هذا الوقت تستمر ايران في تأكيداتها التي لم تتغير خلال السنوات الاخيرة بأي حال تنفي أي طابع عسكري للبرنامج النووي الايراني. كما تستمر ايران في اتخاذ مواقف إيجابية بشأن المفاوضات بينها وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو بينها وبين الامم المتحدة في مجموعها، أو بينها وبين أميركا وأوروبا على وجه التحديد. يدعم هذا الموقف الايجابي من جانب ايران تأييد صريح وقاطع لإيران من جانب روسيا والصين ومن جانب عدد لا يستهان به من دول العالم التي تربطها علاقات تعاون وصداقة مع ايران.
وقد ظهرت نغمة جديدة في التهديدات التي توجه الى ايران في الايام الاخيرة، مفادها أن ايران تهدد بشن هجمات داخل الولايات المتحدة، وان ايران تنوي شن هجمات على اهداف اسرائيلية في مواقع مختلفة في أنحاء العالم. والواضح في هذه الاضافات الى مبررات مهاجمة ايران، ان التلازم بين الاتهامات والتهديدات ضد ايران يبدو أكثر وضوحا، حتى ان التناقض الصارخ في عناوين الصحف الاميركية والاسرائيلية، والصحف التي تنقل عنها، لا يمكن أن يفوت من يتابع: &laqascii117o;اسرائيل تستعد لتوجيه ضربة عسكرية لإيران بعد مشاورات لرئيس الموساد في واشنطن.. مدير المخابرات الاميركي يتحدث عن تهديدات ايرانية متزايدة بالهجوم على الاراضي الاميركية.. كشفت القناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي ان رئيس جهاز المخابرات /الموساد تامير باردو التقى يوم الاحد قبل الماضي في واشنطن عددا من كبار المسؤولين في الادارة الاميركية وبحث معهم كل ما يتعلق بإمكانية قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران". وقالت صحيفة واشنطن بوست الاميركية ان المسؤولين الاسرائيليين على الرغم من ترحيبهم بالعقوبات الجديدة على ايران إلا انهم يعتقدون انها تحد من قدرة اسرائيل على اتخاذ إجراء عسكري ضد ايران، وان الاسرائيليين يرون ان فرصة العمل العسكري تتراجع بسبب نقل ايران المزيد من تجهيزاتها الى مخابئ تحت الارض. لكنهم يقولون انه يتعين على تل ابيب ان تهاجم ايران قبل الصيف القادم اذا أرادت ان يكون هجومها مؤثرا. وقالت صحيفة &laqascii117o;الاندبندنت" البريطانية ان تل أبيب تستعد لمواجهة عسكرية مع ايران لمنع طهران من السعي لامتلاك سلاح نووي، وان اسرائيل جهّزت وحدة متخصصة للعمليات العسكرية الخاصة للعمل في العمق خلف خطوط العدو (ايران) يقودها الجنرال شاي افيتال القائد السابق لإحدى وحدات الكوماندوز.
في الوقت نفسه أكد جيمس كلابر مدير المخابرات الوطنية الاميركية، وهي غير وكالة المخابرات المركزية (السي.آي.اي.)، في تقريره السنوي الى لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الاميركي، ان ايران في طليعة التهديدات التي تواجه الامن الوطني الاميركي. وأضاف كلابر، ان الايرانيين هم الآن أكثر استعدادا للقيام بهجوم على الولايات المتحدة. وقد جاءت هذه التصريحات والمعلومات من الجانبين الاميركي والاسرائيلي في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه وكالة الطاقة الذرية الدولية انها أجرت في ايران محادثات وصفتها بالطيبة وجرت في مناخ إيجابي وبناء. وقال هيرمان ناكاريتس كبير مفتشي الوكالة ان ايران ملتزمة بالتعاون.
وليس خافيا ان الولايات المتحدة واسرائيل تريدان بهذه التصريحات - المناقضة لما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية - وضع مبررات إضافية لخطط مهاجمة ايران عسكريا لكي لا يبدو انهما تهددان ايران فقط بسبب برنامجها النووي. وليس خافيا ايضا ان الولايات المتحدة واسرائيل تريدان طمس الحقيقة الرئيسية في هذا الموقف المعقد كله، وهي ان اسرائيل تملك مئات من الأسلحة النووية وتريد الاستمرار في احتكار ملكية هذه الاسلحة وتدافع اميركا عن هذا الوضع بكل ما تملك من قوة. ولكن ليس خافيا ايضا ان هذه الذرائع الاضافية عن تهديدات ايران انما تقصد الى تزويد الدول العربية بمبررات لكي تؤيد مهاجمة ايران بعيدا عن البرنامج النووي.
ان الولايات المتحدة بصفة خاصة ترصد مواقف العرب من هذه القضية وتعرف جيدا ان الشعوب العربية لن تؤيد شن هجمات عسكرية على ايران بسبب برنامجها النووي ما دامت اسرائيل تملك أسلحة نووية. وبصفة خاصة فإن المسؤولين الاسرائيليين يظهرون قلقا واضحا من احتمالات تطور الموقف المصري من تأييد صريح في عهد النظام القديم برئاسة حسني مبارك الى معارضة صريحة بل مقاومة فعلية لسياسة العدوان العسكري على ايران في الحقبة الجديدة التي بدأت بثورة 25 يناير 2011. ان انشغال مصر الثورة بأحداثها الداخلية لن يمنعها من اتخاذ موقف مؤيد لإيران على الرغم من - وبالاحرى بسبب - ضغوط أميركية تمارس على مصر لاتخاذ موقف مؤيد لأميركا واسرائيل ضد ايران. لقد أصبح مؤكدا ان هذا الموضوع دخل على جدول المفاوضات التي أجراها الوفد المصري العسكري الذي زار واشنطن اخيرا والذي تركزت محادثاته فيها مع القادة الاميركيين عسكريين ومدنيين على مواضع الخلاف بين القاهرة وواشنطن.
ان واشنطن تعرف - وكذلك تل أبيب - ان للتيار الثوري الجارف الآن في مصر موقفا مغايرا تماما لموقف النظام القديم بشأن اسرائيل وبشأن ايران، وهو موقف يدعو الى دعم العلاقات المصرية - الايرانية، والى رفض أي اعتداء اميركي أو اسرائيلي على ايران، مهما كانت التبريرات من جانب اميركا أو من جانب اسرائيل. وقد اكد الجنرال افيف كوشافي مدير المخابرات العسكرية الاسرائيلية (امان للاختصار) ان الشرق الاوسط يعيد الآن اكتشاف قدرته على التعبير وانه يحول هذه القدرة الى قوة سياسية. وقال ان مصر ستواصل القيام بدورها المحوري في اعادة تشكيل المنطقة.
وقد جاءت هذه التصريحات من رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية في مؤتمر &laqascii117o;هيرتزيليا" الذي يعقد في اسرائيل سنويا، ويتركز في الوقت الحاضر على التغييرات الاقليمية والتطورات الناتجة من الربيع العربي، وكذلك على الاخطار التي تشكلها ايران. وقال الجنرال كوشافي أمام المؤتمر ان هناك &laqascii117o;مكونات جديدة في الشرق الاوسط من شأنها ان تجعل القادة السياسيين يدركون ضرورة الاستماع الى شعوبهم بعد ان اكتشفت (الشعوب) قوتها في إطاحة النظم وإعادة تشكيل الخريطة السياسية".
ولم يكن هناك ما يدعو للدهشة إزاء ما قاله باتريك كلاوسون الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى - وهو معهد يشكل الآن ذروة في قوة اللوبي الصهيوني في اميركا في مجال السياسة الخارجية على وجه التحديد - من ان &laqascii117o;اسرائيل تهاجم ايران منذ عامين". أي ان اسرائيل لم تكف طوال العامين الماضيين عن الحديث عن مهاجمة ايران. في الوقت نفسه قال الان غريش رئيس تحرير صحيفة &laqascii117o;لوموند دبلوماتيك" الفرنسية انه من الصعب استيعاب استراتيجية الرئيس الاميركي اوباما تجاه ايران والتي تتسم بالتناقض. وأضاف ان الولايات المتحدة دائما تعرب عن تضامنها التام مع اسرائيل وتصميمها على منع ايران من امتلاك القنبلة النووية، ثم يأتي تأجيل المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة واسرائيل وتأتي إدانة وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون لعملية اغتيال العالم النووي الايراني روشان، فضلا عن تقديم أجهزة المخابرات العالمية ومنها الاميركية معلومات تفيد بتورط المخابرات الاسرائيلية (الموساد) في قتل العلماء النوويين الايرانيين لتجعل الامر أكثر غموضا.
في الوقت نفسه تناقضت تصريحات وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا بشأن البرنامج النووي الايراني. في الثاني من كانون الاول/ديسمبر الماضي قال ان ايران ستكون قادرة خلال عام واحد على انتاج أول سلاح نووي لها، وعاد في الثامن من كانون الثاني /يناير الماضي فنفى ان تكون ايران راغبة في صنع قنبلة نووية (...) وقد عزا بعض المراقبين الاميركيين هذا التناقض في الموقف الاميركي الى عدة عوامل، اولها الاعتبارات الناشئة عن حملة انتخابات الرئاسة الاميركية التي تراوح فيها مركز الرئيس اوباما في استطلاعات الرأي بين الصعود والهبوط. وأما العامل الثاني فهو التركيز الاميركي في الفترة الاخيرة على اوضاع منطقة الخليج في ضوء التطورات المتلاحقة في منطقة الشرق الاوسط ككل. وأما العامل الثالث فإنه يتمثل في تردد الرئيس الاميركي بين مهاجمة ايران والدخول معها في مفاوضات. ويبقى العامل الرابع وهو المتعلق بتطرف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وميله الى مهاجمة ايران مع انتظار ضوء اخضر صريح من الرئيس الاميركي الذي لا تسمح ظروفه الانتخابية بتأييد مهاجمة ايران، وان كان يجد نفسه مرغما على إظهار اقصى درجات التأييد لإسرائيل حرصا على الصوت اليهودي الذي يلعب - كما يعتقد كثيرون - دورا فارقا في نتائج الانتخابات الاميركية.
ان سياسة استعراض القوة ضد ايران تتحول تدريجيا الى سياسة استعراض الضعف، ولا نملك ان نعتبر ذلك إلغاء لاحتمال وقوع هجوم على ايران من جانب احداهما أو كليهما، لان سياسة استعراض القوة حتى في ظروف الضعف كثيرا ما دفعت الولايات المتحدة الى شن الحرب والتورط في صراع قد يطول.
الامر المؤكد ان ايران تكتسب مزيدا من التأييد من شعوب المنطقة والعالم، بما في ذلك الشعب الاميركي نفسه. وهي بحسابات القوة والدفاع قادرة على التصدي للهجوم مستعدة له في كل الاوقات.


- 'السفير'

جوانب من مشهد الحرب على إيران
حسين غباش:

إلى جانب احداث سوريا الجسام، تبقى الأنظار شاخصة على منطقة الخليج. وإيران هي محور منطقة الخليج اليوم. أيا كانت نتائج الأحداث السورية فستكون لها تداعياتها المباشرة على المنطقة. ربما على قرار الحرب أو السلم. وما عمليات كسر العظم الجارية في سوريا إلا جزء أساسي من تلك الحرب غير المعلنة بين محورين يتحدد مستقبلهما على تنائجها.
مر أكثر من عامين على ارتفاع اصوات طبول الحرب المزمعة على إيران، بحجة وضع حد لطموحها ونشاطها النوويين. تعلو الاصوات تارة وتنخفض أخرى، لكنها مستمرة بنبرات مختلفة. وبالمقدار ذاته يرتفع منسوب الاحتقان والتوتر اللذين وصلا حدهما الأقصى في المنطقة، وأضافا إلى أزمتها الاقتصادية شللا أصاب التنمية في العمق. الاساطيل وحاملة الطائرات، تجوب مياه الخليج الملوثة، والاستعدادات العسكرية الاخرى قائمة في قواعدهم على الجانب العربي منه. هناك 40 ألف جندي أميركي في الخليج بالإضافة إلى 90 ألف آخر في افغانستان يمكن زجهم في لهيب نار أخرى.
وتتصاعد، إلى جانب ذلك، تصريحات العدوان، ومعها الأسئلة المكررة إياها. هل ستبدأ الولايات المتحدة الاعتداء أولا، أم اسرائيل؟
هل ستقصف اسرئيل المنشآت العسكرية والمواقع النووية، وبعدها تنجر الولايات المتحدة إلى الحرب مدفوعة بقرار من الكونغرس الصهيوني في واشنطن، أم ستشترك الاثنتان معا؟ وماذا عن الغرب، هل سيشارك هو الآخر فيها منذ البدء أم سيلحق بهما في ما بعد؟ هل سيتم توجيه الضربة في الربيع أم في الخريف؟
لكن كل الأسئلة تتعطل عند سؤال واحد، كيف سيكون رد طهران؟
كل الدلائل على الأرض، ترجح احتمالات الحرب، بيد أن المعطيات المنطقية، والعقلية، تذهب عكس ذلك. فلا الوضع الاقتصادي الأميركي الذي يعيش أسوأ مراحله في القرن العشرين يسمح بذلك، ولا الوضع الأوروبي الذي دخل حالة ركود طويلة هو الآخر قادر على تحمل ارتدادات الحرب ونتائجها عليه.
لكن، هل الحروب الامبريالية تقوم على حسابات منطقية؟ طبعا لا، هي لا تقوم إلا وفق حسابات المصالح الامبريالية. لا حسابات، لا تقديرات أخرى، أكانت إنسانية أو أخلاقية، تعلو على المصالح الامبريالية، خصوصاً أن المؤسسات المالية والاقتصادية والعسكرية ذاتها، ومراكز الأبحاث، التي اتخذت قرارات الحرب على فيتنام وافغانستان والعراق والحروب الجانبية الأخرى، هي ذاتها الفاعلة والمؤثرة على القرار السياسي الأميركي. والقرار الأخير هو، بالطبع، بيد المجمع المالي العسكري.
ثمة إجماع على أن الحرب على ايران سوف تفجر المنطقة كلها. ودراسات المعاهد الاستراتيجية الغربية الجادة تؤكد ذلك. والسيناريو الأكثر ترجيحا لمشهد الحرب هو الآتي:
إن أول رد لإيران، على الساحة الخليجية، سيكون موجها إلى القواعد الأميركية، فهي الأهداف الأولى. ومنها قاعدة العديد في قطر، الأسطول الخامس في البحرين، والقاعدة الجوية في الإمارات. ومن يعرف القدرات العسكرية الإيرانية يدرك أن هذه الأهداف يمكن تحييدها وشل فعاليتها.
التطور الكبير للحرب سيبدأ بإغلاق مضيق هرمز. وهو منعطف خطير ستفرضة مقتضيات الحرب. ومن المتوقع أن يصل سعر برميل النفط الى 300 دولار أو يزيد. وإن حدث ذلك فعلا فستطال تداعيات الحرب العالم بأسره.
من الجانب الآخر، ستقوم انتفاضة مسلحة في المنطقة الشرقية من السعودية. وفي الوقت ذاته، ستنفجر انتفاضة في البحرين، قد تتمكن، وفق بعض الدراسات، من إسقاط عائلة آل خليفة في المنامة.
على المستوى العربي، من المتوقع ان تدخل سوريا الحرب وكذلك سيفعل حزب الله. وإن دخلت سوريا مجبرة فسيدخلها حزب الله متطلعا إليها. فكيف لاسرائيل ان تتحمل أكثر من نصف مليون صاروخ موجه إلى تل أبيب من إيران وسوريا ولبنان؟
هذه مجرد خطوط عريضه لمشهد الحرب المفترضة. وفي الحروب الكبيرة كل الاحتمالات واردة. لكن تبقى الأسئلة الكبرى عن موقف دول الخليج الصغرى. هل لها حقا أي رأي في مصيرها، في قرار الحرب والسلم في محيطها الإقليمي؟ ألا ترى الخطر الداهم عليها؟ ثم ماذا عن أولئك الذين يدفعون باتجاه الحرب؟ ألن يكونوا مجرد أدوات لها؟ وهل حقا بإمكانهم تحمل نتائجها؟ بل هل ستظل هذه الدويلات، المركبة حديثا، في مكانها، وكيف، إن اشتعلت هذه الحرب الكونية واستمرت شهرا واحدا مثلا؟ ليس مؤكدا أن الحرب قائمة لا محالة، لكن ما هو مؤكد فعلا، إن قامت، فإن خرائط جيوسياسية ستتغير حتما.


- 'السفير'
البعد الاستراتيجي للصراع على سوريا في مجلس الأمن
مسعود ضاهر:
 
في الرابع من تشرين الأول 2011 سقط مشروع قرار تقدمت به فرنسا والمانيا والبرتغال وبريطانيا إلى مجلس الأمن لإدانة سوريا بعد فيتو مزدوج من الصين وروسيا. فأعربت تلك الدول عن خيبة أملها لأن الفيتو منعها من معاقبة النظام السوري على جرائمه. لكن موقف روسيا والصين فضح خضوع المنظمة الدولية منذ سنوات طويلة إلى القطب الأميركي الأوحد الذي يطالب بتشديد الضغوط الدولية على النظام السوري لإجبار رئيسه على التنحي.
أثبت الصراع على سوريا في مجلس الأمن أن المنظمة الدولية لم تعد أسيرة الهيمنة الأميركية، وهي الآن أمام اختبار جديد قد يضطرها إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة بعد بروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وبرز تساؤل مزدوج:
أ-هل يحق لمن يمتلك قرار الفيتو في مجلس الأمن الاستمرار في تعطيل عمل المنظمة الدولية؟
ب- وهل تستمر الولايات المتحدة في سياسة الكيل بمكيالين في المنظمة الدولية نفسها؟ ولماذا تعتبر الفيتو الصيني أو الروسي مخزيا ويعطل الشرعية الدولية ما دامت قد استخدمته عشرات المرات لحماية إسرائيل من العقوبات الدولية ومنعت الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم المشروعة التي ضمنتها لهم الشرعية الدولية؟ ورغم موافقة أكثر من مئة وثلاثين دولة على قبول عضوية دولة فلسطين كاملة فيها، لماذا تهدد أميركا باستخدام الفيتو لمنع قيامها؟
كشف الصراع على سوريا أن التحالف الروسي الصيني في مجلس الأمن قد يعيد التوازن لدور الأمم المتحدة في حماية السلام العالمي. وتلاقى الروس والصينيون على منع قوات الناتو من احتلال سوريا بالقوة العسكرية. فلسوريا موقع استراتيجي هام، وانهيارها يؤدي الى حرب أهلية مدمرة تهدد منطقة الشرق الاوسط بأكملها. ويحتاج الشعب السوري إلى إصلاحات فورية تنفذ تدريجيا من خلال حوار مسؤول بين قوى السلطة والمعارضة، وذلك برعاية الأمم المتحدة. ولا يجوز أن تتخلى المنظمة الدولية عن دورها في إيجاد حلول عقلانية لمشكلات دولية تهدد السلام العالمي.
طالبت الصين وروسيا مرارا بدور فاعل لمجلس الأمن في إيجاد حل سلمي لمشكلات الشرق الأوسط، لكن تعنت إسرائيل المدعومة أميركيا، عطل دور الأمم المتحدة، وأثبت عجز المنظمة الدولية عن جمع اطراف النزاع على طاولة المفاوضات المتوقفة منذ زمن بعيد. فتراجعت صدقيتها بعد أن قدمت التغطية لحرب أميركا على العراق وأفغانستان وليبيا. وبإسقاط النظام السوري تتحول منطقة الشرق الأوسط إلى بحيرة للنفوذ الأميركي - الإسرائيلي.
حثت روسيا والصين المجتمع الدولي على التمسك بميثاق الأمم المتحدة القاضي بإلزام جميع دولها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. على أن تدعو القوى المتناحرة إلى تجنب العنف لمنع وقوع المزيد من النزاعات الدموية. وطالبتا الحكومة السورية القيام بإصلاحات عاجلة، على أن يحتضن المجتمع الدولي مناخا حواريا يضمن احترام استقلال سوريا وسيادتها، ووحدة أراضيها. وعلى الأمم المتحدة أن تساهم إيجابا في تسوية الخلافات بين القوى السورية المتنازعة بالطرق السلمية.
بيد أن التدخلات الإقليمية والدولية دفعت الأوضاع في سوريا نحو مزيد التصعيد والتأزم. وسارت الجامعة العربية في معالجتها للأزمة السورية من مأزق إلى آخر. فعجزت عن إيجاد حل مقبول للأزمة السورية المستمرة منذ قرابة العام. وأملت كل من روسيا والصين أن تجد الأزمة السورية تسوية ملائمة في إطار جامعة الدول العربية. وأيدتا الجهود التي بذلتها الجامعة للوصول إلى حل سياسي يضمن الاستقرار في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط. لكن الجامعة تنكرت، ميثاقها الداخلي فقررت تعليق عضوية سوريا في الجامعة كخطوة متسرعة وخاطئة. أما قرار سحب المراقبين العرب، ومن ثم تعليق مهمتهم فهو قرار غير عقلاني. كذلك قرار تعطيل دورها بنقل الأزمة إلى مجلس الأمن.
بعد أن حملت الجامعة الأزمة السورية إلى مجلس الأمن، بدأت منذ 31 كانون الثاني 2012 معركة سجالية حادة داخل المجلس لتقرير مستقبل النظام السوري بدعم خارجي. وبات المجلس ساحة لتبادل الرسائل الدولية في مرحلة حافلة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وغيرها. وتلقى المعارضة الدعم الكامل من غالبية الدول العربية، ومن جامعة الدول العربية وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها. بدوره، يتلقى النظام السوري دعما كبيرا من روسيا والصين. فتقدمت دول عربية وغربية بمشروع قرار مشترك إلى مجلس الأمن الدولي يطالب بتنحي الرئيس السوري وفق سيناريو لحل سياسي في سوريا على الطريقة اليمنية. بالمقابل، قدمت روسيا، بتأييد من الصين، نص مشروع يدين جميع الأطراف السورية لاستخدامها العنف، ويدعو إلى حوار سياسي مباشر لتسوية الأزمة السورية، واقترحت أن يكون الحوار على أراضيها. فرحبت الحكومة السورية لكن المعارضة رفضت مبدأ الحوار، قبل تنحي الرئيس السوري عن السلطة وتسليم مقاليد الحكم إلى نائبه.
تحمست روسيا والصين لمواجهة المشروع الغربي في مجلس الأمن. لذلك تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تغيير مواقفهما الداعمة للنظام السوري. لكنهما تنظران إلى الأزمة السورية في إطار رؤية استراتيجية لحل أزمة الشرق الأوسط لا إلى تفجيرها. وهي رؤية شمولية ذات صلة بالاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمة خانقة تجتاح معظم دول العالم الغربي التي تعاني مشكلات الديون المترتبة على بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ومخاطرها على دول العالم.
وتؤكدان على أن سياسة فرض العقوبات الاقتصادية غير مجدية لأنها تضر بمصالح الشعوب وليس الأنظمة. وليس من صلاحيات مجلس الامن تغيير الأنظمة السياسية في دول أعضاء بالأمم المتحدة. فمثل هذا الموقف يشكل منحى خطيرا يضعف هيبة الأمم المتحدة ويدخلها في صراع المحاور الدولية الكبيرة.
بعد أن وصلت الأزمة إلى مجلس الأمن بات على المجتمع الدولي الاضطلاع بدور ايجابي وبناء لحل الأزمة السورية عن طريق جمع أطراف الصراع لفرض تسوية سياسية شاملة. فسوريا دولة مهمة في الشرق الأوسط. والمحافظة على أمنها واستقرارها يخدم مصلحة شعبها وشعوب المنطقة. ولا بد من حل سلمي للأزمة السورية، ودعم الوساطات التي تقوم بها دول ومنظمات عربية وإقليمية ودولية لإيجاد تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط. فهل ينجح مجلس الامن في منع إصدار قرارات تستخدم ذريعة لتفجير هذه المنطقة؟.


- 'الأخبار'

على الطريق إلى كربلاء: حسين حمود ينجو بـ'رحلة الأربعين'
زينب مرعي:

حسين حمود هو أحد اللبنانيين الذين اتخذوا قرار السفر إلى كربلاء هذه السنة لإحياء &laqascii117o;أربعين الحسين". لم يلتفت إلى تحذيرات الناس والأوضاع الأمنيّة الصعبة في العراق، وقرّر المضيّ في مشروعه، لكن الطريق إلى كربلاء، ليست بالنزهة السهلة.
أربعة مسافرين، هربوا من الجيش العراقي. أصبحوا وحيدين، تائهين عن مجموعتهم، في بلد غريب. على مسافة أربع ساعات من بغداد كان عليهم أن يقرّروا، إمّا الصعود في الباص العائد إلى بيروت أو استقلال ذلك الذي يدنيهم خطوة إضافيّة من كربلاء، لكن العودة إلى بيروت لم تمرّ حتى كفكرة في رأس حسين حمود، أحد المسافرين الأربعة، إذ إنّ &laqascii117o;الحسين" كان قد نادى يوماً، على مقربة منه، &laqascii117o;أما من ناصر ينصرنا!". سمع حمّود النداء في الجوّ، فأصبح الطريق واضحاً بالنسبة إليه. دخول بغداد، ثم إلى كربلاء سِر.حسين حمّود هو واحد من لبنانيين كثر، تجاهلوا تحذيرات الناس، وقرّروا الذهاب منذ أيام إلى كربلاء، لإحياء أربعين الإمام الحسين. كيف كانت رحلته؟ من أصعب ما يكون، فهواء أرض الكرّ والبلاء يلفح كل من يقترب منها. مع ذلك يقول حمّود إنّه لم يندم لحظة على الرحلة، إذ قبل إعداد العدّة لإحياء الأربعين في كربلاء، يتوقّع الزائرون مواجهة مخاطر عدّة، أبرزها التفجيرات التي قد تستهدفهم. ورغم أنّ كثيرين لم يشجّعوه على الذهاب، إلّا أنّ &laqascii117o;الدافع الديني والعقائدي أقوى من الخوف" بالنسبة إليه. &laqascii117o;نحن تربّينا على مجالس أبي عبد الله الحسين وهو قدوتنا، لكننا أيضاً نسعى إلى التقرّب من الله من خلال هذا الإمام". اجتمع حسين مع 99 شخصاً من الأصدقاء وزملاء الكشافة ليؤلّفوا فريقاً ينطلق برّاً إلى كربلاء، لكن الرحلّة بدأت تتعثّر، بمجرّد اجتياز الباصين الأراضي السوريّة إلى العراقيّة. فعلى بعد 120 كلم عن الحدود، أوقف الجيش العراقي الباصين المسافرين ليلاً ومنعهم من المتابعة، بسبب عدم وجود مرافق معهم من إحدى الحملات التي تنظّم رحلات إلى العراق. أُجبروا على التراجع 10 كيلومترات إلى الوراء. تركوهم، من بعدها، في منتصف الليل، في صحراء الأنبار، ليحاولوا الصمود وحدهم فيها حتى الصباح، معتقدين أنّ الصقيع، الذي لم يعرفوا له مثيلاً، هو وحده ما يتهدّدهم في الفضاء المكشوف. أضرموا النار وكنسوا حولها، كي يهيّئوا مكاناً للنوم، متّكلين على الأمل الذي يعود مع الصباح لإيجاد حلّ لمشكلتهم، لكن في الواحدة بعد منتصف الليل، وصلت دوريّة أخرى للجيش لتخبرهم بأنّ المنطقة خطرة جداً أمنياً، ولا يمكنهم أن يبيتوا الليلة فيها. عليهم أن يتراجعوا 10 كيلومترات أخرى إلى الوراء. عندها قرّر أحد الباصات أنّه لم يعد يريد متابعة الرحلة لأن محرّكه توقّف عن العمل! لم يكن لدى الشباب من خيار، سوى دفعه في الصحراء. &laqascii117o;طعم البرد هناك مختلف عن أيّ شيء عرفته من قبل. في اللحظة التي كنت أتنشّق فيها الهواء، كنت أشعر كأنّ رئتيّ تجمّدتا" يقول حسين. عندما وصلوا إلى استراحة &laqascii117o;المدينة المنوّرة" في الأنبار، ارتأى بعض الشبّان الاتصال بأصدقاء لهم في &laqascii117o;مكتب الصدر" لعلّهم يساعدونهم. وبالفعل، حضرت النجدة. &laqascii117o;رجل برتبة عالية في شرطة الأنبار، ظهر أمامنا" يقول حسين. اعتذر من المجموعة وقرّر مساعدتها، فحمل الجيش في ناقلاته جزءاً من المسافرين، بينما تكدّس الباقون في باص واحد.
في ناقلات الجيش المكشوفة عاد البرد ليضرب. شاهد حسين الغطاء على جسد صديقه يتحوّل إلى كرة ثلجيّة. ثم انخفضت الحرارة في جسد زميل آخر له، شارف على الموت برداً لولا أنّهم احتضنوه في الوقت المناسب بعدد من الأغطية وأضرموا النار إلى جانبه، حتى تورّد جسده من جديد، لكن حسين وثلاثة من رفاقه قرّروا أنّهم لن يتحمّلوا المزيد من البرد مع الجيش، فنظّموا عملية هروبهم. ربما كان الهروب أكثر دفئاً إلّا أنّه تركهم وحيدين في بلد غريب. بعد وقت قليل، وجدوا باصاً ينقلهم إلى النجف، حيث عادوا واجتمعوا بأصدقائهم. الخطة التالية كانت في قطع المسافة بين النجف وكربلاء سيراً على الأقدام. تقليد السير إلى كربلاء مرتبط، بالنسبة إلى حمّود أيضاً، باستغاثة &laqascii117o;الحسين" الأخيرة. كان حمود قد اشترى من بيروت حذاءً رياضياً مناسباً للرحلة، &laqascii117o;خفيف ومريح". بين النجف وكربلاء، صحراء كبيرة. يومان من السير على الأقدام، مساجد وحسينيات كدليل وحيد على الحياة، و 1550 عمود إنارة. الأعمدة هذه، هي الشيء الثابت الوحيد في الصحراء التي يقطعها المسافرون.
في &laqascii117o;الأربعين"، يصل النجف بكربلاء، خطّ بشري واحد. يقول حسين إنّ عدد الزوّار قد يصل إلى 18 مليوناً. هي 15 مليوناً بحسب آمال الدين الهرّ، محافظ كربلاء، الذي طلب أخيراً، من لجنة كتاب &laqascii117o;غينيس" التوجّه إلى المحافظة في &laqascii117o;أربعين الحسين" المقبل ليحصوا بأنفسهم الأعداد، ويقنع المشكّكين بصحّتها، وبإدراج كربلاء في الكتاب لكونها تحتضن أكبر &laqascii117o;مهرجان" في العالم.
على الطريق الصحراوي، ينصب العراقيون &laqascii117o;مضافات". أو هي أكشاك صغيرة تهدي المسافرين الماء و&laqascii117o;القيمة" (الطبق التقليدي) والشاي والعصير... عند العمود الرقم 600 دخل حسين إلى أحد المساجد للصلاة، لكنه عندما خرج فوجئ باختفاء حذائه الرياضي! فما كان من أحد أصدقائه إلّا أن أعاره &laqascii117o;مشّاية"، جعلته يفتقد بشدّة حذاءه المريح، إذ إنه بعد وقت قليل، بدأت رجلاه تمتلئان بالثآليل المؤلمة، فدخل النقاط الطبيّة كلّها على الطريق من دون أن يجد له أحدهم الحلّ، حتى أصبحت رجلاه، اللتان غطاهما الشاش الطبي، كجبيرتين ثقيلتين يمشي بهما إلى أرض الطفّ. كل ذلك ولم يفكّر حسين لحظة واحدة في العودة إلى بلده. واصل المسير حتى تمكّن من استقلال &laqascii117o;الستّوتة"، وسيلة التنقّل الوحيدة في كربلاء في ذكرى الأربعين.
&laqascii117o;الحسين لكلّ الناس"
حول مقام الإمام الحسين كانت المواكب تردّد الـ&laqascii117o;لطميّات". يقول حسين: &laqascii117o;كلّ موكب كنّا نمرّ بجانبه، كان يردّد لطميّة بلغة مختلفة"، كأنه انتبه فجأة إلى هذا الأمر &laqascii117o;وفهمنا حينها أن الحسين ليس حكراً على العرب". لا يخفي تأثره لحظة دخوله إلى المقام &laqascii117o;أجهشت بالبكاء كطفل صغير ولا أستطيع أن أشرح السبب". لافتاً إلى أن الجوّ في مقام &laqascii117o;أبي الفضل العباس" مختلف. &laqascii117o;هناك الناس يشعرون بفرح". مجدّداً لا يعرف السبب، &laqascii117o;لكن ربما هناك فرق بين الشعور الذي يبعثه من استشهد بين يدي أخيه، وذلك الذي بقي حتى النهاية ليستشهد وحيداً".


- 'الأخبار'

موسكو أيضاً تدفع إلى التدويل
سلامة كيلة:

لست مع نقل &laqascii117o;الملف السوري" إلى مجلس الأمن، وضد كلّ تدخل سياسي وعسكري من قبل الدول الإمبريالية، بما فيها روسيا، التي لم تعد اشتراكية ولا صديقة للشعوب منذ عقدين. فهي باتت دولة إمبريالية، تنازع عالمياً من أجل السيطرة والنهب. وهي من هذا الأساس، تدافع دفاعاً مستميتاً عن نظام ترى أنّه آخر مرتكزاتها في &laqascii117o;الشرق الأوسط". ولذلك هي ضد مطامح الشعب السوري.
و&laqascii117o;اللعبة" التي مارستها الدبلوماسية الروسية، لكي يصبح الملف السوري ملفاً دولياً تبدو ناجحة إلى الآن. فالضعف الداخلي الشديد

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد