- صحيفة 'الحياة'
قيس قاسم
تحت الشعلة الأولمبية المتقدة في لندن، يتبارى الآلاف من رياضيي العالم للحصول على أثمن الميداليات والألقاب، ويترقب العالم خلال الدورة اللحظات النادرة التي ستُحطم فيها أرقاماً عالمية جديدة. في الوقت ذاته، يحبس المنظمون والإعلاميون أنفاسهم خشية ظهور فضائح تتعلق بتناول بعض الرياضيين المنشّطات الممنوعة، كما حدث في دورات أولمبية سابقة أفسدت فرحة الجمهور، ولبدت بغيومها السوداء سماء ملاعب أريد لها أن تكون ساحات للتنافس الشريف. لهذا السبب، اختارت لندن لدورتها الحالية شعار &laqascii117o;الألعاب النظيفة"، كتعبير عن رغبتها في دورة خالية من المنشطات ومن كل أنواع التلاعب والغش، فهل ستنجح في ذلك؟ وهل سيكف بعض الرياضيين عن تناولها على رغم الإغراءات الكبيرة التي تدفعهم اليها، ومنها: المال والشهرة؟ عن هذا السؤال أعد التلفزيون السويدي برنامجاً خاصاً حول تاريخ داء المنشطات في الحقل الرياضي والدور الذي تلعبه منظمات عالمية للحد منه.
راجع البرنامج تاريخ ظهور المنشطات في الألعاب الأولمبية، عبر واحد من أشهر محاربيها البروفسور السويدي آرن ليونغـــــفيست، الذي يتولى رغم بلوغه الثــمانين منصبَ نائب مدير الوكالة الدولية ضد المنشطات، وتفيد خبرته بأن المنشطات استخدمت في شـــكل محدود منذ بداية تنظيم الألعاب وازدادت في شكل خطيـــر في فترة الحرب الباردة، إذ لعبت ألمانيا الديموقراطية دوراً جديـــداً في عملية تنظيمها، حين حوّلتها من ممارسة فـــردية إلى مؤسساتية تــشرف عليها الـــدولة مباشرة. لقد دفع انتشارها المريع، ليس على مستوى نخبة الرياضيين فحسب، بل على مستوى الهواة والعامة، الى التحرك السريع للحد منها، واعتبارها نوعـــاً من الغش الرياضي يُعرّض متناوليها لعقوبات مشددة قد تحرمهم من اللعب مدى الحياة.
وعن هذة النقطة يدور نقاش واسع يُظهر مدى صعوبة الاتفاق على موقف قانوني وأخلاقي موحد. فبينما يركز بعضهم على معاقبة الرياضي المتناول لها بالدرجة الأولى، كونَه المسؤول المباشر عن هذه الممارسة غير الأخلاقية، ومن خلاله يمكن تضييق دائرة المتسببين فيها، يرى آخرون إن المشكلة ليست محصورة بالرياضي وحده، بل تتعداه الى مدربه وناديه، لذلك يجب توجيه العقوبة لهما أيضاً.
ويذكِّر البرنامج بأكثر حالات سقوط الرياضيين دراماتيكياً في فخ المنشطات، وبينهم العداء الكندي بن جونسون، صاحب الرقم العالمي لجري المئة متر، والأميركية ماريون جونز.
على المستوى التقني يواجه محاربو المنشطات تحديات جمة تتعلق بطريقة كشف نسبتها في أجساد الرياضيين ونوعها، ويعرض البرنامج الطرق الملتوية والحيل التي يلجأ اليها أطباء ورياضيون، في محاولة لتضليل المختبرات وإعاقة عملها.
في جانب ثان، نرى تطوراً مدهشاً في عمل المؤسسات والمنظمات الدولية التي تعمل للحد من الظاهرة والتثقيف بأخطارها الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا نرى تعاوناً بين منظمات الأمم المتحدة وهيئات دولية تصدر قوانين موحدة تجبر بموجبها الدول على تطبيقها، مثل قانون &laqascii117o;كود وادا".
ومع كل هذا، فالغش ما زال وسيستمر، لكن التوعية بأخطاره تظل واحدة من المهمات المطروحة على المنظمات الرياضية، وعلى وسائل الإعلام، فالأخيرة عليها يتوقف الكثير من عمل محاربي المنشطات، وكما جاء في البرنامج، فإن دوافع الربح تدفع الكثير من شركات التلفزيون الكبيرة إلى المضي في نقل مجريات الألعاب بالمستوى ذاته، أثناء حدوث خرق للقواعد العامة والاخلاقية، وكأن الأمر لا يعنيهم، فالناس كما يبررون سلوكهم المهني، &laqascii117o;يريدون متابعة الألعاب ويحبونها، ولا يؤثر انسحاب أو قطع بث وقائعها من قبل شركة أو اثنتين". وبالحد من هذا التدبير، يقدم البرنامج مثالاً ايجابياً انتهجته شركتا تلفزيون ألمانيتان حين قطعتا بثهما المباشر لدورة فرنسا للدراجات عام 2007، بعدما سمعتا بفضيحة تناول منشطات لأحد المتسابقين، وقالتا: &laqascii117o;استمرارنا بالبث يعطي اشارة خاطئة للمشاهد بأن هذا الفعل عادي ولا يؤثر على قيم الرياضة وروحها!".
ولاستطلاع استعدادات لندن للحد من الغش الرياضي، زار البرنامج اللورد سباستيان كو رئيس اللجنة المنظمة، ليوضح نظرة المنظمين للمنشطات باعتبارها فعلاً مخالفاً للقانون تشترك فيه عصابات السوق السوداء ومافيات المختبرات الكيماوية الى جانب كونها عملية غسل دماغ يتعرض لها كثر من الرياضيين الذين تغويهم الشهرة والكسب السريع، ويأمل بدلاً منها إدراك الجميع بأن المثابرة والتدريب الشديد وحب الرياضية وقيمها هي ما يكفل للرياضي الفوز بميدالية أو أكثر.