المقتطف الصحفي » على هامش الأزمة السوريّة: مهنة «الفكاسرة» تزدهر من جديد

- صحيفة 'السفير'
محمود الحاج محمد

لا تثق غالبية الصحــف والقنــوات الإخبــاريّة العالمــيّة إلا بصحافييــها المعتمدين، في أوقــات الحروب. ترسلهم لتغطــية المعارك، في بلدان لا يعرفون نسيجــها بالــشكل الكافي، ولا يجيــدون لغة أهلها. في هذه الحالة، يضطر هؤلاء المراسلون إلى الاستعــانة بصحافيــين محلّيين، أو مَن يُعرفــون بالـfixers. وتلقى علــى عاتق هــؤلاء مرافــقة الصحافي الأجنبي، وتقديــم النـــصح والترجمة، إضــافةً إلى تأمــين المقابلات له.
طفت هذه الظاهرة على السطح خلال الأزمة السوريّة، لكنّها ليست جديدة عربياً، إذ انتشرت في السابق في دول مأزومة أخرى مثل العراق، ومثل ليبيا واليمن على نطاق أقل.
ومع اندلاع الحرب الطاحنة على أكثر من جبهة سورية، ازدهرت مهنة الـ &laqascii117o;فيكسر" من جديد. داخل سوريا، ينقسم العاملون في هذه المهنة بين معارضين محلّــيين يرافقــون الصحافيين الأجانب المتسلِّلين إلى المدن، وبين أشخاص تفرزهم الحكومة لمرافقــة مراسلي الصحف والتلفزيونات التي تسمح لها بدخول أراضيــها. أما خــارج سوريا، وتحديداً في لبنان، فيكــثر العاملون في هذا المجال، خصــوصاً مع استقرار كثير من المراســلين الأجــانب في بيروت، بسبــب خطــورة البــقاء الدائــم في سوريا. جولة مســائية في شارعي الحمراء والجمّيــزة، ستــكون كافية لتلتــقي العديد من الصحافيين الأجانب المكلّفين تغطــية الثــورة السورية، وهم يقضــون وقتــهم مع مرافقيهم الــسوريين، ومعظــم هؤلاء ليسوا بصحافيين. يرفــض الكثير من الصحافيــين الأجــانب التحدث إليك، &laqascii117o;لأسباب مهنية"، ويفعــل مرافقــوهم الشيء ذاتــه، لأسباب سورية بحتة. لكن مع ذلك، قد تقابل صحافياً فرنسيّاً ومرافقه يوافقان على الحديث إليك، لكــن من دون أن يخوضا في تجربتهما. يروي المرافق قصة زميلٍ له ذهب مع صحافي أجنبي إلى حمص منذ مدّة، لإنجاز تقرير مصوّر عن الأحياء المحاصــرة هناك. يقول الـ &laqascii117o;فيكسر" السوري وهو يشدِّد على عدم ذكر اسمه واسم الصحــافي الذي يعمل معه: &laqascii117o;عاد زميلانا بالتقرير، ومعهما عشرات المسوّدات والقصــص والصور التي يفوق ثمنها أضعاف ما قد يتقاضيانه عن التقرير". هنا، يؤكد الصحافي الفرنسي أنه ومرافقه &laqascii117o;لا يدنّسان أياديهــما بمثل هــذه الأمور"، قبل أن يشرح بالقول إنّ سخونة الملف السوري وتصدّره مانشيــتات الصحف العالمية، &laqascii117o;جعلا هذه الأوراق التي تحــوي قصــصاً واقعية من قلب سوريا، وهذه الصور الفوتوغرافية، كنزاً... وكل وسـائل الإعلام تبحث عن هذا الكنز!".
ديمة التي عملت قبل أشهر كـ &laqascii117o;فيكسر" مع صحافي أميركيّ أوفد لتغطية الملف السوري، تقول إنّ بعض العاملين في هذا المجال &laqascii117o;باتوا يتاجرون بالثورة السورية وبالعمل الصحافي"، لكنّها في الوقت نفسه تؤكّد وجود مرافقين للصحافيين الأجانب، يعملون &laqascii117o;انطلاقاً من واجب وطني"، وتشير إلى أنّ بعضاً منهم &laqascii117o;ينصب" عليهم، ولا يتلقون مقابلاً لأتعابهم (تتراوح أجرة العمل لثماني ساعات في اليوم بين 100 و200 دولار). الفتاة السورية واحدة من هؤلاء الذين &laqascii117o;نُصب" عليهم؛ إذ ساعدت الصحافي الأميركيّ على دخول مناطق في الشمال السوري &laqascii117o;كان يستحيل أن يدخلها بمفرده"، وحين أنهى عمله هناك &laqascii117o;لم يعطني حقي"، تقول. وتضيف: &laqascii117o;ليس ثمّة قانــون يحمي الـ &laqascii117o;فيكسر" أو ينظّم عمله. نعمل بموجب اتفاق شخــصي بين المراسلين وبيننا. وحتّى في حال وجود قانون وعقد رسمي، فإنَّنا لن نستفيد منه شيئاً بسبب ملاحقة الحكومة للسوريين الذين يغطّون الثورة صحافياً داخل وخارج البلد. هذا ما يدفعنا إلى العمل في السرّ، وإلى السكوت عن المطالبة بحقوقنا".
بعكس علاقة ديمة بالصحافي الذي كانت تعمل معه، بدا الصحافي الفرنسي ومرافقه السوري متفاهمين إلى حدّ بعيد. &laqascii117o;هذه الثقة المتبادلة بيننا، تؤثّر في عملنا إيجاباً"، يقول الـ &laqascii117o;فيكسر". ثمّ يشرح بالقول إنَّ للمرافقين دوراً كبيراً في توجيه الصحافيين الأجانب، وبالتالي التأثير في مقالاتهم وتقاريرهم التي يتابعها الملايين، &laqascii117o;كأن نخبرهم عن طبيعة الشعب السوري، أو عن بشاعة استخدام مصطلحات مثل &laqascii117o;منطقة سنيّة" و&laqascii117o;قرية علويّة". هم لا يعرفون مثل هذه الأشياء.. إنّها مهمّتنا التي لا تُنجز من دون أن يثقوا بنا". أحياناً، كما تقول ديمة، تسمح الثقة بين الصحافي الأجنبي والـ &laqascii117o;فيكسر" بأن ينجز الأخير كلّ شيء بتفويض من الأول الذي لا بدّ من أن يخطّ توقيعه في نهاية المقالة أو التقرير حتى ولو لم يفعل شــيئاً. لكنّ الـ &laqascii117o;فيكسر" السوري المرافق للصحافي الفرنسي لا ينزعج كثيراً من هذا الموضوع، &laqascii117o;لأننا نستفيد من العمل مع هؤلاء الأجانب في كل الأحوال". تجربة العمل مع صحافيين تخرجوا في أرقى الجامعات الأميركية والبريطانية والفرنسية، والعلاقات التي نكتسبها من مرافقتهم اليومية، &laqascii117o;كفيلة بأن يتحول بعضنا من مرافقين مجهولين، إلى كتّاب في صحف عالمية لا يحلم أشهر الصحافيين باللغة العربية برؤية أسمائهم مطبوعةً على صفحاتها"، كما تقول.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد