- صحيفة 'السفير'
سحر مندور
انتشر على موقع &laqascii117o;فايسبوك" فيديو([) غير محدّد التاريخ بأدقّ من &laqascii117o;هذه السنة"، يسجّل دخول جنديين إسرائيليين إلى ما وصف بأنه حفل عرس فلسطيني، فاستوعبهما الشبّان الفلسطينيون في حلقات الرقص، وحملوا أحدهما عالياً، فراح يتمايل بزيّه العسكري وسلاحه الآلي فوق الأكتاف. ويشرح النص المرافق للفيلم أن محطة تلفزيونية إسرائيلية نشرته مضيفةً أن العرس يمتّ بصلةٍ لحركة &laqascii117o;حماس". وقد كان الجنديان يجولان ضمن دورية ليلية، عندما سمعا موسيقى &laqascii117o;غانغنام ستايل" لفرقة &laqascii117o;بسي" الكورية تتصاعد من الحفل، فقررا دخوله والرقص. تلقى جميع عناصر الدورية عقوبةً بسبب فعل الجنديين هذا.
أمام الفيديو، كل سؤالٍ يرد إلى الذهن يستتبع سؤالاً يعاكسه، وكأنّ السؤال يخاف من التسليم بإجابةٍ تستفز الامن المتوارث من الأفكار. إذ يبدو عتاد الجندي كأنه يلبّكه، يبدو الشاب مثقلاً بدوره كجندي، وربما بالعداوة. فكيف يدخل عرسهم ويرقص رقصهم لو كان منخرطاً في كرههم حدّ القتل؟ لكن، هل كان ليدخل العرس ويرقص، لو لم يكن معتاداً على استباحة مناسباتهم، يسلّم بحقه في اختراقها كيفما شاء؟ وهم، لماذا لا يبدو عليهم الخوف أو الخضوع لنزق الاحتلال؟ ربما اعتادوه، فما استغربوه. فماذا عن الأمن إذاً - عصب الدولة الإسرائيلية -، كيف ارتخى في هذه الرقصة؟ فهو يبدو فاقداً قدرته على التحكّم بجسمه، كحال مرفوعين كثر على الأكتاف. ولماذا رفعوه على الأكتاف أساساً؟! عادةً، يُحمل العريس على الأكتاف في حلقات الرجال.. لماذا هو؟ هل يأمنون شرّه برفعه بعيداً، وإظهار عتاده لكل عين؟ هل يلفظونه من تجمعهم كجسمٍ غريب؟ أم أنهم يحتفون به كضيفٍ غير متوقع؟ ضيف من قبيلة أخرى تعادينا، حلّ علينا فجأة في لحظة فرح.. أو ربما، ضيف من طرف &laqascii117o;الأقوى" نوجّبه كما وجّب الفلاحون سارق قوتهم إن حلّ عليهم ضيفاً في زمن الإقطاع؟ أم أن هناك خطوط تفكير أخرى كثيرة غير تلك التي نعرفها، لم ننتبه لمتابعتها على مرّ السنين؟
في فيديو يدويّ آخر انتشر منذ سنتين تقريباً، رأينا المقدسيين يرفعون الرؤوس فجأة وينظرون إلى أعلى، عند مرور دورية مشاة إسرائيليين بالعتاد ذاته. هُلع حينها العسكر، ظنوا أن هناك من سيستهدفهم من فوق، ارتبكوا وتفرقوا على وقع ضحك الفلسطينيين. هذان الفيديوهان الخاليان من الهتاف السياسي المباشر والمعتاد هنا، يظهران أن الفلسطينيين &laqascii117o;أقوى" من محتلّيهم رمزياً ويومياً، أقوى بالإلفة ربما، بالمعرفة، بالتعايش القسري، بشيءٍ ما لا ندرسه في كتبنا. يبدون قادرين على استيعاب صورة الجندي كفردٍ يحب الرقص، وقادرين على التحكّم بخوفه، هو الذي يعي حجم الموت الذي أحلّه جيشه حيث يضع خطواته الآن.
خارج البث المباشر، يبدو الفلسطينيون الأشدّ إمساكاً بمعنى وجودهم كأفراد وكجماعة وكقضية. ففي المقلب العربي، تمنع رقاباتنا عرض أفلام الإسرائيليين ونشر كتبهم، كأننا قاصرون أو مسيّرون أو عاجزون. أما في المقلب الإسرائيلي فتعاقب الإدارة العسكرية الأشدّ فتكاً في المنطقة جنديين خرجا عن أصول &laqascii117o;المهنة" ليدخلا في حلقة رقص فلسطينية. ولربما عرف الجنود فرص العقاب مسبقاً، وتجاهلوها. فكيف تجاهلوها؟ ولماذا امتنع الحشد الفلسطيني المسيّس (عائلة منتمية إلى &laqascii117o;حماس") عن &laqascii117o;عقابهم" بدوره، لا بل بادر إلى &laqascii117o;ضمّهم" إلى العرس؟ هل هو مشهد متكرّر في يوميات فلسطين؟ ما هو معناه؟ هذه الأسئلة، تراها تفخّخ كل ثانية من ثواني الفيلم..
إن المشهد غنيّ، ولهذه الفيديوهات سياقٌ سيتبلور مع الوقت. وهو ليس سياق التطبيع الوردي الذي تستخدمه الإدارة الإسرائيلية في بروباغندتها الخارجية. ولا هو سياق حب حياةٍ وجبروت فلسطيني يسعى للتعريف بأيّ مشهد مربك، قبل منحه الفرصة ليقول ما لديه. هناك شيء في هذه الصور يأتينا من خارج الصورة المألوفة لنا. وإن كان الخروج عن المألوف في القضية الفلسطينية مريبا سياسياً، فإن الركود فيه قد جعله يعيد إنتاج نفسه من رماده على مرّ العقود.. حتى كادت مساحة فلسطين تختفي عن خريطتها.
([) رابط الفيديو:
www.yoascii117tascii117be.com/watch?v=9boSJdZ8gFQ