مقتطف من الصحافة الاجنبية لهذا اليوم الجمعة 14 كانون الاول 2007
'قراءة خاطئة لتقرير إيران',
عن صحيفة واشنطن بوست في 13-12-2007 والتي نشرت مقالة كتبها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر تحت عنوان 'قراءة خاطئة لتقرير إيران', والتي قال فيها :
إن غوص الولايات المتحدة في المستنقع العراقي الذي لاحت بوادره في خريف العام 2005 قد يكون هو الذي شجع الزعماء الإيرانيين على استئناف سياستهم الرامية لبناء قدرة نووية عسكرية وعزز من ثم رغبتهم في امتلاك قوة ردع لطموحات أميركا الإقليمية.
ويضيف القول إن تسرب تقارير سابقة عن جهودهم السرية هو الذي حدا بالقادة في إيران إلى الوصول إلى نتيجة مفادها أن الشروع في برنامج سري آخر سيكون محفوفا بالمخاطر, 'ومن ثم كان تشديدهم على استئناف برنامج التخصيب على أنه برنامج مدني للطاقة'. وأشار الكاتب، في معرض تحليله لتقرير الاستخبارات الأميركية حول برنامج إيران النووي الذي صدر في 3 ديسمبر/ كانون الأول, إلى 'أننا قد لا نشهد وقفا لبرنامج الأسلحة الإيرانية -كما يؤكد تقرير الاستخبارات– بل نسخة ماكرة وأكثر خطرا في نهاية المطاف ستفضي تدريجيا إلى تصنيع رؤوس حربية عندما يحين موعد إنتاج المواد الانشطارية'.
وقال إن التقرير لا يرفض هذه النظرية تماما بل ولا يخضعها للدراسة كذلك. فالتقرير، برأي كيسنجر، يخلص إلى 'أن قرارات طهران يحكمها معيار الجدوى من حيث التكلفة والمنفعة لا من حيث الاندفاع نحو إنتاج أسلحة'. بيد أن تحليل مفهوم التكلفة والمنفعة لا يعني عدم الاندفاع نحو إنتاج أسلحة على نسق منظم، لأن ذلك يعتمد على المعايير التي يتم بموجبها تحديد تلك التكاليف والمنافع، على حد قول الكاتب.
وإذا أخذنا بمنطق التكلفة والمنفعة، فإن التقرير يخلص إلى أن فحصا دوليا مشتركا إلى جانب تقديم ضمانات أمنية قد يكون كفيلا 'بحث طهران على تمديد وقفها الحالي لبرنامج الأسلحة النووية'، فذلك تقدير سياسي لا استخباراتي، حسب رأي كيسنجر.
ويقول إن إستراتيجية متماسكة إزاء إيران ليست قضية حزبية، ذلك أنه ينبغي الأخذ بها حتى بعد ترك الإدارة الأميركية الحالية سدة الحكم.
ويردف قائلا 'لقد قلت من قبل إن على أميركا أن تتحرى بنفسها إمكانية تطبيع العلاقات مع طهران, فنحن لسنا بحاجة إلى أن نلوذ بالخطر من أجل استشراف عالم أكثر أمنا'.
إن المطلوب هو رؤية محددة تربط ضمانات أمن إيران واحترام هويتها بانتهاجها سياسة خارجية تكون منسجمة مع النظام القائم في الشرق الأوسط. غير أنه لا بد لرؤية كهذه أن تصوغ تحليلا لمثل هذه الإستراتيجية إذا ما فضلت إيران في النهاية الأيديولوجية على المصالحة.
وعلى أجهزة المخابرات يقع العبء الأكبر في صياغة مثل هذه الرؤية، لكن يتعين عليها أن تدرك أنها كلما انغمست أكثر في التحليل السياسي كلما قل الاعتماد على تقديراتها, على حد تعبير كيسنجر.
'بابور' الباكستاني النووي
كتب بيوتر غونتشاروف معلق نوفوستي السياسي في 13-12-2007 :
أجرت باكستان بنجاح تجربة صاروخها المجنح 'بابور' الذي بوسعه إصابة أهداف على بعد 700 كم وحمل مختلف أنواع الرؤوس المدمرة بما فيها النووية. وهنا يتبادر السؤال: كيف يجدر التعامل مع هذا الحدث على خلفية مهاجمة البرنامج النووي لدولة إسلامية أخرى ـ إيران ـ وتعرض هذه الدولة نفسها إلى عقوبات دولية على بحوثها النووية الحربية الغاية، على حد الزعم؟
ومن الممكن مواصلة الجدل إلى ما لا نهاية حول مدى توفر 'الإرادة السياسية' لدى إيران للانتقال من التكنولوجيات النووية الراقية إلى صنع قنبلة ذرية بيد أن الحقيقة تبقى حقيقة وهي أن هذا البلد لا يوجد لديه في يومنا الراهن سلاح نووي. ولم يثبت حتى لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود مركبة حربية للبرنامج النووي الإيراني. وحتى إذا توفرت فإنها علاوة على ذلك من الممكن أن تعطي نتائجها وفق أجرأ التكهنات ليس قبل 6 ـ 8 سنوات.
أما باكستان فنتعامل هنا مع قضية أخرى. فهي دولة نووية ذات قدرات تصل إلى 40 عبوة نووية مع أسطول وسائل حمل السلاح النووي تضم صواريخ بالستية ومنجحة الآن علاوة على ذلك. ومن المستبعد مع ذلك أن تكون المقارنة بين باكستان وإيران وبين باكستان وكوريا الشمالية صحيحة. فعلى الأقل لأن باكستان خلافا لإيران وكوريا الشمالية لم توقع أبدا معاهدة 'منع انتشار السلاح النووي' وبالتالي لم تخرقها. وفي هذا حذت حذو الهند ـ الدولة النووية أيضا.
يقال إن باكستان حصلت على قنبلتها الذرية عن طريق 'السرقة الشريفة' مع أن عراب القنبلة الذرية الباكستانية قادر خان أدين في الحقيقة لا على سرقة الأسرار النووية لبلده وإنما على مشاطرة إيران على حد الزعم بها. ونؤكد أن هذا 'على حد الزعم'.
ومن مبررات برنامج باكستان النووي واقعة أنها صنعت قنبلتها الذرية ردا على تجربة الهند العبوة النووية في عام 1974. ويتلخص منطق إسلام أباد هنا في أن الجانب الباكستاني كان مرغما على استعادة توازن القوى. وبعد تجربة الهند وباكستان العبوات النووية في عام 1998 أعلنت باكستان رسميا في إغسطس عام 2005 عن مواصلة تطوير برنامجها النووي والصاروخي منسقة كافة عمليات إطلاق الصواريخ في غضون ذلك مع الهند.
ومهما كان الأمر أن التوازن النووي الذي نشأ بين الهند وباكستان لعب دوره الإيجابي كما في حالة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. فإن احتمال النزاع النووي بينهما حاليا ضئيل للغاية انطلاقا من أنه لم يعد معنى للحرب في ظل الحدود المشتركة والقدرات النووية المتساوية تقريبا إذ من الممكن أن تزول الدولتان من خارطة العالم. ومن ثمار ذلك أن الطرفين يشيران اليوم إلى إحراز تقدم في الحوار السلمي الشامل بينهما الذي بدأ في عام 2004. كما يعرب الطرفان عن العزم على مواصلة ومناقشة كافة القضايا بما فيها الأمن النووي مستقبلا.
وعندما يشار إلى احتمال حصول المتطرفين والأسوأ الإرهابيين الدوليين على السلاح النووي تتجه الأنظار إلى باكستان فورا. وهذا مع ذلك غير مبرر لأنه توجد في باكستان بالمرتبة الأولى قوة متنفذة جبارة تتمثل في العسكريين الذين لن يسمحوا في كافة الظروف كما يظهر تاريخ البلد على مدى 60 عاما وصول المتطرفين إلى السلطة. وإن الجيش الباكستاني لن يسمح حتى لتدخل الإسلاميين الراديكاليين في السياسة النووية وقد أعلنت إسلام أباد هذا مرارا على كافة المستويات. كما يكمن الشيء الرئيسي في أن الجيش الباكستاني ضمن قضية الرقابة التامة على التكنولوجيات النووية للشعب الباكستاني وهذا يحظى بتأييد الأخير.
ومع ذلك توجد هنا مشكلتان. الأولى ـ ما مدى إمكانية بيع أو تسليم السلاح النووي الباكستاني إلى بلدان أخرى بصورة سرية أو دون ترخيص ومدى إمكانية سرقته من قبل المسلحين المتطرفين؟ والثانية ـ ما هو مستوى مؤهلات الجانب الباكستاني من الناحية التقنية الضرورية لاستبعاد حدوث تفاعلات ذاتية في الأسلحة النووية بصورة مضمونة إلى أقصى درجة؟
ففيما يخص القضية الأولى أكدت إسلام أباد مرارا أنها لن تسمح بأقل تسرب للترسانة النووية لا سيما بعد حادث قادر خان. وحاليا تجري الأمور على هذا النحو.
ولكن حل القضايا التقنية أصعب. فنظام الأمن النووي يفرض استخدام أحدث التكنولوجيات الراقية في مختلف المجالات. وتحظى هذ ه القضايا في الدول النووية 'التقليدية' على الدوام باهتمام استثنائي. ولا يوجد شك في أن باكستان تولى نفس الاهتمام. ومع ذلك لا تتوفر لدى باكستان الإمكانيات كما لدى فرنسا أو الصين.
ما السبيل إلى حوار أميركي إيراني ناجح؟
عن نيويورك تايمز في 11-12-207 كتب فلينت ليفيريت :
في أعقاب التقرير الجديد لهيئة الاستخبارات الوطنية حول البرنامج النووي الإيراني انبرى 'الديمقراطيون' وغيرهم لانتقاد الرئيس بوش على 'تضخيمه' مرة أخرى لخطر الأسلحة النووية.
ولئن كانت هذه الانتقادات مبررة ضمن الظروف الراهنة، إلا أنها لا تنفذ إلى جوهر الموضوع، كما أنها لا تجيب عن السؤال الأهم: ماذا نفعل الآن؟ فمن الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد قادرة على تجاهل إيران؛ إذ رغم إقدام طهران على وقف بعض الجوانب العسكرية من برنامجها النووي، إلا أنها مازالت مستمرة في عملية تخصيب اليورانيوم دون وضع حدود لذلك.
لم يعد من الواقعي إصرار أميركا على فرض الحصار على الصادرات الإيرانية من المحروقات وبقائها في باطن الأرض بينما وصلت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها، لا سيما وهي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من النفط الخام والغاز الطبيعي في العالم. كما أن فكرة 'الانخراط' مع إيران دبلوماسياً أصبحت اليوم مقبولة سياسياً مقارنة مع السنوات الأولى للرئيس بوش عندما كان مجرد التطرق لها يهدد المسار المهني للسياسيين. الملاحظ أن أغلب دعاة الانخراط مع إيران يختبئون وراء منهج تدريجي غير واضح تجسده التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي للمرشحة 'هيلاري كلينتون'، عندما أشاد باستعداد المرشحين للتعامل مع 'حوافز محسوبة بدقة إذا ما أجابت إيران عن انشغالاتنا'. فلماذا ننتظر من القادة الإيرانيين التعامل مع هذا الخطاب المحتشم على أنه دعوة واضحة وصريحة للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ فقد جربت إيران التعاون التكتيكي مع الولايات المتحدة في كثير من المناسبات طيلة العقدين السابقين-بما في ذلك المساعدة على إطلاق سراح الأسرى في لبنان خلال الثمانينيات، وإرسال شحنات من السلاح إلى المسلمين البوسنة عندما حُظر على أميركا القيام بذلك. لكن في كل مرة كانت توقعات إيران بالمعاملة بالمثل تصطدم بالتنديد الأميركي، على غرار إدراج إدارة بوش لطهران ضمن 'محور الشر' بعد مساعدتها أميركا على تحقيق أهدافها في أفغانستان بعد 11 سبتمبر. وقد وصلنا اليوم إلى مستوى متقدم من انعدام الثقة لم يعد معه التدرج في الانخراط مع إيران كافياً لمعالجة الانشغالات الأمنية للولايات المتحدة.
وترى إيران من وجهة نظرها أن أي انخراط جدي يبدأ أولاً بالاستعداد الأميركي للاعتراف بالمصالح الإيرانية المشروعة في المجالين الأمني والإقليمي، كجزء من اتفاق عام لتسوية الخلافات. لكن أياً من 'الديمقراطيين' أو 'الجمهوريين'، لم يجرؤ على تبني هذا الطرح بسبب سعي إيران إلى امتلاك السلاح النووي، ودعمها للمنظمات الإرهابية التي توظفها للدفاع عما تعتبره مصالحها الأمنية الأساسية. لذا يتطلب الانخراط الأميركي الإيراني الناجح القطع مع التفكير الأميركي السلبي وتبني دبلوماسية شاملة تتعاطى مع القضايا الجوهرية العالقة بين الطرفين. وعلى الجانب الأميركي، يتعين على أية مقاربة جديدة التعاطي مع أمن إيران من خلال تأكيد واشنطن عدم سعيها إلى تغيير النظام في طهران، بل تغير سلوك الحكومة الإيرانية. ولتحقيق ذلك الغرض على الولايات المتحدة طرح ضمانات على طاولة النقاش نجملها فيما يلي:
أولا؛ يتعين على واشنطن التعهد بعدم اللجوء إلى القوة لتغيير حدود إيران أو طبيعة الحكومة فيها. وستتعهد أميركا في مرحلة لاحقة- إذا افترضنا أن إيران عالجت الانشغالات الأميركية حول برنامجها النووي وتزويدها للإرهابيين بالسلاح ورفضها تسوية فلسطينية إسرائيلية- لإنهاء العقوبات الأحادية على إيران، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، فضلاً عن شطب اسم إيران من قائمة الدول الراعية للإرهاب. لكن ماذا سيكون على إيران تقديمه؟ سيتعين عليها اتخاذ إجراءات –بالتفاوض مع الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية- تعالج بصفة نهائية أخطار الانتشار النووي بما يستدعيه ذلك من كشف عن سائر المعلومات المتعلقة ببرنامجها النووي، في الماضي وفي الحاضر، والموافقة على الخضوع لنظام تفتيش دولي لأنشطتها النووية. وسيتعين على إيران أيضاً إصدار بيان يدعم تسوية عادلة ودائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لقرارات مجلس الأمن. وسيؤكد البيان فكرة الدولتين باعتباره حلاً مناسباً للصراع، وذلك كما عبر عنه قرار مجلس الأمن لعام 2002، فضلاً عن انضمامها إلى التزام الجامعة العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وسوريا.
ولا بد أن تتعهد إيران أيضا بوقف الدعم العسكري للمنظمات الإرهابية والمساعدة على تحويل 'حماس' و'حزب الله' إلى منظمات سياسية واجتماعية بعيداً عن أي نشاط عسكري. وفي هذا الصدد لا مناص من الإشارة إلى أن أي عملية لإدماج 'حزب الله' في العملية السياسية اللبنانية، ترتبط بإصلاح 'الديمقراطية اللبنانية' لإنهاء الاختلال الممنهج في التمثيل الشيعي بالبرلمان.