المقتطف الصحفي » شاش باش لماريليز عاد وفؤاد يمين وايلي يوسف: بشارة صافية من علامات الحيوية الشباب

- صحيفة 'النهار'
مازن معروف

في المشهد الثقافي اللبناني، المسرحي تحديدا، تكون مسألة اشتراك ثلاثة كتّاب في انجاز نص للمسرح، مفارقة بامتياز. 'شاش باش'، التي تناوب على كتابة سياقها الزمني، ماريليز عاد، p190123992_160فؤاد يمين وايلي يوسف،  واحدة من المسرحيات الجميلة قياسا بالتجربة المحدودة لهؤلاء الشباب. الميزتان الأساسيتان وراء العمل، أولا الجدية في الاشتغال على النص (على الرغم من وجود بعض الملاحظات عليه)، ومن ثم الاشتغال على السينوغرافيا. على البطاقة الموزعة، اسماء الشبان الثلاثة، إلا أن العمل جاء جماعيا بامتياز، أنيقا ومتنوعا ومتجاوزا حتى في جماليته لأعمال بعض من يعتبرون أنفسهم أيقونات في المشهد المسرحي البيروتي، الذين إذا 'دقيت فيهن' فيا ويلك. 'شاش باش' بشارة صافية، نَفَس يحمل من الجدية ما يستوجب الوقوف عنده، وإن تخللته بعض المطولات في الجملة والانزلاقات في العبارة وكليشيه 'الظل'، كما الأداء في بعض التفاصيل. لكنه عمل طازج، يحمل رؤى أبعد من المعتاد، والأهم انه يسعى الى تخطي منطق 'المسرح' البكائي أو 'الاستهلاكي'، بمعنى المسرح الذي دأب على استثمار الشأن الاجتماعي أو السياسي وبناء الجملة الشعبية الخطابية، التي تراوح بين الزكزكة المجانية والبكاء المجاني كذلك. وقد يكون هذا العمل فرصة شخصية بالنسبة اليَّ، لأعلن أن العديد من الأعمال المسرحية التي نتابعها في بيروت، ليست سوى عقاب جماعي. أولا، يجبر الجمهور المحب للمسرح، على شراء التذكرة والدخول، ثم تقفل الأبواب، ويبدأ الجلد الجماعي، والأكيد أنك ممنوع من أن تغادر، لإنك تستحي أحيانا، وأحيانا أخرى عليك أن تلتزم الجلوس على المقعد الذي يتحول في بعض العروض كتلة من اللزوجة، والإبر المغروسة فيه. الجمهور أحيانا لا يجرؤ على المغادرة، يبقى لاعتبارات بعضها له علاقة ببرستيج الجمهور نفسه. فهو جمهور يدفع ضريبة تجمد الكثير من المخرجين المسرحيين (الجيل القديم) في خط ما، ويبقى للحقيقة البعض القليل من هؤلاء المخرجين، مشاكسا في الابتكار والخلق، مفتشا ومنقبا، ولا يكون علينا إلا رفع قبعاتنا تحية لهم.
في العودة الى ضريبة الجمهور، فهي ببساطة مادية ونفسية، يكون هنا الجمهور تعسا، يحتفي بالمطروح في سوق الثقافة والمسرح، فليس امامه مجال ليتابع أي اعمال غربية حديثة، لأن التلفزيونات مثلا، لن تهتم بشراء مسرحيات أو حتى بعرض برنامج ثقافي جدي. لن نغوص في نقاش أمثلة عن بعض برامج الثقافة التي بات عليها أن تتوقف عن البث، ومص دمها الذاتي لتتغذى عليه. نحن نعلم أن حال المسرح سيئة. تصوروا مثلا أن مخرجا كبيرا، قدم مسرحية في بيروت، بعد اتمام خمس بروفات فقط! وآخر لا يزال يجرب في الكلاسيك المبهم الذي يسلخ عنك نفسك، لتسأل في منتصف العرض: 'أين انا، وأي فكرة قبيحة أتت بي إلى هذه الصالة؟'، بدلاً من من يوظف طاقته مثلا للاطلاع. على أحد أن يقول لهؤلاء وبكل محبة واحترام لتجربتهم الطويلة والرائدة في المسرح اللبناني، أن يتوقفوا إن لم يكونوا قادرين على اللحاق بهذا الجيل. بدل تقديم المسرحيات، ليأخذوا 'استراحة' مثلا، فهذه لا تضير أحدا، حتى أن أهم السينمائيين والمسرحيين والكتّاب، يأخذون فترة راحة. الشجرة تدخل في سبات ،وقت الخريف. تنام، وتكون خلالها في غاية القبح، جرداء 'مزلطة'، تحضرا لفصل مختلف. عليها أن تجاري الطبيعة. الشجرة التي لم تدرس المسرح، تنصاع لسياق الطبيعة، للزمن، للحشرات الأنيقة المقبلة.
مسرحية 'صفحة 7' (عصام بوخالد وفادي ابي سمرا)، تعطيك ببساطة، شعورا هو مزيج بين لذة المسرح، في حد ذاته، ولذة الخلق. ومع أنها من أعمال الشابين السابقة، إلا أنها مليئة بعناصر العمل الجدي بدءا من الجملة حتى أدق تفاصيل الثياب والإضاءة. مسرحية 'على المسطرة' كما يقال. الشاعر بول شاوول، ظل خمس سنوات يقرأ، قبل أن ينشر كتبه الثلاثة الأخيرة. قال لي 'خمس سنوات أمضيتها من دون كتابة حرف واحد، كنت أقرأ فقط وأطلع'. الزمن ليس مقياسا هنا، لكنه معيار قيمي. بمعنى أن الزمن ليس كرونولوجيا بل هو تتبع. نحن ربما كجمهور، بتنا اكثر تطلبا، وأكثر حدة في ما يخص المسرح الحديث. نقول إننا نريد مسرحا جديد، يعكس لغتنا، مسرحا طازجا، لأن خيبة الأمل باتت بالفعل الشعور الوحيد الذي يرافقنا.
'شاش باش'، التي لن نقول فيها كلاما نقديا تفصيليا، هي من علامات الحيوية الشبابية، والروح الجماعية، فتحت فيها الجملة على التخييل والاستعارات والحركة والرقص (كوريوغراف بشارة عطالله)، ولم تكتف بالإيقاع الواحد، بل تداخلت فيها مناخات كثيرة، وصور. قد يكون العمل محمولا بعض الشيء على وسادة السينوغرافيا الجذابة واللافتة، إلا أن الشباب، وعلى الرغم من انتقائهم للظل كعمود فقري للعمل (وإن ظاهريا)، استطاعوا في مطارح كثيرة، بناء معان تجاوز البعض منها، كليشيهات الظل المشغولة في المسرح، أو المقروءة في الشعر والرواية والسينما. 'شاش باش'، هي لعبة لنا جميعا، نتمنى أن تكون مقدمة، لفتوحات أهم وأكبر في المسرح 'الشبابي'، الذي نعوّل على نشاط مخرجيه وممثليه وعامليه، لإخراجنا شيئا فشيئا من العروض التي تذكّرنا بغرف التعذيب المعتمة، والتي كان الاساتذة يدفعوننا إلى تخيلها في المدرسة، فقط لأننا قلنا تلك الحقيقة، أو هذه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد