المقتطف الصحفي » قضايا وآراء مختارة من الصحف اللبنانية الصادرة الخميس 2/9/2010

ـ صحيفة "السفير"
عملية نموذجية
ساطع نور الدين:

المفاوض يفاوض والمقاوم يقاوم: توزيع سليم للأدوار يعيد الى القضية الفلسطينية موقعها المهدد بالضياع، وينقذ الشعب الفلسطيني من الهلاك، سواء في خياره التفاوضي البائس أو في قراره الكفاحي اليائس.
لكن هذا التوزيع للأدوار لم يتم بناء على اتفاق مسبق، والمصلحة الوطنية ربما تقتضي ألا يكون كذلك، لكي يكون التفاعل بين جناحي العمل الفلسطيني مجدياً ويخدم في النهاية القضية التي صارت تفتقد أكثر من أي وقت في تاريخها الطويل مفاوضا ماهرا ومناضلا فدائيا يعبثان، كل من زاويته، بما يبدو أنه اطمئنان إسرائيلي الى أن الفلسطينيين استكانوا وسلموا بالهزيمة التامة.

عملية الخليل أمس الأول كانت مدوّية. هي من العمليات التي تعيد التذكير بالاشتباكات العربية اليهودية الاولى التي كانت تدور في أحياء المدن والبلدات الفلسطينية في بدايات القرن الماضي: مسلحون مجهولون يخرجون من العتمة، من الحصار، من الجبانة التي ووريت فيها جثامين المذبحة الاخيرة، ليقتلوا عددا من السفاحين اليهود، ويفروا من جديد الى الكهوف والبراري، بانتظار موعد جديد مع القدر.
دوي العملية كان قوياً ومحبباً أكثر من أي عملية اخرى نفذها الفدائيون الفلسطينيون على مدى السنين الماضية. فقط لان قتلاها الاربعة هم من سكان المستوطنات اليهودية التي زرعت في قلب الخليل، والتي تعتبر بؤراً لغلاة المستوطنين اليهود المتجمعين من أقصى اليمين الديني الإسرائيلي، والآتين للتو من حي بروكلين في نيويورك لكي يساهموا في حملة الابادة لأهل الارض الاصليين، ولكي يدربوا أطفالهم الذين لا تزيد أعمارهم على ست سنوات على حمل السلاح، على ما ظهر في صور التظاهرة التي نظمها مستوطنو «كريات اربع» بعد العملية ليل الثلاثاء.

والتوصيف لهذه المستوطنة الشهيرة بالذات ليس مستوحى من الفلسطينيين، الذين لا يميزون عن حق بين مستوطنة واخرى وبين مستوطن وآخر، لكنه مستمد من الاسرائيليين أنفسهم الذين يعتبرون مستوطنات الخليل والأشكال الهمجية التي تسكنها استفزازا بالغ الفظاظة لأبسط المشاعر الانسانية الفلسطينية وانتهاكا صارخا للقيم الاخلاقية الاسرائيلية حسب تعبيرهم، فضلا عن أنه إرهاق غير مبرر للميزانية والجيش الاسرائيلي من أجل حماية مستوطنين متخلفين لا يسمح لهم بالسكن في أحياء تل أبيب مثلا.
لذلك بدت عملية امس الأول كاملة الأوصاف والأغراض. الهدف نموذجي . التنفيذ شديد الإتقان. التوقيت دقيق جدا، قبل ساعات من الدخول في قاعات التفاوض المباشر في واشنطن، التي فتحت لاستقبال مفاوض فلسطيني مجرد حتى من سلاح الموقف، والتي أغلقت لاستبعاد مقاوم أغفل في الآونة الاخيرة حاجة شقيقه الماسة الى سلاح يحمي ظهره ويمنعه من السقوط.
لكن عدم السقوط، يفترض ألا تكون عملية الخليل الجريئة عابرة، تقتصر على تسجيل موقف مؤقت من مفاوضات واشنطن، التي يفترض أن تستغرق عاما كاملا قبل أن يتمكن المفاوض الاسرائيلي من إخضاع الفلسطينيين أكثر فأكثر، أو أن يتمكن المفاوض والمقاوم الفلسطيني معا من إقناع الإسرائيليين بأن قضيته لم تمت ولن تموت.  


ـ صحيفة "الأخبار"
لبنانيون غافلون عن بركان يغلي من حولهم
ابراهيم الأمين:

في ظل الانشغال اللبناني باللعبة الداخلية على مختلف أبعادها وتفاصيلها، تتجه المنطقة صوب مرحلة صعبة ومعقدة بعنوانين: واحد يتعلق بالعراق، والآخر يتصل بفلسطين. ومع الأسف، فإن نسبة اللبنانيين المهتمين بالأمر في عنوانيه، تبدو أقل بكثير مما يحسب المرء، علماً بأن مواقف وخطوات تتخذ لبنانياً، هي في صلبها متصلة بمجريات إقليمية، وتعكس حقيقة الانقسام الكبير الذي يسود المنطقة والعالم إزاء ملفَّي فلسطين والعراق. من هذه المواقف ما يتصل بالاستمرار في التآمر على المقاومة في لبنان وفلسطين، ومحاولة عزلها سياسياً واقتصادياً وشعبياً، وحتى توريطها في أمور لتخسر شرعيتها الأخلاقية والشعبية، وهو الأمر القائم ضد حركة حماس وفصائل المقاومة في فلسطين، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة على الانتخابات النيابية في فلسطين، وكذلك الذي يعمل عليه ضد حزب الله في لبنان من خلال ملف المحكمة الدولية ودور الأمم المتحدة في منطقة جنوبيّ نهر الليطاني.

في الملف العراقي، لم يصل العراقيون ولا القوى الإقليمية والدولية النافذة إلى تسوية بشأن الحكومة والإدارة السياسية للبلاد. وثمة تباين كبير يشي بمخاطر انقسام طائفي ومذهبي من شأنه تدمير الهوية العربية لهذا البلد وإنهاكه، وبالتالي إنهاك محيطه القريب والبعيد. وفي ظل غياب الاستقلالية الحقيقية للقوى العراقية التي يصعب تفاهمها على تركيبة حكومية من نوع جامع، فإن المناقشات الجارية منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، تأخذ في الاعتبار الأول المصالح الضيقة للقوى والجماعات، وعلى أساس طائفي ومناطقي بصورة أبشع من الذي يشهده لبنان، وسط تنافر حاد يوحي باستعداد البيئة العراقية الداخلية وفي الخارج القريب والبعيد للذهاب نحو مواجهة من شأنها تدمير ما بقي من هذا البلد، الذي جعلته أحداث العقدين الأخيرين، وخصوصاً العدوان الأميركي، إلى بلد منكوب بأكثر مما أصاب فلسطين.

نكبة العراق تضاهي نكبة فلسطين والحرب المذهبية لن تُبقي شيئاًوالمشهد القائم حالياً، يظهر التباين الحادّ بين القوى الراعية للمجموعات العراقية، حيث النزعة الانفصالية قائمة بقوة لدى مجموعات مختلفة تمثّل الشمال والجنوب وحتى الوسط، وانتعاش حاد للعصبيات الطائفية والعرقية والمذهبية، ما ينعكس اختلالاً كبيراً في الطبيعة الديموغرافية للمدن والمناطق العراقية، وهو تباين يعكس احتداماً لمعارك القوى الخارجية حول ما يمكنها أن تحصّله من هذا البلد الواقع في مشكلات عدة، إذ إن الأميركيين الذين فشلوا في فرض مشروعهم السياسي أو الأمني أو حتى الاقتصادي على العراق، لا يأبهون لأن يتركوا العراق غارقاً في حروب دموية لا تبقي فيه شيئاً. وكل المفاوضات التي يجرونها اليوم داخل العراق وفي محيطه إنما تهدف إلى حماية القوات الأميركية الباقية، ولإبقاء التركيبة السياسية متأثرة إلى أبعد الحدود بالاحتلال الأميركي، فيما لا تبدو إيران في وضعية مفهومة من جانب قسم من العراقيين وقسم أكبر من العالم العربي، إذ إن طريقة إدارة إيران للملف العراقي الداخلي تظهرها طرفاً في الانقسام بين مجموعات ذات مصالح متنوعة، وليست طرفاً بين انقسام سياسي على أساس معاداة الاحتلال أو التعايش معه.
والمعضلة الإيرانية في العراق، من شأنها إذكاء مشروع الفتنة السنية ـــــ الشيعية التي يعمل عليها الأميركيون بقوة، ويساعدهم على تحقيقها دول مثل إسرائيل وجماعات متطرفة مثل التي تعتقد أن الفوضى الدائمة في العراق تتيح لها أرضاً خصبة للعمل السياسي أو الأمني أو خلافه. لذلك، فإن الجميع ينظر إلى الدور الإيراني بخصوصية، باعتبار أن إيران هي الدولة الأكثر تأثيراً الآن في المشهد العراقي. وهي التي بتحالفها مع تركيا وسوريا تصبح القادرة على إدارة الملف من كل جوانبه، فكيف ولها داخل العراق حلفاء وأصدقاء من غالبية شيعية وغالبية كردية وأقلية سنية.

من جانب آخر، تبدو المنطقة شاهدة على آخر حلقة من المسلسل المملّ الذي له عنوان «التسوية السلمية» والذي تندرج تحته جولات من التفاوض المباشر وغير المباشر بين إسرائيل وطرف فلسطيني لا يقوى على تحريك موظفين أو أمنيين إلا في اتجاه خدمة جيش الاحتلال. وبما أن العالم كله يعرف أنه ليس في إسرائيل من يقدر على ترك حق واحد من حقوق الفلسطينيين، فإن الطرف الفلسطيني المفاوض لا يملك أي نوع من الشرعية التي تتيح له القبول بأي عرض أو التنازل أو التقدم باقتراحات لا تحظى بالإجماع الفلسطيني، الأمر الذي يعني أن هذا الفصل سينتهي قريباً إلى فشل يقود إلى مرحلة جديدة من المواجهة المباشرة بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال، وهي المواجهة التي ستفتح حكماً المنطقة أمام خيار الحرب الواسعة، وخصوصاً مع التطور غير المسبوق على جبهة الصراع مع غزة من جهة، وعلى جبهة سوريا ولبنان من جهة ثانية.
بين فلسطين والعراق، يفترض باللبنانيين البحث عن وقت هادئ لصوغ موقف عمليّ يمنع الارتدادات السلبية، والاحتفاظ بأوراق القوة على اختلافها، لا التورّط في مشكلات تعكس استعداد جهات نافذة لتقديم أوراق اعتماد للجانب الأميركي، ولو على حساب مزيد من الدماء اللبنانية.  


ـ "صدى البلد"
عودة سورية من بوابة القرار الظني؟
علي الامين:

حادثة برج ابو حيدر بين حزب الله وجمعية المشاريع الاسلامية لم تنته تداعياتها بعد. فرغم اللقاﺀات التي جمعت الطرفين، وتوجّت بلقاﺀ الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية" الشيخ حسام قراقيرة، فإن مسؤولين في الحزب يعتبرون ان ما جرى، وان كان ذو طابع فردي، إلا أنّه أظهر صعوبة ضبط المناصرين والمؤيدين، كما كشف عن ارباك في التعامل مع الحادث لدى القيادات الميدانية، رغم ان نصرالله كان وجه امرا لعناصر الحزب بالخروج من المنطقة وعدم المواجهة بعد دقائق من انفجار الأوضاع، من دون ان يلقى هذا الامر تجاوبا سريعا.

في المعلومات ان سبب المواجهة كان فرديا، وبسبب اصرار احد عناصر الحزب او مناصريه على الدخول بشكل مخالف في شارع محاذي لمقر جمعية المشاريع، ما ادى الى صدام مع حراس مقر الاحباش، تطور الى اطلاق نار تمدد بعد ذلك، واوقع عنصرين من حزب الله وواحد من الاحباش. ووصلت ردود الفعل الى احراق مسجد البسطا الفوقا، وهي الحادثة الاولى من نوعها لجهة استهداف المساجد بشكل مقصود ومن افراد او جهات مسلمة.

الفوضى التي عبّر عنها اطلاق الرصاص المتبادل في الشارع لساعات، اظهرت في المقابل ان "الاحباش" كان لديهم سرعة في الانتشار والتحكم بمفاصل الشوارع وقدرة تنظيمية لجهة سرعة المبادرة واستنفار عدد كبير من مقاتليهم في وقت وجيز. كما بينت ان حجم التسلح في الشارع يثير الريبة والقلق. خصوصا ان نموذج "الاحباش" ليس استثنائيا في الشارع البيروتي والسني تحديدا، اذ ان ظواهر كـ "مرابطون" العميد مصطفى حمدان وغيرهم من المجموعات السنية التي تتلقى دعما ماليا وعسكريا من حزب الله من صيدا الى طرابلس وعكار. وهي في معظمها تتلقى دعما وتوجيهات سياسية من دمشق. وباتت تجد نفسها اليوم امام تحدي اثبات الاهلية والكفاﺀة في الشارع السني، ما يقلق الحزب مما سيكون عليه الشارع السني، خصوصا ان دمشق باتت اليوم على اهبة اعادة الاعتبار لحضورها المباشر فيه، بعدما تعرض لنكسات اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

حزب الله القلق مما يتسرب له عن القرار الظني في جريمة اغتيال الرئيس الحريري بات أكثر توجسا من اي خطوة سياسية، وحذرا من ليونة بعض القوى الداخلية حيال مواقفه وتوجهاته، سواﺀ على صعيد المحكمة الدولية او الموقف من سلاح المقاومة. لكن ما ينقل عن اوساطه ان الاسماﺀ التي جرى تسريبها له عن متهمين باغتيال الحريري هي اسماﺀ عناصر قيادة الجهاز الامني في الحزب وليست عناصر عادية يمكن ان توصف بانها غير منضبطة. هذا التوجس لديه تبرره جهات اسلامية اصولية صارت تشير الى تورط حزب الله في جريمة الاغتيال وتستند الى معلومات تنسبها الى جهات عربية مفادها ان لدى لجنة التحقيق الدولي من الاثباتات ما سيكون مفاجئا وصادما في قوة الاثبات.
الحديث عن تورط حزب الله يجري ترويجه بشكل ملفت لدى اوساط اصولية وسلفية في الشارع السني، ويترافق هذا الترويج مع ابداﺀ هذه القوى استعدادا للترحيب بالتدخل السوري الامني والسياسي والعسكري، اذا كان ذلك بديلا عن سلطة الحزب. ويشير هؤلاﺀ الى ان الحزب لا يستطيع ابتزاز الاخرين عبر تخييرهم بين القبول بشروطه في ادارة البلد، وبين عودة النفوذ السوري المباشر.

الجديد في الشارع السني عموما انه بات، امام هذا الخيار، يميل الى الاحتماﺀ او الاستقواﺀ بسورية في ظل تزايد المخاوف من سلطة الحزب. اذ تعتقد اوساط اصولية ان حزب الله وضع نفسه في موقع حيث لا يستطيع الا ان يمسك بزمام الامن واجهزته ومؤسساته العسكرية والسياسة، الداخلية والخارجية، وصولا الى مجلس الوزراﺀ ورئاسة الجمهورية، فضلا عن رئاسة مجلس النواب. وهو وضع نفسه في هذه المعادلة امام مجموعة من اللبنانيين الخائفين منه او المتزلفين له او المعارضين، لكن بحسب هذه المصادر فإنّ حزب الله يفرض نفسه في الداخل بقوة المعادلة الخارجية وليس بالاقناع او قوة المنطق.

إذا كان الخوف من ردّة فعل الشارع السني، بأصولييه وتياراته التي سبق أن دعمها ماليا وسياسيا وعسكريا، وهو ما يسمّيه بـ "الفتنة"، فإنّها تقترب بشكل سريع، وليست "فتنة" إلا لمن يريد أن يشتمها، بل هي ردة فعل ستكون طبيعية، خصوصا إذا كانت الإثباتات قوية الى حدّ إثارة ذلك الشارع. الشارع الذي يبحث عن قضية منذ غروب الناصرية


ـ "الأخبار"
مسؤوليّة قيادة المقاومة أيضاً!
سعد الله مزرعاني:

لم يأتِ حادث «برج أبي حيدر» من خارج المتوقّع. إنّه المولود الطبيعي لتناقضات متعدّدة ومتنوّعة ينتظمها الصراع الدائر في لبنان وعليه، الذي استعر وتصاعد منذ أواسط عام 2004 حتى يومنا هذا. العامل الأكبر والأبرز في تأجيج ذلك الصراع كان الغزو الأميركي للعراق في ربيع عام 2009. والطرف الأكثر مصلحًة في استمرار هذا الصراع وفي محاولة استمراره متأجّجًا، هو الطرف الإسرائيلي، الذي يقع تعطيل المقاومة أو تدميرها في رأس أولوياته.
في صياغة أخرى، أكثر مباشرة، نستطيع القول إنّ النزاع بالزيّ الطائفي، فالمذهبي، هو إفراز تقليدي من إفرازات النظام السياسي اللبناني، لتغيير توازناته أو ممارساته، أو للمحافظة عليهما. تاريخنا المعاصر حافل بالتوترات والاشتباكات السياسية والأمنية وصولًا إلى الانزلاق نحو الحروب الأهلية المديدة والمدمّرة كما حصل بين عامي 1975ـــــ1990. من جهة ثانية، لا يمكن أبدًا فصل حادث «برج أبي حيدر» أو عزله عن محاولات إغراق اللبنانيّين في صراعات دموية تتطوّر إلى مستوى الفتنة الشاملة. ذلك هدف مكشوف يحاول بلوغه الإسرائيليّون وحلفاؤهم، ولا يتردّدون في تكرار الكلام عن أسبابه ومواعيده وأشكاله!
في امتداد تاريخه المعاصر كما أسلفنا، كان لبنان ينزلق إلى الحرب الأهلية الشاملة، بمقدار ما كانت تنعقد تناقضاته المحلية على التناقضات الوافدة. هكذا حصل في أزمة عام 1958 حين تفاعل وتكامل الجنوح نحو الاستئثار الداخلي مع انطلاق «حلف بغداد» برعاية الولايات المتحدة الأميركية. وهكذا حصل عام 1975 حين عاند نهج التشبّث بالامتيازات الفئوية، الرغبة الواسعة في الإصلاح والمشاركة. ومن ناحية ثانية، تناغم أصحاب هذا النهج مع إعداد مناخات «كامب دايفيد» الذي اقتضى، كما قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، «أن تسيل دماء كثيرة في لبنان»!

بهذا المعنى، وبعيدًا عن المسايرة، ليس حادث «برج أبي حيدر» حادثًا عابرًا أو «فرديًّا». إنّه حادث «طبيعي» في مناخ التوتر السياسي والمذهبي اللبناني، والتصعيد الإقليمي. وهو في المقابل، حادث يعطي صدقية وواقعية تنفيذية، لما أشير إليه مرارًا لجهة الإعداد للفتنة، أو التحذير منها.
قد يصل التحقيق إلى شيء قليل ممّا ذكرنا. سيكون ذلك ممتازًا وخارقًا للعادة! وقد تقتضي التوازنات أو التسويات أو المساومات، إقفال التحقيق على اللاشيء، كما اعتدنا في حوادث وأحداث مماثلة. ورغم أهمية كشف المسؤوليات والأهداف والأدوات الحقيقية، فإنّ ما رافق الأحداث ويرافقها من تصعيد ومن تعبئة ومن تأجيج، يكشف لكلّ متتبّع موضوعي وظيفة حادث «برج أبي حيدر» على نحو ساطع وفاضح وحاسم، قبل التحقيق وبعده: أي منذ انطلاق الرصاصة الأولى حتى تفاقم الحادث إلى ما يشبه النزاع المذهبي الواسع!
إنّه استهداف المقاومة إذاً، هو ما يخطّط له، وبوسيلة الفتنة المذهبية، بالدرجة الأولى. وهنا يجب القول بصراحة، إنّ بعض المنطلقات التعبوية للمقاومة رغم ما وفّرت لها من عناصر القوة والدعم تستولد في الجانب الآخر ردود فعل سلبية: عفوية أو مقصودة لدى فرق ومذاهب أخرى. والبيئة اللبنانية هي بيئة «مجرّبة» في هذا الصدد، لدرجة أنّ الأميركيين وحلفاءهم من البريطانيين أصحاب نظرية «فرّق تسد»، بكّروا في نقل «الصيغة» الطائفية اللبنانية إلى العراق الغارق في دماء أبنائه حتى الموت والتفتيت والضياع!
بكلام أوضح، فإنّ اندراج «بيئة» المقاومة في تناقضات التركيبة اللبنانية وأمراضها هو نقطة الضعف التي يجري الآن استثمارها، بعدما تمكّنت المقاومة استنادًا إلى العوامل التعبوية الدينية، تباعًا، من بناء عناصر قوة ألحقت بالعدو الصهيوني هزيمة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
لن يستثني الصهاينة وسيلة للضغط على نقطة الضعف هذه. فرصتهم الثمينة في «القرار الظني» المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية في الأشهر القادمة. وشركاؤهم كثر! من واشنطن إلى عرب «الاعتدال». وأدواتهم متنوّعة: من شبكة الجواسيس الناشطة في لبنان، إلى أمراض الوضع اللبناني الكثيرة، ومنها الاستقواء بالخارج لتحقيق شعارات من بينها «الحرية والسيادة والاستقلال»، أو لبناء مراكز نفوذ وجني مكاسب على حساب البلد والقوى الأخرى.
هذا كلام مكرّر. وهو يصبح أقرب إلى التبشير ما لم يدفع نحو استنتاجات جديدة من جانب القوى المستهدفة، وفي مقدّمتها «المقاومة الإسلامية» خاصًة. إنّ الموضوع مطروح إذًا على مستوى أعمق من ذلك وأخطر بكثير. إنّه مستوى تطوير الأداء والأدوات وفق ما تمليه شروط الحفاظ على الإنجازات وتطويرها من مستلزمات، ومقاربات جديدة.
بكلام آخر، إنّ العلاقة ما بين المنطلق الجهادي والمواجهة ذات الطابع الوطني، هي مسألة لا يمكن أن تستقيم وتتواصل على شكل واحد في كل الظروف وفي كلّ المراحل، وخصوصًا في بلد كلبنان. نقول هذا الاستنتاج، ليس بمعزل عن التجربة المحقّقة، ونفترض، بدءًا، أنّ الهدف الوطني بطرد العدوّ المحتل والغاصب من أرضنا، وتحريرها وتحرير مقدّساتنا وثرواتنا من دنسه ومطامعه، هو الأولوية العامة التي لا تتقدّمها أيّ أولوية خاصّة!

وفي هذا السياق، أي سياق التجربة نفسها، نذكّر بأنّ سياسة تقديم التنازلات وبذل التطمينات في نطاق المحافظة على النظام الطائفي ـــــ المذهبي وتوازناته، لم تقابل بتنازلات مماثلة لمصلحة استمرار المقاومة ودورها وسلاحها. على العكس من ذلك، فقد جرى تغذية حملة دائمة، وبسلاح الطائفية والمذهبية إياه، ضدّ المقاومة وسلاحها ودورها، وبالتناغم مع الأعداء والمستفيدين الخارجيين، على نحو مطّرد ومتفاقم وخطير!
هل يعني هذا الكلام إهمال العامل العقائدي والديني في التعبئة بوصفه بالنسبة إلى المقاومة الإسلامية، أحد مظاهر حرية الاعتقاد والتعبير والتعبئة أيضًا؟ ليس هذا هو المقصود أبدًا. المقصود تحديدًا، هو تحرير نظام علاقات اللبنانيين في ما بينهم، وبينهم وبين الخارج، من الأثر السلبي الناجم عن اندراج العوامل المذهبية ـــــ وهي عوامل خلافية دائمًا ـــــ في صلب النظام السياسي والسلطات المجسّدة له.
إنّ تاريخنا المرهق حتى المرض بوزر الممارسات الطائفية والمذهبية، حافل حتى التخمة أيضًا، بخطابات وشعارات وإعلانات لعن الطائفية ومساوئها. ويصادف وليس من دون سبب (أو نتيجة أيضًا!) أنّ الرئيس رياض الصلح هو أبلغ من تناول هذا الموضوع في البيان الوزاري لحكومة الاستقلال. خاطب الصلح النواب قائلاً: «إنّ


رياض الصلح ورفيق الحريري تطلّعا في بيانيهما الوزاريّين إلى إلغاء الطائفية
الساعة التي يمكن، فيها إلغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان». أما الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فقال، هو الآخر، في بيان حكومته الأولى في تشرين الأوّل عام 1992: «إنّنا نتطلّع إلى وطن تنصهر فيه الطوائف ولا تستبدّ به الطائفية... التي استقرّ الرأي في الطائف على أنّ إلغاءها يمثّل هدفًا وطنيًا أساسيًا... وجزءًا من دستور لبنان. وقد لحظت المادة 95 من الدستور آلية لتحقيق هذا الهدف»!
لم تقترن الأفعال بالأقوال. ينطبق هذا الأمر على الجميع: «لمَ تقولون ما لا تفعلون»؟! أو ليست النتائج المرّة، فضلاً عن موجبات المواجهة مع العدو، سببًا لمطالبة الجميع بمطابقة الأقوال للأفعال، وتطبيق «الطائف» والدستور؟
الطائفية والمذهبية، هما على الأقل، سلاح ذو حدّين. وإذا كان ثمّة إيجابية تُنسب واقعيًا إلى الحدّ الأوّل لجهة الدفاع، في مرحلة ما، عن الذات، عبر استحضار عنصر الانتماء الأوّلي، فإنّ الحدّ الثاني، قد تحوّل إلى بؤرة من العصبيات ذات المردود السلبي الصافي والمدمّر، على النحو الذي عاناه اللبنانيون منذ عقود: حروبًا وعدم استقرار وتشرذماً وتبعية...
إنّ مستلزمات تطوير المواجهة، تستدعي، باختصار وبالضرورة، إضفاء طابع شامل على الهدف وعلى الوسيلة في الوقت عينه. يمكن أن يحصل ذلك بالتدريج وضمن خطة مرحلية أيضًا كتلك التي أشارت إليها المادة 95 من الدستور اللبناني!
هل تكون المقاومة وقيادتها الراهنة، أقلّ حرصًا على تحرير المواطن من تحرير الوطن. المهمتان أصبحتا، إلى حدّ كبير مهمة واحدة!


ـ "النهار"
شكراً سيد بلمار
نايلة تويني:

قرأت باهتمام حديث المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار صباح أمس، كما فعل غيري كثيرون طبعاً. كل واحد قرأ النص من زاوية معينة، بعضهم للإدانة، وآخرون للاطمئنان، أما أنا ففتشت في سطوره عما يريح الوضع الداخلي، علماً أن بلمار لم يسمع حتماً الضجيج بل الصخب الداخلي الذي يثيره عدد من السياسيين الحاليين والسابقين، ومسؤولي الأحزاب، أملاً منهم في أن يسمع المجتمع الدولي بعض ما يرمون إليه.
المهم في حديث السيد بلمار انه أزال الكثير من اللغط الحاصل الدائر في يومياتنا الصاخبة من دون جدوى، فقد ردّ على القائلين بأن القرار الاتهامي كتب في 2008، وان التهمة أعدت ووجهت إلى سوريا قبل "حزب الله" لاحقاً، وتحدث عن الأدلة المباشرة وليس عن معطيات وقرائن، وأوضح موضوع ما يسمى بشهود الزور، مؤكداً أن المحكمة لن تعتمد كلام محمد زهير الصديق مستنداً أو دليلاً.
وإذ أجاب بحزم، تحدث بطرافة عن التكهنات فقال: "الوحيد الذي يعرف عن القضية هو أنا، ويجب على الناس أن يتذكروا، إذا كانوا يقرأون في عقلي، كل شي آخر هو تكهنات".
اذاً، ما دار في بيروت في الشهر الأخير من نقاش هو مجرد تكهنات، والتكهنات في معناها هي محض أوهام، وكل ما بني على باطل فهو باطل.
فماذا بعد؟ هل سيصمت الجميع ويفسحون في المجال أمام المحكمة الدولية لتمارس عملها، ويفسحون في المجال أمام اللبنانيين لكي يعيشوا أو يعتاشوا، ام سيفتشون عن نقطة جديدة أخرى لإكمال الصراع الدائر بأوجه متعددة؟

المحكمة الدولية مستمرة في عملها، سواء أراد البعض أو لم يرد، وقد كان جواب السيد بلمار عن التدخلات السياسية واضحاً. صحيح أن البعض لن يصدقه، لكن السؤال الأهم يبقى ايضاً في صدقية من لا يصدقون!
إذا كان لدى البعض الكلام الكثير، والمعطيات التي تقود إلى الحقيقة، والأدلة القاطعة، فلماذا لا يعلنها أمام الملأ قبل ان يحملها إلى المحكمة الدولية؟ نعم، إلى المحكمة لأنها المرجع الصالح الذي يمنع تحولنا إلى شريعة الغاب، فيحاكم المواطن مواطنه بغير صفة، ويأخذ كل واحد حقه بيده.
شكراً لك سيد بلمار على ما فعلت، وليتأخر القرار الاتهامي أو لا يتأخر، فلا قياس للزمن أمام مقياس الحقيقة.  


ـ صحيفة "النهار"
مفاوضات واشنطن وقتل المستوطنين الأربعة: الآن بات في الضفة الغربية "حربان أهليتان"
جهاد الزين:

إذا لم يحدث اختراق نوعي نحو حل سلمي في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية التي تبدأ اليوم في واشنطن، اختراق يتيح لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس البقاء على قيد الحياة السياسية بشكل مشروع وطنياً...
... إذا لم يحدث ذلك فقد تكون عملية قتل المستوطنين الاربعة (مع جنين المرأة الحامل... خمسة) اعلاناً من ذلك النوع الذي يطلق مرحلة تاريخية جديدة في الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي عندما تتضافر معاً عوامل مقصودة و"غير مقصودة". العامل المقصود هو اختيار حركة "حماس" التوقيت لاحراج مفاوضات واشنطن في نقطتها الأكثر جوهرية: الاستيطان الاسرائيلي. لكن "غير المقصود" هنا هو هذا التراكم من الوقائع العميقة المحتقنة التي تجعل العدد الاجمالي للمستوطنين الاسرائيليين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية يناهز النصف مليون مستوطن.
هل تطلق هذه العملية ضد المستوطنين، حتى لو لم تكن حالياً جزءاً (مقصوداً) من استراتيجية دائمة جديدة لحركة "حماس" تقوم على بدء التركيز على عمل مسلح ضد المستوطنين، مرحلة تشبه ولكن داخل الضفة وحدها ما كان عليه الامر في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين في كل فلسطين: بداية انتشار المستوطنات الاسرائيلية و"رعاية" الانتداب البريطاني بشكل تدريجي ومتصاعد للوضع في كل فلسطين على انه وضع "حرب أهلية" بين العرب واليهود!
على الارض داخل الضفة الغربية، اختمر وضع كهذا مع اقتراب وربما تجاوز عدد المستوطنين الاسرائيليين في القدس الشرقية والضفة حدود النصف مليون. بهذا المعنى، وإذا ثبت انسداد أفق الحل السلمي النهائي، فإن عملية امس الاول التي قتلت مجموعة مستوطنين قرب مدينة الخليل تعني ان بديل فشل محادثات واشنطن لن يكون "كلاسيكياً": أي لن يكون انتفاضة حجارة بل بدء مرحلة مواجهات مسلحة ربما من شأنها أن تنتج جيلاً صراعياً جديداً، لاسيما ان من ملامح الوضع الفلسطيني الحالي ما يظهر انه "تعب أجيال"... من جيل كان ذات يوم بكامل ديناميته وشبابه، جيل "فتح" كمدرسة قيادية لحركة وطنية فلسطينية تقوم الآن - في واشنطن - بآخر محاولاتها الكبرى، وجيل قائم لا زال محتفظاً بقوته ضمن الجو العربي الاسلامي للاصوليات الصاعدة، ويمسك بجزء حساس جداً من الجيوبوليتيك الفلسطيني هو قطاع غزة، هذا الجيل تمثله حركة "حماس"... وربما جيل ثالث كامن، وغير واضح قد تأتي به صراعات ما بعد انسداد الأفق السلمي: أي جيل المواجهة مع المستوطنين... أو جيل "الحرب الاهلية" في الضفة كما ستسعى الحكومة - بل الطبقة السياسية - الاسرائيلية لتصوير الوضع مثلما فعل الجيل الصهيوني الاول قبل تأسيس اسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى.
لكن هذا التحول المحتمل نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع الاستيطان - والتي لها جاذبياتها القوية داخل مجتمع الضفة الفلسطيني، مخيمات ومناطق -  يتطلب بعض الرصد للتحولات الديموغرافية والنظرة السياسية اليها.
في كتابهما الصادر عن منشورات "سوي" الباريسية عام 2007 تحت عنوان "ملتقى الحضارات" وهو كتاب لأخصائيين في الديموغرافيا والانتروبولوجيا، يلاحظ يوسف كرباج وايمانويل تود في الفصل الخامس "في قلب الاسلام، العالم العربي" وفي الجزء المتعلق بـ"الفلسطينيين: الاحتلال، الحرب والخصوبة" ان الانتفاضة الفلسطينية الثانية - اي بعد العام 2000 - اظهرت بشكل مفاجىء نتائج ديموغرافية - في مجال الولادات - معاكسة للانتفاضة الاولى التي بدأت اواخر العام 1987. فبينما كانت انتفاضة اواخر الثمانينات تظهر زيادة في الخصوبة الفلسطينية بمعدل ستة اطفال للمرأة الواحدة أظهرت احداث ما بعد 2000 تراجعاً في الولادات الى معدل 3,4 اطفال للمرأة الواحدة حسب ارقام 2002 و2003. وهكذا حدثت - وفق الباحثين تود وكرباج - ظاهرة جديدة هي تجاوز نسبة الخصوبة لدى المستوطنين الاسرائيليين النسبة لدى الفلسطينيين داخل الضفة الغربية. فسجل المستوطنون معدل 4,51 وسجل الفلسطينيون معدل 4,18 اعتبارا من العام 2000. وحتى داخل القدس نفسها اشارت ارقام الـ245000 فلسطيني الى معدل ولادات 3,94 مقابل معدل ولادات لدى 475 الف اسرائيلي في المدينة هو 3,95 حسب الكتاب.
لكن يختم الكاتبان هذا الجزء الفلسطيني في كتابهما بالخلاصة التالية التي يسميانها "كافكاوية":
"الخصوبة المرتفعة للعرب الاسرائيليين (48) تهدد الدولة العبرية في داخلها بينما الخصوبة المرتفعة للمستوطنين اليهود تهدد السيطرة الديموغرافية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية)".
هذه الظواهر السكانية المتغيرة، ادت - حسب مقال لدان افرون في العدد الاخير من "نيوزويك" الاميركية - الى أن "عددا متزايداً من اليمينيين الاسرائيليين باتوا الآن يؤكدون على ان التوازن الديموغرافي بين الجهتين الفلسطينية والاسرائيلية اصبح اكثر لصالح الاسرائيليين وليس كما كان يُعتقد". وتبعاً لدان افرون، فان اخراج قطاع غزة اي المليون ونصف المليون من سكانه، من معادلة التنافس بل التصارع الديموغرافي الفلسطيني - الاسرائيلي بعد الانسحاب منها عام 2005 جعل هؤلاء اليمينيين الاسرائيليين اكثر تأكيدا على رؤية التحول لصالح اليهود. بل ذهب هؤلاء الى حد التشكيك بالرقم الرسمي لعدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وهو2,5 مليون نسمة، معتبرين إياه مبالغا به. وان نمو الفلسطينيين السكاني هو أقل.
لكن النتيجة السياسية لهذه التقديرات هي المهمة في مقال افرون الذي جاء تحت عنوان: "رياضيات اسرائيل الجديدة" اذ ان اليمين الاسرائيلي بات اقل خوفا من فكرة "الدولة الواحدة" التي كانت ولا تزال تعني للكثير من الاسرائيليين خسار ة الطابع اليهودي للدولة العبرية ولهذا يقول الكاتب ان عدداً من اليمينيين الاسرائيليين باتوا مستعدين لإعطاء حقوق سياسية كاملة للفلسطينيين خلال عملية الضم الكاملة للضفة الغربية الى اسرائيل.
طبعاً هذه الخلاصات السياسية هي خلاصات محدودة إذا كان الوضع ذاهباً سواء الى فشل محادثات واشنطن او "نجاحها" بمعنى ما. في حالة النجاح سيكون التقييم مرتبطاً بنوع "الاختراق" ومدى قدرته على الاستقطاب، اما في حال الفشل فإن الصراع لن يكون محصوراً طبعاً كما يفترض بين ضم وحقوق سياسية بل سيكون مفتوحا - خصوصاً لدى اليمين الاسرائيلي - على مشاريع استكمال الاستيطان - الجاري اصلاً - او الترحيل او البديل الاردني... اي اذا كان "حل الدولتين" مع جهود نصف قرن لتوليده وتنفيذه... هو الذي يسقط.
ستظهر محادثات واشنطن ما إذا كان ممكناً بعد تأجيل الحل النهائي عبر أفكار واتفاقات تبقي على المفاوض الفلسطيني في "السلطة الوطنية" حياً على الصعيد السياسي اكثر مما حصل حتى الآن.
لكن على الأرض... هل بدأت، مع قتل المستوطنين الاربعة، مرحلة "حرب اهلية" من وجهة نظر الاسرائيليين بين نصف مليون مستوطن ومليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة والقدس ومن وجهة نظر "جيل فلسطيني جديد" مرحلة مختلفة عنوانها الكفاح المسلح ضد المستوطنين... وهؤلاء ليسوا "مدنيين" اسرائيليين! ولا يمكن جعلهم - بدون خلاف - كذلك إلا بقيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" وعاصمتها القدس الشرقية؟
... بهذا المعنى بدأت حربان اهليتان دفعة واحدة في الضفة، واحدة مع المستوطنين وواحدة بين الفلسطينيين انفسهم بسبب استمرار الخلاف على الخيارات والمواقع؟ وربما المواقع اكثر من الخيارات؟


ـ صحيفة "اللواء"
الدخول السوري على الخط خفّف من حدّة الإشتباك السياسي
ومجلس الدفاع قارب مشكلة الأمن ولم يضع حلولاً جذرية لها
<ما سرّب عن القرارات السرية للمجلس الأعلى للدفاع لا يشكل علاجاً جذرياً لقضية السلاح>
عامر مشموشي:

هل نزع القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه أمس الأول برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والقاضي بتشديد الاجراءات الأمنية في كل لبنان ولا سيما بيروت فتيل الأزمة السياسية التي استفحلت بعد اشتباكات برج أبو حيدر بين حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الاسلامية (الأحباش) وكادت أن تتحوّل الى فتنة مذهبية بين السنّة والشيعة، وانتهى معها مفعول اللجنة الوزارية التي شكّلت برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري وعضوية وزيري الدفاع والداخلية الياس المر وزياد بارود لاتخاذ قرارات <جريئة> على رأسها جعل العاصمة بيروت منزوعة السلاح، وأقرّ الجميع بأن ما حدث في برج أبو حيدر إنما هو حادث فردي بصرف النظر عن حجمه وحجم السلاح الذي استخدم فيه، وحجم الأضرار التي لحقت بأملاك المواطنين الآمنين، وحجم الخوف الذي أصاب سكان العاصمة من ارتدادات ما حصل ومن تداعياته على السلم الأهلي ليس في بيروت وإنما في كل لبنان؟
ما سرّب عن القرارات السرية للمجلس الأعلى للدفاع لا يشكل علاجاً جذرياً لقضية السلاح، ولا يطمئن الى أن ما حدث في برج أبو حيدر وإن كان حادثاً فردياً لا خلفيات سياسية ولا مذهبية له، لن يتكرر في أي وقت طالما أن الأسباب ما زالت قائمة ومتوافرة، ولم تعالج جذورها، لأنها اقتصرت على تشديد الاجراءات في وجه أي إخلال بالأمن على الأراضي اللبنانية كاملة ولا سيما منها العاصمة بيروت، وهذا معناه اعتراف المجلس الأعلى بأن الدولة وقواها الأمنية مقصّرة في الحفاظ على أمن المواطنين من المسلحين، وأن الاجراءات والتدابير المتخذة لم تكن كافية لمنع حصول ما حصل في برج أبو حيدر، وأنها ستعمل من الآن وصاعداً على تشديد الاجراءات من خلال توفير مستلزمات الجيش وقوى الأمن الداخلي، وكل الأجهزة الأمنية من عديد وعتاد في مهماتها، الأمر الذي يحتاج الى وقت طويل غير متوفر في المدى المنظور ما يعني بكلام آخر طمأنة للقوى المسلحة غير الشرعية والتي ظهرت في بيروت وفي بقية المناطق اللبنانية في السابع من أيار 2008 وفي اشتباكات برج أبو حيدر الأخيرة الى أن القوى الأمنية الشرعية غير قادرة على الحفاظ على الأمن وعلى سلامة المواطنين، وليست في وضع يمكنها من الحؤول دون حصول فتنة مذهبية أو طائفية في حال خططت جهة ما ولمصلحة ما لوقوعها في أي وقت وتحت أي ظرف•

وهذا معناه أن المجلس الأعلى للدفاع رفع يده الأمنية عن الأزمة المطروحة، وتركها للمعالجات والتوافقات السياسية بين الأطراف المعنية وهو نفس العلاج الذي توصل إليه اتفاق الدوحة بعد أحداث السابع من أيار 2008، ولم تحل التطورات الداخلية دون تكرار شبيه له في برج أبو حيدر والذي ما زالت تداعياته وارتداداته السياسية تتوالى على الرغم من تراجع حدتها بعد زيارة الرئيس سعد الحريري الى العاصمة السورية ولقائه الرئيس بشار الأسد•

فهل يصح اعتبار هذه الزيارة، وما جرى فيها إيذاناً بانتهاء تداعيات اشتباكات برج أبو حيدر على الوضع السياسي العام، وعلى العلاقات المتوترة بين تيار المستقبل وحزب الله، وهو ما ظهر في القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى للدفاع، بعد أن صرف الرئيس الحريري النظر عن اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء برئاسته لمعالجة الوضع الأمني في البلاد معالجة جذرية من خلال قرارات جريئة تتخذها الحكومة وفي مقدمها نزع السلاح من العاصمة بيروت، أم أن الأمور ما زالت تتفاعل منذرة باشتداد الأزمة في مقبل الأيام، خصوصاً وأنه لم يظهر أية بوادر تشير الى أن حزب الله قرر إيقاف هجومه المضاد على الرئيس الحريري وعلى شهود الزور ومن خلالهم على المحكمة الدولية•

مصادر في قوى 14 آذار تستبعد أن يوقف حزب الله حملته على رئيس الحكومة، رغم توضيحاته بشأن سلاح حزب الله وأنه لا يقصده عندما تحدث عن السلاح المتفشي في بيروت ورغم البيان التوضيحي والإيجابي الذي صدر عن كتلته النيابية في اجتماعها أول من أمس لأن هدف الحزب بات معروفاً وهو النفاذ الى المحكمة الدولية من خلال سياسة الابتزاز التي يمارسها منذ شهرين تقريباً وجاءت أحداث برج أبو حيدر والموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة منها بمثابة ذريعة لفتح النار عليه بشكل مباشر ومن دون توقف•

ولاحظت هذه المصادر أن معظم التصريحات التي صدرت عن قياديين ونواب في حزب الله لم تسقط موضوع المحكمة ولا شهود الزور من الواجهة•

ما يعني أن الحزب ماضٍ في معركته الاستباقية الى أن يحصل على ما يريده من وراء هذه الحملة•

وتستبعد المصادر أن يخفف ما صدر عن المدعي العام الدولي دانيال بيلمار الذي أعلن أن القرار لن يصدر في أيلول الحالي من هجوم الحزب وحلفائه عليه وعلى المحكمة بقدر ما يرفع من وتيرة هذه الحملة وهذا ما سوف تكشف عنه الأيام والأسابيع المقبلة•


ـ صحيفة "المستقبل"
ضبط فلتان السلاح غير الشرعي في بيروت شعار المجتمع المدني لمصلحة الدولة
ربى كبارة:

يؤكد متابعون ان اجواء التهدئة، التي ضخ فيها السحور الدمشقي بين الرئيس السوري بشار الاسد ورئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري دما جديدا، لن تحول دون استمرار هيئات المجتمع المدني بحمل لواء ضبط السلاح غير الشرعي في بيروت لتعميمه لاحقا على كل لبنان باستثناء جنوبه حيث ان موقع ومصير السلاح الموجه الى اسرائيل مطروح على طاولة الحوار الوطني.
وتذكر المصادر بأن هذا الشعار رفع بخجل بعد سيطرة حزب الله عسكريا على بيروت في 7 ايار 2008 وغاب عن التداول بعد اتفاق الدوحة الذي نص على عدم استخدام السلاح في الداخل. لكن نص هذا الاتفاق لم يحم الاهالي من نيران الاسلحة المنتشرة بين منازلهم كما تبين عشية يوم 24 اب اغسطس الماضي بغض النظر عن الاسباب والدوافع.
وتذكر الاوساط المتابعة بأن التحركات الشعبية المضبوطة سبق لها ان انتجت، وخصوصا عندما ساهمت الى جانب القرارات الدولية، في تحقيق خروج القوات السورية من لبنان بعد وجود استمر نحو ثلاثة عقود وذلك اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005.

وتكون تحركات هيئات المجتمع المدني عبر بيانات كتلك التي صدرت عن هيئات بيروت المنتخبة وعن جمعية تجار بيروت ولجان الاسواق او اعتصامات او تظاهرات سلمية بهدف تعبئة رأي عام داعم لهذا الشعار الذي لقي ترحيب اوساط شعبية واقتصادية وسياسية وصولا الى رئيس الحكومة الاسبق سليم الحص .
ولا تتعارض تحركات المجتمع المدني مع مقررات مجلس الدفاع الاعلى التي صدرت الثلاثاء ومنها "تشديد الاجراءات في وجه اي اخلال بالامن على كامل الاراضي اللبنانية لا سيما في بيروت وفي نطاق عمل اليونيفيل جنوباً لان اي اخلال بالامن يعني استعراض او استخدام السلاح ويقتضي رفع الغطاء السياسي عن المخلين مما يساعد في بناء مؤسسات الدولة لان الطريقة الوحيدة لحماية الناس هي الالتزام بالسلاح الرسمي.
وتتوقع الاوساط نفسها ان تبقى الاوضاع مضبوطة تحت سقف الموقف الذي صدر اثر لقاء الاسد-الحريري الاخير، مؤكدا الاستمرار بالتهدئة والاستقرار ودعم المقاومة التي كل ما يتعلق بها موجه جنوبا.
وبواقعية ترى الاوساط نفسها أن مقولة ضبط السلاح غير الشرعي لا يمكن تنفيذها بدون موافقة كافة الاطراف السياسية وفي مقدمها حزب الله الذي اعتبرها صراحة موجهة ضد سلاحه ومرتبطة بمصالح اسرائيلية ودولية رغم التوضيحات المتكررة من قبل المنادين بهذه المقولة.
وكانت هذه التوضيحات قد انطلقت غداة احداث برج ابي حيدر بلسان رئيس الحكومة سعد الحريري وجاء آخرها في البيان الاخير لكتلة نواب المستقبل الذي شدد على "ان المطالبة ببيروت منزوعة السلاح لا تستهدف سلاح المقاومة الذي تتم مناقشته في هيئة الحوار الوطني، بل ان هذا الشعار هو لحماية مبدأ المقاومة من التشويه والانزلاق في وحول الازقة والزواريب"

وما بين الموقفين مواقف عدة تندرج في الاطار نفسه رغم تأكيد احد نواب "حزب الله" نواف الموسوي ان "ثمة من يستفيد من الحادثة للتوصل الى اجراءات من شأنها غلّ ايدي المقاومة في الدفاع عن نفسها فيما لو صدر القرار الظني باتهامها" معتمدا على معلومات صحافية اشارت الى احتمال ورود اسماء لعناصر من حزب الله في القرار الاتهامي الذي يتوقع صدوره عن المدعي العام الدولي دانيال بلمار قبل نهاية العام الجاري ويؤدي وفقها الى فتنة سنية-شيعية.
وفيما يستمر "حزب الله" باتهام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالتسييس، يؤكد استمراره في متابعة ملف "شهود الزور" ملوحا من حين لاخر بكشف اسماء لاشخاص من قوى 14 اذار شاركت، وفقه، في اعدادهم.
ونشرت الصحف امس الاربعاء اول حديث يدلي به بلمار منذ نحو عام وشكل ردا غير مباشر على الاتهامات التي يوجهها اليه "حزب الله"، مؤكدا بأنه يستقيل عندما يتعرض لضغوط سياسية، ولافتا الى "ان العملية القضائية تكون شفافة" وليس مسار التحقيق" الذي يبقى سريا وبأنه يتوجه حيث يقوده التحقيق لانه لم يكتب بعد القرار الظني.كما اكد بلمار انه لم يستخدم مصطلح "شهود زور" مذكرا بأنه "بالطبع السلطة العليا في ما يتعلّق بالتحقيق".وتشير الاوساط المتابعة الى حالة ارباك عند "حزب الله" الذي يستمر في سعيه لربط النزاع مع الاطراف الاخرى حول كل المواضيع المتوفرة له.
وبعد ان لوحت مصادر قريبة من "حزب الله" باحتمال تغيير حكومي اذا لم تتم الاستجابة لمطالبه خصوصا بشأن المحكمة والتحقيق الدوليين، اكد النائب سليمان فرنجية، المقرب من الرئيس الاسد، بأنه "ضد التغيير الحكومي وأرى انه اذا استاقلت فإن هناك صعوبة كبيرة لتشكيل حكومة اخرى".


ـ صحيفة "الديار"
مسؤولية «حزب الله» لضمان أمن العاصمة
نزار عبد القادر:

يقود العجز الذي أظهره مجلس الوزراء وايضاً المجلس الاعلى للدفاع في معالجة اسباب وتداعيات ما حصل في برج ابو حيدر ومناطق اخرى من العاصمة الى استنتاج واحد بأنه لم يعد لهذه الدولة اي قدرة على اتخاذ قرارات سياسية او أمنية تحمي حق الدولة في السيادة وفي حصرية السلاح في يد قوات الشرعية دون سواها، كما تحمي حياة المواطنين وممتلكاتهم. جاءت مقررات المجلس الاعلى للدفاع التي اذيعت اول من امس مخيبة للآمال، حيث تبيّن بما لا يدعو للشك ان اتصال رئيس الحكومة برئيس الجمهورية لاقتراح دعوة المجلس الاعلى للدفاع لعرض ما توصلت اليه اللجنة الوزارية من استنتاجات وتوصيات قد شكّل مناورة لاخراج اللجنة الوزارية من المأزق الذي واجهته خلال مداولاتها، حيث اصطدمت بالوقائع السياسية والأمنية القائمة.
على الصعيد السياسي فقد ادرك مجلس الوزراء الذي انعقد بعد احداث برج ابو حيدر بأن البحث في مسببات الحادث يعود بالدرجة الاولى الى انتشار السلاح، والى اجواء التعبئة النفسية التي ساهمت في توسيع الاشتباك واعطائه طابع المواجهة المذهبية السنية - الشيعية. كما أدرك المجلس بأن بحث الامور بجدية سيؤدي الى تعكير اجواء التهدئة على المستوى السياسي العام، كما سيسمم الاجواء السائدة داخل مجلس الوزراء. انطلاقاً من هذه الحقيقة يمكن الاستنتاج بأن مخرج احالة القضية الى لجنة وزارية لم يكن سوى محاولة لتفادي الانقسام داخل مجلس الوزراء بما يفتح الباب امام الدخول في ازمة حكومية، من الصعب التكهن بما ستؤول اليه من نتائج.
يبدو ان رئيس الحكومة سعد الحريري قد أدرك تعقيدات الموقف الذي سيواجهه اذا ما أصرّ على الخروج بتوصيات محددة لقضية السلاح في مدينة بيروت، كما أدرك خطورة الاستمرار في الخطاب الداعي الى جعل العاصمة منزوعة السلاح في ظل التصعيد المقابل الذي لجأ اليه حزب الله، والذي دفع بجميع قيادييه ونوابه الى ادانة الدعوات «لتحرير» بيروت، وعلى اعتبار انها تشكل التفافاً مكشوفاً على سلاح المقاومة ودورها. في ظل هذه المواجهة بين ما طرحه تيار المستقبل وما ردّت به قيادات المقاومة وحلفاؤها، بدا ان الطرفين يتجهان نحو الخروج على كل توصيات التهدئة التي انتهت اليها القمة السعودية - السورية - اللبنانية، وقد استوجب ذلك تدخلاً سورياً مباشراً من أجل كبح الخطاب التصعيدي الصادر عن الطرفين، والعودة الى «الستاتيكو» القائم سياسياً وامنياً. وهذا ما نجح «سحور» دمشق الذي دعي اليه سعد الحريري في تحقيقه.
يؤشر التراجع الحاصل في مطالب تيار المستقبل ونواب بيروت لجعل العاصمة منزوعة السلاح، وتأكيدهم بأن هذا المطلب لم يكن يستهدف سلاح المقاومة على مدى نجاح اجتماع دمشق في نزع فتيل الازمة. وكان اللافت ايضاً الكلام الصادر عن ال

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد