المقتطف الصحفي » ملحق عن الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان

ـ 'الأخبار' 
إيلي شلهوب:
محمود أحمدي نجاد في لبنان: زيارة بالتوقيت الهجري

أهم ما في زيارته، على ما يؤكد عارفوه، زيارته لرجال المهدي، المستشهدين منهم والأحياء
محمود أحمدي نجاد في لبنان غداً. زيارة متعددة الأبعاد تستهدف إخراج لبنان من المزاد الإقليمي والدولي، وتوقيع مجموعة اتفاقات تعزز روابطه مع &laqascii117o;المشرق الجديد" الذي يبنى حالياً. ورغم الحرص الإيراني على التأكيد أنها زيارة رئيس دولة لدولة صديقة، إلا أن شخصية الرئيس الضيف المثيرة للجدل ستبقى هي المهيمنة.

لبنان على موعد رسمي غداً مع زيارة يعتزم القيام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لـ&laqascii117o;بيروت العاصمة" و&laqascii117o;ضاحية الصمود" و&laqascii117o;جنوب المقاومة". في العنوان، هي زيارة رسمية يقوم بها رئيس دولة لدولة صديقة. لكنها في المضمون متعددة الجوانب. زيارة تحمل أبعاداً استراتيجية تتجاوز جدول أعمالها المعلن، وهدفه تعزيز العلاقات الثنائية عبر اتفاقيات قد يصل عديدها إلى ثمانٍ أو حتى 12 اتفاقية.
هذا في الخلفية. أما في الجوهر، فلعل أهم استهدافات الزيارة ونتائجها، وفقاً لمصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في طهران، أنّ &laqascii117o;لبنان من بعدها لن يبقى في المزاد الإقليمي والدولي".
استنتاج لم يخرج من الفراغ. فهذا جزء من عملية إقامة &laqascii117o;المشرق الجديد" الذي يريد القيّمون عليه أن يكون لبنان &laqascii117o;جزءاً أساسياً منه". والحديث هنا عن شبكة العلاقات الاقتصادية والتجارية والتنموية، التي بدأت تربط إيران وسوريا وتركيا عبر المعاهدات الثنائية. شبكة، لبنان في طريقه إلى أن يكون طرفاً فيها، هي الردّ المنظم على نظرية الفوضى الخلاقة التي سعى الأميركيون خلال مرحلة من المراحل إلى تطبيقها في المنطقة، على ما تفيد مصادر قريبة من أكثر من عاصمة إقليمية.
ويضيف العارفون بشؤون طهران وشجونها أن زيارة نجاد هذه تعدّ جزءاً مكملاً للمشهد الدمشقي الذي جمع الرئيس الإيراني بنظيره السوري ومعهما الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. رسالة إلى الأميركيين والإسرائيليين أن &laqascii117o;نجمكم قد أفل وحان وقت الرحيل. نحن أصحاب هذه الدار والقادرون على إدارتها". استثمار مؤجل لانتصار تموز الذي &laqascii117o;لولاه لما أمكن عقد هذه الاتفاقيات" يريد من خلاله الإيرانيون القول &laqascii117o;نقدم في الحرب والسلم. نحن رجال الحرب ورجال البناء. نحن أيضاً من محبّي الحياة". زيارة يريد من خلالها نجاد القول &laqascii117o;مهلاً. أنا رئيس إيران، لكنني أيضاً مهندس، قادر على بناء الجسور والطرق والجامعات وتخطيط المدن. مدني ولكنني لست مثلكم. أنا أعمل بالتوقيت الهجري. أنا مسلم مشرقي، ولست غربياً حداثوياً".
ومع ذلك، يبقى مكمن أهمية الزيارة في طبيعة الضيف الزائر. ليس في كونه رئيساً لإيران، تلك الدولة التي دعمت لبنان ومقاومته بكل غال ونفيس، بل في كونه رئيساً ليس كجميع أسلافه، على الأقل الأقربين منهم، سواء تحدثنا عن محمد خاتمي الإصلاحي الداعي إلى حوار الحضارات، أو حتى أكبر هاشمي رفسنجاني البراغماتي المعتدل.
هو ليس واحداً منهم. لا ينتمي حتى إلى الطبقة التي تحكم إيران. هو &laqascii117o;رجل من جنس الناس"، على ما أعلن يوم ترشح للانتخابات في عام 2005. لا ينتمي إلى أي حزب، وبالتالي &laqascii117o;ليس مديناً لأحد" في وصوله إلى منصبه. كذلك فإنه لا ينتمي إلى أي من العائلات الإيرانية المعروفة. ابن حداد درس الهندسة وكافح إلى أن فاز برئاسة بلدية طهران. هو ابن دولة المرشد، تلك البنية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية التي تُعرف باسم &laqascii117o;الحرس الثوري" والتي حضنته وحملته إلى كرسي الرئاسة.
هذا في الأوليات، في الشكل والإطار. أما في المضمون، فتلك حكاية أخرى. وأهم ما في هذا المضمون، أن نجاد صاحب تفسير خاص للمدرسة المهدوية.
خريطة طريق
يزاوج بين الإسلام وإيران ويؤمن بقيامتين لا تنفصل الواحدة منهما عن الأخرىالفكر المهدوي عامة منتشر في إيران، بل في الفكر الشيعي المعاصر كله تقريباً. مدارسه متعددة، وهي تتحرك ضمن حدّين. هناك دعاة المهدوية السلبية، أو من يعرفون بالحجّتيين الذين ينتظرون ظهور المهدي من دون القيام بأي دور في هذا السياق. وعند حصول هذا الظهور، يصبحون من أنصاره. وهناك دعاة المهدوية الإيجابية، التي أرسى أسسها الإمام الخميني، وتقوم على ضرورة أن يفعل المؤمن كل ما طلبه منه الأنبياء والأئمة والأولياء في إطار إسلام ثوري يستهدف بناء الدولة الإسلامية.
محمود أحمدي نجاد هو &laqascii117o;الرجل الوحيد تقريباً"، على ما يفيد العارفون، الذي &laqascii117o;تشعر بأن لديه خريطة طريق لظهور المهدي". هو ليس فقط مؤمناً بنظرية الإمام الخميني بشأن الانتظار الإيجابي، بل يعمل &laqascii117o;مصدّقاً معتقداً مقتنعاً" بأنه كلما أنجز خطوة في طريق بناء الدولة المهدوية العالمية، سرّع في ظهور المهدي. بل هو مصرّ على أن يوحي بحتمية ذلك.
من هنا يصبح حديثه وإصراره على مجموعة من المطالب والشعارات مفهوماً: إيران دولة عظمى. إيران تريد حصتها من إدارة العالم. إيران موجودة في كل مكان. إيران مؤثرة في كل القارات... كلها عبارات قد يراها الآخر عبثية، أو في الحد الأدنى حلماً بعيد المنال. لكنها في نظر نجاد جزء من برنامج رؤيوي يعتقد جازماً أنه كلما حقق بنداً من بنوده اقترب ظهور &laqascii117o;الإمام المنتظر". هو مقتنع بأن هذه هي الحقيقة، وكل ما عداها هو الحلم.
أبعاد مهدويّة
زيارة نجاد للبنان تأتي كجزء من هذه الرؤية ـــــ المهمّة. تعزيز العلاقات الثنائية وتوقيع الاتفاقات، بنظره، أمران ثانويان، على ما يفيد عارفوه. تحصيل حاصل، سواء حضر إلى لبنان أو لم يفعل. أمور دنيوية من مهمة الوزراء والمديرين العامين والفنيين. بالنسبة إليه، أهم ما في زيارته تلك، على ما يؤكد المطّلعون على طريقة تفكيره ووجدانياته، زيارته لـ&laqascii117o;رجال المهدي"، المستشهدين منهم والأحياء. يريد أن يتقرّب إليهم. أن يشمّ رائحتهم. أن يتبرك بهم. أن يلمسهم عن قرب.
توقيت هجري
معروف عن نجاد أنه يفكر في الزمن الهجري (المشرقي الإسلامي) لا الزمن الميلادي (الغربي الحداثوي). هو مدرك تماماً أن الحداثة تخترق جميع المجتمعات الإسلامية، عن طريق العولمة ووسائل الاتصال وغيرها. لكنه يعتقد أن الحداثة الغربية من الهشاشة بمكان أنه قادر على اختراقها وإقامة حداثته الإسلامية الخاصة به. يعتقد أن أسوار الحداثة الغربية تنهار أمام مشروعه الذي يمضي قدماً. ليس في ذلك رفض للمعاصرة، على ما يعتقد، بل تطويع لها كي تصبح في خدمة الإسلام، وتوظيفها في زمن هجري خاص به.
مكسّر الأصنام؟
يرى نجاد أن الغرب والحركة الصهيونية فرضت على العالم مجموعة من التابوهات أشبه بأصنام ممنوع المساس بها. ويقول إن على الدول المتحررة أن تتجمع وتشيع ثقافة عدم التعهد بالتزامات تحرمها عليها ثقافاتها الخاصة وهويتها الوطنية. ولا يتورّع عن وضع كلّ من المجتمع الدولي ومعايير حقوق الإنسان والأمم المتحدة وأسلحة الدمار الشامل وما إلى ذلك ضمن هذه التابوهات. ولعلّ أبرز هذه &laqascii117o;التابوهات" إثارةً للجدل، ذاك المتعلق بالمحرقة النازية، التي شكّك فيها مرّات ومرّات من دون أن يرفّ له جفن، لا بل أقام مؤتمرات دولية في طهران لنفي وجودها!
يمارس نجاد أيضاً ما يعدّه أشبه بـ&laqascii117o;كيّ وعي مضاد". فهو يرى أن إسرائيل والحركة الصهيونية عملتا، على مدى عقود، على كيّ وعي أبناء هذا الشرق الحزين وإيهامهم بأن إسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة وأن جيشها لا يقهر وأن وجودها بات حقيقة مسلماً بها ما عاد أحد يجرؤ على مناقشتها. من هنا كان تركيزه على مقولة &laqascii117o;إزالة إسرائيل عن الخريطة" إلى أن تحولت إلى بند من بنود النقاش على الساحة الدولية.
ويعتقد الرئيس الإيراني بضرورة نقل الهجوم إلى ساحة الخصم. يرفض أن يكون المشرقي المسلم في موقع الدفاع، بل يسعى إلى وضع الغرب في هذا الموضع. من هنا تأتي إثارته لمسألة مسؤولية الولايات المتحدة عن هجمات 11 أيلول، وغيرها كثير على قاعدة &laqascii117o;تتهمني بانتهاك حقوق الإنسان وأتهمك بانتهاك حقوق الإنسان. تتهمني بقمع الحريات وأتهمك بقمع الحريات وما إلى ذلك".
لكنّ استراتيجيّته هذه، وما يراه حرباً على التابوهات، تنقلب أحياناً استعراضاً لا يستفزّ الغرب وحده، بل معظم دول العالم. ولا يزال تصريحه من نيويورك عام 2007 الذي ينفي فيه وجود مثليّين في إيران، يثير حملات إعلاميّة مستنكرة.
أنا ونفسه عليه
وفي السياق، يعتقد نجاد بأن الغرب لا بد من أن ينسحب ويتراجع عندما تتعامل معه بتكتيك حافة الهاوية. يقول إنّ عليك أن تلقّن نفسك والخصم أنك أقوى منه، فتكون قد كسبت نصف المعركة. ويستند نجاد إلى قول للإمام علي، ردّاً على سؤال عن كيفية تحقيقه للانتصارات: أنا ونفسه عليه، فنكون اثنين ضد واحد.
ويرى نجاد أن الآخر حكمنا بالتلقين والإيحاء وكيّ الوعي والمعادلات الوهمية التي تحوّلت إلى شيء مادي ملموس، وأن الحل بالتعامل مع هذا الآخر من الند للند ما سيدفع به إلى التراجع.
ولائيّة واعية
مهندس من أبناء دولة المرشد التي حضنته وحملته إلى كرسي الرئاسةعلاقة نجاد بالمرشد علي خامنئي يمكن تصنيفها بأنها علاقة ولائية واعية لا عمياء. يعتقد نجاد بأن المؤمنين الحقيقيين بالولي الفقيه يجب أن يكونوا أصحاب رأي لا أن يسيروا خلفه على غير بيّنة، على أن تبقى الكلمة الفصل بيد المرشد. أي صاحب رأي مطيع. وهو في ذلك يشبه رفسنجاني كثيراً، لكن مع فارقين: الأول، هو أن نجاد جاء من خارج المنظومة المؤسساتية التقليدية. والثاني، هو أن نجاد (هو الرئيس الوحيد الذي جاء بـ) لا جدول أعمال خاصاً به، بل أجندته هي نفسها أجندة المرشد. وصدف أن طريقة تنفيذه لهذه الأجندة كانت مريحة جداً لخامنئي. هو يعمل على الطريقة الإسلامية &laqascii117o;الأفقية" (على نسق الولاة) لا الطريقة الغربية القائمة على الهرمية، التي اعتمدها الرؤساء السابقون الذين أقاموا تراتبية بالغة التعقيد ورثوها من عهود ما قبل الثورة.
قيامتان... قيامة واحدة
يزاوج نجاد بين الإسلام وإيران، ويؤمن بقيامتين لا تنفصل الواحدة منهما عن الأخرى. هو يدرك وجود نظريات متعددة في هذا الشأن: هناك المدرسة الإسلامية الصرف التي تقول بالقيامة الدينية. وهناك المدرسة القومية الصرف التي تقول بالقيامة القومية. وهناك مدارس تغلّب واحدة من هاتين القيامتين على الأخرى. غير أن نجاد يرى أن كل هذه المدارس غير حقيقية. هو يؤمن بقيامة واحدة من شقين متساويين في الأهمية: الدين والقومية. يقول بعدم إمكان فصل الإسلام عن إيران ولا إيران عن الإسلام.
مع المجموعة لا الفرد
لا يؤمن نجاد بكونه رئيس جمهورية يعاونه وزراء، بل يرى نفسه أقرب إلى أمير مجموعة يعمل بعضها مع بعض بتجانس وانسجام كاملين. حلقات مترابطة في ما بينها في إطار سلسلة لا يمكن فصل عراها. إن حصل وشذّ أحدهم عن المجموعة، في خططه أو إجراءاته أو سلوكه، فعليه أن يتركها فوراً، أن يستقيل من مجلس الوزراء، مهما كانت أخلاقه حميدة أو على علاقة جيدة بالرئيس. الحل على طريقة &laqascii117o;نبقى أصدقاء لكن كل واحد في طريقه". من هنا، لا يؤمن نجاد بوجود وزير فاشل ووزير ناجح. يقول بمجموعة فاشلة أو مجموعة ناجحة. كذلك فإنه لا يؤمن بالمهمات المنفصلة. هو يحترم الاختصاص. لكنه يرى وجود مساحة مشتركة حيث الكل يتدخل في الكل.
نظريته في الإدارة أقرب إلى نظرية &laqascii117o;التسيير الذاتي". يعتقد بأن على المجتمع أن يسيّر ذاته بذاته من دون أن يلقي بكاهله على الدولة. من هنا، على جميع طبقات الشعب وفئاته المشاركة في تسيير شؤون الدولة من خلال دفع الضرائب وتحمّل الأعباء معاً على قاعدة الكل حسب قدرته. ومن هنا أيضاً، القول بضرورة رفع الدعم عن السلع والاستعاضة عنها بمساعدات نقدية مباشرة، لكل حسب حاجته. ولعل نجاد الرئيس الوحيد الذي تجرّأ على السير بمشروع رفع الدعم، الذي بدأ العمل به، بعدما فُتحت حسابات مصرفية لكل أفراد الشعب الإيراني الذي قُسّم إلى 10 فئات، من الأكثر عوزاً إلى الأكثر تخمة، سيخصص لكل منها كمية من الدعم المالي النقدي شهرياً. نظرية تتوافق مع الاتجاه العام للدولة، حيث رفع مجلس تشخيص مصلحة النظام مشروعاً بتخصيص 65 في المئة من المشاريع والمؤسسات العامة، فرفع النسبة المرشد علي خامنئي، في إشارة بخط يده على المشروع، إلى 85 في المئة.
إصلاحي... على طريقته
يرى نجاد أنه جاء ثائراً على وضع يجد أنه أصبح مترهلاً ومستسلماً لظروف الحصار الدولي. يتعامل معه كأنه حقيقة قائمة لا يمكن مقاومتها، بل يتعايش معها.
وهو يمكن تصنيفه على هذا النحو من واقع أنه جاء متمرداً على الأحزاب الحاكمة وواقع احتكار السلطة من اليمين المحافظ واليسار الإصلاحي. لكن أبرز تجليات هذا المنحى عنده يظهر في موقفه من مسألة الشباب والحريات الاجتماعية. يعتقد نجاد أن هذه القضية ليست أمنية أو إرشادية أو وعظية، بل مسألة ثقافية. يقول عن النظام إنه إذا نجح في إشاعة ثقافة المصالحة الوطنية العامة بين الذات الفردية والذات الجمعية، فعندها لا يعود هناك من معنى لاستخدام القوة عن طريق مثيلات &laqascii117o;الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". منحى لا ينفي واقع أنّ منظمات حقوق الإنسان الدولية توجّه أقسى الانتقادات لإيران في شأن &laqascii117o;انتهاكاتها للحريات العامة والحقوق الأساسية للإنسان".


ـ 'السفير'

مارلين خليفة:
اللغة الفارسية تنتشر مستعيدة تاريخاً من العلاقات من العهد &laqascii117o;الإخنيني" إلى العصر الخميني / إيران ولبنان: التقارب السياسي لم ينقطع من &laqascii117o;حلف بغداد" إلى المقاومة

يقول خبراء سياسيون متابعون لحركة إيران الثورة الإسلامية في لبنان إن العلاقات السياسية اللبنانية الإيرانية تتداخل عميقا، إذ وجدت إيران ـ الثورة، في لبنان حدوداً مشتركة مع قضية مركزية بالنسبة إليها هي فلسطين المحتلة، تتفرع عنها قضايا منها قضية الدفاع عن الجنوب اللبناني وأبنائه المتروكين لمصيرهم منذ قيام دولة اسرائيل عام 1948، فكان أن دعمت المقاومة في لبنان وفلسطين بكلّ ما أوتيت من قوة، ما وسّع نفوذها في الشرق الأوسط الذي طالما وجدت فيه موطئ قدم.
لم تكن أرضية العلاقات بين البلدين صعبة في البدايات، فتلقف الإمام السيد موسى الصدر المعارضين لنظام الشاه محمد رضا بهلوي، وصار لبنان مع الوقت ملجأ لهؤلاء، ومنه ساهموا في تهيئة أرضية الثورة الإسلامية بمساعدة من الإمام الصدر الناقم بدوره على نظام لبناني من سماته التهميش والحرمان.
بعد قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، التقت تطلعات إيران في تصدير الثورة مع طموحات مجاميع من الشباب الشيعي المهمش، فتحول لبنان في ثمانينيات القرن الفائت الى جبهة المواجهة الأساسية في الصراع مع الغرب وإسرائيل، ما أدى الى نشوء &laqascii117o;حزب الله" عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً إلى عاصمته بيروت لإخراج المقاومة الفلسطينية منه، قبل أن يعلن نفسه للملأ من خلال الرسالة المفتوحة التي أذاعها السيد ابراهيم أمين السيد عام 1985 بعد أن كان سطع نجم الحزب إثر أول عملية استشهادية نوعية قام بها أحمد قصير ضدّ مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، لتلاقي العمليات التي نفذها مقاومون من مختلف الاتجاهات.
تطورت شعبية &laqascii117o;حزب الله" مع الوقت، ليضحي في الثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة الأكثر شعبية على مستوى الطائفة الشيعية لا بل على المستوى الوطني، خاصة بعد التحرير عام ألفين، حيث امتدّت شعبيته الى العالمين العربي والاسلامي بعد أن قدم نموذجاً ناجحاً بل ومميزاً في التصدي لإسرائيل وإجبارها على الانسحاب من أرض عربية محتلة من دون قيد أو شرط.
جاءت التطورات الداخلية بعد عام 2005، لتشوّش على شعبية &laqascii117o;حزب الله" ويتم التركيز على &laqascii117o;هويته الإيرانية" وعلاقته بمسألة &laqascii117o;الولي الفقيه"، وتحول الاشتباك الداخلي بين فريقي 8 و14 آذار، الى اشتباك بين فريق 14 آذار وكل من يدعم المعارضة، وفي الأولوية سوريا وإيران.
جاءت حرب تموز 2006 على مدى 33 يوماً، في السياق الذي جعل الجيش الإسرائيلي يقف أمام حائط مسدود، وتساؤلات تبدأ ولا تنتهي، فإسرائيل تمكنت من تدمير البنية التحتية العسكرية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان إلا أنها عجزت أمام التنظيم الدقيق الذي تعتبره إيرانياً والذي يتطلع في شعاراته نحو &laqascii117o;تحرير القدس".
ومنذ تموز 2006 واسرائيل تعد العدة للانتقام من المقاومة، وفي الوقت نفسه، عينها على ايران وملفها النووي، وصولاً الى طرح معادلات مفادها: هل نضرب &laqascii117o;حزب الله" لإضعاف رأس الحربة الإيرانية في المنطقة أم أن استهداف إيران يؤدي الى إضعاف &laqascii117o;حزب الله" و&laqascii117o;حماس"؟
واذا كانت صورة &laqascii117o;حزب الله" بنسخته &laqascii117o;الإيرانية" الأولى، في رأي بعض المراقبين الغربيين، عام 1985 حركة ثورية مقاومة تتطلع الى تعميم &laqascii117o;النموذج الايراني" ومنطق &laqascii117o;تصدير الثورة"، فإن الاندماج السياسي المتدرج للحزب منذ مطلع التسعينيات في السلطة، بدءا من مشاركته في الانتخابات النيابية عام 1992، ثم في الحكومات، جعله يتحول الى لاعب رئيسي في الساحة السياسية اللبنانية، وليست وثيقته السياسية الثانية التي صدرت عام 2009 إلا خير مثال عن الانتساب الواضح الى &laqascii117o;النادي السياسي اللبناني".
ولعل التحول في بنية &laqascii117o;حزب الله" يعبر في مكان ما عن تحوّل إيراني أيضاً، فلقد كان المسـؤولون الإيرانيون ينادون سابقاً بضرورة إطاحة النظام اللبناني &laqascii117o;القائم على الامتيازات والاحتكار الماروني للسلطة" ويدعون من جهة ثانية الى تعميم نموذج &laqascii117o;الجمهورية الإسلامية"، لكنّ موقفهم اتخذ منحى معتدلا الى حد ما في التعاطي السياسي مع لبنان. وقد بدأت مرحلة الاعتدال مع تقديم السفير الإيراني أحمد دستلمشيان أوراق اعتماده الى الرئيس أمين الجميل عام 1987 في قصر بعبدا بالذات بعدما كان الإيرانيون يرفضون التعامل مع &laqascii117o;رأس الدولة اللبنانية الماروني".
وللتذكير فقد اتسم الموقف الإيراني الرسمي بالسلبية إزاء اتفاق 17 أيار 1983 ثم إزاء مؤتمري لوزان وجنيف في منتصف الثمانينيات، كذلك وقفت إيران ضدّ اتفاق الطائف الذي وقعه النواب اللبنانيون عام 1989 إذ اعتبرت أنه يكمّل ميثاق عام 1943 القائم على عرف توزيع الطوائف في الحكم. لكن ما لبثت أن قبلته وانخرط &laqascii117o;حزب الله" في المؤسسات السياسية للجمهورية الثانية.
إلا ان دعم إيران لـ&laqascii117o;حزب الله" أثار حولها نقمة عربية وخصوصا أنها باتت بمثابة &laqascii117o;المقصد" لكل من يعارض عملية السلام مع إسرائيل، كما أنها نالت شعبية استمدتها ايضاً من عزمها على الاكتفاء الذاتي والسير قدماً ببرنامج نووي يضاهي إسرائيل ولو لأهداف سلمية، ما أشعر النظام العربي بشيء من القلق منها وخصوصا الدول العربية الكبرى.. وهكذا فقد حاول البعض تحريض سوريا ذاتها التي ترتبط معها إيران بحلف استراتيجي عن طريق الادّعاء أن النفوذ الإيراني يهدد دورها في لبنان. ولم تكن حرب &laqascii117o;حزب الله" و &laqascii117o;أمل" بين عامي 1988 و1989 في نظر بعض المراقبين إلا تعبيرا عن الصراع السوري الايراني على الإمساك بورقة المقاومة في لبنان، وانتهت الحرب الى تسليم الإيرانيين للسوريين بدورهم الطبيعي في لبنان، ولا تزال سوريا لغاية اليوم الرئة الثانية التي يتنفس منها &laqascii117o;حزب الله" بعد إيران.
وكانت الحرب العراقية الإيرانية الأولى (1980 -1988) قد انعكست في لبنان حرباً بين &laqascii117o;أمل" و&laqascii117o;حزب البعث العراقي" واحترقت الضاحية الجنوبية بوابل من القذائف المدفعية، وتم تفجير السفارة العراقية في الرملة البيضاء بأحد الانتحاريين، وكان هناك مئات اللبنانيين يقاتلون على الجبهتين، وخاصة مع العراق، وتم أسر العشرات منهم وأفرج عنهم لاحقاً.
ولا يزال الإيرانيون يحافظون على سياسة واحدة، منذ قيام الثورة، تتمثل بدعم أي بلد يحارب إسرائيل، وهذه السياسة لا تزال مستمرة، ويسير الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد في هذا الخطّ الثوري وهو من صلب عقيدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقبله انتهج الرئيسان علي أكبر رفسنجاني ومحمد خاتمي النهج ذاته لكن كان لكلّ منهما أسلوبه في الكلام وفي الممارسة السياسية سواء بالنسبة الى الصراع العربي الإسرائيلي أو الى العلاقة بلبنان بصورة عامة.
ثنائية إيرانية تركية قديمة
إن حصر العلاقات مع إيران اليوم بـ&laqascii117o;حزب الله" وتصويرها بأنها &laqascii117o;طفرة" إيرانية سياسية في الشرق الأوسط هو تشويه لتاريخ غني من التأثير والتعاون تعود فصوله الى قرون خلت.
غرف رئيس مركز اللغة الفارسية وآدابها والخبير السياسي والثقافي في الشؤون الإيرانية الدكتور فيكتور الكك من معين الحضارة الفارسية منذ 50 عاماً ولما يزل، وهو يروي صفحات من العلاقات الثنائية بين البلدين لا تنتهي، منذ العهود القديمة مروراً بالمرحلة الصفوية والشاهنشاهية وصولاً الى الثورة الإسلامية.
تعود العلاقات الثقافية والسياسية بين إيران ولبنان الى ما قبل ولادة السيد المسيح، وتحديداً الى العهد &laqascii117o;الإخنيني" زمن قورش الكبير حين كانت حدود إمبراطورية الفرس تصل الى البحر الأبيض المتوسط، أي الى مدن فينيقيا وتمتد من الصين الى الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، أي ما يشمل سوريا والعراق ولبنان والأردن وقسماً من تركيا. ويروي الدكتور الكك بأن &laqascii117o;قصر الشاه داريوش قرب شيراز كان سقفه مصنوعاً من خشب أرز لبنان".
بعد انهيار الإمبراطورية الفارسية على يد الإسكندر الكبير وتوالي جنرالاته على الحكم ومجيء السلجوقيين جاءت أسرة الأشكينيين الإيرانية الحاكمة وقادت حروباً مع بيزنطية ثم جاء الساسانيون عام 325 قبل الميلاد. عاد النفوذ الإيراني الى الشرق الأوسط عام 651 ميلادية وبرز تأثير ثقافي وسياسي وعسكري إيراني في لبنان منذ تلك الأيام.
بعد انهيار الخلافة الإسلامية في القرن الـ13 على أيدي المغول توالت غزوات كثيرة حتى سيطر العثمانيون على قسم من الشرق الأوسط وقامت في أواخر القرن السادس عشر الإمبراطورية الفارسية الصفوية التي اعتمدت المذهب الشيعي الإثني عشري مذهباً رسمياً للدولة، وكان الشاه إسماعيل الصفوي من أبرز وجوه هذه الإمبراطورية التي أمضت حياتها في محاربة العثمانيين، ويعتبر محمد بن عبد العال الكركي من (كرك نوح قرب زحلة) المعروف &laqascii117o;بالمحقق الكركي" فقيه الدولة الصفوية والحاكم الفعلي للدولة في عهد الشاه &laqascii117o;طهماسب" الصفوي نجل إسماعيل الصفوي.
ونشأ تنافس بين الصفويين والإمبراطورية البيزنطية، وعاصمتها آنذاك إسطنبول، ما يعيد الى الأذهان وجود ثنائية إيرانية تركية دائمة في منطقتنا، عرفت في الماضي بالثنائية الصفوية في إيران والسلطنة العثمانية في تركيا.
علماء الجنوب ينشرون التشيع في إيران
تحولت إيران من المذاهب السنية الى المذهب الجعفري، ولأسباب سياسية وضمن الصراع مع العثمانيين، ولم يكن للإيرانيين معرفة بهذا المذهب لذا طلبوا من علماء جبل عامل في لبنان الذهاب الى إيران وتدريس الإيرانيين المذهب الشيعي الإثني عشري &laqascii117o;فكان اللبنانيون هم أساتذة التشيع في إيران"، بحسب الدكتور الكك. ومن أبرز تلك الأسماء اللبنانية: بهاء الدين العاملي (من جباع)، الشيخ لطف الله العاملي (من ميس الجبل)، الشيخ الحرّ العاملي (من جزيّن) وسواهم، وذلك في الحقبة الممتدة من أواخر القرن السادس عشر الى أوائل القرن السابع عشر. هكذا انتقلت ثقافة جبل عامل الى إيران، وكان ينبغي أن يمضي جيلان قبل أن يقوم من الإيرانيين أنفسهم علماء في الفقه الجعفري والتشيع وما إليه من علوم، ومنهم محمد تقي مجلسي ونجله محمد باقر مجلسي، الشهير بموسوعة الشيعة المسماة &laqascii117o;بحار الأنوار".
منذ ذلك الحين بدأت حركة تبادل ثقافية وسكانية بين إيران ولبنان أنتجت جواً ثقافياً معيناً مهّد للعلاقة السياسية.
بعد انهيار الشاهنشاهية الصفوية في القرن الثامن عشر وهجوم القبائل الأفغانية على إيران وقيام قائد إيراني هو نادر شاه، ثم مجيء العهد القاجاري انقطعت العلاقات بين لبنان وإيران لتعود في عهد رضا شاه الأول ونجله الشاه الأخير لإيران محمد رضا بهلوي.
تقارب سياسي في عهد الشاه
في هذين العهدين راحت إيران تنهل من معين الحضارة الغربية على غرار ما فعل لبنان في أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. قويت العلاقة مع لبنان في عهد الشاه الثاني إذ صودف في خمسينيات القرن الفائت بروز المدّ العروبي الناصري ومحاولة قيام &laqascii117o;حلف بغداد" وأركانه ـ بعد الأميركيين ـ رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد وشاه إيران والرئيس اللبناني كميل شمعون، هكذا توطدت العلاقات بين البلدين وحصل تبادل ديبلوماسي كثيف لا سيما من طهران الى بيروت أدى الى قيام تعاون اقتصادي وثقافي الى جانب التعاون السياسي وحتى المخابراتي، إذ كان للمخابرات الإيرانية (&laqascii117o;السافاك") وجود في لبنان وفي العراق بغية التنسيق مع سلطات البلدين للحدّ من المدّ الناصري ومطاردة المعارضين للشاه.
بعد ثورة عام 1958، ومجيء الرئيس فؤاد شهاب الى الحكم، أصيبت العلاقات بين البلدين بحالة من الركود، لأن الرئيس شهاب كان حريصاً على سياسة متوازنة مع العرب وسياسة تطبيع عادية مع باقي بلدان الشرق الأوسط.
حقبة الثورة
اقتصر التواصل الإيراني في لبنان قبل قيام الثورة الإسلامية على العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية والمعارضة الإيرانية التي كان يرعاها الإمام السيد موسى الصدر، حيث اتخذ معارضون إيرانيون من لبنان مركزاً لنشاطاتهم ضدّ شاه إيران. لعب الصدر دوراً رئيسياً في احتضان الإيرانيين المعارضين لنظام شاه إيران، وقد اسهم بعض &laqascii117o;المجاهدين الإيرانيين" في تأسيس حركة &laqascii117o;أمل"، ويذكر بأن الرجل الثاني بعد الإمام المغيّب موسى الصدر في الحركة كان الإيراني مصطفى شمران. شهدت تلك الحقبة علاقات تعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية وخصوصاً حركة &laqascii117o;فتح" بقيادة ياسر عرفات في جنوب لبنان والبقاع بصورة خاصة، وكان الصدر أرسى علاقة جيدة مع الإمام الخميني في منفاه الأول في العراق.
بعد إطاحة شاه إيران وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 11 شباط عام 1979 وضع الخميني سلسلة تدابير وتشريعات ترتكز على الشريعة الإسلامية. وكان بين أوائل قراراته أن أمر بإقفال السفارة الإسرائيلية التي كانت تشغل حياً كاملاً في طهران، تمهيداً لتسليم المباني إلى منظمة التحرير لتكون &laqascii117o;سفارة فلسطين"، وشكلت قضية احتلال السفارة الأميركية في طهران في 4 تشرين الثاني 1979 لمدة 444 يوماً واتخاذ عشرات الأميركيين من العاملين في السفارة كرهائن للضغط على واشنطن لإعادة الأموال الإيرانية المجمدة غداة قيام الجمهورية الإسلامية إشارة الانطلاق في العمليات ضدّ المصالح الغربية التي تبعها خطف الرهائن في لبنان والعمليات الانتحارية ضدّ مواقع القوات المتعددة الجنسية والسفارة الأميركية في بيروت.
شكل عام 1982 بداية التواصل الإيراني المباشر ولعب الإمام الخميني دوراً مركزياً في تأسيس &laqascii117o;حزب الله" عندما طلب من إسلاميي تلك الحقبة بأن يبدأوا من الصفر قائلا إن من واجبهم الشرعي مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. واتخذت إيران من الاجتياح الإسرائيلي ذريعة لإرسال مجموعات من الحرس الثوري الإيراني الى منطقة البقاع. تسبب قدوم الحرس الثوري بقطع العلاقات الديبلوماسية بين لبنان وإيران عام 1983، عندما طلب مجلس الوزراء اللبناني رسمياً من إيران سحب قواتها الموجودة في لبنان متهماً إياها بالتدخل في شؤونه الداخلية، وكانت هذه المرة الثانية والأخيرة التي يتم فيها قطع العلاقات التي مرّت بأكثر من أزمة لعلّ ابرزها منذ الاستقلال أزمة 1969 حيث قطعت العلاقات على خلفية قضية اغتيال الجنرال بختيار ولم تستأنف بصورة كاملة إلا مع زيارة رئيس وزراء لبنان الأسبق تقي الدين الصلح في حزيران عام 1974 الى طهران.
مع عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تسلم الحكم عام 2005، التاريخ الذي شهد الزلزال السياسي المتمثل باغتيال الرئيس رفيق الحريري ما ادى الى انقسام خطير في لبنان، بدا الدور الإيراني أحد العناوين الخلافية، وهو ما تظهّره بعض المواقف السياسية اللبنانية التي تسبق الزيارة، علماً بأن الرئيس خاتمي كان أول رئيس إيراني يزور لبنان عام 2003 منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، بغير أن نغفل أن شاه إيران محمد رضا بهلوي والإمبراطورة ثريا كانا زارا لبنان عام 1956 لتأسيس &laqascii117o;منبر اللغة الفارسية" في الجامعة اللبنانية.


ـ 'الشرق الأوسط'
علي إبراهيم:
زيارة أم زيارتان؟

في زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان التي تبدأ غدا، جانبان؛ الأول لقاءات رسمية واجتماعات ومباحثات مع الرئيس والحكومة واتفاقات، وجانب آخر هو الذي يستحوذ على الاهتمام والترقب بترتيباته التي ما زالت غامضة حتى الآن، وهو الخاص بالاحتفال الشعبي الذي سينظمه له حزب الله في الضاحية الجنوبية وكيفية ترتيب اللقاء مع زعيم الحزب حسن نصر الله المختفي في مكان سري أو لم يظهر علانية منذ حرب 2006، وكذلك زيارة الجنوب اللبناني.
قد يبدو الأمر بالنسبة للبروتوكولات المتعارف عليها في علاقات الدول والزيارات الرسمية غريبا بعض الشيء، لكنه في الحالة اللبنانية يتسق مع واقع أن هناك دولة حزب موازية للدولة الرسمية، وهي أقوى عمليا وبقوة السلاح من المؤسسات الرسمية، وتستطيع أن تأخذ قرارات مصيرية مثل قرار الحرب والسلم وتفرضه على المجتمع كله.
وترتيبات الزيارة المثيرة للجدل توحي بأنها زيارتان وليست زيارة واحدة، الأولى إلى الدولة اللبنانية، والثانية وهي الأهم إلى دولة حزب الله الحليفة والتي تتلقى دعمها المالي والعسكري من النظام الإيراني.
وهذه ليست أول زيارة لرئيس إيراني إلى لبنان، فقد زاره الرئيس السابق محمد خاتمي في 2003، ولم تشهد وقتها جدلا وانقساما داخل لبنان، مثل الزيارة الحالية. فالرئيس السابق كان وجها مقبولا عربيا ودوليا ويتمتع بعلاقات جيدة إقليميا، وظروف لبنان كانت مختلفة، بينما الوضع الحالي يبدو فيه أحمدي نجاد وكأنه طرف في الانقسام الحادث داخليا حاليا بين أصحاب مصطلح &laqascii117o;لبنان المقاوم"، والفريق الآخر الذي يرى في ذلك مجرد شعار لجعل لبنان ورقة في صراع أكبر منه بين طهران والقوى الغربية فيما يتعلق بالملف النووي.
الإشارات والتصريحات الصادرة من الأطراف السياسية اللبنانية لا تخفي ذلك، فحزب الله الذي خرج أمينه العام ليدعو اللبنانيين إلى استقبال نجاد باعتباره ضيف البلد كله، بينما تدعو قناته التلفزيونية اللبنانيين إلى الاحتشاد على طول طريق المطار لاستقباله، خرج البروتوكول وحل مكان الدولة في ترتيبات زيارة ضيف أجنبي، على الجانب الآخر تبدي قوى 14 آذار مخاوفها من أن يكون لبنان في هذه الزيارة مجرد صندوق بريد لتوصيل رسائل من نجاد خلال زيارته إلى الجنوب والضاحية إلى إسرائيل والقوى الدولية بأن إيران موجودة على شاطئ المتوسط.
وقد لمس الكاتب والمثقف الإيراني عطاء الله مهاجراني في مقاله في &laqascii117o;الشرق الأوسط" أمس بعدا آخر للزيارة هو الأزمة الاقتصادية الداخلية في إيران وحاجة أحمدي نجاد إلى الظهور في الخارج لتقوية شعبيته في الداخل.
أيا تكن العوامل أو شعور أي فريق بالاستفزاز، فإنه يجب عدم السماح لهذا الجدل الداخلي في لبنان المرافق للزيارة.. أو الزيارتين، بأن يعود بالبلاد إلى مربع الأزمات والصراع المفتوح من الجديد، فالضيف يأتي لأيام ويرحل، بينما اللبنانيون بمختلف طوائفهم واتجاهاتهم هم أصحاب البلد والمصلحة، وهم الباقون على الأرض، وفي يدهم باتفاقهم وتصالحهم ازدهار لبنان أو خرابه باختلافهم وتصارعهم، وأهم مقومات الاتفاق والسلم الداخلي هو التمسك بمؤسسة الدولة لتكون أقوى من الجميع وعدم السماح لحزب بأن يشكل دولة موازية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد