المقتطف الصحفي » الملف المصري: تاسع أيام الثورة ضد النظام

ـ 'الشرق الأوسط':
القاهرة: محمد أبو شامة
مبارك: سأقوم بالتغيير.. ومصر بلدي وعلى أرضها أموت

أعلن عدم ترشحه لفترة جديدة ونقلا سلسا للسلطة وطالب البرلمان بتعديل المادتين 76 و77 وقصر الرئاسة على فترات محددة * رياح التغيير تشتد مع المظاهرة المليونية ومحتجون يصرون على البقاء في الميدان رافضين خطاب الرئيس * مشاحنات بين الشباب والإخوان بسبب المرأة


اعلن الرئيس المصري حسني مبارك في بيان للمصريين ليلة أمس, انه لن يترشح لمدة رئاسة جديدة لكنه سيكمل مدة رئاسته الحالية التي تنتهي بعد 7 اشهر, متعهدا بسلسلة اجراءات تستجيب لطلبات المحتجين الذين دخلوا يومهم الثامن داعيا البرلمان الى تعديل المادتين المثيرتين للجدل 76 و77 الخاصتين بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية, ويقصر الرئاسة على &laqascii117o;فترات محددة". كما دعا البرلمان الى الالتزام بقرارات محكمة النقض فيما يتعلق بالطعون في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة بما يفتح الباب لبرلمان جديد. وقال الرئيس المصري انه فخور بانجازاته على مر السنين في خدمة مصر وشعبها.
وأضاف انه لم يكن ابدا طالب سلطة او جاه, وانه ابن القوات المسلحة المصرية مؤكدا &laqascii117o;مصر بلدي وهي المكان الذي عشت فيه وقاتلت فيه ودافعت عن أراضيه وسيادته ومصالحه, وسأموت على أرضها".
كما دعا القضاء لمحاربة الفساد. وجاءت كلمة الرئيس مبارك بعد يوم شهد حشدا وصل الى مليون في ميدان التحرير في قلب القاهرة يطالب بالتغيير واستقالة الرئيس المصري. واشار مبارك الى انه كلف نائبه فتح حوار مع المعارضة لكنها رفضت ذلك, مؤكدا ان باب الحوار لا يزال مفتوحا.
وكان رد الفعل الاولى من المحتجين الذين بقوا في ميدان التحرير على خطاب مبارك الذي التزم فيه بانتقال سلس للسلطة رفض مغادرة الميدان قبل استجابته لمطلبهم أن يرحل.
من جانبها قالت واشنطن أن خطاب مبارك مهم لكنه قد لا يكون كافيا.وكانت قوة رياح التغيير اشتدت في مصر مع المظاهرة المليونية التي احتشدت في ميدان التحرير في قلب القاهرة امس , ومظاهرات في المحافظات المصرية الاخرى.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما بعث برسالة عبر قنوات دبلوماسية غير رسمية إلى الرئيس مبارك دعاه خلالها لعدم الترشح لفترة رئاسة جديدة. وذكرت صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" أن الرسالة نقلها فرانك وايزنر سفير أميركا الأسبق لدى مصر، والذي التقى مبارك امس.
في غضون ذلك ووسط تساؤلات عن من يمثل الشباب الذين كانوا محور المظاهرات ومحركها في الايام الثمانية الماضية, اعلن ممثلون عن حركة 6 ابريل محور حركة الشباب انهم يريدون ان يمثلهم العالم المصري احمد زويل في الحوار بينما قال اخرون ان الدكتور محمد البرادعي هو الذي يمثلهم, في حين رفع البعض شعارات &laqascii117o;لا برادعي ولا احزاب هذه ثورة شباب".
وشهدت القاهرة والاسكندرية مشادات بين الشباب وانصار الاخوار المسلمين خاصة بعد ان اعترض احد انصار الاخوان في القاهرة على هتافات ناشطة قائلا ان صوت المراة عورة فزجره الاخرون وحدثت مشاحنات, كما حدث موقف مماثل في الاسكندرية عندما رفض الاخوان بقاء المتظاهرات ليلا, فحدثت مشاحنات بينهم وبين الشباب.


ـ 'السفير':
الأمــم المـتـحــدة: مـقـتـــل 300 مـنــذ بــدء احـتـجـاجـات مـصــر
أعلنت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي، أمس، ان حوالى 300 شخص قد يكونون قتلوا في الاحتجاجات التي تشهدها مصر. وحثت بيلاي، في بيان في جنيف، السلطات المصرية على ضمان تفادي الشرطة والجيش الاستخدام المفرط للقوة وعلى حماية المدنيين. وألقت اللوم على حكومة الرئيس حسني مبارك، موضحة أنها تطبق قانونا للطوارئ منذ العام 1981 من دون أن يكون هناك خطر حرب أو صراع، وأنها ارتكبت انتهاكات خطيرة منها التعذيب على نطاق واسع. وقالت بيلاي &laqascii117o;إن الخسائر في الأرواح تتصاعد بشكل يومي، وتشير تقارير غير رسمية إلى احتمال مقتل 300 شخص حتى الآن، وإصابة أكثر من 3 آلاف، واعتقال المئات". وأضافت &laqascii117o;أحث كلا من الجيش والشرطة على التصرف بأقصى درجات الحرص وضبط النفس"، مؤكدة على أن المحتجين يجب أيضا أن يمتنعوا عن ارتكاب أي أعمال عنف. وقال المتحدث باسمها روبرت كولفيل إن الأرقام غير الرسمية للخسائر جاءت من منظمات غير حكومية في مصر. وأضاف &laqascii117o;هذا يشمل سجناء قتلوا في عمليتي هروب جماعي في اثنين من السجون على الأقل بالقرب من القاهرة"


ـ 'السفير':
جو معكرون
البيت الأبيض يطوي صفحة مبارك والتفكير بدأ بالمرحلة الانتقالية
تتبلور يوما بعد يوم طبيعة الانقسام داخل الإدارة الاميركية حيال التطورات المتسارعة في مصر، مع وجود تيارين رئيسيين ينعكسان في اجنحة متنازعة في مراكز الابحاث والكونغرس ومجموعات الضغط رغم قرار البيت الابيض رفع الغطاء عن الرئيس المصري حسني مبارك وبدء التفكير العملي بتـفاصيل المرحلة الانتقالية.
هذه الرسالة الحازمة أوصلها المبعوث الاميركي والسفير السابق لدى مصر فرانك ويزنر الى حسني مبارك في القاهرة بعدما اقتنع البيت الابيض بأن الرئيس المصري لن يتخذ اي خطوة جدية بعد ايام من الازمة المصرية، واكتملت الصورة الاميركية مع افتتاحية رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري في صحيفة الـ&laqascii117o;نويورك تايمز" رأى فيها ان على مبارك ان &laqascii117o;يقبل بأن استقرار بلده يتوقف على استعداده للتنحي"، ودعاه الى الاعلان انه لن يترشح او ابنه جمال الى ولاية رئاسية هذا العام. وهنا لم يتجاوز كيري موقف الادارة، اي لم يطالب برحيل فوري لمبارك، بل تحدث عن ضرورة اجراء نظام مبارك لانتخابات &laqascii117o;صادقة ومفتوحة" والتنحي بطريقة &laqascii117o;مشرفة" تمهيدا لـ&laqascii117o;بنية سياسية جديدة".
لكن لم يتضح بعد من سيلعب الدور الرئيسي في المرحلة المقبلة مع بدء الادارة الاميركية بلورة مفهومها لتعبير &laqascii117o;انتقال منتظم للسلطة"، بحيث تحدث كيري عن مرحلة انتقالية بالتنسيق مع الجيش المصري والمجتمع المدني، بسبب إدراك واشنطن ان تظاهرات الامس في ميدان التحرير كانت حاسمة وأن الوقت ليس لصالحها. ومع استمرار القلق الاميركي من دور جماعة &laqascii117o;الاخوان المسلمين"، لا يبدو ان هناك فيتو لمشــاركة محــتملة لها في الحكومة. وتركيز الادارة الاميركية في هذه المرحلة يبدو على دور نائب الرئيس عمر سليمان، في مقاربة تتفادى دفع مبارك فورا خارج السلطة، لأنه لم يكن لديها بكل بساطة خطة طوارئ لانهيار سريع لنظام مبارك.

وذكرت صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" ان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اقترحت اسم ويزنر، المعروف بعلاقته الوثيقة مع مبارك، على مستشار الامن القومي توم دونيلون، رغم أنه حاول منذ العام 2009 تشكيل فريق عمل من الباحثين والاكاديميين لتعزيز الروابط بين واشنطن ونظام مبارك، بمواجهة مجموعة ثانية من الباحثين والاكاديميين تضم اليوت ابرامز وميشال دان تريد مقاربة اميركية اكثر تصلبا حيال مبارك. وكان لافتا في هذا السياق تحقيق لصحيفة &laqascii117o;واشنطن بوست" بالامس تحدثت فيه عن دور مجموعات الضغط في واشنطن الموالية لنظام مبارك، مشيرة في هذا السياق الى مجموعة &laqascii117o;بي ال ام" التي تتألف من النائب الديموقراطي السابق توبي موفيت والنائب الجمهوري السابق والسياسي الديموقراطي المقرب من الرئيس باراك اوباما جون بوديستا. وقد حصلت هذه المجموعة على 1.1 مليون دولار سنويا منذ العام 2007، كما تمنح الحكومات المصريات اموالا لشركات علاقات عامة لتعزيز المساعدات العسكرية وعدم عرقلتها من الكونغرس مع دور المقاولين الاميركيين الذين لهم مكاسب رئيسية في العقود العسكرية التي توقع. وذكرت الصحيفة ان مجموعة الضغط هذه تعمل على تهدئة التوتر في الكونغرس حول ما يجري في مصر، بالتنسيق مع السفير المصري لدى واشنطن سامح شكري، وأكد موفيت في هذا السياق تمسك مجموعات الضغط بمساعدة مبارك.

ورغم محاولة البيت الابيض التقاط انفاسه ليستعيد تركيزه على الاقتصاد الاميركي، يدور النقاش حول المدى الذي سينخرط اوباما فيه في متابعة التطورات في الشرق الاوسط في مرحلة كان يفترض فيها ان يكون دخل في ذهنية الانتخابات الرئاسية، وبالتالي الى أي مدى ترك مسألة التعامل مع المنطقة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لكن القلق هو سيناريو اغلاق قناة السويس وتأثير هذا الامر الفوري على الاقتصاد الاميركي، ما يعني مضاعفات سلبية لا يحتاج اليها اوباما في هذه الفترة. وعقد اوباما بالامس اجتماعات متتالية مع نائبه جو بايدن وكلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس وفريق مستشاريه للامن القومي لبحث التطورات في مصر. واجرى غيتس اتصالا ثانيا بالامس بنظيره المصري المشير محمد حسين طنطاوي للتأكيد على حياد الجيش حيال التظاهرات الشعبية، في وقت أمرت فيه وزارة الخارجية الاميركية بمغادرة جميع الموظفين غير الضروريين وعائلاتهم من مصر في ضوء التطورات على الارض.
اما القيادات الجمهورية في الكونغرس فتبدو متمهلة وتحاول عدم اتخاذ المواقف الحاسمة وتترك لاوباما مهمة المغامرة والتعثر في هذه القضية الشائكة التي فيها حقوق الانسان ومصالح اسرائيل الاستراتيجية. وكانت الادارة الاميركية اوجزت لرئيس مجلس النواب جون بونر ورئيس الاقلية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل طبيعة ما يجري في مصر. وذكرت مصادر لـ&laqascii117o;بوليتيكو" ان الادارة ابلغت قيادات الكونغرس انها لا تعتقد أن القيادي المصري المعارض محمد البرادعي سيكون في السلطة في نهاية المطاف، بينما طالب النائبان غاريك اكيرمان ودينيس كوتسينيتش بتعليق المساعدات لمصر كوسيلة للضغط على حسني مبارك للتنحي، ما يعكس كالعادة تحفظ القاعدة اليسارية عن سياسة اوباما الخارجية.


ـ 'السفير':
محللون عن أيام مبارك المعدودة وتداعـي حلفـاء أميركـا
تتلاقى التحليلات الغربية المراقبة لأزمة التغيير في مصر عند خط التحذير من مرحلة &laqascii117o;ما بعد مبارك"، مشيرة حينا إلى خطورة صعود &laqascii117o;الاخوان المسلمين" السياســي ومتوقفــة حينا آخر عند الملاحظات والمآخذ المحيطة بالمدير السابق للوكــالة الدولــة للطاقــة الذرية محمد البرادعي، الذي لم يرفض شرب كــأس المرحلة الانتــقالية في البلاد. اما موقف الولايات المتحدة من الفترة المقــبلة وتموضــعها بالنسبة إلى التغيير في مصر، فكان له الحيّز الواسع من قراءات الــباحثين الامــيركيين.
وقال رئيس &laqascii117o;مجلس العلاقات الخارجــية" في واشنــطن ريتشارد هاس في اتصال مباشر مع قناة &laqascii117o;الجزيرة" الاخــبارية، أن أيام الرئيس المصري حسني مبارك أصبحت معدودة وأن &laqascii117o;التنحــي بات أمرا ضروريا يتسم بالوطنية، حيث أنه لا إيجابية باستمرار الموقــف الحالي. والوقت حان للتغيير السياسي". واضاف هاس &laqascii117o;مبــارك قام بأشياء كثيرة لمصر سابقا والمطلوب منه الآن الانسحاب من الســلطة. ان الأمر متروك للمصريين لإيجاد بديل لمبارك، ولكن يمكــن للجيش والحكومة، برئاسة عمر سليمان تولي الامور في المرحلة الانتقالية لحين إجراء انتخابات جديدة".

واعتبر هاس ان الادارة الأميركية في موقف صعب، إذ عليها الاختيار والموازنة بين مبارك الصديق ـ القديم ومطالب الشعب المصري ومصالحها في مصر والمنطقة، مشيرا الى ان &laqascii117o;استــمرار المساعدات الأميركية لمصر يعتمــد على طبيــعة الحكومة المصــرية الجديدة، إذا ما رغبت بالتعاون مع واشنـطن في مكافحــة الإرهاب وفرض الاستقرار". ورأى هاس ان &laqascii117o;الأميــركيين يراقبون الإخوان المسلمين مراقبة حثيثة، وطالمــا أنهم لا يستخــدمون السلاح ولا يخرجون عن آراء المصريين، سترغب واشنطن بالتعامل معهم، الامر يعتمد على سلوكية وأعمال الإخوان إزاء الوضع السياسي، وما زال الوقت مبكرا للجزم".
وتوقف تقرير تحت عنوان &laqascii117o;حذار الاخوان المسلمين في مصر" نشره معهد &laqascii117o;مجلس العلاقات الخارجية"، عند فرضية &laqascii117o;وصول حكومة اقل ديموقراطية واكثر فسادا من الحالية". وذكر التقرير &laqascii117o;لا شك ان ادارة اوباما ومعظم الاميركــيين والمصريــين يفضلون حكومة ديموقراطية في القاهرة بدلا من الرئيــس مبارك الفاســد والقمعي. المسألة ليست هنا، بل تقف عند سؤال: ماذا بعد مبــارك واي حكومة ستخلف عهده وما الذي قد يتمخض عن ذلك على صعيد الامن الاميــركي في المنطقة؟".
تساؤلات اراد بها التقرير الاضاءة على خطــر وصــول &laqascii117o;الاخوان المسلمين" إلى السلطة اذ ان الامر اشبه بـ&laqascii117o;الفاجــعة" بالنسبة للامن الاميركي. فـ&laqascii117o;الاخوان يدعمون حركة حماس ومجموعــات ارهابية اخرى فضلا عن علاقتهم الودية مع ايران ووقوفــهم التاريخي ضد اتفاق السلام مع اسرائيل العام 1979". واعتبر التقريــر ان &laqascii117o;الاخوان" سيعرضون جهود مكافحة الارهاب في المنطقة والعالم للخــطر. كذلك، حذر التقرير الاميركي من وصول البرادعي ايضا خصوصا انه &laqascii117o;لا يتمتع بشعبية داخل مصر بعدما امضى وقتا قليلا في بلاده في السنوات الاخيرة"، مضيفا ان &laqascii117o;الشعب المصري لن يسلمه السلطة وعلى الارجح انه لن يعي كيف يتعاطى من موقع الحكم، غير انه من الممكن ان يشارك في حكومة مستقبلية".
من جهته، راى المحلل الأميركي ستيفن كوك أن لا شك في أن ادارة اوباما تكافح لمعرفة مستقبل هذه الثورة المصرية، لانه من دون مبارك ومصر، ستُترك واشنطن للمتقلبين السعوديين الذين، يتمتعون بالمظلة الامنية الأميركية من جهة ويغذون الايديولوجيات المتطرفة التي تهدد الولايات المتحدة من جهة اخرى، بالاضافة الى الاردن الضعيف والدول الخليجية الصغيرة والمغرب الواقع على حافة العالم العربي، فضلا عن اسرائيل. وقال كوك إن تداعي الحلفاء يثير الرعب، &laqascii117o;خصوصا أن التغييرات في مصر لها تداعياتها الجدية التي تبدأ بالتخوف الأميركي من الصعود الاسلامي وسقوط اتفاق السلام مع اسرائيل وصولا الى تغيرات جذرية اخرى على صعيد العلاقة الأميركية المصرية".
ونقلت مجلة &laqascii117o;فورين بوليسي" عن ثلاثة خبراء حضروا اجتماعا للبيت الابيض امس الاول، للتحضير &laqascii117o;للحياة ما بعد مبارك" أن &laqascii117o;فريق اوباما لم يقل لمبارك لا في العلن ولا في الخفاء انه يجب عليه الرحيل، بل انه يوجه بشكل متواصل رسائله الصادقة الى الرئيس المصري حول ما يتوقعه الاميركيون في المرحلة المقبلة". واضافت المجلة أن مقربين من &laqascii117o;البيت الابيض عبروا عن شكوكهم في تولي نائب الرئيس المصري عمر سليمان سدة الرئاسة في مصر، إلا انهم اعترفوا بدوره المرتقب في الفترة الانتقالية". ورات المجلة أن &laqascii117o;الانتقال" هو الرسالة الجديدة للادارة الأميركية، والتي ستسمح لها بالوقوف بجانب المتظاهرين من دون الرمي بمبارك والاستغناء عنه".


ـ 'السفير':
ماهر ابي نادر
ثورة تنهي مبارك وتبقي القيادة للمؤسسة العسكرية
ليس أكثر تعبيراً عن واقع مصر اليوم سوى مشهدين متناقضين متنافرين في آن معاً عرضتهما أجهزة التلفزة، أمس الأول، فمن جهة مشهد الرئيس حسني مبارك في مقر عمليات الجيش المصري محاطاً بكبار الضباط، وقد بان من خلال الثواني المعدودة للمشهد أن الحاضرين قد بلغ بهم العمر عتياً، ومن جهة ثانية شباب مصر النابض بالحياة يصرخ بأعلى صوته في كل شوارع البلاد ومدنها &laqascii117o;بدنا تغيير النظام".
وبين المشهد الأول والمشهد الثاني بدا واضحاً أن لا قوى سياسية في مصر بإمكانها اقتطاف اللحظة التاريخية وتحويل شعارات الشعب إلى برنامج ملموس يلبي طموحاته، فكل القوى على الساحة المصرية إما أنها في حالة من العجز الرؤيوي أو أنها في حالة خوف من فشل الانتفاضة وعودة الأمور لتستتب لجماعة النظام الحالي.
إذاً إنها الهوة الشاسعة في مشهد سياسي واحد. من جهة هناك النظام العسكري الذي أحكم قبضته على البلاد منذ العام 1952 بالانقلاب الوطني التحرري والتقدمي والقومي لحركة &laqascii117o;الضباط الأحرار" بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ضد نظام الملك فاروق المرتبط بالاستعمار الانكليزي (طبعاً مع الفارق الشاسع والكبير بين عبد الناصر وبين من خلفهم من قادة وزعماء لمصر) وامتد ليصل إلى آخر &laqascii117o;انجازات" هذا النظام بإجراء الانتخابات البرلمانية الفولكلورية تحت قيادة مبارك قبل قرابة شهرين من الانتفاضة الشعبية، والتي كرّس بموجبها إمساكه بأغلبية ساحقة من مقاعد مجلس الشعب، ومن جهة ثانية هناك عشرات الملايين من الأفواه الجائعة التي لم يعد لأصحابها ما يخسرونه إذا ما ثاروا، سوى القيود التي كبلتهم على مدى ستين عاماً من حكم العسكر.
على مدى العقود الستة المنصرمة تعاقب على رئاسة مصر أربعة جنرالات هم محمد نجيب، جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسني مبارك. ومع العلم أن الأخير هو ابن المؤسسة العسكرية التي شكلت على مدى العقود الثلاثة المنصرمة الأداة الفعلية لحكمه، لكنه في الأعوام الأخيرة وبعد أن تأكد أن طبقة رجال الأعمال التي يقودها نجله جمال باتت تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير في البلاد آثر أن يغير قواعد اللعبة، فبدأ بتحضير نجله لرئاسة البلاد عبر تســليمه مسـؤوليات أســاســية في &laqascii117o;الحزب الوطني" الحاكم، ومن ثم عبر حملات إعلامية كبيــرة وبــعدها بتشكيل حكومة معظم أعضائها من طبقة نجله.
وهكذا فقد تكشفت لعبة الصراع الخفية على السلطة بين طبقة كبار الضابط الذين يتمتعون بنفوذ اقتصادي لا يستهان به من جهة وطبقة ما يسمى &laqascii117o;القطط السمان" من المستثمرين المصريين الذين اغتنوا بأموال الشعب وعلى حسابه من جهة أخرى، وقد كانت المؤسسة العسكرية تنظر إلى ترشيح مبارك لنجله على انه انقلاب واضح من الرئيس عليها وطعناً لها في الظهر، لكن تشكيلته الحكومية الأخيرة بقيادة احمد نظيف قطعت الشك باليقين برغبة مبارك الانقلاب على المؤسسة التي صنعته. من هنا فقد كان نزول الجيش إلى الشوارع واكتفائه بدور أمني غير قمعي للمتظاهرين يشكل إشارة واضحة لمبارك بأنه من غير المسموح له تجاوز المؤسسة العسكرية، وبالتالي فإنه بالإمكان القول إن أول انجاز للانتفاضة الشعبية هو إسقاط عملية توريث جمال مبارك من الحسابات السلطوية في مصر وإبقاء رقبة مبارك معلقة بحبل المؤسسة العسكرية، التي سرعان ما ستشد الحبل عليه ما إن يعلن تشكيل الحكومة الجديدة، فتقدمه جثة سياسية هامدة لشعب مصر وتعلن أن الشعب صنع التغيير، ولكنها ستكون قد احتفظت بالنظام ذاته الذي سرعان ما سينتج مبارك جديداً أو أنور السادات جديداً، فالتاريخ لا ينتج كل يوم قائداً عظيماً كجمال عبد الناصر، لكن الشخصيات التافهة تفبرك بسرعة وعلى عجل بصورة دائمة.

وعلى الرغم من الرغبة الجامحة لدينا كوطنيين لبنانيين وكقوميين عرب بأن نرى انتفاضة الشعب المصري تثمر نظاماً يشكل نقيضاً للنظام السائد، فان إمكانية حصول ذلك تبقى معلقة كثيراً على مدى دينامية الشارع المصري في إنتاج قيادات وقوى تستطيع أن تمسك بهذه اللحظة التاريخية وتقود مصر إلى بر الأمان، وتعيد لها دورها الريادي في كل أنحاء الأمة العربية، بدءاً من الخروج من التحالف مع العدو الصهيوني وحاميته الولايات المتحدة ودعم قضية فلسطين، وصولاً إلى صياغة دستور ديموقراطي للبلاد يتيح إنتاج قوى حية ويصيغ آلية لتجديد الحياة السياسية فيها بصورة مستمرة.غير أن هناك فرقاً شاسعاً بين الرغبة والواقع، فمصر ليست تونس، بل هي الموقع الاستراتيجي الذي يشكل نقطة ارتكاز أساسية للمشاريع الأميركية، ليس في الشرق الأوسط وحسب بل في كل سياساتها الدولية، فهي دولة الثمانين مليون على حدود الكيان الصهيوني وعلى حدود قطاع غزة، وهي من كبريات الدول الأفريقية، ولولا شلل دورها لما تقسم السودان ولما تمكن الجيش الأميركي من دخول العراق، ولما اجتاحت إسرائيل لبنان مراراً وتكراراً ولما ولما ولما...
وبسبب هذه الأهمية الكبيرة لمصر بالإمكان القول إن ما حصل حتى الآن هو أن مبارك أعاد التسليم للمؤسسة العسكرية في قيادة البلاد عبر تسليم اللواء عمر سليمان نيابة الرئاسة التي شغرت على مدى ثلاثة عقود، وتكليف اللواء احمد شفيق رئاسة الحكومة. ولكن الثغرة الكبيرة في هذه التعيينات تتمثل بأن كلاً من سليمان وشفيق تتجاوز أعمارهما السبعين عاماً شأنهم في ذلك شأن معظم القيادات العسكرية التي كانت ترتقي السلم العسكري، أو تراوح مكانها بإرادة مبارك وبركته فقط. أي أن القيادة المرتقبة لمصر ستكون قيادة هرمة، فيما نبض الشارع هو الشباب الذي بات يركض بلا كلل بحثاً عن حريته في شوارع البلاد بطولها وعرضها، ويركض خلف هذا الشباب قوى سياسية تائهة، قد يكون من بينها تنظيم &laqascii117o;الإخوان المسلمين" هو الأكثر تنظيماً لكنه يعرف بأنه غير مرغوب به لا من غالبية الشعب ولا من النافذين في صناعة القرار المصري حالياً، كما أنه يدرك أنه ليس مسموحاً للتجربة الإسلامية أن تجد مسرحاً لها في ساحل المتوسط.
ـ السفير فواز طرابلسي :  الديموقراطية ثورة
لقد انتهى عهد حسني مبارك. والرجل إلى زوال عاجلاً أو آجلاً.
السؤال، بعد التظاهرات المليونية في اليوم الثامن من انتفاضة الشعب المصري، هو متى؟ وكيف؟ وأي نظام بديل؟ الثورات تختصر المراحل. تكنّس كل ما هو ثانوي وتبقي على الأساس. هكذا نتعرّف على أن ما يجري في مصر هو... ثورة. مضى وقت المطالبة بعدم التجديد لمبارك لولاية جديدة، ومنع التوريث، والاحتجاج على التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب، أو الشكاوى من تدني مستوى المعيشة والبطالة والإفقار والفساد. بل مضى زمن انتزاع المطالب الاجتماعية بواسطة الاعتصامات والإضرابات النضالية الحاشدة، على أهمية هذه وتلك. فكل ما سبق خلال العامين المنصرمين يبدو أنه كان بمثابة تمارين من أجل اليوم الخامس والعشرين من يناير.اليوم: &laqascii117o;الشعب يريد تغيير النظام". ولما بدا أن الحاكم ظن أنه ليس معنياً بالنظام، قيل له: &laqascii117o;ارحل. الشعب يريد إسقاط حسني مبارك".
والشعب الذي يملأ شوارع وساحات مدن مصر عيّنات عن كل فئات الشعب المصري الاجتماعية والعمرية والدينية ومن أطيافه الفكرية والسياسية. يتصدّرهم الشباب، ونصف شعب مصر دون الثلاثين. على أن ما يجهر به هذا الشعب هو المدهش. &laqascii117o;الشعب يريد" مبدأ في الحكم يعلن ثورة. &laqascii117o;الشعب يريد" يعني أن إرادة الشعب هي فوق كل إرادة أخرى. فوق إرادة الحاكم الفرد. وفوق إرادة الأسرة والطبقة وفوق إرادة مدّعي الاحتكام إلى شرائع السماء. الشعب يريد... نظاماً آخر.

في غضون أسبوع لا أطول، قامت في مصر سلطتان. سلطة &laqascii117o;الشعب يريد". سلطة ميدان التحرير في القاهرة وميادين التحرير في مدن مصر الرئيسية. وسلطة فقدت وسائل الشرعية والطواعية ـ من حيث طاعة المحكومين العفوية للحكّام وفاعلية أدوار وسائل الإعلام والمؤسسات التمثيلية والإيديولوجيا والقيم السائدة. والأهم أن تلك السلطة فقدت أيضاً السيطرة على أدوات ممارسة القمع تفلت من يد النظام المصري أيضاً. فما الذي يجري عندما تتردّد القوات المسلحة في لعب دورها بما هي أدوات القمع بيد الحكّام على المحكومين؟ ذلك هو السؤال منذ يوم أمس وهو سؤال الأيام المقبلة. تعلن قيادة القوات المسلحة أن المطالب الشعبية مشروعة ـ وهي تعلم أن في رأس تلك المطالب مطلب تنحي رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة. وتؤكّد القيادة ذاتها أنها لن تستخدم القوة ضد الشعب. رد الشعب المصري على قواته المسلحة: إما مصر وإما مبارك! إما التخلي عن حسني مبارك وإما استخدام القوة ضد الشعب. هنا الفيصل الدال عمّا تبقّى في القوات المسلحة المصرية من جيش وفدائيي السويس 1956 ومن جيوش جمال عبد الناصر وعبد المنعم رياض ومن جيش العبور عام 1973. فبناء على الخيار بين حاكم وبلد، سوف يتقرّر لا مصير الانتفاضة المصرية بل مصير مصر لسنوات طويلة قادمة.
يعلن الشعب إرادته وتليه الأحزاب في التفصيل. تتمسّك بتنحي مبارك، تطالب بحل مجلس الشعب والوزارة واعتماد مجلس القضاء لملء الفراغ الدستوري، وتنادي بانعقاد جمعية تأسيسية، وبإجراء انتخابات جديدة، وسن دستور جديد، إلخ. وهذه مجتمعة إعلان عن قلب نظام سياسي ـ اجتماعي رأساً على عقب واستبداله بآخر.
وليس صدفة أن يكون النظام المصري، والأنظمة العربية التي تترنح وتواجه معارضات شعبية عارمة، هي تلك التي تنتمي إلى فصيلة أنظمة &laqascii117o;الاعتدال". ابحث عن السبب في شدة ما استهلكها وهمّشها الأسياد الأميركيون وكثرة ما ضحك عليها الحلفاء الإسرائيليون. تتلعثم القيادات الأورو أميركية. تكذّب وتراوغ وتسعى لكسب الوقت بالنصائح الغامضة. والكل يدرك أن ما يجري في مصر الآن يهدّد بإطاحة ثلاثة عقود على الأقل من التحكّم بقلب المنطقة، تحكّم سوف ينهار مع انهيار مبارك.

لا يتردّد نتنياهو في أن يجاهر بأن إسرائيل ـ التي تطالب العالم بالاعتراف بها بما هي &laqascii117o;الدولة اليهودية الديموقراطية" ـ هي السد المنيع في المنطقة ضد... الديموقراطية. يحذّر من تكرار تجربة إيران ومن أن تقرّر الشعوب مصيرها بنفسها في منطقة ليست مهيأة بعد &laqascii117o;للديموقراطية المعاصرة"! وها هي مجلة المحافظين الأميركيين الجدد الليكودية تؤكّد لمن لم يلاحظ بعد عميق الصلة بين الاستبداد العربي والحفاظ على أمن إسرائيل بالقول إن الاستبداديين العرب هم الذين حقّقوا السلام مع إسرائيل وليس الديموقراطيون. وأن الديموقراطية جاءت بحركة حماس إلى الحكم. وتتساءل &laqascii117o;ذي أطلنطك": &laqascii117o;هل نريد الملك عبد الله، القائد المتنوّر نسبياً" أن ينهار بفضل تظاهرات في الشارع؟ (روبرت كابلان، &laqascii117o;ذي أطلنطك"، 22 يناير 2011).
هي أنظمة الاستبداد العربية، الجمهورية منها والنفطية السلالية، التي تحمي واقع السيطرة الإمبريالية ونهب مواردها وثرواتها وتقديم الذبائح للاهوت السوق وأوامر صندوق النقد الدولي، وهي هي التي تضمن الأمن الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي.

لا حاجة لتونسة العرب ولا لتمصيرهم في الرد على ذلك. مثلما لم يكن حاجة لفلسطنتهم أصلاً. يكفي أن يعمل كل شعب على تقرير مصيره بنفسه وتغيير أنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية حسب مشيئته ومصالحه والتطلعات. يوجد من الوشائج العميقة والأواني المستطرقة بين البلدان العربية وبين قضاياها ما يكفي لاستقبال النتائج الإيجابية للفعل المشترك وتحويل التراكمات الكمية إلى تحوّلات نوعية.
ولتتمحور المسألتان الوطنية والقومية مجدداً وتتمفصلان على المصالح والآمال والتطلعات لشعوب المنطقة ولتعيدا تعريف نفسيهما من خلال حقوق العمل والعلم والتعبير والتنظيم والصحة والسكن والماء النظيف والنور، والسيطرة على الموارد والثروات والحق في اختيار العرب حكامهم ومحاسبتهم واستبدالهم دورياً وفي التوزيع العادل للأمل في الحياة والتقدم والرفاه. هذه من الآن فصاعداً حوامل المسألتين الوطنية والقومية بديلاً من اعتبارها تشتيتاً للتركيز على &laqascii117o;قضية مركزية" معلّقة في الهواء، أو على حبال &laqascii117o;النخوة" العربية، يجري التضحية بكل ما يعطيها زخمها وعناصر القوة باسم طهرانية أو استبدالية هي الضعف عينه.
وأنت يا أم الدنيا، يا حبّالة، يا ولاّدة، يا نوّارة،
لِدِي لنا في هذه الأيام القادمة دنياك الجديدة!


ـ 'السفير':
طلال سلمان (ينشر مع صحيفة الشروق)
دقت ساعة التغيير.. مصر هي القدوة بالتجربة والتاريخ
في البداية مصر، وفي النهاية مصر: تتحرك الى الأمام فإذا العرب أمة واحدة، وتنكفئ متعثرة بهزال نظامها المترافق مع العسف، فإذا العرب أمم شتى سرعان ما تتفسخ الى أديان وطوائف ومذاهب، ثم الى عشائر وقبائل مقتتلة عبثاً، فإذا الأوطان أثر بعد عين.
عبر التاريخ كانت مصر هي &laqascii117o;الدولة"، هي &laqascii117o;المركز" بعاصمة وإدارة وسجلات وقيود، وفي مراحل عديدة تهاوى الحكم عبر صراع الطامحين إليه، أو عبر تغلغل النفوذ الأجنبي الذي صار &laqascii117o;استعماراً"، لكن هيكل &laqascii117o;الدولة" ظل قائماً، وظل الجهاز الإداري يعمل: يسجل القيود والبيوع، يحفظ الأنساب والملكية وتابعية المواليد، أي هويتهم الوطنية.
من هنا إن العرب في جميع أقطارهم كانوا يتطلعون الى مصر مع إعلان استقلال &laqascii117o;دولهم"، لا سيما في المشرق العربي... وهي &laqascii117o;دول" استولدها الاستعمار الغربي من رحم السلطنة العثمانية وتوزعها البريطانيون والفرنسيون، فأقام فيها العروش للملوك والأمراء والرؤساء الذين نصّبهم في غفلة من شعوبهم التي كانت تحاول التعرف الى هوياتهم الجديدة التي أسقطت عليهم وتعددت بعدما كانت موحدة بالسياسة (رعايا السلطان) وبالجغرافيا (بلاد الشام وهي التي تشمل ما نعرفه اليوم بأسماء العراق والأردن وسوريا ولبنان فضلاً عن فلسطين التي كان مخططاً لها عشية الحرب العالمية الأولى أن تصير إسرائيل).
والى ما قبل فترة وجيزة كان يمكن أن تجد أسرة واحدة بعضها &laqascii117o;عراقي" الجنسية وبعضها الآخر &laqascii117o;سوري"، أو ان الجد فيها سوري في حين يتوزع أفرادها بين جنسيات عدة فيها الفلسطيني وفيها الأردني وفيها اللبناني، والعكس بالعكس.
ولان مصر كانت سابقة الى الدولة الحديثة مع التجربة الفذة لمحمد علي وأبنائه من بعده فقد صارت القدوة: عرفت الإدارة العصرية، وعرفت الجيش كمؤسسة جامعة، وعرفت التعليم بفروعه المختلفة وصولاً الى الجامعة، وعرفت المحاكم بالقضاة والمحامين، وعرفت الشرطة كجهاز مركزي شبه عسكري لضبط الأمن في العاصمة والأقاليم الخ..
باختصار: نظر العرب، باستمرار، الى مصر على أنها &laqascii117o;الدولة"، في حين كانوا يتعاملون مع كياناتهم السياسية على أنها إما &laqascii117o;مصطنعة" ولا مبرر لوجودها أصلا، وإما أنها &laqascii117o;هشة التكوين" بحيث تحتاج دائماً الى حماية أجنبية.وفي ما يخص المشرق العربي فقد استقر في يقين أهله ان تفتيت أقطاره إنما كان الهدف منه التمهيد لزرع &laqascii117o;دولة إسرائيل" المعادية في قلبه، كحاجز بين المشرق والمغرب، وكقاعدة غربية قوية تفيد من ضعف &laqascii117o;جيرانها" لتفرض هيمنتها على كامل المنطقة... خاصة أن فاصلاً جغرافياً واسعاً يباعد بينها وبين مصر التي ستجد نفسها في هذه الحالة معزولة عن المشرق وهو مداها الحيوي بقدر ما هو مصدر الأمان أو الخطر، كما تدل تجارب التاريخ، قبل الميلاد وبعده وصولاً الى الحروب الصليبية وما تلاها.
هذا كله قبل إقامة إسرائيل بالقوة على أرض فلسطين والهزيمة التي لحقت بالعرب مجتمعين في الحروب التي شنتها عليهم بينما هم يحاولون التأقلم مع &laqascii117o;كياناتهم" الجديدة التي كان مستحيلاً أن تكون دولاً، ثم أن تكون قوية بما يكفي لكي تمنع زرع هذه الدولة المسلحة حتى أسنانها والمعززة بالدعم الغربي (والشرقي) المفتوح بطوابير الدبابات والمصفحات وتشكيلات الطيران الحربي فضلاً عن الجنود القادمين للتو من ميادين الحرب العالمية الثانية والمجهزين بأحدث المعدات، فضلاً عن الخبرات المكتسبة والتي لم يكن لها ما يقابلها عند مختلف الجيوش العربية، بما في ذلك الجيش المصري العريق.

هذا في الماضي، أما في الحاضر فقد لعبت مصر منذ ستين سنة دور القيادة السياسية لهذه المنطقة العربية، بل تجاوزتها بالتأثير المباشر الى الدائرة الأفريقية ثم الى الدائرة الآسيوية وبالذات منها الدول ذات الغالبية الإسلامية.
وليس من شك أن مصر قد لعبت، على امتداد الخمسينيات والستينيات، وحتى حرب العبور المجيدة، دور الموجه السياسي، وصاحبة التجربة الأغنى في محاولات تثوير المجتمعات بتعميم التعليم وبناء القلعة الصناعية والتصدي لمشاريع الهيمنة الأجنبية ودعم حركات التحرير في أربع رياح الأرض العربية والأفريقية.
ولقد أضاف هذا كله الى مصر المزيد من المكانة والقدرة على التأثير، واتخذتها الشعوب العربية عموماً، الجزائر وتونس ثم ليبيا، وسوريا ثم العراق فضلاً عن لبنان وأقطار الجزيرة والخليج وصولاً الى اليمن، قيادة وقدوة: توالت الانقلابات العسكرية متخذة لنفسها صفة الثورة وفي بلاغها الأول إشارة الى التجربة المصرية والرغبة في اعتمادها دليلاً هادياً (حتى وان كانت نية الانقلابيين الخروج عليها بعد أن يستتب لها الأمر)..
من هنا ان العرب في مختلف أقطارهم يتابعون الآن - بقلوبهم قبل عيونهم - أخبار الانتفاضة الشعبية المجيدة في مصر، لأنهم يرون فيها بزوغ أمل جديد بالتغيير في أرجاء الوطن العربي جميعاً... وهو أمل طال انتظاره بقدر ما استطال &laqascii117o;رسوخ" أنظمة القمع والاستبداد في أرجاء الدنيا العربية.
لقد أفقد أهل النظام العربي دولهم قيمتها وقدرتها على التأثير حين ألغوا شعوبهم: قمعوا إرادة جماهيرهم وحوّلوها الى &laqascii117o;هتيفة" أو قطعان من اللامبالين والمغتربين عن أوطانهم التي لم يعودوا يرون فيها أوطانهم، بل استقر في يقينهم أنها مزارع للسلاطين الحاكمين الى الأبد وذريتهم الصالحة ومستشاري السوء وأجهزة القمع والجيوش بقادتها المزينة صدورهم بأوسمة - هدايا تلقوها مكافأة لعدم اشتراكهم في حروب التحرير، ولتصديهم مع جنودهم لجماهير الشعب المجوع والمحقرة مكانته والمزورة إرادته، دائماً.

لقد دقت ساعة التغيير في مختلف أرجاء الوطن العربي، من أقصى المغرب الى أدنى المشرق في اليمن.
لقد طال دهر الركود وتعاظمت خيبة الأمل في أنظمة جاءت بها ثورات ناقصة التكوين مجتزأة البرنامج فاستهلكت السلطة زخمها، بينما أنظمة الحكم التقليدية تغرق في تخلفها وتستمد بعض شرعيتها واستمراريتها من انعدام البديل الداخلي، مضافاً اليه التشوه الذي أصاب شعارات القائلين بالتغيير عبر ممارساتهم المخيبة للآمال.
بالمقابل، ونتيجة ترهل الأنظمة التي باعدت التحولات والإغراءات بينها وبين جذور الانتماء الى الحركات الثورية التي وصلت بها السلطة، تزايدت مساحة النفوذ الأجنبي في القرار السياسي العربي. باتت واشنطن في موقع صاحب القرار في الشؤون العربية عموماً: تزكي أنظمة القمع وتحميها بغطاء من الصمت الدولي عن ممارساتها في الداخل، مكتفية بتوجيه النصح، بين حين وآخر، وترشيد قراراتها ليمكن تسويقها وتبرير المساعدات التي تقدم اليها، وهي تافهة ومحدودة تستهلك، في الغالب الأعم، في تجميل صورة النظام كما في تقديم الإدارة الاميركية في صورة المحسن والمتصدق على الفقراء بحفنة من الدولارات والنصائح الديموقراطية.
ان الرغبة في التغيير عارمة، وهي تعبر عن نفسها في نزول الجماهير الى الشارع... لكن المسافة بين جماهير الشارع وبين مواقع السلطة المحصنة جيداً شاسعة جداً. لقد انعدمت، تقريبا، الفرصة لمصالحة أهل النظام العربي وشعوبهم. كل المحاولات تكشفت عن عملية خداع، وانتهت بتخدير الجماهير وإعطاء فرص جديدة للنظام كي يعزز موقفه في المواجهة.

ان الشارع العربي يموج بجماهيره، في المشرق كما في المغرب.
كسرت الجماهير حاجز الخوف واندفعت بالآلاف، ثم بعشرات الآلاف الى قلب المدن، ثم بمجموع لا تحصى ترفع صوتها بمطالبها، تحتج على ظلم السلطة.... فإذا ما واجهتها عصي شرطة النظام، ثم رصاص بنادقهم، زاد ثباتهم في الشارع، ثم تزايدت أعدادهم حتى باتت بحراً تغرق فيه كل أدوات القمع التي أعدها النظام لحماية مواقعه وأدواته...
والجماهير تنزل من دون خطة محددة، ومن دون قيادة معروفة، ومن دون برنامج واضح. لكن المواجهة المشتركة لأدوات القمع تستولد شكلاً من أشكال القيادة، ولو عبر صيغة جبهة ينتظم فيها أصحاب المصلحة بالتغيير، أي الأكثرية المطلقة في كل بلد.
أما السلطة فتتراوح تجاربها بين القمع المطلق و... الغياب المطلق.
وبعد تجربة تونس الباهرة، اختار العديد من أهل النظام العربي ان يتخلوا عن سياسة المواجهة بالقوة، وأخذوا يعتمدون أساليب أخرى: بعضهم تعمد أن &laqascii117o;يشتري" غضب الجماهير، وبالذات ملايين العاطلين من العمل والغارقين في بحور فقرهم في الجزائر، بأن أخرج من خزينته بضعة مليارات من الدولار ورماها في السوق، على شكل خفض لأسعار المواد الغذائية والحاجيات الأخرى، وفتح أبواب التوظيف عشوائيا.. أما البعض الآخر من أهل النظام العربي الأشد فقراً فقد حاول ضرب الناس بالناس، باستخدام الجهوية أو القبلية أو المذهبية، أو بالتراجع عن بعض خططه للتمديد.. الى الأبد.
على أن الأخبث بين هذه الخطط في مواجهة الغضب الشعبي أن تخلي السلطة مواقعها وتتخلى عن مسؤوليتها تاركة الشارع لجماهير بلا قيادة موحدة ومسؤولة، وهكذا يأخذ الفراغ الى الفوضى. تختفي &laqascii117o;الحكومة". يتبخر الحزب الحاكم. يسود الخوف. يسقط الأمان الاجتماعي. تحتل الشائعات المدينة ويتناقلها الناس فتبلغ أعماق البلاد. يشعر الناس فجأة ان مظلة الأمان التي كانت تشعرهم بالطمأنينة قد سحبت فجأة. يجدون أنفسهم في هوة فراغ السلطة ولا ملجأ أمان. تحتل الشائعات المدينة ومراكز المحافظات. تتضخم وهي تنتقل من جهة الى أخرى . يكتشف الناس، فجأة، أنهم متروكون للريح. ان &laqascii117o;الخيمة" التي كانت تظللهم قد سرقت أو انهارت وباتوا &laqascii117o;مكشوفين" تماماً ولا ملجأ.
ان ضريبة حكم الفرد الواحد أو حكم العصبة الواحدة باهظة التكاليف.
ومن سوء حظ الأمة أنها ابتليت بقافلة من الحكام الذين لا يطيق أي منهم الى جانبه الا جهاز السكرتيريا ومستشاري السوء، ولأنه وحيد يعزل نفسه خلف الأسوار لا يرى ولا يسمع ولا تصل اليه أصداء اللعنات ومطالب الناس، ولا تقدم له أجهزته منهم إلا المنافقين أو المتظلمين بأدب شديد أمام صاحب الأمر والنهي، مانحاً أسباب الحياة، فإنه يتحول الى أعمى يخاف من كل ما لا يراه، وهو كثير كثير. وها نحن نشهد مقدمات سقوط عهود الظلم والظلام في مختلف أرجاء الوطن العربي، مشرقاً ومغرباً... ومصر دائماً هي القلب وهي الطليعة وهي راية الغد.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد