المقتطف الصحفي » الملف المصري الخميس 3/2/2011

ـ 'النهار':
مبارك يخوض معركة البقاء في ميدان التحرير
واشنـطـن أكـثـــر ابــتــعـــاداً عـنـه: الآن تـعــني أمس
واشنطن ـ من هشام ملحم والوكالات

انتقل الرئيس المصري حسني مبارك أمس الى الهجوم في ما قد يكون معركته الاخيرة ضد من يطالبون بتنحيه في الداخل ومن يحضونه في الخارج على بدء النقل السلمي للسلطة فوراً. فقد حول متظاهرون مؤيدون لمبارك ميدان التحرير في وسط القاهرة حيث يعتصم منذ تسعة ايام المتظاهرون المطالبون بتنحيه، ساحة حرب حقيقية في مشهد اعاد الى الاذهان القمع الدموي للمطالبين بالديموقراطية في ساحة تيان آن مين ببيجينغ عام 1989. واستمرت الاشتباكات طوال ساعات النهار وحتى ساعة متقدمة من الليل امام بصر الجيش وسمعه من غير ان يحرك ساكنا، مكتفيا باصدار بيانات تدعو المتظاهرين من الجانبين الى العودة الى منازلهم.
وترافقت التطورات الميدانية التي اسفرت عن سقوط ثلاثة قتلى واكثر من 1500 جريح، مع اعلان نائب الرئيس المصري عمر سليمان ان السلطات لن تتفاوض مع المعارضة الا في حال وقف التظاهرات، الامر الذي رفضته المعارضة التي تستعد لتظاهرات ضخمة غداً في ما تطلق عليه 'جمعة الرحيل'.

الى ذلك، أعلنت وزارة الخارجية المصرية ان القاهرة ترفض الدعوات الى البدء فورا بعملية انتقال السلطة. لكن هذا لم يمنع تكرار مطالبات اوروبية واميركية لمبارك بالشروع في الاصلاحات الآن، في ما اعتبر استعداداً من دول اوروبية في مقدمها فرنسا وبريطانيا والمانيا للتخلي عن التعامل معه.

وقال مراقبون ان القمع الدموي للاعتصام قد حد من التعاطف الذي كان ابداه بعض القطاعات الشعبية البسيطة مع مبارك اثر خطابه ليل الثلثاء، والتي نظرت بمرونة الى مسألة بقائه في السلطة بضعة اشهر الى حين استكماله ولايته.
وأفادت مصادر في المعارضة المصرية ان رجال اعمال مقربين من مبارك ونجله جمال بينهم محمد ابو العينين وابرهيم كامل وعددا من نواب الحزب الوطني الحاكم ا عدوا خطة التحرك للمتظاهرين المؤيدين لمبارك والذين قالت انهم يضمون في صفوفهم بلطجية وخارجين على القانون وعناصر من الامن المركزي والشرطة السرية. واضافت ان هؤلاء هم الذين انقضوا على المعتصمين في ميدان التحرير مستخدمين السلاح الابيض والخيول والجمال. واشارت الى ان رجال الاعمال مارسوا الابتزاز مع العمال المستخدمين لديهم كي يشاركوا في التظاهرات المؤيدة لمبارك سواء في القاهرة او في المدن المصرية الاخرى.
وروى شهود عيان ان المؤيدين للرئيس المصري الذين واصلوا القاء الزجاجات الحارقة والحجار على المعتصمين حتى ساعة متقدمة أمس، يستعدون لشن هجوم واسع على ميدان التحرير صباح اليوم من اجل وضع حد للاعتصام. وكانت الاشتباكات التي تركزت بين الجانبين قرب المتحف المصري المجاور لميدان التحرير قد ادت الى حريق في حديقة المتحف

'الآن تعني الآن'
وشددت الولايات المتحدة  ضغوطها العلنية وغير العلنية على مبارك للتعجيل في رحيله عن السلطة من طريق الشروع في عملية انتقالية سريعة، وشددت على ان ما عناه الرئيس باراك أوباما في كلمته مساء الثلثاء من ان عملية الانتقال السلمي للسلطة يجب أن تبدأ 'الآن' تعني أن كلمة 'الآن قد بدأت أمس' وأن 'الآن تعني الآن' وليس الانتظار كما يريد مبارك الى ايلول المقبل.
وسارعت واشنطن الى التنديد بأعمال العنف 'المشينة' والمقلقة ضد المتظاهرين السلميين والتي طاولت عددا من المراسلين والصحافيين العرب والاجانب والتي قامت بها عناصر لمح المسؤولون الاميركيون الى أنها تابعة للسلطات المصرية، وذلك على خلفية تسارع الاتصالات بين المسؤولين والعسكريين في البلدين، كان منها اتصال بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والنائب الجديد لمبارك عمر سليمان.
وصرح الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس إن أوباما وادارته 'يدينان بقوة العنف المشين' الذي شهدته شوارع القاهرة، 'وطبعا اذا كانت الحكومة تقف وراء هذا العنف، فان عليها إيقافه فورا... هذه هي رسالتنا لهم'. وكرر القول إن أحداث الاربعاء تؤكد ما شدد عليه أوباما مساء الثلثاء في كلمته وهو 'ان وقت نقل السلطة قد حان، وهذا الوقت هو الآن. الشعب المصري يريد ان يرى التغيير، ويريد ان يرى التقدم... أعتقد ان التغيير يجب أن يأتي الى القاهرة. التقدم والتغيير يجب ان يأتيا الى مصر، وهذا كله يجب أن يحدث بسرعة'.
وسئل أن يحدد ما يعنيه بكلمة 'الآن' فأجاب: 'الآن تعني امس، لأننا عندما قلنا 'الآن' فاننا عنينا أمس… الآن بدأت امس' وذلك في إشارة الى خطاب أوباما الثلثاء.

وجدد دعوة أوباما المصريين الى ضبط النفس ونبذ العنف، قائلا: 'ومن الضرورة القصوى ان يتوقف العنف وان تبدأ عملية الانتقال التي تحدثنا عنها ليل أمس فورا'.
وفي مؤشر لكون المكالمة الهاتفية بين أوباما ومبارك الثلثاء اتسمت بالفظاظة، قال الناطق انها كانت 'صريحة ومباشرة، ومن دون التطرق الى مضمون ما قيل، فان الرسالة التي سلمها الرئيس الى الرئيس مبارك كانت: لقد حان وقت التغيير'. وأوضح ان واشنطن لم تتخذ حتى الآن قرارا في شأن قطع المساعدات عن مصر والبالغة أكثر من مليار ونصف مليار دولار، وأنها لا تزال قيد المراجعة.
  وأفاد ان الاتصالات مستمرة بين الطرفين وعلى مختلف المستويات، وأن الاتصالات التي أجرا ها وزير الدفاع روبرت غيتس مع نظيره المصري المشير حسين طنطاوي ساهمت في ضبط الوضع. كما اتصل رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الاميرال مايك مولن أمس بنظيره المصري الفريق سامي عنان وناقشا فيها الوضع، فأعرب مولن عن ثقته بقدرة القوات المصرية على ضمان الامن في البلاد بما فيها منطقة قناة السويس.
واعترف غيبس ان التطورات تتلاحق بسرعة مدهشة، 'ونحن نواجه التاريخ وهو يصنع'. وقال ان حكومته تخطط للاحتمالات المختلفة مشيرا الى وجود لجنة متابعة مؤلفة من مسؤولين بارزين. ورفض وصف مبارك بأنه 'ديكتاتور' واكتفى بأن 'الادارة تعتقد ان امام الرئيس مبارك فرصة لان يبين للعالم من هو بالضبط من خلال بدء عملية الآنتقال الذي توجد له حاجة ملحة في بلده ومن أجل شعبه'. وقال ان حكومته تتوقع ان تلتزم أي حكومة جديدة في مصر المعاهدات التي وقعتها من الحكومات السابقة، وذلك في اشارة الى معاهدة السلام مع اسرائيل.

وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي بأن الوزيرة كلينتون شددت خلال مكالمتها الهاتفية مع سليمان  'على ادانتنا للعنف، وشجعت الحكومة على محاسبة المسؤولين' عن العنف في ميدان التحرير،  قائلا إن حكومته 'لا تعرف هوية الفاعلين'.
وقالت مصادر أخرى مطلعة إن كلينتون أكدت مجددا جدية واشنطن واصرارها على موقفها حيال بدء عملية النقل المنظم والسلمي للسلطة وإخراجها من يد مبارك ورفضها بقاءه في السلطة ثمانية أشهر تكون فيها مصر والعلاقات الاميركية - المصرية معرضة لمختلف الاهتزازات والتحديات التي لا يمكن الآن التكهن بمدى خطورتها.
وشدد كراولي على ان الرسالة الاميركية الى حكومة مبارك الآن هي أن 'الاجراءات (لنقل السلطات) يجب ان تبدأ الآن والحكومة لا تستطيع ان تقول اليوم ليس هو اليوم المناسب، او غدا ليس هو اليوم. يجب ان يكون هناك شعور بالالحاح. يجب ان يكون هناك حوار وطني' يشمل مختلف أطياف الشعب المصري.
وقال مسؤول أميركي كبير ان الاشتباكات بين أنصار مبارك ومعارضيه قد تقنع الجيش المصري بأنه يتعين عليه الضغط على مبارك لاتخاذ خطوات اضافية. وأضاف: 'نعتقد ان مناقشات تجري داخل الدائرة القريبة من الرئيس مبارك في شأن هذه المسألة، وفي شأن هذه الحقيقة بأنهم تحركوا لكنهم لم يتحركوا الى مدى بعيد ما يكفي او سريعا ما يكفي... أعمال العنف في الشوارع والموقف الصعب الذي تضع الجيش فيه، قد تقنع الى حد كبير الجيش بأن شيئا ما لا بد من القيام به وانه قد يمارس ضغوطا من جانبه على الرئيس مبارك.

لا اتصال بـ'الاخوان'
الى ذلك، أكد مسؤول اميركي رفيع المستوى ان السفارة الاميركية في القاهرة اجرت اتصالات مع عدد كبير من شخصيات المعارضة المصرية منذ بدء الاحتجاجات، نافيا اجراء اي اتصال مع جماعة 'الاخوان المسلمين' من غير ان يوضح السبب.

بين ويزنر ومبارك
وأفادت مصادر مطلعة في القاهرة، ان المبعوث الاميركي الخاص الى مصر السفير السابق فرانك ويزنر الذي التقى مبارك صباح الثلثاء طوال ساعتين، عرض على الرئيس المصري ان يذهب معه على متن طائرة الى الولايات المتحدة او بريطانيا بعد ان يفوض سلطاته الى سليمان بدعوى اجراء فحوص طبية، وان لا تبدو عملية الخروج بمثابة هروب او في صورة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.
وقالت ا ن ويزنر ابلغ مبارك، الذي يرتبط معه بصداقة قديمة تعود الى الايام التي كان فيها ويزنر سفيرا في مصر، ان مثل هذا السينايو يتطلب نقل السلطة فورا، وانه في تقدير الولايات المتحدة ان النظام قد انتهى وقد لا تتوافر مثل هذه الفرصة اذا زادت الامور تعقيداً.
واوضحت ان مبارك رد بأنه لا يستطيع تنفيذ الاقتراح الاميركي الان وطلب مهلة حتى المساء قائلاً انه يرتب خطة محددة مع مستشاريه وقال اعطوني فرصة للتنفيذ. لكن المسؤولين الاميركيين فوجئوا بمضمون الخطاب الذي القاه مبارك مساء الثلثاء والذي لم يكن متوافقا مع الانطباع الذي اعطاه لويزنر.
واشارت المصادر الى ان ويزنر الذي غادر القاهرة أمس، سافر محبطا، معتبرا ان هناك حقائق على الارض لا يستشعرها مبارك.

سليمان والمعارضة
وكان سليمان اتصل ببعض الشخصيات المعارضة في اليومين الاخيرين وعرض عليها افكارا تتضمن ان يتخلى مبارك عن كل شيء يتعلق بالشؤون الداخلية الى حين انتهاء ولايته في ايلول.وسأل المعارضون عن الضمانات لهذا العرض، فرد عليهم سليمان بأن ما يعرضه هو مجرد أفكار.وأعد بعض الشخصيات خطة لتقديمها الى سليمان تنص على عدم التفاوض مع السلطة قبل تنحي مبارك، وأنهم يقبلون بسليمان خلال الفترة الانتقالية، كما انهم يقبلون بأن يترشح مع الآخرين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وطالبوا بانهاء حال الطوارىء فورا وبتعديل المادتين 76 و77 من الدستور اللتين تضعان قيودا على المتقدمين للترشيح للرئاسة، فضلا عن المطالبة بتعديل المادة 78 التي أزالت الرقابة القضائية على الانتخبابات واستبدلتها بلجنة حكومية، الى ضمان حق الشباب في الاقتراع ببطاقة الهوية.
وقال المعارضون انهم يقبلون خلال المرحلة الانتقالية بأن يتولى أحمد شفيق رئاسة حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها المعارضة ولا تضم وجوها من الحزب الوطني الحاكم لا تكون مكروهة شعبيا، وأن ينفذ ما يتفق عليه ضمن جدول زمني وان يعلن عنه على أساس اتفاق سياسي. كما طالبت المعارضة بحل مجلسي البرلمان فورا باعتبارهما وليدي تزوير واستنادا الى طعون قضائية في اكثر من 95 في المئة من النتائج.
واقترحت المعارضة ألا تتعدى المرحلة الانتقالية الاشهر التسعة، أي موعد انتهاء الرئاسة الحالية. وقالت انه بعد انتخاب الرئيس يمكن تعديل الدستور كله.إلا ان الشخصيات المعارضة فوجئت باتصال من سليمان امس أبلغها فيه ان من الصعب التفاوض قبل وقف التظاهرات، الأمر الذي رفضته المعارضة.
من جهة اخرى، أفادت مصادر ديبلوماسية في بيروت ان مبارك موجود منذ أيام في منتجع شرم الشيخ المصري وأنه لا يأتي الى القاهرة إلا لمهمات محددة ثم يعود الى هناك.


- 'النهار':
باراك: عهد مبارك انتهى من دون شك وعلينا الاستعداد لأي تطور
نتنياهو يتوقع سنوات من عدم الاستقرار في مصر ويدعو إلى تعزيز قوة اسرائيل في وجه 'غزة ثانية'
 
جدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو دعوة 'أي' حكومة مصرية إلى احترام معاهدة السلام بين البلدين، محذراً من تحول مصر 'غزة أخرى' تحكمها قوى متطرفة، وداعياً إلى 'تعزيز قوة اسرائيل'. وبينما رأى وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك ان عهد الرئيس المصري حسني مبارك 'انتهى من دون شك'، طالب نائب وزير الدفاع السابق افراييم سنيه بإعادة احتلال الشريط الحدودي بين مصر وقطاع غزة وإلغاء فرضية ان القاهرة لم تعد عدواً.
وقال نتنياهو امام الكنيست الاسرائيلية: 'اسرائيل تنتظر من أي حكومة مصرية أن تحترم معاهدة السلام الموقعة بين البلدين، وأن يطابق موقف الأسرة الدولية الموقف الاسرائيلي في هذا الشأن'. وأضاف: 'سيكون هناك صراع في مصر بين من يؤيدون الديموقراطية ومن يريدون الإسلام الراديكالي. هناك عالمان، وجهتا نظر، تلك المتعلقة بالعالم الحر والأخرى المتعلقة بالعالم الراديكالي، أي منهما ستسود في مصر؟ يمكن ألا تحقق إحدى هاتين القوتين فوزاً على الأخرى لوقت طويل، وان يستمر انعدام الاستقرار والغموض سنوات عدة. أنا واثق من أنه إذا انتصرت القوات التي تريد القيام بتغيير، وإذا انتصرت الإصلاحات وإرساء الديموقراطية في مصر، فإن هذا التغيير سيدفع قدماً نحو السلام واسرائيل في العالم العربي. لكننا لم نصل الى تلك المرحلة بعد'، داعياً الى 'رؤية الحقيقة كما هي'.

واوضح انه 'إذا تحقق السيناريو المتفائل، فمن الممكن ان يتحقق الأمل في ارساء الديموقراطية والاستقرار في مصر، ولن تشكل مصر الديموقراطية تهديداً للسلام، بل بالعكس'. الا انه استدرك قائلا: 'بعيداً من واشنطن وباريس ولندن، ولكن ليس بعيداً جداً عن القدس، يوجد أمر آخر في عاصمة أخرى. وفي هذه العاصمة طهران، ينتظرون اليوم الذي يسود فيه الظلام، وهم ليسوا مهتمين بتطلعات مواطني مصر إلى الحرية تماماً مثلما لم يكونوا مهتمين بدعوات كهذه من جانب الشعب الإيراني. النظام الايراني لا يريد نظاماً مصرياً يدافع عن حقوق الانسان. هل هناك حرية في ايران؟ هل هناك ديموقراطية في غزة؟ هل يدعو حزب الله إلى حقوق الانسان؟ هناك تصور آخر يتمثل في رغبة ايران في إعادة مصر إلى القرون الوسطى. يريدون تحويلها غزة أخرى تحكمها قوى متطرفة تعارض كل ما نريد، وكل ما يمثله العالم الديموقراطي'.
وتحدث عن احتمال صعود 'الإخوان المسلمون' إلى الحكم في مصر، مشيراً إلى ان 'معاهدة السلام لا تضمن وجود السلام، ولذلك فإنه من أجل الدفاع عنه وعن أنفسنا، وفي حال غياب الاتفاق أو خرقه أو حدوث تغيير في نظام الجانب الآخر، فإننا سنحميه من خلال ترتيبات أمنية صلبة على الأرض'. وخلص الى ان 'أساس استقرارنا ومستقبلنا والحفاظ على السلام او توسيع نطاقه، وخصوصاً في الظروف التي تتسم بعدم الاستقرار، يرتكز على تعزيز قوة اسرائيل'.
ويذكر أن معاهدة كمب ديفيد مكنت اسرائيل من خفض الإنفاق الدفاعي الى درجة كبيرة، فهو يبلغ حالياً نحو تسعة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
كذلك حض نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اغتنام ما وصفه بـ'فرصة سانحة' نتجت من الاضطرابات في مصر لمعاودة محادثات السلام، وإن يكن أقر بأن الفجوات القائمة بين الجانبين 'واسعة على نحو يتعذر معه ردمها'.

باراك وبن اليعازر

أما باراك، فصرح في مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي بان 'عهد مبارك انتهى 'من دون شك. وسينشأ هناك شيء آخر، وهذا يلزمنا أن نكون مستعدين لأي تطور'.
وانتقد النائب العمالي بنيامين بن العيازر بشدة الولايات المتحدة التي 'جلبت المأساة الى الشرق الأوسط عندما وجهت المطالب الى الرئيس مبارك بان يعتزل منصبه ويغادر مصر'. ودعا إلى 'التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين سريعاً قبل إقدام الادارة الاميركية على فرض الحل علينا'.
وكتب نائب وزير الدفاع السابق افرايم سنيه في صحيفة 'يديعوت احرونوت' أن الأحداث في مصر تفرض على اسرائيل اتخاذ خمس خطوات سريعة هي احتلال الشريط الحدودي بين مصر وغزة، وتغيير عقيدة الجيش وإلغاء فرضية ان مصر لم تعد عدواً، والاسراع في بناء جدار حدودي مع مصر، ووقف الاعتماد على الغاز المصري، واقتلاع المفجر الرئيس للنزاع في المنطقة وعرض تسوية مع الفلسطينيين انطلاقاً من محادثات عباس ورئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت.
واتهم رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة النائب العربي الاسرائيلي محمد بركة نتنياهو بأنه 'يحاول ان يرسم مستقبل مصر وفق مقاسات اسرائيل ومصالحها، ولكن عليه ان يعلم ان مصر كبيرة وشعبها كبير، واسرائيل تبقى أصغر بكثير من ان تكون لها قدرة على توجيه تعليمات الى هذا الشعب المصري العظيم'. وحذر من استغلال اوضاع مصر 'لتوجيه ضربة الى قطاع غزة او لتسخين الموضوع الايراني او اطلاق تهديد


ـ 'السفير':
لم يفهمونا بعد
فهمي هويدي

لم يفهمونا بعد. إما لأنهم صمُّوا آذانهم لكي لا يسمعوا هدير الجماهير، وإما لأنهم تسلموا الرسالة ولم يكترثوا بها تحدياً لمرسليها واحتقاراً لشأنهم. لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة، ولكن ما يمكن القطع به أن ثمة التباساً ما حدث، كان من نتيجته أن ما سمعناه في خطاب منتصف ليلة أمس من الرئيس مبارك لم تكن له علاقة برسالة الغضب التي ظل الغاضبون يرسلونها طوال الأيام السبعة التي خلت، منذ يوم 25 يناير الماضي.
فمئات الألوف الذين خرجوا منذ ذلك اليوم في أرجاء مصر، والحشد المليوني الذي تجمّع في القاهرة أمس الأول &laqascii117o;الثلاثاء 1/2"، والـ٣٠٠ مواطن الذين قتلوا برصاص الشرطة منذئذ، والخمسة آلاف مصاب وجريح، بخلاف الـ500 الذين اختفوا ولم يعرف مصيرهم بعد، ذلك الحدث الفريد في بابه في التاريخ المصري لم يكن الهدف منه إقالة رئيس الحكومة وتعيين نائب للرئيس، وتغيير مادتين في الدستور. فذلك ثمن بخس للغاية إما أنه يعبر عن استخفاف واحتقار للألوف التي خرجت وللتضحيات التي قدمت. أو أنه يفترض فيهم البلاهة والغباء.

وسواء كانت الرسالة لم تستقبل أصلاً، أو أنها استقبلت ولم تفهم أو أنها فهمت وتم تجاهلها عناداً واستكباراً، فيبدو أننا صرنا بحاجة لأن نوضح مضمونها، على الأقل لكي يدرك الجميع عمق الهوة بين المطلوب والمعروض، وبين الأشواق التي تعلق بها الناس، والأصداء التي صدموا بها، ذلك أن الجماهير التي انفجر غضبها أخيراً. بعد ثلاثين سنة من الصبر والاختزان لم تفعل ما فعلته إلا لأنه فاض بها الكيل ولم تعد تحتمل مزيداً من الإهانة. فقد عانت داخلياً من احتكار السلطة والخضوع للطوارئ وتقييد الحريات العامة وتزوير إرادتها، بقدر ما عانت من الفساد الذي بدد ثروات البلاد وبطش الشرطة الذي أهدر كرامات الناس واستخفّ بحياتهم، والإفقار الذي أذلهم وقصم ظهورهم. أما خارجياً فقد أهينت مصر حين تم تقزيمها وإلحاقها بمعكسر التبعية للسياسة الأميركية، الذي دفعها إلى حصار غزة والإسهام في الدفاع عن أمن إسرائيل مع التفريط في أمنها القومي. وتلك مجرد عناوين تحتمل التفصيل والإضافة. لكن أهم ما فيها أنها كانت ثمرة سياسات اتبعت خلال تلك الفترة وأوصلت البلد إلى ما وصل إليه من صغار ووهن.
حين تكون تلك أسباب انفجار غضب الجماهير، ثم يكون &laqascii117o;التجاوب" معها على النحو الذي ذكرناه. فذلك يؤكد أنه لا توجد ثمة علاقة بين الأشواق والأصداء. ذلك أننا إذا دققنا في تلك الأصداء، خصوصاً خطاب الرئيس الأخير، فسنجد ما يلي:

- إن الرئيس لم ير غضب الناس وأسبابه في المشهد، ولم يتحدث إلا عن التخريب والتدمير الذي حدث، ولم يكن المتظاهرون مسؤولين عنه وليس لهم أي علاقة به. كما أنه غمز ضمناً من الإخوان المسلمين وبعض الجماعات &laqascii117o;ذات الأجندات الخاصة" معتبراً أنهم هم الذين استثاروا الجماهير وفجّروا غضبها، وذلك أيضا ليس صحيحا، لأن الجماهير الغاضبة هي التي قادت الجميع، وكان الإخوان وغيرهم ضمن الذين لبوا نداءها وتجاوبوا مع غضبها. بما يعني أنه نظر إلى الصورة من الزاوية الخطأ، وأدرك مكوناتها على نحو مغلوط.
ـ إن الرئيس لجأ إلى إحداث تغيير في الأشخاص والإجراءات ولم يغير شيئاً من السياسات، التي هي موضوع الغضب ومصدره الأساسي. إضافة إلى أنه أراد أن يكسب وقتاً وقدم وعوداً ليس بوسع أحد أن يراهن على تنفيذها في ظل الخبرات التي مررنا بها. فالمادتان اللتان دعا إلى تغييرهما في الدستور &laqascii117o;الأولى تخص شروط الترشح للرئاسة والثانية تتعلق بمدة بقائه في السلطة" سبق أن قدما لنا في سياق وعده بالإصلاح السياسي، كما وعدنا لاحقاً بانتخابات تشريعية نزيهة حول التزوير الفج إلى كارثة، وصارت فضيحة غذت الشعور بالمهانة والازدراء بالمجتمع.

ـ إن وعد الرئيس بعدم الترشح لولاية سادسة أمر طيب لا ريب، بقدر ما أنه بدا خطوة تثير القلق وتفتح الباب للهواجس والشكوك. ذلك أنه لم يشر بكلمة إلى مسألة إلغاء الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وهما العقبتان اللتان لا يطمأن إلى إمكانية إجراء انتخابات في غيابهما. بكلام آخر فإنه إذا لم يرشح الرئيس نفسه واستمر الوضع كما هو عليه الآن، فإن الحزب الوطني بتواطئه التقليدي مع جهاز الإدارة سيظل قابضاً على السلطة ومحتكراً لها، ولديه مهلة كافية لترتيب ذلك، في حين أن إطلاق الحريات وإلغاء الطوارئ إذا تما الآن، فمن شأنهما توفير مناخ يمكن المجتمع من إفراز البدائل المناسبة التي يمكن أن تنافس مرشح الحزب الوطني وتعطيه حجمه الطبيعي.

ـ إن الرئيس حين وعد بعدم الترشح للرئاسة المقبلة ولم يشر إلى أن ذلك الوعد يشمل أفراد أسرته، فإنه فتح الباب لاحتمال التلاعب بالوعي والذاكرة خلال الأشهر المقبلة، بما يجعل ترشيح ابنه جمال احتمالاً وارداً. وستكون حظوظه كبيرة في هذه الحالة، ووجود والده في السلطة سيضمن له ذلك ــ ولن أشك في أن أبالسة النظام مستعدون للقيام بهذه المهمة. وفي هذه الحالة فإن أكبر انتفاضة شعبية في تاريخ مصر، ستتحول إلى أكبر مقلب شربه الشعب المصري فى تاريخه.
ينشر بالتزامن مع جريدة &laqascii117o;الشروق" المصرية


ـ 'النهار':
سركيس نعوم
'المكابرة' تفتح باب الاحتمالات الخطيرة

لم تشهد مصر منذ الانقلاب العسكري – الثورة الذي اطاح الملكية فيها عام 1952، سوى حكام ديكتاتوريين اذا جاز التعبير على هذا النحو. فالرئيس 'الثائر' الراحل جمال عبد الناصر كان حاكماً مُطْلَقاً مارس السلطة بكل اشكالها، واستعان لتحقيق اهدافه بالاجهزة الامنية على تنوعها، وفي الوقت نفسه بثقة الجماهير المصرية به، وبـ'الكاريزما' التي كانت له، وبالانجازات الداخلية التي حققها لشعب مصر الفقير على الصعد الصحية والتعليمية والاقتصادية والحياتية، وبالدور الكبير الذي اعطاه لبلاده في العالم العربي والعالم الاسلامي والعالم الافريقي بل في العالم كله. لكن حكمه المطلق هذا تسبب بما سماه 'النكسة' في الحرب امام اسرائيل عام 1967.
ولا يخفف من مسؤولية حكم ناصر المُطلق هذا عن وقوع النكسة، العداء الذي واجهه به الغرب وحلفاؤه في المنطقة وخارجها ومعهم اسرائيل. اذ لو كانت الديموقراطية سائدة، ولو كانت المحاسبة والمساءلة ممارستين، ولو كانت حرية الشعب مصونة، ولو كان 'مجلس الشعب' يراقب ويحاسب، ولو كانت الاحزاب موجودة للقيام بدورها الوطني، لما حصلت الاخطاء في الحسابات الداخلية والخارجية التي كانت من ابرز اسباب حرب الـ67 و'نكستها'، والتي بدأت رسم طريق النهاية لانقلاب – ثورة حققا الكثير وكان يُنتظر منهما تحقيق الاكثر.

والرئيس 'الماكر' الراحل ايضاً انور السادات الذي خلف عبد الناصر بعد انتقاله الى جوار ربه كان ايضاً حاكماً مطلقاً. اذ اعتمد على الاجهزة والعسكر للإطباق على السلطة. لكنه اعتمد وسائل اخرى تحقيقاً لأهدافه وأولها إزالة الوصاية الناصرية، القوية في حينه عليه. منها اعطاء التيارات والاحزاب الاسلامية حرية ولكن في صورة غير رسمية لمواجهة الناصرية بغية تعزيز حكمه وسلطته. ونجح في ذلك. ونقل مصر من عصر الحرب مع اسرائيل والمواجهة مع اميركا والغرب وحلفائهما في المنطقة الى مصر السلام والتحالف معهما. كما نقلها من عصر الاقتصاد الموجَّه في الدولة الى عصر الانفتاح الاقتصادي. فضلاً عن انه 'اطلق' حرية تأليف الاحزاب بما فيها حزبه الخاص الذي لا يزال حاكماً ولكن بزعامة حاكم مطلق آخر. الا ان 'انجازاته' هذه، اذا جازت تسميتها كذلك، لم تكن انجازات بالمعنى الفعلي. فالاسلاميون اخطأوا بالتحول ادوات، ولم يدركوا ان استعمالهم موقّت، وإن التضييق عليهم سيعود.
لكن الذين ادركوا هذا الامر منهم  انفصلوا وكوّنوا منظمات اسلامية مؤمنة بالعنف وسيلة للتغيير. وأول ما فعلته كان إنهاء حياة الرئيس السادات. والانفتاح الاقتصادي اعطى صورة بحبوحة مصرية. لكن هذه البحبوحة اقتصرت على نسبة قليلة جداً من المصريين في حين قبعت غالبيتهم في البؤس والاستغلال. كما خضعوا للفساد الذي كان بدأ يستشري، والذي كان مضبوطاً الى حد كبير اثناء الحكم الناصري.


ـ 'النهار':
جهاد الزين
التناقضات الخلّاقة في الانتفاضة المصرية

دخل الوضع المصري مع 'المظاهرات المضادة' التي تحركت تأييداً للنظام أمس، في منعطف حساس نتيجة العنف الذي واكبه أو تولّد عنه. لكن هذا المنعطف لا يعني بأي حال إمكان عودة الامور إلى الوراء في مصر، فما دخلت مصر فيه هو 'مرحلة إنتقالية' - أياً تكن سقوفها - نحو تغيير آتٍ من داخل النظام أو من خارجه.
فماذا عن تركيب قوى الانتفاضة المصرية:
حتى لو كان المراقب – مثلي – متأكداً من ان ما يقوله مصريون بارزون من يساريين حاليين وسابقين وليبراليين وناشطين في المنظمات غير الحكومية ان 'الاخوان المسلمين' لا يشكلون اغلبية عددية في هذه الحركة الاعتراضية الواسعة التي تشهدها شوارع المدن المصرية.
حتى لو كان المراقب متأكداً من ذلك... فهذا لا يعني ان 'الاخوان المسلمين' ليسوا القوة الاولى او الأكبر بين هذه التجمعات.

وحتى لو كان المراقب متأكداً من ان قوة اجتماعية جديدة ضخمة من العاطلين عن العمل الشباب حملة الشهادات الجامعية وذوي التأهيل الحديث في ممارسة ما يسمى 'وسائل الاتصال الاجتماعية' الجديدة Social Media هم الذين يشكلون القوة المحركة لهذه التجمعات.
حتى لو كان المراقب متأكداً من ذلك... فان هذه الكتلة ذات الثقافة الحديثة لم نعرف بعد ما اذا كانت ذات غالبية ليبرالية او اسلامية 'اخوانية'... ولن نعرف ذلك الا عندما يحين وقت الانتخابات التي لا بد هذه المرة ان تكون شفافة من حيث آلياتها وتمثيليتها... فالاحتجاج 'ضد'... (الرئيس مبارك) قادر على الجمع وبالتالي تغييب الفوارق الايديولوجية والسياسية والاقتصادية بين المحتجين... اما عندما نصل الى مرحلة 'النعم' اي اختيار التمثيل السياسي – كما النظام السياسي – فسيبدأ الفرز وسنتأكد عندها اذا كان 'الاخوان' هم القوة السياسية الرئيسية في التركيبة الحالية للتحالف الاحتجاجي القائم أم لا؟.
وحتى لو كان المراقب متأكداً من ان اتساع المشاعر المنتقدة للسياسة الخارجية القائمة التي تمارسها الرئاسة المصرية، خصوصا في موضوع تأييد السياسة الاميركية ولاسيما في انعكاسه على الموقف من اسرائيل...
حتى لو كان المراقب متأكداً من اتساع هذه المشاعر والمواقف الضد اميركية في السياسة الخارجية بين النخب المختلفة الاسلامية والليبرالية واليسارية للمحتجين المصريين... فان المحرك المباشر والاعمق الذي ادى الى انفجار الاعتراض... بل حتى الثورة هو محرك داخلي... اي اجتماعي ضد اتساع الفقر والفساد وسياسي ضد استمرار غياب الديموقراطية السياسية. وفي هذا المجال ساهمت الادارات الاميركية المختلفة منذ عهد كلينتون الى عهد اوباما مروراً بعهد بوش الابن في دعم هذا الاعتراض على الاستبداد السياسي في بلد، كان نظامه – ولا بد موضوعياً من الاعتراف بذلك – يقيم نوعا من الديموقراطية الاعلامية مقابل استمراره في منع تداول السلطة بينما سمح بـ'تداول النقد' منذ الثمانينات.

 ساهم الاميركيون – اي ديبلوماسيوهم واداراتهم – في الحفاظ على خط ضاغط على النظام، او ابقائه تحت رقابة 'اصلاحية' النزعة، على الرغم من تحالف واشنطن الراسخ مع الرئيس مبارك في السياسة الخارجية... وكان الرئيس مبارك حليفاً ثابتاً وموثوقاً في هذا المجال.
وعلى الرغم من ان المراقب – مثلي – متأكد من ان معظم الجيل الجديد من العاطلين عن العمل حملة الشهادات الجامعية وذوي التأهيل الحديث يكنون عاطفة رومانسية الطابع لشخص جمال عبد الناصر في مجال الدور المصري الخارجي... إلا ان ذلك لا يجب ان يخفي ديناميكية أساسية ولعلها 'الاساسية'... في ما يحصل من مواجهة مع الحكم القائم، هي انها مواجهة مع 'الاستابلشمنت' الاجتماعي الذي افرزه نظام انقلاب 23 يوليو عام 1952. فصحيح أنه منذ معاهدة الصلح الاسرائيلية – المصرية تغيرت السياسة الخارجية المصرية رأساً على عقب، وصحيح ان البنية الاقتصادية لنظام 23 يوليو السياسي قد تحولت أيضاً من الاشتراكية الناصرية الى رأسمالية نظام السوق بشكل متدرج منذ عهد السادات... وأخذت مداها في عهد مبارك... إلا ان البنية الاجتماعية للحكم بقيت هي ذاتها... بهذا المعنى فإن حكم مبارك هو استمرار للتغيير الذي حصل عام 1952: نظام حكم 'مجتمع الجيش'... هذا الذي يفرز مسؤولين على المواقع الاساسية والمتوسطة في النظام من داخل هذه المؤسسة: الرئيس – عدد كبير من الوزراء – المحافظون – رؤساء الشركات إلخ...
لهذا لا شك أن العديد من الاحزاب المشاركة في التحركات الاحتجاجية تعلن علناً - كرئيس حزب 'الوفد' – أن عملية التغيير تتوجه نحو كل ما حصل في التركيب السياسي منذ 1952 حتى اليوم وليس في الثلاثين عاماً الاخيرة فقط. وقد يكون هذا بصورة أو بأخرى لسان حال 'الاخوان المسلمين' الذين عادت فرصتهم الكبيرة التاريخية الآن.

غير انه رغم هذا البعد الداخلي الاول والأعمق والأهم لحركة الاحتجاج... إلا أن مصر ستقدم على الأرجح مهما كانت حدود التغييرات الآتية نموذجاً ديالكتيكياً مدهشاً يمكن توقعه من الآن:
بنية ليبرالية أو أكثر ليبرالية داخلية يدعمها الغرب، وقد يكون لـ'الإخوان' موقع أساسي فيها أو حتى الأساسي، إنما 'ليبرالية' داخلية ذات سياسة خارجية لها بعض الطابع الراديكالي رغم توقع انها ستحافظ على التزام الدولة المصرية بمعاهدة السلام مع اسرائيل...
هذا هو 'الديالكتيك': تأتي الديموقراطية الداخلية بقدر ما من راديكالية خارجية... على الاقل حيال الموقف من الصراع العربي – الاسرائيلي؟
لن تكون المرة الاولى – ولكن قد تكون الأخطر – التي يواجه فيها الاميركيون حالة ديموقراطية دعموا تبلورها طويلاً توصل الى سياسة خارجية ضدهم.
لقد تحول 'اعتدال' النظام المصري في السياسة الخارجية الى نوع من استضعافه اميركياً: ترتيب مصيري لخارطة السودان مع تجاهله تماماً...
قابل ذلك، رغم انه يجب تكرار تسجيل ظاهرة ايجابية للنظام هي حرصه على نوع من 'ديموقراطية حرية التعبير'، قابل ذلك مبالغة من النظام في ممارسة هذا 'الاعتدال' الخارجي تحولت حتى الى تبعية لقوى اقليمية بدل أن يبقى هو في القيادة الاولى. في حين ان 'معبر رفح' منذ العام 2006 جعلته الوقاحة الاسرائيلية نوعاً من 'كعب اخيل' للنظام المصري. فلقد استلم 'الاخوان المسلمون' (الفلسطينيون) عبر حركة حماس 'محافظة' من المحافظات المصرية إذا جاز التعبير هي قطاع غزة. ساهم الرفض الاسرائيلي – الاميركي في فتح أي حوار معها في المزيد من حراجة الموقف... الى ذلك بلغت 'عقدة النقص الوطنية' بسبب حرب 2006 الى بحث بعض قوى الحكم المصري عن 'وطنية بديلة' ظهرت فعلاً مبتذلة: هي عصبية كرة القدم في المواجهة مع الفريق الجزائري (بمعزل عن المسؤوليات الاستفزازية الاكيدة من الجهة الجزائرية).
لكن هذه مصر... قبلتنا التنويرية... وسنراهن على حداثة ريادية عميقة وناضجة و'علمانية' لدى نخبها في صياغة وضع سياسي بديل... نتمنى أن يكون 'الاخوان المسلمون' جزءاً راشداً منه حتى لو ساد لديهم دائماً شعور ضمني بأن صراعهم المديد مع المؤسسة العسكرية منذ العام 1952 قد خطف منهم 'السلطة' عدة مرات... ولا يريدون أن يسمحوا بتكرار ذلك الآن.
نرجو أن لا يكون هذا الشعور مَرَضِياً في أوساطهم في الوقت الحالي وأن يظهر التطور المصري ان بامكان النخب المصرية صياغة وضع ديموقراطي... تعددي متين... ويكون ريادياً داخلياً وخارجياً... معاً. فالتقاليد المصرية لدولة مركزية ومجتمع موحد، تعكس نفسها على ثقافة النخب رغم اختلاف مشاريعها الايديولوجية. لكن هذه الثقافة التوحيدية الناضجة للمجتمع والنخب – خلافاً لمجتمعات ونخب الثقافة الطائفية في المشرق – وخصوصاً لبنان – ستجعل هذه المرة نموذج 'الدولة' المصرية نموذجاً ريادياً إذا رسا على آليات ديموقراطية.


ـ 'الشرق الأوسط':
صالح القلاب
لا هي انتقالة أوروبية ولا حتى ثورة إيرانية!

شطح الخيال بالكثيرين بعيدا وذلك إلى حدّ اعتبار أن هذا التململ الذي تعيشه هذه المنطقة، كردات اهتزازية لزلزال تونس أولا ثم لزلزال مصر الذي لم يستقر بعد، هو مقدمة لتحولات هائلة على غرار تلك التي عاشتها أوروبا عشية الثورة الصناعية الكبرى التي قلبت الأوضاع هناك رأسا على عقب وأنتجت هذه العلمانية – المادية المتجذرة وهذه الديمقراطية الراسخة العريقة وهذه الواقعية التي أنهت حسابات الخيال والأساطير وكل المعتقدات القديمة الموروثة.

لكن الأكثر موضوعية رأوا أن هذا الذي جرى في تونس والذي يجرى في مصر والذي قد ينتقل إلى أي دولة أو دول عربية أخرى ربما هو الاستجابة، التي تأخرت ثلاثين عاما، للثورة الإيرانية والدليل هو أن &laqascii117o;انتفاضة" تونس التي انتهت لمصلحة أحد طرفي معادلة صراع نظام زين العابدين بن علي و&laqascii117o;انتفاضة" مصر التي تحولت بسرعة إلى انتفاضة حرامية على غرار ما جرى في عهد الرئيس محمد أنور السادات في عام 1977 والتي أهم إنجاز حققته أنها قبرت وإلى الأبد فكرة أن يرث جمال مبارك والده، لها بعض ملامح الثورة الخمينية التي كانت قدمت يدها لتقطف ثمرة نظام الشاه محمد رضا بهلوي في اللحظة التاريخية المناسبة لكن المؤكد أن هذه الملامح تقتصر على القشرة دون أن تصل إلى الجوهر.  لسنا في هذه المنطقة في انتظار ثورة صناعية ولسنا دولا تقتتل على الأسواق العالمية وتنخرط في ما بينها في حروب من أجل استعمار ما سمي العالم الثالث الذي كان، وبعضه لا يزال، يئن تحت سياط استبداد آسيوي بغيض حتى توصف هذه الاهتزازات التي نعيشها بأنها تشبه ما كانت عاشته أوروبا في لحظة تاريخية تبعتها الحركة الاستعمارية التي امتدت من آخر نقطة في الولايات المتحدة وكندا في الغرب حتى آخر نقطة في اليابان في الشرق.

ولهذا فإن أدقّ ما يمكن أن يقال عن هذه الاهتزازات، التي بدأت بتونس ومصر &laqascii117o;ودغدغت" الجزائر ودولا عربية أخرى، أنها بالتأكيد ليست هزات ارتدادية جاءت متأخرة لنحو ثلاثين عاما للثورة الإيرانية التي بقدر ما أفرحت أهل هذه المنطقة بقدر ما خيبت آمالهم عندما كشفت عن حقيقة أنها حركة غير تنويرية ولا ديمقراطية ولا علمانية ولا واقعية والتي تحولت إلى حالة أنتجت هذا النظام القمعي الاستبدادي الذي عنوانه &laqascii117o;الولي الفقيه".
لقد بدأت انتفاضة تونس بتلك الحادثة المأساوية، التي هي ابنة لحظتها، وهكذا فقد جاءت كل التحركات اللاحقة عفوية وبدون أي برنامج واضح وبدون أن يكون هناك تصور مسبق لنظام الحكم البديل، بل بدون الاتفاق على قيادة ميدانية تقود الشارع الذي كان بقي يعيش حالة من الحيرة والضياع إلى أن برز الجيش فجأة في إطار الصورة العامة ففرض نفسه ووجهة نظره على الحالة الجديدة.

لا حزب &laqascii117o;النهضة" بزعامة راشد الغنوشي كان ينتظر أن يحرق شاب من بلدة بني زيد نفسه ولا كل التنظيمات الهامشية الأخرى كانت تخطط لانتفاضة وتتوقع ثورة في الوقت القريب وأيضا فحتى اتحاد الشغل الذي تحول إلى رقم رئيسي في واجهة المعادلة السياسية الجديدة فقد كان مثله مثل غيره لم يكن يتوقع ما جرى ولم يكن مستعدا له ولكنه يختلف عن الآخرين في أنه سارع معتمدا على إرثه النضالي وتواجده الفعلي والفاعل في الحياة السياسية التونسية على ركوب الموجة واستغلال الظروف جيدا ففرض مكانة لنفسه مميزة اتضحت تماما في عملية تشكيل الحكومة الجديدة وكل هذا بسبب صلات لم تنقطع مع عهد &laqascii117o;المجاهد الأكبر" وأيضا مع عهد زين العابدين بن علي.

في مصر كان الإخوان المسلمون قد رفعوا في وقت مبكر شعار &laqascii117o;الإسلام هو الحل"، الذي كان ابتكره مؤسسهم الأول الشيخ حسن البنا، لكنهم لم يقولوا ولم يوضحوا كيف بالإمكان تطبيق هذا الشعار ولم يطرحوا أي برنامج عملي قابل للتطبيق كبرنامج للنظام البديل الذي تأخروا في المناداة به والذي كانت قد سبقتهم إليه قوى لا وجود فعليا لها ويسود اعتقادٌ بأنها هي التي شكلت &laqascii117o;طوابير" السلب والنهب و&laqascii117o;البلطجة" عندما اهتز الاستقرار واختل الأمن وسيطرت الفوضى على البلاد قبل أن يتدخل الجيش بثقله الفعلي والمعنوي ويفرض النظام بعد فلتان استمرّ زهاء يومين.
لقد تجرأ الإخوان المسلمون وإن في وقت متأخر على نظام الرئيس مبارك وأصبحوا يطالبون بإسقاطه لكنهم لم يكونوا قد أعدوا العدة للحظة التي يقولون أنهم كانوا ينتظرونها ولهذا فإنهم تركوا أعضاءهم يتراكضون في الشوارع وراء الدهماء في ظل غياب قياداتهم العليا عن الصورة تماما وأنهم لم يجدوا بدا من أن يتلطوا في ساحة التحرير في القاهرة وراء الدكتور محمد البرادعي الذي أمضى نحو نصف عمره بعيدا عن مصر والذي يجهل مستجدات الواقع المصري والذي بدت صورته في أول إطلالة له بعد &laqascii117o;الانتفاضة" باهتة ومهزوزة وبدا هو عندما كان يخاطب الجماهير &laqascii117o;الثائرة" غير واثق من نفسه ولا يعرف أكثر من المطالبة بالاستمرار بالتظاهر حتى سقوط مبارك وذلك دون أن ينبس ولو بكلمة واحدة حول البرنامج البديل وحول من هي القيادة المفترضة الجديدة. لقد تم الإعلان عن قيادة من عشرة أشخاص وتم إعلان أسماء هؤلاء الأشخاص لكن ثبت أن تلك المسألة كانت آنية ومرتجلة وثبت أن الدكتور البرادعي لم يكن مكلفا من قبل أي كان عندما عاد من فيينا في النمسا بسرعة وتوجه إلى ساحة &laqascii117o;التحرير" ليلقي كلمة غير مطولة وغير واضحة المعالم وبنبرة خجولة، خاطب فيها آلاف الشبان الذين كانوا يحتشدون عشوائيا ويفتقرون إلى القيادة والتوجيه.

ولهذا، وهذه حقيقة، فإنه لو لم يسارع الجيش المصري بكل تاريخه البطولي وبكل ثقله الفعلي والمعنوي ومكانته المقدَّرة عند معظم المصريين، إن ليس كلهم، فإن القاهرة بل كل مصر ستنتهي إلى ما يشبه نهاية روما عندما حرقها نيرون وستكون النتيجة كارثة ستمتد آثارها لعشرات السنين.
الثورة الإيرانية منذ أن بدأت بمظاهرات الطلبة وصغار معممي حوزة &laqascii117o;قم" وإلى أن انتهت بثورة &laqascii117o;البازار" والتحاق فنيي سلاح الجو بها وانتصارها في فبراير (شباط) عام 1979 كانت تتنقل في كل هذه المحطات وفق خطة كان قد أعدها الإمام الخميني خلال إقامته في النجف، التي امتدت زهاء ثلاثة عشر عاما، وهنا فإن ما لا يعرفه كثيرون هو أن هذه الثورة قد اعتمدت، حتى وصلت إلى لحظة الانتصار، على جيش متفرغ من المعممين قوامه أكثر من سبعين ألفا من &laqascii117o;الكوادر" المدربة التي سارعت إلى السيطرة على الشارع بمجرد فرار الشاه محمد رضا بهلوي إلى خارج البلاد.

كان الخميني، بعد ترتيب أوضاع تنظيمه الخاص وبعد تحديد صورة النظام البديل وبعد أن وضع تصوراته في إطار خطة لم تغفل أي شيء على الإطلاق، قد لجأ إلى نسج عرى تحالف سياسي ضم حتى الحزب الشيوعي &laqascii117o;توده" وحتى اتجاه بختيار ورموز &laqascii117o;البازار" كلهم وبالطبع مجاهدي وفدائيي خلق لكنه بعد أن تمكن ورسخ أقدامه وأقدام ثورته بادر وللأسف إلى تصفية هذا التحالف وأيضا تصفية كل من خالفه الرأي إلى أن وصل سيف التصفيات إلى الرجل الذي كان القائد الميداني لهذه الثورة والمقصود هنا هو آية الله العظمى أحمد حسين منتظري الذي انتهى منفيا إلى &laqascii117o;قم" حيث فرضت عليه الإقامة الإجبارية إلى أن انتقل إلى جوار ربه.. وهذا كله يختلف من حيث الجوهر عما جرى في تونس وعما جرى في مصر وعما قد يجري في أي دولة عربية تفتقر إلى المعارضة البرامجية والخطط البديلة الجادة.


ـ 'النهار':
غسان حجار
الشرق الأوسط الإسلامي!

طمأننا وزير الخارجية الإيراني الجديد علي أكبر صالحي الى ان نجاح الثورة في مصر سيساعد في اقامة الشرق الأوسط الإسلامي، ولم يأتِ صالحي بجديد، بل كرر ما سمعه من قائد الثورة ومرشدها السيد علي خامنئي، الذي قال في وقت سابق 'انه وفق الحقائق التي قدرها الباري تعالى، سيتبلور شرق أوسط جديد وسيكون على أساس الإسلام'. وأضاف: 'ان لدى الشعب المصري المسلم ماضياً اسلامياً وقد صنع مفاخر كبيرة في طريق الأفكار الإسلامية والجهاد في سبيل الله'.

من جهته تنبأ خطيب الجمعة في طهران آية الله أحمد خاتمي بأن 'ثورة الشعب التونسي والتظاهرات الشعبية في مصر والأردن واليمن... تؤشر الى ان الشرق الأوسط الجديد آخذ بالتبلور حول محور الإسلام والمطالب الشعبية الدينية. وهذه التحركات هي امتداد للثورة الإسلامية التي أنجزها الشعب الإيراني'.
وهكذا نجد أنفسنا أمام 'شرق أوسط جديد' ارادته الولايات المتحدة الأميركية خدمة لمصالحها، ولمصالح اسرائيل، ورحل الرئيس جورج بوش الإبن من دون ان ينجح في تحقيقه، ولا نعلم ما اذا كانت المستجدات في خريطة المنطقة الجغرافية، من اليمن والسودان وفلسطين، الى التوترات في تونس ومصر، وعدم الإستقرار في الكويت والبحرين ولبنان والأردن والجزائر، من دون ان ننسى العراق وويلاته، مقدمة لهذا المشروع، أو مرحلة متقدمة منه.
في المقابل مشروع مواجهة تريده ايران ان يكون 'شرق أوسط اسلامياً' وتدفع بإتجاهه في كلّ البلدان حيث مجموعات شيعية، أو جماعات أصولية، ولو سنية، محتاجة الى المال والسلاح، تمدها بهما الثورة الإسلامية الإيرانية لمحاربة 'الإمبريالية الأميركية' التي سلكت هذا المسار الصعب سابقاً، وما لبث ان انقلب عليها وصار مادة متفجرة في وجهها و'قاعدة' بن لادن، التي أريد لها ان تكون حجر عثرة 'للإتحاد السوفياتي' السابق، فإذا بها تنفذ حوادث أيلول في قلب أميركا.
ولكي يستقر هذا المشروع أو ذاك، لا بد من حروب وثورات وفوضى وتقلبات مالية واجتماعية و'جغرافيا سياسية' تكون خطة طريق، أملاً في الوصول الى الضوء بعد نفق مظلم طويل دخلنا به من دون ان نستطلع طول مسافته.هكذا نحن، أو بالأحرى هكذا هم، يأخذوننا الى حيث يريدون، والى حيث يتصارعون، لنجد أنفسنا دائماً في قلب الصراع، سلعة ووقود حرائق.اليوم نحن حائرون ما بين اميركا وايران، اسرائيل وسوريا، السعودية وقطر، أوروبا وتركيا... والبقية تأتي!


ـ 'الحياة':
روجر أوين *
الحرية تعني الكرامة في ميدان التحرير

ستندرج المعركة على ميدان التحرير التي شهدتها القاهرة يوم الجمعة الفائت في 25 كانون الثاني (يناير) ضمن قائمة

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد