أولاً: المقالات
ـ 'النهار' بقلم جهاد الزين: خامنئي وهيكل: خطأ التوصيف وخطأ التجاهل
كتب الاستاذ محمد حسنين هيكل منذ بداية الانتفاضة المصرية أربعة مقالات لم يأت فيها على أي ذكر لـ'حركة الإخوان المسلمين' في مصر. تضمنت مقالاته طبعاً الحاسمة في رفضها للرئيس مبارك وتأييدها لتنحيه والقائمة على فكرة أساسية هي وجود قوتين أساسيتين قوة الشباب الممثلة للتغيير وقوة الجيش الممثلة للشرعية، تضمنت إشارات سلبية غير مباشرة يمكن إعتبارها تستهدف 'الإخوان'، وتشملهم بين 'كراكيب' الماضي (الذين كان من الذكاء والتواضع أنه إعتبر نفسه أحدها في جملة بين قوسين ولكن صريحة جداً وأنا لا أوافقه عليها).كان - ولا يزال - اصرار الإستاذ هيكل على تجاهل أي اعتراف بـ 'حركة الاخوان المسلمين' القوة الحزبية المنظمة الأولى بين المتظاهرين في ميدان التحرير وإن كانت حسب تقديرات عديدين من المشاركين لا تمثل أغلبية المتظاهرين - المعتصمين، كان هذا التجاهل مؤشراً سلبياً من الصحافي المرموق العتيق الذي كان أحد أعمدة نظام 1952... حتى العام 1973 - 1974 تاريخ طلاقه مع الرئيس أنور السادات.
… أياً تكن مبررات التجاهل المتعمد لـ'حركة الأخوان المسلمين' من قبل الأستاذ هيكل، حتى لو قصد ذلك في مجال تقييم دورها الذي يراه ثانوياً في الإنتفاضة ضد الرئيس مبارك، فإن هذا التجاهل يبعث بـ'رسالة' غير مريحة أبداً. كأنما 'بعض الأوساط' ومنها بل على رأسها الان الاستاذ هيكل تصر على مواصلة تقليد موروث وأساسي من مرحلة الرئيس عبد الناصر حافظ عليه الرئيس مبارك باعتبار حكمه في الأساس امتداداً لنظام 1952 المتواصل رغم المتغيرات عبر 'الاستابلشمنت الإجتماعي' للمؤسسة العسكرية، وإمساكها بواسطة الضباط السابقين أيضاً بمعظم المواقع المدنية الكبرى والمتوسطة.
إنه تقليد إستبعاد 'حركة الإخوان المسلمين'.
بدت رسالة هيكل التجاهلية هذه رسالة سياسية داخلية وربما خارجية إلى من يعنيهم الأمر على غاية من الدلالة عشية إنطلاق المرحلة الإنتقالية التي فرضتها الإنتفاضة الرائعة... مع أن ثمة قواسم مشتركة بين التنظيم المصري للإخوان المسلمين وبين الأستاذ هيكل وأصدقائه وأنصاره في النخبة الثقافية الإعلامية السياسية المصرية، هي أن 'الأخوان' المصريين مثلهم مثل محمد حسنين هيكل ذوو موقف إيجابي من النظام الإيراني (و'حزب الله') وبعض سياساته وتحالفاته في المنطقة لاسيما مع 'حركة حماس' وسوريا. وهذا على عكس 'الأخوان المسلمين السوريين المؤيدين للغرب والذين يقودون في نظر 'التنظيم المصري الإخواني' سياسة يمكن ان تؤدي إلى 'حرب أهلية' خطرة تهدد وحدة الكيان السوري.
لكن قبل أن أنتقل للسؤال عن هل تغير 'الأخوان' داخلياً، أي في برنامجهم المصري، وهو هنا بعد الإنتفاضة جوهر الموضوع حين يتعلق الأمر بمستقبل مصر... سأقف عند الموضوع الآخر المتعلق بخطاب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية يوم الجمعة المنصرم.
ففي خطبته وصف السيد خامنئي الإنتفاضتين المصرية والتونسية بانهما تؤكدان إنتشار 'الصحوة الإسلامية' داعياً إلى 'نظام إسلامي' في مصر. هذا خطأ فادح يصدر عن الشخصية الحاكمة الأولى في ايران. لا يتعلق الامر بالتوقيت السياسي لتصريحه وانما بمضمونه نفسه، باعتباره مضموناً مخطئاً.
الثورة في مصر لا تعلن نفسها 'اسلامية' وأول واكبر من يحرض على شعاراتها الديموقراطية الاجتماعية الداخلية الصرف - لا الدينية - هم 'الاخوان المسلمون' من ميدان التحرير في القاهرة الى الاسكندرية الى كل مدينة مصرية شاركوا في التظاهر على ساحاتها، بمعزل عن حجمهم النسبي هنا او هناك او هنالك.
لقد اظهر 'الاخوان المسلمون' المصريون حتى الآن رصانة ملفتة وجدية عالية في ادارة حضورهم او الاصح 'لا حضورهم' داخل الانتفاضة الشعبية التاريخية التي تميزت - حتى اليوم - بديناميكية شبابية يؤكد شهود العيان من داخل ميدان التحرير انها تعكس شبابية طبقة وسطى حديثة ومتنورة تواجه ازمة معيشة وازمة حريات معاً.كيف يفوت 'المرشد الاعلى' ان ينتبه الى اهم خط في توجه اصدقائه من 'الاخوان المسلمين' المصريين وهو حرصهم الكامل حتى الآن على الانضواء داخل حركة ديموقراطية اجتماعية اوسع، لم يظهر فيها حتى شعار واحد ضد اسرائيل رغم مشاعر اغلبية الناشطين في ميدان التحرير الاكيدة ضد استمرار الاضطهاد الاسرائيلي للشعب الفلسطيني؟ دون ان ننسى أنه على المستوى التحليلي، فان الادوار الخارجية الصعبة التي واصلها الرئيس حسني مبارك لاسيما حيال قطاع غزة قد ساهمت في اضعاف شرعيته حتى لو ان قصد الانتفاضة الاساسي هو داخلي.
وعليّ ان اكرر هنا: لا يتعلق نقد خطاب 'المرشد الاعلى' الايراني بـ'التوقيت' السياسي وانما بمضمون تصريحه نفسه. فهذه ليست انتفاضة اسلامية بالمعنى الايراني عام 1979 حتى لو أن 'اخوان' 2011 اساسيون فيها ولربما ظهروا في اول انتخابات حرة (وستكون قطعاً حرة) قوة اساسية ضمن خارطة التعددية الحزبية او حتى قوة فائزة بأكثرية منفردة أو ائتلافية. وهذا يوصلنا الى موضوع 'الاخوان المسلمين' انفسهم:
هل نضج 'الاخوان' المصريون الى الحد الذي يتيح اشتراكهم بشكل ثابت ومستقر في نظام سياسي ديموقراطي برلماني؟
بصيغة اخرى: هل نضج 'اخوان 'مصر في الوجهة التي نضج فيها 'اخوان تركيا' اذا جازت لي هذه الاستعارة العابرة في الحديث عن 'حزب العدالة والتنمية' الحاكم ديموقراطياً في تركيا؟
في السنوات المنصرمة في الواقع اظهر 'الاخوان' المصريون علامات متناقضة في هذا المجال. فمن جهة اطلقوا حوالي منتصف العقد المنصرم الشعار الذي جعلهم يبدون كحركة ايديولوجية اصولية كلاسيكية دون 'المستوى التركي' وهو شعار 'الاسلام هو الحل' الذي اثار موجة استياء واسعة بين النخب الليبرالية: القبطية والمسلمة والعربية. ومن جهة ثانية حرصوا لاحقا... على مواصلة الانخراط في نضال سلمي برلماني حتى في ظروف عناد النظام الحاكم في منع تحويلهم الى حزب مرخّص.
والآن تأتي الانتفاضة ودورهم البنّاء والناضج فيها انما هذا لا يعني ان المسألة سلباً وايجاباً تضاءلت اهميتها. ونحن هنا حيال الاشهر المقبلة بين حدين في هذا الموضوع:
فمن جهة آن الاوان لكي يُعطى 'الاخوان' المصريون فرصة مشاركتهم في الحياة السياسية بدون عقد الماضي التي ربما كان 'تجاهل' الاستاذ هيكل، التجاهل الذي اشرنا اليه، احد مظاهره. مع ان مشاركتهم في الاجتماع مع نائب الرئيس عمر سليمان، هو نوع من اعلان بداية 'تطبيع' وضعهم داخل المجتمع السياسي المصري... وهم - يا للمفارقة - منذ سنوات اقوى احزابه بدون شك.
يقول هذا الكلام كاتب هذه السطور الذي يقف علنا في بلده لبنان وفي المنطقة مع دعم التيارات غير الاصولية اي التيارات العلمانية الديموقراطية وهو في هذا الموقع - مثل كثيرين - يبدي الاعجاب بحصيلة تطور التجربة التركية في هذا المجال. هذه التجربة التي وصلت الى ذروة ديموقراطية مع فوز 'حزب العدالة والتنمية' بدورتين انتخابيتين حتى الآن، ولكنها ستصل الى ذروة اعلى في تكريس الديموقراطية التركية عندما سيفشل هذا الحزب ذات يوم في الانتخابات ويتواصل التناوب على السلطة بشكل طبيعي كما في اي بلد حديث ديموقراطي وراسخ! أحب ان اكرر تعبير صديقي التركي البروفسور سولي اوزيل الذي وصف 'حزب العدالة والتنمية' بأنه 'قوة دَمَقْرطة لا قوة ديموقراطية'.
...ودعونا نأمل ان يلعب 'الاخوان المسلمون' اياً يكن حجمهم الانتخابي الآتي - اقلية او اكثرية - دورا من هذا النوع مع قوى المجتمع السياسي المصري التي صنعت الانتفاضة.
(&bascii117ll;) راجع مقالي جهاد الزين: 'التناقضات الخلاقة في الانتفاضة المصرية' (3/ 2/ 2011) و'مصر: دلالات السقوط السياسي لنموذج 'رجل الاعمال' (4/ 2/ 2011).
ـ 'الشرق الأوسط' طارق الحميد: نصر الله والاعتراف الخطير
بعد خطبة المرشد الإيراني الجمعة الماضية وحديثه عن ما حدث في مصر، ها هو زعيم حزب الله حسن نصر الله يطل علينا بخطاب جديد متحدثا فيه للمصريين عن ثورة مصر، والكرامة العربية، مبشرا بأن انتصار المتظاهرين في مصر سيغير وجه المنطقة العربية.
وما رأيناه في خطاب نصر الله ما هو إلا ديماغوجية لا نظير لها، وتزوير للحقائق كما هو معتاد في الخطاب الإيراني، إلا أنه لا بد من التوقف عند عدة نقاط في خطاب المرشد الأعلى اللبناني. نصر الله اعتذر لكل من التونسيين والمصريين على التأخير في تنظيم مهرجان التضامن معهم، مبررا ذلك بحماية &laqascii117o;الثورة الكاملة" من الاتهامات، حيث يقول إنه لو عقد المهرجان من قبل &laqascii117o;كان سيقال إن المعتصمين في ميدان التحرير والمتظاهرين في مدن مصر العديدة تحركهم خلايا تابعة لحزب الله أو لحماس أو للحرس الثوري الإيراني، وسيتحول هذا التحرك الوطني الأصيل الحقيقي إلى متهم بأنه يخدم أجندة خارجية".
وبالطبع فهذا اعتراف خطير من حسن نصر الله بأن حزب الله، وحماس، يتحركان دائما مع الحرس الثوري الإيراني، وهذه المرة الأولى التي يقول فيها نصر الله ذلك بهذا الشكل، إلا أن الأمر المهم الآخر، بل والواضح، أن تأخر نصر الله في الحديث عن تونس ومصر لم يكن بسبب خشيته من وصم المتظاهرين بالعملاء لأجندات خارجية كما يقول، بل لأنه كان ينتظر الإشارة من طهران. وها هو يصرح بهذا الشكل بعد أن خرج المرشد الإيراني في خطبة الجمعة قائلا إن المصريين يسيرون على طريق ثورة إيران!
لو كان نصر الله جادا في دعوته للشعوب بأن تهب وتطالب بحقوقها وكرامتها، لكان اعتذر للإيرانيين، على الأقل، الذين قمعت ثورتهم الخضراء، وخرج نصر الله مؤيدا لقمعها بتأييده لنظام الولي الفقيه، واحتفاله الكبير بالرئيس الإيراني يوم زيارته الأخيرة للبنان من أجل أن يساند نجاد داخليا. فمن يؤمن بحق الثوار، ويرى الخير في الثورات، لا يقبل ما تم من قمع وعنف بحق الإيرانيين يوم ثورتهم الخضراء. وها هم رموز المعارضة الإيرانية قد بادروا - وفور خطاب المرشد الإيراني عن مصر - بطلب تنظيم مظاهرات في الشارع الإيراني، فهل يؤيدهم نصر الله؟ أما الحديث عن الكرامة العربية، فلو كان نصر الله معنيا بكرامة العرب - كما يقول - لما احتل بيروت بقوة السلاح، بل ولم يكن ليختطف لبنان كله بسلاحه، حيث بات هو من يسمي رؤساء وزراء لبنان.
لذا، فإن حديث نصر الله عن مصر لا يعدو كونه محاولة للقفز على ما فعله المصريون في بلادهم، ومحاولة واضحة لغسل رصيد شائن وغير قليل من محاولات اختطاف عالمنا العربي من قبل إيران وأعوانها. فكما قلنا مرارا، إن الذئاب تحوم حول مصر لمحاولة استغلال فترة ترتيب البيت. كل ما يريد حسن نصر الله قوله هو أنه صديق للمواطنين العرب، ولمصر، والشارع المصري. وهنا لا يملك المرء إلا ترديد المثل الشهير &laqascii117o;مع أصدقاء مثل هؤلاء من بحاجة إلى أعداء"!
ـ 'السفير' جو معكرون ـ واشنطن: أنباء عن اتجاه الكونغرس لوضع شروط على المساعدات العسكرية
واشنطن: التغيير المتسارع بدلاً من التنحّي الفوري
بدأ الإعلام الأميركي يتعب قليلاً من متابعة التطورات المتسارعة في القاهرة، بينما لا تزال الإدارة الأميركية تعمل على مدار الساعة لاحتواء تداعيات الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس المصري حسني مبارك. وقال مسؤول حكومي أميركي رفيع المستوى لـ&laqascii117o;السفير"، أمس، إن لدى الحكومة المصرية &laqascii117o;مسؤولية حماية حقوق شعبها، ولدى المتظاهرين أيضاً مسؤولية القيام بذلك سلمياً. لكن يجب على الجميع إدراك حقيقة بسيطة: القضايا المطروحة في مصر لن تحل عن طريق العنف أو القمع"، داعياً إلى إطلاق سراح الصحافيين والنشطاء المعتقلين. وأعاد التأكيد على موقف الإدارة أن &laqascii117o;مستقبل مصر سيحدّده شعبها، ويجب أن تبدأ مرحلة انتقالية منتظمة بمسار يحترم الحقوق الكونية للشعب المصري ويؤدي إلى انتخابات حرة وعادلة". ويؤشر هذا الموقف الأميركي الجديد إلى أن الإدارة الأميركية تدعم الاجتماعات التي يجريها نائب الرئيس عمر سليمان مع بعض ممثلي المعارضة، وأنها تتفهم أن هناك حاجة إلى مسار بفترة زمنية محددة لإجراء الإصلاحات، وهي تفضل بالتالي هذا الطريق بخطوات متسارعة وملموسة بدلاً من التنحي الفوري لمبارك. ويقول المسؤول الأميركي في هذا السياق &laqascii117o;يجب على كل الأطراف أن تبني على المفاوضات بين الحكومة وقادة المجتمع المدني. هذه المفاوضات يجب أن تكون شاملة وموثوقاً بها، وهذا يعني أن تشمل مجموعة واسعة من اللاعبين في المجتمع المصري، ومعالجة الشكاوى المشروعة لأولئك الذين يسعون إلى مستقبل أفضل".
ويؤكد المسؤول الأميركي أن اجتماعات البيت الأبيض ستبقى مركزة هذا الأسبوع على التطورات في مصر، بحيث عقد بالأمس اجتماع لمجلس الأمن القومي بمشاركة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فور عودتها من &laqascii117o;مؤتمر الأمن العالمي" في ميونيخ. كما تعقد كلينتون اليوم اجتمــاعها الدوري مع نائب الرئيس جو بايدن، يتبعه آخر في البيت الأبيض، يليه أيضاً اجتماع بين الرئيس باراك اوباما وكلينتون غداً، واجتماع الجمعة المقبل بين كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي توم دونيلون. وعن الخطوات الإصلاحية التي أعلن عنها عمر سليمان بعد اجتماعه مع بعض ممثلي المعارضة، يقول المسؤول الأميركي &laqascii117o;في كثير من النواحي، يشيرون إلى إجراءات تعتزم الحكومة اتخاذها. لذا فإن السؤال هو ما إذا ستتمّ متابعة هذه الالتزامات بالتنفيذ". ويؤكد أن لا جديد في السياسة الأميركية مقارنة مع نهاية الأسبوع الماضي، قائلاً &laqascii117o;على المرحلة الانتقالية المنتظمة أن تبدأ من الآن، وتشرك جميع الأطراف وتؤدي إلى انتخابات حرة وعادلة وحكومة تمثيلية تتجاوب مع شكاوى الشعب المصري". ويؤكد المسؤول الأميركي أن هناك مجموعة واسعة من المجموعات المعارضة وقادة المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان في مصر، بحيث اجتمعت السفارة الأميركية مع بعضهم مؤخراً ولم تتواصل مع غيرهم حتى الساعة، لكن &laqascii117o;ما يهم هنا ليس مجموعة معينة، إنه مسار يسمح للحكومة المصرية بتلبية تطلعات الشعب فعلياً".
من الصعب فهم نظرة الإدارة الأميركية من استمرار التظاهرات، بحيث يرفض المسؤولون الدخول في هذه الأمر باعتبارها خطوة تعود إلى خيار المتظاهرين مع دعوتها إلى مواصلة التظاهر سلمياً، وكأن هناك رهاناً على أن تتحول مفاوضات سليمان إلى مسار جدي ينال تدريجياً ثقة المتظاهرين وينقل الأزمة المصرية إلى مرحلة أخرى، لكن يبدو كأن هذا الأمر ليس على بال الثورة الشعبية في ميدان التحرير. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس، في مؤتمر صحافي، إن تقييم الخطوات التي أعلن عنها سليمان لا يعود إلى الإدارة الأميركية. وأضاف &laqascii117o;الكلمات ليست كافية. إنها الإجراءات نحو تغيير حقيقي التي يسعى إليها الشعب المصري". ولفت إلى أن سليمان أول نائب رئيس يعين منذ ثلاثة عقود وهو مفوّض إجراء هذه التغييرات ضمن جدول زمني &laqascii117o;يرتاح إليه الشعب المصري" ومنها رفع حال الطوارئ وإجــراء انتخــابات، مشيــراً إلى انه ليس هناك أي تواصــل أميركي مع جـماعة الإخوان المسلمين. واعتبر غيبس أن على المعارضة أيضا &laqascii117o;تقديم مجموعة من الأفكار لما يريدون رؤيته لتحصل المفاوضات وتتحرك قدماً". وقال إن الإدارة الأميركية تتوقع من الحكومة المصرية المقبلة &laqascii117o;التمسك، لا سيما بالمعاهدات والالتزامات التي دخلت الحكومة المصرية وفي نهاية المطاف شعب مصر فيها"، مشيراً إلى أن الإدارة تدرس تأثير ما يحدث في مصر على &laqascii117o;الانتعاش الاقتصادي العالمي".
ولا تزال تصريحات المبعوث الاميركي إلى مصر والسفير الأسبق لدى القاهرة فرانك ويزنر حول ضرورة بقاء مبارك لنهاية عهده في أيلول المقبل تثير بعض التساؤلات حول روابطه الوثيقة بنظام مبارك وطبيعة موقف الإدارة الأميركية. لكن بعد موقف كلينتون في ميونيخ، عاد غيبس ليترك مجدداً مسافة منه قائلاً &laqascii117o;ويزنر ليس موظفاً في الحكومة". غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي قال بصراحة إنه في حال استقالة مبارك فوراً فإن هذا يعني إجراء انتخابات رئاسية في غضون 60 يوماً، مستبعداً أن تكون مصر مستعدة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة في ضوء كل ما حصل في الانتخابات الأخيرة.
ومن جهة ثانية علمت &laqascii117o;السفير" من مصادر في الكونغرس، في معلومات لم يتمّ التأكد منها رسمياً، أن هناك مشروع قانون يتم التشاور حوله في مجلس النواب ينص على ربط المساعدات العسكرية الاميركية الى الجيش المصري بالتزامه الحياد في التعامل مع التظاهرات الشعبية وبعدم إشراك جماعة الاخوان المسلمين في الحكومة المصرية المقبلة وبالتزام هذه الحكومة باتفاقيات السلام مع اسرائيل. هناك مشاورات في هذا السياق داخل مجلس النواب من دون التوصل الى إجماع حتى الآن بسبب الانقسام بين الحزبين في مجلس النواب حول هذه القضية على عكس الإجماع الذي حصل عند إقرار قانون مجلس الشيوخ حول مصر الاسبوع الماضي. وقد وجّهت امس مجموعة من النواب الديموقراطيين رسالة الى رئيس مجلس النواب جون بونر تدعوه فيها الى العمل على إقرار قانون يدعم الإصلاح السياسي في مصر &laqascii117o;في أسرع وقت ممكن".
ـ 'السفير' فهمي هويدي: مشكلة أنهم لا يريدون أن يفهموا
حين يستمر توجيه رسائل الغضب من ميدان التحرير صباح كل يوم على مدى الأسبوعين الماضيين، ويتلقاها أهل السياسة في أرجاء الكرة الأرضية، باستثناء أولي الأمر في مصر، فلا يعني ذلك أنهم لم يفهموا، لكنه يعني أنهم لا يريدون أن يفهموا.
ــ1ــ
لست أشك في أنهم في مصر سمعوا بالموضوع، بدليل أنهم تحركوا وأجروا بعض التغييرات التي تدل على أنهم استلموا الرسالة. ووقفوا على موضوعها، لكن التجربة أثبتت أنهم أداروا ظهورهم لها وقرروا ألا يفهموها. على الأقل فإنهم لم يقتنعوا بعد بأن مصر بعد 25 يناير أصبحت مختلفة عن مصر قبل ذلك التاريخ، وأن المجتمع المصري ولد من جديد، حقا وصدقا. الدليل على ذلك أن الخطاب الإعلامي الرسمي، ممثلا في قنوات التلفزيون والإذاعة والصحف القومية، ما زال يتحدث بلغة مصر ما قبل 25 يناير، إذ تعامل مع ثورة الشباب وكأنها تظاهرة قام بها طلاب إحدى المدارس الثانوية. وظل همه وشاغله طوال الوقت هو كيف يمكن أن يقدم شبابها بأنهم أقرب إلى تلاميذ في &laqascii117o;مدرسة المشاغبين" في المسرحية الشهيرة. لم يأخذهم التلفزيون الرسمي المصري على محمل الجد، وليته وقف عند حدِّ الاستخفاف بهم، ولكنه ذهب إلى تعمد تشويهم والتحريض عليهم وتضليل المشاهدين بمختلف الحيل والأساليب لقطع الطريق على أي محاولة لفهم قضية المتظاهرين أو التعاطف معهم. وفى المرات التي قدر لي أن أتابع خلالها بعض البرامج التي بثها التلفزيون خلال الأسبوعين الماضيين وجدتها تتحدث عنهم بحقد ومرارة وازدراء، حتى بدا أشد عليهم بأكثر من شدته على الإسرائيليين. وإذا كان بعض رجال الأمن الذين تخفوا في ثياب مدنية وأقرانهم من البلطجية قد عمدوا إلى إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين فجر يوم الأربعاء الأسود، فإن التلفزيون المصري ما برح يطلق عليهم الرصاصات ذاتها طول الوقت. ولم يكن ينقص موقف التلفزيون ـ لكي يتطابق مع ما حدث في ميدان التحرير ـ سوى أن يستجلب مجموعة من الخيول والجمال والبغال، لكي يطلقها بدوره على المتظاهرين. رغم أني لاحظت أن بعض مقدمي البرامج قاموا بالمهمة بجدارة عالية.
إن النظام المصري في إصراره على عدم فهم الرسالة قرأ سطورها مستخدما منظار ما قبل 25 يناير. أو هكذا بدا في خطابه السياسي والإعلامي على الأقل. من ثم فإنه اعتبر أن الشباب الذين خرجوا إلى ميدان التحرير في ذلك اليوم في تظاهرة سلمية أطهار ومخلصون وأبرياء، وأن خروجهم يومذاك كان مشروعا ومرحبا به من جانب النظام. وادعى بعد ذلك أن جماعات لها أجنداتها الخاصة اختطفت الثورة منهم واستولت على الميدان، وراحت توجه التظاهرة وجهة أخرى مشبوهة وغير وطنية (مسؤول كبير في الدولة قال هذا الكلام) ــ وأريد بهذه الخلاصة الإيحاء بأن السلطة التي رحبت بالمتظاهرين في البداية، كان عليها أن تتصدى لعملية الاختطاف لإجهاض المخططات المشبوهة وغير الوطنية التي حملها الخاطفون الوافدون.
ــ2ــ
بهذا التصور الساذج والمبتذل تعامل النظام مع المتظاهرين، وحاول أن يبرر أمام الرأي العام حملة تشويههم . وكانت رسالته أن الحملة لا تستهدف الأبرياء والمخلصين الذين خرجوا في البداية، ولكنها موجهة ضد أولئك الأشرار الذين اختطفوا التظاهرة واستغلوا البراءة لتحقيق أهدافهم المشبوهة.
إن منظار ما قبل 25 يناير لا يرى في مصر وطنيين محبين لبلدهم وغيورين على كرامته ومتشبثين بحلمه، ولكنه يقسم الناس قسمين، أخيار موالين للنظام وأشرار يعارضونه.
وهؤلاء الأخيرون ليسوا مواطنين شرفاء أصحاب قضية، ولكنهم قلة مندسة وعملاء لجهات أجنبية وكائنات غريبة يخفي كل منهم في طيات ثيابه أجندة سرية.
المنظار نفسه لم يمكن أهل السلطة من رؤية الحشود المليونية التي اجتمعت تحت راية الدعوة إلى الرحيل، كما أنهم صمُّوا آذانهم عن سماع شيء من هتافات الجماهير الهادرة. ولكنهم لم يروا غير عمليات النهب والسلب والحرائق التي اشتعلت والخراب الذي حل على أيدي المليشيات المحسوبة على النظام. بالتالي فإن شاشات التلفزيون وصفحات الصحف الحكومية حفلت إما بالحديث عن الذين &laqascii117o;اختطفوا ثورة الشباب البريء" وعن &laqascii117o;العملاء" الذين تسللوا إلى البلد لإشعال الحرائق فيه. وصرنا نقرأ كل يوم أخبارا مسرَّبة عن إلقاء القبض على فلسطينيين تابعين لحماس وإيرانيين وعناصر من حزب الله ووجوه لها سمات أفغانية، وأجانب آخرين من أصول مختلفة. وظل هدف البث هو إقناع المصريين بأن ما حدث في ميدان التحرير ليس ثورة شعب ولكنه مؤامرة دبرها أجانب، استهدفت أمن مصر واستقرارها.
هذا السيناريو الهابط الذي ينكر على المصريين وطنيتهم ويستكثر عليهم استعادتهم لكرامتهم لجأ أيضا إلى استخدام فزاعة الإخوان، التي ما برحت تلوح بها أبواق النظام في حديثها عن واقعة &laqascii117o;الاختطاف". وهي الفزاعة ذاتها التي أصبح يتكئ عليها في تبرير استمراره رغم سوءاته، بحجة أن البديل عنه (المتمثل في الإخوان) أسوأ وأخطر. وقد سبق له استخدام الفزاعة ذاتها في تبرير عمليات القمع التي تعرض لها المعارضون عامة والإخوان خاصة، أثناء ما سمي بالحرب على الإرهاب.
ورغم أن أعدادا غير قليلة من المراقبين والصحافيين الغربيين أدركوا أن الإخوان موجودون حقا، ولكن الوجود الأكبر ظل للجماهير العريضة الموزعة على مختلف الاتجاهات، فضلا عن أن بينهم أعدادا كبيرة من الوطنيين العاديين الذين لا يصنفون ضمن أي فصيل سياسي. أقول رغم ذلك فإن بعض كبار المسؤولين في السلطة وإلى جوارهم عدد من كتاب النظام وما لا حصر له من البرامج والحوارات التلفزيونية. لا يملون من ترديد الموال، ويتصورون أن الجمهور بدوره لا يزال مغيب الإدراك. كما كان في ما قبل 25 يناير، استخفافا بإدراكه وتهوينا من شأنه.
إن الذين وضعوا على أعينهم منظار ما قبل 25 يناير لم يروا وعيا مصريا ناضجا في مسيرات ميدان التحرير المليونية بالقاهرة. كما لم يروا الحماس الجارف في عيون مئات الألوف الذين رفعوا لافتات الرحيل في الإسكندرية والسويس وبورسعيد والزقازيق والمحلة والمنيا وغيرها من محافظات مصر، ولا رأوا الشوق إلى الخلاص في هتافات جموع المصريين الذين تجمعوا أمام السفارات المصرية في العواصم الغربية. ذلك كله لم يكن مرصودا من جانب رجال السلطة لسبب جوهري هو أنهم لم يعتادوا قراءة الواقع المصري إلا من خلال التقارير الأمنية والوشايات المخابراتية، التي باتت تستسهل اعتبار الإخوان المسلمين مصدرا لكل الشرور في داخل مصر وخارجها.
ـ 3 ـ
لا تزال عقلية ما قبل 25 يناير ترفض الاعتراف بسقوط شرعية النظام الذي هيمن قبل ذلك التاريخ. ومن المفارقات أن أهل تلك المرحلة الذين دأبوا على العبث بالدستور والتلاعب بنصوصه حتى جعلوه محل سخرية القاصي والداني، ولم يكفوا عن الازدراء بالقانون والدوس بأحذيتهم على أحكام القضاء، هؤلاء هم أنفسهم الذين يتحدثون الآن بجرأة مدهشة عن ضرورة احترام الشرعية الدستورية ويتعلقون بأهداب نصوص أعدها &laqascii117o;الترزية" المشهورون لكي تكون مضبوطة على القد والقياس.
لقد لجأوا أكثر من مرة إلى تعديل الدستور استجابة لهوى السلطان، ونجحوا في تمرير التعديل من خلال مجلس مزور، ورئاسة متواطئة، ثم قالوا لنا إن هذه الشرعية، هو ما كان من قبيل الاستغفال الذي جسد ازدراء الرأي العام والاستخفاف به.
على مدار عدة سنوات كان الدستور يتحدث عن النظام الاشتراكي وقوى الشعب العاملة. وفي ظل ذلك الدستور تم الانفتاح وجرى الانتقال إلى النظام الرأسمالي الذي توحشت فيه الرأسمالية الجديدة. وفي ظل الدستور الذي يمنع المسؤولين من البيع والشراء والاستئجار من الدولة، تم البيع والشراء وتم نهب الدولة. وفي ظله أيضا صدرت قائمة طويلة من الأحكام الواجبة النفاذ، ولكن السلطة تجاهلتها وأهدرتها طول الوقت. إذا كان ذلك قد حدث في الماضي، فلماذا الوقوف الآن أمام المطالب الشعبية تعللا بنصوص الدستور، إلا إذا كان ذلك لغرض مشكوك في براءته. إن نية التفاعل مع المطلب الشعبي إذا توفرت، فإن لها سندا في المادة الثالثة من الدستور ذاته الذي يجرى التلويح به الآن، وهي التي تنص على أن &laqascii117o;السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها..." وفي المادة ما يكفي للاستجابة لتلك الإرادة الشعبية الجامعة التي عبرت عنها الجماهير في وقفاتها المليونية.
من ناحية ثانية، فإن المشكلة الحقيقية تكمن في تكييف ما جرى في 25 يناير، ذلك أننا إذا اعتبرنا ذلك ثورة فإنها بذلك تكون قد اكتسبت شرعيتها منذ أعلنت سقوط النظام الذي سعت إلى تغييره. ولها في هذه الحالة أن تصوغ شرعيتها المؤقتة في مرحلتها الجديدة، إلى أن ترتب أوضاع الشرعية الدائمة بناء على الدستور الذي تتوافق على إصداره ــ أما إذا لم تعترف بأنها ثورة فإن ذلك له ترتيب آخر يخضع للأوضاع الراهنة، ويقودنا إلى المناقشات العقيمة الجارية. ومن الواضح أن المحتشدين في ميدان التحرير، والملايين الذين أيدوهم وتضامنوا معهم يعتبرون أن ما حققوه ثورة تسعى إلى تنحية النظام القائم وإحلال نظام جديد مكانه، يستجيب لتطلعات الشعب المصري ويعيد إليه كرامته وكبرياءه. بالمقابل فإن النظام القائم وبعض القوى السياسية المتحالفة أو المتواطئة معه لا ترى في ما جرى سوى أن غضبة شعبية أو انتفاضة مؤقتة أحدثت بعض الضجيج وقدرا من التنفيس، وبعدما أدت غرضها فإن كل شيء ينبغي أن يعود إلى سابق عهده، بعد إطلاق بعض الوعود الجذابة واتخاذ بعض الخطوات التجميلية. ويبدو أن الجهود التي تبدل خارج ميدان التحرير الآن منصبة على تثبيت الفكرة الأخيرة.
ـ 4 ـ
لأن ما جرى يوم 25 يناير مبهر للغاية، فإن ميدان التحرير خطف أبصارنا بقدر ما أن قلوبنا تعلقت به. وهو حدث مستحق لا ريب. لكن أحدا لم يلاحظ الروح الجديدة التي سرت نتيجة له في أنحاء مصر، ولا أقول في العالم العربي بأسره. ولست أبالغ إذا قلت إن المواطن المصري يومذاك لم يسترد وعيه فقط، ولكنه استرد كرامته أيضا. وقد تلقيت رسالة بهذا المعنى من أحد الباحثين المصريين المقيمين في الولايات المتحدة عبر فيها عن ملاحظته أن زملاءه الأميركيين أصبحوا ينظرون إليه باحترام أثار انتباهه. وإذا كان قد حدث في أقصى الأرض. فلك أن تتصور وضع المصري في العالم العربي، الذي ظل ينظر إليه طوال السنوات الماضية نظرة إشفاق ورثاء، بعد أن صغر حجمه وتراجعت مكانته بالقدر ذاته الذي صغرت به مصر وتراجعت مكانتها.
حين عادت الروح إلى الشارع المصري، أصبح الناس أكثر تماسكا وسرت في أوساطهم ريح عطرة اجتاحت المرارات والمحن، وارست أسس المودة والمحبة بينهم. وحين خرج الشباب في مختلف الأحياء، فإنهم اكتشفوا أنفسهم وأقاموا في ما بينهم أواصر مودة لم يعرفوها من قبل.
إذ أدركوا أنهم لا يحرسون بيوتهم وأهاليهم فقط، ولكنهم يحرسون أيضا وطنا عزيزا يستحق أن يذودوا عنه.
أدرك الجميع أنهم استعادوا وطنهم ممن خطفوه ونهبوه فنسوا كل ما فرقهم واحتضنوه. فقد ذابت الخلافات السياسية والعصبيات الدينية وصار الحفاظ على ذلك الانجاز الرائع هو شاغلهم الأوحد. لم نر اشتباكا بين مسلمين وأقباط ولا بين إسلاميين وعلمانيين، ولا بين الشرطة والأهالي. حتى التحرش الذي تحول إلى ظاهرة في شوارع القاهرة وغيرها من المدن الكبرى اختفى ولم يعد له أثر. واكتشفنا أن كل هؤلاء اجتمعوا في ميدان التحرير في تلاحم مدهش. لم يرتبه أحد ولا فضل فيه لأحد، بل كان احتضان الحلم هو الذي جمعهم، وظل أملهم في الانتقال إلى عصر ما بعد 25 يناير شاغلهم الأوحد وهدفهم الأسمى. وتلك هي الرسالة التي رفض القائمون على الأمر أن يفهموا مغزاها وعجزوا عن إدراك معناها. لذلك كان من الضروري أن يرحل ذلك العصر بكل رموزه، لكي يتحول الحلم المستعاد إلى حقيقة.
ـ 'السفير' ساطع نور الدين: ذاكرة مصرية إيرانية
ما يجمع بين مصر وإيران لا يمكن حصره في التاريخ ولا يمكن ضبطه في السياسة، ولا يمكن أيضا فصله عن الشعور المشترك بأنهما تنتميان إلى حضارتين عريقتين سبقتا الإسلام والعروبة، وما زالتا حاضرتين في وعي الشعبين وفي وجدانهما... وفي احترامهما العميق لبعضهما البعض، الذي لا يظهر إلا في الأحداث الكبرى.
وما يدور اليوم بين مصر وإيران هو مزيج من كل ما تقدم: بلدان مركزيان يخاطبان بعضهما بعضا بلغة متوترة في الظاهر، وحريصة في الباطن على اللقاء الذي انقطع منذ زمن بعيد وارتفعت حواجز عديدة تحول دونه، لكنها أيضا لغة تزعم أن الموعد صار قريباً جداً.. برغم أن مفرداتها قد تبدو متعارضة وتشوبها كراهيات وأحقاد متبادلة على مستوى النظامين اللذين يتابعان أحوال بعضهما البعض باهتمام فريد.
كان لثورة مصر الراهنة دوي هائل في إيران. هذه حقيقة لا شك فيها ولا يمكن العثور على ما يشبهها في أي بلد غير عربي مجاور أو قريب من الإقليم العربي، لا سيما تركيا. وكان النقاش الايراني جديا جدا أكثر من أي مكان آخر في العالم. ثمة لحظة شعر فيها الإيرانيون على اختلافهم الحاد بأن تلك الثورة تخدم في تعزيز غلبة فريق منهم على الآخر، وتساهم إلى حد بعيد في دفع أوضاعهم الداخلية التفصيلية نحو الأفضل. لم يكن هناك اكتراث لا في الجغرافيا ولا في المسافات ولا في الحساسيات القائمة، بين عرب وفرس وسنة وشيعة.
فجأة اندرجت ثورة مصر الحديثة في السجال الداخلي بين المحافظين والإصلاحيين، التي اعتبرها كل فريق منهم أنها ثورته الخاصة، او على الأقل صدى لحركته المحلية، التي استقرت على قسمة حرجة جدا ومضطربة جدا تنتظر الفرصة المناسبة لكي تختبر القدرة على تغيير موازين القوى، وإعادة الأمور الى نصابها الصحيح.. الذي يرى من جهة في غضب الشباب المصري صحوة إسلامية ومقدمة لقيام نظام إسلامي جديد في الشرق الأوسط، على ما جاء في خطاب المرشد آية الله علي خامنئي، أو يعتبره تتمة لانتفاضة الشعب الايراني في حزيران العام 2009، على ما قال المعارض البارز مير حسين موسوي، الذي تجرأ أمس على الدعوة الى تظاهرة دعم للثورة المصرية في طهران في الرابع عشر من شباط الحالي.
بديهي القول إن ثورة مصر ساهمت في زيادة التوتر بين جناحي الصراع الداخلي في إيران، حتى قبل أن تستقر على سويتها الجديدة التي لا يبدو أنها ستكون على هوى المحافظين الإيرانيين، ورغبتهم في أن يصبح الإسلام هو الحل، وهو السبيل لفك الحصار عنهم وعن دولتهم، والتي لا يبدو أيضا أنها ستكون بعيدة عن مزاج الإصلاحيين وتوقهم الى تفكيك مؤسسات الدولة الدينية ومرجعياتها الفقهية وسلوكياتها السياسية.
تحفظ ذاكرة الشعبين المصري والإيراني محطات كثيرة بينها قرار الرئيس أنور السادات إيواء شاه إيران الفار، وكلمة الإمام آية الله الخميني لدى خروجه إلى المنفى عن استلهامه ثورة عبد الناصر .. وهي تبحث اليوم عن لقاء جديد، لن يتأخر كثيرا، ولن يعتمد إلا على مواقف تاريخية.
ـ 'النهار' راشد فايد: العدوى المصرية
ثلاثة تغيب عن ثورة مصر: فلسطين، والنزعة الدينية، والوحدة العربية.
ليس في ذلك عيب، فالعنوان المرفوع يفتح الطريق امام تغيير جذري يحدد، حين انجازه، توجهات هذه الدولة المركزية في الاقليم، عربياً وافريقياً واسلامياً.
برغم ذلك، ترتفع أصوات بعض العرب ممن لم يغادروا مرحلة تأميم قناة السويس، والوحدة العربية 'الصوتية'، والتلويح بالأيدي في وجه اسرائيل، لتؤكد ان دافع هذه الثورة هو غياب عقيدة المواجهة مع الصهيونية، بينما يرتفع صوت طهران مبشراً بـ'شرق أوسط اسلامي'، لم يلمحه سوى خامنئي مرشد الثورة الايرانية.
ما تقوله غضب المصريين، وقبلهم التونسيون، هو ان زمن تعليق الحريات على مشجب تحرير فلسطين قد انتهى، وان هناك أصواتاً من حقها ان ترتفع 'فوق صوت المعركة' ما دامت هذه لا يظهر لها ملمح، بل تبطن رغبة في صلح يؤخره بعض التفاصيل.
وما يقوله كل الشعوب العربية صمتاً وصراخاً، هو ان الوعد بالحرية والديموقراطية والعيش الكريم، بعد تحرير فلسطين، انكشف انه وعد من لا يملك إرادة الفعل، لمن لم يعد يملك القدرة على الصبر، فكيف والاتفاقات مع إسرائيل تُوقع علناً وسراً، أو يسعى البعض إليها بخفر الراغبين؟
شهد مطلع خمسينات القرن الماضي انقلابات عسكرية، بعنوان تحقيق احلام الجماهير في الوحدة والحرية والاشتراكية، أحلت أنظمة جمهورية تدّعي الخصومة مع الملكيات، حكما وبنية، لتتحول، عمليا، ديكتاتوريات ابدية يعود فيها الى الرئيس ملكية الارض وما عليها، ومعها حقه في ان يرث نفسه ما دام فيه نبض حياة. ولم يلبث هذا المنطق، ومع دخولنا القرن الحادي والعشرين، ان أسس قاعدة الارث العائلي، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير في مصر.
الأمر الاكيد في ما يحدث في مصر انه جددّ النظرة اليها كموقع ودور استراتيجيين، ينعكس ما يجري فيها على محيطها الأول أي العالم العربي، وإلا فما تفسير تقهقر عنجهية عدد من الانظمة وصلافتها في وجوه شعوبها، كما حال اليمن الذي سارع رئيسه الى اعلان عزمه على عدم طلب تجديد ولايته، الى جانب تراجعات أخرى، أو كما حال رئيس الحكومة العراقية الذي تخلى عن نصف راتبه وعن اي رغبة في ترؤس اي حكومة مقبلة، وغيرها كثير، ممن اضطر الى فتح حوار مع المعارضة استباقاً للعدوى المصرية.
هذه العدوى جعلت أنظمة عربية أخرى تنكر كل أدبياتها عما يوحّد الشعوب العربية من مشاعر وتقاليد وسمات اجتماعية وتطلعات مستقبلية، لتندفع في التنظير لـ'مجتمعات عربية متمايزة' لا ينفع معها منطق الدومينو القائل إنه اذا تدحرج حجر منها تبعته الاحجار الاخرى.
لكن هذه العدوى تبدو عصية على العلاجات، فالازمة الاقتصادية العالمية احدثت صدمة عدالة في العالم العربي، حيث كانت الاختلالات الاقتصادية سبباً لمشاعر العصيان والمساومة، على حد وصف استخدمه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. يضاف الى ذلك ثورة الاتصالات التي أخرجت وسائل الاعلام من قبضة الدولة، وكذلك انكشاف ضعف بنى الدولة وخضوعها لإرادة شخص وقبيلته العائلية أو الطائفية، مع ما يجرّه ذلك من استهتار بالقوانين والقيم العامة، بحيث تغيب كل مرجعية يمكن ان يستند اليها الافراد في ترتيب شؤونهم.
كل من زار مصر، قبل الثورة الشعبية الراهنة، كان يتساءل ماذا ينتظر المصريون ليثوروا، وكان ينتهي الى انطباع انّ مصر هي مسكن الله الاول. فكل الامور متروكة له، من صعوبة تحصيل لقمة العيش الى ايجاد مأوى، لكأن المصريين اكتشفوا فجأة يوم 25 كانون الثاني انهم يجب ان يكونوا مع انفسهم أولاً كي يكون الله معهم، وأن وصاية النظام الأبدية عليهم لها نهاية يقررونها بأنفسهم.
قد يكون من المبالغة القول ان الاحتلال الأميركي للعراق، على ضخامة سلبياته، نبّه الشعوب العربية الى ان الحكام ليسوا قدراّ، وأن القوة وحدها تزيل طغيانهم، وليس بالضرورة أن تكون خارجية. وهل هناك أكثر تعبيرا عن الديموقراطية من الارادة الشعبية؟
قد يكون مفيدا التذكير بما خلفته حملة نابليون بونابرت على مصر من تغيير وتحديث في الحكم والعلوم الى جانب إذكاء الشعور القومي، برغم أن ذلك لم يكن في مخطط الغزاة الذين اندحروا بعد 3 سنوات من دخولهم أرض الفراعنة: لم يكن هدف بونابرت تحديث مصر ولا تثقيف الشعب المصري أو تعليمه، فهو غزاها لأهميتها الاستراتيجية تماما كحال الاحتلال الاميركي للعراق، لكن عدوانه نبّه المصريين الى الحداثة.
ألا ينطبق الأمر على ايران التي لا يزال حكامها يصارعون 'الثورة الخضراء' التي لا تيأس،بالقتل والاغتيال والتشهير والمحاكمات الصورية والاتهام بالزندقة والتجديف الديني، فيما يتنطحون لإعطاء الدروس والنصح لثورة مصر الحديثة؟ لا شك في أنه ينطبق، فجذور المأساة هي نفسها: إدعاء تغيير لا يأتي، ووعد بخلاص فلسطين لا قبس نور منه، وإلا لمَ لم نشهد إبحار سفن الثورة الإيرانية لفك الحصار عن غزة وفق ما كان ادعى ممثل المرشد في القوى البحرية التابعة للحرس الثوري؟
ـ 'المستقبل' أيمن شروف: 'الممانعون' يسوّقون لـ'شرق أوسط إسلامي' .. ومسيحيو 8 آذار 'يهلّلون'
ربيع بيروت يظلّل 'الياسمين' و'الغضب'
يقول فريق 8 آذار إن ما حصل في تونس وما يحصل في مصر، ليس سوى البداية على طريق تحويل البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، خليّة مقاومة واحدة، تنضوي جميعها تحت راية الممانعة الممتدة من دمشق إلى طهران، وبالتالي وبحسب مفوّهي الممانعة، فإن على قوى 14 آذار أن تحذر لأن الأمور تتجه إلى مكان لن تجد فيه من يتبنّى سياستها، التي طبعاً هي قائمة على التبعية لقوى الإمبريالية والاستعمار، المتمثّلة بالولايات المتحدة الأميركية. بل أكثر من ذلك، يذهب البعض من فريق الممانعة إلى حد 'التبشير' بنظام عربي جديد، يستند في ما يقوله إلى 'اللاشيء'. يكفي أن يخرج مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران ليتحدث عن أمة إسلامية وشرق إسلامي على وشك الظهور، ليكون لهؤلاء في الداخل اللبناني الحجة في تبشيرهم لهذه التحوّلات الحاصلة.
لهذا الواقع خلفيات متعددة، والكثير من الدلالات. في الخلفية، من الواضح أن سياسيي 8 آذار يدأبون على وضع كل متغيّر يحصل في خدمة حملتهم على قوى الاستقلال بوصفها مناصرة للمشروع الأميركي، وبالتالي يتمسّكون بما أمكن من مسائل قد لا تعني الواقع اللبناني ليقولوا إن مشروع 14 آذار إلى هلاك.
المثال على هذه السياسة، ربط 'ثورة الياسمين' في تونس التي قامت من أجل لقمة العيش ورفض الطغاة، بما يقوم به فريق 'المعارضة الوهمية' في لبنان. علماً أن هذا الواقع لا ينطبق على ما يحصل في بيروت إلا على الحزب الحاكم وأتباعه، فهم من يحكمون بالأمر الواقع، وهم من يعطلون.
هذا في الخلفية، أمّا في دلالة ما يقولونه، فمن الواضح أن ما يحصل في المشرق العربي ليس بالأمر 'العابر'، لا في الشكل ولا في المضمون، فأن يخرج مواطنون عاديون في عواصم عدة، ويفرضوا ما يريدونه على 'الحكام'، متسلحين بقوّة الإرادة، هو سابقة في هذه المجتمعات التي اعتادت الشمولية، ونظام الحزب الواحد والحكم الواحد، وبالتالي هذا 'التبشير' الـ'8 آذاري' لا يعدو كونه محاولة كسب عطف هذه الجماهير واحتضانها، كي لا يزهر الياسمين في بيروت على غرار ما حصل في العام 2005.
يعلّق أحد السياسيين على ما يقوم به بعض الأفرقاء في لبنان، تفاعلاً مع ما يجري في القاهرة، بالقول: هناك في لبنان من اعتاد التنظير في كل الأمور، وما نشهده في مجالس وإعلام فريق 8 آذار أمر غريب بكل ما للكلمة من معنى، هو ينطبق على ما يفعلونه في سياستهم الداخلية. في لبنان مثلاً، يعطلون ويهددون، ويخرجون عن الدولة ومؤسساتها، ثم يتهمون الخصم السياسي بكل هذه الأمور. هكذا هم اليوم، ينظرون إلى الشعوب العربية ويهللون للحرية التي ينتزعها هؤلاء الشباب، وفي الوقت نفسه، لا تجد في بيئتهم شيئاً من الديموقراطية أو من الحرية.
على أي حال، لقد تبنّى هذا الفريق نظرية الإمام الخامنئي بـ'شرق أوسط إسلامي'. ذهب البعض من القوى المسيحية في 8 آذار، ليقول إن هذا الأمر هو 'منقذ للمسيحيين' (!). قد يكون هذا التحليل العظيم لا يستحق التعليق، إلا أنّه من الظلم تعميم هذه النظريات 'الخرافية' على شارع مسيحي لا يمكن له أن يعيش إلا بالتنوع والانفتاح على الآخر، وبالأخص أن من صدر عنه هذا الكلام يتعاطى كل شيء ما عدا السياسة.
بالمجمل، يبدو أن الشارع المسيحي لم يتفاعل مع كلام 'مرشد الثورة'، بل لم يكترث له. يبقى قلّة ممن تصدوا للدفاع عن هذا الكلام. هؤلاء قرّروا منذ خمس سنوات، بعد توقيعهم على ما يسمى 'وثيقة التفاهم' في مار مخايل، أن يكونوا جنوداً بواسل في تعميم أفكار وسياسات غريبة وجديدة على الشارع المسيحي، لا بل على اللبنانيين ككل... (للقراءة).
ثانيا: الأخبار
ـ 'النهار': انتفاضة مصر: زيادة الأجور 15% وإنشاء صندوق لتعويض المتضررين وإطلاق غنيم
المعتصمون منعوا فتح مجمّع حكومي قرب ميدان التحرير و'الإخوان' يقوّمون موقفهم من الحوار
مضى النظام المصري أمس في خطواته الرامية الى احتواء الانتفاضة الشعبية المستمرة وتبديد الغضب الشعبي، معلناً اقرار الحكومة الجديدة في أولى جلساتها زيادة في الرواتب نسبتها 15 في المئة لموظفي الدولة، بعد تعهدات سابقة للتحقيق في تزوير انتخابي وفساد الى جانب اصلاحات أخرى. كما أكد اطلاق وائل غنيم ، مدير التسويق لشركة 'غوغل' الذي كان من المنظمين للاحتجاجات واعتقله رجال الامن المصري في 28 كانون الثاني الماضي. ومع اخفاق الحوار الذي بدأ مع قوى معارضة تطالب بتنحي الرئيس حسني مبارك في احراز أي تقدم ملموس، منع المعتصمون في ميدان التحرير الجيش من فتح أهم مجمع حكومي في المكان، رافضين بذلك عودة الحياة الطبيعية الى هذا الشريان الحيوي في قلب القاهرة الذي يحتلون جواره منذ اسبوعين، وارجأت بورصة القاهرة فتح ابوابها حتى الاثنين المقبل، في ما اعتبر نكسة لمحاولات اعادة الحياة الى طبيعتها.
وعقد الرئيس المصري اجتماعاً مع نائبه اللواء عمر سليمان ورئيس مجلس الشعب فتحي سرور والمستشار سري صيام رئيس محكمة النقض.
ولم توضح وكالة أنباء الشرق الاوسط، التي أوردت الخبر، ما دار في الاجتماع، ولكن يتوقع أن يكون المجتمعون بحثوا في مسألة الدعاوى القضائية المقامة أمام محكمة النقض والتي يمكن أن تبطل النتائج الاخيرة لانتخابات مجلس الشعب في 159 دائرة.
وكان النظر في تلك الدعاوى وتنفيذ الأحكام التي ستصدر فيها من تنازلات عدة قدمتها الحكومة، قائلة إنها تمثل استجابة لمطالب رفعت مع بدء الاحتجاجات.
وأفادت الوكالة لاحقا أن مبارك رأس اجتماعاً آخر موسعاً ضم سليمان وسرور ورئيس مجلس الوزراء أحمد شفيق ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ووزير الدفاع والإنتاج ا