- صحيفة 'السفير'
علي محروس
ربما كان السبب في قرار القاضي أحمد رفعت منع الصحافة نشر جلسات محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك، هو اكتشافه أن قراره الأسبق بمنع البث التلفزيوني لم يمنع البث التلفزيوني! وإنما فقط غيّر من طبيعة البث ونقل عين الكاميرا إلى أجواء لا تقل سخونة. اللقطات المهمة لمبارك في القفص سرعان ما أصبحت مملة حيث الرئيس ممدد أو نائم أبدا، لقطات ظلت ـ بعد المنع - من حق التلفزيون الرسمي حصريا يعرضها لثوان قليلة فقط للتأكيد على وجود الرئيس المخلوع، ومع ذلك فإن التقارير التلفزيونية لم يقل عددها ولم تنخفض أهميتها بل ربما زادت. لم تعد شريطا مثبتا على منصة المحكمة بل أصبحت لقاءات مع مواطنين وأهالي شهداء ومناصرين للمخلوع وضباط ومحامين. وأصبحت اللقطات ملاحقات للمعارك بين فريق وآخر مع صور مهتزة هربا من الحجارة المتبادلة.
والأهم من ذلك أن الانقسام القديم بين القنوات الفضائية قبل سقوط مبارك عاد مجددا، فإذا بـ&laqascii117o;الجزيرة" تتعاطف مع أهالي الشهداء والمدعين بالحق المدني ولا تكف عن استضافتهم، ولكن في حدود عدم الاصطدام بالمجلس العسكري. بينما تعود &laqascii117o;العربية" إلى &laqascii117o;موضوعيتها" فتهتم بكل ما هو على الضفة الأخرى وصولا إلى المحامين الكوايتة الحاضرين للدفاع عن الديكتاتور.
إذاً عادت الروايات التلفزيونية المختلفة، بمجرد أن غاب النقل المباشر. فإذا بالإعلام يعود إلى أمراض المنع المعروفة: تناقض الروايات وطمس بعضها وصناعة بعضها الآخر من لا شيء، فيصبح الاصطفاف السياسي هو العدسة التي ينظر منها المشاهد فيرى ما يريد.
مع ذلك فقد كان المنع وسيلة مناسبة لمنع الاستعراض من قبل محامين بسطاء فقراء كموكليهم، وجدوا أنفسهم فجأة في محاكمة العصر، فلم يتورع بعضهم عن الدعاية لنفسه في تلك الأيام التاريخية. تحسن الآن حال محامي الشهداء قليلا بانضمام رموز قانونية شهيرة، لكن المنع منح الصحافة قوة دفع لخيالها الواسع في التحليل والتفسير.
شيء واحد لم يفسره بعد قرار المنع وهو التقنيات الحديثة التي أتاحت للحضور نقل وقائع الجلسات لحظة بلحظة إلى &laqascii117o;تويتر" و&laqascii117o;فايسبوك" من خلال هواتفهم المحمولة. لكن ذلك يبقى على المحك في الجلسات المقبلة التي ستشهد حضور المشير طنطاوي والفريق عنان واللواء سليمان. تلك ربما تكون سرية حقا، بلا شاشة ولا صحف ولا هواتف محمولة.