ميديا راما » ليست أزمة صحافة

سحر مندور

كلمة &laqascii117o;أزمة" باتت بديهيّة الحضور إلى جانب كلمة &laqascii117o;صحافة"، في يومنا اللبنانيّ الراهن. مؤسّسات تتعثّر، أخرى تمتنع عن دفع الرواتب وكأن دفعها بندٌ اختياريّ في العقد، صرفٌ متكرّر، حلقاتٌ تلفزيونيّة بميزانية تصوير لا رواتب، صحافيون وصحافيات يوقّعون بالاضطرار على الاستقالات كشرطٍ لتقاضي المتأخر من الرواتب. هناك إدارة تمتنع عن الدفع بصمتٍ وهدوء، إذ ما عادت تتطلّب من فريقها كلّ الوقت أو الجهد. في هذه الأيام، الصحافة تحاصر العاملين /ات فيها. لكن لماذا؟
تُربط &laqascii117o;أزمة الصحافة" بأفول الورق وازدهار الإلكترونيّ الخالي من المبيع والركيك في الإعلان. وهي أزمةٌ حقيقيّة اجتهدت منذ سنواتٍ وعلى مرّها مؤسّسات الصحافة البحثيّة في تقييم اللحظة التاريخيّة وتقديم سبل الخروج منها. فشهد &laqascii117o;الكوكبُ" الإسكندنافيّ مثلاً مبادراتِ تَجَمُّعِ صحفٍ عدّة في بوابةٍ واحدة مثلاً، بثمنٍ لدخولها يأتي مقبول الكلفة وكريم المضمون. إلا أن نقاشاتٍ وتجارب كهذه لا يشهدها بلدنا، وإنما هو يشهد انهيار شبكات تمويل الصحف المتداخلة مع سياساتها. هذه ليست المشكلة ذاتها التي تدلّ عليها عبارة &laqascii117o;أزمة الصحافة الورقيّة" عالمياً. فصحفنا ليست من تلك التي تؤمّن دخلها من المبيع والإعلان فحسب، والتي أصيبت لمّا أتيح الإنترنت وصار الخبر سريعاً (أيّ منذ أكثر من 10 سنوات). مشكلتنا لها طابع نظامنا السياسيّ، القائم على منطق الخطر الوجوديّ والظرف الضروريّ. البلاد من حولنا، كمصر مثلاً التي تشهد ازدهاراً هائلاً في قطاع الصحافة الإلكترونيّة، لم تشهد انهيار صحفها على طريقتنا بعد. لماذا نحن &laqascii117o;السبّاقون"؟
المال السياسيّ يشحّ، وسوق الإعلان الخليجي يهجرنا. يدلّ ذلك على معادلة اتفاقية الطائف التي ما عادت صالحة للزمان والمكان. بموجبها، تمّ توزيع رخص الإعلام على التلفزيونات بالمحاصصة الصريحة. والصحف تبعت خريطة المال لتؤسس عليها بناها التمويليّة في زمن ما بعد الحرب. بذلك، شابه الإعلام معظم أوجه الدولة التي تعرّضت للخصخصة، إن بموجب الطائف أو بممارسته، يتوزّعها زعماء الحرب ليبنوا عليها زعامات السلم، كشرطٍ لاستبدال الحرب بالسلم.
على مرّ السنوات، كنا نميّز في صحفنا التبعيّة السياسيّة التي تزهر في المصالحات وتحتدّ في المواجهات، والتقبّل المفاجئ لوجوهٍ ماليّة (خليجيّة مثلاً) في قوالب بشوشة، والغزل اللطيف لمنحى كانت تعضّه سياسياً قبلها... لكن الزمن اختلف، والبشاشة انقلبت تجهّماً، و &laqascii117o;المناكفات" صارت جهاديين وبراميل، والاستقلاليّات الصغيرة تبخّرت، وهوامش الحركة فخّختها التهم. في هذا الزمن، تبدو &laqascii117o;اتفاقية الطائف" (وترميمها في الدوحة) منهَكة تماماً، لا بل تنتظر إعادة صياغةٍ تناسب الزمن الآتي، تحدّد المرجعيّات والميزانيّات والأدوار. أزمة الصحافة تظهّر أزمة الطائف، وتجسّدها: منظومة الطائف، بعمقيها المحليّ والإقليميّ، هي التي تخضع راهناً للتغيير، ولذلك الصحافة &laqascii117o;في أزمة".
في واقع الحال، الصحافة ليست في أزمة، وإنما تمويل مؤسساتها التقليديّة هو الذي يعاني أزمة. كليات الإعلام تخرّج سنوياً الموهوبات والنشيطين والغاضبين والثائرات كما المدّعين والكسالى... البلد يفيض بمواضيع صارت محدّدة ومعرّفة تحتاج لمعالجة واستقصاء ومتابعة، الحريات والحقوق ترتجي الدفاع عنها، والخطط تبحث عن نقاشاتها. الناس، القرّاء، برهنوا للمرة الألف تحيّزهم لصحافة تحكي عنهم، لا عن زعماء الصور ومموّليها فحسب. إن مقوّمات الصحافة غير المأزومة كلها متوفّرة لدينا، لكنها أزمةٌ في الهيكل. وهي تنتظر حلّها أو حلّه، في منطقةٍ تنتظر خريطتها السياسيّة والاقتصاديّة المقبلة من رحم النار.
 
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد