صحافة دولية » بيع فايننشال تايمز بـ 1.3 مليار دولار لـ نيكاي

سناء الخوري
نشر موقع «بلومبرغ» قبل ثلاثة أيّام تقريراً، حول نيّة شركة «بيرسون» البريطانيّة بيع صحيفة «فايننشال تايمز»، إلى «مؤسسة إعلام رقميّ عالميّة». على موقع «ذا غارديان»، سخر الصحافي المختصّ في الإعلام روي غرينسلايد من التقرير، وعدّه «تكهّنا من دون معنى». أخطأ غرينسلايد، وصدقت «بلومبرغ»، بعدما أكّدت «بيرسون» أمس، بيعها الصحيفة لمجموعة «نيكاي» Nikkei Inc اليابانيّة بمبلغ 844 مليون جنيه استرليني (نحو 1٫3 مليار دولار). وأعلنت الشركة في بيان أنّ الصفقة تشمل الصحيفة وموقعها الإلكتروني، إلى جانب عدّة إصدارات أخرى، منها مجلّات أبرزها «ذا بانكر». ولم تشمل الصفقة مبنى الصحيفة في لندن، ولا حصّة «بيرسون» في مجلّة «ذي إيكونوميست»، وتبلغ 50 في المئة من الأسهم.
وبحسب بيان صادر عن «بيرسون»، من المتوقّع أن تنجز معاملات انتقال الملكيّة في الفصل الأخير من العام الحالي، على أن تستخدم الشركة عائدات الصفقة «لتعزيز استثماراتها في مجال التعليم»، وذلك بعد تقارير تحدّثت عن خسارتها عدّة صفقات في ذلك الميدان، خلال الأشهر الماضية.
وقال رئيس «بيرسون» التنفيذي جون فالون: «كانت شركتنا مالكةً فخورةً لـ«فايننشال تايمز» لأكثر من ستّ عقود (بدءاً من العام 1957)، لكنّنا وصلنا إلى منعطف طرق في مجال الإعلام، مع النموّ الهائل للهواتف ومواقع التواصل. في هذا المناخ، يعدّ الخيار الأفضل للحفاظ على نجاح «فايننشال تايمز» صحافياً وماليّاً، وهو أن تكون جزءاً من مؤسَّسة رقميّة عالميّة لصناعة الأخبار». كذلك أكّد رئيس مجلس إدارة مجموعة «نيكاي» تسونيو كيتا أنّه فخور بالعمل ضمن فريق واحد مع إحدى أعرق المؤسسات الإعلاميّة، مشيراً إلى أنّ المجموعتين تتشاطران القيم الصحافيّة ذاتها، لناحية الحفاظ على الحياد، وتقديم مضمون عالي الجودة.
يتألّف فريق «فايننشال تايمز» من 500 صحافيّ، يتوزّعون على خمسين مكتباً في بريطانيا وحول العالم. وصرّح بعضهم لصحيفة «ذا غارديان» بأنّهم فوجئوا بالصفقة، معربين عن قلقهم من إمكانيّة اضطرارهم إلى مغادرة مكاتبهم في لندن، بما أنّ «بيرسون» ستحتفظ بالمبنى. كما نشر بعضهم تعليقات ساخرة على «تويتر»، سأل أحدها إن كانت الصحيفة ستبدأ بنشر رسوم «الأنيمي».
بالنسبة لكثير من المحلّلين، كان بيع «فايننشال تايمز» أمراً شبه مستحيل، خصوصاً مع انخفاض مبيعاتها الورقيّة إلى النصف منذ العام 2008. وكان تصلّب موقف الرئيسة التنفيذيّة السابقة للمجموعة مارجوري سكاردينو عائقاً أساسياً أمام أيّ احتمال للبيع، إذ أنّها كانت تردّد دوماً: «لن أبيع فايننشال تايمز إلا على جثّتي». توّلت سكاردينو منصبها بين عامي 1997 و2012، وردّت عدّة عروض لشراء الصحيفة. هكذا، كان من نصيب خلفها جون فالون (يتولّى المنصب منذ العام 2013)، إتمام هذه الصفقة التاريخيّة.
يختلف بيع «فايننشال تايمز» عن غيره من الاستحواذات التي شهدها عالم الصحافة المطبوعة خلال السنوات الأخيرة. أشهر تلك الصفقات، شراء مؤسس شركة «أمازون» جيف بيزوس لصحيفة «ذا واشنطن بوست» الأميركيّة، بنحو 250 مليون دولار في العام 2013. يومها تسابق المحلّلون لإعلان وفاة الصحيفة، وتوقّعوا دمجها ضمن خدمات «أمازون» التجاريّة، وذلك ما لم يحدث.
الآن، نحن أمام صفقة تفوق بخمسة أضعاف تقريباً، صفقة بيزوس/ آل غراهام (مالكو «واشنطن بوست» سابقاً)، وتأتي في وقت لا تعاني فيه «فايننشال تايمز» من أزمة وجوديّة، ولا يمكن تصنيفها في خانة المؤسسات الإعلاميّة المتعثّرة. ففي بيانها الصادر أمس، أوضحت «بيرسون» أنّ توزيع الصحيفة رقمياً وورقيّاً، زاد أكثر من 30 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية، مع نموّ بلغ 70 في المئة على صعيد الرقمي (نصف ذلك النموّ من حركة الدخول عبر الهواتف الذكيّة وحدها). وبحسب البيان، فإنّ معظم مردود الصحيفة يأتي من «عائدات المضمون والخدمات»، أيّ المادّة الصحافيّة البحتة. من الواضح أنّ الصحيفة اعتمدت سياسة ناجحة في الرقمي، للتعويض عن تدهور عدد نسخاتها المطبوعة (من 92 ألف في العام 2008، إلى 36 ألف في العام 2015 بحسب «ذا دايلي تلغراف»).
وفي تفاصيل إتمام الصفقة، يُلحظ أنّ جميع الشارين المحتملين للصحيفة، كانوا من بين منافسيها. إذ رجّح تقرير نشرته «رويترز» صباح أمس، قبل ساعات من إعلان استحواذ «نيكاي» على «فايننشال تايمز»، أن تكون «تومسون رويترز»، و«بلومبرغ»، وشركة «داو جونز» التابعة لإمبراطوريّة مردوخ، من بين الساعين للحصول على الاسم العريق. وقبل ساعة من الإعلان، أشارت تقارير صحافيّة إلى أنّ مجموعة «أكسل سبرينغر» الألمانيّة الرائدة في الإعلام الرقمي، قد اشترت الصحيفة البريطانيّة بالفعل، ليصدر نفي سريع عن المجموعة. ذلك ما رأى فيه محلّلون سباقاً للفوز بمؤسسة وناجحة، وليس محاولة «لإنقاذ» مؤسَّسة مأزومة. ففي مراجعة للصفقات الضخمة في مجال الإعلام الرقمي، نجد أنّ «فايننشال تايمز» بيعت بمبلغ أكبر من ذلك الذي دفعته شركة «فايسبوك» لشراء تطبيق «إنستغرام» العام 2012 (مليار دولار).
التفصيل الأهمّ في هذه الصفقة، هو هويّة المالك الجديد لـ«فايننشال تايمز» أي مجموعة «نيكاي» اليابانيّة. لسنا هنا أمام رجل أعمال جاهل في أصول الصحافة، آتٍ من عالم التجارة على الإنترنت، ليبتلع المطبوع، ويغيّر هويّته... بل نحن أمام شركة إعلاميّة من بين الأعرق في اليابان، تأسّست في العام 1876، أيّ قبل ١٢ عاماً من نشأة الصحيفة البريطانيّة في العام 1888. المجموعة الرقميّة اليابانيّة، إمبراطورية بنيت حول نواة صحيفة «نيكاي»، التي توزّع أكثر من 3 ملايين نسخة مطبوعة في اليوم. كما تبلغ قيمة مبيعات المجموعة سنوياً 1٫5 مليار دولار، مع 3٫1 مليون مستخدم لخدماتها الرقميّة. إلى جانب تاريخها الطويل، تعدّ «نيكاي» اليوم أكبر مجموعات الإعلام الرقميّ في آسيا، وتتضمن إصداراتها عدّة صحف، ومجلّات، مواقع، وبرمجيّات، إلى جانب امتلاكها لقنوات تلفزيونيّة. ويعمل فيها أكثر من 3 آلاف موظّف، يتوزّعون على 54 مكتباً في اليابان، و36 مكتباً حول العالم.
من غير المتوقّع أن تؤثّر كلّ تلك المعطيات بشكل سلبي على «فايننشال تايمز»، بحسب تعبير مدير «سوني» سابقاً البريطاني هوارد سترينغر، في حديث لـ«ذا غارديان». برأيه فإنّه «ليس أمراً سيئاً حين يشتري اليابانيون شركةً ما، لأنّهم يقومون بخطوات مدروسة ودقيقة». ذلك مؤشّر إلى أنّ الصحيفة ستمتلك كلّ ما يلزم لتطوير مكتسباتها، ضمن مجموعة إعلاميّة تحترف صناعة الأخبار الاقتصاديّة. وبخلاف التحليلات السوداويّة حول مستقبل الصحافة الورقيّة بعد شراء جيف بيزوس لـ«ذا واشنطن بوست» بربع قيمة «إنستغرام» كما كُتب قبل عامين، تحمل صفقة «فايننشال تايمز»/ «نيكاي» شيئاً من الأمل. فالصحيفة البريطانيّة لم تضيّع البوصلة مع هجمة الرقميّ، ووجدت المعادلة التي تجعلها تقدّم المضمون الصحافي المتقن والثمين جداً (1٫3 مليار دولار) عبر الوسائط الجديدة، ما عوّضها عن النزف الورقي، وجعلها تتأقلم مع عادات الحصول على الأخبار الجديدة... وربما تفتح هذه التجربة الطريق أمام الصحافة التقليديّة حول العالم، لتستثمر في الاحتراف، سواء في المطبوع، أو عبر شاشات الهاتف، أو عبر أيّ وسيط جديد قد تقدّمه التكنولوجيا في المستقبل.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد