خاص » ميلاد المسيح: منعطف اساسي في التشكل الحضاري للامة العربية

صوفيا ــ جورج حداد

من اهم القضايا التي تواجه المجتمع العربي هي مسألة العلاقة بين المسيحية، كتشكيلة اجتماعية، وبين العروبة، كمفهومة وطنية ــ قومية جامعة لشعوب البلدان العربية.

ويختلف الطائفيون "المسيحيون" و"الاسلاميون" على امور كثيرة، الا انهم يتفقون على نقطة اساسية هي الفصل بين "المسيحية" و"العروبة"، والادعاء  ــ كلا من جانبه ــ بأن العروبة تقتصر على المسلمين، وانها جاءت من شبه الجزيرة العربية مع الفتح الاسلامي الذي أسلم وعرّب ووحّد بالقوة العراق وسوريا الطبيعية ومصر وشمال افريقيا،  وان المسيحية هي معادية للعروبة، بسبب الاختلاف الديني الاسلامي ــ المسيحي.

ولكن هذا "التديين الاسلامي" القسري لمفهوم "العروبة" او "الامة العربية" او "القومية العربية" ليس خاطئا فحسب، بل هو مغاير للتاريخية الحضارية لتشكّل "الامة العربية" او "القومية العربية".

فحتى بداية العصر الميلادي (اي ميلاد السيد المسيح والانتشار الواسع للمسيحية) فان المنطقة التي يتشكل منها ما نسميه الان "العالم العربي" او "الوطن العربي الكبير" كان يقوم فيها عدد من "الدول" او "المحاور الحضارية"، المختلفة عن بعضها البعض اتنيا، دينيا، ثقافيا، اقواميا و"قوميا" هي:

ــ منطقة سوريا الكبرى: الارامية ــ الكنعانية ــ  الفينيقية ــ السريانية (التي تشمل اليوم دول سوريا ولبنان وفلسطين والاردن).
ــ بلاد الرافدين او ما بين النهرين او ميزوبوتاميا: السومرية، البابلية، الاشورية، الكلدانية، الميدية (التي تشمل اليوم دولة العراق).
ــ اليمن (الحِمْيَري ـ ذو الطبيعة الجبلية ــ الزراعية ــ البحرية) في جنوب شبه الجزيرة العربية (ويشمل اليوم دولة اليمن شمالا وجنوبا).
ــ بقية اجزاء شبه الجزيرة العربية (ذات الطبيعة الصحراوية ــ البحرية)  وتشمل اليوم ما تسمى "المملكة العربية السعودية" وسلسلة ممالك وامارات الخليج العربي وعمان.
ــ مصر او ايجيبت او بلاد القبط (ذات الحضارة القديمة المسماة "فرعونية") وتشمل الان دولة مصر.
ــ ليبيا وشمال افريقيا، التي ينتشر فيها الامازيغ (وتشكلت فيها قبل التاريخ الميلادي امبراطورية او دولة قرطاجة ذات الجذور الفينيقية ــ الكنعانية) وتضم الان دول ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.

وقد نشأت قديما في هذه المنطقة الشاسعة عدة دول، ذات لغات وديانات وحضارات مختلفة. وكانت اكبرها الدول التي تكونت في مصر والعراق. اما في منطقة سوريا الكبرى فقد نشأت ظاهرة "المدينة ــ الدولة"، حيث كانت كل مدينة تشكل دولتها الخاصة. وكانت جميع الدول القديمة التي نشأت في المنطقة "العربية" تتاجر وتتواصل فيما بينها، الا انها كانت ايضا تتنافس وتتنازع واحيانا كثيرة تتحارب، وهذا ينطبق خصوصا على دولتي مصر والعراق الكبيرتين والقويتين اللتين كانتا تتغالبان فيما بينهما، كما كانت كل منهما تسعى للسيطرة على مختلف مدن ودويلات المنطقة.

وباختصار يمكن القول ان منطقة "الوطن العربي الكبير" كانت قديما مفككة، ومختلفة عن بعضها البعض، ومتنازعة ومتصارعة واحيانا كثيرة متحاربة فيما بينها. وهذا ما سهل على الامبراطورية الرومانية القديمة اكتساحها جميعا بعد تدمير قرطاجة تدميرا كاملا في 146ق.م وابادة 300 الف من اهاليها واسر الـ400 الف الباقين، الذين باعهم الجيش الروماني (بيع جملة) للنخاسين اليهود، الذين كانوا كالعادة يفرزون الاسرى الى ثلاث فئات: العجزة والمسنون يباعون كطعام للحيوانات المفترسة في حدائق الاسياد الرومان، والذكور والاناث، من الراشدين  والاطفال، يباعون كعبيد وجوارٍ وغلمان، للقتال والعمل والخدمة والمتعة. وربما كانت صفقة بيع ــ شراء اهالي قرطاجة اكبر صفقة بيع عبيد في التاريخ القديم والمتوسط.

ولا بد من الاشارة هنا ان الجماعة اليهودية، ولا سيما شريحة كبار رجال الدين والطغمة المالية والتجارية، كانت على صلة وثيقة بالسلطة في عهد الاستعمار الروماني لفلسطين وبقية الاصقاع "العربية"، وقد تمتعت المجتمعات اليهودية حينذاك  بامتيازات وازدهرت اقتصاديًا، وأصبحت جزءًا مهمًا من سكان الإمبراطورية (بنسبة ربما تصل إلى 10% كما تقول بعض المعطيات عن تلك المرحلة).

برزت هذه العلاقة الخاصة الرومانية ــ اليهودية في اشتراك الطرفين في ارتكاب مجزرة اطفال بيت لحم وفلسطين لدى ولادة السيد المسيح، ثم اشتراكهما في قطع رأس يوحنا المعمدان، وقمع جماعته "الاسينية" (المسيحيون قبل ظهور المسيح)، واخيرا لا آخرا في صلب السيد المسيح (حسب الرواية المسيحية) وفي ملاحقة واضطهاد المسيحيين الاوائل على نطاق واسع. والمعلومات التاريخية عن الصراعات بين اليهود والحكام الرومان، تدخل كلها تحت عنوان الصراعات على السلطة بين الحكام ورجال الدولة الرومانية انفسهم، ولا سيما القادة العسكريون، فيما بين بعضهم البعض، والتي كانت دائمة وشديدة الى حد الحروب البينية، واغتيال وتسميم الجنرالات والاباطرة انفسهم.

وخلال تلك الفترة سحقت روما كل محاولات التمرد واقامة امارات او ممالك مستقلة كما جرى للبتراء وتدمر، وزرعت الاراضي "العربية" بالصروح ودور العبادة الرومانية، ومنحت "المواطنية" الرومانية لشرائح واسعة من "المتعاونين العرب" مع روما، الى درجة وصول بعضهم الى سدة الامبراطورية ("فيليب العربي" و"كاراكالا" وغيرهما)، ولكنها مع كل ذلك فشلت تماما في "رومنة" الشعوب "العربية".
وقد شكل ظهور وانتشار المسيحية (الفلسطينية ــ السورية ــ الارامية ــ الكنعانية ــ السريانية ــ القبطية) نقطة انفصال حادة وافتراق تام بين روما وبين الشعوب "العربية". وقد اكتسب انتشار المسيحية في هذه المنطقة الصفة الوطنية ــ الاقليمية، التي اتخذت لاحقا تسمية "المسيحية الشرقية" و"العربية"، في تمايز عن "المسيحية الغربية"، التي اتسمت بها "الكاثوليكية" ومتفرعاتها البروتستانتية، بعد ان تبنت روما المسيحية في القرن الرابع وجعلتها "دين الدولة" الرسمي، والتي دخلت في صراع مع "المسيحية الشرقية ــ العربية" الوطنية التي كانت معادية للاستعمار الروماني.

وبالرغم من الاضطهادات الفظيعة التي تعرض لها المسيحيون الاوائل على يد الاباطرة والحكام الرومان وحلفائهم اليهود، فإن المسيحية، المناوئة لروما ولليهودية، التي ولدت وتأطرت في فلسطين وسوريا، انتشرت بشكل واسع جدا وسريع في جميع الامصار "العربية"، اي في كل المساحة الشاسعة الواقعة بين مصر وشمال افريقيا، واليمن، والعراق، وشمال سوريا.

وبدون اي انتقاص من الاهمية الروحانية ــ الغيبية للمعتقدات الدينية، فإن السبب الرئيسي لانتشار المسيحية وترسخها وتوسعها، هو سبب اجتماعي ــ اقتصادي ــ اخلاقي ــ سياسي ــ وطني ــ قومي، قائم على معاداة الظلم والاستغلال والعبودية والاستعمار والتمييز  الطبقي والقومي والعنصري، وهي الصفات التي كانت متجسدة في السلطة الرومانية ووكلائها المحليين وحلفائها اليهود.

وقد قدمت المسيحية "منظومة قيم" اخلاقية ــ اجتماعية ــ انسانية، نجدها في "الاناجيل" و"الرسائل" المسيحية، ولا نجدها في "التوراة" اليهودية، التي تبنتها الكنيسة المسيحية لاعتبارات يعود تقييمها لها. وهذا مما يميز جذريا المسيحية عن اليهودية. وهذه "المنظومة القِيَمِيّة" الانسانية التي طرحتها المسيحية (والتي لم يكن لليهودية اية علاقة بها) هي التي جذبت فئات المثقفين والجماهير الشعبية الواسعة الى المسيحية، في كافة المناطق "العربية" القديمة.

وقد يقول قائل: ولكن هذه  "المنظومة القِيَمِيّة" كانت موجودة في الفلسفة اليونانية الكلاسيكية، ولا سيما في تعاليم "الفلسفة الرواقية" للفيلسوف زينون الفينيقي (334ق.م – 263ق.م) صاحب العبارة الشهيرة له: "إن كل البشر هم إخوة". ونظرا لعظمة الدور التنويري لزينون، فإن اثينا، حيث كان يعلم، عرضت عليه منحه مواطنيتها او جنسيتها. ولكنه اعتذر وقال "ولدت فينيقيا، واموت كذلك".
وقبل ظهور المسيحية، كانت الفلسفة الرواقية لزينون الفينيقي قد انتشرت على نطاق واسع في صفوف الفئات المثقفة في الفضاء الهيلينيستي، اي بما فيه الاصقاع "العربية" وبلاد الاغريق وجبال البلقان واوروبا الشرقية (اي جميع المناطق التي انتشرت فيها  "المسيحية الشرقية")، فكانت ــ اي الرواقية ــ بمثابة "البشير" او "الممهد الفلسفي" لظهور المسيحية على النطاق الشعبي الواسع.
ولتوضيح هذه النقطة ينبغي ان نتوقف عند الفواصل  التالية:

ــ1ــ ان اللاهوتيين يؤكدون على الجوانب الدينية البحت، اي الغيبية ــ الماورائية ــ الالهية، في المسيحية، ومنها القول بوجود الخالق الاعلى، وخلق الطبيعة والبشر، وألوهية السيد المسيح، والعجائب الخارقة للطبيعة التي قام بها، وأسطرة موته فداء للبشرية، وقيامه من بين الاموات، وصعوده الى السماء. ولا شك انه ينبغي احترام وتقدير هذه المفاهيم الدينية المسيحية، مهما كانت مختلف الآراء الفلسفية، والدينية الاخرى، فيها.

ــ2ــ ولكن لو كانت المسيحية مقتصرة فقط على هذه المعتقدات الدينية ــ الفكرية ــ الغيبية والماروائية، لاقتصر انتشارها فقط على نطاق نخبة من المثقفين والمفكرين، ولما وجدت هذا الانتشار الشعبي الواسع لدى العبيد والفقراء (الذين كانوا في الاغلب اميين) ولدى الشعوب المستعمرة من قبل روما. هذا اولا . وثانيا: لما قوبلت بهذا الانزعاج والعداء الشديدين حيالها، من قبل روما والطغمة المالية ــ التجارية والكهنوتية اليهودية، المتعاونة معها، الى درجة ملاحقة السيد المسيح واعتقاله وتعذيبه واعدامه على الصليب (حسب الرواية المسيحية).

ــ3ــ وفي رأينا المتواضع ان ما اغاظ روما ويهودها، الى حد الانفجار، من السيد المسيح ورسالته، هي انه أعمل معاوله هدما في اسس وجود النظام الروماني العنصري ــ العبودي، و"النظام" الاستغلالي الرأسمالي اليهودي. فجوهر الرسالة المسيحية هو دعوتها الى "المنظومة القِيَمِيّة" المنادية بالاخاء الانساني والرحمة والعدالة (معاداة الاستعمار والعبودية والعنصرية، والظلم، والاستغلال الطبقي). وكان يمكن لروما، مثلما كانت تغض الطرف (دينيا) عن اليهود، ان تغض الطرف ايضا عن "هذا اليهودي!" طالما انه كان يعترف بسلطة القيصر الروماني ويقول "أعطِ ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"؛ كما كان يمكن للكهنة والتجار والمرابين اليهود ان "يفذلكوا" ويستغلوا دينيا القول بالوهية المسيح، طالما انه يقول "ما جئت لآنقض بل جئت لأكمل"؛ ولكن روما لم يكن بالامكان بتاتا ان تحتمل دعوة المسيحية لمساواة العبيد بالاسياد الرومان؛ كما لم يكن بتاتا بامكان الكهنوت والتجار والمرابين اليهود ان يحتملوا ان يدخل المسيح الى الهيكل الذي حولوه الى "سوق"، ويقلب طاولات التجار والصرافين صارخا فيهم "اخرجوا... لا تجعلوا بيت ابي مغارة لصوص!".  
ــ4ــ ان القاعدة المعرفية للفلسفة هي: "فكّر ثم آمن!"؛ اما القاعدة المعرفية للدين فهي: "آمن ثم فكّر!".

ومن الصحيح تماما ان "الرواقية" سبق لها ان طرحت    "المنظومة القِيَمِيّة" ذاتها قبل المسيحية. ولكن "الرواقية" طرحتها من منظور منطقي ــ فلسفي، اي فكري، ولهذا اقتصر تبنيها على شريحة المثقفين، الذين يمتلكون "ادوات" التفكير اي: العلم والثقافة والمعرفة والاطلاع ووسائل الحوار مع الغير والمراقبة والتجربة والاختبار، وطبعا: الحرية الشخصية والوقت الحر للتفكير؛ وهي ادوات يقتصر امتلاكها على "النخبة" المجتمعية التي هي شريحة ضيقة في المجتمع.

في حين ان المسيحية طرحت "المنظومة القِيَمِيّة" ذاتها من منظور ديني ــ ايماني. وقرنتها بالارادة الالهية.

وفي تلك المرحلة التاريخية كان المجتمع البشري على حافة الانتقال من مستوى الوعي بالمحسوسات (ومن هنا كانت الاديان الوثنية الشيئية او الشخصية: تقديس الفرعون والقيصر) الى مستوى الوعي الروحاني ــ التجريدي ــ الشمولي. ومن هنا كان الدين المسيحي، وكانت فكرة المسيح ــ المخلص، البشري فوق البشر، او البشري المؤله، القادر على التغلب على كل شيء وكل احد، حتى على القيصر، فزّاعة البشر، وحتى على الموت، العقدة الابدية للبشر.

وباضفاء الصفة الايمانية ــ الدينية على "المنظومة القِيَمِيّة" للمسيحية، و"الرواقية" من قبلها، خرج تبني تلك "المنظومة القِيَمِيّة" من شرنقة الاقلية "النخبوية" للفلسفة الرواقية، ووجدت انتشارها الواسع لدى العبيد وكافة الاقوام وكافة فئات الشعب، بما في ذلك لدى بعض الاوساط المتنورة في صفوف الطبقة الحاكمة ذاتها، الذين وجدوا خلاصهم "الروحي" بالدخول في المسيحية من باب: التوبة والكفارة والتسامح والغفران، وهي من الاركان الايمانية في المسيحية (في زمن لاحق تحول مقر البابوية الكاثوليكية في روما الى "مكتب بورصة" لبيع ما سمي في حينه "صكوك الغفران" كبطاقات دخول والحصول على امكنة في الجنة!).

ــ5ــ ان التواريخ "الرسمية" لجميع الدول العربية المعاصرة، كما وجميع المؤرخين "الاسلاميين الكَذَبَة" و"العروبيين المسطحين او العنصريين" الداعمين لانظمة الهزائم والفساد والدكتاتورية، لا يعيرون الاهتمام الكافي، بل وفي الغالب يطمسون الحقيقة التاريخية الكبرى، وهي ان جميع البلدان العربية الرئيسية ذات التاريخ الحضاري العريق (سوريا الطبيعية، والعراق، واليمن، ومصر وشمال افريقيا) كانت كلها في العصر الروماني بلدانا ذات شعوب مسيحية باكثريتها الساحقة.
وقد انتشرت المسيحية في كافة البلدان "العربية" القديمة، ليس بقوة السلاح، وليس بفعل تحول السلطة (الرومانية حينذاك) الى الدين الجديد، بل انتشرت بفضل تبني "المنظومة القِيَمِيّة" للمسيحية، المقرونة بالايمان الديني، وفي قطيعة تامة وعداء نقيضي مع السلطة الرومانية وحلفائها اليهود.  

ــ6ــ ان انتشار المسيحية في البلدان "العربية" ذات الحضارات العريقة في تلك الازمان (بالاضافة الى انتشارها في بلاد اليونان والبلقان) كان له مفاعيل كبرى من اهمها انه حط الى درجة كبرى من هيبة الامبراطورية الرومانية، مما اسهم في تفككها وانقسامها الى قسمين: غربي ــ عاصمته روما، وشرقي ــ عاصمته القسطنطينية، التي غزاها العثمانيون فيما بعد بتحريض ودعم من روما الكاثوليكية.

ــ7ــ وفي تلك الحقبة، قبل الفتح العربي ــ الاسلامي، كان الحكام يستخدمون اللغة الرومانية (اللاتينية القديمة)، في حين ان المثقفين كانوا يستخدمون اللغة اليونانية المبسطة الجديدة (في حينها) التي كان قد اقرها الاسكندر المقدوني. ومع انتشار المسيحية في كل الاراضي "العربية"، انتشرت ايضا، على المستوى الشعبي العام، اللغة الارامية (التي تكلم وكرز بها السيد المسيح)، الى جانب اللغات "القطرية"، وخصوصا "القبطية".

ــ8ــ ولكن اهم ما انجزه انتشار المسيحية هو ان تلك البلدان "العربية" قد انفتحت على بعضها البعض لاول مرة في التاريخ، سكانيا واجتماعيا وثقافيا وحضاريا. وصارت الجماعات المسيحية، من اقصى شمالي افريقيا الى الخليج العربي الى اليمن الى شمالي سوريا تخاطب بعضها البعض بنداء بولس الرسول "يا اخوتي!".
وفي تلك المرحلة بالذات بدأت عملية تفاعل حر بين الحضارات العريقة  لتلك البلدان "العربية"، وكان ذلك اول عملية تأسيس للوحدة الثقافية والحضارية للشعوب "العربية"، واول واضخم خطوة تاريخية نحو تأسيس "العروبة" او "الامة العربية" او "القومية العربية" بمعناها ومحتواها الحضاري، لا الديني ــ الطائفي، ولا العنصري ــ العرقي ــ النَّسَبي، البدوي.

ــ9ــ وبعد موجة انتشار المسيحية والدور الحضاري التأسيسي لـ"الامة العربية" الذي انجزته، جاء الفتح العربي ــ الاسلامي، من شبه الجزيرة العربية، ليكمل هذا الدور الحضاري ويطوره. ومع الاخذ بالاعتبار للانتقادات غير المغرضة التي توجه الى التجاوزات التي رافقت "الفتح الاسلامي"، فإن اي تحليل تاريخي نقدي، علمي وموضوعي، يؤكد ان "الفاتحين العرب المسلمين" دخلوا البلدان "العربية" المسيحية، ليس بوصفها بلدانا "معادية"، بل بوصفها بلدانا "شقيقة" و"صديقة"، محتلة من قبل دولة معادية، التي كانت تتجسد في الدولة البيزنطية، التي كانت تتشكل من الرومان والاغريق المترومنين. وقد اكمل "الفتح العربي الاسلامي" وانتشار الدين الاسلامي، انجاز وتطوير عملية التكامل والتفاعل والاندماج الحضاري للشعوب العربية. واعظم انجاز "عربي اسلامي" تم على هذا الصعيد، هو التبني الشامل للغة القرآن الكريم، اللغة العربية الجميلة، الغنية، المرنة، الشاعرية  والمجبولة بالحكمة، والتي اصبحت ركنا اساسيا من اركان تكوين الامة العربية المعاصرة. وكانت بعض الكنائس المسيحية قد بدأت استخدام اللغة العربية، الى جانب اليونانية والارامية والقبطية، قبل ظهور الاسلام. واضطلعت الكنائس المسيحية العربية بدور رئيسي في تبني وترسيخ اللغة العربية. وحتى في احلك عصور الانحطاط التي اناخت لاحقا بكلكلها على الشعوب العربية، في عهود تسلط الطورانيين ثم الايوبيين الاكراد، والمماليك، واخيرا  العثمانيين، على العرب، فإن الكنائس والاديرة المسيحية كانت هي الملاذ، ومخزن الكتب، والمدرسة، التي صانت اللغة العربية لمئات السنين.

ــ10ــ وفي الحقبة التاريخية اللاحقة، بعد ظهور وانتشار الاسلام، فإن دخول الشعوب "العربية" ذات الاغلبية المسيحية في قوام الدولة العربية الاسلامية، سواء بالانتماء الى الدين الاسلامي او مع الاحتفاظ بالهوية المسيحية، شكل الركن الرئيسي في تأسيس الحضارة العربية ــ الاسلامية. والمثقفون الاشوريون والسريان والاقباط، الذين كانوا يتقنون لغاتهم الام الاشورية والسريانية والقبطية   الى جانب اليونانية والارامية والعربية ــ القرآنية، يعود لهم الفضل الاول في نقل كنوز الثقافات الكلاسيكية القديمة، الاشورية والسريانية والقبطية واليونانية، الى اللغة العربية ــ القرآنية، التي منها انتقلت الى اللغات الاوروبية، ودخلت في اساس النهضة الاوروبية اللاحقة.
وبالمنظور التاريخي ليس من الصدفة ان مقر او عاصمة الخلافة الاسلامية انتقلت، بعد المدينة المنورة، الى العراق والشام ومصر.

ــ11ــ ان جميع المعطيات التاريخية تؤكد ان غالبية الصهاينة، بمن فيهم المؤسسون كتيودور هرتزل وحاييم وايزمان وفلاديمير (زئيف) جابوتينسكي ودايفيد بن غوريون، هم ملحدون او لادينيون وعلمانيون، ولكنهم استخدموا الفكرة الصهيونية كطريقة براغماتية سياسية لخداع اليهود العاديين (وبالتالي العالم اجمع) بوجود "القومية اليهودية" و"شعب الله المختار" و"الوطن القومي اليهودي"  و"ارض الميعاد"، بناء على ترهات التوراة التي لا يؤمن بها الصهاينة المؤسسون انفسهم. وبالطريقة البراغماتية السياسية ذاتها يدعي "حكماء صهيون" ان المسيح كان "كاهنا يهوديا"، وان المسيحية هي اشتقاق او انشقاق عن اليهودية، التي هي اصل او اساس "الديانة الابراهيمية"، بتفرعاتها اللاحقة التي لا تلغي "الاصل" اليهودي. وعلى هذه النظرية الابراهيمية (او الابراهامية) الكاذبة، صيغت اتفاقات التطبيع الاخيرة بين اسرائيل والانظمة العربية العميلة والخائنة.
ولكن الشواهد التاريخية (وبالاخص حسب الرواية المسيحية) تفيد ان التشابه بين كلمة "المسيح" المسيحية وكلمة "مسّيا" اليهودية، وبين كلمة "يسوع" المسيحية وكلمة "يشوع" اليهودية، ليس سوى تشابه لفظي التباسي، تماما كالتشابه اللفظي بين كلمة "صاموئيل" اليهودية وكلمة "اسماعيل" الاسلامية.
وتفيد الشواهد ان المسيحية ولدت (كمفاهيم معرفية ودينية، وكتنظيم وجماعة انسانية) في قطيعة تامة مع اليهودية، ومع روما، قبل وبعد صلب السيد المسيح. وعلى ذلك تشهد صرخات الاطفال المقتولين في "مجزرة اطفال بيت لحم" التي ارتكبها الرومان واليهود بعد ميلاد يسوع الطفل، كما يشهد الرأس المقطوع ليوحنا المعمدان، وكما يشهد الصليب الذي رفع عليه السيد المسيح. وان اشارة الصليب التي يرسمها المسيحي على وجهه حتى حينما يلمع برق في السماء او يقصف رعد، هي علامة ترمز الى القطيعة الحدّية بين اليهودية والمسيحية، كالقطيعة بين الحياة والموت.

ــ12ــ والامر يختلف جذريا في العلاقة بين الديانتين المسيحية والاسلامية. فالاسلام لم يأت في قطيعة مع المسيحية، بل بالعكس جاء  في سياق استمرار وتواصل وتكامل مع المسيحية. ويبدو ذلك بوضوح من المنظور البيئوي ــ الانساني وحتى الشخصي، والمنظور المفاهيمي ــ العقيدي ــ الديني، والمنظور التاريخي، وهو الاهم اجتماعيا وسياسيا وقوميا.
فالروايات الاسلامية تتحدث بشكل ايجابي عن  وجود الاحناف او الحنيفيين او المتحنفين، كمؤمنين بالله، قبل ظهور الرسالة الاسلامية، وهم غير النصارى او المسيحيين، واشبه شيء "بمنزلة بين منزلتين" او حلقة وصل بين المسيحية والاسلام. وقد اختفى الاحناف كلية بعد ظهور الاسلام، وكأنهم دخلوا جميعا في الاسلام، او "ذاب" بعضهم في الاسلام وبعضهم الاخر في المسيحية. والملاحظ ان الاسلام ذاته يوصف بأنه "الدين الحنيف". كما تذكر الروايات عن الموقف الايجابي جدا للاسلام من الرهبان والنساك والزهاد المسيحيين، وعن العلاقة الفريدة بين الرسول (صلعم) وبين الراهب بحيرى او بَحيرة وقس مكة المكرمة ورقة بن نوفل، ابن عم السيدة خديجة بنت خويلد، اولى زوجات الرسول. وتقول غالبية الروايات ان زواج الرسول من السيدة خديجة تم على طقس مسيحي، وهو لم يتزوج عليها (كما يقضي طقس الزواج المسيحي) الى ان توفاها الله بعد 25 سنة من زواج الرسول منها. وهي اول من آمن بنبوة الرسول. وبعد وفاة ورقة بن نوفل بثلاثة ايام ذكر بعض الصحابة في حضرة الرسول انه مات ولم ينطق بالشهادتين، فقال الرسول انه تراءى له في الجنة برداء ابيض يجلس عن يمين العرش؛ وهو ما يُعلي من شأن ورقة بن نوفل المسيحي في عين الرسول حتى قبل ان ينطق بالشهادتين. وان رواية معجزة الاسراء والمعراج تدخل ضمن اطار التقديس الاسلامي للقدس جنبا الى جنب التقديس المسيحي لها. وفي هذا السياق الديني التكاملي، يذكر ان الكثير من الفقهاء المسلمين يقولون ان الكتابات المسيحية الاصلية بشرت بظهور النبي محمد، كما يذكر احد ابرز اللاهوتيين المسيحيين القديس يوحنا الدمشقي (676 – 749م) (ويلقب باسم: يوحنا الفم الذهب، لعلمه وفصاحته، وله كتابات كثيرة هي من عيون الادبيات الدينية المسيحية، وكان يكتب بالارامية، ويتقن العربية واليونانية، ويحفظ جيدا القرآن الكريم، ويحاور العلماء المسلمين)، وهو يذهب الى اعتبار الاسلام "ملة مسيحية"،  ولكنها كغيرها كثير من الملل المسيحية التي رفضت الاعتراف بقرارات المجمع المسكوني الاول في خلقيدونية (المنعقد في 451م) حول الطبيعتين الالوهية والناسوتية للمسيح، فرفضت الاعتراف بطبيعته الالوهية وقالت  بناسوتيته فقط، وهو ما اعتبرته الكنيسة الرسمية انه هرطقة. وليوحنا الدمشقي كتابات ومناظرات كثيرة في هذا الموضوع.  
ــ13ــ وتاريخيا جاء الاسلام كاستمرار لمعركة الشعوب الشرقية عامة، والمسيحية الشرقية خاصة، ضد الغزو والتسلط الروماني واتباعه. ونذكر هنا الاشادة القرآنية الكريمة بـ"اصحاب الاخدود" (من مسيحيي اليمن، الذين فضلوا الموت حرقا بالنار وهم احياء على ان يتخلوا عن "مسيحيتهم الشرقية" الوطنية، ويخضعوا لحكام اليمن حينذاك من اليهود اتباع روما)؛ كما نذكر رواية عام الفيل وابرهة الاشرم (الذي لم يكن سوى عميل للبيزنطيين المترومنين).

*****
على هذه الخلفية يكتسب ميلاد السيد المسيح لا اهمية انسانية ومسيحية ــ اسلامية عامة فقط، بل واهمية "عروبية" او "قومية عربية" بشكل خاص. وهذا من اهم الدوافع لمقاربة هذا الحدث التاريخي المفصلي، وهو ما نحاوله فيما يلي:       
 
في نهاية كل سنة ميلادية يحتفل العالم المسيحي (بما فيه العالم العربي) بذكرى ميلاد السيد المسيح وبدء السنة الميلادية الجديدة. ويغلب على هذه المناسبة الطابع الطقسي والاحتفالي، حيث تقام الصلوات التقليدية وتتم السهرات وتبادل الزيارات والتهاني والتمنيات بالصحة والسلامة والتوفيق. وفي البيئات المسيحية ــ الاسلامية المختلطة، يتم تبادل التمنيات الشكلية والتأكيد الكلامي على التعايش الاسلامي ــ المسيحي. ونظرا للسيادة الزمنية الطويلة لـ"الثقافة" المملوكية والعثمانية، التي لا تزال تجرجر اذيالها منذ مئات السنين، فإن التكفيريين وبعض المسلمين المزيفين المتاجرين بالدين، ولا سيما في المواقع السلطوية والنافذة، لا يجدون غضاضة في تمنين المسيحيين باستمرار وجودهم في "المنطقة الاسلامية" طوال الحقبات الماضية وحتى الان، و"تذكيرعم" انهم "ضيوف" على الاكثرية الاسلامية، وليسوا اكثر من "جاليات غريبة وغربية" و"محميات اجنبية" و"تفاصيل" متخلفة عن "المسألة الشرقية".

ولضمان استمرار وجودهم، فإن المسيحيين المزيفين والوصوليين المتاجرين بدينهم،  في مختلف البلدان العربية، يتخذون من شعار "الخوف على الوجود المسيحي" مبررا للانفتاح والعمالة لاسرائيل، و"الحياد" حيال التكفيريين، ودعم السلطات المعادية للشعب، ولو كانت سلطة صدام حسين او سلطة الاحتلال الاميركي في العراق، والا أفلتت على المسيحيين  العصابات المسعورة (العميلة للمخابرات الاميركية) المتجلببة زورا بالاسلام، لاقتلاعهم من جذورهم الضاربة في هذه الارض منذ آلاف السنين قبل ظهور المسيحية والاسلام. وهذا هو "الدرس" الاساسي الذي أريد تلقينه للمسيحيين السوريين والعراقيين والمصريين، في الجرائم التي ارتكبت ضدهم في اجواء "الربيع العربي" المشؤوم، وقبله. اي: اما ان يكون المسيحيون عملاء لاميركا واسرائيل والسعودية، ويحملوا السلاح دفاعا عنها، واما ليرحلوا الى اميركا والغرب، واما... القبر!

وفي هذه الاجواء الاحتفالية الشكلية، من جهة، والسياسية والمعيشية والامنية المشحونة، من جهة ثانية، تضيع المدلولات القيّمة لميلاد السيد المسيح.

ونترك لرجال الدين المسيحي الصادقين التعامل اللاهوتي مع ضياع المدلول الديني ـ الروحاني لهذا العيد، وتحويله الى مناسبة احتفالية شكلية، مفرّغة من اي محتوى روحي.

ولكننا ـ كمواطنين في هذا العالم، ولا سيما كمواطنين عرب ـ نرى من الضروري التوقف عند ضياع المدلول التاريخي، الانساني والقومي والديني، لرواية ميلاد السيد المسيح، ومجزرة قتل الاطفال في منطقة بيت لحم وجوارها، وهرب العائلة المقدسة واختبائها في مصر.
ونسمح لانفسنا ان نقول، امام تعجب من يريد ان يتعجب ونحن بدورنا نضع على تعجبه الف علامة تعجب، انه، بعد ما يسمى "الحروب الفونية" التي كان من الممكن ان تنتهي بتدمير روما ولكنها انتهت بتدمير قرطاجة، فإن الرواية الانجيلية عن ميلاد السيد المسيح وتداعياتها تفيد بأن المسيحية هي اول حركة تاريخية كبرى، اجتماعية وقومية، في مسار التكوين اللاحق للقومية العربية والامة العربية. ولا يصح الاسفاف والقول انها كانت حركة توحيد ذات طابع ثقافي وحضاري عربي (جزيري)، كما هو الامر بالنسبة لظهور الدين الاسلامي والفتح العربي الاسلامي بعد بضع مئات السنين. ولكنه يمكن الجزم بأن ميلاد السيد المسيح، ومن ثم انتشار المسيحية، شق الطريق للتفاعل الاخوي (الحضاري والثقافي والاقتصادي والديموغرافي، ضمن القالب الديني) بين الشعوب القديمة التي كان يتشكل منها عالم الشرق الادنى وشمال افريقيا بما فيها شعب او قبائل شبه الجزيرة العربية، شمالها وجنوبها. ولولا هذه الحركة التمهيدية الاولى للمسيحية، لما كان بالامكان ان يضطلع الاسلام، فيما بعد، بدوره في استكمال عملية التفاعل وتكوين الامة العربية الواحدة.

ولنأخذ ما يقوله الانجيل المقدس عن ميلاد السيد المسيح وعملية قتل الاطفال في محيط بيت لحم وفرار العائلة المقدسة الى مصر:
متى (2: 1 ـ 6) "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في ايام هيرودس الملك اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق الى اورشليم قائلين اين المولود ملك اليهود فإنّا رأينا نجمه في المشرق فوافينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب هو وكل اورشليم معه وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب (اليهود) واستخبرهم اين يولد المسيح فقالوا له في بيت لحم اليهودية لانه هكذا كتب بالنبي. وأنت يا بيت لحم ارض يهوذا لست الصغيرة في رؤساء يهوذا لانه منك يخرج المدبر الذي يرعى شعبي اسرائيل".

وطلب هيرودوس من المجوس ان يعودوا ويخبروه بمكان وجود الصبي حتى يذهب هو ايضا ويسجد له، ولكنه في الحقيقة كان يزمع قتله. الا ان المجوس (متى 2: 12 ـ 16) "أوحي اليهم في الحلم ان لا يرجعوا الى هيرودس فرجعوا في طريق اخرى الى بلادهم. ولما انصرفوا اذا بملاك الرب تراءى ليوسف في الحلم قائلا قم فخذ الصبي وأمه واهرب الى مصر وكن هناك حتى اقول لك فإن هيرودس مزمع ان يطلب الصبي ليهلكه. فقام واخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف الى مصر. وكان هناك الى وفاة هيرودس... حينئذ لما رأى هيرودس ان المجوس قد سخروا به غضب جدا وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس".

وجاء في انجيل لوقا ان يوسف ومريم ذهبا الى بيت لحم (لوقا 2: 6 ـ 12) "وبينما كانا هناك تمت ايام ولادتها. فولدت ابنها البكر فلفته وأضجعته في مذود لأنه لم يكن لهما موضع في المنزل. وكان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل. واذا بملاك الرب قد وقف بهم ومجد الرب قد اشرق حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا فهأنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. وقد ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب في مدينة داود. وهذه علامة لكم. انكم تجدون طفلا ملفوفا مضجعا في مذود".
(انتهى استشهادنا بالانجيل المقدس).

ان اللاهوتيين والمتدينين المسيحيين يحملون هذا الكلام على محمل لاهوتي او الهي، فوق طبيعي وفوق بشري، ويؤمنون بأن السيد المسيح جاء لتخليص البشرية من الخطيئة ولبناء "ملكوت السموات". ولهؤلاء اللاهوتيين والمتدينين الحق في أن يؤمنوا بما يشاؤون، شريطة ان لا يعملوا على ايذاء الغير (كما كانت تفعل الكنيسة في القرون الوسطى، وخصوصا كما فعلت في الحروب الصليبية). واذا كانوا حقا يحبون الله ويحترمون مشيئته، فعليهم ان يتركوا الله يتدبر شؤونه مع خلقه.

وفي الوقت نفسه هناك من يشككون في رواية ظهور المسيح وألوهيته الخ. وهناك بعض الناس يدعون انهم مسلمون ينكرون على المسيحيين ايمانهم، ويدعون ان الايمان الحق هو الايمان بالدين الاسلامي. ولهؤلاء ايضا الحق في ان يؤمنوا بما يشاؤون، ويرفضوا الايمان بما يشاؤون، على ان لا يعمدوا الى اكراه الآخرين على الايمان بما هم به يؤمنون.

وفيما يلي عينة لاحدهم باسم محمود خليل يكتب في احد المواقع "الاسلامية" المصرية عن "اكذوبة رحلة العائلة المقدسة الى مصر"، وهو يقول:

"لا ندرى ما سبب إخفاء المسيحيين واليهود حقيقة سفر أسرة المسيح إلى مصر وهي الأسرة اليهودية المتدينة التى تعبد الله الواحد حسب العقيدة اليهودية؟.. فهم يدعون أن المسيح عليه السلام سافر إلى مصر فارا من الرومان وهو ما زال بعد طفلا لم يكمل الشهر من العمر لكنهم يدعون ذلك بدون توضيح متى تركوا فلسطين ومتى قدموا لمصر ومتى رحلوا منها وما هو عمر كل فرد في عائلة المسيح (المسيح ويوسف النجار والسيدة مريم) في ذلك الوقت كما أخفوا أيضا أعمار إخوته الأربعة وأخفوا كل المعلومات عن أخواته البنات وعائلاتهم كما أخفوا عمر يعقوب عندما قتله اليهود رجما بالحجارة وكان شخصا عادلا لقبوه بالبار وأخفوا عمر السيدة مريم عندما ماتت واخفوا كل المعلومات التى قالتها مريم بعد صعود المسيح فلقد كان الجدير بالذكر - لمن يهمهم أمر المسيح - هو تسجيل أقوال أمه وإخوته عن حياته ومطاردة اليهود والرومان له ثم رفعه إلى السماء كما لم يوضحوا كيف تسافر الأسرة كل هذه المسافة؟.. فتارة قالوا أنهم سافروا على جحش وحاليا يدعون بأنهم طاروا من فلسطين إلى مصر ولم يوضحوا أيضا كيف طاروا ومتى وبأي وسيلة وأين نزلوا وهو ما يتناقض مع الخريطة المكذوبة التي يرسمونها لسير الأسرة كما تتناقض مع الرسومات التي يدعون أنها للمسيح وأسرته وتصوره راكبا مع أمه السيدة مريم على حمار وبجوارهما يوسف النجار! والغريب حقا أن مرقص ويوحنا ولوقا - أصحاب الأناجيل المعروفة - لم يذكروا شيئا عن ذهاب أسرة المسيح لمصر في أناجيلهم فمن أين أتى المسيحيون بهذا الادعاء؟".

ويخلص السيد محمود خليل الى بيت القصيد في اقواله كما يلي:

"ولأن هذه الأمور جميعها لا يمكن إثباتها وكاتب الإنجيل نفسه لم يكن موجودا وقتها ليعرفها يصبح من المؤكد أن كل ما قيل حول تلك القضية مجرد أوهام لا دليل عليها إلا محاولة كاذبة وممجوجة لربط مصر بالمسيحيين أو العكس للتأكيد على أن للمسيحيين مكان في مصر وهي ذات الأساليب المعتادة التي تدعي كذبا وجود علاقة بين اليهود وبين أي بقعة في العالم ومن خلال هذه الكذبة التي يصدقونها ويقنعون السذج بها تصبح كالحقيقة كما فعلوا في فلسطين ويحاولون بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة أثبات علاقتهم بالقدس والهيكل المزعوم أو الادعاء الكاذب بأن اليهود هم بناة الأهرام رغم أن اليهود كانوا وقتها مجرد رعاة فى الصحراء ولم يقطنوا في الحواضر المصرية وقتها ألا كعبيد للمصريين. وعلى الدرب يسير المسيحيون مدعومين باليهود والصهيونية فيدعون كذبا وباطلا بأن المسيح جاء إلى مصر لتبرير مطالبهم بطرد المسلمين من مصر وأنهم أصحاب البلاد الأصليين؟!!.. ولكن ساء ما يمكرون فلا يوجد دليل على ما يدعون وإلا فليجيبوا على الأسئلة السابقة وليأتوا بدليل مادي أو تاريخي على ما يدعون؟!!.."

"أما الحقائق الثابتة فهي أن مصر لا علاقة لها بالمسيحية التي لم تدخلها إلا من الهاربين اليهود (الذين اتبعوا تعاليم المسيح) من اضطهاد الرومان أو من الرومان الذين عبدوا المسيح ولقبوا أنفسهم مسيحيين اسما فقط".
"إذا فتلك أكذوبة أخرى من أكاذيب المسيحيين في مصر يتم كشفها ولن يستطيع أحد أن يقنعنا بعكس ذلك كما لن يستطيع أحد أن يخبرنا مدعما بالدلائل والقرائن متى ولد المسيح وأين ومتى سافر إلى مصر ومن كان معه في تلك الرحلة وكيف سافروا ومتى عادوا إلى فلسطين وما هي أعمار المسيح وأسرته حينما سافروا وبعدما عادوا وماذا حدث في تلك الرحلة وما هي أقوال السيدة مريم عليها السلام حول الرحلة وحول حياة المسيح نفسه منذ ولادته وحتى يوم رفعه؟؟؟؟!!".

اي ان محمود خليل وامثاله يستنكرون مسيحية اقباط مصر، ويطعنون في مواطنيتهم لمجرد كونهم مسيحيين، ويدعون الى طردهم، ومن ثم الى دفعهم للارتماء في احضان الامبريالية والصهيونية دفاعا عن وجودهم.

اننا لا ندعي لانفسنا الاهلية او الرغبة في الخوض في الجوانب اللاهوتية والدينية لظهور المسيح والرواية الانجيلية او غير الانجيلية عنه. ولكن لو سلمنا جدلا بعدم ظهور السيد المسيح وبعدم فرار العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها، فإنه ــ بالمقابل ــ من المؤكد ان المسيحية انتشرت في مصر وثبتت وعمّت فيها (الى درجة ان كلمة قبطي وقبط، اي سكان مصر القدماء، صارت مرادفا ــ ولا زالت الى اليوم ــ لكلمة: مسيحي). والا فعلى من تقوم قيامة محمود خليل وامثاله ومن يقف وراءهم او فوقهم ويحركهم ويوجههم. وبكلمات اخرى، فمن المهم التثبت تاريخيا من صحة او عدم صحة رواية ظهور السيد المسيح وفرار العائلة المقدسة الى مصر؛ ولكنه من المهم اكثر، من وجهة النظر التاريخية، النظر في المفاعيل الواقعية للرواية الانجيلية حول ولادة السيد المسيح. (ومما يؤكد تاريخية واصالة الوجود المسيحي في مصر، ان التسمية العالمية لمصر لا تزال الى اليوم "اجيبت"، المشتقة من لفظة "القبط"، اي ان لفظة "القبط" ـ كلفظة "العرب" او "الفرس" ـ كانت في الاساس تعني "قوما" معينا هم سكان مصر الاصليين، وان هؤلاء "القوم" كانت البلاد تسمى باسمهم، ومن ثم فإنهم تنصروا جميعا (او غالبيتهم الساحقة)، الى درجة ان أصبحت كلمة  "قبطي" ترادف كلمة "مسيحي". ولكن هذا لا ينفي الاصل القومي للقبط ــ قبل المسيحية. ونستشهد على ذلك بأن الرسول (ص) كان قد وجه رسالة الى من سماه "المقوقس... عظيم القبط" اي عظيم قوم "القبط" داعيا اياهم للدخول في الاسلام. كما ان احدى زوجات الرسول (ص) كانت تدعى مارية القبطية، وظلت تحمل هذا اللقب حتى بعد اشهار اسلامها. وهذا يشير الى ان لقبها "القبطية" يدل على انتمائها القومي لا انتمائها الديني. (راجع كتاب: نداء السراة، اختطاف جغرافيا الانبياء، قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية، مملكة البحرين).

اي انه ـ وبصرف النظر عن مختلف الآراء المؤيدة او المعارضة للمسيح والمسيحية ـ فإنه من الثابت تاريخيا:

ــ أ ــ ان المسيحية، كحركة دينية واسعة وبكل ما ترتب ويترتب عليها، قد وجدت وهي موجودة الى اليوم.
ــ ب ــ ان الانجيل المقدس (الاناجيل الاربعة المعترف بها كنسيا) هي ايضا موجودة وصحيحة بنظر من يؤمن بها، ومعتمدة من قبلهم، شاء من شاء ورفض من رفض.
ــ ج ــ ان الوجود المسيحي (كدين ومذاهب، وكمجتمعات بشرية متعددة الاقوام واللغات والثقافات والطبقات) له حضوره وحركيته التاريخيان، في ذاته، ولذاته، وكجزء عضوي لا يتجزأ من الكينونة البشرية، بالتعميم، ومن كل مجتمع او فئة اجتماعية يوجد فيها مسيحيون، بالتفصيل والتخصيص.
وهذا الوجود المسيحي التاريخي هو واقع لا يمكن انكاره، بصرف النظر عن طبيعة المعتقدات المسيحية وصحتها او عدم صحتها، بأي مقياس كان.

ولتوضيح هذه النقطة المعرفية الجوهرية نستميح القارئ عذرا في تقديم المثال التالي: في المرويات الشعبية ان شيخا قرويا كان أشرف على الموت، وكان لديه عدة ابناء وقطعة ارض لا تكفي لتقسيمها على ابنائه كي يبني كل واحد منهم بيتا مستقلا. وكي يبرر الشيخ عدم تقسيمه الارض فيما بينهم، قال لاولاده انه يترك لهم كنزا مطمورا في الارض ولكنه لا يتذكر اين دفن الكنز، واوصاهم ان ينقبوا الارض بعد مماته ويجدوا الكنز ويتقاسموه. وفي اليوم التالي لوفاة الشيخ شرع ابناؤه في تنقيب الارض الى عمق معين، ولما لم يجدوا شيئا تابعوا التنقيب اكثر فأكثر، حتى يئسوا او تعبوا وتوقفوا عن التنقيب وهم يندبون حظهم مع والدهم "الخَرِف" حسب زعمهم. وبالصدفة مر بهم شيخ آخر من اقاربهم، فحكوا له حكايتهم، فرثى لحالهم، ولكنه قال لهم اخيرا، ان والدهم الشيخ المتوفي لا يمكن ان يكون كذب عليهم لانه يعرفه عن قرب، وهو يؤكد صدقه، وخصوصا انه كان على فراش الموت، ولكن طالما انهم تعبوا ونقبوا الارض بهذا الشكل العميق فليستفيدوا منها ويزرعوها ويتقاسموا غلتها عند الحصاد؛ ففعل الاخوة ما نصحهم به قريبهم الشيخ، وحصلوا على غلة جيدة تقاسموها فيما بينهم؛ وكانت غلتهم افضل غلة في قريتهم نظرا لعمق تنقيب الارض الذي كانوا قد انجزوه. وفي السنوات التالية كان هؤلاء الاخوة الباحثون عن "الكنز الموعود والمفقود" يعيدون التنقيب عملا بنصيحة قريبهم الشيخ، ويعيدون الزراعة، ولا يجدون الكنز ولكنهم يحصلون على افضل الغلال، واصبحوا في بضع سنوات من اغنى اغنياء القرية والمنطقة.

فسواء كان حديث الشيخ المتوفي كذبة؛ او سواء انه حينما دفن الكنز في الارض رآه احد اللصوص واختلسه من حيث لا يدري؛ وسواء ان الكنز لا يزال موجودا في الارض ولم يستطع الاولاد الوصول اليه؛ فإن هؤلاء الاولاد ــ ومن حيث يقصدون او لا يقصدون ــ تحولوا الى مجموعة زراعية هي الافضل والارقى والاغنى في القرية المعنية. واصبح من السخف تماما ان يمر احدهم بهؤلاء الاخوة وهم ينقبون في ارضهم ويعتنون بزرعهم، ويسخر منهم بأنهم "مخدوعون" يضيعون وقتهم في البحث عن كنز غير موجود.

ومع كل احترامنا لكل معتقد ديني، مسيحي او غير مسيحي، نقول انه ليس المهم صحة او عدم صحة معتقدات الاديان عن نفسها او عن بعضها البعض، واستطرادا ليس المهم صحة او عدم صحة المعتقدات العلمانية والالحادية والفلسفية عن المعتقدات الدينية وبالعكس؛ بل المهم هو السلوك الاجتماعي والاخلاقي والاقتصادي والسياسي (الوطني والقومي والاممي، الانساني، او غير الوطني والقومي والاممي، وغير الانساني) لكل جماعة بشرية، دينية او غير دينية. (ولبنان هو "نموذجي" على هذا الصعيد: حيث هناك "مسلمون" و"مسيحيون" و"علمانيون" وطنيون وفي صف المقاومة؛ و"مسلمون" و"مسيحيون" و"علمانيون" في صف اميركا واسرائيل واعداء للمقاومة).

وفي المحصلة التاريخية نرى (كما في قصة الاخوة الذين نقبوا ارضهم جيدا بحثا عن "الكنز") ان منطقة الانتشار الاكبر للمسيحية في المنطقة العربية، قبل ظهور الاسلام، وبدونه، وبدون اي انتقاص من دوره اللاحق، هي المنطقة الارقى في جغرافية الخلافة العربية الاسلامية. وهو ما اعترفت به موضوعيا دولة الخلافة ذاتها حينما نقلت مقرها من الجزيرة الى بغداد، ثم الى  دمشق والقاهرة. وحينما انقسمت على نفسها الى خلافتين، انقسمت بين بغداد والقاهرة. والسبب طبعا ليس دينيا ـ ايمانيا، بل لان مناطق سوريا والعراق ومصر كانت ارقى حضاريا من شبه الجزيرة العربية، وهي كلها مناطق كانت، ذات خلفية تاريخية وطابع شعبي مسيحيين، بمعزل عن السلطات الحاكمة، الوثنية او "المسيحية" او "الاسلامية".

وبناء على فهمنا التاريخي الواقعي هذا فإننا نقول انه يجب مناقشة الفعل التاريخي للوجود المسيحي كما هو، اي من خلال معتقداته هو عن نفسه، ومن خلال تنظيمه ونشاطه وحراكه الخاص، وليس من خلال المعتقدات والاحكام الغيرية والمغايرة، عنه وعليه، الدينية او الفلسفية او السياسية.

ومع كل "الاحترام!" لاجتهادات السيد محمود خليل وكل الضاربين والراقصين على طبلته، ليسمح لنا عطوفته في ان ننظر فيما تقوله الرواية المسيحية ذاتها (الاناجيل المقدسة والنصوص الكنسية) عن ولادة السيد المسيح، ورد فعل روما وعملائها ويهودها على ولادة السيد المسيح، وهروب العائلة المقدسة الى مصر، والحقائق التاريخية التي تؤكدها تلك الرواية:

ـ1ـ الانتماء الى الفقراء:
تقول الرواية المسيحية ان السيدة مريم العذراء وضعت الطفل يسوع في مذود. وبصرف النظر عن البحث في الحد الفاصل بين المشيئة الالهية والامكانيات المادية لعائلة يوسف النجار من الناصرة، فإن الواقع الذي تأخذ به الرواية المسيحية ويصدقه المسيحيون الصادقون هو ان يسوع المسيح ولد فقيرا وفي عائلة فقيرة، كأي عائلة فلاحية فقيرة يولد اولادها ويعيشون في غرفة واحدة، او خيمة واحدة، او زريبة واحدة مع الحيوانات الاليفة التي تعتاش منها العائلة. وبالرغم من كل هذا الفقر المدقع، فإن الرواية المسيحية، تسمي المسيح المولود "المخلص"، ولكن ليس "الملك"، كما تسميه "التوراة"، التي هي يهودية، وتبقى يهودية حتى بعد ان تبنتها الكنيسة المسيحية.
وهناك الكثير من المسيحيين، ناهيك طبعا عن اعداء المسيحية، الذين يمرون بهذه النقطة مرور الكرام، او اللئام. ولكن هذه النقطة هي نقطة جوهرية، انقلابية او ثورية في التاريخ البشري. اذ ان الحركة الدينية الالهية التوحيدية، المغايرة للدين او الاديان الوثنية عامة والرومانية خاصة، وهي الحركة التي تنسب الى ابرهيم الخليل او النبي موسى، كانت تضم اليهود والمسيحيين على قدم المساواة. وقد عبرت هذه الحركة عن نفسها من خلال كتابة "الكتاب المقدس" المشترك، اي ما يسمى "التوراة" و"العهد القديم"، والذي شارك في كتابته مئات الحاخامين والكهنة ورجال الدين والمفكرين، على مدى 1500 سنة واكثر. وكانت تنبؤات هذا الكتاب تبشر بمجيء المسيح من سلالة الملك داود. وكان اليهود يؤمنون ان المسيح سيأتي كملك. ولكن المسيح الذي "أتى" وآمن به "المسيحيون"، "أتى" كطفل فقير يولد في مذود بقر. اي ان المسيح الذي آمن به المسيحيون قد اعلن، بولادته ذاتها ومنذ لحظة ولادته، وحتى قبل اشهار رسالته، اصطفافه او انتمائه الى الفقراء والتعساء والبؤساء، وذلك ليس كإله او حاخام او كاهن او ارستقراطي متعاطف مع الفقراء، بل كأي انسان بسيط هو واحد منهم وفيهم.
اي: ان المسيح الفقير، الذي اعطاه الانجيل صفة "المخلص"، وضعه الانجيل منذ لحظة ولادته بالذات ضد المجموعة اليهودية، وضد عملاء روما، وضد روما ذاتها، وضد طبقة الاغنياء بكاملها، ومن ثم ضد المجتمع الاستغلالي ــ الاستعماري السائد بأسره.

ـ2ـ صراع الوجود مع "روما" واليهود:
وتقول الرواية المسيحية ان ممثل السلطة الرومانية هيرودس لما علم بولادة السيد المسيح في حالة هي غير الحالة التي كان يتوقعها اليهود، "اضطرب هو وكل اورشليم معه وجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب" (اي اليهود). ولما رأى "ان المجوس قد سخروا به" اي لم يرجعوا اليه ويخبرونه بمكان وجود الصبي الذي كان قد أزمع على قتله "غضب جدا وأرسل فقتل كل صبيان بيت لحم وجميع تخومها من ابن سنتين فما دون على حسب الزمان الذي تحققه من المجوس".
وهذا ما يذكرنا بالحصار الروماني لقرطاجة في 146ق.م، فبعد محاصرة المدينة وبدء الهجوم عليها من قبل الجيش الروماني بقيادة سكيبيو "تمكن صدر بعل قائد فرق الخيالة القرطاجيين من تنظيم المقاومة بين الجيش والشعب وشن هجمات كاسحة في إتجاه الميناء في محاولة مستحيلة للخروج بالاطفال والنساء إلى البحر، وبعد أن أدركه اليأس وضع سيفه على الأرض وانحنى أمام سكيبيو طالبا لهم الرحمة". ولكن سكيبو لم يستجب له. "إذ ذاك تقول الروايات تقدمت زوجة صدر بعل ورمت بنفسها في النار مع طفليها لكي لا تحوج زوجها لاستعطاف الرومان المتغطرسين، وأندفعت قرطاجة تقاتل من جديد في آخر معركة وآخر يوم فيما أشرف سكيبيو من موقعه في البرج على عمليات القوات الخاصة لإشعال النار في كل بيت". وظلت قرطاجة تقاتل وتشتعل فيها النيران مدة 17 يوما حتى دكت بالكامل (راجع موسوعة ويكيبيديا).
وبعد مرور اقل من 2100 سنة على تدمير قرطاجة واقل من 1950 سنة على ميلاد السيد المسيح وصف المفكر المسيحي "اللبناني" انطون سعادة الصراع مع اليهود، واستطرادا: الصراع مع "روما" القديمة وكل "روما" بعدها حليفة ستراتيجية لليهود، بأنه "صراع وجود لا صراع حدود". ويضيف سعادة ان الصراع مع من يسميهم "يهود الداخل" هو جزء لا يتجزأ من "صراع الوجود مع اليهود".
ونذكر هنا ان الحاكم "الروماني" هيرودس لم يكن روماني القومية، ولم يكن يهوديا عبرانيا، بل كان أدوميا متهودا، اي كان احد كلاب روما من "يهود الداخل" حسب تعبير انطون سعادة. وقد سلم  "يهود الداخل" في سوريا انطون سعادة الى "يهود الداخل" في لبنان الذين اخرجوا  مسرحية محاكمته وارتكبوا جريمة اعدامه في 1949، وقد رفعت التماثيل للقتلة في بيروت (بشارة الخوري ورياض الصلح وحبيب ابي شهلا). ولكن رفع التماثيل ليهود الداخل لم يرفع من شأنهم، بوصفهم خونة وعملاء واعداء حقيقيين للشعب والوطن، كما انه لم يلغ افكار انطون سعادة بل اكدها بالملموس. ذلك ان انطون سعادة لم يأت بافكاره من فراغ، بل كان يقرأ التاريخ والانجيل.

ـ3ـ الانتشار المسيحي:
أ ـ الرعاة:
وتحدثنا الرواية المسيحية (انجيل لوقا) انه "كان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل". وان ملاك الرب ظهر لهم وأنبأهم بولادة السيد المسيح. وأعطاهم الملاك علامة محددة وهي "انكم تجدون طفلا ملفوفا مضجعا في مذود". وذهب الرعاة وسجدوا له. اي بفصيح العبارة ان السيد المسيح هو بالتحديد مسيح الفقراء، وان الفقراء هم ناسه و"بيئته الحاضنة الشعبية" والقاعدة او الركيزة الاولى لكنيسته (اي جماعته).
فمن هم هؤلاء الرعاة؟
ربما كانوا يهودا عبرانيين، وربما كانوا كنعانيين، وربما كانوا بدوا. فالعبارة قد تفيد الفئات الثلاث. وحتى لو افادت الفئات الثلاث معا، فإنها ايضا تفيد وجود انسجام وتفاهم فيما بينهم؛ كما تفيد انهم كانوا ينتظرون "مجيء" المسيح ــ المخلص، وليس المسيح ــ الملك، ومن ثم كانوا ينتظرون مجيء المسيح الفقير. وهذا ما اكده لهم "ملاك الرب"، فذهبوا وسجدوا له.
وهذه الرواية تؤكد على انتشار المسيحية في محيط بيت لحم وفي البادية القريبة، قبل ومع وبعد ولادة السيد المسيح. والالتباس الوارد في الانجيل حول "قومية" الرعاة يدل ان المسيحية كانت قد بدأت بالانتشار بين مختلف الفئات، بما في ذلك بين اليهود الفقراء (الرعاة، والحرفيين كيوسف النجار، والصيادين كبطرس).

ب ـ المجوس:
كما تحدثنا الرواية المسيحية (انجيل متى) "ولما ولد يسوع في بيت لحم ... اذا مجوس قد اقبلوا من المشرق" كي يسجدوا للمسيح ويقدموا له الهدايا".
فمن هم هؤلاء "المجوس"؟
الان، بعد لا سنة او عشر او مائة سنة، بل بعد 2022 سنة من ميلاد السيد المسيح، لو وجهنا هذا السؤال بشكل اعتباطي، لانهال علينا سيل من الاجوبة على لسان بعض "الاسلاميين!!" "القاعديين" والتكفيريين، وبعض بقايا البعثيين الصداميين، بأن "المجوس" هم الفرس الملاعين، عبدة النار والشياطين، والشيعة الرافضيين، المؤيدين للنصارى "المشركين".
ولكن مثل هذه الاجوبة لا تضيء على اي مسألة اضاءة حقيقية، بل تتكشف فقط عن الحقد الاعمى، او العمى الحاقد، الشوفيني والمذهبي، لاصحابها.

وللاضاءة على هذه المسألة نرى من الضروري ايراد بعض ما تقوله المصادر المسيحية نفسها عن اولئك "المجوس".
في الموقع الالكتروني المسيحي LINGA.ORG  يرد ما يلي:
( أ ) "ترد كلمة "مجوس" في العهد القديم في نبوّتي إرميا ودانيال. فمن رؤساء بابل الذين دخلوا أورشليم بعد أن فتحها نبوخذ نصر ملك بابل، وجلسوا في الباب الأوسط (يرد اسم) "نرجل شراصر رئيس المجوس" (إر 39: 3و 13). ويري البعض أن الكلمة الكلدية المستخدمة هنا وهي "رب موجي" معناها "أمير عظيم". وكان الفرس والماديون والبابليون يستخدمون كلمة "مجوس" للدلالة على الكهنة والحكماء. وكان المفروض أنهم رجال حكماء ماهرون في معرفة الأسرار، تلك المعرفة التي نشأت منذ عصور قديمة في مصر الفرعونية، وانتقلت إلي كلديا وبابل.
وكان المجوس يحسبون بين المنجمين، أي الذين يتنبأون عن الأحداث بقراءة النجوم.
( ب ) المجوس عند اليونانيين:
كانت كلمة "مجوس" عند اليونانيين ترتبط بنظام أجنبي للعرافة وبديانة شعب عدو، قد هزموه، وسرعان ما أصبحت نعتاً لأسوأ أنواع الدجل والخداع. كما تطلق علي "سيمون الساحر" (أع 8: 9)، فكلمة "ساحر" في الموضعين هي نفس كلمة "ماجوس".
( ج ) المجوس في إنجيل متى:
يستخدم متى كلمة "مجوس" بمعناها الطيب، حتى إنها تترجم في الإنجليزية إلى "حكماء" (مت 2: 1 و7 و16). ولكن متى لا يمدنا بتفاصيل كثيرة عن أولئك المجوس، إلا أنهم جاؤوا من "المشرق" (2: 1و2)، وهي عبارة غامضة لا تحدد بلداً معيناً، وهكذا تترك المجال واسعاً للتخمين. فقال بعض الآباء إنهم جاؤوا من جنوبي الجزيرة العربية، وذلك بناء على الهدايا التي قدموها "الذهب واللبان والمرّ"، وكانت تشتهر بها هذه البلاد، و(لكنها) لا تعتبر "مشرقاً" بالنسبة لفلسطين، لذلك قال آخرون إنهم جاؤوا من كلديا أو ميديا أو فارس. ومع أنه لا يمكن الجزم برأي، إلاَّ أن الأرجح أنهم جاؤوا من فارس، حيث كان هذا الاسم يطلق على كهنتهم.
ولا يذكر متى كم كان عدد المجوس الذين جاءوا ليروا الطفل يسوع.
كما لا يذكر أسماءهم.
( د ) أهمية قصة المجوس في إنجيل متى:
تلعب زيارة المجوس لبيت لحم دوراً هاماً في إنجيل متى، فمن البداية تعلن حقيقة شخصية الطفل الوليد... كما أن الحوار بين المجوس وهيرودس ورؤساء الكهنة والكتبة (اليهود)، يُعلن أن يسوع كان تحقيقاً لنبوّة ميخا عن المسيا.
وبالإضافة إلى إثبات أن يسوع هو المسيا الذي طال انتظاره، فإن قصة المجوس ــ كجزء من مقدمة إنجيل متى ــ تقدم عدة مواضيع بارزة تعود للظهور في الأصحاحات التالية. فهي تؤكد أولاً أن يسوع المسيح لم يأت لليهود فقط بل للأمم أيضاً (ممثلين في "المجوس من المشرق"). كما كان سجود هؤلاء الأمم صورة مسبقة للإرسالية العظمي للكرازة بالإنجيل لجميع الامم (مت 28: 19، وأيضاً 8: 11و 12، 12: 21).
والموضوع الثاني الذي تعلنه هذه القصة، هو هذا الإيمان المذهل الذي أبداه أولئك المجوس، والذي كان ينقض الشعب الذي جاء منه الرب يسوع، فبينما قدم هؤلاء المجوس الغرباء الإكرام والسجود للمسيا المولود، فإن هيرودس ــ ولعله كان بموافقة رؤساء الكهنة أيضاً ــ دبر مؤامرته لقتل الطفل يسوع (2: 3- 6 و16). وهكذا نجد في فصول أخرى من الإنجيل، الأمم يؤمنون، بينما لم يؤمن غالبية الشعب اليهودي (ارجع إلى 8: 5- 13، 15: 21- 28، 27: 19 و54)."

وفي العدد رقم 350 (كانون الاول 2006) من مجلة "صوت الكرازة بالانجيل" (يوجد موقع الكتروني باسم المجلة)، التي تصدر باللغة العربية في اميركا، مقالة بعنوان "مجوس الميلاد: اول عرب عبدوا المسيح". والمقالة هي بقلم: د. طوني معلوف، وترجمتها الى العربية: د. لميس جرجور معلوف. وجاء في المقالة ما يلي:

1 - "كلمة "المجوس":
"استخدمت الكلمة اليونانية magos  في البداية للإشارة إلى أفراد سبط ميديّ تولّى المهام الكهنوتية في إمبراطورية مادي وفارس. وكان هؤلاء الكهنة ذوي قدرة على تفسير بعض العلامات والأحلام وتضمّنت ممارساتهم السحر والشعوذة. لكن بالإضافة إلى هذه الاستخدامات السلبية، فقد استخدمت الكلمة أيضًا للإشارة إلى "من يمتلك معرفة وحكمة فائقتين." وهكذا عيّن الملك نبوخذنصّر دانيال اليهوديّ رئيساً للمجوس. وبهذا المعنى أيضاً اعتُبِر موسى مجوسياً أيضاً في قصر فرعون. ويشير المؤرخ يوسيفوس إلى يهودي اسمه سمعان، دعي مجوسياً، وكان مشيراً لفيلكس والي اليهودية. وإذا أخذنا الكلمة بمعنى "من يملك معرفة فائقة" فإنه كان بين العرب القدماء كثير من المجوس. وبالحقيقة يعرّف لنا كتاب باروخ (من القرن الثالث ق.م.) "أولاد هاجر" العرب بأنهم "الذين يطلبون الحكمة على الأرض" (باروخ 23:3). فضلاً عن ذلك، توجد في الكتاب المقدس عدة شواهد عن حكمة العرب القدماء التي لم تفُقْها في القديم سوى حكمة سليمان (1ملوك 30:4).

2 – "رأي الكنيسة الأولى:
"من ناحية ثانية، فإن آباء الكنيسة الأولين اعتبروا العربية منشأً لمجوس الانجيل، وفي ذلك عكسوا على الأغلب تقليد الرسل. فأكليمندس الروماني (96م) يلمّح إلى ذلك في كتاباته. أما يوستنيانوس الشهيد (حوالي 150م) الذي ولد ونشأ في السامرة بفلسطين فهو يشير تسع مرات إلى المجوس الذين أتوا من العربية ليعبدوا المسيح المولود. وبدوره يبني ترتليانوس القرطاجي (حوالي 200 م.) رأيه على تقليد معروف في كل المشرق القديم وهو أول شخص يحدد هوية هؤلاء الزوار على أنهم ملوك أتوا من العربية.

3 – "الدعم الجغرافي:
"قدِم المجوس من المشرق (متى 1:2، 2، 9) الذي عُرِف في الازمنة الكتابية بالكلمة العبرية قِدِم وهو المكان الذي سكنت فيه الأسباط العربية المتعددة المنحدرة من إبراهيم (تكوين 1:25-6، 12-18). وعندما ولد المسيح كانت تلك المنطقة مرتبطة جغرافياً وسياسياً بابن إبراهيم البكر، أي بإسمعيل. ولا يزال البدو العرب في أيامنا يتحدثون عن توجههم إلى صحراء العربية بأنه تشريق (سير نحو الشرق) بغض النظر عن اتجاه سيرهم. وعلى النقيض من ذلك فإن القادمين إلى أرض فلسطين من فارس أو بابل أو أشور كانوا يدخلون فلسطين من الشمال؛ ولذلك كانت بلادهم تُسمّى في الكتاب باستمرار، "أرض الشمال" (إشعياء 31:14). وهكذا فَهِم القراء اليهود تماماً من متى البشير أن المجوس أتوا من الصحراء العربية الواقعة شرقيّ نهر الأردن.

4 – "طبيعة الهدايا:
"تمثل الهدايا التي قدّمها المجوس للمسيح من ذهب ولبان ومرّ المصدر الرئيسي للقوة الاقتصادية للعربية قديماً. ومن بين تلك الهدايا، كان اللبان والمر ينتجان بشكل شبه حصري في جنوب الجزيرة العربية. وبحسب شهادة المؤرخين اليونان والرومان، فإن هذه المواد التجارية جعلت مملكة سبأ القديمة في جنوب العربية أغنى أمة في العالم القديم. ويخبرنا المؤرخ هيرودتس بأنّ عرب الشمال كانوا يرسلون للإمبراطور الفارسيّ هدية سنوية قدرها ثلاثون طناً من اللبان عربون صداقتهم للفرس. وقبيل مجيء المسيح سيطر العرب الأنباط على تجارة القوافل التي كانت تضمّ الهدايا التي قدمها المجوس للمسيح." (انتهى الاستشهاد بمقالة د. طوني معلوف).

نستخلص مما تقدم:
ــ1ــ ان "المجوس" هو تعبير واسع الاستخدام وكان يعني:
ــ أ ــ الاشخاص الاذكياء الذين يستخدمون ذكاءهم بالمعنى السلبي لممارسة التنجيم والشعوذة والسحر (ولا تزال كلمة "سحر Magic " بالانجليزية، وشبهها بكل لغات العالم الحية، تعود بجذرها اللغوي الى كلمة "مجوس").
ــ ب ــ الاشخاص الاذكياء الذين يستخدمون ذكاءهم بالاتجاه الايجابي لاكتساب المعرفة بواسطة الاختلاط والمطالعة، ولا سيما في الكتب القديمة والنادرة والاجنبية، ويخدمون السلطة والناس بعلمهم ومعرفتهم وآرائهم الاكثر سدادا، وكانوا يسمون "الحكماء". وهم يساوون اليوم من يسمون: العلماء، والخبراء، والمثقفين، والتكنوقراط والمستشارين الخ.
ــ2ــ ان المكان (او الامكنة) الذي جاء منه المجوس يشمل مروحة واسعة: من جنوب شبه الجزيرة العربية حتى بلاد فارس، مرورا بالعراق العربي وبابل واشور وكلديا. وبالمقارنة بين التحديد الدقيق للانجيل عن مكان مجيء الرعاة "كان في تلك الناحية رعاة يبيتون في البادية"، من الخطأ الاعتقاد ان الانجيل المقدس ابقى مكان مجيء المجوس ضمن دائرة الالتباس "سهوا!!" او "خطأ!!" او "جهلا!!". فالاناجيل الاربعة هي منسوبة الى انجيليين محددين كنسيا، ولكنها قبل اعتمادها ونشرها قرئت ومحصت تماما من قبل آباء الكنيسة الاولين، اي انها مرت على مطبخ (او اكثر من مطبخ) للرقابة الكنسية المشددة، قبل نشرها على الملأ. وانا شخصيا اميل الى الاعتقاد القريب من الجزم، بأن ترك مكان مجيء المجوس ملتبسا، كان لاحد سببين او الاثنين معا:
الاول ــ عدم الثقة الكاملة باستمرارية العلاقة الكنسية ببعض المجوس المعنيين.
والثاني ــ عدم كشف المجوس الذين هم على علاقة مع الكنيسة، وحمايتهم من ردود الفعل الانتقامية.
-3- ان "المجوس" كانوا اما عربا من شبه الجزيرة العربية، واما كلدانيين او بابليين، واما فرسا؛ واما من هؤلاء جميعا.
ــ ج ــ فرار العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها الى حين وفاة هيرودس:
جاء في الكتاب المقدس ان الملاك ظهر ليوسف النجار وطلب منه ان يهرب بالطفل يسوع الى مصر.
ولكن الكتاب المقدس لا يعطي اية تفاصيل عن هذه الرحلة الطويلة والشاقة والمحفوفة بالمخاطر من بيت لحم في فلسطين الى داخل مصر، وهي مسافة تقدر بمئات الكيلومترات في ارض صحراوية وساحلية حارة وجافة وصعبة.
الا ان المصادر المسيحية، ولا سيما المصرية منها، لم تهمل البحث في هذه الرحلة، من جهة، لاضفاء القدسية على الانتشار المسيحي في مصر، حتى في المناطق التي ربما لم تصل اليها العائلة المقدسة، ومن جهة ثانية، للتبرير القداسي للانتشار المسيحي ونشاط المؤسسة الكنسية ذاتها بالزعم ــ الصحيح او ربما غير الصحيح في بعض الحالات ــ بأن "يسوع مر من هنا!".
وفي دراسة بعنوان "رحلة العائلة المقدسة الى ارض مصر" (يمكن العثور عليها في الاثير الالكتروني) من اعداد Ava Tony  ومن اصدار الكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية، جاء فيها ان العائلة المقدسة سافرت الى مصر، فامتطت السيدة العذراء مريم حمارا والطفل يسوع على ذراعها ويوسف يقود الحمار. وكانت برفقتهم ايضا عجوز من اقربائهم اسمها سالومي او سالوما كانت تسير خلف الحمار. وتقول دراسةAva Tony  ان يوسف لم يكن يعلم "إلى اين يمضى؟ لم يكن يعلم كيف سيعيش فى أرض غريبة! كيف سيأكل هو ومن معه؟ أين يحتمى من حر الصيف وبرد الشتاء؟".
وتضيف الدراسة "هناك ثلاث طرق للقوافل للقادم إلى مصر"، "ولكن المصادر الكنسية والتقليد الكنسي... تقودنا إلى إعتقاد أكيد أن العائلة المقدسة سلكت طريقاً خاصا يختلف عن الطرق الثلاثة المعروفة فى ذلك الزمان" والسبب حسب رأي الأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات اللاهوتية الذي استشهدت به الدراسة: يبدو أن هيرودس علم بعد فوات الأوان بهرب العائلة المقدسة إلى مصر، فأرسل عشرة جواسيس من قبله إلى مصر، وأمرهم بأن يفتشوا بتدقيق عن الصبي، ويأتوا به إليه حيا ليقتله بيديه". "وكانت العائلة المقدسة تغير مكان إقامتها فى مصر شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، ومات هيرودس قبل أن يتمكن من بلوغ مأربه الخبيث". "وقد دخلت العائلة المقدسة مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما (بين مدينتى العريش وبورسعيد). وبعد أن عبرت العائلة المقدسة مدينة العريش تابعت السير فى طريق يسمى الفلوسيات". "ثم إنتقلت العائلة المقدسة بعد ذلك من الفرما في طريق إلى تل بسطا والتي كانت قديماً مدينة بسطا".
و"دخلت العائلة المقدسة مدينة بسطا وهى الآن تسمى تل بسطا بالقرب من الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتبعد عن القاهرة حوالى ١٠٠ كيلومتر من الشمال الشرقى". "ومدينة بسطا هى من المدن المصرية القديمة إسمها المصرى القديم "بير باستيت"Per Bastit  أي مدينة الآلهة، واسمها القبطي "بيوباست". وتذكر الدراسة ان العائلة المقدسة طافت في مناطق عديدة في مصر، وهي تعدد وتصف تلك المناطق.
وكان للجوء العائلة المقدسة الى مصر واقامتها فيها الى حين وفاة هيرودوس، دور كبير في انتشار الديانة المسيحية في مصر بعد ظهورها.
وتقدم الدراسة وصفا مفصلا لارتحال العائلة المقدسة في مختلف المناطق المصرية بما فيها القاهرة، والكنائس والاديرة والمزارات الدينية التي اقيمت فيما بعد، في تلك الاماكن.
ولكن الدراسة تجعل العائلة المقدسة ترتحل بشكل سريع الى كل الارجاء المصرية، وهذا يعني شيئين: الاول، التنقل الدائم حتى لا تقع العائلة المقدسة في يد الرومان او اليهود وجواسيسهم؛ والثاني، ان الدراسة موضوعة بعد زمن طويل من فرار العائلة المقدسة واقامتها في مصر؛ وقد ارادت المراجع الكنسية وواضعو الدراسة "تنقيل" العائلة المقدسة في كافة الارجاء المصرية لارضاء مختلف الابرشيات، ومطابقة خريطة ترحل العائلة المقدسة (بمفعول رجعي) مع خريطة انتشار المسيحية، لاضفاء الطابع المقدس على كل اماكن الانتشار المسيحي.

وتفيدنا الدراسة ان العائلة المقدسة تنقلت، على العموم، في اجواء "صديقة" ومؤيدة للمسيح ومؤمنة به؛ ولكن ذلك لم يكن دائما اذ كان يوجد اعداء ايضا، سواء كانوا من مؤيدي السلطة الرومانية او يهودا او مجرد وثنيين. وفيما يلي قصة استشهاد احد المؤمنين بالمسيح الذي ابدى استعداده لاستضافة العائلة المقدسة، كما ترويها الدراسة: "فلما عاد ودامون إلى أرمنت سمع عابدو الأوثان بوصوله، فجاؤوا إليه مسرعين وقالوا: هل الكلام الذى يقولونه عنك صحيح؟
فقال لهم: نعم أنا ذهبت إلى السيد المسيح وباركني وقال لي: أنا آتي وأحل في بيتك مع والدتي إلى الأبد.
فصرخ كلهم بصوت واحد وأشهروا سيوفهم عليه ونال إكليل الشهادة فى مثل هذا اليوم."
تبليغ العائلة المقدسة بموت هيرودوس:
وتكمل الدراسة:
"ويذكر المؤرخون: أن رجلاً من سبط يهوذا إسمه يوسي وهو من أقارب مريم العذراء ويوسف النجار، جاء من بلاد الشام، وأمكنه بعد تعب كثير أن يصل إلى العائلة المقدسة في جبل قسقام . وقد أتى ليبلغهم بما فعل هيرودس الملك، وكيف قتل جميع الأطفال في بيت لحم وإذ علم بهروب الطفل الإلهي وأمه، أرسل عشرة جنود للبحث عن الطفل وأسرته والقبض عليهم أحياء ليقتلهم بيديه واحداً واحداً.
فلما سمعت العذراء مريم هذا الحديث، إنزعجت وأسرعت فاحتضنت الطفل الإلهي وصعدت به إلى سطح الغرفة العليا التي أعدها القديس يوسف النجار له ولأمه للإختباء فيها، فطمأنها الرب يسوع وقال لها: "لا تخافي يا أمي ولا تبكي، فإن بكاءك يحزنني. إن الوقت لم يحن بعد ليسلـَّم إبن الإنسان، وسوف لا يعرف الجند مكاننا". وتطلع إلى القديس يوسف النجار وإلى سالومي وقال لهما: "لا تخافا". ثم وجه الخطاب إلى يوسي: "لقد تعبت من أجلنا كثيراً وتحملت مشاق السفر أميالاً عدة، إن أجرك كبير".
ثم قال له: "والآن أسترح أنت، وهنا يمكنك أن ترقد". فأطاع يوسي وأخذ حجراً ووضعه تحت رأسه، وأغمض عينيه وما هى إلا فترة قصيرة حتى أسلم الروح".
"فلما مات هيرودس إذا بملاك الرب قد تراءى ليوسف فى الحلم بمصر قائلاً: "قم خذ الصبي وامه، واذهب إلى ارض إسرائيل، فإنه قد مات الذين يطلبون نفس الصبي، فقام وأخذ الصبي وامه وجاء إلى أرض إسرائيل" (أنجيل القديس متى: 2: 19 ـ 21).

*****

واخيرا، ليسمح لنا القارئ في ان نعرض استنتاجاتنا من رواية ميلاد السيد المسيح وتداعياته، مع الاشارة مسبقا اننا اذا اختلفنا بالرأي مع بعض رجال الدين او الاوساط الدينية، فإننا لا نتعرض وليس لدينا اية نية في التعرض للمفاهيم الدينية اللاهوتية بحد ذاتها، بل اننا لا نخرج عن "الشق البشري" من المفاهيم الدينية المسيحية ذاتها، التي تقر بالطبيعتين (الالهية والبشرية) للسيد المسيح. ونحن نقدم كل الاحترام للمفاهيم "الالهية"، وبالمقابل نستخدم حقنا البشري في مقاربة فهم الجوانب البشرية وحسب في رواية ميلاد السيد المسيح وتداعياته. وفيما يلي بعض ملاحظاتنا "البشرية" بامتياز:

ـ1ـ ان ميلاد السيد المسيح ليس حادثا فجائيا مفصولا عن الزمان والمكان (كصاعقة رعدية في صيف في صحراء)؛ بل هو ــ في طبيعته، وفي مكانه وزمانه ــ  حلقة في سلسلة الصراع المستميت بين شعوب الشرق (والعالم)، من جهة، وبين الاستعمار العنصري "الغربي" والاستغلال الرأسمالي "اليهودي"، من جهة ثانية. ولا عجب في ان هذا الصراع كان ــ ولا يزال الى اليوم ــ يجد اصداءه في السموات، وفي ما وراء الغيب، طالما "ان الله خلق الانسان على صورته ومثاله"، كما يقول الدينيون، وطالما "ان وجود الله هو ضرورة انسانية"، كما يقول الفلسفيون.

ـ2ـ كانت حركة الوعي والتنظيم الديني "الالهي التوحيدي"، وهي ما يمكن تسميتها مجازا "الحركة الابراهيمية"، تسير وتتطور بشكل موحد في الظاهر على الاقل، حتى لحظة ميلاد السيد المسيح. ولكن الواقع ان تلك الحركة لم تكن موحدة، وانه كان يوجد في داخلها تيارات ومفاهيم مختلفة، واهمها اثنان:

الاول ــ التيار الانعزالي ــ العنصري ــ الاستغلالي ــ الممالئ للسلطة الرومانية والطبقات الغنية ــ والساعي الى فرض سلطته المطلقة على "الاغيار"، وهو التيار "اليهودي"؛
والثاني ــ التيار الاممي ــ الانساني ــ المعادي للسلطة الرومانية وللطبقات الغنية ــ المدافع عن الفقراء والمظلومين والعبيد ــ والمناضل لاجل تحريرهم، وهو التيار الذي سمي فيما بعد "المسيحي".
واذا كان التيار "المسيحي" لم يكن قد حمل اسما مميزا (ما قبل المسيح) فهذا لا يعني ابدا عدم وجوده. واذا كان من مصلحة "اليهود" والغرب الرأسمالي ــ الاستعماري، المسمم باليهودية، طمس هذه النقطة، فإنه للاسف الشديد ان العلماء والمؤرخين الشرقيين، الدينيين وغير الدينيين، المسيحيين والمسلمين، لم يعطوا الى الان الاهتمام الكافي لهذه النقطة التاريخية المفصلية. وهو ما تستغله اليهودية الانتهازية للظهور بمظهر الدين التوحيدي الاول، الاساسي والاصلي، وان المسيحية، ومن بعدها الاسلام، ما هما سوى "اشتقاق" او "انشقاق" او "خروج" عن اليهودية ــ الابراهيمية الاولى و"الاصلية"!.
والواقع ان "المسيحية"، كحركة وعي وتنظيم دينية وجدت قبل المسيح بزمن. وعلى العلماء والمؤرخين وخصوصا رجال الدين المخلصين تدقيق هذا الزمن وتحديده. والرواية المسيحية لميلاد السيد المسيح تؤكد هذه النقطة. اذ ان التيار "اليهودي" كان ينتظر "علامات" اخرى لمجيء المسيح، اي انه كان ينتظر مجيء "مسيح آخر" مختلف تماما عن المسيح الذي "جاء حقا".
اما انصار التيار "المسيحي" فصدقوا فورا (اي كانوا مستعدين مسبقا لتصديق) مجيء المسيح الفقير، الملاحق من قبل الرومان وعملائهم ويهودهم، وسجدوا له واحتضنوه وهربوه وآووه واخفوه من وجه اعدائه.
اي ان "المسيحية" لم تولد بولادة المسيح، بل ان ميلاد السيد المسيح جاء ليكشف تماما ويكرس نهائيا وجود ديانتين: "اليهودية" و"المسيحية"، والتناقض التناحري التام فيما بينهما الى "يوم الحساب".

ـ3ـ جغرافية انتشار "المسيحية" قبل وبعد ميلاد السيد المسيح:
تحدثنا الرواية المسيحية عن "رعاة يبيتون في البادية"، وعن "مجوس اقبلوا من المشرق"، وعن فرار العائلة المقدسة الى مصر واختبائها فيها. وبتقييم منطقي ــ جغرافي هذا يعني:
اولا ــ المحيط الفلسطيني وسوريا وشرقي الاردن والنقب وغزة وسيناء، والعمق المصري، وشبه الجزيرة العربية وبابل وكلديا وحتى فارس.
ثانيا ــ كما تفيدنا الرواية المسيحية ان الملاك جاء مباشرة لتبشير "الرعاة" الذين ذهبوا مباشرة للسجود للسيد المسيح، وهذا يعني ان "العلاقة المسبقة والثقة المسبقة" بهؤلاء "الرعاة" كانت وثيقة، وهم المحيط الاول والاساس الاول للانتشار المسيحي. وفيما بعد سيقول المسيح لبطرس (الفلسطيني، العبراني المولد، الارامي الثقافة والمسيحي العقيدة) "انت الصخرة، وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي". و"الكنيسة" في اللغة الارامية ــ الكنعانية القديمة، التي وعظ بها السيد المسيح، تعني "الجامع" او "الجماعة" او "الامة". وبعد ذلك سيكرس الاسلام اولوية فلسطين برواية الاسراء والمعراج ذات الطابع الاعجوبي السماوي.
ثالثا ــ اما "المجوس" الذين اقبلوا من "المشرق" فلم تكن العلاقة معهم بعد بهذا الثبات، وهم جاؤوا وسألوا اولا اليهود وهيرودس المتهود عن ميلاد المسيح، ثم سخروا منه ولم يعودوا اليه ولم يسلموا المسيح.
رابعا ــ اما اهل القبطية (التي اصبحت تسمى لاحقا: مصر) فقد كانوا موضع ثقة تامة لملاك الرب وللمسيحيين الاوائل وأرسلت اليهم العائلة المقدسة لتختبئ لديهم.
خامسا ــ وهذا كله يدل على وجود تنظيم "مسيحي" واسع الانتشار وصلب العقيدة، على طول الطريق الذي سلكته العائلة المقدسة من فلسطين الى مصر وفيها، قبل ميلاد السيد المسيح.
ومن هذه الجغرافية انتشرت المسيحية بتردد باتجاه الشرق (ما بعد شبه الجزيرة العربية والعراق)، ولكنها اتجهت للانتشار بقوة باتجاه الشمال والغرب: كيليكيا واسيا الصغرى وبلاد البلقان، وجزر وسواحل اوروبا الغربية.

ـ4ـ المسيحية والامة العربية:
ان العلاقات بين الشعوب والامم، واقامة الدول والامبراطوريات الموحدة كانت تتم بصورة رئيسية بواسطة الغزوات والحروب وسيطرة جماعة على اخرى وامة على اخرى. وهذا ينطبق ايضا على الشعوب القديمة التي تألفت منها لاحقا الامة العربية، اي شعوب سوريا وفلسطين ولبنان وما بين النهرين ووادي النيل وشمال افريقيا. ونظرا لخصبها وغناها الاقتصادي والحضاري، تعرضت منطقة فلسطين وسوريا ولبنان مرارا للغزوات الآتية من العراق ومصر. وحتى العشيرة اليهودية، التي تأطرت كعصابة، بقيادة كهانها من يوسف الى موسى "التوراتيين"، امتهنت في مصر الفرعونية مهنة النخاسين ونظـّار العبيد، وبعد ان فرت من وجه المصريين الذين ضاقوا ذرعا بها، تطلعت في وقت ما الى ابادة اهل فلسطين والاستيلاء على مدنهم واراضيهم. وقبل ميلاد السيد المسيح كانت مصر وسوريا وفلسطين وشرقي الاردن قد سقطت في قبضة روما. وجاء ميلاد السيد المسيح، وتحول المسيحية الى ظاهرة دينية واسعة الانتشار في المنطقة كلها، ليرسي اسس نمط جديد من العلاقة بين شعوب المنطقة بمعزل عن سلطة روما وعملائها، وضدها وضدهم. والعلامة المميزة لهذه العلاقة الجديدة هو كونها علاقة اخوية دينية. ولكن من المؤكد انه تحت العلامة الدينية، كانت هذه العلاقة تتشعب في النواحي الثقافية العامة، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، خصوصا وانها تتم في ظروف مغايرة للسلطة القائمة ومعادية لها. وهذا ما يفسر، على سبيل المثال لا الحصر، بداية انتشار استخدام اللغة الارامية، اي اللغة التي كان يتكلم بها السيد المسيح، والتي كتبت بها بعض الاناجيل، وكانت تتلى بها الصلوات في القداديس المسيحية، الى جانب اليونانية ثم العربية ــ القرآنية.
وبكلمات اخرى، فإن ميلاد السيد المسيح وبداية الانتشار الواسع للمسيحية، دشنا الاسس الاولى للعلاقات الاخوية الحرة، غير السلطوية، وغير المفروضة بالقوة، بين شعوب سوريا ولبنان وفلسطين ووادي النيل وشمالي افريقيا وشبه الجزيرة العربية وما بين النهرين (العراق)، التي تشكلت منها لاحقا الامة العربية، التي ارسى ورسّخ كيانها الاسلام العربي.
واذا كان كلامنا لا يعجب "المسيحيين الغربيين" الامبرياليين، واليهوديين والصهاينة، والمسيحيين البلديين اليوضاسيين المتغوربين والمتصهينين، والاسلاميين التكفيريين والظلاميين، والعروبيين المسطحين والمزيفين، فهذا لا يغير بشيء الحقيقة التاريخية وهي:
انه بفضل وجود "المسيحية العربية" امكن وجود "الامة العربية"، والا لكانت شعوب الامة العربية اتخذت شكل وجود وتطور مختلف تماما عما صارت اليه. وفي ايامنا الراهنة، وبالرغم من كل ما طرأ على المسيحية من تشوهات، ذات مصدر "غربي: موالٍ للامبريالية والصهيونية"، وما طرأ على الاسلام من تشوهات تخلفية ذات مصدر "شرقي: ايوبي ــ مملوكي ــ عثماني ــ سعودي ــ تكفيري"،  فإن المسيحية العربية  ــ بانفتاحها الحضاري على العالم وقيمها القومية والانسانية ــ لا تزال تمثل الروح او الجهاز العصبي الكامن في صميم كينونة الجسم العربي. وان بعث او نهضة الامة العربية من وهدة التشتت والتخلف القروسطي "العثملي"، هو مشروط باعادة إحياء المسيحية العربية، وبعودة الروح للاسلام الحقيقي ــ في منبعه الاصلي العربي. وان كل المكاره التي اصابت الامة العربية، من ايام صلاح الدين الايوبي، الى قيام اسرائيل، والى ايام "الربيع العربي" المشؤوم، قد طالت بشكل مضاعف "المسيحية العربية" ووضعتها على حافة الموت. واذا ماتت "المسيحية العربية"، فسوف تسود الصهيونية والمتصهينين، وتتفكك وتموت "الامة العربية"، ولا قيامة!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كاتب لبناني مستقل

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد